مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء ٢

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة0%

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 421

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ نجم الدين الطبسي
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الصفحات: 421
المشاهدات: 195292
تحميل: 7520

الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 421 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 195292 / تحميل: 7520
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء 2

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


الامام الحسين (ع) في مكة المكرمة

ووثاقته، إذا ثبت ذلك من مجموع تأريخ سيرته، خصوصاً إذا أثنى عليه‌السلام الإمام زين العابدين علي بن الحسينعليهما‌السلام أو أحد ممّن جاء من بعده من الأئمةعليهم‌السلام .

٣) - لم ينجُ أحدٌ من أعلام الأمّة ممّن بقي في الحجاز، ولم يلتحق بالإمامعليه‌السلام من التأمّل في عدالته من خلال التساؤل عن سرّ عدم التحاقه، ولعلّ أكثر مَن تعرّضوا للتأمّل في عدالتهم المتخلّفين من بني هاشم، كابن عبّاس وابن جعفر وابن الحنفيّة، ولعلّ الأخير أكثر المتعرّضين لهذا التأمّل منذ أيّام الأئمةعليهم‌السلام (١) وإلى الآن، مع أنّ المأثور أنّ ابن الحنفيّةرضي‌الله‌عنه أقعده وأعجزه المرض عن الالتحاق بالإمامعليه‌السلام ، وورد أنّ ابن جعفر كان مكفوفاً، وتحقّق عندنا أنّ ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه كان عذره في كونه مكفوفاً أو ضعيف البصر جدّاً آنذاك(٢) .

فالأمر ليس كما ذهب إليه المامقاني (ره) بقوله: «... ولم يتأمّل أحدٌ في عدالتهم كابن الحنفية وأضرابه! ».

٤) - أمّا فيما يتعلّق بأمر أبي سعيد الخدري (ره)، فقد وردت روايات عن الإمامين الصادق والرضاعليهما‌السلام تُثني عليه وتمدحه، كقول الإمام الصادقعليه‌السلام فيه:( رُزِق هذا الأمر، وكان مُستقيماً ) (٣) ، وعدّه الإمام الرضاعليه‌السلام فيمن لم يُغيّروا ولم يُبدّلوا، وهذا يكفي في الاطمئنان إلى حُسن حاله ووثاقته وعدالته.

____________________

(١) راجع: بصائر الدرجات ١٠: ٤٨١ باب ٩ حديث ٥: والبحار ٤٤: ٣٣٠ باب ٣٧.

(٢) راجع بحث تحرّك كلٍّ من هؤلاء الثلاثةرضي‌الله‌عنه فيما تقدّم من هذا الفصل.

(٣) ولقد حسّن العلاّمة المجلسي (ره) هذه الرواية (راجع: مرآة العقول ١٣: ٢٨١).

٣٢١

رسالة المِسْور بن مخرمة:

روى ابن عساكر، أنّ المسور بن مخرمة كتب إلى الإمام الحسينعليه‌السلام رسالة يقول فيها: « إيّاك أن تغترَّ بكتُب أهل العراق، ويقول لك ابن الزبير: الحق بهم فإنّهم ناصروك! إيّاك أن تبرح الحرم؛ فإنّهم إن كانت لهم بك حاجة فسيضربون إليك آباط الإبل حتّى يوافوك! فتخرج في قوّة وعدّة »(١) .

« فجزّاه الحسين خيراً وقال: « أستخير الله في ذلك! »(٢) .

تأمّلٌ ومُلاحظات:

١) - إنّ محتوى هذه الرسالة، كاشف عن أنّ المِسْور بن مخرمة بعث بها إلى الإمامعليه‌السلام في مكّة، بدليل قوله: « إيّاك أن تغترّ بكتب أهل العراق! ويقول لك ابن الزبير: الحق بهم فإنّهم ناصروك! »؛ ذلك لأنَّ كُتب أهل الكوفة لم تصل إلى الإمامعليه‌السلام إلاّ في مكّة، كما أنّ ابن الزبير لم يُشر على الإمامعليه‌السلام بالتوجّه إلى العراق إلاّ في مكَّة المكرّمة، هذا فضلاً عن الدليل الواضح في قوله: « إيّاك أن تبرح الحرم! ».

٢) - صاحب هذه الرسالة هو المِسْور بن مخرمة بن نوفل القرشي الزهري، وأمّه عاتكة أخت عبد الرحمان بن عوف وهي زهرية أيضاً، ولِد بعد الهجرة بسنتين، وكان من صغار الصحابة، قدم دمشق بريداً من عثمان يستصرخ معاوية، وكان ممّن يلزم عمر بن الخطّاب ويحفظ عنه، وقد انحاز إلى مكّة مع ابن الزبير وسخط إمرة يزيد، وقد أصابه حجَر منجنيق في الحصار فبقي أيّاماً ومات، وكانت

____________________

(١) و (٢) تاريخ ابن عساكر (ترجمة الإمام الحسين عليه‌السلام / تحقيق المحمودي ): ٢٠٢ رقم ٢٥٥; وراجع تهذيب تاريخ دمشق ٧: ١٤٠ والبداية والنهاية ٨: ١٦٥.

٣٢٢

الخوارج تغشاه وتنتحله(١) .

وأمّا عندنا، فهو مجهول، وذكر السيّد الخوئي (ره) أنّ الشيخ عدّه في أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تارة، وأُخرى في أصحاب عليّعليه‌السلام قائلاً: المِسْور بن مخرمة، كان رسولهعليه‌السلام إلى معاوية(٢) ، وقد روى الشيخ الطوسي رحمه الله في الأمالي رواية يُشَمُّ منها ضعف المسور بن مخرمة(٣) ، ونقل القرشيّ عن كتاب الإصابة أنّه كان من أهل الفضل والدين(٤) ، كما نقل الأميني (ره) عن كتاب أنساب الأشراف قائلاً: « وكان مسور بن مخرمة الصحابيّ ممّن وفد إلى يزيد، فلمّا قدم شهد عليه بالفسق وشرب الخمر، فكُتب إلى يزيد بذلك، فكتب إلى عامله يأمره أن يضرب مسوراً الحدَّ، فقال أبو حرّة:

أيشربُها صهباء كالمسكِ ريحها

أبو خالد والحدَّ يُضربُ مسورُ »(٥) .

٣) - قد يُستفاد من بعض الأقوال التي أوردناها في النقطة الثانية، أنّ المسور بن مخرمة كان عمريّ الميْل عثماني الهوى، كما قد يُستفاد من نقل الشيخ (ره) أنّه كان رسول عليٍّعليه‌السلام إلى معاوية، ومن رواية البلاذري أنّه شهد على يزيد بالفسق وشرب الخمر، ومن قول الذهبي أنّه سخط إمرة يزيد، أنّ المسور بن مخرمة ربّما كان ذا شيء من التديُّن؛ وعلى هذا يحتمل أنّه كتب رسالته إلى الإمامعليه‌السلام بدافع الشفقة والخوف عليه من غدر أهل الكوفة، ويُساعد على هذا الاحتمال ما ورد في

____________________

(١) راجع: سير أعلام النبلاء ٣: ٣٩٣ والإصابة: ٣: ٤١٩.

