الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين9%

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين مؤلف:
الناشر: المؤلف
تصنيف: الإمام علي بن الحسين عليه السلام
الصفحات: 413

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين
  • البداية
  • السابق
  • 413 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 250284 / تحميل: 14282
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

مؤلف:
الناشر: المؤلف
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

المناجاة الخامسة : مناجاة الراغبين

بسم الله الرحمن الرحيم إلهِي إنْ كانَ قَلَّ زادِي فِي الْمَسِيرِ إلَيْكَ، فَلَقَدْ حَسُنَ ظَنِّي بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْكَ، وَإنْ كَانَ جُرْمِي قَدْ أَخافَنِي مِنْ عُقُوبَتِكَ، فَإنَّ رَجآئِي قَدْ أَشْعَرَنِي بِالاَمْنِ مِنْ نِقْمَتِكَ، وَإنْ كانَ ذَنْبِي قَدْ عَرَّضَنِي لِعِقابِكَ، فَقَدْ آذَنَنِي حُسْنُ ثِقَتِي بِثَوابِكَ، وَإنْ أَنامَتْنِي الْغَفْلَةُ عَنِ الاسْتِعْدادِ لِلِقآئِكَ، فَقَدْ نَبَّهَتْنِي الْمَعْرِفَةُ بِكَرَمِكَ وَآلائِكَ، وَإنْ أَوْحَشَ ما بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَرْطُ الْعِصْيانِ وَالطُّغْيانِ، فَقَدْ آنَسَنِي بُشْرَى الْغُفْرانِ وَالرِّضْوانِ، أَسْأَلُكَ بِسُبُحاتِ وَجْهِكَ وَبِأَنْوارِ قُدْسِكَ، وَأَبْتَهِلُ إلَيْكَ بِعَوَاطِفِ رَحمَتِكَ وَلَطائِفِ بِرِّكَ، أَنْ تُحَقِّقَ ظَنِّي بِما أُؤمِّلُهُ مِنْ جَزِيلِ إكْرامِكَ، وَجَمِيلِ إنْعامِكَ فِي الْقُرْبى مِنْكَ، وَالزُّلْفى لَدَيْكَ، وَالتَّمَتُّعِ بِالنَّظَرِ إلَيْكَ، وَها أَنَا مُتَعَرِّضٌ لِنَفَحاتِ رَوْحِكَ وَعَطْفِكَ، وَمُنْتَجِعٌ غَيْثَ جُودِكَ وَلُطْفِكَ، فَارٌّ مِنْ سَخَطِكَ إلى رِضاكَ، هارِبٌ مِنْكَ إلَيْكَ، راج أَحْسَنَ ما لَدَيْكَ مُعَوِّلٌ عَلى مَواهِبِكَ، مُفْتَقِرٌ إلى رِعايَتِكَ.

إلهِي ما بَدَأْتَ بِهِ مِنْ فَضْلِكَ فَتَمِّمْهُ، وَما وَهَبْتَ لِي مِنْ كَرَمِكَ فَلا تَسْلُبْهُ، وَما سَتَرْتَهُ عَلَيَّ بِحِلْمِكَ فَلا تَهْتِكْهُ، وَما عَلِمْتَهُ مِنْ قَبِيحِ فِعْلِي فَاغْفِرْهُ.

إلهِي اسْتَشْفَعْتُ بِكَ إلَيْكَ وَاسْتَجَرْتُ بِكَ مِنْكَ أَتَيْتُكَ طامِعَاً فِي إحْسانِكَ، راغِباً فِي امْتِنانِكَ، مُسْتَسْقِياً وابِلَ طَوْلِكَ مُسْتَمْطِراً غَمامَ فَضْلِكَ، طالِباً مَرْضاتِكَ، قاصِدَاً جَنابَكَ، وارِداً شَرِيعَةَ رِفْدِكَ، مُلْتَمِساً سَنِيَّ الْخَيْراتِ مِنْ عِنْدِكَ، وافِدَاً إلى حَضْرَةِ جَمالِكَ، مُرِيداً وَجْهَكَ، طارِقاً بابَكَ، مُسْتَكِيناً لِعَظَمَتِكَ وَجَلالِكَ، فَافْعَلْ بِي ما أَنْتَ أَهْلُهُ مِنَ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَلا تَفْعَلْ بِي ما أَنَا أَهْلُهُ مِنَ الْعَذابِ وَالنِّقْمَةِ بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

٣٤١

المناجاة السادسة : مناجاة الشاكرين

بسم الله الرحمن الرحيم إلهِي أَذْهَلَنِي عَنْ إقامَةِ شُكْرِكَ تَتابُعُ طَوْلِكَ، وَأَعْجَزَنِي عَنْ إحْصآءِ ثَنآئِكَ فَيْضُ فَضْلِكَ، وَشَغَلَنِي عَنْ ذِكْرِ مَحامِدِكَ تَرادُفُ عَوآئِدِكَ، وَأَعْيانِي عَنْ نَشْرِ عوارِفِكَ تَوالِي أَيدِيكَ، وَهذَا مَقامُ مَنِ اعْتَرَفَ بِسُبُوغِ النَّعْمآءِ، وَقابَلَها بِالتَّقْصِيرِ، وَشَهِدَ عَلى نَفْسِهِ بِالاهْمالِ وَالتَّضْيِيعِ، وَأَنْتَ الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ الْبَرُّ الْكَرِيمُ، الَّذِي لا يُخَيِّبُ قاصِدِيهِ، وَلا يَطْرُدُ عَنْ فِنآئِهِ آمِلِيهِ، بِساحَتِكَ تَحُطُّ رِحالُ الرَّاجِينَ، وَبِعَرْصَتِكَ تَقِفُ آمالُ الْمُسْتَرْفِدِينَ، فَلا تُقابِلْ آمالَنا بِالتَّخْيِيبِ وَالاياسِ، وَلا تُلْبِسْنا سِرْبالَ الْقُنُوطِ وَالاِبْلاسِ.

إلهِي تَصاغَرَ عِنْدَ تَعاظُمِ آلائِكَ شُكْرِي، وَتَضَاءَلَ فِي جَنْبِ إكْرَامِكَ إيَّايَ ثَنآئِي وَنَشْرِي، جَلَّلَتْنِي نِعَمُكَ مِنْ أَنْوَارِ الاِيْمانِ حُلَلاً، وَضَرَبَتْ عَلَيَّ لَطآئِفُ بِرِّكَ مِنَ الْعِزِّ كِلَلاً، وَقَلَّدْتَنِي مِنْكَ قَلائِدَ لا تُحَلُّ، وَطَوَّقْتَنِي أَطْوَاقَاً لا تُفَلُّ، فَآلاؤُكَ جَمَّةٌ ضَعُفَ لِسانِي عَنْ إحْصائِها، وَنَعْمآؤُكَ كَثِيرَةٌ قَصُرَ فَهْمِي عَنْ إدْرَاكِها فَضْلاً عَنِ اسْتِقْصآئِها، فَكَيْفَ لِي بِتَحْصِيلِ الشُّكْرِ، وَشُكْرِي إيَّاكَ يَفْتَقِرُ إلى شُكْر، فَكُلَّما قُلْتُ: لَكَ الْحَمْدُ، وَجَبَ عَلَيَّ لِذلِكَ أَنْ أَقُولَ: لَكَ الْحَمْدُ.

إلهِي فَكَما غَذَّيْتَنا بِلُطْفِكَ، وَرَبَّيْتَنا بِصُنْعِكَ، فَتَمِّمْ عَلَيْنَا سَوابِـغَ النِّعَمِ، وَادْفَعْ عَنَّا مَكارِهَ النِّقَمِ، وَآتِنا مِنْ حُظُوظِ الدَّارَيْنِ أَرْفَعَهَا وَأَجَلَّها عاجِلاً وَآجِلاً، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلى حُسْنِ بَلاَئِكَ وَسُبُوغِ نَعْمآئِكَ حَمْدَاً يُوافِقُ رِضاكَ، وَيَمْتَرِي الْعَظِيمَ مِنْ بِرِّكَ وَنَداكَ، يا عَظِيمُ يا كَرِيمُ، بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

٣٤٢

المناجاة السابعة : مناجاة المطيعين للهِ

بسم الله الرحمن الرحيم أَللَّهُمَّ أَلْهِمْنا طاعَتَكَ، وَجَنِّبْنا مَعْصِيَتَكَ، وَيَسِّرْ لَنا بُلُوغَ ما نَتَمَنّى مِنِ ابْتِغآءِ رِضْوانِكَ، وَأَحْلِلْنا بُحْبُوحَةَ جِنانِكَ، وَاقْشَعْ عَنْ بَصائِرنا سَحابَ الارْتِيابِ، وَاكْشِفْ عَنْ قُلُوبِنا أَغْشِيَةَ الْمِرْيَةِ وَالْحِجابِ، وَأَزْهِقِ الْباطِلَ عَنْ ضَمآئِرِنا، وَأَثْبِتِ الْحَقَّ فِي سَرائِرِنا، فَإنَّ الشُّكُوكَ وَالظُّنُونَ لَواقِحُ الْفِتَنِ، وَمُكَدِّرَةٌ لِصَفْوِ الْمَنآئِحِ وَالْمِنَنِ.

أَللَّهُمَّ احْمِلْنا فِي سُفُنِ نَجاتِكَ، وَمَتِّعْنا بِلَذِيْذِ مُناجاتِكَ، وَأَوْرِدْنا حِياضَ حُبِّكَ، وَأَذِقْنا حَلاوَةَ وُدِّكَ وَقُرْبِكَ، وَاجْعَلْ جِهادَنا فِيكَ، وَهَمَّنا فِي طاعَتِكَ، وَأَخْلِصْ نِيَّاتِنا فِي مُعامَلَتِكَ، فَإنَّا بِكَ وَلَكَ، وَلا وَسِيلَةَ لَنا إلَيْكَ إلاَّ أَنْتَ.

إلهِي اجْعَلْنِي مِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الاَخْيارِ، وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ الاَبْرارِ، السَّابِقِينَ إلَى الْمَكْرُماتِ، الْمسارِعِينَ إلَى الْخَيْراتِ، الْعامِلِينَ لِلْباقِياتِ الصَّالِحاتِ، السَّاعِينَ إلى رَفِيعِ الدَّرَجاتِ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ، وَبِالاجابَةِ جَدِيرٌ بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

٣٤٣

المناجاة الثامنة : مناجاة المريدين

بسم الله الرحمن الرحيم سُبْحانَكَ ما أَضْيَقَ الطُّرُقَ عَلى مَنْ لَمْ تَكُنْ دَلِيلَهُ! وَما أَوْضَحَ الْحَقَّ عِنْدَ مَنْ هَدَيْتَهُ سَبِيلَه!

