الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين9%

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين مؤلف:
الناشر: المؤلف
تصنيف: الإمام علي بن الحسين عليه السلام
الصفحات: 413

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين
  • البداية
  • السابق
  • 413 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 250531 / تحميل: 14282
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

مؤلف:
الناشر: المؤلف
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

وكان الأمرُ بينك وبينه فيها سراً على كل حال ، ولم تستظهر عليه فيما استودعته منها باشهاد الأسماع والأبصار عليه بها ، كأنها أوثق في نفسك ، وكأنك لا تثقُ به في تأدية وديعتك إليك ، ثم لم تمتنّ بها على أحدٍ ، لأنها لك فإذا امتننت بها لم تأمن أن تكون بها مثل تهجين(١) حالك منها إلى من مننت بها عليه لأنّ في ذلك دليلاً على أنك لم تُرد نفسك بها ، ولو أردت نفسك بها لم تمتنّ بها على أحد ، ولا قوة إلا بالله .

١٣ ـ ( وأما حقُّ الهَدي ) :

فأن تُخلِص بها الإرادةَ إلى ربّك ، والتعرض لرحمته وقبوله ، ولا تُريدَ عيونَ الناظرين دونهُ ، فإذا كنت كذلك لم تكن متكلفاً ولا متصنّعاً وكنتَ إنما تقصدُ إلى الله واعلم أنّ الله يُرادُ باليسير ، ولا يُراد بالعسير كما أراد بخلقه التيسير ، ولم يُرِدْ بهم التعسير وكذلك التذلُّل أولى بك من التدهقن(٢) ، لأن الكلفة والمؤونةَ في المتدهقنينَ فأما التذلّل والتمسكنُ فلا كلفةَ فيهما ، ولا مؤونةَ عليهما ، لأنهما موجودانِ في الطبيعةِ ، ولا قوةَ إلا باللهِ .

ــــــــــــــــ

(١) التهجين : التقبيح والتحقير .

(٢) التدهقن ، وتدهقن أي صار دهقاناً وهو رئيس القربة وزعيم العشيرة ويراد به ضد التمسكن والتذلل تمسكن : خضع وأخبت .

٣٦١

ثم حقوقُ الأئمةِ :

١٤ ـ (فأما حقّ سائسك بالسلطان ) :

فأن تعلم أنك جُعلت له فتنةٌ ، وأنه مبتلى فيك بما جعله الله له عليك من السلطان ، وأن تُخلص له في النصيحة ، وأن لا تُماحكَهُ(١) وقد بُسطت يدُهُ عليك ، فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه ، وتذلّل وتلطّف لأعطائه من الرضا ما يكُفُّه عنك ولا يضرّ بدينك ، وتستعين عليه في ذلك بالله ولا تُعازَّه(٢) ولا تُعاندَهُ فإنك إن فعلت ذلك عققتَه ، وعققتَ نفسك(٣) ، فعرضتها لمكروهه ، وعرضته للهلكة فيك ، وكنت خليقاً أن تكون معيناً له على نفسك ، وشريكاً فيما أتى إليك ولا قوةَ إلا بالله .

١٥ ـ ( فأما حقّ سائسِك بالعلم ) :

فالتعظيمُ له ، والتوقيرُ لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه ، والإقبالُ عليه ، والمعونةُ له على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم ، بأن تُفرِّغَ له علمك ، وتُحضره فهمك ، وتزكّي له قلبكَ ، وتُجلّي له بصرَك ، بتركِ اللذاتِ ، ونقصِ الشهواتِ ، وأن تعلمَ أنكَ فيما ألقى

ــــــــــــــــ

(١) لا تماحكه : لا تخاصمه ولا تنازعه .

(٢) لا تعازّه : لا تعارضه في العزّة .

(٣) عققت : عصيت وآذيت .

٣٦٢

 [ إليك ] رسولُهُ إلى من لقيك من أهل الجهل ، فلزِمَك حسنُ التأدية عنه إليهم ، ولا تخنهُ في تأدية رسالته والقيام بها عنه إذا تقلدتها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

١٦ ـ ( وأما حقُّ سائسِك بالملك ) :

فنحوٌ من سائسك بالسلطان ، إلا أنّ هذا يملك ما لا يملكه ذاكَ تلزِمُك طاعتُه فيما دقّ وجلّ منك إلا أن يُخرِجَك من وجوب حقّ الله ، ويحول بينك وبين حقه وحقوق الخلق ، فإذا قضيته رجعت إلى حقه(١) ، فتشاغلت به ، ولا قوة إلا بالله .

ثم حقوقُ الرعيةِ :

١٧ ـ ( فأما حقوقُ رعيتِكَ بالسلطانِ ( :

فأن تعلمَ أنكَ إنما استرعيتَهُم بفضل قوتك عليهم ، فإنه إنما أحلّهم محلّ الرعية لك ضعفُهم وذلّهم ، فما أولى من كفاكَهُ ضعفُهُ وذلُّهُ حتى صيّره لك رعيةً ، وصيّر حكمك عليه نافذاً لا يمتنعُ منك بعزّةٍ ولا قوةٍ ، ولا يستنصرُ فيما تعاظمه منك إلا [ بالله ] بالرحمةِ والحياطة والأناه ( ، وما أولاكَ إذا عرفت ما أعطاكَ الله من فضل هذه العزَّةِ والقوةِ التي قهرتَ بها أن تكون لله شاكراً ، ومن شكرَ الله أعطاهُ فيما أنعمَ عليه ، ولا قوةَ إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) أي إذا قضيت حق الله فارجع إلى أداء حق مالكك .

(٢) الحياطة : الحفاظة والحماية والصيانة الآناة ( كقناة ) : الوقار والحلم ، وأصله الانتظار .

٣٦٣

١٨ ـ ( وأما حقّ رعيَّتِك بالعلمِ ) :

فأن تعلَم أنّ الله جعلك لهم خازناً فيما آتاك من العلم ، وولاكَ من خزانة الحكمة ، فإن أحسنت فيما ولاكَ الله من ذلك ، وقُمتَ به لهم مقام الخازن الشفيع الناصح لمولاهُ في عبيده ، الصابر المحتسب الذي إذا رأى ذا حاجة أخرج له من الأموال التي في يديه ، كنت راشداً ، وكنت لذلك آملاً (١) معتقداً وإلا كنت له خائناً ، ولخلقه ظالماً ، ولسلبه وعزّه متعرضاً .

١٩ ـ ( وأما حقُّ رعيتك بملكِ النكاحِ ) :

فأنْ تعلم أنّ الله جعلها سكناً ومستراحاً واُنساً وواقيةً ، وكذلك كلّ واحدٍ منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه ، ويعلم أنّ ذلك نعمةٌ منه عليه ووجب أن يُحسنَ صُحبة نعمة الله ويُكرمها ويرفق بها ، وإن كان حقّك عليها أغلظَ ، وطاعتُكَ بها ألزم فيما أحببت وكرهتَ ، ما لم تكن معصيةً ، فإن لها حقّ الرحمة والمؤانسة ، ولا قوة إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) الآمل : خادم الرجل وعونه الذي يأمله .

٣٦٤

٢٠ ـ ( وأما حقّ رعيتك بملك اليمين ( :

فأن تعلم أنّه خلق ربّك ، ولحمك ودمك وأنك لم تملكه لا أنت صنعته دون الله ، ولا خلقت له سمعا ولا بصراً ، ولا أجريت له رزقاً ، ولكن الله كفاك ذلك ثم سخّرَهُ لك وائتمنك عليه ، واستودعك إياه لتحفظه فيه ، وتسير فيه بسيرته ، فتُطعمه مما تأكل ، وتلبسه مما تلبس ، ولا تكلّفه ما لا يطيق ، فإن كرهته خرجت إلى الله منه ، واستبدلت به ولم تعذّبْ خلقَ الله ، ولا قوة إلا بالله .

وأما حقُّ الرحمِ :

٢١ ـ ( فأما حقّ أمك ( :

أن تعلمَ أنها حملتك حيث لا يحمل أحدٌ أحداً ، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لم يُطعم أحدٌ أحداً ، وأنها وقتكَ بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها ، وجميع جوارحها مستبشرةً بذلك فرحةً ، محتملةً لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمّها ، حتى دفعتها عنك يد القدرة ، وأخرجتك إلى الأرض ، فرضيت أن تشبع وتجوع هي ، وتكسوك وتعرى ، وترويك وتظمأ ، وتظلّك وتضحي ، وتنعّمك ببؤسها ، وتلذّذك بالنوم بأرقها ، وكان بطنُها لك وعاءً ، وحجرها لك حواء(١) ، وثديُها لكَ سِقاءً ونفسُها لك وقاءً ، تباشرُ حرّ الدنيا وبرّدها لك ودونَك ، فتشكُرها على قدر ذلك ، ولا تقدرُ عليه إلا بعون الله وتوفيقه .