(٢) مُعجم رجال الحديث ١٨: ١٦١ رقم ١٢٣٥٩.

(٣) أمالي الشيخ الطوسي: ٧٢٧ مجلس ٤٤ حديث رقم ١٥٣٠/٥، وفي خلاصة الرسائل العشر للميلاني ص٤٠: أنّه كان إذا ذكر معاوية صلّى عليه!!

(٤) حياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام ٣: ٢٤ / الهامش.

(٥) الغدير ١٠: ٣٣ / والصهباء: الخمر، وأبو خالد يعني يزيد.

٣٢٣

آخر رواية ابن عساكر أنّ الإمام عليه‌السلام جزّاه خيراً.

هذا على فرض صحّة الرواية أصلاً!! كما يظهر من متن الرسالة أنّ المسور كان عارفاً بمكر ابن الزبير؛ حيث يقول: « ويقول لك ابن الزبير: الحق بهم فإنّهم ناصروك! ».

لكنّ العجيب، أنّ الذهبي يذكر أنّه انحاز بعد ذلك إلى مكّة مع ابن الزبير، وقتله حجر منجنيق أصابه في الحصار!

رسالة عمرة بنت عبد الرحمان:

وروى ابن عساكر أيضاً قائلاً: « وكتبت إليه عمرة بنت عبد الرحمان، تُعظّم عليه ما يريد أن يصنع [ من إجابة أهل الكوفة ]، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة! وتُخبره أنّه إنّما يُساق إلى مصرعه وتقول: أشهد لحدّثتني عائشة أنّها سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: ( يُقتل حسين بأرض بابل!). فلمّا قرأ [ الحسينعليه‌السلام ] كتابها قال: ( فلا بُدَّ لي - إذَنْ - من مصرعي! ) ومضى »(١) .

إشارة:

عمرة بنت عبد الرحمان بن سعد الأنصارية المدنية، لم يرد لها ذكر في كُتبنا الرجالية ولا التراجم، لكنّ كُتب السنّة ترجمت لها بإطراء وثناء عليها! فها هو الذهبي يقول فيها: « الفقيهة، تربية عائشة وتلميذتها... كانت عالمة، فقيهة، حجّة، كثيرة العلم، وحديثها كثير في دواوين الإسلام، توفِّيت عام ثمان وتسعين »(٢) .

____________________

(١) تاريخ ابن عساكر (ترجمة الإمام الحسين عليه‌السلام / تحقيق المحمودي): ٢٠٢ رقم ٢٥٥; وانظر: تهذيب الكمال ٤: ٤٩; وتاريخ الإسلام (حوادث عام ٦٠) ص٩; وتهذيب تاريخ دمشق لابن منظور ٧: ١٤٠.

(٢) سير أعلام النبلاء ٤: ٥٠٩; وانظر: تهذيب التهذيب ١٢: ٤٦٦.

٣٢٤

ويُغنينا قول الذهبي فيها: إنّها تربية عائشة وتلميذتها عن كلّ تعليق!

ذلك؛ لأنّ كراهية عائشة لأهل البيتعليهم‌السلام وحقدها عليهم أمر أوضح من الشمس في رابعة النهار، فعن أمير المؤمنينعليه‌السلام :( وأمّا، فلانة فأدركها رأي النساء وظغن غلا في صدرها كمِرجل القَين! ) (١) .

ولم تتورّع عائشة عن إعلان هذه الكراهية في مواقف كثيرة، وهل يُنسى منعها دفن الإمام الحسنعليه‌السلام إلى جوار جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقولها: « تُريدون أن تُدخلوا بيتي من لا أهوى ولا أُحبّ! »(٢) ، وقولها: « نحّوا ابنكم عن بيتي! »(٣) .

فإذا كان هذا حال الأستاذة فما حال مُريدتها وربيبتها؟! وهل يُتوقَّع منها غير أن تأمر الإمامعليه‌السلام بإطاعة يزيد وعدم شقّ عصا الجماعة! والقعود عن أيّ قيام في وجه الطاغوت!

حركة الأمّة في الكوفة:

كان الكوفيُّون يُكاتبون الإمام الحسينعليه‌السلام - بعد استشهاد الإمام الحسنعليه‌السلام - باذلين له الطاعة، ويدعونه إلى القيام والنهضة ضدّ معاوية، فقد روى البلاذري أنّه: « لما توفِّي الحسن بن عليّ اجتمعت الشيعة، ومعهم بنو جعدة بن هبيرة بن أبي

____________________

(١) نهج البلاغة: ٢١٨ الخطبة ١٥٦ / ويقول ابن أبي الحديد: (... ثمّ ماتت فاطمة، فجاء نساء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كُلهنَّ إلى بني هاشم في العزاء إلاّ عائشة، فإنّها لم تأتِ، وأظهرت مرضاً! ونُقل إلى عليّ عليه‌السلام عنها كلام يدلّ على السرور! ) (راجع: شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ٩: ١٩٨).

(٢) أمالي الطوسي:١٦١ المجلس ٦ حديث رقم ٢٦٧ / ١٩; وعنه البحار ٤٤: ١٥٣.

(٣) الكافي ١: ٣٠٢; وعنه البحار ٤٤: ١٤٣.

٣٢٥

وهب المخزومي(١) ، وأمُّ جعدة أمّ هاني بنت أبي طالب، في دار سليمان بن صرد، وكتبوا إلى الحسين كتاباً بالتعزية، وقالوا في كتابهم: إنّ الله قد جعل فيك أعظم الخلف ممَّن مضى، ونحن شيعتك المصابة بمُصيبتك، المحزونة بحزنك، المسرورة بسرورك، المنتظرة لأمرك.

وكتب إليه بنو جعدة، يُخبرونه بحُسن رأي

____________________

(١) جعدة بن هبيرة المخزومي: هو ابن أخت أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، وأمّه أمُّ هاني بنت أبي طالب عليه‌السلام ، وُلِد جعدة في عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو من الصحابة، ونزل الكوفة، وكان فارساً شجاعاً، شريفاً فقيهاً، وكان والياً على خراسان من قِبل أمير المؤمنين عليه‌السلام . وقال له عتبة بن أبي سفيان: إنّما لك هذه الشدّة في الحرب من قِبل خالك - يعني عليّاً عليه‌السلام - فقال له جعدة: لو كان لك خال مثل خالي لنسيتَ أباك!

وله رواية عن أمّه، حول قصّة الهجرة ومبيت أمير المؤمنين عليه‌السلام في فراش الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويروي بعض قضايا يوم شهادة عليّ عليه‌السلام .

قال عتبة بن أبي سفيان في يوم من أيّام صِفِّين: إنّي لاقٍ بالغداة جعدة بن هبيرة! فقال له معاوية: بخٍ بخٍ! قومه بنو مخزوم، وأمّه أمّ هاني بنت أبي طالب، وأبوه هبيرة بن أبي وهب، كفؤ كريم... (راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨: ٣٠٨ ومُستدركات علم الرجال ٢: ١٣٠).