إلهِي فاسْلُكْ بِنا سُبُلَ الْوُصُولِ إلَيْكَ، وَسَيِّرْنا فِي أَقْرَبِ الطُّرُقِ لِلْوُفُودِ عَلَيْكَ، قَرِّبْ عَلَيْنَا الْبَعِيدَ، وَسَهِّلَ عَلَيْنَا الْعَسِيرَ الشَّدِيدَ، وَأَلْحِقْنا بِعِبادِكَ الَّذِينَ هُمْ بِالْبِدارِ إلَيْكَ يُسارِعُونَ، وَبابَكَ عَلَى الدَّوامِ يَطْرُقُونَ، وَإيَّاكَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ يَعْبُدُونَ، وَهُمْ مِنْ هَيْبَتِكَ مُشْفِقُونَ، الَّذِينَ صَفَّيْتَ لَهُمُ الْمَشارِبَ، وَبَلَّغْتَهُمُ الرَّغآئِبَ، وَأَنْجَحْتَ لَهُمُ الْمَطالِبَ، وَقَضَيْتَ لَهُمْ مِنْ فَضْلِكَ الْمَآرِبَ، وَمَلاْتَ لَهُمْ ضَمآئِرَهُمْ مِنْ حُبِّكَ وَرَوَّيْتَهُمْ مِنْ صافِي شِرْبِكَ، فَبِكَ إلى لَذِيذِ مُناجاتِكَ وَصَلُوا، وَمِنْكَ أَقْصى مَقاصِدِهِمْ حَصَّلُوا، فَيا مَنْ هُوَ عَلَى الْمُقْبِلِينَ عَلَيْهِ مُقْبِلٌ، وَبِالْعَطْفِ عَلَيْهِمْ عآئِدٌ مُفْضِلٌ، وَبِالْغافِلِينَ عَنْ ذِكْرِهِ رَحِيمٌ رَؤُوفٌ، وَبِجَذْبِهمْ إلى بابِهِ وَدُودٌ عَطُوفٌ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَنِي مِنْ أَوْفَرِهِمْ مِنْكَ حَظّاً، وَأَعْلاهُمْ عِنْدَكَ مَنْزِلاً، وَأَجْزَلِهِمْ مِنْ وُدِّكَ قِسَماً، وَأَفْضَلِهِمْ فِي مَعْرِفَتِكَ نَصِيباً، فَقَدِ انْقطَعَتْ إلَيْكَ هِمَّتِي، وَانْصَرَفَتْ نَحْوَكَ رَغْبَتِي، فَأَنْتَ لاَ غَيْرُكَ مُرادِي، وَلَكَ لا لِسِواكَ سَهَرِي وَسُهادِي، وَلِقاؤُكَ قُرَّةُ عَيْني، وَوَصْلُكَ مُنى نَفْسِي، وَإلَيْكَ شَوْقِي، وَفِي مَحَبَّتِكَ وَلَهِي، وَإلى هَواكَ صَبابَتِي، وَرِضاكَ بُغْيَتي، وَرُؤْيَتُكَ حاجَتِي، وَجِوارُكَ طَلَبِي، وَقُرْبُكَ غايَةُ سُؤْلِي، وَفِي مُنَاجَاتِكَ رَوْحِي وَراحَتِي، وَعِنْدَكَ دَوآءُ عِلَّتِي، وَشِفآءُ غُلَّتِي، وَبَرْدُ لَوْعَتِي، وَكَشْفُ كُرْبَتِي. فَكُنْ أَنِيْسِي فِي وَحْشَتِي، وَمُقِيلَ عَثْرَتِي، وَغافِرَ زَلَّتِي، وَقابِلَ تَوْبَتِي، وَمُجِيبَ دَعْوَتِي، وَوَلِيَّ عِصْمَتِي، وَمُغْنِيَ فاقَتِي، وَلا تَقْطَعْنِي عَنْكَ، وَلا تُبْعِدْنِي مِنْكَ يا نَعِيمِي وَجَنَّتِي، وَيا دُنْيايَ وَآخِرَتِي، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

٣٤٤

المناجاة التاسعة : مناجاة المحبّين

بسم الله الرحمن الرحيم إلهِي مَنْ ذَا الَّذِي ذَاقَ حَلاوَةَ مَحَبَّتِكَ، فَرامَ مِنْكَ بَدَلاً؟ وَمَنْ ذَا الَّذِي أَنِسَ بِقُرْبِكَ، فَابْتَغَى عَنْكَ حِوَلاً؟

إلهِي فَاجْعَلْنا مِمَّنِ اصْطَفَيْتَهُ لِقُرْبِكَ وَوِلايَتِكَ، وَأَخْلَصْتَه لِوُدِّكَ وَمَحَبَّتِكَ، وَشَوَّقْتَهُ إلى لِقَآئِكَ، وَرَضَّيْتَهُ بِقَضآئِكَ، وَمَنَحْتَهُ بِالنَّظَرِ إلى وَجْهِكَ، وَحَبَوْتَهُ بِرِضاكَ، وَأَعَدْتَهُ مِنْ هَجْرِكَ وَقِلاكَ، وَبَوَّأْتَهُ مَقْعَدَ الصِّدْقِ فِي جَوارِكَ، وَخَصَصْتَهُ بِمَعْرِفَتِكَ، وَأَهَّلْتَهُ لِعِبادَتِكَ، وَهَيَّمْتَ قَلْبَهُ لارادَتِكَ، وَاجْتَبَيْتَهُ لِمُشاهَدَتِكَ، وَأَخْلَيْتَ وَجْهَهُ لَكَ، وَفَرَّغْتَ فُؤادَهُ لِحُبِّكَ، وَرَغَّبْتَهُ فِيمَا عِنْدَكَ، وَأَلْهَمْتَهُ ذِكْرَكَ، وَأَوْزَعْتَهُ شُكْرَكَ، وَشَغَلْتَهُ بِطاعَتِكَ، وَصَيَّرْتَهُ مِنْ صالِحِي بَرِيَّتِكَ، وَاخْتَرْتَهُ لِمُناجاتِكَ، وَقَطَعْتَ عَنْهُ كُلَّ شَيْء يَقْطَعُهُ عَنْكَ.

أَللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ دَأْبُهُمُ الارْتِياحُ إلَيْكَ وَالْحَنِينُ، وَدَهْرُهُمُ الزَّفْرَةُ وَالاَنِينُ، جِباهُهُمْ سَاجِدَةٌ لِعَظَمَتِكَ، وَعُيُونُهُمْ ساهِرَةٌ فِي خِدْمَتِكَ، وَدُمُوُعُهُمْ سآئِلَةٌ مِنْ خَشْيَتِكَ، وَقُلُوبُهُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحَبَّتِكَ، وَأَفْئِدَتُهُمْ مُنْخَلِعَةٌ مِنْ مَهابَتِكَ، يامَنْ أَنْوارُ قُدْسِهِ لاَِبْصارِ مُحِبِّيهِ رآئِقَةٌ، وَسُبُحاتُ وَجْهِهِ لِقُلُوبِ عارِفيهِ شآئِقَةٌ، يا مُنى قُلُوبِ الْمُشْتاقِينَ، وَيا غَايَةَ آمالِ الْمُحِبِّينَ أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ كُلِّ عَمَل يُوصِلُنِي إلى قُرْبِكَ، وَأَنْ تَجْعَلَكَ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا سِواكَ وَأَنْ تَجْعَلَ حُبِّي إيَّاكَ قآئِداً إلى رِضْوانِكَ، وَشَوْقِي إلَيْكَ ذآئِداً عَنْ عِصْيانِكَ، وَامْنُنْ بِالنَّظَرِ إلَيْكَ عَلَيَّ، وَانْظُرْ بِعَيْنِ الْوُدِّ وَالْعَطْفِ إلَيَّ، وَلا تَصْرِفْ عَنِّي وَجْهَكَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ أَهْلِ الاِسْعادِ وَالْحُظْوَةِ عِنْدَكَ، يا مُجِيبُ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

٣٤٥

المناجاة العاشرة : مناجاة المتوسّلين

بسم الله الرحمن الرحيم إلهِي لَيْسَ لِي وَسِيلَةٌ إلَيْكَ إلاَّ عَواطِفُ رَأفَتِكَ، وَلا لِي ذَرِيعَةٌ إلَيْكَ إلاَّ عَوارِفُ رَحْمَتِكَ، وَشَفاعَةُ نَبِيِّكَ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، وَمُنْقِذِ الاُمَّةِ مِنَ الْغُمَّةِ، فَاجْعَلْهُما لِي سَبَباً إلى نَيْلِ غُفْرانِكَ، وَصَيِّرْهُمَا لِي وُصْلَةً إلَى الْفَوْزِ بِرِضْوانِكَ، وَقَدْ حَلَّ رَجآئِي بِحَرَمِ كَرَمِكَ، وَحَطَّ طَمَعِي بِفِنآءِ جُودِكَ. فَحَقِّقْ فِيكَ أَمَلِيْ وَاخْتِمْ بِالْخَيْرِ عَمَلِي، وَاجْعَلْنِي مِنْ صَفْوَتِكَ الَّذِينَ أَحْلَلْتَهُمْ بُحْبُوحَةَ جَنَّتِكَ، وَبَوَّأْتَهُمْ دارَ كَرامَتِكَ وَأَقْرَرْتَ أَعْيُنَهُمْ بِالنَّظَرِ إلَيْكَ يَوْمَ لِقآئِكَ، وَأَوْرَثْتَهُمْ مَنازِلَ الصِّدْقِ فِي جِوارِكَ.

يامَنْ لا يَفِدُ الْوافِدُونَ عَلى أَكْرَمَ مِنْهُ، وَلا يَجِدُ الْقاصِدُونَ أَرْحَمَ مِنْهُ، يا خَيْرَ مَنْ خَلا بِهِ وَحِيدٌ، وَيا أَعْطَفَ مَنْ أَوى إلَيْهِ طَرِيدٌ، إلى سَعَةِ عَفْوِكَ مَدَدْتُ يَدِي وَبِذَيْلِ كَرَمِكَ أَعْلَقْتُ كَفِّي، فَلا تُولِنِي الْحِرْمانَ، وَلا تُبْلِنِي بِالْخَيْبَةِ وَالْخُسْرانِ، يا سَمِيعَ الدُّعآءِ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

المناجاة الحادية عشرة : مناجاة المفتقرين

بسم الله الرحمن الرحيم إلهِي كَسْرِي لا يَجْبُرُهُ إلاَّ لُطْفُكَ وَحَنانُكَ، وَفَقْرِي لا يُغْنِيهِ إلاَّ عَطْفُكَ وَإحْسانُكَ، وَرَوْعَتِي لا يُسَكِّنُهَا إلاَّ أَمانُكَ، وَذِلَّتِي لا يُعِزُّها إلاَّ سُلْطانُكَ، وَأُمْنِيَّتِي لا يُبَلِّغُنِيها إلاَّ فَضْلُكَ، وَخَلَّتِي لا يَسُدُّها إلاَّ طَوْلُكَ، وَحاجَتِي لا يَقْضِيها غَيْرُكَ، وَكَرْبِي لاَ يُفَرِّجُهُ سِوى رَحْمَتِكَ، وَضُرِّي لا يَكْشِفُهُ غَيْرُ رَأْفَتِكَ، وَغُلَّتِي لا يُبَرِّدُها إلاَّ وَصْلُكَ، وَلَوْعَتِي لا يُطْفِيها إلاَّ لِقآؤُكَ، وَشَوْقِي إلَيْكَ لا يَبُلُّهُ إلاَّ النَّظَرُ إلى وَجْهِكَ، وَقَرارِي لا يَقِرُّ دُونَ دُنُوِّي مِنْكَ، وَلَهْفَتِي لاَ يَرُدُّها إلاَّ رَوْحُكَ، وَسُقْمِي لا يَشْفِيهِ إلاَّ طِبُّكَ، وَغَمِّي لا يُزِيلُهُ إلاَّ قُرْبُكَ، وَجُرْحِي لا يُبْرِئُهُ إلاَّ صَفْحُكَ، وَرَيْنُ قَلْبِي لا يَجْلُوهُ إلاَّ عَفْوُكَ، وَوَسْواسُ صَدْرِي لا يُزِيحُهُ إلاَّ أَمْرُكَ.

٣٤٦

فَيا مُنْتَهى أَمَلِ الامِلِينَ، وَيا غايَةَ سُؤْلِ السَّآئِلِينَ، وَيا أَقْصى طَلِبَةِ الطَّالِبِينَ، وَيا أَعْلَى رَغْبَةِ الرَّاغِبِينَ، وَيا وَلِيَّ الصَّالِحِينَ، وَيا أَمانَ الْخآئِفِينَ، وَيا مُجِيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ، وَيا ذُخْرَ الْمُعْدِمِينَ، وَيا كَنْزَ الْبآئِسِينَ، وَيا غِياثَ الْمُسْتَغيثِينَ، وَيا قَاضِيَ حَوائِجَ الْفُقَرآءِ وَالْمَساكِينِ، وَيا أَكْرَمَ الاَكْرَمِينَ، وَيا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، لَكَ تَخَضُّعِي وَسُؤالِي، وَإلَيْكَ تَضَرُّعِي وَابْتِهالِيْ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُنِيلَنِي مِنْ رَوْحِ رِضْوانِكَ، وَتُدِيمَ عَلَيَّ نِعَمَ امْتِنانِكَ، وَها أَنَا بِبابِ كَرَمِكَ واقِفٌ، وَلِنَفَحاتِ بِرِّكَ مُتَعَرِّضٌ، وَبِحَبْلِكَ الشَّدِيدِ مُعْتَصِمٌ، وَبِعُرْوَتِكَ الْوُثْقى مُتَمَسِّكٌ.