٢٢ ـ ( وأمّا حقّ أبيك ( :

فأن تعلم أنه أصلُك ، وأنكَ فرعُهُ ، وأنكَ لولاه لم تكن فمهما رأيتَ في نفسك مما يعجبك ، فاعلمْ أن أباكَ أصلُ النعمة عليك فيه ، واحمدِ اللهِ واشكرهُ على قدر ذلك ، ولا قوة إلا بالله .

٢٣ ـ ( وأمّا حقّ ولدك ) :

فأن تعلمَ أنه منك ، ومضافٌ إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره وأنك مسؤولٌ عما ولّيته من حُسنِ الأدبِ ، والدلالة على ربه ، والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه ، فمثابٌ على ذلك ومعاقبٌ ، فاعمل في أمره عمل المتزيّن بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا ، المُعذر إلى ربه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه ، والأخذ له منهُ ، ولا قوة إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) الحواء : ما يحتوي به الشيء من حوى الشيء إذا أحاط به من جهاته .

٣٦٥

٢٤ ـ ( وأمّا حقّ أخيكَ ) :

فأن تعلمَ أنه يدُكَ التي تبسُطها ، وظهرُكَ الذي تلتجيءُ إليه ، وعزُّك الذي تعتمد عليه ، وقوتُكَ التي تصولُ بها فلا تتخذه سلاحاً على معصية الله ، ولا عُدَّةً للظلم لخلقِ الله ، ولا تَدعْ نُصرتَه على نفسه ، ومعونَتَه على عدوّه ، والحؤول بينه وبين شياطينه ، وتأدية النصيحة إليه ، والإقبال عليه في الله ، فإن انقاد إلى ربه ، وأحسن الاجابة له ، وإلا فليكن الله آثرَ عندك وأكرمَ عليك منه .

٢٥ ـ ( وأمّا حقّ المنعم عليك بالولاء) )

فأن تعلم أنه أنفق فيك ماله ، وأخرجك من ذلّ الرقّ ووحشته ، إلى عزّ الحرية واُنسها ، وأطلقك من أسر الملكة ، وفكّ عنك حلق العبودية وأوجدك رائحة العزّ ، وأخرجك من سجن القهر ، ودفع عنك العسر ، وبسط لك لسان الإنصاف ، وأباحك الدنيا كلّها ، فملّكك نفسك ، وحلّ أسرك ، وفرّغك لعبادة ربّك ، واحتمل بذلك التقصير في ماله فتعلم أنه أولى الخلق بك بعد أولى رحمك في حياتك وموتك ، وأحقّ الخلق بنصرك ومعونتك ، ومكانفتك(٢) في ذات الله ، فلا تؤثر عليه نفسك ما أحتاج إليك .

٢٦ ـ ( وأما حقّ مولاكَ ، الجارية عليه نعمتُك ) :

فأن تعلمَ أن الله جعلك حاميةً عليه ، وواقيةً وناصراً ومعقلاً ، وجعلهُ لك وسيلةً وسبباً بينك وبينه ، فبالحريِّ أن يحجُبَكَ عن النارِ ، فيكونُ في ذلك ثواب منه في الآجل ، ويحكمُ لك بميراثه في العاجل إذا لم يكن له رَحِمٌ ، مكافأةً لما أنفقتهُ من مالك عليه ، وقُمتَ به من حقه بعد إنفاق مالك ، فإن لم تقُم بحقّه خيف عليك أن لا يطيب له ميراثُه ، ولا قوة إلا باللهِ .

٢٧ ـ ( وأمّا حقّ ذي المعروفِ عليكَ ( :

فأن تشكرَهُ ، وتذكُرَ معروفَهُ ، وتنشُرَ له المقالة الحسنة ، وتُخلِصَ له الدعاءَ فيما بينَك وبين الله سبحانه ، فإنك إذا فعلت ذلك كنت قد شكرتَه سراً وعلانيةً ، ثم إن أمكنَ مكافأتُه بالفعلِ كافأتَهُ ، وإلا كُنتَ مُرصِداً له موطّناً نفسك عليها .

ــــــــــــــــ

(١) الوَلاء ( بالفتح ) : النصرة والملك والمحبة والصداقة والقرابة .

(٢) المكانفة : المعاونة .

٣٦٦

٢٨ ـ ( وأمّا حقّ المؤذّن ) :

فأن تعلمَ أنه مُذكّرُك بربّك ، وداعيكَ إلى حظّك ، وأفضلُ أعوانك على قضاء الفريضة التي افترضها الله عليك ، فتشكُرَهُ على ذلك شُكرَكَ للمحسن إليك ، وعلمت أنه نعمةٌ من الله عليك لا شكّ فيها ، فأحسِنْ صحبةً نعمة الله عليها على كلّ حالٍ ولا حول ولا قوةَ إلا باللهِ .

٢٩ ـ ( وأمّا حقّ إمامك في صلواتك ) :

فأن تعلمَ أنه تقلّد السفارة فيما بينك وبين الله ، والوفادة إلى ربك وتكلّم عنك ، ولم تتكلّم عنه ، ودعا لك ولم تدعُ له ، وطلبَ فيك ، ولم تطلُبْ فيه ، وكفاكَ همّ المقام بين يدي الله ، والمسألةِ له فيك ، ولم تكفه ذلك ، فإن كان في شيءٍ من ذلك تقصيرٌ كان به دونك ، وإن كان آثماً لم تكن شريكه فيه ولم يكن له عليه فضلٌ فوقى نفسك بنفسه ، ووقى صلاتك بصلاته ، فتشكُرَ له ذلك ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

٣٠ ـ ( وأمّا حقّ الجليسِ ) :

فأن تُليّن له كنفك(١) ، وتُطيِبَ له جانبك ، وتُنصِفَه في مُجاراة اللفظ ولا تغرق(٢) في نزع اللحظ إذا لحظتَ ، وتقصد في اللفظ إلى إفهامه إذا لفظتَ ، وإن كنتَ الجليس إليه كنتَ في القيامِ عنهُ بالخيارِ ، وإن كان الجالس إليك كان بالخيارِ ، ولا تقومُ إلا بإذنه ، ولا قوةَ إلا بالله .

٣١ ـ ( وأمّا حقّ الجارِ ( :

فحفظهُ غائباً ، وكرامتُه شاهداً ، ونصرتُهُ ومعونتُهُ في الحالين جميعاً لا تتبعْ له عورةً ، ولا تبحثْ عن سوءةٍ لتعرفها ، فإن عرفتها منه عن غير إرادةٍ منك ولا تكلفٍ ، كنت لما علمتَ حصناً حصيناً ، وستراً ستيراً ، لو بحثتِ الأسنّةُ عنه ضميراً لم تتصل إليه لا نطوائهِ عليه ، لا تستمع عليه من حيث لا يعلَمْ لا تُسلّمه عند شديدة ، ولا تحسدهُ عند نعمة ، تقيلُ عثرتهُ وتغفر زلّته ، ولا تدّخرْ حلمك عنه إذا جهل عليك ، ولا تخرج أن تكون سلماً له تردّ عنه لسان الشتيمة ، وتبطُلُ فيه كيد حامل النصيحة ، وتعاشرُهُ معاشرةً كريمةً ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) الكنف : الجانب والظل .

(٢) يقال : تجاروا في الحديث : جرى كل واحد مع صاحبه ، ومنه مجاراة من لا عقل له أي الخوض معه في الكلام ولا تغرق : ولا تبالغ في أمره .

٣٦٧

٣٢ ـ ( وأمّا حقّ الصاحب ) :

فأن تصحبَهُ بالفضل ما وجدت إليه سبيلاً ، وإلا فلا أقلّ من الإنصاف وأن تكرمه كما يكرمُك وتحفظه كما يحفظك ولا يسبقك فيما بينك وبينه إلى مكرمة ، فإن سبقك كافأته ، ولا تُقصِّرَ به عما يستحقّ من المودّة تُلزِمُ نفسَك نصيحتهُ ، وحياطتَهُ ، ومعاضدتَهُ على طاعة ربه ، ومعونته على نفسه ، فيما لا يهمّ به من معصية ربه ، ثم تكون عليه رحمةً ، ولا تكن عليه عذاباً ، ولا قوةَ إلا بالله .