وكان لجعدة في قريش شرف عظيم، وكان له لسان، وكان من أحبّ الناس إلى عليّ عليه‌السلام . (راجع: وقعة صِفِّين: ٤٦٣).

ويبدو من ظاهر خبر الاجتماع في دار سليمان بن صرد، أنّ جعدة أيّام النهضة الحسينية لم يكن في الأحياء، بدليل الإشارة إلى أبنائه فقط ( ومعهم بنو جعدة بن هبيرة... ).

أمّا أبناؤه، فيحيى ( وله رواية عن الحسين عليه‌السلام وهو من رواة الغدير )، وعبد الله (وهو الذي فتح القهندر وكثيراً من خراسان)، وقيل: إنّ له ولداً آخر اسمه عمر. (راجع: مُستدركات علم الرجال ٢: ١٣١ و٨: ١٩٣ وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨: ٣٠٨).

ولم نعثر على خبر تأريخي يُحدّثنا عن بني جعدة، وما حلّ بهم في الفترة ما بين انعقاد هذا الاجتماع في دار سليمان بن صرد إلى يوم عاشوراء، يوم مقتل الإمام عليه‌السلام ، وبهذا تبقى أسئلة كثيرة تتدافع في صدر المتتبّع حولهم بلا جواب.

هذا وعن البلاذري في الانساب: ٣: ٣٧٧: إن جعدة بعث إبنه برسالة الى الحسين  يحذّره من أقول: وهذا اخطأ ولعله تصحيف عون بن عبد الله بن جعفر وقد مرّ الحديث عنه.

٣٢٦

أهل الكوفة فيه، وحبّهم لقدومه، وتطلّعهم إليه، وأن قد لقوا من أنصاره وإخوانه مَن يُرضى هديه ويُطمأنّ إلى قوله، ويُعرف نجدته وبأسه، فأفضَوا إليهم ما هم عليه من شنآن ابن أبي سفيان والبراءة منه، ويسألونه الكتاب إليهم برأيه... »(١) ، وكذلك نقل الشيخ المفيد (ره) عن الكلبي والمدائني وغيرهما من أصحاب السير، أنّهم قالوا: « لما مات الحسن عليه‌السلام تحرّكت الشيعة بالعراق، وكتبوا إلى الحسين عليه‌السلام في خلع معاوية، والبيعة له... »(٢) ، وكان الإمام الحسين عليه‌السلام في كلّ ذلك يمتنع عليهم، ويذكر لهم أنّ بينه وبين معاوية عهداً وعقداً لا يجوز له نقضه حتى تمضي المدّة، فإذا مات معاوية نظر في ذلك.

لكنّ الثابت - من قرائن تأريخية عديدة - أنّ نبأ موت معاوية وصل إلى أهل الكوفة بعد وصول الإمام الحسينعليه‌السلام إلى مكّة المكرّمة، أو وهو في الطريق إليها، ومعنى هذا: أنّه لم تصل إلى الإمامعليه‌السلام وهو في المدينة - في غضون أيّام إعلانه رفض البيعة ليزيد إلى حين خروجه عنها - أيّة رسالة من أهل الكوفة تُنبئ عن علمهم بموت معاوية، وعن دعوتهم الإمامعليه‌السلام إليهم، ولا من أهل مكّة أيضاً، ولا مَن سواهما(٣) .

____________________

(١) أنساب الأشراف ٣: ١٥١ - ١٥٢ حديث ١٣.

(٢) الإرشاد: ٢٠٠.

(٣) هناك ثلاث روايات، يوحي ظاهرها بأنّ الإمام عليه‌السلام كانت قد وصلت إليه رسائل في المدينة في الأيّام التي أعلن فيها عن رفضه البيعة ليزيد، بعد وصول نبأ موت معاوية: الأُولى:رواية ابن عساكر للقاء عبد الله بن مطيع العدويّ مع الإمام عليه‌السلام ، في الطريق من المدينة إلى مكّة، حيث ذكر ابن عساكر في جملة اعتراضية أنّ الإمام عليه‌السلام ذكر للعدويّ فيها أنّه كتب إليه شيعته بها ( أي مكّة! ) (راجع: تاريخ ابن عساكر ( ترجمة الإمام الحسين عليه‌السلام ) / تحقيق المحمودي: ٢٢٢ حديث رقم ٢٠٣ / مجمع إحياء الثقافة الإسلامية - قم ). والثانية:رواية ابن عبد ربّه الأندلسي في (العقد الفريد ٤: ٣٥٢ / دار إحياء =

٣٢٧

أوّل اجتماع للشيعة في الكوفة بعد هلاك معاوية:

روى الطبري قائلاً: « فلمّا بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية، أرجف أهل العراق بيزيد، وقالوا: قد امتنع حسينٌ وابن الزبير ولحقا بمكّة، فكتب أهل الكوفة إلى حسين... ».

وروى أيضاً عن أبي مخنف، عن الحجّاج بن عليّ، عن محمّد بن بشر الهمداني(١) ، قال: « اجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد(٢) ، فذكرنا هلاك

____________________

=التراث العربي)، وهي رواية خَلَط فيها الراوي بين اللقاء الأوّل لعبد الله بن مطيع العدويّ مع الإمام عليه‌السلام ، في الطريق من المدينة إلى مكّة، وبين لقائهما الثاني بعد خروجه عليه‌السلام من مكّة إلى العراق! ممّا يوهم القارئ أنّ الإمام عليه‌السلام قبل وصوله إلى مكّة، كان قد أخبر العدويّ عن رسائل كثيرة وصلت إليه من أهل الكوفة! والثالثة:هي الرواية التي حكاها صاحب كتاب (أسرار الشهادة: ٣٦٧)، عن بعض الثقات الأُدباء الشعراء من تلامذته العرب - حسب قوله! - وأنّ هذا الثقة قد ظفر بها في مجموعة تنسب إلى فاضل أديب مُقرئ! فنقلها عنه! وفيها يقول الراوي: ( خرجت بكتاب من أهل الكوفة إلى الحسين عليه‌السلام ، وهو يومئذ بالمدينة، فأتيته فقرأه وعرف معناه، فقال: ( أنظرني إلى ثلاثة أيّام )، فبقيت في المدينة، ثمّ تبعته إلى أن صار عزمه بالتوجّه إلى العراق... )، ولقد نوقشت هذه الروايات الثلاث نقاشاً تحقيقياً في الجزء الأوّل من هذه الدراسة (الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة) أثبت عدم جدارتها للاعتماد على ما ورد فيها بهذا الصدد، فراجع الجزء الأوّل ٤٢٣ - ٤٢٦ / عنوان: هل وصلت إلى الإمام عليه‌السلام رسائل قُبيل رحيله عن المدينة؟

(١) محمد بن بشر الهمداني: كان في الكوفة في جمع قرأ عليهم مسلم كتاب الإمام الحسين عليه‌السلام ، ولم يقل شيئاً!

