فلاح السائل

فلاح السائل0%

فلاح السائل مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 296

فلاح السائل

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: رضي الدين بن محمد الطاوس
تصنيف: الصفحات: 296
المشاهدات: 57464
تحميل: 9277

توضيحات:

فلاح السائل
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 296 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 57464 / تحميل: 9277
الحجم الحجم الحجم
فلاح السائل

فلاح السائل

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الفصل السابع عشر

فيما نذكره من نوافل الزوال وبعض اسرار تلك الحال

يقول السيد الامام العالم العامل الفقيه العلامة رضى الدين ركن الاسلام أبو القاسم على بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس شرف الله قدره وقدس في الملاء الاعلى ذكره.

اعلم ان هذا الفصل يشتمل على عدة معان منها ما نذكره من اسرار الصلوات ومن المراقبة فيها بالنيات ولزوم الاداب وحفظ الحركات والسكنات ومنها ما نذكره من كون صلوة نوافل الزوال تسمى صلوة الاوابين وان الدعاء فيها مقبول عند ارحم الراحمين ومنها ما نذكره من ان الاستخارة عند نوافل الزوال كما ستأتي الرواية به في تلك الحال.

ذكر ما نذكره من اسرار الصلوة.

اعلم ان الصلوة تشتمل على نية الصلوة ولفظ تكبير ولفظ وجهت وجهى للذى فطر السموات والارض وعلى تحميد وتمجيد ودعوى العبادة والاستعانة بالله جل جلاله ودعوات وقرائة القرآن وخضوع وركوع وسجود وخشوع وشهادة لله جل جلاله بالوحدانية ولمحمد صلى الله عليه وآله رسوله بالرسالة الربانية وصلوات عليه وعلى آله وتسليم.

ذكر نية الصلوة اما نية الصلوة فانك ان كنت عبدا معاملا لله جل جلاله في جميع الحركات والسكنات عارفا بمعنى قوله جل جلاله في محكم الايات وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون فانت إذا كنت كذلك لازلت متهيئا لاوامره فتمتثل امره بالصلوة وتعبده لانه يستحق العبادة لذاته كما لو كنت متهيئا لدخول شخص عزيز عليك فانك حيث

١٠١

تراه تقوم لاكرامه وتقبل عليه بمقتضى مشاهدة ذاته أو لو كنت متهيئا لقدوم رسول اليك ممن يعز عليك فانه إذا وقع نظرك عليه ونظره عليك وسمعت رسالة الرسول فانك تبادر إلى قبوله من غير تردد فكر ولا روية ولا تحتاج إلى تجديد زيادة نية واما ان كنت عن ربك غافلا ولدنياك وهواك معاملا فتحتاج عند الحضور للصلوات ان تحضر شارد قلبك بزمام عقلك ولبك وتقفه بين يدى مولاك وتذكره انه دعاك وانه يراك وتقصد بعقلك وقلبك انك تعبده لانه اهل للعبادة وتدخل حضرة مناجاته دخول اهل السعادة وهذه الصلوة ان كانت واجبة اداء فتقصد العبادة لوجه وجوبها اداء وان كانت قضاء فتقصد ذلك وان كانت اداء أو قضاء فتقصد بذلك العبادة لله جل جلاله.

ذكر تكبيرة الاحرام ينبغى إذا قلت الله اكبر ان يكون هذا القول منك معاملة لله جل جلاله وعبادة ولا يكون تلفظا بالغفلة على العادة وتكون صادقا فيه فاما قولك الله اكبر فقد روى ابن بابويه عن الصادق عليه السلام في كتاب التوحيد باسناده ان رجلا قال عنده يعنى عند الصادق عليه السلام الله اكبر فقال الله اكبر من أي شئ فقال من كل شئ فقال أبو عبد الله عليه السلام حددته فقال الرجل كيف اقول فقال قل الله اكبر من ان يوصف.

يقول السيد الامام العالم العامل الفقيه العلامة رضى الدين ركن الاسلام أبو القاسم على بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس الحسينى بلغه الله مناه وكبت اعداه قوله عليه السلام حددته لانه إذا كان الله جل جلاله اكبر من كل شئ فكل الاشياء غيره فهى محدثات وكل محدث محدود فكان المعتقد لذلك قد جعل الله جل جلاله محدودا

١٠٢

وقوله عليه السلام اكبر من ان يوصف لانه جل جلاله لا تحيط الصفات به على التحقيق وانما لما ضاقت العبادات على اهل التوفيق والتصديق علمهم الله جل جلاله ورسوله عليه السلام الفاظا في وصف جلال الله على قدر قصور علوم العباد.

اقول ومعنى قولى ان يكون هذا قولك عبادة ومعاملة أي ان يكون الله جل جلاله في قلبك وعند عقلك عظيما على قدر ما وهبك من معرفة ذاته وصفاته الكاملة فتقصد بهذا الاعتقاد في عظمته وبهذا اللفظ في قولك الله اكبر مجرد عبادته لانه اهل للعبادة.