٣٣ ـ ( وأمّا حقّ الشريكِ ) :

فإن غابَ كفيتَهُ ، وإن حضَرَ ساويتَهُ ، ولا تعزِمْ على حُكمِكَ دون حُكمه ، ولا تعمل برأيك دون مُناظرتِه ، وتحفظُ عليه مالَه ، وتتقي خيانته فيما عزّ أو هان ، فإنه بلغنا ( أن يدَ اللهِ على الشريكينِ ما لم يتخاونا ) ولا قوةَ إلا بالله .

٣٤ـ ( وأمّا حقُّ المالِ ( :

فأن لا تأخُذَه إلا من حلّه ، ولا تُنفقه إلا في حلّه ، ولا تحرّفهُ عن مواضعه ، ولا تصرفه عن حقائقه ، ولا تجعله إذا كان من الله إلا إليه ، وسبباً إلى الله ولا تؤثرَ به على نفسك من لعلّه لا يحمدك ، وبالحريّ أن لا يحسن خلافته في تركتكَ(١) ، ولا يعمل فيه بطاعة ربك فيذهب بالغنيمة وتبوء بالإثم والحسرة والندامة مع التبعة(٢) ، ولا قوة إلا بالله .

٣٥ ـ ( وأمّا حقّ الغريم(٣) المطالب لك ) :

فإن كنت موسراً أوفيته ، وكفيته وأغنيته ، ولم تردده وتمطله (٤) ، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( مطل الغنيّ ظلمٌ ) وإن كنت معسراً أرضيته بحسن القول ، وطلبت إليه طلباً جميلاً ورددته عن نفسك رداً لطيفاً ، ولم تجمع عليه ذهاب ماله ، وسوء معاملته ، فإنّ ذلك لؤم ، ولا قوة إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) التركة ( بفتح وكسر ) : الشيء المتروك أي تركة الميت ( الميراث ( .

(٢) التبعة : ما يترتب على الفعل من الشر ، وربما يستعمل في الخير أيضاً .

(٣) الغريم : الدائن ويطلق أيضاً على المديون .

(٤) المطل : التسويف والتعلل في أداء الحق وتأخيره عن وقته .

٣٦٨

٣٦ ـ ( وأمّا حقّ الخليط )

فأن لا تغرّه ، ولا تغشّه ، ولا تكذبه ، ولا تغفّله ، ولا تخدعه ، ولا تعمل في انتفاضه عمل العدوّ الذي لا يبقى على صاحبه ، وإن اطمأنّ إليك أستقصيت(٢) له على نفسك ، وعلمت أن غبن المسترسل رباً(٣)

ثم حقّ الخصم :

٣٧ ـ ( وأمّا حقّ الخصم المدّعي عليك ) :

فإن كان ما يدّعي عليك حقاً لم تنفسخ في صحبته ، ولم تعمل في إبطال دعوته ، وكنت خصم نفسك له ، والحاكم عليها والشاهد له بحقّه دون شهادة الشهود ، فإن ذلك حقّ الله عليك وإن كان ما يدّعيه باطلاً رفقت به ، وردعته ، وناشدته بدينه ، وكسرت حدتّه عنك بذكر الله ، وألقيت حشو الكلام ولغطه الذي لا يردّ عنك عادية عدوّك ، بل تبوء بإثمه ، وبه يشحذ عليك سيف عداوته ، لأن لفظة السوء تبعث الشرّ ، والخير مقمعةٌ للشّر ، ولا قوةً إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) الخليط : المخالط كالنديم والشريك والجليس ونحوها .

(٢) استقصى في المسألة : بلغ الغاية فيها .

(٣) الاسترسال : الاستيناس إلى الإنسان والثقة به فيما يحدثه ، وأصله السكون والثبات وفي الحديث : ( غبن المسترسل سحت ) ، و( غبن المسترسل ربا ) .

٣٦٩

٣٨ ـ ( وأمّا حقّ الخصم المدّعى عليه ( :

فإن كان ما تدّعيه حقاً أجملت في مقاولته(١) بمخرج الدعوى ، فإن للدعوى غلظةً في سمع الدّعى عليه ، وقصدت قصد حجّتك بالرفق ، وأمهل المهلة ، وأبين البيان ، وألطف اللطف ، ولم تتشاغل عن حجتك بمنازعته بالقيل والقال ، فتذهب عنك حجتك ، ولا يكون لك في ذلك دركٌ ، ولا قوة إلا بالله .

ثم حق المشاورة والنصيحة :

٣٩ ـ ( وأمّا حقّ المستشير ) :

فإن حضرك له وجه رأي جهدت له في النصيحة ، وأشرت عليه بما تعلم أنك لو كنت مكانه عملت به ، ليكن ذلك منك في رحمةٍ ولينٍ ، فإن اللين يؤنس الوحشة ، وأن الغلظ يوحش موضع الأنس ، وإن لم يحضرك له رأيٌ ، وعرفت له من تثق برأيه ، وترضى به لنفسك دللته عليه وأرشدته إليه فكنت لم تأله(٢) خيراً ولم تدّخره نصحاً ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) المقاولة : المجادلة والمباحثة .

(٢) لم تأله : لم تقصره من : ألا ، يألو .

٣٧٠

٤٠ ـ ( وأمّا حقّ المشير عليك ( :

فلا تتّهمه فيما لا يوافقك من رأيه ، إذا أشار عليك فإنما هي الآراء وتصرّف الناس فيها وأختلافهم ، فكن عليه في رأيه بالخيار إذا أتهمت رأيه ، فأما تهمته فلا يجوز لك إذا كان عندك ممن يستحقّ المشاورة ، ولا تدع شكره على ما بدا لك من إشخاص رأيه ، وحسن وجه مشورته ، فإذا وافقك حمدت الله وقبلت ذلك من أخيك بالشكر والإرصاد بالمكافأة في مثلها إن فزع إليك ، ولا قوة إلا بالله .

٤١ ـ ( وأمّا حقّ المستنصح ( :

فإنّ حقّه أن تؤدي إليه النصيحة على الحق الذي ترى له أنه يحمل ، وتخرج المخرج الذي يلين على مسامعه وتكلّمه من الكلام بما يطيقه عقله ، فإنّ لكلّ عقلٍ طبقةً من الكلام يعرفه ويجتنبه ، وليكن مذهبك الرحمة ، ولا قوة إلا بالله .

٤٢ ـ ( وأمّا حقّ الناصح ) :

فأن تلين له جناحك ، ثم تشرئب(١) له قلبك ، وتفتح له سمعك ، حتى تفهم عنه نصيحته ، ثم تنظر فيها : فإن كان وفّق فيها للصواب حمدت الله على ذلك ، وقبلت منه ، وعرفت له نصيحته .وإن لم يكن وفّق لها ، رحمته ولم تتهمه ، وعلمت أنه لم يألك نصحاً ، إلا أنه أخطأ ، إلا أن يكون عندك مستحقاً للتهمة ، فلا تعبأ بشيءٍ من أمره على كلّ حالٍ ، ولا قوة إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) إشرأب للشيء : مدّ عنقه لينظره ، والمراد ان تملأ قلبك من نصحه .

٣٧١

ثم حقّ السن :

٤٣ ـ ( وأمّا حقّ الكبير ( :

فإنّ حقّه توقير سنّه ، وإجلال إسلامه إذا كان من أهل الفضل في الإسلام بتقديمه فيه ، وترك مقابلته عند الخصام ، ولا تسبقه إلى طريقٍ ، ولا تؤمّه في طريق(١) ، ولا تستجهله ، وإن جهل عليك تحملّت ، وأكرمته بحقّ إسلامه مع سنّه ، فإنما حقّ السنّ بقدر الإسلام ، ولا قوة إلا بالله .

٤٤ ـ ( وأمّا حقّ الصغير ) :

فرحمته وتثقيفه وتعليمه والعفو عنه ، والستر عليه ، والرفق به ، والمعونة له ، والستر على جرائر حداثته ، فإن سببٌ للتوبة ، والمداراة له ، وترك مماحكته ، فإن ذلك أدنى لرشده .

ــــــــــــــــ

(١) من أمّ يؤمّ أي ولا تتقدمه .

٣٧٢

ثم حقّ السائل والمسؤول :

٤٥ ـ ( وأمّا حقّ السائل ) :

فاعطاؤه إذا تيقنّت صدقه ، وقدرت على سد حاجته والدعاء له فيما نزل به ، والمعاونة له على طلبته وإن شككت في صدقه ، وسبقت إليه التهمة ، ولم تعزم على ذلك لم تأمن أن يكون من كيد الشيطان أراد أن يصدّك عن حظك ، ويحول بينك وبين التقرّب إلى ربّك ، تركته بستره ورددته رداً جميلاً وإن غلبت نفسك في أمره ، وأعطيته على ما عرض في نفسك منه فإنّ ذلك من عزم الأمور .

