أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم0%

أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 182

أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: الصفحات: 182
المشاهدات: 64341
تحميل: 6760

توضيحات:

أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 182 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 64341 / تحميل: 6760
الحجم الحجم الحجم
أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

أهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يبغضني إلاّ منافق ولا يُحبّني إلاّ مؤمن .(١)

و قد أعرب عن ذلك الإمام علي بن الحسينعليهما‌السلام في خطبته في جامع دمشق ، عند ما صعد المنبر وعرَّف نفسه فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ خطب خطبة أبكى منها العيون ، وأوجل منها القلوب ، ثمّ قال :

( أيّها الناس ! أُعطينا ستّاً وفُضِّلنا بسبع ، أعطينا : العلم ، والحلم ، والسماحة ، والفصاحة ، والشجاعة ، والمحبّة في قلوب المؤمنين ) .(٢)

ولا عجب في أنّه تبارك وتعالى سمّاهم كوثراً ، أي الخير الكثير ، وقال :(  إِنّا أَعْطَيْناكَ الكَوثر   ) قال الرازي : الكوثر أولاده ؛ لأنّ هذه السورة إنّما نزلت على مَن عابهعليه‌السلام بعدم الأولاد ، فالمعنى : أنّه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان فانظر كم قتل من أهل البيتعليهم‌السلام والعالم ممتلئ منهم ولم يبقَ من بني أُمية في الدنيا أحد يعبأ به ، ثمّ انظر كم كان فيها من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضاعليهم‌السلام .(٣)

إنّ محبّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام لم تكن محبّة نابعة من حبّه لنسَبه ، بل كان واقفاً على ما يبلغ إليه ولده الحسينعليه‌السلام في الفضل والكمال والشهادة في سبيله ، ونجاة الأمّة من مخالب الظلم ، والثورة على الظلم والطغيان وهناك كلام للعلاّمة المجلسي يقول :

إنّ محبّة المقرّبين لأولادهم وأقربائهم وأحبّائهم ليست من جهة الدواعي

____________________

١ - بحار الأنوار : ٤٥ / ١٣٨ .

٢ - تفسير الفخر الرازي :٣٢ / ١٢٤ .

٣ - تفسير الفخر الرازي : ٣٢ / ١٢٤ .

١٠١

النفسانية والشهوات البشرية ، بل تجرّدوا عن جميع ذلك وأخلصوا حُبَّهم ، ووُدَّهم للّه وحُبّهم لغير اللّه إنّما يرجع إلى حبّهم له ، ولذا لم يحبّ يعقوب من سائر أولاده مثل ما أحبّ يوسفعليه‌السلام منهم ، ولجهلهم بسبب حبّه له نسبوه إلى الضلال ، وقالوا : نحن عصبة ، ونحن أحقّ بأن نكون محبوبين له ؛ لأنّا أقوياء على تمشية ما يريده من أُمور الدنيا ، ففرط حبّه يوسف إنّما كان لحبّ اللّه تعالى له واصطفائه إيّاه ؛ فمحبوب المحبوب محبوبٌ .(١)

____________________

١ - سفينة البحار : ١ / ٤٩٦ ، مادة حبب .

١٠٢

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٣ - استجابة دعائهمعليهم‌السلام

الابتهال إلى اللّه وطلب الخير منه وطلب دفع الشرِّ ومغفرة الذنوب أمر مرغوب ، يقوم به الإنسان تارة بنفسه ، وأُخرى يتوصّل إليه بدعاء الغير .

واستجابة الدعاء رهن خرق الحجب والوصول إليه سبحانه ، حتى يكون الدعاء مصداقاً لقوله سبحانه :(  أُدْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ   ) (١) ، وليس كلّ دعاء مستجاباً وصاعداً إليه سبحانه ؛ فإنّ لاستجابة الدعاء شروطاً مختلفة قلّما تجتمع في دعاء الإنسان العادي .