اقول واما قولى ان يكون صادقا فاريد بذلك ان يكون فعلك لقولك موافقا بحيث إذا قلت الله اكبر تكون سريرتك موافقة لعلانيتك في انه لا شئ من اعظم منه جل جلاله في قلبك وعقلك ونفسك ونيتك ولا يكون شئ اعز عليك منه ولا يشغلك في تلك الحال شئ عنه كما قال جل جلاله في تهديده لمن يؤثر عليه بصريح القرآن المبين قل ان كان آباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها احب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى ياتي الله بامره والله لا يهدى القوم الفاسقين.

اقول فإذا وجدت عقلك وقلبك ونفسك تؤثر على الله جل جلاله غيره فاعلم انك داخل تحت تهديد سلطان العالمين ولعلك تكون من قد غضب الله جل جلاله عليك فلا يهديك لفسقك وسماك من الفاسقين. اقول وقد روى نحو ذلك في النقل بزيادة كشف لما في القرآن والعقل كما روى الحسين بن سيف صاحب الصادق عليه السلام في كتاب اصله

١٠٣

الذى اسنده إليه قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول لا يمحض رجل الايمان بالله حتى يكون الله احب الله من نفسه وابيه وامه وولده واهله وماله من الناس كلهم.

اقول وقد روى ابلغ من ذلك في ان الناس لا يحصل لهم الايمان حتى لا يؤثروا على رسوله صلوات الله عليه ما تضمنه الحديث الذى نرويه باسنادنا إلى ابي جعفر محمد بن بابويه فيما رواه باسناده في كتاب اماليه عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال لا يؤمن عبد حتى اكون احب إليه من نفسه واهلى إليه احب من اهله وعترتي احب إليه من عترته وذاتي احب إليه من ذاته.

اقول فإذا كان رسوله صلوات الله عليه لا يصح الايمان مع هذا الايثار عليه فكيف يحصل الايمان مع الايثار على الله جل جلاله وترجيح غيره عليه.

ذكر التوجه اما التوجه فقد روى أبو جعفر محمد بن بابويه في كتاب زهد مولينا على ابن ابى طالب عليه السلام باسناده إلى ابي عبد الله عليه السلام كان على إذا قام إلى الصلوة فقال وجهت وجهى للذى فطر السموات والارض تغير لونه حتى يعرف ذلك في وجهه.

اقول وروى صاحب كتاب زهرة المهج وتواريخ الحجج باسناده عن الحسن بن محبوب عن عبد العزيز العبدى عن عبد الله بن ابى يعفور قال قال مولينا الصادق عليه السلام كان على بن الحسين عليه السلام إذا حضرت الصلوة اقشعر جلده واصفر لونه وارتعد كالسعفة.

وروى عنه عليه السلام عند قوله في الصلوة وجهت وجهى مثل الذى رويناه عن مولينا على صلوات الله عليهما وكانا إذا دخلا في التوجه

١٠٤

اصفر لونهما وظهر الخوف من الله جل جلاله عليهما لانهما عليهما السلام عرفا وعلما هيبة الملك الذى يقومان بين يديه.

وسيأتى في هذا الكتاب من خوف النبي صلى الله عليه وآله في الصلوات وخوف عترته المعصومين ما تعلم يقينا انك لست تابعا لهم وانك على خلاف ما كانوا عليه من معاملة سلطان العالمين.

اقول وقد كان فرضنا جميعا ان نخاف الله جل جلاله للهيبة والحرمة التى يستحقها لذاته فبلغت الغفلة بنا إلى اننا لا نخاف لذلك ولا نخاف لاجل خوف المعصومين الذين نقتدى بهم في عباداته ولا نخاف لاجل ما تجدد منا من مخالفاته في اراداته وتهويننا بجلالة امره ونهيه وبمقدس حبه وقربه ومناجاته وهذا جهل عظيم منا بالمعبود كاد ان يقرب من جهل اهل الجحود فإذا قال العبد وجهت وجهى للذى فطر السموات والارض ينبغى ان يتحقق انه في مقام العرض وانه ما مراد الله جل جلاله منه ومراد رسوله عليه السلام بقوله وجهت وجهى أي وجهت صورة وجهى إلى القبلة فحسب للذى فطر السموات والارض ولكن المراد منه ان يكون قد وجه قلبه وعقله عن الالتفات إلى سواه جل جلاله من ساير المرادات والمكروهات.

ولقد قيل لبعض العارفين ما احسن ما تقبل بوجهك على الصلوات فقال ان كان وجهى لا يلتفت فان وجه قلبى كثير الالتفات.