٤٦ ـ ( وأمّا حقّ المسؤول ) :

فحقّه إن أعطى قبل منه ما أعطى بالشكر له ، والمعرفة لفضله ، وطلب وجه العذر في منعه ، وأحسن به الظنّ ، وأعلم أنه إن منع فماله منع ، وأن ليس التثريب(١) في ماله وإن كان ظالماً فإن الإنسان لظلومٌ كفار .

٤٧ ـ ( وأمّا حقّ من سّرك الله به وعلى يديه ) :

فإن كان تعمّدها لك حمدت الله أولاً ثم شكرته على ذلك بقدره في موضع الجزاء ، وكافأته على فضل الإبتداء ، وأرصدت له المكافأة وإن لم يكن تعمّدها ، حمدت الله أولاً ثم شكرته وعلمت أنه منه ، توحّدك بها وأحببت هذا إذ كان سبباً من أسباب نعم الله عليك ، وترجو له بعد ذلك خيراً ، فإن أسباب النعم بركةٌ حيث ما كانت وإن كان لم يتعمد ، ولا قوة إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) التثريب : التوبيخ والملامة .

٣٧٣

٤٨ ـ ( وأمّا حقّ من ساءك القضاء على يديه بقولٍ أو فعلٍ ) :

فإن كان تعمّدها كان العفو أولى بك لما فيه له من القمع وحسن الأدب مع كثير من أمثاله من الخلق ، فإن الله يقول: ( وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ مَا عَلَيْهِم مِن سَبِيلٍ * إِنّمَا السّبِيلُ عَلَى الّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) )(١) وقال عز وجل : (( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ ) )(٢) هذا في العمد ، فإن لم يكن عمداً لم تظلمه بتعمد الإنتصار منه فتكون قد كافأة في تعمدٍ على خطأ ورفقت به ، ورددته بألطف ما تقدر عليه ولا قوة إلا بالله .

ــــــــــــــــ

(١) سورة الشورى : الآية ٤١ ـ ٤٣ .

(٢) سورة النحل : الآية ١٢٦ .

٣٧٤

ثمّ حقّ بقية الناس :

٤٩ ـ ( وأمّا حقّ أهل ملّتك عامةً ) :

فإضمار السلامة ، ونشر جناح الرحمة ، والرفق بمسيئهم وتألّفهم ، واستصلاحهم ، وشكر محسنهم إلى نفسه وإليك ، فإن إحسانه إلى نفسه إحسانه إليك إذا كفّ عنك أذاه ، وكفاك مؤونته ، وحبس عنك نفسه ، فعمّهم جميعاً بدعوتك ، وانصرهم جميعاً بنصرتك ، وأنزلهم جميعاً منك منازلهم كبيرهم بمنزلة الوالد ، وصغيرهم بمنزلة الولد ، وأوسطهم بمنزلة الأخ فمن أتاك تعاهدته بلطفٍ ورحمةٍ ، وصل أخاك بما يجب للأخ على أخيه .

٥٠ ـ ( وأمّا حقّ أهل الذمة ( :

فالحكم فيهم أن تقبل منهم ما قبل الله ، وتفي بما جعل الله لهم من ذّمته وعهده ، وتكلهم إليه فيما طلبوا من أنفسهم ، وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك فيما جرى بينك وبينهم من معاملةٍ ، وليكن بينك وبين ظلمهم من رعاية ذمة الله ، والوفاء بعهده ، وعهد رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسلم حائلٌ ، فانه بلغنا أنه قال : ( من ظلم معاهداً كنت خصمه ) فاتّق الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

(الخاتمة)

فهذه خمسون حقاً محيطاً بك ، لا تخرج منها في كل حالٍ من الأحوال يجب عليك رعايتها ، والعمل في تأديتها والاستعانة بالله جلّ ثناؤه على ذلك ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، والحمد لله ربّ العالمين(١)

ــــــــــــــــ

(١) تحف العقول ص ١٨٣ ـ ١٩٦ .

٣٧٥

رسالة السجادعليه‌السلام في الزهد

وهذه رسالة في الزهد للسجادعليه‌السلام دوّنت في حياته ، فادرجناها في الآثار المدوّنة .

أ ـ في سند الرسالة

نقل الكليني ( ت ٣٢٩ هـ ) هذه الرسالة عن : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه ، جميعاً عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن أبي حمزة ، قال : ( ما سمعت بأحد من الناس كان أزهد من علي بن الحسينعليه‌السلام إلا ما بلغني من علي بن أبي طالبعليه‌السلام وكان الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام إذا تكلم في الزهد ووعظ أبكى من بحضرته ) وأضاف أبو حمزة : ( قرأت صحيفةً فيها كلام زهدٍ من كلام علي بن الحسينعليه‌السلام وكتبت ما فيها ، ثم أتيت علي بن الحسين صلوات الله عليه فعرضت ما فيها عليه ، فعرفه وصححه ) .

والرواية صحيحة السند ، والرواة في سلسلتها كلهم من الثقات .

ب ـ نص رسالة الزهد

 ( بسم الله الرحمن الرحيم كفانا الله وإياكم كيد الظالمين وبغي الحاسدين وبطش الجبّارين أيها المؤمنون لا يفتننكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في هذه الدنيا ، الماثلون إليها ، المفتتنون بها ، المقبلون عليها وعلى حطامها الهامد ، وهشيمها البائد غداً واحذروا ما حذّركم الله منها ، وازهدوا فيما زهّدكم الله فيه منها ، ولا تركنوا إلى ما في هذه الدنيا ركون من اتّخذها دار قرار ومنزل استيطان .

والله إن لكم مما فيها عليها لدليلاً وتنبيهاً ، من تصريف أيامها ، وتغيّر انقلابها ومثلاتها ، وتلاعبها بأهلها إنها لترفع الخميل وتضع الشريف ، وتورد أقواماً إلى النار غداً ، ففي هذا معتبر ومختبر وزاجر لمتنبّه .

إن الأمور الواردة عليكم في كل يوم وليلة من مظلمات الفتن ، وحوادث البدع ، وسنن الجور ، وبوائق الزمان ، وهيبة السلطان ، ووسوسة الشيطان لتثّبط القلوب عن تنبهها ، وتذهلها عن موجود الهدى ، ومعرفة أهل الحق إلا قليلاً ممن عصم الله ، فليس يعرف تصرّف أيامها وتقلب حالاتها وعاقبة ضرر فتنتها إلا من عصم الله ، ونهج سبيل الرشد ، وسلك طريق القصد ، ثم استعان على ذلك بالزهد ، فكرّر الفكر واتعط بالصبر فازدجر ، وزهد في عاجل بهجة الدنيا وتجافى عن لذاتها ، ورغب في دائم نعيم الآخرة ، وسعى لها سعيها ، وراقب الموت ، وشنأ الحياة مع القوم الظالمين .

٣٧٦

انظر إلى ما في الدنيا بعين نيّرة حديدة البصر ، وأبصر حوادث الفتن وضلال البدع وجور الملوك الظلمة ، فلقد لعمري استدبرتم الأمور الماضية في الأيام الخالية من الفتن المتراكمة والانهماك فيما تستدلون به على تجنب الغواة وأهل البدع والبغي والفساد في الأرض بغير الحق ، فاستعينوا بالله وارجعوا إلى طاعة الله وطاعة من هو أولى بالطاعة ممن اتبع فأطيع .

فالحذر الحذر من قبل الندامة والحسرة والقدوم على الله والوقوف بين يديه ، وتالله ما صدر قوم قطّ عن معصية الله إلا إلى عذابه ، وما آثر قوم قطّ الدنيا على الآخرة إلا ساء منقلبهم وساء مصيرهم ، وما العلم بالله والعمل إلا إلفان مؤتلفان ، فمن عرف الله خافه ، وحثّه الخوف على العمل بطاعة الله ، وإن أرباب العلم وأتباعهم الذين عرفوا الله فعملوا له ورغبوا إليه ، وقد قال الله : (( إِنّمَا يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) )(١) ، فلا تلتمسوا شيئاً مما في هذه الدنيا بمعصية الله ، واشتغلوا في هذه الدنيا بطاعة الله ، واغتنموا أيامها واسعوا لما فيه نجاتكم غداً من عذاب الله ، فإن ذلك أقل للتّبعة وأدنى من العذر ، وأرجأ للنجاة .