نعم ، هناك أُناس مطهّرون من الذنوب يكون دعاؤهم صاعداً إلى اللّه سبحانه ومستجاباً قطعاً ، ولذلك حثَّ سبحانه المسلمين على التشرّف بحضرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطلب الاستغفار منه ، قال سبحانه :(  وَلَو أنّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أنفسهُمْ جاءُوكَ فاستغْفروا اللّه وَاسْتَغْفر لَهُمُ الرَّسُول لَوَجدوا اللّه تَوّاباً رَحيماً   ) .(٢)

وقال سبحانه :(  وَإِذا قيلَ لَهُمْ تَعالَوا يَسْتَغْفِر لَكُمْ رَسُول اللّه لَوّوا رُؤوسهُمْ

____________________

١ - غافر : ٦٠ .

٢ - آل عمران : ٦٥ .

١٠٣

وَرأيتهم يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ) (١)

ولذلك طلب أبناء يعقوب أباهم أن يستغفر في حقّهم :(  قالُوا يا أَبانا استَغْفِر لَنا ذُنُوبنا إنّا كُنّا خاطِئين   ) .(٢)

ويظهر ممّا جرى بين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووفد نجران من المحاجَّة والمباهلة أنّ أهل البيت إذ أمَّنوا لدعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُستجاب دعاءه ، فقد وفد نصارى نجران على الرسول وطلبوا منه المحاجَّة ، فحاجَّهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببرهان عقلي تشير إليه الآية المباركة : (  إِنَّ مَثل عيسى عِنْد َاللّه كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قال لَهُ كُنْ فَيَكُون   ) .(٣)

فقد قارعهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا البيان البليغ الذي لا يرتاب فيه ذو مرية ، حيث كانوا نصارى نجران يحتجّون ببنوة المسيح بولادته بلا أبٍ ، فوافاهم الجواب : ( بأنّ مثل المسيح كمثل آدم ، إذ لم يكن للثاني أب ولا أُمّ مع أنّه لم يكن ابناً للّه سبحانه ) وأولى منه أن لا يكون المسيح ابناً له .

ولمّا أُفحموا في المحاجّة التجأوا إلى المباهلة والملاعنة ، وهي وإن كانت دائرة بين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجال النصارى ، لكن عمَّت الدعوة للأبناء والنساء ، ليكون أولى على اطمئنان الداعي بصدق دعوته وكونه على الحقّ ؛ وذلك لما أودع اللّه سبحانه في قلب الإنسان من محبّة الأولاد والشفقة عليهم ، فتراه يقيهم بنفسه ويركب الأهوال والأخطار دونهم ، ولذلك قدَّم سبحانه في الآية المباركة الأبناء على النساء ، وقال :(  فَمَنْ حاجّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكََ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعالَوا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءُكُمْ وَنساءَنا ونساءكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنُفسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِل فَنَجْعَل لَعْنَة اللّه

____________________

١ - المنافقون : ٥ .

٢ - يوسف : ٩٧ .

٣ - آل عمران : ٥٩ .

١٠٤

عَلى الكاذِبين ) .

وحيث إنّه سبحانه أتى بلفظ الأبناء بصيغة الجمع يعرب عن أنّ طرف الدعوى لم يكن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحده ، بل أبناؤه ونساؤه ، ولذلك عدَّدتهم الآية ، نفس النبيّ ، ونساء النبيّ ، وأبناءه ، من بين رجال الأمّة ونسائهم وأبنائهم .

ثمّ إنّ المفسّرين قد ساقوا قصّة المباهلة بشكل مبسوط منهم صاحب الكشّاف ، قال : لما دعاهم إلى المباهلة ، قالوا : حتى نرجع وننظر ، فلّما تخالوا قالوا للعاقب ، وكان ذا رأيهم : يا عبد المسيح ما ترى ؟ فقال : واللّه لقد عرفتم يا معشر النصارى أنّ محمّداً نبيّ مرسل ، ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم ، واللّه ما باهل قوم نبياً قط ، فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ! ولئن فعلتم لتهلكنّ ، فإن أبيتم إلا إلفَ دينكم والإقامة على ما أنتم عليه ، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم .

فأتوا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد غدا محتضناً الحسين ، آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشى خلفه ، وعليّ خلفها ، وهو يقول :( إذا أنا دعوت فأمَّنوا ) .

فقال أُسقف نجران : يا معشر النصارى ! إنّي لأرى وجوهاً لو شاء اللّه أن يُزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها !! فلا تباهلوا فتُهلكوا ، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة ، فقالوا : يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك ، وأن نقرّك على دينك ، ونثبت على ديننا قال :( فإذا أبيتم المباهلة ، فأسلموا ، يكن لكم ما للمسلمين ، وعليكم ما عليهم ) .

١٠٥

فأبوا ، قال :( فانّي أُناجزكم ) ، فقالوا : ما لنا بحرب العرب طاقة ، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ، ولا تخيفنا ، ولا تردُّنا عن ديننا ، على أن نؤدي إليك كلّ عام ألفي حلّة ، ألف في صَفر ، وألف في رجب ، وثلاثين درعاً عادية من حديد ، فصالحهم على ذلك .

وقال : ( والذي نفسي بيده : إنّ الهلاك قد تدلّى على أهل نجران ، ولو لاعنوا لمُسِخوا قِرَدة وخنازير ، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً ، ولاستأصل اللّه نجران وأهله حتى الطير على رؤوس الشجر ، ولمَا حال الحول على النصارى كلّهم حتى يهلكوا ) .

وعن عائشة : أنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج وعليه مرط مرجل من شعر أسود ، فجاء الحسن فأدخله ، ثمّ جاء الحسين فأدخله ، ثمّ فاطمة ، ثمّ علي ، ثمّ قال : (  إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ   ) .(١)

الشاهد على استجابة دعائهم أمران :

أ - قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أنا دعوت فأمّنوا ، فكان دعاء النبيّ يصعد بتأمينهم ، وأيُّ مقام أعلى وأنبل من أن يكون دعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاعداً بفضل دعائهم .

ب - قول أُسقف نجران : ( إنّي لأرى وجوهاً لو شاء اللّه أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها ) والضمير يرجع إلى الوجوه ، أي لأزاله بدعائهم ولأزاله بالقسم على اللّه بهم ، وقد أيَّد القول الثاني ابن البطريق في ( العمدة ) ، حيث قال : المباهلة بهم تصدّق دعوى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد صار إبطال محاجَّة أهل نجران في القرآن الكريم بالقسم على اللّه بهم .(٢)

____________________

١ - الزمخشري : الكشاف : ١ / ٣٢٦- ٣٢٧ ، ط عام ١٣٦٧هـ .

٢ - العمدة : ٢٤٣ .

١٠٦

وقد تركت مباهلة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته أثراً بالغاً في نفوس المسلمين ، يشهد بها ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ،عن أبيه ، قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً ، فقال : ما يمنعك أن تسبَّ أبا تراب ؟ فقال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلن أسبَّه ، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم .

سمعت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه ، فقال له علي :يا رسول اللّه ، خلّفتني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبوّة بعدي ؟

و سمعته يوم خيبر ، يقول : لأُعطين الراية رجلاً يحبّ اللّه ورسوله ، ويحبّه اللّه ورسوله .

قال : فتطاولنا لها ، فقال : ادعوا لي عليّا ، فأُتي به أرمد العين ، فبصق في عينيه ، ودفع الراية إليه ، ففتح اللّه على يديه .