اقول فإذا كان وجه القلب مقبلا ومتوجها إلى الله جل جلاله بالكلية كانت الجوارح مقبلة على الله جل جلاله فيما خلقت له لانها مع القلب كالرعية وعند هذه الحال يكون دخوله في هذه الصلوة دخول اهل الاقبال فان استمر على ذلك إلى حين الفراغ من الصلوة

١٠٥

فقد ظفر ببلوغ الامال وان تعثر في اذيال الالتفات عن موليه وهو يراه فحاله حال اهل التعثير الذين يقع احدهم تارة ويقوم تارة في خطاه وربما افسد تعثيره عليه دنياه واخراه وفاته اقبال ربه جل جلاله ورضاه وان قال وجهت وجهى للذى فطر السموات والارض وهى في تلك الحال غافل أو متغافل عن هيبة العرض وحرمة الفرض فيكون في قوله وجهت وجهى للذى فطر السموات والارض كاذبا قد افتتح صلوته بالجنايات بالكذب والبهتان وكيف حال من اول صلوته تصريح بالكذب والزور والعدوان اما يكون مستحقا للهوان وان كان في حال قيامه إلى الصلوة ودخوله فيها على صفة المتكاسل والمتثاقل فلينظر حال الذين يقومون إلى الصلوة كسالى في صريح القرآن ويفكر انه لو دخل عليه قبل ان يدخل في تلك الصلوة صديق أو بعض من يحبه من اعوان السلطان كيف كان يقوم إليه ويقبل عليه بغير تكاسل ولا تثاقل وليتحقق من نفسه ان الله جل جلاله اهون عنده من عبد من عبيده ويا له من خطر هايل.

ذكر ادبه في التحميد والتمجيد قد مضى في خطبة كتابنا ان التحميد والتمجيد من وظايف من خلص فيما بينه وبين الله جل جلاله من الجنايات فاما من كان عليه فرض مضيق من المهمات فالبدأة لازمة له بالاهم فالاهم والاهم عليه التوبة واداء الفروض المتعينة قبل الدخول في الصلوة والتحميدات والتمجيدات سواء كانت الفروض على قبله أو بدنه أو ماله أو في شئ من اعماله.

اقول ومن ادب الانسان عند تحميده وتمجيده ان يكون تلذذه وتعلق خواطره بحمده لله جل جلاله وتمجيده ومدح الله جل جلاله على ذلك وشكره له سبحانه الذّ عنده واجب اليه من مدحه لكل من

١٠٦

يعز عليه من العباد ومن مدح اهل الدنيا وثنائهم عليه في الاصدار والايراد ويكون ترجيح حبه لمدحه الله جل جلاله وشكر الله جل جلاله بقدر ما بين الله جل جلاله وبين عباده من تفاوت جلالته وحق انعامه وارفاده فان عجز العبد عن هذا المقام فلا اقل من ان يكون حبه لمدحة الله جل جلاله ولشكر الله جل جلاله ارحج في قلبه من مدحه لاهل الانعام من الانام أو لشكر من يشكره من ملوك الاسلام.

فاما ان نقص حال العبد عن هذا المقام وكان في مدح الله جل جلاله وشكره سبحانه اهون من مماليكه وعبيده فقد استخف استخفافا عظيما بتحميده وتمجيده وكان مستحقا لما تضمنه هوله ووعيده وتهديده.

ذكر ادبه عند قوله مالك يوم الدين.

اعلم ان يوم الدين يوم الحساب والعرض على سلطان العالمين واظهار السراير بمحضر من كان يسترها من الخلائق اجمعين فينبغي ان يكون عند هذه الحال خائفا لما يخافه على نفسه يوم الحساب والسؤال.

فقد روى محمد بن يعقوب الكليني ما معناه ان مولينا زين العابدين وهو صاحب المقام المكين كان إذا قال مالك يوم الدين يكررها في قرائته حتى يظن من يراه انه قد اشرف على مماته وما لخوف منه يحذرون ولا الخنا عليهم ولكن هيبة هي ماهيا.

وقد عرفت ان مولينا زين العابدين قدوة لك في امور الدنيا والدين فسر في اثاره بهداية الله جل جلاله وبانواره على مطايا اليقين فان الله جل جلاله قادر ان يبلغك ما هو سبحانه اهله من مقامات العارفين.

١٠٧

ذكر ادب العبد في قوله اياك نعبد واياك نستعين.

اعلم ان ينبغى ان يكون العبد صادقا في قوله اياك نعبد ومعنى قولى ان يكون صادقا لانه إذا قال اياك نعبد وكان انما يعبد الله جل جلاله لما يرجوه منه سبحانه من نفع عاجل أو ثواب آجل أو دفع محذور في الدنيا أو في يوم النشور فانما يكون على الحقيقة كانك تعبد نفسك وتكون عبادتك لاجلها ولاجل شهواتك ولذاتك ولا تكون عابد الله جل جلاله لانه اهل للعبادة فيكون قولك اياك نعبد كذبا وبهتانا ومانعا لك من الظفر بالسلامة والسعادة ويثبت اسمك في ديوان الكذابين ويكون قد جعلت نفسك في من الهالكين اما تسمع كلام المقدس الميمون انما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون.