إلهِي ارْحَمْ عَبْدَكَ الذَّلِيلَ، ذَا اللِّسانِ الْكَلِيلِ وَالْعَمَلِ الْقَلِيلِ، وَامْنُنْ عَلَيْهِ بِطَوْلِكَ الْجَزِيلِ، وَاكْنُفْهُ تَحْتَ ظِلِّكَ الظَّلِيلِ يا كَرِيمُ يا جَمِيلُ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

المناجاة الثانية عشرة : مناجاة العارفين

بسم الله الرحمن الرحيم إلهِي قَصُرَتِ الاَلْسُنُ عَنْ بُلُوغِ ثَنآئِكَ، كَما يَلِيقُ بِجَلالِكَ، وَعَجَزَتِ الْعُقُولُ عَنْ إدْراكِ كُنْهِ جَمالِكَ، وَانْحَسَرَتِ الاَبْصارُ دُونَ النَّظَرِ إلى سُبُحاتِ وَجْهِكَ، وَلَمْ تَجْعَلْ لِلْخَلْقِ طَرِيقاً إلى مَعْرِفَتِكَ إلاَّ بِالْعَجْزِ عَنْ مَعْرِفَتِكَ.

إلهِي فَاجْعَلْنا مِنَ الَّذِينَ تَرَسَّخَتْ أَشْجارُ الشَّوقِ إلَيْكَ فِي حَدآئِقِ صُدُورِهِمْ، وَأَخَذَتْ لَوْعَةُ مَحَبَّتِكَ بِمَجامِعِ قُلُوبِهِمْ، فَهُمْ إلَى أَوْكارِ الاَفْكارِ يَأْوُونَ، وَفِي رِياضِ الْقُرْبِ وَالْمُكاشَفَةِ يَرْتَعُونَ، وَمِنْ حِياضِ الْمَحَبَّةِ بِكَأْسِ الْمُلاطَفَةِ يَكْرَعُونَ، وَشَرايعَ الْمُصافاةِ يَرِدُونَ، قَدْ كُشِفَ الْغِطآءُ عَنْ أَبْصَارِهِمْ، وَانْجَلَتْ ظُلْمَةُ الرَّيْبِ عَنْ عَقآئِدِهِمْ، وَانْتَفَتْ مُخالَجَةُ الشَّكِّ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَسَرآئِرِهِمْ، وَانْشَرَحَتْ بِتَحْقِيقِ الْمَعْرِفَةِ صُدُورُهُمْ، وَعَلَتْ لِسَبْقِ السَّعادَةِ فِي الزَّهادَةِ هِمَمُهُمْ، وَعَذُبَ فِي مَعِينِ الْمُعامَلَةِ شِرْبُهُمْ وَطابَ فِي مَجْلِسِ الاُنْسِ سِرُّهُمْ، وَأَمِنَ فِي مَوْطِنِ الْمَخافَةِ سِرْبُهُمْ، وَاطْمَأَنَّتْ بِالرُّجُوْعِ إلى رَبِّ الاَرْبابِ أَنْفُسُهُمْ، وَتَيَقَّنَتْ بِالْفَوْزِ وَالْفَلاحِ أَرْواحُهُمْ، وَقَرَّتْ بِالنَّظَرِ إلى مَحْبُوبِهِمْ أَعْيُنُهُمْ، وَاسْتَقَرَّ بِإدْراكِ السُّؤْلِ وَنَيْلِ الْمَأْمُولِ قَرَارُهُمْ، وَرَبِحَتْ فِي بَيْعِ الدُّنْيَا بِالاخِرَةِ تِجارَتُهُمْ.

٣٤٧

إلهِي ما أَلَذَّ خَواطِرَ الاِلْهامِ بِذِكْرِكَ عَلَى الْقُلُوبِ، وَما أَحْلَى الْمَسِيرَ إلَيْكَ بِالاَوْهامِ فِي مَسالِكِ الْغُيُوبِ، وَما أَطْيَبَ طَعْمَ حُبِّكَ، وَما أَعْذَبَ شِرْبَ قُرْبِكَ، فَأَعِذْنا مِنْ طَرْدِكَ وَإبْعادِكَ، وَاجْعَلْنا مِنْ أَخَصِّ عارِفِيكَ، وَأَصْلَحِ عِبادِكَ، وَأَصْدَقِ طآئِعِيكَ وَأَخْلَصِ عُبَّادِكَ، يا عَظِيمُ، يا جَلِيلُ، يا كَرِيمُ، يا مُنِيلُ، بِرَحْمَتِكَ وَمَنِّكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

المناجاة الثالثة عشرة : مناجاة الذاكرين

بسم الله الرحمن الرحيم إلهِي لَوْلا الْواجِبُ مِنْ قَبُولِ أمْرِكَ لَنَزَّهْتُكَ مِنْ ذِكْرِي إيَّاكَ، عَلى أَنَّ ذِكْرِي لَكَ بِقَدْرِي، لا بِقَدْرِكَ، وَما عَسى أَنْ يَبْلُغَ مِقْدارِي، حَتّى أُجْعَلَ مَحَلاًّ لِتَقْدِيسِكَ، وَمِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ عَلَيْنا جَرَيانُ ذِكْرِكَ عَلى أَلْسِنَتِنَا، وَإذْنُكَ لَنا بِدُعآئِكَ، وَتَنْزِيهِكَ وَتَسْبِيحِكَ.

إلهِي فَأَلْهِمْنا ذِكْرَكَ فِي الْخَلاءِ وَالْمَلاءِ، وَاللَّيْلِ وَالنَّهارِ، وَالاِعْلانِ وَالاِسْرارِ، وَفِي السَّرَّآءِ وَالضَّرَّآءِ وَآنِسْنا بِالذِّكْرِ الْخَفِيِّ، وَاسْتَعْمِلْنا بِالْعَمَلِ الزَّكِيِّ، وَالسَّعْي الْمَرْضِيِّ، وَجازِنا بِالْمِيزانِ الَوَفِيِّ.

إلهِي بِكَ هامَتِ الْقُلُوبُ الْوالِهَةُ، وَعَلى مَعْرِفَتِكَ جُمِعَتِ الْعُقُولُ الْمُتَبايِنَةُ، فَلا تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ إلاَّ بِذِكْراكَ، وَلا تَسْكُنُ النُّفُوسُ إلاّ عِنْدَ رُؤْياكَ، أَنْتَ الْمُسَبَّحُ فِي كُلِّ مَكان، وَالْمَعْبُودُ فِي كُلِّ زَمان، وَالْمَوْجُودُ فِي كُلِّ أَوان، وَالْمَدْعُوُّ بِكُلِّ لِسان، وَالْمُعَظَّمُ فِي كُلِّ جَنان، وَأَسْتَغْفِرُكَ مِنْ كُلِّ لَذَّة بِغَيْرِ ذِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ راحَة بِغَيْرِ أُنْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ سُرُور بِغَيْرِ قُرْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ شُغْل بِغَيْرِ طاعَتِكَ.

إلهِي أَنْتَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) وَقُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) فَأَمَرْتَنا بِذِكْرِكَ، وَوَعَدْتَنا عَلَيْهِ أَنْ تَذْكُرَنا تَشْرِيفاً لَنا وَتَفْخِيمَاً وَإعْظامَاً، وَها نَحْنُ ذاكِرُوكَ كَما أَمَرْتَنا، فَأَنْجِزْ لَنا مَا وَعَدْتَنا يا ذاكِرَ الذَّاكِرِينَ، وَيا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

٣٤٨

المناجاة الرابعة عشرة : مناجاة المعتصمين

بسم الله الرحمن الرحيم أَللَّهُمَّ يا مَلاَذَ اللائِذِينَ، وَيا مَعاذَ الْعآئِذِينَ، وَيا مُنْجِيَ الْهالِكِينَ، وَيا عاصِمَ الْبآئِسِينَ، وَيا راحِمَ الْمَساكِينِ، وَيا مُجِيبَ الْمُضْطَرِّينَ، وَيا كَنْزَ الْمُفْتَقِرِينَ وَيا جابِرَ الْمُنْكَسِرِينَ، وَيا مَأْوَى الْمُنْقَطِعِينَ، وَيا ناصِرَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَيا مُجِيرَ الْخآئِفِينَ، وَيا مُغِيثَ الْمَكْرُوبِينَ وَيا حِصْنَ اللاَّجِينَ، إنْ لَمْ أَعُذْ بِعِزَّتِكَ فَبِمَنْ أَعُوذُ؟ وَإنْ لَمْ أَلُذْ بِقُدْرَتِكَ فَبِمَنْ أَلُوذُ؟ وَقَدْ أَلْجَأَتْنِي الذُّنُوبُ إلَى التَّشَبُّثِ بِأَذْيالِ عَفْوِكَ، وَأَحْوَجَتْنِي الْخَطايا إلَى اسْتِفْتاحِ أَبْوابِ صَفْحِكَ، وَدَعَتْنِي الاِسآءَةُ إلَى الاِناخَةِ بِفِنآءِ عِزِّكَ، وَحَمَلَتْنِي الْمَخافَةُ مِنْ نِقْمَتِكَ عَلَى التَّمَسُّكِ بِعُرْوَةِ عَطْفِكَ، وَما حَقُّ مَنِ اعْتَصَمَ بِحَبْلِكَ أَنْ يُخْذَلَ، وَلا يَلِيقُ بِمَنِ اسْتَجَارَ بِعِزِّكَ أَنْ يُسْلَمَ أَوْ يُهْمَلَ. إلهِي فَلا تُخْلِنا مِنْ حِمايَتِكَ، وَلاَ تُعْرِنَا مِنْ رِعَايَتِكَ، وَذُدْنا عَنْ مَوارِدِ الْهَلَكَةِ، فَإنَّا بِعَيْنِكَ وَفِي كَنَفِكَ، وَلَكَ أَسْأَلُكَ بِأَهْل خاصَّتِكَ مِنْ مَلائِكَتِكَ ، وَالصَّالِحِينَ مِنْ بَرِيَّتِكَ، أَنْ تَجْعَلَ عَلَيْنا واقِيَةً تُنْجِينا مِنَ الْهَلَكاتِ، وَتُجَنِّبُنا مِنَ الافاتِ، وَتُكِنُّنا مِنْ دَواهِي الْمُصِيباتِ، وَأَنْ تُنْزِلَ عَلَيْنا مِنْ سِكَيْنَتِكَ، وَأَنْ تُغَشِّيَ وُجُوهَنا بِأَنْوارِ مَحَبَّتِكَ، وَأَنْ تُؤْوِيَنا إلى شَدِيدِ رُكْنِكَ، وَأَنْ تَحْوِيَنا فِي أَكْنافِ عِصْمَتِكَ بِرأْفَتِكَ وَرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

المناجاة الخامسة عشرة : مناجاة الزاهدين

بسم الله الرحمن الرحيم إلهِي أَسْكَنْتَنا داراً حَفَرَتْ لَنا حُفَرَ مَكْرِها. وَعَلَّقَتْنا بِأَيْدِي الْمَنايا فِي حَبائِلِ غَدْرِها، فَإلَيْكَ نَلْتَجِئُ مِنْ مَكآئِدِ خُدَعِها، وَبِكَ نَعْتَصِمُ مِنَ الاغْتِرارِ بِزَخارِفِ زِيْنَتِهَا، فَإنَّهَا الْمُهْلِكَةُ طُلاَّبَهَا، الْمُتْلِفَةُ حُلاَّلَهَا، الْمَحْشُوَّةُ بِالافاتِ، الْمَشْحُونَةُ بِالنَّكَباتِ.