ــــــــــــــــ

(١) سورة فاطر : الآية ٢٨ .

٣٧٧

فقدّموا أمر الله وطاعة من أوجب الله طاعته بين يدي الأمور كلها ، ولا تقدموا الأمور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت من زهرة الدنيا بين يدي الله وطاعته وطاعة أولي الأمر منكم .

واعلموا أنكم عبيد الله ونحن معكم ، يحكم علينا وعليكم سيد حاكم غداً ، وهو موقفكم ومسائلكم ، فأعدّوا الجواب قبل الوقوف والمساءلة والعرض على ربّ العالمين( يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلّمُ نَفْسٌ إِلّا بِإِذْنِهِ ... ) (١) .

واعلموا أن الله لا يصدّق يومئذ كاذباً ولا يكذّب صادقاً ، ولا يردّ عذر مستحق ، ولا يعذر غير معذور ، له الحجّة على خلقه بالرسل والأوصياء بعد الرسل .

فاتقوا الله عباد الله ، واستقبلوا في إصلاح أنفسكم ، وطاعة الله وطاعة من تولّونه فيها ، لعل نادماً قد ندم فيما فرّط بالأمس في جنب الله وضيّع من حقوق الله ، واستغفروا الله وتوبوا إليه ؛ فإنه يقبل التوبة ويعفو عن السيئة ويعلم ما تفعلون .

ــــــــــــــــ

(١) سورة هود : الآية ١٠٥ .

٣٧٨

وإيااكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين ومجاورة الفاسقين ، احذروا فتنتهم ، وتباعدوا من ساحتهم ، واعلموا أنه من خالف أولياء الله ودان بغير دين الله ، واستبدّ بأمره دون أمر ولي الله كان في نار تلتهب ، تأكل أبداناً قد غابت عنها أرواحها ، وغلبت عليها شقوتها ، فهم موتى لا يجدون حرّ النار ولو كانوا أحياء لوجدوا مضض حر النار .

واعتبروا يا أولي الأبصار ، واحمدوا الله على ما هداكم ، واعلموا أنكم لا تخرجون من قدرة الله إلى غير قدرته ، وسيرى الله عملكم ورسوله ثم إليه تحشرون ، فانتفعوا بالعظة وتأدّبوا بآداب الصالحين )(١)

ــــــــــــــــ

(١) الكافي للشيخ الكليني ج ٨ ص ١٧ .

٣٧٩

الفصل الخامس : نصوصٌ منتقاةٌ

النصوص التالية هي حكم وأقوال منتخبة للإمام علي بن الحسينعليه‌السلام في حقول دينية وحياتية شتى ، جمعها فكر الإمامعليه‌السلام وهي على تنوعها ، تعكس إمام السجادعليه‌السلام بالعلوم الإلهية ومنابع الفيض السماوي على الإمامعليه‌السلام

في الدين والحياة

تناول الإمام زين العابدينعليه‌السلام في خطابه الإرشادي إلى الناس جملة من المفاهيم الدينية حول صفات الإنسان وطبيعة إيمانه ، والدنيا ووجوه اغراءتها ، والآثار الشخصية والإجتماعية للإحسان ، ومجموعة من سنن الأنبياءعليهم‌السلام ، وطرق تعاملهم مع الناس ومتون تلك الأحاديث تعبّر عن شمولية الدين لمناحي الحياة ودور القيم الأخلاقية في تهذيبها .

٣٨٠

الدين :

١ ـ جماع الدين : تقدم رجل إلى الإمام السجادعليه‌السلام فسأله عن كيفية الدعوة إلى الدين ؟ فقالعليه‌السلام : ( ادعوك إلى الله تعالى وإلى دينه ، وجماعه أمران الأول : معرفة الله والآخر : العمل برضوانه وإن معرفة الله أن تعرفه بالوحدانية ، والرأفة والرحمة ، والعلم والقدرة ، والعلو على كل شيء ، وأنه النافع الضار القاهر لكل شيء الذي لا تدركه الأبصار ، وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن ما جاء به هو الحق من عند الله تعالى ، وأن ما سواهما هو الباطل فإذا أجابوا إلى ذلك فلهم ما للمسلمين ، وعليهم ما على المسلمين )(١)

الذنب :

٢ ـ أنواع الذنوب : النص التالي للإمام زين العابدينعليه‌السلام يكشف عن طبيعة الذنوب ومقتضياتها :

) الذنوب التي تغير النعم : البغي على الناس ، والزوال عن العادة في الخير واصطناع المعروف ، وكفران النعم ، وترك الشكر ، قال الله تعالى : (( إِنّ اللّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتّى‏ يُغَيّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) (٢) .

والذنوب التي تورث الندم : قتل النفس التي حرّم الله ، قال الله تعالى في قصة قابيل حين قتل أخاه فعجز عن دفنه : (( فَأَصْبَحَ مِنَ النّادِمِينَ ) )(٣) ، وترك صلة القرابة حتى يستغنوا ، وترك الصلاة حتى يخرج وقتها ، وترك الوصية ورد المظالم ، ومنع الزكاة حتى يحضر الموت وينغلق اللسان .

ــــــــــــــــ

(١) التهذيب للشيخ الطوسي ج ٢ ص ٤٧ .

(٢) سورة الرعد : الآية ١١ .

(٣) سورة المائدة : الآية ٣١ .

٣٨١

والذنوب التي تنزل النقم : عصيان العارف ، والتطاول على الناس ، والاستهزاء بهم ، والسخر بهم .

والذنوب التي تدفع النعم : أظهار الإفتقار ، والنوم عن العتمة(١) ، وعن صلاة الغداة ، واستحقار النعم ، وشكوى المعبود .

والذنوب التي تهتك العصم : شرب الخمر ، واللعب بالقمار ، وتعاطي ما يضحك الناس من اللغو والمزاح وذكر عيوب الناس ، ومجالسة أهل الريب .

والذنوب التي تنزل البلاء : ترك اغاثة الملهوف ، وترك معونة المظلوم ، وتضييع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

والذنوب التي تديل الأعداء : المجاهرة بالظلم ، واعلان الفجور ، وإباحة المحظور ، وعصيان الأخيار ، واتباع الأشرار .

والذنوب التي تعجّل الفناء : قطيعة الرحم ، واليمين الفاجرة ، والأقوال الكاذبة ، والزنا ، وسد طرق المسلمين ، وادعاء الإمامة بغير حق .

والذنوب التي تقطع الرجاء : اليأس من روح الله ، والقنوط من رحمة الله ، والثقة بغير الله ، والتكذيب بوعد الله .

ــــــــــــــــ

(١) العتمة : وقت صلاة العشاء .

٣٨٢

والذنوب التي تظلم الهواء : السحر والكهانة ، والإيمان بالنجوم ، والتكذيب بالقدر ، وعقوق الوالدين .

والذنوب التي تكشف الغطاء : الاستدانة بغير نية الأداء ، والإسراف في النفقة على الباطل ، والبخل على الأهل والولد وذي الأرحام ، وسوء الخلق ، وقلّة الصبر ، واستعمال الضجر ، والاستهانة بأهل الدين .

والذنوب التي ترد الدعاء : سوء النية وخبث السريرة ، والنفاق مع الاخوان ، وترك التصديق بالإجابة ، وتأخير الصلوات المفروضات حتى تذهب أوقاتها ، وترك التقرب إلى الله عزّ وجلّ بالبر والصدقة ، واستعمال البذاء والفحش في القول ، والزور وكتمان الشهادة ، ومنع الزكاة والقرض والماعون ، وقساوة القلوب على أهل الفقر والفاقة ، وظلم اليتيم والأرملة ، وانتهار السائل ورده بالليل )(١)

الإنسان :

٣ ـ أعين العبد : ( ان للعبد أربعة أعين : عينان يبصر بهما أمر دينه ودنياه ، وعينان يبصر بهما أمر آخرته فإذا أراد الله بعبدٍ خيراً فتح له

ــــــــــــــــ

(١) معاني الأخبار للشيخ الصدوق ص ٧٨ .

٣٨٣

العينين اللتين في قلبه فأبصر بهما الغيب وأمر آخرته وإذا أراد به غير ذلك ترك القلب بما فيه )(١)

٤ ـ الإنسان والقسم : ( لا تحلفوا إلا بالله ، ومن حلف بالله فليصدق ومن حلف له بالله فليرض ومن حلف له بالله فلم يرض فليس من الله )(٢)

٥ ـ وثاقة الإنسان وعدالته : ( إذا رأيتم الرجل قد حسن سمته وهديه ، وتمادى في منطقه ، وتخاضع في حركاته ، فرويداً لا يغرنكم ، فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا ، وركوب الحرام منها ، لضعف بنيته ومهانته ، وجبن قلبه ، فنصب الدين فخّاً له ، فهو لا يزال يختل الناس بظاهره فإن تمكن من حرام أقتحمه .