اقول وكذا ينبغى ان تكون صادقا في قولك واياك نستعين فلا يكون في قلبك عند ذلك القول مستعان لك سواه جل جلاله على التحقيق واليقين فانك ان كنت مستعينا عند تلك الحال بحولك وقوتك ودنياك أو مالك أو رجالك أو غيره من امالك واحوالك فانت في قولك اياك نستعين إذا قصدت به انه لامستعان لك سواه كاذب مخاطر مستخف مباهت مستحق لما يستحقه العبد المستخف بموليه.

ذكر ادبه في الدعوات في الصلوة عند قوله اهدنا الصراط المستقيم وفى كل موضع يراد منه ان يدعو فيه في الصلوة بقلب سليم.

قد قدمنا طرفا مما يحتاج إليه اهل الضراعات مما شرحناه بالمعقول والمنقول من الروايات فاياك ان تهمل تهذيب نفسك وقلبك خاصة عند مخاطبة مولاك وربك فانك إذا دعوت الله جل جلاله وقلبك في تلك الحال فارع منه أو مشغول بالغفلة عنه أو بقصور احترام وتهوين

١٠٨

منك بجلالة ذلك المقام كنت كانك تخاطب ملكا من ملوك الدنيا في حاجة إليه وظهرك إليه.

اما تعلم انك إذا خاطبت الملوك وظهرك إليهم أو انت مشغول عنهم بالغفلة والتهوين بهم عن الاقبال عليهم فانك تعلم انك تستحق ان يكون جوابك منهم ان يخرجوك من حضرتهم مطرودا عن رحمتهم مصدودا وربما لو حملوك إلى الحبوس وزيادة البؤس اعتقدت ان الذنب لك فيما يجرى عليك منهم من النكال.

ورأيت مع ان الذنب منك انك مستحق للمؤاخذة على ما وقع منك من الاهمال فلا يكون عندك حرمة مالك الدنيا والاخرة اقل من حرمة الملوك الذين هم مماليكه في هذه الدنيا الحقيرة الداثرة وإذا تأخرت عنك اجابة الدعوات وانت على ما ذكرناه من الغفلات فالذنب لك وقد احسن الله جل جلاله اليك كيف عفى لك عن عقاب تلك الجنايات.

واياك ان يخطر بقلبك أو تقول بلسانك كما تسمع من بعض الغافلين الذين ما دخل في قلبهم حقيقة الايمان والدين فيقولون قد دعونا الله وما نرى الاجابة كما ذكر في القرآن.

ويقولون هذا على سبيل الاستزادة وكان الله جل جلاله عندهم قد اخلف وعده باجابة الدعاء وهذا كالكفر عند اهل الايمان فانهم لو كانوا عارفين بالله جل جلاله على اليقين ما اقدموا على ان يقولوا بحضرته المذهلة للالباب انك وعدتنا باجابة الدعاء واخلفتنا في الجواب وانما هذا قولهم بذلك على انهم ما كانوا عند الدعاء عارفين أو ما كانوا ذاكرين عند المواقفة منهم لله جل جلاله انهم بحضرة مالك الدنيا والدين وهؤلاء اهل

١٠٩

ان يعرض الله جل جلاله عن دعواتهم واجاباتهم وحسبهم عفو الله جل جلاله عن مؤاخذتهم على غفلاتهم وجهلاتهم.

وقد روى عن مولانا الصادق صلوات الله عليه انه قيل له ما بالنا ندعوا الله جل جلاله فلا يستجاب لنا فقال لانكم تدعون من لا تعرفون.

ذكر ادب العبد في قرائة القرآن في الصلوة على سبيل الجملة في ساير الايات.

اعلم ان من ادب العبد في تلاوته كلام موليه الذى يعلم انه يراه ان يكون ذاكرا لجلالته وانه في حضرته ويكون متشرفا ومتلذذا باستماع محادثته ومتأدبا مع عظمته فيتلو كلامه المقدس بنية انه نائب عن الله جل جلاله في قرائة كلامه وان الله جل جلاله مقبل عليه يستمع كلامه المقدس منه فلا يكن حالك عند تلك التلاوات دون حالك لو قرئت بعض الكتب المصنفات على من صنفها ممن تريد التقرب إليه في قرائة تصنيفه عليه وانت محتاج في كل امورك إليه فانك تعلم انك كنت تبذل جهدك في احضار قلبك بغاية امكانك وتبالغ في تهذيب لسانك وتقبل عليه وعلى قرائة تصنيفه بجميع جنانك وبحفظ نفسك في الحركات والسكنات فلا يكن الله جل جلاله عندك في قرائة كلامه دون صاحب المصنفات فانك ان جعلت الله جل جلاله دون هذه الحال كنت اقرب إلى الهلاك واستحقاق النكال واقتد بمن تذكر انت وتدعى انك مهتد بانواره ومقتد باثاره.