٣٤٩

إلهِي فَزَهِّدْنا فِيها، وَسَلِّمْنا مِنْها بِتَوْفِيقِكَ وَعِصْمَتِكَ، وَانْزَعْ عَنَّا جَلابِيبَ مُخالَفَتِكَ، وَتَوَلَّ أُمُورَنا بِحُسْنِ كِفايَتِكَ، وَأَوْفِرْ مَزِيدَنا مِنْ سَعَةِ رَحْمَتِكَ، وَأَجْمِلْ صِلاتِنا مِنْ فَيْضِ مَواهِبِكَ، وَاغْرِسْ فِي أَفْئِدَتِنا أَشْجارَ مَحَبَّتِكَ، وَأَتْمِمْ لَنا أَنْوارَ مَعْرِفَتِكَ، وَأَذِقْنا حَلاوَةَ عَفْوِكَ، وَلَذَّةَ مَغْفِرَتِكَ، وَأَقْرِرْ أَعْيُنَنا يَوْمَ لِقآئِكَ بِرُؤْيَتِكَ، وَأَخْرِجْ حُبَّ الدُّنْيا مِنْ قُلُوبِنا كَما فَعَلْتَ بِالصَّالِحِينَ مِنْ صَفْوَتِكَ، وَالاَبْرارِ مِنْ خاصَّتِكَ بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَيا أَكْرَمَ الاَكْرَمِينَ.

رسالة الحقوق

ورسالة الحقوق من أهم الوثائق الدينية التي تطرقت إلى المباني الحقوقية للإجتماع الإنساني ولعل كل من جاء بعد الإمام السجادعليه‌السلام ( ت ٩٥ هـ ) كابن الوردي ( ت ٧٤٩ هـ ) وابن خلدون ( ت ٨٠٨ هـ ) وأبو بكر الهيثمي ( ت ٨٠٧ هـ ) استفاد منها في صياغة فكرة إجتماعية أو نظرية في بناء الدولة والإدارة أو فهم لطبيعة الحقوق الشخصية والإجتماعية والإلهية .

أ ـ في سند الرسالة ووحدة موضوعها

روى ( رسالة الحقوق ) الشيخ الصدوق ( ت ٣٨١ هـ ) في كتابيه : ( الخصال ) ، و( من لا يحضره الفقيه ) ، وتلاها في ( الأمالي ) عن ثابت بن أبي صفية المعروف بأبي حمزة الثمالي ( الثقة ) ، وقال : ( هذه رسالة علي بن الحسينعليه‌السلام إلى بعض أصحابه )(١)

ورواها الكليني ( ت ٣٢٩ هـ ) ونقلها الحراني في ( تحف العقول )(٢)

ــــــــــــــــ

(١) الخصال ج ٢ ص ١٢٦ ، ومن لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٣٧٦ ـ ٣٨١ ، وأمالي الصدوق ص ٢٢١ مجلس ٥٩ .

(٢) تحف العقول للحراني ص ١٨٤ .

٣٥٠

ثم نقلها المحدث النوري في كتابه ( المستدرك )(١) عن ( تحف العقول ) قائلاً : ( قلت : قال السيد علي بن طاووس في فلاح السائل : وروينا باسنادنا في كتاب الرسائل عن محمد بن يعقوب الكليني باسناده إلى مولانا زين العابدينعليه‌السلام أنه قال : فأما حقوق الصلاة فأن تعلم أنها وفادة ) ، وساق مثل ما مرّ في (تحف العقول( .

والخبير الذي يأنس بالأحاديث الشريفة يستطيع أن يجزم بأن الخبر المعروف بحديث الحقوق الذي رواه الشيخ الصدوق في (الخصال) و (من لا يحضره الفقيه) هو مختصر ما رواه الكليني المنقول في (تحف العقول) والمعلوم ان الشيخ الصدوق قد ذكر في مقدمة كتاب (من لا يحضره الفقيه) بأنه قد ألفه على طراز (من لا يحضره الطبيب) لكنه في الفقه والحلال والحرام والشرايع والأحكام بدل الطب فهو مختصر مستخرَج من الكتب المعتمدة المشهورة عند الإمامية .

والنتيجة أن الخبرين متحدان في الموضوع ، وليس هناك أي احتمال للتعدد قال النجاشي (ت ٤٥٠ هـ) في ترجمة أبي حمزة : (وله رسالة الحقوق عن علي بن الحسينعليه‌السلام أخبرنا أحمد بن علي قال حدثنا الحسن بن حمزة قال : حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه عن

ــــــــــــــــ

(١) المستدرك للنوري ج ٢ ص ٢٧٤ .

٣٥١

محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن علي بن الحسينعليه‌السلام ، وهذا السند أعلى وأصح من طريق الصدوق رحمه الله في الخصال ...)(١)

أقول : ان طريق الصدوق في (الأمالي)(٢) صحيح أيضاً .

فرواها عن علي بن أحمد بن موسى ، عن محمد بن جعفر الكوفي الأسدي ، عن محمد بن اسماعيل البرمكي ، عن عبد الله بن أحمد ، عن أسماعيل بن الفضل ، عن ثابت بن دينار الثمالي عن سيد العابدين علي بن الحسين .

فالأول علي بن أحمد بن موسى الدقاق من مشايخ الصدوق الذين يكثر النقل عنهم مع الترحم عليهم والثاني محمد بن جعفر من وكلاء الإمام المهدي (عج) الذين رأوه ووقفوا على بعض خصوصياته والثالث محمد البرمكي وهو ثقة مستقيم عند النجاشي والرابع عبد الله بن أحمد بن نهيك ثقة صدوق والخامس اسماعيل بن الفضل وهو ابن يعقوب بن الفضل بن عبد الله ثقة جليل القدر كان الصادقعليه‌السلام يقول هو كهل من كهولنا وسيدٌ من ساداتنا وثابت بن دينار هو أبو حمزة الثمالي وهو ثقة بل وتد من الأوتاد .

وسبب اختلاف النسختين يرجع إلى إحتمالين :

ــــــــــــــــ

(١) رجال النجاشي .

(٢) أمالي الصدوق ص ٢٢١ مجلس ٥٩ .

٣٥٢

١ ـ إما ان الإمامعليه‌السلام ذكر رسالة الحقوق في مناسبتين مختلفتين وهذا بعيد لأن الرسالة نقلها ثابت بن دينار (أبو حمزة الثمالي) فقط ، ولم ينقلها راوٍ آخر فيتعين أن الإمامعليه‌السلام ذكرها له تلك المرة ، ولم يكررها لغيره .

٢ ـ واما ان الرواة اختلفوا في نقل مضامينها فنقلها الكليني عن طريق صحيح يصل إلى ثابت بن دينار ، ونقلها الشيخ الصدوق ملخصة عن طريق سندي آخر صحيح أيضاً وهذا الإحتمال أقرب .

وتأكيد النجاشي على علو رواية الكليني ودقتها يجعلنا نطمئن لها ولذلك عرضنا رسالة الحقوق برواية الكليني لذلك الإعتبار وعلى أي تقدير ، فالروايتان لا تختلفان في الألفاظ إلا يسيراً أما المعنى فهو واحد .

ب ـ الدلالات الإجتماعية لرسالة الحقوق

وهذا الكتاب الذي كتبه الإمام السجادعليه‌السلام إلى بعض أصحابه ، المعروف برسالة الحقوق ، يعدُّ معلماً من معالم النظام الإجتماعي والحقوقي الإسلامي وهو نظام كلي ثابت للدولة الحديثة ، ومتجدد بتجدد الحياة الإجتماعية وعندما نقرأه اليوم ، نجده وكأنه ابن الساعة في منظومة أفكاره وتسلسله ، وتنظيمه لحقوق الإنسان مع نفسه وربه وغيره من بني البشر فقد تناول الإمامعليه‌السلام في رسالته حقوق الأسرة ، والتعليم ، والسلطة السياسية ، والعبادات ، والمعاملات ، والأخلاق الإجتماعية ، والسلام الإجتماعي عبر نبذ الجريمة والفساد والسرقة ، وحقوق الجيرة ، والإدارة المالية ، والقيادة الدينية ، والشِركة التجارية ، والقضاء ، والاستشارة والنصيحة ، وحرية الرأي والحقوق الإجتماعية وهي بكلها تمثل صورة المؤسسات الإجتماعية في الدولة الحديثة ، بل الدولة في كل زمان ومكان .

ولا شك ان الإمامعليه‌السلام في نظرته الشاملة حول الحقوق ، كان يشدد على مباني الهيئات الحقيقية والحقوقية التي تدير الناس وتدبر شؤونهم الحياتية والاقتصادية وهذا الفكر الرباني يعدُّ من أرقى أفكار التنظيم الإداري قبل نشوء الدولة الحديثة والإعجاز فيه أنه صورة دينية أخلاقية إلزامية لكل مجتمع على وجه الأرض من افريقيا إلى اوروبا إلى اسيا وفي كل حقبة زمنية من زمن النص وحتى اليوم .

٣٥٣

فعلى مستوى القضاء : إرشادٌ إلى المدعي والمدعى عليه فالمدعي على إنسان ما حقاً لا تبطل دعوته والمدعى عليه ينبغي معاملته باللطف والرفق ومن ساءه القضاء على يدي شخص بقولٍ أو فعلٍ فالعفو أولى به وللمستشير حق الاستشارة ، والشكر للمشير عليكَ على ما ابداه من رأي مهما كان وللمستنصِح الحق في طلب النصيحة ، وعلى الناصح الرفق واللين بالمنصوح وتعتبر الاستشارة اليوم من أعظم الحقول المهنية في المجتمعات المتطورة ، وهي ترتبط بالقضاء والقانون والتجارة .

وعلى مستوى النظام السياسي : مهما كان لونه ، فهناك : حاكم ومحكوم فللحاكم ان يلحظ بعين العطف ضعف الرعية وحاجتهم للعزّة ، وللمحكوم أن يَعينَ الحاكم العادل على حكمه وتعزيز قوته وإمام الصلاة جماعةً متفضلٌ على المأمومين بما كفاهم ذلك المقام أمام الله ، وللمؤذن حق الشكر .

وعلى مستوى نظام التعليم : فالأصل في التعلم هو العلاقة الطيبة بين الاستاذ والتلميذ والمنهج فللمعلم حق التعظيم والإقبال عليه ، وللمتعلم حق النصح والإرشاد .

وعلى مستوى الأسرة : فالزوجية هي المستراح والأنس والوقاية ، ولكلٍ من الزوجين حقوق وواجبات وحقوق الأبوين برّهما لأنهما أصل الإنسان ومصدر رزقه يوم كان عاجزاً عن كسبه ، وحق الأولاد حسن التأديب ، وحق الأخ أن تنصحه وتحنّ إليه وأن تتخذه ظهراً لك .

وعلى مستوى الناس : الإحسان إلى الجار ونصرته ، وإظهار الحسن الطيب للجليس ، وصحبة الصديق بالفضل ، والإخلاص للشريك ، وتوقير الكبير ، والعفو عن الصغير ، ونشر جناح الرحمة على جميع الناس .

وعلى مستوى الأمان الإجتماعي : حرمة بسط اليد إلى ما لا تحلّ للإنسان ، أي حرمة العنف والإعتداء والغصب والسرقة .

وعلى مستوى العبادة : فحق الله الأكبر هو عبادته بإخلاص وتفانٍ عبر الصلاة التي هي وفادةٌ بخشوع وذلّة ورهبة إلى الله تعالى ، والصوم وهو سترٌ على الإنسان من النّار ، والحج وهو وفادةٌ اخرى إلى الله تعالى عندما يفرٌّ الإنسان من ذنوبه .

٣٥٤

وعلى مستوى الإنسان والأخلاق : فعلى الإنسان أن يستعمل نفسه في طاعة الله ، وان يعوّد لسانه على ألفاظ الخير ، وأن ينزّه سمعه من الغيبة وفاحش القول ، وأن يغض بصره عن المحارم ، وأن لا يمشي برجليه إلى ما لا يحلّ له ، وأن لا يبسط يديه إلى ما لا تحلّ له ، وأن لا يأكل الحرام ولا يعمل الحرام .