ولما نزلت هذه الآية :(  فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ   ) دعا رسول اللّه عليّاً وفاطمة وحسناً وحسينا ، وقال :اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي . (١)

____________________

١ - صحيح مسلم : ٧ / ١٢٠ ، باب فضائل علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

١٠٧

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٤ - ابتغاء مرضاة اللّه تعالى

الإنسان الكامل هو الذي لا يفعل شيئاً ولا يتركه إلاّ لابتغاء مرضاة اللّه تبارك وتعالى ، فيصل في سلوكه ورياضاته الدينيَّة إلى مكان تفنى فيه كلّ الدوافع والحوافز إلاّ داع واحد ، وهو طلب رضا اللّه تبارك وتعالى ، فإذا بلغ هذه الدرجة فقد بلغ الذروة من الكمال الإنساني ، وربَّما يبلغ الإنسان في ظلّ الرضا درجة لا يتمنّى وقوع ما لم يقع ، وعدم ما وقع ، وإلى ذلك المقام يشير الحكيم السبزواري بما في منظومته :

وبهجة بما قضى اللّه رضا

وذو الرضا بما قضى ما اعترضا

أعظم باب اللّه ، الرضا وُعي(١)

وخازن الجنّة رضواناً دُعي

فقرا على الغنى صبورٌ ارتضى

وذان سيّان لصاحب الرضا

عن عارف عمّر سبعين سنة

إن لم يقل رأساً لأشيا كائنة

يا ليت لم تقع ، ولا لما ارتفع

مماّ هو المرغوب ليته وقع(٢)

____________________

١ - إشارة إلى ما روي أنّ الرضا باب اللّه الأعظم .

٢ - شرح منظومة السبزواري : ٣٥٢ .

١٠٨

وممَّن يمثل ذلك المقام في الأمّة الإسلامية هو إمام العارفين وسيد المتّقين عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام فهو في عامة مواقفه في جهاده ونضاله ، وعزلته وقعوده في بيته ، وفي تسنّمه على منصَّة الخلافة بإصرار من الأمّة ، فهو في كلّ هذه الأحوال والمواقف ، لا همّ له إلاّ طلب رضوانه تعالى

و قد صرح الإمام بذلك عندما طلب منه تسلّم مقاليد الخلافة ، فقال : ( أما والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجّة بوجود الناصر ، وما أخذ اللّه على العلماء ألاّ يقارُّوا على كظّة ظالم ، ولا سغب مظلوم ، لألقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها ، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنزٍ ) .(١)

وقد تجلّت هذه الخصلة في عليّعليه‌السلام حين مبيته في فراش النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

روى المحدّثون أنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أراد الهجرة خلّف عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام بمكّة لقضاء ديونه وردّ الودائع التي كانت عنده ، وأمره ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له :يا عليّ ، اتَّشح ببردي الحضرمي الأخضر ، ثمّ نم على فراشي ، فانّه لا يخلص إليك منهم مكروه ، إن شاء اللّه عزّ وجلّ .

ففعل ذلكعليه‌السلام فأوحى اللّه عزّ وجلّ إلى جبرئيل وميكائيلعليهما‌السلام : إنّي قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر ، فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة ، فاختار كلاهما الحياة ، فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليهما : ألا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب ، آخيت بينه وبين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنام على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة ، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوّه ، فنزلا فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه .

____________________

١ - نهج البلاغة : الخطبة ٣ .

١٠٩

فقال جبرئيل :بخٍ بخٍ مَن مثلك يا بن أبي طالب يباهي اللّه بك الملائكة ؟! فأنزل اللّه تعالى على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو متوجِّه إلى المدينة في شأن علي بن أبي طالبعليه‌السلام :(  وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْري نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّه ) (١)

وقد نقل غير واحد نزول الآية في حقّ عليّعليه‌السلام .