فقد روى ان مولينا جعفر بن محمد الصادق عليه السلام كان يتلو القرآن في صلوته فغشى عليه فلما افاق سئل ما الذى اوجب ما انتهت حالك إليه فقال ما معناه ما زلت اكرر آيات القرآن حتى بلغت إلى حال

١١٠

كأنني سمعت مشافهة ممن انزلها على المكاشفة والعيان فلم تقم القوة البشرية بمكاشفة الجلالة الالهية واياك يامن لا تعرف حقيقة ذلك ان تستبعده أو يجعل الشيطان في تجويز الذى رويناه عندك شكا بل كن به مصدقا اما سمعت الله جل جلاله يقول فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا.

وقد ذكر محمد بن يعقوب الكليني ان الصادق عليه السلام سئل كيف كان النبي صلى الله عليه وآله يصلى بهم ويقرء القرآن ولا تخشع له قلوب اهل الايمان فقال عليه السلام ان النبي صلوات الله عليه كان يقرء القرآن عليهم بقدر ما يحتمله حالهم والحديث مختصر وسيأتى من صفات حال الابرار في التلاوات في مواضع من هذا الكتاب ما فيه تعريف كاف لذوى الالباب ذكر ادبه في الركوع والخضوع ينبغى للعبد إذا كبر تكبيرة الركوع ان يركع بذل واستكانة وخضوع ويكون مستحضرا بقلبه ونيته انه معامل في عبادته وركوعه لله مالك دنياه وآخرته فيقابل في حال ركوعه كمال تلك الجلالة الالهية بذل العبودية ولله در القائل.

إذا كان من تهوى عزيزا ولم تكن

ذليلا له قاقر السلام على الوصل

افلا ترى ان من ادب العبد مع المملوك في دار الزوال انهم إذا تلقوهم واقبلوا عليهم يركعون لهم على سبيل التعظيم والاجلال ويكونون في تلك الحال مستحضرين انهم بين ايديهم وانهم يقصدونهم بذلك التعظيم فكيف تركع انت وتخضع للعالم بالاسرار وهو اعظم من كل عظيم وقلبك خال من حضورك بين يديه ومن ذلك له ومن اقبالك عليه.

اقول ومن ادب الراكع في الصلوة إذا كان ممن يقول في ركوعه

١١١

لك خشعت وبك امنت ولك اسلمت وعليك توكلت وانت ربى خشع لك سمعي وبصرى ومخى وعصبي وعظامي وما اقلته قدماى لله رب العالمين ان يكون العبد ذاكرا انه قد ادعى في هذا القول صفات المقبلين على مالك يوم الدين بجميع جوارحه على الحقيقة واليقين وصفة المستسلمين والمتوكلين فاياك ان يكون شئ منك غير خاضع ولا خاشع أو غير مستسلم لله جل جلاله أو غير متوكل على الله في شئ من امور الدنيا والدين فتكون في قولك من الكاذبين فاى صلوة تبقى لك إذ صليتها بالكذب والبهت لمالك الاولين والاخرين.

اقول ومن ادب الراكع في الصلوة انه لا يستعجل برفع رأسه من الركوع قبل استيفاء اقسام ذل العبودية لمولاه كما رويناه عمن يقتدى به وكما رويناه باسنادنا إلى ابي جعفر بن بابويه فيما رويناه من كتاب زهد مولينا على بن ابي طالب صلوات الله عليه عن الحسين بن سعيد عن عثمان بن سعيد عن الفضل بن صالح عن ابى الصباح عن ابي عبد الله قال كان على عليه السلام يركع فيسيل عرقه حتى يطاء في عرقه من طول قيامه.

اقول انا لك فيا ايها المشفق على روحه وقلبه وجسده وكبده اولئك الذين هدى الله فبهديم اقتده.

ومن ادب الراكع انه إذا رفع رأسه بعد ما ذكرناه فليكن رفع رأسه بوقار وسكينة فان موليه يراه فإذا قال سمع الله لمن حمده اهل الكبرياء والعظمة والجود والجبروت انه يمد يديه عند ذكر الكبرياء والعظمة والجبروت بالذل للمعبود ويبسطهما بالرجاء عند ذكر الجود.