وعلى مستوى الإدارة المالية في المجتمع : فأن لا يأخذ المال إلاّ من حلّه ، ولا يصرفه إلاّ في ذلك ، وأن يردَّ مال الغريم ، وأن يعطي السائل ما يكفيه ، فيُشكَرْ على ذلك ، وأن ينفق ما يستطيع بالكتمان والعلانية ، والكتمان أولى .

ج ـ نص الرسالة

اعلم ـ رحمكَ الله ـ أن لله عز وجل عليك حقوقاً محيطة بك في كل حركةٍ تحركتَها ، أو سكنةٍ سكنتَها ، أو حالٍ حلتَها ، أو منزلةٍ نزلتَها ، أو جاريةٍ قلبتَها ، أو آلةٍ تصرفتَ بها ، بعضُها أكبرُ من بعض ، وأكبرُ حقوقِ اللهِ عليك ما أوجبه لنفسه تبارك وتعالى من حقه الذي هو أصلُ الحقوقِ ومنه تتفرع .

ثم ما أوجبَهُ عليكَ لنفسِكَ من قرنك إلى قدمِكَ على اختلاف جوارحك فجعل لبصرك عليك حقاً ، ولسمعك عليك حقاً ، وللسانك عليك حقاً ، وليدك عليك حقاً ، ولرجلك عليك حقاً ، ولبطنك عليك حقاً ، ولفرجك عليك حقاً فهذه الجوارحُ السبع التي بها تكونُ الأفعالُ .

ثم جعل عزّ وجلّ لأفعالكَ عليك حقوقاً ، فجعلَ لصلاتك عليك حقاً ، ولصومك عليك حقاً ، ولصدقتك عليك حقاً ، ولهديك عليك حقاً ، ولأفعالك عليك حقاً .

٣٥٥

ثم تخرُجُ الحقوقُ منك إلى غيرك من ذوي الحقوق الواجبة عليك ، وأوجبها عليك حق أئمتك ، ثم حقوقُ رعيتكَ ، ثم حقوقُ رَحمِكَ ، فهذه حقوقٌ تنشعبُ منها حقوقٌ فحقوقُ أئمتك ثلاثةٌ أوجبها عليك : حقّ سائسك بالسلطان ، ثم سائِسِكَ بالعلمِ ، ثم حقّ سائسك بالملكِ ، وكلّ سائسٍ إمام(١)

وحقوقُ رعيتك ثلاثة أ,جبها عليك : حقّ رعيتك بالسلطان ، ثم حقّ رعيتك بالعلم فإنّ الجاهل رعيّة العالم ، وحقّ رعيتك بالملك من الأزواج وما ملكت من الإيمان .

وحقوقُ رحمك كثيرة متصلةٌ بقدر اتصال الرحم في القرابة فأوجبُها عليك : حقّ أمّك ، ثم حقّ أبيك ، ثم حقّ ولدك ، ثم حقّ أخيك ، ثم الأقرب فالأقرب ، والأولى فالأولى ، ثم حقّ مولاك المنعمُ عليكَ ، ثم حقّ مولاك الجارية نعمته عليك ، ثم حقّ ذي المعروف لديك ، ثم حقّ مؤذّنك بالصلوة ، ثم حقّ إمامك في صلاتك ، ثم حقّ جليسك ، ثم حقّ جارك ، ثم حقّ صاحبك ، ثم حقّ شريكك ، ثم حقّ مالك ، ثم حقّ غريمك الذي تطالبه ، ثم حقّ غريمك الذي يطالبك ، ثم خليطك ، ثم حقّ خصمك المدعى عليك ، ثم حقّ خصمك الذي تدعى عليه ، ثم حقّ مستشيرك ، ثم المشير عليك ، ثم مستنصحك ، ثم حقّ سائلك ، ثم حقّ من سألته ، ثم حقّ من جرى لك على يديه مساءةٌ بقولٍ أو فعلٍ ، أو مسَّرةٌ بذلك بقولٍ أو فعل عن تعمد منه أو غير تعمدٍ منه ، ثم حقّ أهل ملّتك عامة ، ثم حقّ أهلِ الذمةِ ، ثم الحقوق الجارية بقدر علل الأحوال وتصرّف الأسباب ، فطوبى لمن أعانهُ الله على قضاء ما أوجبه عليه من حقوقه ، ووفقهُ وسددهُ .

ــــــــــــــــ

(١) السائس : القائم بأمرٍ والمدبر له .

٣٥٦

١ ـ ( فأما حقّ اللهِ الأكبرُ عليكَ ( :

فأن تعبدُهُ لا تشرِكَ به شيئاً ، فاذا فعلت ذلك بإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمرَ الدنيا والآخرة ، ويحفظَ لكَ ما تحِبُّ منهما .

٢ ـ ( وأما حقّ نفسِك عليك ( :

فأن تستوفيها في طاعة الله عزّ وجلّ فتؤدي إلى لسانِك حقّهُ ، وإلى سمعك حقّه ، وإلى بصرِك حقّه وإلى يدكَ حقّها ، وإلى رجلكَ حقّها ، وإلى بطنك حقّه ، وإلى فَرجِك حقّه ، وستعين بالله على ذلك .

٣ ـ ( وأما حقّ اللسان ( :

فإكرامه عن الخنا(١) ، وتعويدُهُ على الخير ، وحملُهُ على الأدبِ ، وإجمامه إلا لموضع الحاجة والمنفعة للدين والدنيا ، وإعفاؤه من الفضول الشنعة القليلة الفائدة التي لا يؤمنُ ضررها مع قلة عائدتها .

ويعدّ شاهد العقل والدليل عليه ، وتزين العاقل بعقله حسن سيرته في لسانه ، ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم .

ــــــــــــــــ

(١) الخنا : الفحش من الكلام .

٣٥٧

٤ ـ ( وأما حقّ السمع ( :

فتنزيهه عن أن تجعله طريقاً إلى قلبك ، إلاّ لفوهة كريمة ، تُحدثُ في قلبك خيراً ، أو تكسبُ خلقاً كريماً ، فإنه بابُ الكلام إلى القلب ، يؤدي إليه ضروبُ المعاين على ما فيها من خير أو شرّ ، ولا قوة إلا بالله .

٥ ـ ( وأما حقُّ بصرك ( :

فغضُّهُ عما لا تَحِلّ لك ، وتركُ ابتذاله إلاّ لموضع عبرة تستقبِلُ بها بصراً ، أو تستفيدُ بها علماً ، فإنّ البصر بابُ الاعتبار .

٦ ـ ( وأما حقّ رجليك ) :

فان لا تمشي بهما إلى ما لا يَحِلّ لك ، ولا تجعلهما مطيَّتك في الطريق المستخفة بأهلها فيها ، فإنها حاملتُك ، وسالكةٌ بك مسَلك الدين ، والسبقُ لك ، ولا قوة إلاّ بالله .

٧ ـ ( وأما حقّ يدِكَ ) :

فأن لا تبسطها إلى ما لا يَحِلّ لك ، فتنال بما تبسطها إليه من الله العقوبة في الآجلِ ، ومن الناس اللائمة في العاجل(١) ، ولا تقبضَها عما افترض اللهُ عليها ، ولكن توقّرها بقبضها عن كثيرٍ مما لا يحلّ لها ، وبسطها إلى كثيرٍ مما ليس عليها ، فإذا هي قد عُقِلَت وشُرّفت في العاجل ، ووجبَ لها حسن الثواب من الله في الآجل .

٨ ـ ( وأما حقُّ بطنكَ ) :

فأن لا تجعَلُه وعاءً لقليلٍ من الحرام ولا لكثيرٍ ، وأن تقتصدَ له في الحلال ، ولا تخرجَهُ من حدّ التقوية إلى حد التهوين ، وذهاب المرؤة وضبطُهُ إذا هُمَّ بالجوع والظمأ ، فان الشبع المنتهي بصاحبه إلى التُّخَم مكسلةٌ ومثبتطةٌ ومقطعةٌ عن كلّ برٍّ وكرمٍ وإنّ الريّ المنتهي بصاحبه إلى السّكر مسخفةٌ ومجهلةٌ(٢) ، ومذهبةٌ للمرؤة .

ــــــــــــــــ

(١) أي عذاب الدنيا والآخرة فعذاب الدنيا هو لسان اللائمة من الناس ، واما عذاب الآخرة فعقوبة الله .

(٢) المجهلة : ما يحملك على الجهل .

٣٥٨

٩ ـ ( وأما حقُّ فرجِكَ ( :

فحِفظُهُ مما لا يَحِلّ لك ، والاستعانة عليه بغضّ البصر فإنه من أعون الأعوان ، وكثرة ذكر الموت ، والتهدّد لنفسك بالله ، والتخويفِ لها به ، وباللهِ العصمةُ والتأييدُ ، ولا حول ولا قوة إلاّ به .

ثم حقوقُ الأفعال :

١٠ ـ ( وأما حقُّ الصلاةِ ( :

فأنْ تعلمَ أنها وفادةٌ إلى اللهِ ، وأنك قائمٌ بها بين يدي الله ، فإذا علمتَ ذلك كنتَ خليقاً أن تقومَ فيها مقام الذليل الراغب الراهب ، والخائف الراجي المسكين المتضرع ، المعظّم من قام بين يديه بالسكونِ أو الإطراق(١) وخشوع الأطراف ، ولين الجناحِ ، وحُسنِ المناجاة له في نفسه ، والرغبة إليه في فكاك رقبتك التي أحاطت بها خطيئتُك ، واستهلكتها ذنوبُكَ ، ولا قوة إلاّ بالله .

ــــــــــــــــ

(١) الإطراق ( من أطرق الرجل ) : أرخى عينيه فينظر إلى الأرض .

٣٥٩

وحقُّ الحجِ(١)

أن تعلم أنه وفادةٌ إلى ربك ، وفرارٌ إليه من ذنوبك ، وبه قبول توبتك ، وقضاءُ الفرضِ الذي أوجبهُ الله عليك .

١١ ـ ( وأما حقّ الصوم ( :

فأن تعلم انه حجابٌ ضربه الله على لسانك وسمعك وبصرك وفرجك وبطنك ، ليسترك به من النار ، وهكذا جاء في الحديث : ( الصّوم جنّة من النّار ) فإن سكنت أطرافك في حجبتها(٢) ، رجوت أن تكون محجوباً ، وإن أنت تركتها تضطرب في حجابها ، وترفع جنبات الحجاب فتطلع إلى ما ليس لها بالنظرة الداعية للشهوة ، والقوة الخارجة عن حدّ التقية لله لم تأمنْ من أن تخرقَ الحجاب وتخرج منه ، ولا قوة إلاّ بالله .

١٢ ـ ( وأما حقُّ الصدقة ( :

فأنْ تعلمَ أنها ذخرك عند ربّك ، ووديعتك التي لا تحتاج إلى الإشهاد ، فإذا علمت ذلك كنت بما استودعته سراً أوثق منك بما استودعتهُ علانيةً ، وكنتَ جديراً أن لا تكونَ أسررتَ إليه أمراً أعلنتَهُ ،

ــــــــــــــــ

(١) ولم يذكر حق الحج في (تحف العقول) ، وذكره في (الخصال) .

(٢) الحَجَبَة بالتحريك : جمع حاجب .

٣٦٠

وكان الأمرُ بينك وبينه فيها سراً على كل حال ، ولم تستظهر عليه فيما استودعته منها باشهاد الأسماع والأبصار عليه بها ، كأنها أوثق في نفسك ، وكأنك لا تثقُ به في تأدية وديعتك إليك ، ثم لم تمتنّ بها على أحدٍ ، لأنها لك فإذا امتننت بها لم تأمن أن تكون بها مثل تهجين(١) حالك منها إلى من مننت بها عليه لأنّ في ذلك دليلاً على أنك لم تُرد نفسك بها ، ولو أردت نفسك بها لم تمتنّ بها على أحد ، ولا قوة إلا بالله .