وقع في طريق (سند) الشيخ الصدوق (ره) في كتاب التوحيد، باب معنى الحُجزة عن أبي الجارود، عنه، عن محمّد بن الحنفية، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام .

وفي سند غيبة الطوسي ص٢٧٧، عن أبي الجارود، عن محمد بن بشر، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام . (راجع: مُستدركات علم الرجال ٦: ٤٨٠).

وروى أبو مخنف، عن الحجّاج بن علي، عن محمّد بن بشر - كما في تأريخ الطبري - قصّة =

٣٢٨

-

____________________

= اجتماع الشيعة في منزل سليمان بن صُرَد لدعوة الحسين عليه‌السلام إليهم في الكوفة، وإرساله عليه‌السلام مسلماً عليه‌السلام ، وأنّ مسلماً عليه‌السلام قرأ كتاب الحسين عليه‌السلام إليهم، فقام عابس الشاكري، ثمّ حبيب بن مظاهر، ثمّ سعيد بن عبد الله الحنفي، وأخبروا عن أنفسهم بالجدّ في الجهاد معهم.

وقال الحجّاج: فقلتُ لمحمّد: فهل كان منك قول؟ فقال: إن كنتُ لأحبُّ أن يُعزَّ الله أصحابي بالظفر، وما كنت لأُحبَّ أن أُقتلَ، وكرهتُ أن أكذب!! (راجع: الطبري ٥: ٣٥٢ وقاموس الرجال ٩: ١٣٤).

(٢) سليمان بن صُرد الخزاعي: من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن أصحاب أمير المؤمنين عليّ والحسن والحسينعليهم‌السلام وكان اسمه في الجاهلية يساراً، فسمّاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سليمان، وكان خيّراً فاضلاً، سكن الكوفة وابتنى بها داراً في خزاعة، وكان نزوله بها في أوّل ما نزلها المسلمون، وكان له سنٌّ عالية وشرف، وقدر كلمة في قومه، شهد مع عليّ صِفِّين، وهو الذي قتل حوشباً ذا ظليم بصفِّين مُبارزة، ثمّ اختلط الناس يومئذ (راجع: الاستيعاب: ٣: ٢١٠ رقم ١٠٦١).

وروى نصر بن مزاحم في كتابه عن عبد الرحمان بن عبيد بن أبي الكنود: أنّ سليمان بن صرد الخزاعي دخل على عليّ بن أبي طالب بعد رجعته من البصرة، فعاتبه وعذله وقال له:( ارتبتَ وتربّصتَ وراوغت! وقد كنت من أوثق الناس في نفسي، وأسرعهم - فيما أظنّ - إلى نصرتي، فما قعد بك عن أهل بيت نبيّك؟! وما زهّدك في نصرهم؟! ) .

فقال: يا أمير المؤمنين، لا تردنّ الأمور على أعقابها، ولا تؤنّبني بما مضى منها: واستبقِ مودّتي يُخلص لك نصيحتي، وقد بقيت أمورٌ تعرف فيها وليّك من عدوّك. فسكت عنه، وجلس سليمان قليلاً، ثمَّ نهض فخرج إلى الحسن بن عليّ وهو قاعد في المسجد، فقال: ألا أُعجِّبك من أمير المؤمنين وما لقيتُ منه من التبكيت والتوبيخ؟فقال له الحسن: ( إنّما يُعاتَب مَن تُرجى مودّته ونصيحته ) . فقال: إنّه بقيت أمور سيستوسق فيها القنا ويُنتضى فيها السيوف، ويُحتاج فيها إلى أشباهي، فلا تستغشّوا عتبي، ولا تتّهموا نصيحتي.

فقال له الحسن:( رحمك الله، ما أنت عندنا بالظنين ) (وقعة صفِّين: ٦ - ٧).

وراوي هذه القصّة عبد الرحمان بن عبيد - أو عبد - بن أبي الكنود: مجهول الحال (راجع: =

٣٢٩

____________________

= تنقيح المقال ٢: ١٤٥)، وذكره رجاليون آخرون دون التعرُّض له بمدح أو بذم (راجع: قاموس الرجال ٦: ١٢٥ ومعجم رجال الحديث ٩: ٣٣٥ و ٣٣٧ رقم ٦٣٩٢ و ٦٤٠٠ ومُستدركات علم الرجال ٤: ٤٠٧).

وقد روى ابن عبد ربّه رواية نفس هذا العتاب بتفاوت وإجمال مُرسلة ( وهي رواية عاميّة ) (راجع: العقد الفريد ٤: ٣٣٠).

لكنّ المامقاني أنكر تخلّف سليمان يوم الجمل، واستدلّ بقول ابن الأثير: إنّه شهد مع عليّ عليه‌السلام مشاهده كلّها (راجع: تنقيح المقال ٢: ٦٣)، وقد قال ابن سعد أيضاً: إنّه شهد الجمل وصِفِّين مع عليّ عليه‌السلام (راجع: الطبقات الكبرى ٤: ٢٩٢).

لكنّ التُّستري ردَّ إنكار المامقاني، مُعتمداً على رواية كتاب وقعة صفِّين. (قاموس الرجال: ٥: ٢٧٩).

كما ذهب المامقاني إلى أنّ ابن زياد لما اطَّلع على مكاتبة أهل الكوفة للحسين عليه‌السلام حبس أربعة آلاف وخمسمئة من أصحاب أمير المؤمنين وأبطاله، منهم سليمان بن صرد، وإبراهيم الأشتر، وصعصعة، ولم يكن لهم سبيل إلى نصرة الحسين عليه‌السلام (راجع: تنقيح المقال ٢: ٦٣).

ونقل القرشي أيضاً عن كتاب (الدرّ المسلوك في أحوال الأنبياء والأوصياء ١: ١٩٠ / مخطوط) أنّ سليمان بن صرد الخزاعي، والمختار، وأربعمئة من أعيان ووجوه الكوفة، كانوا من بين المعتقلين في سجون ابن زياد (راجع: حياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام ٢: ٤١٦).

ويُمكن أن يُردَّ على ذلك: أنّ الأمر إذا كان كذلك، ولم يكن له ذنب وتقصير في تخلّفه عن نصرة الإمام الحسين عليه‌السلام ، ففيم كانت توبته ولماذا كانت قيادته لحركة التوّابين؟!

إنّ المتأمّل في خُطب سليمان - في جموع التوّابين - لا يجد أيّة إشارة إلى أنّه كان مُعتقلاً! بل يجد سليمان يُدين نفسه وأصحابه بالتواني والتقصير والعجز والمداهنة والتربُّص! ها هو يقول: (... إنّا كُنّا نمدُّ أعناقنا إلى قدوم آل بيت نبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله نُمنيّهم النصر، ونحثّهم على القدوم، فلمّا قدموا ونَينا وعجزنا وأدهنّا وتربّصنا حتى قُتل ولد نبيّنا وسلالته وعصارته وبضعة من لحمه ودمه... ) (الكامل في التأريخ ٣: ٣٣٣ وانظر: تأريخ الطبري ٣: ٣٩١). =

٣٣٠

____________________

= وقد يُردُّ على ذلك، بأنّ كُتب التواريخ والتراجم السنِّيّة هي التي اتّهمت سليمان بن صرد بالتقصير والشكّ والمداهنة والعجز، فإضافة إلى ما أورده الطبري وابن الأثير، يقول الذهبي: ( قال ابن عبد البرِّ: كان ممّن كاتب الحسين ليُبايعه، فلمّا عجز عن نصره، ندم وحارب... ) (سير أعلام النبلاء ٣: ٣٩٥).