ذكر ادبه في السجود اعلم انه من ادب العبد في سجوده ان يكون

١١٢

على زيادة عما ذكرناه في الركوع من الذل لمعبوده فاياه ان يكون قلبه خاليا من اذكار نفسه انه حاضر بين يدى الله جل جلاله وانه جل جلاله على ما هو عليه من العظمة والجلالة التى لا يحيط بها مقال كل ذى مقالة وان هذا العبد على صفة من الضعف والفقر والمسكنة والذنوب التى قد اوقعته في الرذالة فيهوى إلى السجود على ابلغ ما ذكرناه في الركوع من الذل والخضوع والخشوع فانه ان سجد وقلبه خال من الذكر لهذه الحال وانما يسجد على العادة ومراعاة صورة السجود من غير استحضار لمعاملة موليه بالاقبال عليه وبين يديه فهو كالذى يلعب في سجوده أو كالمعرض أو كالمستهزئ بمالكه ومعبوده وقد عرف اهل العلم ان ذلك الركوع وهذا السجود من اركان الصلوات وانهما متى تركهما العبد في صلوته عامدا أو ناسيا بطلت صلوته بمقتضى الفتوى والروايات وصاحب الشريعة صلوات الله عليه وآله ما بعث إلى العباد بمعاملة وعبودية لغير معبود فإذا خلا خاطرك من المقصود بهذه الذلة والعبودية عند الركوع والسجود فما الفرق بينك وبين اهل الجحود وما الفرق بينك وبين الساهي واللاهى وانما جاء محمد صلوات الله عليه وآله يدعو إلى المعبود قبل العادة فاياك ان تكون ممن خلا قلبه من ذل العبودية له وصار يقوم ويركع ويسجد فارغ القلب منه جل جلاله بحسب العرف والعادة.

اقول وان كنت ممن يقول في سجوده اللهم لك سجدت وبك امنت ولك اسلمت وعليك توكلت وانت ربى سجد لك سمعي وبصرى وشعرى وعصبي ومخى وعظامي وسجد وجهى البالى الفاني للذى خلقه وصوره وشق سمعه وبصره تبارك الله احسن الخالقين.

١١٣

فانك ان قلت هذا واعضاؤك غير ساجدة جميعا على معنى الذل والاستسلام والتوكل والخضوع والخشوع للمعبود فكانك غايب عن معنى السجود ويكون قولك ودعواك كذبا وبهتا لموليك فكيف تصح صلوتك يا مسكين إذا كان عبادتك بالكذب والبهت والتهوين.

ثم اقول لك ان كنت تجد في سجودك ما يجده المحب من الروح والسرور إذا قرب من اهل الحب والا فسجودك ذميم مدخول وقلبك سقيم معلول لانك قد عرفت صريح القرآن تضمن واسجد واقترب فجعل السجود من علامات القرب إلى علام الغيوب فطالب نفسك بانها تجد عند السجود ما يجد المحب بقرب المحبوب فان حبك لله جل جلاله من ثمرة قوة معرفتك بجلاله وعظيم نواله وافضاله قال الله جل جلاله في قوم يثنى عليهم ممن كانوا يعرفونه يحبهم ويحبونه وقال جل جلاله في وصفه لاهل النجاة والذين آمنوا اشد حبا لله ولا يغرنك قول من يقول ان حبك لله جل جلاله طاعته فان ذلك ان كان قاله من قول قدوة فلعله لتقية أو لضعف السامع عن معرفة الاسرار الربانية لان حبك لله جل جلاله ان كنت عارفا به كان قبل طاعتك له لانك عرفته منعما فاحببته ثم وجدته يستحق الطاعة فاطعته والا فكيف عقلت معنى الرواية المتفق عليها جبلت القلوب على حب من احسن إليها افتكون القلوب على حب (1)

__________________

(1) ولقد وجدت مكتوبا في ظهر بعض الكتب عن الرضا (ع) جبلت القلوب على حب من احسن إليها وبغض من اساء إليها والظاهر انه اشارة إلى ذلك ثم قال فكيف تكون القلوب على حب العبد المحسن مجبولة وتكون عند احسان الله جل جلاله عن حبه معزولة محمد حسين عفى عنه.

١١٤

العبد المحسن مجبولة وتكون عند احسان الله جل جلاله عن حبه معزولة هذا لا تقبله الا عقول سقيمة معلولة.

وقد عرفت ان حبك لله جل جلاله من عمل القلوب وطاعتك له تكون من عمل القلب فحسب ومن عمل القلب ومن عمل الجوارح الظاهرة وكيف صارت الطاعة التى تكون تارة بالقلب وتارة بالقلب والجوارح الظاهرة وهما قسمان قسما واحدا هذا كالمكابرة للعيان وكيف صار العمل بالجوارح الظاهرة هو العمل بالقلوب هذا مستحيل عند من عقله غير محجوب.

فصل ثم وقد يعمل الانسان الطاعات وهى تشق عليه ويكون قلبه كارها لها أو للتكليف بها فلو كان حب العبد جل جلاله طاعته كان في هذه الحال كارها لحب الله بل كارها لله جل جلاله بل باغضا لله جل جلاله لان ضد الحب البغض فإذا بغض العبد طاعة الله جل جلاله فقد بغض حب الله جل جلاله وصار باغضا لله جل جلاله فيكون على هذا كل من كره طاعة الله جل جلاله باغضا لله جل جلاله ويكون كافرا فهل تجد لك على هذا القول من المسلمين العارفين عاذرا أو ناصرا وهل يقبل عقلك ان معنى قوله جل جلاله الذى قدمناه قل ان كان آباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها احب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بامره والله لا يهدى القوم الفاسقين أو عقل عاقل ان قوله احب اليكم من هذه الاشياء التى عددها سبحانه ان المراد به الطاعة وهبك (ن ل هب) جوزت هذا في آبائهم وابنائهم