١٣ ـ ( وأما حقُّ الهَدي ) :

فأن تُخلِص بها الإرادةَ إلى ربّك ، والتعرض لرحمته وقبوله ، ولا تُريدَ عيونَ الناظرين دونهُ ، فإذا كنت كذلك لم تكن متكلفاً ولا متصنّعاً وكنتَ إنما تقصدُ إلى الله واعلم أنّ الله يُرادُ باليسير ، ولا يُراد بالعسير كما أراد بخلقه التيسير ، ولم يُرِدْ بهم التعسير وكذلك التذلُّل أولى بك من التدهقن(٢) ، لأن الكلفة والمؤونةَ في المتدهقنينَ فأما التذلّل والتمسكنُ فلا كلفةَ فيهما ، ولا مؤونةَ عليهما ، لأنهما موجودانِ في الطبيعةِ ، ولا قوةَ إلا باللهِ .

ــــــــــــــــ

(١) التهجين : التقبيح والتحقير .

(٢) التدهقن ، وتدهقن أي صار دهقاناً وهو رئيس القربة وزعيم العشيرة ويراد به ضد التمسكن والتذلل تمسكن : خضع وأخبت .

٣٦١

ثم حقوقُ الأئمةِ :

١٤ ـ (فأما حقّ سائسك بالسلطان ) :

فأن تعلم أنك جُعلت له فتنةٌ ، وأنه مبتلى فيك بما جعله الله له عليك من السلطان ، وأن تُخلص له في النصيحة ، وأن لا تُماحكَهُ(١) وقد بُسطت يدُهُ عليك ، فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه ، وتذلّل وتلطّف لأعطائه من الرضا ما يكُفُّه عنك ولا يضرّ بدينك ، وتستعين عليه في ذلك بالله ولا تُعازَّه(٢) ولا تُعاندَهُ فإنك إن فعلت ذلك عققتَه ، وعققتَ نفسك(٣) ، فعرضتها لمكروهه ، وعرضته للهلكة فيك ، وكنت خليقاً أن تكون معيناً له على نفسك ، وشريكاً فيما أتى إليك ولا قوةَ إلا بالله .

١٥ ـ ( فأما حقّ سائسِك بالعلم ) :

فالتعظيمُ له ، والتوقيرُ لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه ، والإقبالُ عليه ، والمعونةُ له على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم ، بأن تُفرِّغَ له علمك ، وتُحضره فهمك ، وتزكّي له قلبكَ ، وتُجلّي له بصرَك ، بتركِ اللذاتِ ، ونقصِ الشهواتِ ، وأن تعلمَ أنكَ فيما ألقى

ــــــــــــــــ

(١) لا تماحكه : لا تخاصمه ولا تنازعه .

(٢) لا تعازّه : لا تعارضه في العزّة .

(٣) عققت : عصيت وآذيت .

٣٦٢

 [ إليك ] رسولُهُ إلى من لقيك من أهل الجهل ، فلزِمَك حسنُ التأدية عنه إليهم ، ولا تخنهُ في تأدية رسالته والقيام بها عنه إذا تقلدتها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

١٦ ـ ( وأما حقُّ سائسِك بالملك ) :

فنحوٌ من سائسك بالسلطان ، إلا أنّ هذا يملك ما لا يملكه ذاكَ تلزِمُك طاعتُه فيما دقّ وجلّ منك إلا أن يُخرِجَك من وجوب حقّ الله ، ويحول بينك وبين حقه وحقوق الخلق ، فإذا قضيته رجعت إلى حقه(١) ، فتشاغلت به ، ولا قوة إلا بالله .

ثم حقوقُ الرعيةِ :

١٧ ـ ( فأما حقوقُ رعيتِكَ بالسلطانِ ( :

فأن تعلمَ أنكَ إنما استرعيتَهُم بفضل قوتك عليهم ، فإنه إنما أحلّهم محلّ الرعية لك ضعفُهم وذلّهم ، فما أولى من كفاكَهُ ضعفُهُ وذلُّهُ حتى صيّره لك رعيةً ، وصيّر حكمك عليه نافذاً لا يمتنعُ منك بعزّةٍ ولا قوةٍ ، ولا يستنصرُ فيما تعاظمه منك إلا [ بالله ] بالرحمةِ والحياطة والأناه ( ، وما أولاكَ إذا عرفت ما أعطاكَ الله من فضل هذه العزَّةِ والقوةِ التي قهرتَ بها أن تكون لله شاكراً ، ومن شكرَ الله أعطاهُ فيما أنعمَ عليه ، ولا قوةَ إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) أي إذا قضيت حق الله فارجع إلى أداء حق مالكك .

(٢) الحياطة : الحفاظة والحماية والصيانة الآناة ( كقناة ) : الوقار والحلم ، وأصله الانتظار .

٣٦٣

١٨ ـ ( وأما حقّ رعيَّتِك بالعلمِ ) :

فأن تعلَم أنّ الله جعلك لهم خازناً فيما آتاك من العلم ، وولاكَ من خزانة الحكمة ، فإن أحسنت فيما ولاكَ الله من ذلك ، وقُمتَ به لهم مقام الخازن الشفيع الناصح لمولاهُ في عبيده ، الصابر المحتسب الذي إذا رأى ذا حاجة أخرج له من الأموال التي في يديه ، كنت راشداً ، وكنت لذلك آملاً (١) معتقداً وإلا كنت له خائناً ، ولخلقه ظالماً ، ولسلبه وعزّه متعرضاً .

١٩ ـ ( وأما حقُّ رعيتك بملكِ النكاحِ ) :

فأنْ تعلم أنّ الله جعلها سكناً ومستراحاً واُنساً وواقيةً ، وكذلك كلّ واحدٍ منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه ، ويعلم أنّ ذلك نعمةٌ منه عليه ووجب أن يُحسنَ صُحبة نعمة الله ويُكرمها ويرفق بها ، وإن كان حقّك عليها أغلظَ ، وطاعتُكَ بها ألزم فيما أحببت وكرهتَ ، ما لم تكن معصيةً ، فإن لها حقّ الرحمة والمؤانسة ، ولا قوة إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) الآمل : خادم الرجل وعونه الذي يأمله .

٣٦٤

٢٠ ـ ( وأما حقّ رعيتك بملك اليمين ( :

فأن تعلم أنّه خلق ربّك ، ولحمك ودمك وأنك لم تملكه لا أنت صنعته دون الله ، ولا خلقت له سمعا ولا بصراً ، ولا أجريت له رزقاً ، ولكن الله كفاك ذلك ثم سخّرَهُ لك وائتمنك عليه ، واستودعك إياه لتحفظه فيه ، وتسير فيه بسيرته ، فتُطعمه مما تأكل ، وتلبسه مما تلبس ، ولا تكلّفه ما لا يطيق ، فإن كرهته خرجت إلى الله منه ، واستبدلت به ولم تعذّبْ خلقَ الله ، ولا قوة إلا بالله .

وأما حقُّ الرحمِ :

٢١ ـ ( فأما حقّ أمك ( :

أن تعلمَ أنها حملتك حيث لا يحمل أحدٌ أحداً ، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لم يُطعم أحدٌ أحداً ، وأنها وقتكَ بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها ، وجميع جوارحها مستبشرةً بذلك فرحةً ، محتملةً لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمّها ، حتى دفعتها عنك يد القدرة ، وأخرجتك إلى الأرض ، فرضيت أن تشبع وتجوع هي ، وتكسوك وتعرى ، وترويك وتظمأ ، وتظلّك وتضحي ، وتنعّمك ببؤسها ، وتلذّذك بالنوم بأرقها ، وكان بطنُها لك وعاءً ، وحجرها لك حواء(١) ، وثديُها لكَ سِقاءً ونفسُها لك وقاءً ، تباشرُ حرّ الدنيا وبرّدها لك ودونَك ، فتشكُرها على قدر ذلك ، ولا تقدرُ عليه إلا بعون الله وتوفيقه .

٢٢ ـ ( وأمّا حقّ أبيك ( :

فأن تعلم أنه أصلُك ، وأنكَ فرعُهُ ، وأنكَ لولاه لم تكن فمهما رأيتَ في نفسك مما يعجبك ، فاعلمْ أن أباكَ أصلُ النعمة عليك فيه ، واحمدِ اللهِ واشكرهُ على قدر ذلك ، ولا قوة إلا بالله .

٢٣ ـ ( وأمّا حقّ ولدك ) :

فأن تعلمَ أنه منك ، ومضافٌ إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره وأنك مسؤولٌ عما ولّيته من حُسنِ الأدبِ ، والدلالة على ربه ، والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه ، فمثابٌ على ذلك ومعاقبٌ ، فاعمل في أمره عمل المتزيّن بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا ، المُعذر إلى ربه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه ، والأخذ له منهُ ، ولا قوة إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) الحواء : ما يحتوي به الشيء من حوى الشيء إذا أحاط به من جهاته .

٣٦٥

٢٤ ـ ( وأمّا حقّ أخيكَ ) :

فأن تعلمَ أنه يدُكَ التي تبسُطها ، وظهرُكَ الذي تلتجيءُ إليه ، وعزُّك الذي تعتمد عليه ، وقوتُكَ التي تصولُ بها فلا تتخذه سلاحاً على معصية الله ، ولا عُدَّةً للظلم لخلقِ الله ، ولا تَدعْ نُصرتَه على نفسه ، ومعونَتَه على عدوّه ، والحؤول بينه وبين شياطينه ، وتأدية النصيحة إليه ، والإقبال عليه في الله ، فإن انقاد إلى ربه ، وأحسن الاجابة له ، وإلا فليكن الله آثرَ عندك وأكرمَ عليك منه .

٢٥ ـ ( وأمّا حقّ المنعم عليك بالولاء) )

فأن تعلم أنه أنفق فيك ماله ، وأخرجك من ذلّ الرقّ ووحشته ، إلى عزّ الحرية واُنسها ، وأطلقك من أسر الملكة ، وفكّ عنك حلق العبودية وأوجدك رائحة العزّ ، وأخرجك من سجن القهر ، ودفع عنك العسر ، وبسط لك لسان الإنصاف ، وأباحك الدنيا كلّها ، فملّكك نفسك ، وحلّ أسرك ، وفرّغك لعبادة ربّك ، واحتمل بذلك التقصير في ماله فتعلم أنه أولى الخلق بك بعد أولى رحمك في حياتك وموتك ، وأحقّ الخلق بنصرك ومعونتك ، ومكانفتك(٢) في ذات الله ، فلا تؤثر عليه نفسك ما أحتاج إليك .

٢٦ ـ ( وأما حقّ مولاكَ ، الجارية عليه نعمتُك ) :

فأن تعلمَ أن الله جعلك حاميةً عليه ، وواقيةً وناصراً ومعقلاً ، وجعلهُ لك وسيلةً وسبباً بينك وبينه ، فبالحريِّ أن يحجُبَكَ عن النارِ ، فيكونُ في ذلك ثواب منه في الآجل ، ويحكمُ لك بميراثه في العاجل إذا لم يكن له رَحِمٌ ، مكافأةً لما أنفقتهُ من مالك عليه ، وقُمتَ به من حقه بعد إنفاق مالك ، فإن لم تقُم بحقّه خيف عليك أن لا يطيب له ميراثُه ، ولا قوة إلا باللهِ .

٢٧ ـ ( وأمّا حقّ ذي المعروفِ عليكَ ( :

فأن تشكرَهُ ، وتذكُرَ معروفَهُ ، وتنشُرَ له المقالة الحسنة ، وتُخلِصَ له الدعاءَ فيما بينَك وبين الله سبحانه ، فإنك إذا فعلت ذلك كنت قد شكرتَه سراً وعلانيةً ، ثم إن أمكنَ مكافأتُه بالفعلِ كافأتَهُ ، وإلا كُنتَ مُرصِداً له موطّناً نفسك عليها .

ــــــــــــــــ

(١) الوَلاء ( بالفتح ) : النصرة والملك والمحبة والصداقة والقرابة .

(٢) المكانفة : المعاونة .