وقال ابن عبّاس : أنشدني أمير المؤمنين شعراً قاله في تلك الليلة :

وقيت بنفسي من وطىَ الحصى

وأكرم خلق طاف بالبيت والحجر

وبتَّ أراعي منهم ما يسوءني

وقد صَّبرت نفسي على القتل والأسر

وبات رسول اللّه في الغار آمناً

ومازال في حفظ الإله وفي الستر(٢)

وإلى هذه الفضيلة الرابية وغيرها يشير حسّان بن ثابت في شعره عند مدح عليّعليه‌السلام :

من ذا بخاتمه تصدَّق راكعا

وأسرّها في نفسه إسرارا

من كان بات على فراش محمّد

ومحمد أسرى يوَم الغارا

من كان في القرآن سمّي

في تسع آيات تلين غزارا(٣)

محاولة طمس الحقيقة لولا !

إنّ عظمة هذه الفضيلة وأهمية هذا العمل التضحويّ العظيم دفعت بكبار علماء الإسلام إلى اعتبارها واحدة من أكبر فضائل الإمام عليّعليه‌السلام وإلى أن

____________________

١ - البقرة : ٢٠٧ .

٢ - شواهد التنزيل : ١ / ١٣٠ أُسد الغابة : ٤ / ٢٥ .

٣ - سبط ابن الجوزى : تذكرة الخواصّ : ٢٥ ، ط عام ١٤٠١هـ .

١١٠

يَصِفُوا بها علياً بالفداء والبذل والإيثار ، وإلى أن يعتبروا نزول الآية المذكورة في شأنه من المسلّمات ، كلّما بلغ الحديث في التفسير والتاريخ إليها .(١)

إنّ هذه الحقيقة ممّا لا ينسى أبداً ، فانّه من الممكن إخفاء وجه الواقع والتعتيم عليه بعض الوقت إلاّ أنّه سرعان ما تمزّق أشعةُ الحقيقة الساطعة حجبَ الأوهام ، وتخرج شمس الحقيقة من وراء الغيوم .

إنّ معاداة معاوية لأهل بيت النبوة وبخاصة للإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ممّا لا يمكن النقاش فيه .

فقد أراد هذا الطاغية من خلال تطميع بعض صحابة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يلوّث صفحات التاريخ اللامعة ويخفي حقائقه بوضع الأكاذيب ، ولكنّه لم يحرز في هذا السبيل نجاحاً .

فقد عمد (سمرة بن جندب ) الذي أدرك عهد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ انضمّ بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى بلاط معاوية بالشام ، عمد إلى تحريف الحقائق لغاية أموال أخذها من الجهاز الأموي ، الحاقد على أهل البيت .

فقد طلب منه معاوية بإصرار أن يرقى المنبر ويكذّب نزول هذه الآية في شأن عليّعليه‌السلام ، ويقول للناس أنّها نزلت في حقّ قاتل عليّ ( أي : عبد الرحمن بن ملجم المرادي) ، ويأخذ في مقابل هذه الأكذوبة الكبرى ، وهذا الاختلاق الفضيع الذي أهلك به دينه ، مئة ألف درهم .

فلم يقبل (سمرة) بهذا المقدار ولكن معاوية زاد له في المبلغ حتى بلغ أربعمئة ألف درهم ، فقبل الرجل بذلك ، فقام بتحريف الحقائق الثابتة ، مسوَّداً

____________________

١ - الغدير : ٢ / ٤٨ .

١١١

بذلك صفحته السوداء أكثر من ذي قبل ، وذلك عندما رقى المنبر وفعل ما طلب منه معاوية .(١)

وقبل السامعون البسطاء قوله ، ولم يخطر ببال أحد منهم أبداً أنّ (عبد الرحمن بن ملجم) اليمنيّ لم يكن يوم نزول الآية في الحجاز بل لعلّه لم يكن قد وُلِد بعد آنذاك فكيف يصحّ ؟!

ولكن الحقيقة لا يمكن أن تخفى بمثل هذه الحجب الواهية ، ولا يمكن أن تُنسى بمثل هذه المحاولات العنكبوتية الرخيصة .