وقال ابن سعد: ( وكان فيمَن كتب إلى الحسين عليه‌السلام يسأله القدوم عليهم الكوفة، فلمّا قدم الحسين الكوفة اعتزله فلم يكن معه، فلمّا قُتل الحسين ندم مَن خَذَله وتابوا من خذلانه... ) (الطبقات الكبرى ٦: ٢٥).

وقال أيضاً: ( وكان فيمَن كتب إلى الحسين بن عليّ أن يقدم الكوفة، فلمّا قدمها أمسك عنه ولم يُقاتل معه، كان كثير الشكّ والوقوف، فلما قُتل الحسين ندم... ) (الطبقات الكبرى ٤: ٢٩٢ وانظر الوافي بالوفيّات ١٥: ٣٩٣).

لقد كانت ثورة التوّابين ردَّ فعل خالصاً لثورة الإمام الحسين عليه‌السلام ؛ إذ لم يكن لغير ثورة الإمام الحسين عليه‌السلام أثرٌ فيها، وقد انبعثت نتيجة الشعور بالإثم والندم والحسرة على عدم نصرة الإمام الحسين عليه‌السلام ، وقد رأى الثوّار فيها أنّه لا يغسل عارهم والإثم عنهم إلاّ قتل مَن قتل الإمام عليه‌السلام ، أو القتل في هذا الأمر، وكان زعيم هذه الثورة سليمان بن صرد الخزاعي، وقد ابتدأ الإعداد لهذه الثورة اجتماعياً وعسكرياً بعد عاشوراء، سنة إحدى وستِّين للهجرة، وكان هذا الإعداد سرِّيّاً حتى مات يزيد، فخرجوا بعد موته من السرّ إلى العلن، فتوجَّهوا سنة خمس وستِّين للهجرة إلى قبر الإمام الحسين عليه‌السلام ... ثمّ توجّهوا إلى الشام والتحموا مع كتائب الجيش الأُمويّ في منطقة (عين الوردة)، في وقعة دمويّة رهيبة، هزّت نتائجها الفادحة أركان الحُكم الأُموي هزّاً عنيفاً (راجع: الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة / الجزء الأوّل: ١٧٩ وتاريخ الطبري ٣: ٤٠٨).

وقد قُتل التوّابون جميعاً في هذه المعركة التي دامت ثمانية أيّام، في مواجهة مئة ألف فارس كانوا مقدّمة للجيش الأُموي. وقد نقل المامقاني، أنّ سليمان رأى في المنام في الليلة الثامنة خديجة الكبرى وفاطمة الزهراء والحسن والحسينعليهم‌السلام ، فقالت له خديجة: شكر الله سعيك يا سليمان ولإخوانك، فإنّكم معنا يوم القيامة. وقالوا له: أبْشِر؛ فأنت عندنا غداً عند الزوال. ثمّ ناولته إناءً فيه ماء وقالت: أفِضه على جسدك! فانتبه فرأى إناءً عند رأسه فيه ماء، فأفاضه على جسده، وترك الإناء إلى جنبه فالتحمت جراحاته، واشتغل يلبس ثيابه وغاب القدح فكبّر، فانتبه أصحابه من تكبيره، وسألوه =

٣٣١

معاوية فحمدنا الله عليه.

فقال لنا سليمان بن صرد: إنّ معاوية قد هلك، وإنّ حسيناً قد تقبّض على القوم ببيعته، وقد خرج إلى مكّة، وأنتم شيعته وشيعة أبيه، فإن كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومُجاهدو عدوّه فاكتبوا إليه، وإن خفتم الوهل والفشل فلا تغرّوا الرجل من نفسه!

قالوا: لا، بل نُقاتل عدوّه ونقتل أنفسنا دونه!

قال: فاكتبوا إليه.

فكتبوا إليه: بسم الله الرحمن الرحيم.

لحسين بن عليّ، من سليمان بن صرد، والمسيّب بن نجبة(١) ، ورفاعة بن

____________________

= عن السبب فبيّن لهم، فلمّا أصبحوا قاتلوا جيش ابن زياد حتى قُتلوا عن آخرهم... (راجع: تنقيح المقال ٢: ٦٣).

وقال المامقاني في ختام كلامه: ( وقد تلخّص من جميع ما سطّرناه، أنّ سليمان بن صُرَد شيعي مُخلص في الولاء، وأنا اعتبره ثقة مقبول الرواية، وأسأل الله تعالى أن يحشرني معه ومع أصحابه بجاه الحسين عليه‌السلام ). (تنقيح المقال ٢: ٦٣).

ونختم هذا المقام بهذه الرواية:

روى نصر بن مزاحم المنقري، في كتابه عن عون بن أبي جُحيفة، قال:

( أتى سليمان بن صُرد عليّاً أمير المؤمنين بعد الصحيفة ووجهه مضروب بالسيف، فلمّا نظر إليه عليٌّ قال:( ( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) ،فأنت ممّن ينتظر وممّن لم يُبدّل ) . فقال: يا أمير المؤمنين، أما لو وجدتَ أعواناً ما كتبت هذه الصحيفة أبداً! أما والله، لقد مشيتَ في الناس ليعودوا إلى أمرهم الأوّل، فما وجدتَ أحداً عنده خيرٌ إلاّ قليلاً! ) (وقعة صِفِّين: ٥١٩).

(١) المسيّب بن نجبة: كان من التابعين الكبار ورؤسائهم وزهّادهم، وكان من رؤساء الجماعة الذين خفّوا لنصرة عليّ عليه‌السلام من الكوفة إلى البصرة، ووجهّه الإمام عليّ عليه‌السلام مع بشر كثير من قومه لمقاومة =

٣٣٢

شدّاد(١) ، وحبيب بن مظاهر(٢) ، وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة.

سلام عليك.

فإنّا نحمد إليك اللّه، الذي لا إله إلاّ هو.

أمّا بعدُ: فالحمد لله الذي قصم عدوّك الجبّار العنيد، الذي انتزى على هذه الأمّة فابتزّها وغصبها فيأها، وتأمّر عليها بغير رضاً منها، ثمّ قتل خيارها واستبقى

____________________

= غارة عبد الله بن مسعدة الفزاري. وكان قائد التوّابين بعد سليمان بن صُرد، وقُتل معهم سنة ٦٥ هـ (راجع: رجال الكشّي: ٦٩ وتاريخ الطبري ٤: ٤٤٨ و٥: ١٣٥).