٣٦٦

٢٨ ـ ( وأمّا حقّ المؤذّن ) :

فأن تعلمَ أنه مُذكّرُك بربّك ، وداعيكَ إلى حظّك ، وأفضلُ أعوانك على قضاء الفريضة التي افترضها الله عليك ، فتشكُرَهُ على ذلك شُكرَكَ للمحسن إليك ، وعلمت أنه نعمةٌ من الله عليك لا شكّ فيها ، فأحسِنْ صحبةً نعمة الله عليها على كلّ حالٍ ولا حول ولا قوةَ إلا باللهِ .

٢٩ ـ ( وأمّا حقّ إمامك في صلواتك ) :

فأن تعلمَ أنه تقلّد السفارة فيما بينك وبين الله ، والوفادة إلى ربك وتكلّم عنك ، ولم تتكلّم عنه ، ودعا لك ولم تدعُ له ، وطلبَ فيك ، ولم تطلُبْ فيه ، وكفاكَ همّ المقام بين يدي الله ، والمسألةِ له فيك ، ولم تكفه ذلك ، فإن كان في شيءٍ من ذلك تقصيرٌ كان به دونك ، وإن كان آثماً لم تكن شريكه فيه ولم يكن له عليه فضلٌ فوقى نفسك بنفسه ، ووقى صلاتك بصلاته ، فتشكُرَ له ذلك ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

٣٠ ـ ( وأمّا حقّ الجليسِ ) :

فأن تُليّن له كنفك(١) ، وتُطيِبَ له جانبك ، وتُنصِفَه في مُجاراة اللفظ ولا تغرق(٢) في نزع اللحظ إذا لحظتَ ، وتقصد في اللفظ إلى إفهامه إذا لفظتَ ، وإن كنتَ الجليس إليه كنتَ في القيامِ عنهُ بالخيارِ ، وإن كان الجالس إليك كان بالخيارِ ، ولا تقومُ إلا بإذنه ، ولا قوةَ إلا بالله .

٣١ ـ ( وأمّا حقّ الجارِ ( :

فحفظهُ غائباً ، وكرامتُه شاهداً ، ونصرتُهُ ومعونتُهُ في الحالين جميعاً لا تتبعْ له عورةً ، ولا تبحثْ عن سوءةٍ لتعرفها ، فإن عرفتها منه عن غير إرادةٍ منك ولا تكلفٍ ، كنت لما علمتَ حصناً حصيناً ، وستراً ستيراً ، لو بحثتِ الأسنّةُ عنه ضميراً لم تتصل إليه لا نطوائهِ عليه ، لا تستمع عليه من حيث لا يعلَمْ لا تُسلّمه عند شديدة ، ولا تحسدهُ عند نعمة ، تقيلُ عثرتهُ وتغفر زلّته ، ولا تدّخرْ حلمك عنه إذا جهل عليك ، ولا تخرج أن تكون سلماً له تردّ عنه لسان الشتيمة ، وتبطُلُ فيه كيد حامل النصيحة ، وتعاشرُهُ معاشرةً كريمةً ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) الكنف : الجانب والظل .

(٢) يقال : تجاروا في الحديث : جرى كل واحد مع صاحبه ، ومنه مجاراة من لا عقل له أي الخوض معه في الكلام ولا تغرق : ولا تبالغ في أمره .

٣٦٧

٣٢ ـ ( وأمّا حقّ الصاحب ) :

فأن تصحبَهُ بالفضل ما وجدت إليه سبيلاً ، وإلا فلا أقلّ من الإنصاف وأن تكرمه كما يكرمُك وتحفظه كما يحفظك ولا يسبقك فيما بينك وبينه إلى مكرمة ، فإن سبقك كافأته ، ولا تُقصِّرَ به عما يستحقّ من المودّة تُلزِمُ نفسَك نصيحتهُ ، وحياطتَهُ ، ومعاضدتَهُ على طاعة ربه ، ومعونته على نفسه ، فيما لا يهمّ به من معصية ربه ، ثم تكون عليه رحمةً ، ولا تكن عليه عذاباً ، ولا قوةَ إلا بالله .

٣٣ ـ ( وأمّا حقّ الشريكِ ) :

فإن غابَ كفيتَهُ ، وإن حضَرَ ساويتَهُ ، ولا تعزِمْ على حُكمِكَ دون حُكمه ، ولا تعمل برأيك دون مُناظرتِه ، وتحفظُ عليه مالَه ، وتتقي خيانته فيما عزّ أو هان ، فإنه بلغنا ( أن يدَ اللهِ على الشريكينِ ما لم يتخاونا ) ولا قوةَ إلا بالله .

٣٤ـ ( وأمّا حقُّ المالِ ( :

فأن لا تأخُذَه إلا من حلّه ، ولا تُنفقه إلا في حلّه ، ولا تحرّفهُ عن مواضعه ، ولا تصرفه عن حقائقه ، ولا تجعله إذا كان من الله إلا إليه ، وسبباً إلى الله ولا تؤثرَ به على نفسك من لعلّه لا يحمدك ، وبالحريّ أن لا يحسن خلافته في تركتكَ(١) ، ولا يعمل فيه بطاعة ربك فيذهب بالغنيمة وتبوء بالإثم والحسرة والندامة مع التبعة(٢) ، ولا قوة إلا بالله .

٣٥ ـ ( وأمّا حقّ الغريم(٣) المطالب لك ) :

فإن كنت موسراً أوفيته ، وكفيته وأغنيته ، ولم تردده وتمطله (٤) ، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( مطل الغنيّ ظلمٌ ) وإن كنت معسراً أرضيته بحسن القول ، وطلبت إليه طلباً جميلاً ورددته عن نفسك رداً لطيفاً ، ولم تجمع عليه ذهاب ماله ، وسوء معاملته ، فإنّ ذلك لؤم ، ولا قوة إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) التركة ( بفتح وكسر ) : الشيء المتروك أي تركة الميت ( الميراث ( .

(٢) التبعة : ما يترتب على الفعل من الشر ، وربما يستعمل في الخير أيضاً .

(٣) الغريم : الدائن ويطلق أيضاً على المديون .

(٤) المطل : التسويف والتعلل في أداء الحق وتأخيره عن وقته .

٣٦٨

٣٦ ـ ( وأمّا حقّ الخليط )

فأن لا تغرّه ، ولا تغشّه ، ولا تكذبه ، ولا تغفّله ، ولا تخدعه ، ولا تعمل في انتفاضه عمل العدوّ الذي لا يبقى على صاحبه ، وإن اطمأنّ إليك أستقصيت(٢) له على نفسك ، وعلمت أن غبن المسترسل رباً(٣)

ثم حقّ الخصم :

٣٧ ـ ( وأمّا حقّ الخصم المدّعي عليك ) :

فإن كان ما يدّعي عليك حقاً لم تنفسخ في صحبته ، ولم تعمل في إبطال دعوته ، وكنت خصم نفسك له ، والحاكم عليها والشاهد له بحقّه دون شهادة الشهود ، فإن ذلك حقّ الله عليك وإن كان ما يدّعيه باطلاً رفقت به ، وردعته ، وناشدته بدينه ، وكسرت حدتّه عنك بذكر الله ، وألقيت حشو الكلام ولغطه الذي لا يردّ عنك عادية عدوّك ، بل تبوء بإثمه ، وبه يشحذ عليك سيف عداوته ، لأن لفظة السوء تبعث الشرّ ، والخير مقمعةٌ للشّر ، ولا قوةً إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) الخليط : المخالط كالنديم والشريك والجليس ونحوها .

(٢) استقصى في المسألة : بلغ الغاية فيها .

(٣) الاسترسال : الاستيناس إلى الإنسان والثقة به فيما يحدثه ، وأصله السكون والثبات وفي الحديث : ( غبن المسترسل سحت ) ، و( غبن المسترسل ربا ) .

٣٦٩

٣٨ ـ ( وأمّا حقّ الخصم المدّعى عليه ( :

فإن كان ما تدّعيه حقاً أجملت في مقاولته(١) بمخرج الدعوى ، فإن للدعوى غلظةً في سمع الدّعى عليه ، وقصدت قصد حجّتك بالرفق ، وأمهل المهلة ، وأبين البيان ، وألطف اللطف ، ولم تتشاغل عن حجتك بمنازعته بالقيل والقال ، فتذهب عنك حجتك ، ولا يكون لك في ذلك دركٌ ، ولا قوة إلا بالله .

ثم حق المشاورة والنصيحة :

٣٩ ـ ( وأمّا حقّ المستشير ) :

فإن حضرك له وجه رأي جهدت له في النصيحة ، وأشرت عليه بما تعلم أنك لو كنت مكانه عملت به ، ليكن ذلك منك في رحمةٍ ولينٍ ، فإن اللين يؤنس الوحشة ، وأن الغلظ يوحش موضع الأنس ، وإن لم يحضرك له رأيٌ ، وعرفت له من تثق برأيه ، وترضى به لنفسك دللته عليه وأرشدته إليه فكنت لم تأله(٢) خيراً ولم تدّخره نصحاً ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) المقاولة : المجادلة والمباحثة .

(٢) لم تأله : لم تقصره من : ألا ، يألو .

٣٧٠

٤٠ ـ ( وأمّا حقّ المشير عليك ( :

فلا تتّهمه فيما لا يوافقك من رأيه ، إذا أشار عليك فإنما هي الآراء وتصرّف الناس فيها وأختلافهم ، فكن عليه في رأيه بالخيار إذا أتهمت رأيه ، فأما تهمته فلا يجوز لك إذا كان عندك ممن يستحقّ المشاورة ، ولا تدع شكره على ما بدا لك من إشخاص رأيه ، وحسن وجه مشورته ، فإذا وافقك حمدت الله وقبلت ذلك من أخيك بالشكر والإرصاد بالمكافأة في مثلها إن فزع إليك ، ولا قوة إلا بالله .

٤١ ـ ( وأمّا حقّ المستنصح ( :

فإنّ حقّه أن تؤدي إليه النصيحة على الحق الذي ترى له أنه يحمل ، وتخرج المخرج الذي يلين على مسامعه وتكلّمه من الكلام بما يطيقه عقله ، فإنّ لكلّ عقلٍ طبقةً من الكلام يعرفه ويجتنبه ، وليكن مذهبك الرحمة ، ولا قوة إلا بالله .

٤٢ ـ ( وأمّا حقّ الناصح ) :

فأن تلين له جناحك ، ثم تشرئب(١) له قلبك ، وتفتح له سمعك ، حتى تفهم عنه نصيحته ، ثم تنظر فيها : فإن كان وفّق فيها للصواب حمدت الله على ذلك ، وقبلت منه ، وعرفت له نصيحته .وإن لم يكن وفّق لها ، رحمته ولم تتهمه ، وعلمت أنه لم يألك نصحاً ، إلا أنه أخطأ ، إلا أن يكون عندك مستحقاً للتهمة ، فلا تعبأ بشيءٍ من أمره على كلّ حالٍ ، ولا قوة إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) إشرأب للشيء : مدّ عنقه لينظره ، والمراد ان تملأ قلبك من نصحه .

٣٧١

ثم حقّ السن :

٤٣ ـ ( وأمّا حقّ الكبير ( :

فإنّ حقّه توقير سنّه ، وإجلال إسلامه إذا كان من أهل الفضل في الإسلام بتقديمه فيه ، وترك مقابلته عند الخصام ، ولا تسبقه إلى طريقٍ ، ولا تؤمّه في طريق(١) ، ولا تستجهله ، وإن جهل عليك تحملّت ، وأكرمته بحقّ إسلامه مع سنّه ، فإنما حقّ السنّ بقدر الإسلام ، ولا قوة إلا بالله .

٤٤ ـ ( وأمّا حقّ الصغير ) :

فرحمته وتثقيفه وتعليمه والعفو عنه ، والستر عليه ، والرفق به ، والمعونة له ، والستر على جرائر حداثته ، فإن سببٌ للتوبة ، والمداراة له ، وترك مماحكته ، فإن ذلك أدنى لرشده .

ــــــــــــــــ

(١) من أمّ يؤمّ أي ولا تتقدمه .