فقد زالت حكومة معاوية وزال معها أعوانها ، واندثرت آثار الاختلاق والافتعال الذي وقع في عهدها المشئوم ، وطلعت شمس الحقيقة من وراء حُجبُ الجهل والافتراء مرّة أُخرى ، واعترف أغلبُ المفسّرين الأجلّة والمحدّثين الأفاضل - في العصور والأدوار المختلفة - بأنّ الآية المذكورة نزلت في ( ليلة المبيت ) في بذل عليّعليه‌السلام ومفاداته النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه .

____________________

١ - لاحظ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٤ / ٧٣ .

١١٢

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٥ - الإيثار

إنّه سبحانه تبارك وتعالى وصف الإيثار في كتابه الكريم وهو من صفات الكرام حيث يقدِّمون الغير على أنفسهم ، يقول سبحانه في وصف الأنصار :(  وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ   ) .(١)

كما أنّه سبحانه أمر بالوفاء بالنذر ، قال سبحانه :(  ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نذرٍ فَإنَّ اللّهَ يعلمهُ   ) (٢) ، وقال سبحانه :(  ثُمَّ لْيقضُوا تَفثهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورهُمْ   ) (٣)

وفي الوقت نفسه ندب إلى الخوف من عذابه يقول سبحانه :(  يَخافُونَ يَوماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوب وَالأبْصار   ) (٤) ، وقال سبحانه :(  وَالّذِينَ يصلُونَ ما أَمَر اللّه بهِ

١ - الحشر :٩ .

٢ - البقرة : ٢٧٠ .

٣ - الحجّ : ٢٩ .

٤ - النور : ٣٧ .

١١٣

أَنْ يُوصل وَيَخشونَ ربّهم ويخافُونَ سُوء الحِساب   ) .(٥)

ما ذكرنا من الصفات الثلاث هي من أبرز الصفات التي يتحلّى بها أولياؤه سبحانه ، ونجد هذه الصفات مجتمعة في أهل البيتعليهم‌السلام في سورة واحدة ، يقول سبحانه :

(  يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطيراً * وَيطعِمُونَ الطَّعام عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسيراًً * إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّه لا نُريدُ مِنْكُمْ جزاءً وَلا شكوراً * إِنَّا نَخاف مِنْ رَبِّنا يَوماً عَبُوساً قَمْطَريراً   ) .(١)

فقوله سبحانه : (  ويُطْعِمُونَ الطَّعام عَلى حُبِّه   ) إشارة إلى إيثارهم الغير على أنفسهم ، والضمير في(  عَلى حُبِّهِ   ) يرجع إلى الطعام ، أي إنّهم مع حبّهم للطعام قدَّموا المسكين على أنفسهم ، كما أنّ قوله :(  يُوفُونَ بِالنَّذْر   ) إشارة إلى صلابتهم في طريق إقامة الفرائض .

ثمّ قوله :(  وَيَخافُونَ يَوماً   ) إشارة إلى خوفهم من عذابه سبحانه يوم القيامة .

وقد نقل أكثر المفسّرين - لو لم نقل كلّهم - أنّ الآيات نزلت في حقّ أهل البيتعليهم‌السلام

رُوي عن ابن عبّاس (رض) : أنّ الحسن والحسينعليهما‌السلام مرضا فعادهما رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أُناس معه ، فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك ، فنذر عليّ وفاطمة وفضّة جارية لهما : إن شفاهما اللّه تعالى أن يصوموا ثلاثة أيام ، فشفيا وما معهم

١ - الرعد : ٢١

٢ - الإنسان : ٧ - ١٠ .

١١٤

شيء ، فاستقرض عليعليه‌السلام من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير ، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم ووضعوها بين أيديهم ليفطروا ، فوقف عليهم سائل ، فقال : السلام عليكم أهل بيت محمّد ، مسكين من مساكين المسلمين ، أطعموني أطعمكم اللّه من موائد الجنّة ، فآثروه وباتوا ولم يذوقوا إلاّ الماء وأصبحوا صائمين فلماّ أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه وجاءهم أسير في الثالثة ، ففعلوا مثل ذلك .