١١٥

واخوانهم وازواجهم وعشيرتهم فهل تجوز في قوله جل جلاله واموال اقترفتموها وتجارة وتخشون كسادها ومساكن ترضونها ان الحب لهذه الاشياء بمعنى الطاعة فاياك ان تحمل على المعقول ما لايدخل تحت الاستطاعة ودع عنك تقليد من قال ان حب العبد لله جل جلاله طاعته واقبل الحق ممن قاله فقد انكشف لك براهينه وحجته فهذا بيان ان حب العبد لله جل جلاله بالقلوب وهو مما يثمره قوة معرفة بالله جل جلاله وقوة المعرفة باحسانه الذين يسوقان عقل العبد وقلبه إلى حب مولاه قبل ان يعرف العبد هل هو مكلف بحب الله جل جلاله ام لا فكيف إذا عرف انه مأمور ايضا بحبه عقلا ونقلا لان الكامل في ذاته محبوب لكماله والمحسن محبوب لاحسانه وافضاله قبل معرفة التكليف بهذا الحب المذكور والله جل جلاله اعظم شأنا واعم احسانا من ان يحيط بجلاله وصفنا لكماله ووصفنا لاحسانه ولافضاله بل هو جل جلاله اعظم كمالا وابلغ احسانا وافضالا فوجب ان يكون محبوبا بالقلوب إلى من عرفه على اليقين وعرف احسانه في امور الدنيا والدين.

فصل واما حب الله جل جلاله لعبده إذا طاعه وغضبه عليه إذا عصاه فلعلك تجد في الروايات والمقالات ان حب الله جل جلاله للعبد أو رضاه عنه هو ثوابه له وان غضب الله جل جلاله على عبده العاصى هو عذابه له فاما المقالات لذلك فلا يجوز تقليدهم في المعقول واما حديث الرواية والمنقول فان سلمت من الطعن عليها وكانت عن معصوم فلعل ذلك قالوه على سبيل التقية فانهم عليهم السلام كانوا في تقية هايلة وقد كشفنا تقيتهم فيما ذكرنا في الاعتذار لمضمون كتاب الكشى فان هذا القول كثير في مذهب المخالفين لهم أو لعل ذلك قالوه للتقريب على السائلين

١١٦

والسامعين فان كثيرا من المستمعين تقصر افهامهم عن اسرار صفات سلطان العالمين فلعلهم خافوا عليهم انهم إذا قالوا لهم ان الله جل جلاله يحب ويرضى ويغضب ويسخط ان يسبق إلى خواطر من يسمع ذلك انه جل جلاله يحب ويرضى مثل الحب والرضا من الطباع البشرية أو يغضب ويسخط مثل الغضب والسخط من القلوب الترابية فحدثوا عليهم السلام بما تبلغ إليه عقول السائلين والسامعين وإذا اعتبرت بعض الروايات في ذلك وجدتها شاهدة بانهم نفوا عن الله جل جلاله الحب والرضا والغضب والسخط الذين تتغير الامزجة بهما ولا يصحان الا على الاجسام القابلة لهما حتى قربوا على بعض السائلين وقالوا لهم ما معناه ان غضب الله جل جلاله ورضاه اشارة إلى غضب اوليائه وخاصته ورضاهم وهذا صحيح عند العارفين وان خواصه جل جلاله ما يغضبون وما يرضون الا بعد غضبه سبحانه ورضاه لانهم عليهم السلام له جل جلاله تابعون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون.

فصل والا فالعقول الصحيحة شاهدة وجدانا وعيانا ان معنى لفظ الحب والرضا غير معنى لفظ الثواب وكذلك معنى الغضب غير معنى العقاب سواء كان ذلك في العباد أو رب الارباب.

وقد عرفنا ذلك قوله جل جلاله ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين وقوله جل جلاله ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص وقوله جل جلاله يحبهم ويحبونه عن قوم كانوا حقا ويقينا يعرفونه وقال جل جلاله في الغضب فلما اسفونا انتقمنا منهم.

وذكر جماعة من اهل اللغة ومن المفسرين ان معنى قوله جل جلاله

١١٧

أي اغضبونا فقال الجوهرى في كتاب الصحاح ما هذا لفظه واسف عليه اسفا أي غضب واسفه اغضبه.

وقال الطبرسي في تفسير القرآن فلما اسفونا أي اغضبونا وغضبه سبحانه ارادة عقابهم وما قال الطبرسي ان غضبه عقابهم فجعل الله جل جلاله في ههذه الاية الاسف الذى هو الغضب منه جل جلاله عليهم قبل عقابه لهم الذى هو الانتقام.

وهذا واضح كيف يخفى مثله على ذوى الافهام وقال جل جلاله ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما افلا ترى انه جل جلاله قدم الغضب على العذاب بل قبل اعداد عذابه بجهنم في صريح الكتاب على مقتضى مفهوم الالباب.