(١) رفاعة بن شدّاد: كان قاضياً من قِبَل أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام على الأهواز، وكان على جناح عسكره يوم صِفِّين، وروي أنّه لما ورد الإمام الحسين عليه‌السلام إلى كربلاء دعا بدواة وبيضاء وكتب إلى أشراف الكوفة منهم رفاعة بن شدّاد.

وذهب المامقاني إلى أنّ رفاعة كان يوم الطفّ محبوساً أو مُعتقلاً في سجن ابن زياد، فلم يستطع الخروج إلى الحسين عليه‌السلام ، ولم يسمع واعيته.

وهو من الذين وفّقوا مع مالك الأشتر لتجهيز أبي ذرّ وتكفينه ودفنه. (راجع: مستدركات علم الرجال ٣: ٤٠٢).

(٢) حبيب بن مُظهَّر (مظاهر)، أبو القاسم، الأسدي الفقعسي، كان صحابيّاً رأى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان من أصحاب عليّ والحسن والحسينعليهم‌السلام ، وصحب عليّاً في حروبه كلّها، وكان من خاصّته وحملة علومه، وكان عنده علم المنايا والبلايا، وهو قرين ميثم التمّار ورشيد الهجري في غاية الجلالة والنبالة، وكان حبيبرضي‌الله‌عنه ممَّن كاتب الحسين عليه‌السلام . وكان حبيب ومسلم بن عوسجة يأخذان البيعة للحسين عليه‌السلام في الكوفة، حتى إذا دخل عبيد الله بن زياد الكوفة وخذّل أهلها عن مسلم وفرَّ أنصاره، حبسهما عشائرهما وأخفياهما، فلمّا ورد الحسين كربلاء خرجا إليه مُختفين يسيران الليل ويكمنان النهار حتى وصلا إليه. وذكر الطبري وغيره (المفيد في الإرشاد والدينوري في الأخبار الطوال): أنّ حبيباً كان على ميسرة الحسين عليه‌السلام .وروى أبو مخنف: أنّه لما قُتل حبيب بن مظهّر هدَّ ذلك الحسين عليه‌السلام وقال: ( عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي ) . (راجع: إبصار العين: ١٠٠ - ١٠٦ ومُستدركات علم الرجال ٢: ٣٠٢).

٣٣٣

شِرارها ، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها، فبُعداً له كما بعُدت ثمود.

إنّه ليس علينا إمام، فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الحقّ، والنعمان بن بشير في قصر الإمارة، لسنا نجتمع معه في جمعة، ولا نخرج معه إلى عيد، ولو قد بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نُلحقه بالشام إن شاء الله، والسلام ورحمة الله عليك »(١) .

رُسُل الكوفة إلى الإمام عليه‌السلام :

« ثمّ سرّحوا بالكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمداني(٢) ، وعبد الله بن وال(٣) ،

____________________

(١) تأريخ الطبري ٣: ٢٧٧، والإرشاد: ٢٠٣، ووقعة الطفّ: ٩٢، كما رواها السيد ابن طاووس في اللهوف: ١٠٤ بتفاوت، وروى البلاذري هذه الرسالة أيضاً بتفاوت في أنساب الأشراف ٣: ٣٦٩ / دار الفكر - بيروت.

(٢) عبد الله بن مسمع الهمداني: لم يرد له ذكر في الكُتب الرجالية، ولا في التواريخ سوى ما ذكره الطبري والشيخ المفيد (ره) أنّه وعبد الله بن والٍ حملا كتاب أهل الكوفة إلى الإمام عليه‌السلام ، وذكره ابن كثير: ( عبدالله بن سبع الهمداني ) (البداية والنهاية ٧: ١٥٤).

(٣) عبد الله بن والٍ (وألٍ): كوفيٌّ من بني تميم، وقيل: من آل بكر بن وائل، من وجوه الشيعة بالكوفة، ومن خيار أصحاب عليّ عليه‌السلام (أنظر: الغارات:٢٢٦ / الهامش).

وقيل: هو عبد الله بن وأل التيمي من بني تيم اللاّت بن ثعلبة. (البحار ٤٥: ٣٥٥).

وهو الذي كان يقول: ( اللّهمّ، إنّي لعليٍّ وليٌّ، ومن ابن عفّان بريء ) (الغارات: ٣٦٤).

وهو الذي بعثه عليٌّ عليه‌السلام بكتابه إلى زياد بن خصفة - في قصّة بني ناجيه - يقول هو: فأخذت الكتاب منه - وخرجت من عنده - وأنا يومئذ شابٌّ حدث، فمضيت به غير بعيد، فرجعت إليه فقلتُ: يا أمير المؤمنين، ألا أمضي مع زياد بن خصفة إلى عدوّك إذا دفعتُ إليه الكتاب؟فقال: ( يا بن أخي، افعل، فو الله، إنّي لأرجو أن تكون من أعواني على الحقّ، وأنصاري على القوم الظالمين ) . فقلت: يا

٣٣٤

وأمروهما بالنجاء، فخرجا مُسرعَين حتى قدما على الحسين عليه‌السلام بمكّة، لعشر مضين من شهر رمضان »(١) .

وقال ابن كثير: « فكان أوّل مَن قدم عليه عبد الله بن سبع الهمداني، وعبد الله بن وال، ومعهما كتاب فيه السلام والتهنئة بموت معاوية... »(٢) .

____________________

= أمير المؤمنين، أنا والله كذلك، ومن أولئك، وأنا واللّه حيث تُحبّ!

قال ابن وأل: فو اللّه، ما أُحبّ أنّ لي بمقالة عليّ عليه‌السلام تلك حُمر النعم! ) (الغارات: ٢٢٩)، وحُمر النعم: الإبل الحمراء، وهي أنفس الأموال يومئذ، والمثل هذا يُضرب في كلّ نفيس.

وكان عبد الله بن وأل من أُمراء التوّابين، قال ابن الأثير - يصف لقطة من لقطات معركة التوّابين ضدّ الجيش الأُموي -: ( فلمّا كان المساء تولّى قتالهم أدهم بن محرز الباهلي، فحمل عليهم في خيله ورَجِله فوصل ابن محرز إلى ابن وأل وهو يتلو:( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً... ) الآية، فغاظ ذلك أدهم بن محرز، فحمل عليه فضرب يده فأبانها، ثمّ تنحّى عنه، وقال: إنّي أظنّك وددت أنّك عند أهلك!

قال ابن وأل: بِئْسَما ظننت، والله، ما أُحبّ أنّ يدك مكانها، ألاّ يكون لي من الأجر مثل ما في يدي ليعظم وزرك ويعظم أجري! فغاظه ذلك أيضاً، فحمل عليه وطعنه فقتله وهو مُقبل ما يزول! وكان ابن وأل من الفقهاء العُبّاد... ) (الكامل في التأريخ ٢: ٦٤١ وانظر قاموس الرجال ٦: ٦٤٤ وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٣: ١٣٢).