وإذا وجدتموه يعفّ عن المال الحرام فرويداً لا يغرنكم ، فإن شهوات الخلق مختلفة ، فما أكثر من يتأبى عن الحرام وإن كثر ، ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة ، فيأتي منها محرماً.

فإذا رأيتموه كذلك فرويداً لا يغرنكم حتى تنتظروا عقدة عقله ، فما أكثر من ترك ذلك أجمع ثم لا يرجع إلى عقل متين ، فيكون ما يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بعقله .

ــــــــــــــــ

(١) الخصال ج ١ ص ١٠٦ .

(٢) بحار الأنوار ج ٢٤ ص ١٢ .

٣٨٤

فإذا وجدتم عقله متيناً فرويداً لا يغرنكم حتى تنظروا أيكون هواه على عقله ، أم يكون عقله على هواه ؟ وكيف محبته للرياسة الباطلة وزهده فيها ؟ فإن في الناس من يترك الدنيا للدنيا ، ويرى أن لذة الرياسة الباطلة أفضل من رياسة الأموال والنعم المباحة المحللة ، فيترك ذلك أجمع طلباً للرياسة ، حتى إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالأثم فحسبه جهنم وبئس المهاد فهو يخبط خبط عشواء ، يقوده أول باطله إلى أبعد غايات الخسارة ، ويمد به بعد طلبه لما لا يقدر في طغيانه ، فهو يحلّ ما حرم الله ، ويحرّم ما أحلّ الله لا يبالي ما فات من دينه إذا سلمت له الرياسة التي قد شقي من أجلها فأولئك الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعدّ لهم عذاباً أليماً .

ولكن الرجل كل الرجل الذي جعل هواه تبعاً لأمر الله ، وقواه مبذولة في قضاء الله ، يرى الذلّ مع الحق أقرب إلى عز الأبد مع العز في الباطل ، ويعلم أن قليل ما يحتمله من ضرائها يؤدي إلى دوام النعيم في دار لا تبيد ولا تنفد ، وأن كثيراً ما يلحقه من سرائها إن اتبع هواه يؤدي به إلى عذاب لا انقطاع له ولا زوال فذلك الرجل تمسكوا به ، واقتدوا بسنته ، وإلى ربكم توسلوا به ، فإنه لا تردّ له دعوة ، ولا يخيب من طلبه )(١)

ــــــــــــــــ

(١) الأحتجاج ج ٢ ص ١٧٥ وتنبيه الخواطر ص ٣١٦ .

٣٨٥

٦ ـ عليك نفسك : ( كفى بالمرء عيباً أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه ، أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه )(١)

٧ ـ يا بن آدم : ( ان الله يقول يا ابن آدم أرض بما أتيتك تكن من أزهد الناس ، واعمل بما افترضت عليك تكن من أعبد الناس ، واجتنب عما حرّمت عليك تكن من أورع الناس )(٢)

٨ ـ حقٌ يفي بأهل الأرض : جاء إليه رجلٌ برجلٍ يزعم انه قاتل أبيه ، وقد اعترف به ، ووجب عليه القصاص فسأله علي بن الحسينعليه‌السلام العفو ليعظم ثوابه ، فلم تطب نفس ابن المقتول بالعفو فقالعليه‌السلام : ( إن كان لهذا القاتل عليك حقٌ ، فهب له هذه الجناية ، واغفر له ذنبه ) فقال : يا ابن رسول الله ، له عليّ حق لم يبلغ العفو عن قتل أبي .

فقالعليه‌السلام : ( فماذا تريد منه ؟ ) قال : أريد القود فإن أراد المصالحة صالحته وتركت القود لأجل حقه فقالعليه‌السلام : ( ما حقه عليك ؟ ) قال : انه علمني توحيد الله ونبوة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإمامة علي والأئمةعليه‌السلام فقال السجادعليه‌السلام : ( ألم تر أن هذا يفي بدم أبيك بلى

ــــــــــــــــ

(١) أصول الكافي على هامش مرآة العقول ج ٢ ص ٤٢٨ .

(٢) تحف العقول ص ٦٨ .

٣٨٦

والله ان هذا ليفي بدماء أهل الأرض كلهم من الأولين والآخرين ، سوى الأنبياء والأئمة إن قتلوا فإنه لا يفي بدمائهم شيء )(١)

الموت :

٩ ـ الموت للمؤمن والكافر : ( الموت للمؤمن كنزع ثياب وسخة ، وفك أغلال ثقيلة ، والاستبدال بأفخر الثياب ، وأوطأ المراكب .

وللكافر كخلع ثياب فاخرة ، والنقل من منازل أنيسة ، والاستبدال بأوسخ الثياب وأخشنها ، وأوحش المنازل وأعظمها )(٢)

المؤمن :

١٠ ـ صفات المؤمن : ( المؤمن خلط عمله بحلمه ، يجلس ليعلم ، وينصت ليسلم ، لا يحدّث بالأمانة للاصدقاء ، ولا يكتم الشهادة للبعداء ، ولا يعمل شيئاً من الحق رياءً ، ولا يتركه حياءً إن زكّي خاف مما يقولون ، ويستغفر الله لما لا يعلمون ، ولا يضره جهل من جهله )(٣)

ــــــــــــــــ

(١) الأحتجاج للطبرسي ص ١٧٠ .

(٢) معاني الأخبار باب ١٣٦ .

(٣) تحف العقول ص ٢٨٠ .

٣٨٧

١١ ـ الدعاء للمؤمن بظهر الغيب : ( إن الملائكة إذا سمعوا المؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب أو يذكره بخير ، قالوا : نعم الأخ أنت لأخيك ، تدعو له بالخير ، وهو غائب عنك ، وتذكره بخير قد أعطاك الله مثليّ ما سألت له ، وأثنىا عليك مثليّ ما أثنيت عليه ، ولك الفضل عليه .

وإذا سمعوه يذكر أخاه بسوء ويدعو عليه ، قالوا له : بئس الأخ أنت لأخيك ، كف أيها المستر على ذنوبه وعورته ، واربع على نفسك ، واحمد الله الذي ستر عليك ، واعلم أن الله أعلم بعبده منك )(١)

١٢ ـ المتحابون في الله : ( إذا جمع الله الأولين والآخرين نادى منادٍ يسمعه الناس يقول : أين المتحابون في الله ؟ فيقوم عنق من الناس ، فيقال لهم : اذهبوا إلى الجنة بغير حساب ، فتتلقاهم الملائكة ويسألونهم عن العمل الذي جاز بهم إلى الجنة ، فيقولون : نحن المتحابون في الله فيقولون : وأي شيء كانت أعمالكم ؟ فيقولون : كنا نحب في الله ، ونبغض في الله فيقولون لهم : نعم أجر العاملين )(٢)

١٣ ـ أهل الفضل : ( إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ : ليقم أهل الفضل فيقوم ناس قبل الحساب ، فيقال لهم : انطلقوا إلى الجنة ،

ــــــــــــــــ

(١) أصول الكافي ج ٢ ص ٥٠٨ .

(٢) وسائل الشيعة ج ١١ ص ٤٣٢ .

٣٨٨

فتتلقاهم الملائكة ويسألونهم إلى أين ؟ فيقولون : إلى الجنة فإذا سألوهم عما استحقوا ذلك ، يقولون : كنا إذا جهل علينا حلمنا ، وإذا ظلمنا صبرنا ، وإذا أسيء إلينا غفرنا فيقال لهم : ادخلوا الجنة فنم أجر العاملين

ثم ينادي منادٍ : ليقم جيران الله عزّ وجلّ ، فيقوم ناس ، فيقال لهم : انطلقوا إلى الجنة فتسألهم الملائكة عما استحقوا ذلك ، وما مجاورتهم لله عزّ وجلّ ؟ فيقولون : كنا نتزاور في الله ، ونتجالس في الله ، ونتبادل في الله ، فيقولون : ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين )(١)

١٤ ـ علامات المؤمن : قال الإمام زين العابدينعليه‌السلام : ( علامات المؤمن خمس ) فقال له طاووس اليماني : وما هي يا ابن رسول الله ؟ قالعليه‌السلام : ( الورع في الخلوة ، والصدقة في القلّة ، والصبر عند المصيبة ، والحلم عند الغضب ، والصدق عند الخوف )(٢)

١٥ ـ من أخلاق المؤمن : ( من أخلاق المؤمن : الإنفاق على قدر الإقتار(٣) ، والتوسعة على قدر التوسع ، وانصاف الناس ، وابتداؤه بالسلام عليهم )(٤)

ــــــــــــــــ

(١) حلية الأولياء ج ٣ ص ١٥٩ .