فصل ويزيدك بيانا انك ترى الاحاديث والادعية متظاهرة بما معناه أو لفظه اللهم ان لم ترض عنى فاعف عنى فقد يعفو المولى عن عبده وهو غير راض عنه.

ثم أو ما تعلم ان الكفار الذين علم الله جل جلاله منهم انهم يموتون على كفرهم كانوا يستحقون في حكم العقل عقوبتهم في حال حيوتهم.

ثم تعلم ان الله جل جلاله غضبان عليهم في حال كفرهم قطعا ان كنت مسلما فعفى الله جل جلاله عن تعجيل عقوبتهم واخر عقابهم إلى بعد وفاتهم مع كونهم مذ كفروا وعلم استمرارهم على كفرهم كان قد غضب عليهم.

فهذا يكشف لك ان الغضب من الله جل جلاله قبل العقاب لانه

١١٨

إذا كان الله جل جلاله يعفو عن عقاب العبد وهو غير راض عن العبد كما تضمنته الادعية في عفوه عن المؤمن وهو غير راض عنه وحال الكفار الذين يموتون على كفرهم وتأخير عقوبتهم وهو غضبان عليهم كما قلناه لانه إذا كان غير راض كان غضبانا ولا يخلو عن مقام الرضا والغضب في وقت واحد على وجه واحد فلو كان الغضب هو العقاب استحال ان يعفو عن عبد ويكون في حال عفوه عنه غضبانا عليه وكان متى عفى عن العبد المسلم أو الكافر قبل وفاته زال غضبه عنهم وهذا خلاف المعلوم من دين اهل الحق والصدق.

فصل ولكن حبه جل جلاله أو رضاه حيث قد نطق القرآن الصريح والنقل الصحيح بهما وبغضبه وسخطه جل جلاله وثبوت هاتين الصفتين له جل جلاله فانه يكون لحبه سبحانه أو رضاه وغضبه أو سخطه وجه معلوم غير ما نعرفه من رضا الاجسام وحبها وغضبها وسخطها وغير ما فسروه بان حبه ورضاه ثوابه وغضبه عقابه كما كان تفسير ساير صفاته جل جلاله غير صفات الاجسام فان كون احدنا قادرا يقتضى قوة زائدة وحالا متجددة غير كونه عاجزا وكذا كون احدنا عالما وحيا وساير صفاتنا يقتضى تجدد حالات وتغيرات علينا وهذه المعاني مستحيلة على الله جل جلاله ولكن هذه الصفات في الله كما يليق بذاته المقدسة التى لامثل لها وكما يليق بصفاته المنزهة التى لاشبه لها وكذا يكون تفسير الحب منه جل جلاله والرضا والغضب والسخط وهذا يكشف ما قلناه لاهل الريب ويزيل العجب.

(اقول ووجدت بعد تصنيف هذا الكتاب بسنتين في الجزء الاول من تفسير القرآن للطبري عن قوم من المفسرين انهم ذكروا في غضب

١١٩

الله كما ذكرناه واخترناه).

فصل اقول ومن ادب العبد في السجود انه لا يستعجل في رفع رأسه من ذلك الخضوع والخشوع للمعبود فقد قلنا لك معنى ما ذكره الله جل جلاله في كتابه ان السجود من مقامات القرب إلى مولاك فعلى أي شئ تستعجل أو تكره قربه وهو يريك وكما انك لا تكره قربك من محبوبك في دنياك ولا تستعجل بالتباعد عنه فكذا كان مع ربك جل جلاله الذى لابد لك منه كما رويناه باسنادنا إلى محمد بن يعقوب الكليني فيما رواه باسناده إلى الفضيل بن يسار وهو من اعيان الاخيار وخواص الاطهار عن ابي عبد الله عليه السلام قال كان على بن الحسين عليهما السلام إذا قام إلى الصلوة تغير لونه فإذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفض عرقا.

ذكر الشهادة لله جل جلاله بالوحدانية في الصلوة.

اقول المهم ان يكون تلفظك بالشهادة معاملة لله جل جلاله وعبادة ولا يكون قصدك انه جل جلاله في نفس الامر واحد فحسب وانما يراد منك انك تعتقد انه جل جلاله واحد في نفس الامر وانه لا اله لك تعبده سواه ولا لك شئ تؤثره على رضاه فانك ان اثرت شيئا عليه جل جلاله كان ذلك الذى تؤثره ارجح منه جل جلاله عندك ومعبودا لك من دونه فيما تؤثره فيه عليه وما تكون كامل الصدق في الشهادة بانك لا اله لك سواه افلا ترى قوله جل جلاله فيمن رجح عليه هواه فقال سبحانه اتخذ الهه هواه.

وروى في تفسير قوله جل جلاله اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله انهم ما صاموا ولا صلوا لهم ولكن اطاعوهم في معصية الله فصار حكمهم بذلك حكم من اتخذهم الهة فاياك ان تشرك به

١٢٠