وفي رواية أُخرى: ( وتقدّم عبد الله بن وأل فأخذ الراية، وقاتل حتى قُطعت يده اليسرى، ثمّ استند إلى أصحابه ويده تشخب دماً، ثمّ كرّ عليهم وهو يقول:

نفسي فداكم اذكروا الميثاقا

وصابروهم واحذروا النفاقا

لا كوفة نبغي ولا عراقا

لا بل نُريد الموت والعتاقا

وقاتل حتى قُتل ) (البحار ٤٥: ٣٦٢)

(١) الإرشاد: ٢٠٢ وتأريخ الطبري: ٣: ٢٧٧.

(٢) البداية والنهاية ٧: ١٥٤.

٣٣٥

وروى ابن الجوزي، عن الواقدي صيغة أُخرى للرسالة الأُولى التي بعث بها أهل الكوفة - ولعلّها رسالة أُخرى - قائلاً: « ولما استقرّ الحسين بمكّة، وعلم به أهل الكوفة، كتبوا إليه يقولون: إنّا قد حبسنا أنفسنا عليك! ولسنا نحضر الصلاة مع الولاة، فأقْدِم علينا فنحن في مئة ألف! وقد فشا فينا الجور، وعُمل فينا بغير كتاب اللّه وسنّة نبيّه، ونرجوا أن يجمعنا الله بك على الحقّ، وينفي عنّا بك الظلم، فأنت أحقّ بهذا الأمر من يزيد وأبيه الذي غصب الأمّة فيئها، وشرب الخمر ولعب بالقرود والطنابير، وتلاعب بالدين.

وكان ممّن كتب إليه سليمان بن صُرد والمسيّب بن نجبة ووجوه أهل الكوفة »(١) .

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢١٥.ويحسن هنا أن نُذكِّر، أنّ تعاطي معاوية الخمر ولعبه بالقرود والطنابير، وتلاعبه بالدين أمرٌ مفروغ منه ومسلّم به تأريخياً، وقد صرّح بذلك أحمد في مُسنده ٥: ٣٤٧، وابن عساكر في تأريخه ٧: ٢١١، وورد ذلك أيضاً في أُسد الغابة ٣: ٢٩٩، وتأريخ بغداد ٧:٢١٣، وقد جمعها العلاّمة الأميني في الغدير ١٠: ١٨٣، ومعاوية هو الذي وصفه عليٌّ عليه‌السلام بأنّه ( ظاهر غيّه ومهتوك ستره ) ، وقد علّق ابن أبي الحديد على هذا الوصف قائلاً: ( فأمّا قوله في معاوية: ( ظاهرٌ غيّه... ) ، فلا ريب في ظهور ضلاله وبغيه، وكلّ باغٍ غاوٍ، وأمّا (... مهتوك ستره ) ، فإنّه كان كثير الهزل والخلاعة، صاحب جُلساء وسُمّار، ومعاوية لم يتوقّر ولم يلزم قانون الرياسة إلاّ منذ خرج على أمير المؤمنين واحتاج إلى الناموس والسكينة، وإلاّ فقد كان في أيّام عثمان شديد الهتك، موسوماً بكلّ قبيح، وكان في أيّام عمر يستر نفسه قليلاً خوفاً منه، إلاّ أنّه كان يلبس الحرير والديباج، وكان حينئذ شابّاً وعنده نزق الصبا وأثر الشبيبة، وسكر السلطان والإمرة.

ونقل الناس عنه في كُتب السيرة، أنّه كان يشرب الخمر في أيّام عثمان في الشام، وأمّا بعد وفاة أمير المؤمنين واستقرار الأمر له فقد اختلف فيه، فقيل: إنّه شرب الخمر في ستر. وقيل: إنّه لم يشرب! ولا خلاف في أنّه سمع الغناء وطرب عليه، وأعطى ووصل عليه! ) (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٦: ١٦٠).

إذن؛ فمعاوية في تهتّكه وفسقه ليس بأقل من ابنه يزيد شهرة وافتضاحاً.

٣٣٦

إشارة:

لا يخفى على المتأمّل في محتوى الرسائل التي بعث بها أهل الكوفة إلى الإمامعليه‌السلام ، وفي تعبير ابن كثير: « ومعهما كتاب فيه السلام والتهنئة بموت معاوية » أنّ جوّاً نفسياً طافحاً بالابتهاج والفرحة عمَّ الشيعة في الكوفة لموت معاوية، الذي كان قد أذاقهم الويلات في جميع جوانب حياتهم، وجثم على صدورهم سنين عجاف طويلة مريرة، يخنق أنفاسهم ويُحصيها عليهم، ويرصد الشاردة والواردة من حركاتهم، ويُجرّعهم مرارة الفقر وعذاب مُكابدة حروبه في الداخل والخارج، وكان يُضاعف في فظاعة هذا الكابوس، وفي شوقهم إلى يوم الخلاص منه، أنّهم كانوا كلّما كاتبوا الإمامعليه‌السلام يدعونه إلى القيام والنهضة ردّ عليهم يوصيهم - لحكمته البالغة - بالتزام الصبر ومواصلة الانتظار مادام معاوية حيّاً، فلمّا مات معاوية شعر أهل الكوفة وكأنّهم أُطلقوا من عقال وأفاقوا، وقد تحرّرت ألسنتهم وأيديهم بعد أن زال عنهم ذلك الكابوس المطبق، فتباشروا فرحاً وتبادلوا التهاني والسرور بموت الطاغية، وأعينهم كقلوبهم تنظر بلهفة إلى ماذا سيفعل الإمامعليه‌السلام مُنتظرة إشارته.

لكنّ الصادقين منهم قليل؛ إذ كان الشلل النفسي ومرض ازدواج الشخصية، وحبّ الدنيا وكراهية الموت قد تفشّى في حياة هذه الأمّة، وكان بدء نشوئه في السقيفة وتعاظَمَ فيما بعدها، حتى نُكِسَ جُلُّ الناس على رؤوسهم، فصارت قلوبهم مع الإمامعليه‌السلام وسيوفهم عليه، فكان انقلابهم وتخاذلهم عن مواصلة النهضة مع مسلم بن عقيلعليه‌السلام ، ذلك الانقلاب الذي يُحارُ فيه المتأمّل المتدبّر ويذهل من سهولة وسرعة وقوعه! ثمَّ كانت نكسة هذه الأمّة الكبرى بقتلها الإمامعليه‌السلام في عاشوراء.

٣٣٧

دُفعة أُخرى من الرُسُل والرسائل!

قال الشيخ المفيد (ره): « ولبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب، وأنفذوا قيس بن مُسهَّر الصيداوي، وعبد الله وعبد الرحمان ابني شدّاد الأرحبي، وعمارة بن عبد الله السلولي، إلى الحسينعليه‌السلام ، ومعهم نحو مئة وخمسين صحيفة، من الرجل، والاثنين، والأربعة... »(١) .

ثمّ دُفعة أُخرى!

قال الشيخ المفيد (ره) أيضاً: « ثمَّ لبثوا يومين آخرين وسرّحوا إليه هاني بن هاني السبيعي(٢) ، وسعيد بن عبد الله الحنفي(٣) ، وكتبوا إليه: بسم الله الرحمن الرحيم.