(٢) الخصال ص ٢٤٥ .

(٣) الإقتار : ضيق المعيشة .

(٤) أصول الكافي ج ٢ ص ٢٤١ .

٣٨٩

١٦ ـ منجيّات المؤمن : ( ثلاث منجيّات للمؤمن : كف لسانه عن الناس وعن اغتيابهم ، وشغله بما ينفعه لدنياه وآخرته ، وطول بكائه على خطيئته )(١)

١٧ ـ لطفه تعالى بالمؤمن : ( ان العبد المؤمن ليطلب الإماة والتجارة ، فإذا اشرف من ذلك على ما يهوى بعث الله إليه ملكاً يصدّه عن أمرٍ لو دخل فيه لاستحق النار فينزل الملك ويصدّه عن ذلك الأمر بلطف الله تعالى ، ويصبح العبد يقول لقد دهاني من دهاني ، فعل الله به وفعل وما يدري ان الله جلّ وعلا هو الناظر له في ذلك ولو تركه وذلك الشيء لدخل النار ( .

١٨ ـ الخطوتان والجرعتان والقطرتان : ( ما من خطوة أحب إلى الله تعالى من خطوتين : خطوةٌ يسد بها المؤمن صفاً في سبيل الله ، وخطوة إلى ذي رحم قاطع وما من جرعة أحب إلى الله تعالى من جرعتين : جرعة غيظ يردها بحلم ، وجرعة مصيبة يردها بصبر وما من قطرة أحبّ إلى الله تعالى من قطرتين : قطرة دم في سبيل الله وقطرة دمعة في سواد الليل لا يرد بها عبدٌ إلا الله عزّ وجلّ ((٢) .

١٩ ـ من شروط الأمان يوم القيامة : ( ثلاث من كنّ فيه كان في كنف الله تعالى وأظله يوم القيامة في ظل عرشه وآمنه من الفزع

ــــــــــــــــ

(١) الدر النظيم ص ١٧٤ .

(٢) الخصال ج ١ ص ٢٦ .

٣٩٠

الأكبر : من اعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم لنفسه ، ورجلٌ لم يقدم يداً ولا رجلاً حتى يعلم انه في طاعة الله قدمها أو في معصيته ، ورجلٌ لم يعب أخاه بعيبٍ حتى يترك ذلك العيب من نفسه وكفى بالمرء شغلاً بعيبه عن عيوب الناس )(١)

٢٠ ـ أهل الحكمة : ( لا تحتقر اللؤلؤة النفيسة ان تجلبها من الكبا الخسيسة(٢) ، فان أبي حدثني قال سمعت أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول : ان الكلمة من الحكمة لتلجلج(٣) في صدر المنافق نزاعاً إلى مظانها حتى يلفظ بها فيسمعها المؤمن فيكون أحق بها وأهلها ، فيلقفها )(٤)

المنافق :

٢١ ـ صفات المنافق : ( المنافق ينهى ولا ينتهي ، ويأمر ولا يأتي ، إذا قام للصلاة اعترض ، وإذا ركع ربض ، وإذا سجد نقر ، يمسي وهمه العشاء ولم يصم ، ويصبح وهمه النوم ولم يسهر )(٥)

ــــــــــــــــ

(١) تحف العقول ص ٦٨ .

(٢) الكبا : الكناسة .

(٣) لجلج في صدره : تردد .

(٤) بحار الأنوار ج ١ ص ٩٥ باب من يجوز أخذ العلم منه .

(٥) تحف العقول ص ٢٨٠ .

٣٩١

ومعنى ذلك ان المنافق قام للصلاة اعترض على وجوبها وناقش في نفعها ، وإذا ركع ربض أي هوى إلى الأرض كالغنم عند ربوضها ، وإذا سجد نقر مثله كمثل الطائر عند نقره الطعام .

أمراض الدنيا :

٢٢ ـ الكبر والحسد : ( ما من عمل أفضل عند الله تعالى بعد معرفة الله ، ومعرفة رسوله أفضل من بغض الدنيا وإن لذلك شعباً كثيرة ، وإن للمعاصي شعباً .

فأول ما عصي الله به الكبر ، وهو معصية ابليس حين أبى واستكبر ، وكان من الكافرين .

والحسد وهو معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله ، فتشعب من ذلك : حب النساء ، وحب الدنيا ، وحب الرياسة ، وحب الراحة ، وحب الكلام ، وحب العلو ، وحب الثروة فصرن سبع خصال ، فاجتمعن كلهن في حب الدنيا رأس كل خطيئة ، والدنيا دار بلاء )(١)

ــــــــــــــــ

(١) أصول الكافي باب ذم الدنيا .

٣٩٢

صلة الرحم :

٢٣ ـ آثار صلة الرحم : ( من سره أن يمدّ الله في عمره ، وأن يبسط له في رزقه فليصل رحمه ، فإن الرحم لها لسان يوم القيامة ، ذلق(١) ، تقول : يا رب صل من وصلني ، واقطع من قطعني )(٢)

أقول : ان الرحم حقيقة عرفية ، أكد على صلتها الشرع الحنيف والرحم في الأصل كما في ( مفردات الراغب ) هو رحم المرأة واستعير للقرابة لكونهم خارجين من رحمٍ واحدٍ فالمتصل بالسبب خارج عنهم .

قال الشهيد الأول ( ت ٧٨٦ هـ ) في القواعد : ( ان الصلة المأمور بها لا حقيقة لها شرعية ولا لغوية ، فتختلف باختلاف العادات وبعد المنازل وقربها وتصدق بكل ما تتحقق به ، وأدناه السلام بنفسه ثم برسوله والدعاء بظهر الغيب والثناء في المحضر وأعظم الصلة ما فيه جلب نفع للنفس ودفع ضرر عنها والواجب من صلة الأرحام ما يخرج به عن القطيعة المحرمة بل قيل انها من الكبائر ، وغيره مستحب )(٣)

ــــــــــــــــ

(١) ذلقٌ : لسانٌ فصيحٌ .

(٢) بحار الأنوار للمجلسي .

(٣) القواعد ص ٢١٤ .

٣٩٣

الإحسان :

٢٤ ـ الإطعام والإكساء : ( من أطعم مؤمناً من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة ، ومن سقى مؤمناً عن ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم ، وأيما مؤمن كسى مؤمناً من عري ، لم يزل في ستر الله وحفظه ما بقيت منه خرقة )(١) و( من أطعم مؤمناً حتى يشبع ، لم يدر أحد من خلق الله ما له من الأجر في الآخرة لا ملك مقرب ، ولا نبي مرسل إلا الله رب العالمين ) و( من موجبات المغفرة إطعام المسلم السغبان(٢) ) ثم تلا قوله تعالى :( أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ ) (٣) .

٢٥ ـ قضاء حاجات المؤمن : ( من قضى لأخيه حاجة قضى الله له مائة حاجة ، ومن نفس عن أخيه كربة نفسّ الله عنه كربه يوم القيامة ، بالغاً ما بلغت ومن أعانه على ظالم له ، أعانه الله على إجازة الصراط عند دحض الأقدام ومن سعى له في حاجة حتى قضاها له فسرّ بقضائها ، كان كإدخال السرور على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن سقاه من ظمأ ، سقاه الله من الرحيق المختوم ومن أطعمه من جوع ، أطعمه الله من ثمار الجنة ومن كساه من عري ، كساه الله من استبرق

ــــــــــــــــ

(١) المؤمن للحسين بن سعيد الأهوازي ص ٦٣ ح ١٥٩ .

(٢) السغبان : الجائع .

(٣) سورة البلد : الآية ١٤ ـ ١٦ .