٣٧٢

ثم حقّ السائل والمسؤول :

٤٥ ـ ( وأمّا حقّ السائل ) :

فاعطاؤه إذا تيقنّت صدقه ، وقدرت على سد حاجته والدعاء له فيما نزل به ، والمعاونة له على طلبته وإن شككت في صدقه ، وسبقت إليه التهمة ، ولم تعزم على ذلك لم تأمن أن يكون من كيد الشيطان أراد أن يصدّك عن حظك ، ويحول بينك وبين التقرّب إلى ربّك ، تركته بستره ورددته رداً جميلاً وإن غلبت نفسك في أمره ، وأعطيته على ما عرض في نفسك منه فإنّ ذلك من عزم الأمور .

٤٦ ـ ( وأمّا حقّ المسؤول ) :

فحقّه إن أعطى قبل منه ما أعطى بالشكر له ، والمعرفة لفضله ، وطلب وجه العذر في منعه ، وأحسن به الظنّ ، وأعلم أنه إن منع فماله منع ، وأن ليس التثريب(١) في ماله وإن كان ظالماً فإن الإنسان لظلومٌ كفار .

٤٧ ـ ( وأمّا حقّ من سّرك الله به وعلى يديه ) :

فإن كان تعمّدها لك حمدت الله أولاً ثم شكرته على ذلك بقدره في موضع الجزاء ، وكافأته على فضل الإبتداء ، وأرصدت له المكافأة وإن لم يكن تعمّدها ، حمدت الله أولاً ثم شكرته وعلمت أنه منه ، توحّدك بها وأحببت هذا إذ كان سبباً من أسباب نعم الله عليك ، وترجو له بعد ذلك خيراً ، فإن أسباب النعم بركةٌ حيث ما كانت وإن كان لم يتعمد ، ولا قوة إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) التثريب : التوبيخ والملامة .

٣٧٣

٤٨ ـ ( وأمّا حقّ من ساءك القضاء على يديه بقولٍ أو فعلٍ ) :

فإن كان تعمّدها كان العفو أولى بك لما فيه له من القمع وحسن الأدب مع كثير من أمثاله من الخلق ، فإن الله يقول: ( وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ مَا عَلَيْهِم مِن سَبِيلٍ * إِنّمَا السّبِيلُ عَلَى الّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) )(١) وقال عز وجل : (( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ ) )(٢) هذا في العمد ، فإن لم يكن عمداً لم تظلمه بتعمد الإنتصار منه فتكون قد كافأة في تعمدٍ على خطأ ورفقت به ، ورددته بألطف ما تقدر عليه ولا قوة إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) سورة الشورى : الآية ٤١ ـ ٤٣ .

(٢) سورة النحل : الآية ١٢٦ .

٣٧٤

ثمّ حقّ بقية الناس :

٤٩ ـ ( وأمّا حقّ أهل ملّتك عامةً ) :

فإضمار السلامة ، ونشر جناح الرحمة ، والرفق بمسيئهم وتألّفهم ، واستصلاحهم ، وشكر محسنهم إلى نفسه وإليك ، فإن إحسانه إلى نفسه إحسانه إليك إذا كفّ عنك أذاه ، وكفاك مؤونته ، وحبس عنك نفسه ، فعمّهم جميعاً بدعوتك ، وانصرهم جميعاً بنصرتك ، وأنزلهم جميعاً منك منازلهم كبيرهم بمنزلة الوالد ، وصغيرهم بمنزلة الولد ، وأوسطهم بمنزلة الأخ فمن أتاك تعاهدته بلطفٍ ورحمةٍ ، وصل أخاك بما يجب للأخ على أخيه .

٥٠ ـ ( وأمّا حقّ أهل الذمة ( :

فالحكم فيهم أن تقبل منهم ما قبل الله ، وتفي بما جعل الله لهم من ذّمته وعهده ، وتكلهم إليه فيما طلبوا من أنفسهم ، وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك فيما جرى بينك وبينهم من معاملةٍ ، وليكن بينك وبين ظلمهم من رعاية ذمة الله ، والوفاء بعهده ، وعهد رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسلم حائلٌ ، فانه بلغنا أنه قال : ( من ظلم معاهداً كنت خصمه ) فاتّق الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

(الخاتمة)

فهذه خمسون حقاً محيطاً بك ، لا تخرج منها في كل حالٍ من الأحوال يجب عليك رعايتها ، والعمل في تأديتها والاستعانة بالله جلّ ثناؤه على ذلك ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، والحمد لله ربّ العالمين(١)

ــــــــــــــــ

(١) تحف العقول ص ١٨٣ ـ ١٩٦ .

٣٧٥

رسالة السجادعليه‌السلام في الزهد

وهذه رسالة في الزهد للسجادعليه‌السلام دوّنت في حياته ، فادرجناها في الآثار المدوّنة .

أ ـ في سند الرسالة

نقل الكليني ( ت ٣٢٩ هـ ) هذه الرسالة عن : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه ، جميعاً عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن أبي حمزة ، قال : ( ما سمعت بأحد من الناس كان أزهد من علي بن الحسينعليه‌السلام إلا ما بلغني من علي بن أبي طالبعليه‌السلام وكان الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام إذا تكلم في الزهد ووعظ أبكى من بحضرته ) وأضاف أبو حمزة : ( قرأت صحيفةً فيها كلام زهدٍ من كلام علي بن الحسينعليه‌السلام وكتبت ما فيها ، ثم أتيت علي بن الحسين صلوات الله عليه فعرضت ما فيها عليه ، فعرفه وصححه ) .

والرواية صحيحة السند ، والرواة في سلسلتها كلهم من الثقات .

ب ـ نص رسالة الزهد

 ( بسم الله الرحمن الرحيم كفانا الله وإياكم كيد الظالمين وبغي الحاسدين وبطش الجبّارين أيها المؤمنون لا يفتننكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في هذه الدنيا ، الماثلون إليها ، المفتتنون بها ، المقبلون عليها وعلى حطامها الهامد ، وهشيمها البائد غداً واحذروا ما حذّركم الله منها ، وازهدوا فيما زهّدكم الله فيه منها ، ولا تركنوا إلى ما في هذه الدنيا ركون من اتّخذها دار قرار ومنزل استيطان .

والله إن لكم مما فيها عليها لدليلاً وتنبيهاً ، من تصريف أيامها ، وتغيّر انقلابها ومثلاتها ، وتلاعبها بأهلها إنها لترفع الخميل وتضع الشريف ، وتورد أقواماً إلى النار غداً ، ففي هذا معتبر ومختبر وزاجر لمتنبّه .

إن الأمور الواردة عليكم في كل يوم وليلة من مظلمات الفتن ، وحوادث البدع ، وسنن الجور ، وبوائق الزمان ، وهيبة السلطان ، ووسوسة الشيطان لتثّبط القلوب عن تنبهها ، وتذهلها عن موجود الهدى ، ومعرفة أهل الحق إلا قليلاً ممن عصم الله ، فليس يعرف تصرّف أيامها وتقلب حالاتها وعاقبة ضرر فتنتها إلا من عصم الله ، ونهج سبيل الرشد ، وسلك طريق القصد ، ثم استعان على ذلك بالزهد ، فكرّر الفكر واتعط بالصبر فازدجر ، وزهد في عاجل بهجة الدنيا وتجافى عن لذاتها ، ورغب في دائم نعيم الآخرة ، وسعى لها سعيها ، وراقب الموت ، وشنأ الحياة مع القوم الظالمين .

٣٧٦

انظر إلى ما في الدنيا بعين نيّرة حديدة البصر ، وأبصر حوادث الفتن وضلال البدع وجور الملوك الظلمة ، فلقد لعمري استدبرتم الأمور الماضية في الأيام الخالية من الفتن المتراكمة والانهماك فيما تستدلون به على تجنب الغواة وأهل البدع والبغي والفساد في الأرض بغير الحق ، فاستعينوا بالله وارجعوا إلى طاعة الله وطاعة من هو أولى بالطاعة ممن اتبع فأطيع .

فالحذر الحذر من قبل الندامة والحسرة والقدوم على الله والوقوف بين يديه ، وتالله ما صدر قوم قطّ عن معصية الله إلا إلى عذابه ، وما آثر قوم قطّ الدنيا على الآخرة إلا ساء منقلبهم وساء مصيرهم ، وما العلم بالله والعمل إلا إلفان مؤتلفان ، فمن عرف الله خافه ، وحثّه الخوف على العمل بطاعة الله ، وإن أرباب العلم وأتباعهم الذين عرفوا الله فعملوا له ورغبوا إليه ، وقد قال الله : (( إِنّمَا يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) )(١) ، فلا تلتمسوا شيئاً مما في هذه الدنيا بمعصية الله ، واشتغلوا في هذه الدنيا بطاعة الله ، واغتنموا أيامها واسعوا لما فيه نجاتكم غداً من عذاب الله ، فإن ذلك أقل للتّبعة وأدنى من العذر ، وأرجأ للنجاة .

ــــــــــــــــ

(١) سورة فاطر : الآية ٢٨ .

٣٧٧

فقدّموا أمر الله وطاعة من أوجب الله طاعته بين يدي الأمور كلها ، ولا تقدموا الأمور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت من زهرة الدنيا بين يدي الله وطاعته وطاعة أولي الأمر منكم .

واعلموا أنكم عبيد الله ونحن معكم ، يحكم علينا وعليكم سيد حاكم غداً ، وهو موقفكم ومسائلكم ، فأعدّوا الجواب قبل الوقوف والمساءلة والعرض على ربّ العالمين( يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلّمُ نَفْسٌ إِلّا بِإِذْنِهِ ... ) (١) .

واعلموا أن الله لا يصدّق يومئذ كاذباً ولا يكذّب صادقاً ، ولا يردّ عذر مستحق ، ولا يعذر غير معذور ، له الحجّة على خلقه بالرسل والأوصياء بعد الرسل .

فاتقوا الله عباد الله ، واستقبلوا في إصلاح أنفسكم ، وطاعة الله وطاعة من تولّونه فيها ، لعل نادماً قد ندم فيما فرّط بالأمس في جنب الله وضيّع من حقوق الله ، واستغفروا الله وتوبوا إليه ؛ فإنه يقبل التوبة ويعفو عن السيئة ويعلم ما تفعلون .

ــــــــــــــــ

(١) سورة هود : الآية ١٠٥ .

٣٧٨

وإيااكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين ومجاورة الفاسقين ، احذروا فتنتهم ، وتباعدوا من ساحتهم ، واعلموا أنه من خالف أولياء الله ودان بغير دين الله ، واستبدّ بأمره دون أمر ولي الله كان في نار تلتهب ، تأكل أبداناً قد غابت عنها أرواحها ، وغلبت عليها شقوتها ، فهم موتى لا يجدون حرّ النار ولو كانوا أحياء لوجدوا مضض حر النار .

واعتبروا يا أولي الأبصار ، واحمدوا الله على ما هداكم ، واعلموا أنكم لا تخرجون من قدرة الله إلى غير قدرته ، وسيرى الله عملكم ورسوله ثم إليه تحشرون ، فانتفعوا بالعظة وتأدّبوا بآداب الصالحين )(١)

ــــــــــــــــ

(١) الكافي للشيخ الكليني ج ٨ ص ١٧ .

٣٧٩

الفصل الخامس : نصوصٌ منتقاةٌ

النصوص التالية هي حكم وأقوال منتخبة للإمام علي بن الحسينعليه‌السلام في حقول دينية وحياتية شتى ، جمعها فكر الإمامعليه‌السلام وهي على تنوعها ، تعكس إمام السجادعليه‌السلام بالعلوم الإلهية ومنابع الفيض السماوي على الإمامعليه‌السلام

في الدين والحياة

تناول الإمام زين العابدينعليه‌السلام في خطابه الإرشادي إلى الناس جملة من المفاهيم الدينية حول صفات الإنسان وطبيعة إيمانه ، والدنيا ووجوه اغراءتها ، والآثار الشخصية والإجتماعية للإحسان ، ومجموعة من سنن الأنبياءعليهم‌السلام ، وطرق تعاملهم مع الناس ومتون تلك الأحاديث تعبّر عن شمولية الدين لمناحي الحياة ودور القيم الأخلاقية في تهذيبها .

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413