للحسين بن عليّعليهما‌السلام من شيعته من المؤمنين والمسلمين:

أمّا بعدُ، فحيَّ هلاّ ًفإنّ الناس ينتظرونك، ولا رأي لهم في غيرك، فالعَجل العَجل، ثمّ العَجل العَجل، والسلام »(٤) .

ثمّ ما برحت الرسائل تترى على الإمامعليه‌السلام من أهل الكوفة « يسألونه القدوم عليهم، وهو مع ذلك يتأنّى ولا يُجيبهم، فورد عليه في يوم واحد ستّمئة كتاب، وتواترت الكُتب حتى اجتمع عنده منها في نُوَب مُتفرّقة اثنا عشر ألف كتاب »(٥) .

____________________

(١) الإرشاد: ٢٠٣ / وقد مضت ترجمة قيس في ص٦٩ - ٧٣، ومضى الكلام حول ابني الأرحبي، وكذلك السلولي في ص٤٢، فراجع.

(٢) هاني بن هاني السبيعي: مضى الكلام حوله في الفصل الأوّل ص٤٠.

(٣) سعيد بن عبد الله الحنفي: مضت ترجمته في الفصل الأول ص٤١.

(٤) الإرشاد: ٢٠٣ والبداية والنهاية ٨: ١٥٤، مع تفاوت يسير في الأسماء، وتاريخ اليعقوبي ٢: ٢٤١.

(٥) اللهوف: ١٠٥ / ويحسن أن نذكر هنا، أنّ صاحب كتاب (تذكرة الشهداء) كان قد نقل في =

٣٣٨

-

____________________

= ص٦٤ منه عن مقتل الإسفراييني رسالة من أهل الكوفة إلى الإمام الحسين عليه‌السلام ، يشكون إليه فيها جور يزيد! وتجبُّره على سائر البلاد! كما يشكون إليه عبيد الله بن زياد! وأنّه أظلم وأطغى! ويدعونه إلى القدوم عليهم، وأنّه أحقّ من يزيد وأبيه بالخلافة.

ويُلاحظ على نصّ هذه الرسالة ركّة تعابيرها، حتّى ليشكّ القارئ أنّها من إنشاء إنسان لا يُحسن العربية تماماً في أيّامنا هذه!!

كما يُلاحظ أنّ محتواها مُخالف لحقائق التأريخ؛ لأنّهم يشكون فيها جور يزيد وتجبّره، ولم يكن ليزيد والإمام عليه‌السلام في مكّة إلاّ أشهُر قليلة في الحُكم، ولم تتغيّر الأحوال على أهل الكوفة في هذه الأشهُر شيئاً ما يُذكر، بل العكس ربّما كان صحيحاً؛ لأنّ الوالي عليهم آنذاك النعمان بن بشير، كانت قبضته قد تراخت عليهم بعد موت معاوية، وأظهر ضعفاً واضحاً في إدارة أمورهم. هذا فضلاً عن أنّ ابن زياد لم يأتِ الكوفة، إلاّ بعد فترة من دخول مسلم بن عقيل عليه‌السلام إلى الكوفة لتعبئة أهلها.

والغريب في رواية هذه الرسالة، أنّها تحكي أنّ الإمام عليه‌السلام بعد أن قرأ الكتاب رماه من يده وطرد الرسول!

ولا ريب أنّ هذا ليس من أخلاق الإمام عليه‌السلام ، فلم يروِ التأريخ أنّ الإمام عليه‌السلام ألقى بكتاب أُرسِل إليه ولم يردّ عليه إلاّ كتاب ابن زياد الذي دعاه فيه إلى النزول لحُكمه وأمره فيه! هذا، ويحسن هنا أيضاً، أن نذكر أنّ الحائري في كتابه (معالي السبطين ١: ١٤٠) قد نقل - عن كتاب (التبر المذاب في المواعظ) للسيّد عبد الفتّاح بن ضياء الدين الأصفهاني (راجع: الذريعة ٣: ٣٧٢) - نصَّ رسالة من أهل الكوفة إلى الإمام الحسين عليه‌السلام - ولعلّ النقل بالمعنى - قال: ( كثرت عليه الكُتب، وتواترت عليه الرُّسل، وكتبوا إليه: إنّك إن لم تصلْ إلينا فأنتَ آثمٌ!! لوجود الأنصار على الحقّ وتمكّنك من القيام به، فإنّك أصله وعموده وأهله ومعدنه! ).

ولا يخفى على المتأمّل البصير ما في نصّ هذه الرسالة المدّعاة من تهافت! إذ كيف يأثم مَن هو أصل الحقّ وعموده وأهله ومعدنه؟! وهل يمكن لأحد من أهل الكوفة يؤمن - على الأقلّ - بأحقيّة الإمام عليه‌السلام بالخلافة، أو يؤمن بأنّه الإمام المفترض الطاعة، أن يتجاسر مثل هذه الجسارة، فيحكم عليه بالإثم إنْ لم يأتِ الكوفة؟! =

٣٣٩

ولقد روى السيّد ابن طاووس (ره)، نفس الرسالة التي حملها إلى الإمامعليه‌السلام هاني بن هاني السبيعي، وسعيد بن عبد الله الحنفي، ولكن بتفاوت وإضافة مُفصّلة، ويرى السيّد (ره) أنّ هذه الرسالة كانت آخر ما ورد على الإمامعليه‌السلام من أهل الكوفة، ولعلَّ من الأفضل أن ننقل متن هذه الرسالة أيضاً، كما رواها السيد ابن طاووس (ره)، وهي:

« بسم الله الرحمن الرحيم. للحسين بن عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام . أمّا بعد، فإنّ الناس ينتظرونك، لا رأي لهم غيرك، فالعَجل العَجل يا بن رسول الله، فقد اخضّرت الجنّات، وأينعت الثمار، وأعشبت الأرض، وأورقت الأشجار، فأقْدِم علينا إذا شئت، فإنّما تُقدم على جُند مُجنّدة لك، والسلام عليك ورحمة الله وعلى أبيك من قبلك »(١) .

دَور المنافقين في موجة الرسائل:

ركب المنافقون - والذين في قلوبهم مرض - موجة الرسائل التي بعث بها أهل الكوفة إلى الإمامعليه‌السلام ، فشاركوا فيها، أو كتبوا إليه مُستقلّين عن غيرهم، يدعونه أيضاً إلى القدوم عليهم، مُدّعين الطاعة له والاستعداد لنصرته!

روى السيّد ابن طاووس (ره) أنّ الإمامعليه‌السلام ، بعد أن قرأ الكتاب الذي حمله إليه هاني بن هاني وسعيد الحنفي سألهما قائلاً:

____________________

= نعم، ربّما يُحتمل أن تكون هذه الرسالة من إنشاء واحد أو أكثر من مُنافقي أهل الكوفة، غير أنّ من البعيد أن يوفّق المنافق إلى مثل هذا التعبير: فإنّك أصله - أي الحقّ - وعموده وأهله ومعدنه! أو لعلّها من إنشاء جاهل بمقام الإمام عليه‌السلام وموقفه. والله العالم.

(١) اللهوف: ١٠٦.

٣٤٠