٣٩٤

وحرير ومن كساه من غير عري لم يزل في ضمان الله ما دام على المكسي من الثوب سلك ومن كفاه ما أهمه أخدمه الله من الولدان ومن حمله على راحلة بعثه الله يوم القيامة على ناقة من نوق الجنة يباهي به الملائكة ومن كفّنه عند موته كساه الله يوم ولدته أمه إلى يوم يموت ومن زوّجه زوجة يأنس بها ويسكن إليها ، آنسه الله في قبره بصورة أحب أهله إليه ومن عاده في مرضه حفته الملائكة تدعو له حتى ينصرف ، وتقول : طبت وطابت لك الجنة والله لقضاء حاجته أحب إلى الله من صيام شهرين متتابعين باعتكافهما في الشهر الحرام )(١)

٢٦ ـ الإنفاق : ( إني لأستحيي من ربي أن أرى أخاً من اخواني ، فأسأل الله له الجنة وأبخل عليه بالدينار والدرهم ، فإذا كان يوم القيامة قيل لي : لو كانت الجنة لك لكنت بها أبخل ، وأبخل ، وأبخل )(٢)

٢٧ ـ عموم الإحسان : ( إن أرفعكم درجات ، وأحسنكم قصوراً وأبنية [ في الجنة ] أحسنكم إيجاباً للمؤمنين ، وأكثركم مواساة لفقرائهم إن الله ليقرّب الواحد منكم إلى الجنة بكلمة طيبة يكلّم بها أخاه المؤمن الفقير ، بأكثر من مسيرة ألف عام يقدمه .

ــــــــــــــــ

(١) ثواب الأعمال ص ٨١ .

(٢) سير أعلام النبلاء ج ٤ ص ٢٣٩ .

٣٩٥

٢٨ ـ ( من كتم علمه أحداً أو أخذ عليه أجراً لم ينتفع به أبداً )(١)

التجارة :

٢٩ ـ صدق التعامل : ( إذا التاجران صدقا وبرا ، بورك لهما وإذا كذبا وخانا ، ولم يبارك لهما ) .

٣٠ ـ الرزق الحلال : ( الرزق الحلال قوت المصطفين ( .

الفضائل :

٣١ ـ أداء الأمانة : ( عليكم باداء الأمانة ، فوالذي بعث محمداً بالحق نبياً لو أن قاتل أبي الحسين بن علي أئتمنني على السيف الذي قتله به لأديته إليه )(٢) .

٣٢ ـ العمل بالسنّة : ( أفضل الأعمال عند الله ما عمل بالسنّة )(٣)

٣٣ ـ شكر المخلوق للمخلوق : ( لقد استرقك بالوّد من سبقك بالشكر )(٤) ) إن الله تعالى يجب كل قلب حزين ويجب كل عبد

ــــــــــــــــ

(١) حلية الأولياء ج ٣ ص ١٤٠ .

(٢)  دار السلام للنوري ج ٢ ص ١٤٠ .

(٣) الوافي ج ١ ص ٦٧ .

(٤) نهاية الأرب في فنون الأدب ج ٢١ ص ٣٣١ .

٣٩٦

شكور ويقول الله لعبدٍ من عبيدة يوم القيامة : أشكرت فلاناً ؟ فيقول : بل شكرتك يا رب فيقول الله سبحانه : لم تشكرني إن لم تشكره ) ثم قالعليه‌السلام : ( أشكركم أشكركم للناس )(١)

الشرح : ان شكر المخلوق يقتضي أمرين :

الأول : ان شكر المخلوق بأمر الله تعالى ، فيكون شكره شكراً لله ويؤيده قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( لا يحمد حامدٌ إلا ربه ) فشكر الإنسان المحسن مما أمر به المولى عزّ وجلّ فيكون الشكر في النهاية لله تعالى .

الثاني : ان الحقيقة الإجتماعية لشكر الناس بعضهم بعضاً هو توثيق أواصر الأخوة والمحبة بينهم وإلى هذا المعنى أمر الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالدعاء لمن اتاه بالزكاة ، فقال عزّ وجل : (( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِم بِهَا وَصَلّ عَلَيْهِمْ إِنّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ) (٢) .

٣٤ ـ إيثار الخالق على المخلوق : ( إن الله جل جلاله يقول : وعزتي وعظمتي ، وجمالي وبهائي ، وعلوي وارتفاع مكاني لا يؤثر عبدٌ هواي على هواه إلا جعلت همه في آخرته ، وغناه في قلبه ، وكففت عنه

ــــــــــــــــ

(١) أصول الكافي ـ باب الشكر .

(٢) سورة التوبة : الآية ١٠٣ .

٣٩٧

ضيعته ، وضمنت السموات والأرض رزقه ، وأتته الدنيا وهي راغمة )(١)

٣٥ ـ الغنى عما في أيدي الناس : ( ما استغنى أحد من الناس إلا افتقر الناس إليه)

٣٦ ـ عدم معاداة الناس : ( لا تعادين أحداً ، وإن ظننت أنه يضرك ) .

٣٧ ـ الإتكال على إختيار الله : ( من أتكل على حسن إختيار الله عزّ وجلّ له ، لم يتمن غير الحالة التي إختارها الله له ) .

٣٨ ـ قبول العذر : ( لا يعتذر إليك أحد إلا قبلت عذره ، وإن علمت أنه كاذب ) .

٣٩ ـ ستر العيوب : ( ليقلّ عيب الناس على لسانك ) .

٤٠ ـ الصدق والوفاء : ( خير مفاتيح الأمور الصدق ، وخير خواتيمها الوفاء ) .

٤١ ـ الكلام الحسن : ( لكل شيء فاكهة ، وفاكهة السمع الكلام الحسن ) و( القول الحسن يثري المال ، وينمي الرزق ، وينسأ في الأجل ، ويحبب إلى الأهل ، ويدخل الجنة )(٢)

٤٢ ـ فضل كلام الخير : سأل رجلٌ الإمامعليه‌السلام عن السكوت والكلام ، أيهما أفضل ؟ فقالعليه‌السلام : ( لكل واحد منهما آفات فإذا

ــــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ج ١١ ص ٢٢٢ .

(٢) الخصال ص ٢٨٩ .

٣٩٨

سلما من الآفات ، فالكلام أفضل ) ( إن الله سبحانه لم يبعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت إنما بعثهم بالكلام ولا استحقت الجنّة بالسكوت ، إنما ذلك كله بالكلام وما كنت لأعدل القمر بالشمس )(١) وفي موضع آخر أوصى بالسكوت في بعض الحالات الإستثنائية : ( استعن على الكلام بالسكوت ، فإن للقول حالات تضرّ )

٤٣ ـ التواضع : ( سبب الرفعة التواضع ) .

٤٤ ـ الرضا بمكروه القضاء : ( الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين ) .

٤٥ ـ النظر لوجه المؤمن : ( نظر المؤمن في وجه أخيه المؤمن للمودة والمحبة عبادة ) .

٤٦ ـ العفو عند القدرة : ( إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو شكراً للمقدرة عليه فإن العفو عن قدرة ، فضلٌ من الكرم ) .

٤٧ ـ الدنيا وتفاهتها : سئل الإمامعليه‌السلام عن أعظم الناس خطراً ؟ فقالعليه‌السلام : ( من لم يرض الدنيا لنفسه خطراً ) .

٤٨ ـ الحلم عند الغضب : ( إنه ليعجبني الرجل أن يدركه حلمه عند غضبه ) .

٤٩ ـ التقوى : ( لا يقلّ عمل مع التقوى ، وكيف يقلّ ما يتقبل ؟ ) .

ــــــــــــــــ

(١) الإحتجاج ص ١٧٢ .

٣٩٩

٥٠ ـ الشجاعة : ( النجدة الإقدام على الكريهة ، والصبر عند النائبة ، والذب عن الإخوان ( .

والمعنى : النجدة هي الشجاعة وشدة البأس والكريهة هي الحرب فمن مظاهر الشجاعة : المبارزة في الحرب ، والصبر عند المصيبة ، والدفاع عن الإخوان .

٥١ ـ الإقتصاد في المعيشة : ( لينفق الرجل بالقصد ، وبلغة الكفاف ، ويقدّم الفضل منه لىخرته فإن ذلك أبقى للنعمة ، وأقرب إلى المزيد من الله تعالى ، وأنفع في العاقبة ( .

والمعنى هو ان يقتصد الإنسان في معاشه ولا يسرف ، ويبذل الفاضل أو الباقي من ماله على موارد الإحسان التي يحبها الله تعالى كصلة الرحم ومعونة الفقير واليتيم ونحوه .

٥٢ ـ خصال الكمال : ( أربع من كنّ فيه كمل إسلامه ، ومحصت ذنوبه ، ولقي ربه عزّ وجلّ وهو عنه راضٍ : من وفى لله عزّ وجلّ بما يجعل على نفسه للناس ، وصدق لسانه مع الناس ، واستحيا من كل قبيح عند الله وعند الناس ، وحسن خلقه مع أهله )(١)

ــــــــــــــــ

(١) الخصال ص ٢٠٣ .

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413