فلما أصبحوا أخذ عليّعليه‌السلام بيد الحسن والحسينعليهما‌السلام و دخلوا على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلماّ أبصرهم ، وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع ، قال :ما أشدّ ما يسوءني ما أرى بكم ، وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها وغارت عيناها فساءه ذلك .

فنزل جبرئيلعليه‌السلام و قال :خذها يا محمّد هنّأك اللّهُ في أهل بيتك ، فاقرأها السورة .(١)

روى السيوطي في الدر المنثور ، وقال : اخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس في قوله :(  وَيطعِمُونَ الطَّعام عَلى حُبِّهِ   ) الآية ، قال : نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .(٢)

ورواه الثعلبي في تفسيره ، وقال : نزلت في عليّ بن أبي طالب و فاطمةعليهما‌السلام وفي جاريتهما فضّة ، ثمّ ذكر القصّة على النحو الذي سردناه لكن بصورة مبسطة .

وقال : وذهب محمّد بن علي ، صاحب الغزالي ، على ما ذكره الثعلبي في كتابه

١ - الكشّاف : ٣ / ٢٩٧ تفسير الفخر الرازي : ٣٠ / ٢٤٤ .

٢ - الدر المنثور :٨ / ٣٧١ ، تفسير سورة الإنسان .

١١٥

المعروف ب- (البلغة ) أنّهمعليهم‌السلام نزلتعليهم‌السلام مائدة من السماء فأكلوا منها سبعة أيّام ، وحديث المائدة ونزولها عليهم في جواب ذلك مذكور في سائر الكتب .(١)

وقد سرد سبب نزول هذه الآية في حقّ أهل البيتعليهم‌السلام غير واحد من أئمّة الحديث .(٢)

١ - ابن البطريق : العمدة : ٢ / ٤٠٧ - ٤١٠ .

٢ - شواهد التنزيل للحافظ الحاكم الحَسَكاني :٢ / ٤٠٥ - ٤٠٨ أُسد الغابة : ٥ / ٥٣٠ مناقب ابن المغازلي : ٢٧٢ .

١١٦

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٦ - هم خير البريّة

إنّ خير الناس في منطق القرآن الكريم من آمن باللّه ورسوله وعرف خالقه ومنعمه ، وقد قال سبحانه :(  لَيْسَ البِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهكُمْ قِبَل الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ وََالمَلائِكَةِ وَالكِتابِ وَالنَّبِيّينَ وَآتَى المالَ عَلى حُبّهِ ذَوِي القُربَى وَاليَتامَى وَالْمَساكينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسّائلينَ وَفِي الرِّقابِ و أقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عَاهَدُوا وَالصَّابِرينَ فِي البَأْساءِ والضَّرّاءِ وحِينَ البَأْس أُولئكَ الّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ الْمُتَّقُون   ) .(١)

وهذه الصفات المذكورة في الآية تجدها ، متمثّلة في أهل البيتعليهم‌السلام شهد على ذلك سيرتهم ، ولذلك صاروا خير البرية

أخرج الطبري في تفسير قوله سبحانه :(  إِنَّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحات أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة   ) (٢) ، بإسناده عن أبي الجارود ،عن محمّد بن علي ، قال :

١ - البقرة : ١٧٧ .

٢ - البيّنة : ٧ .

١١٧

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(أنت يا عليّ وشيعتك) .(١)

روى الخوارزمي عن جابر قال : كنّا عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأقبل عليّ بن أبي طالب ، فقال رسول اللّه :( قد أتاكم أخي ) ثمّ التفت إلى الكعبة فضربها بيده ، ثمّ قال :( والذي نفسي بيده ! إنّ هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة ) ، ثمّ قال :( إنّه أوّلكم إيماناً معي ، وأوفاكم بعهد اللّه ، وأقومكم بأمر اللّه ، وأعدلكم في الرعيّة ، وأقسمكم بالسوّية ، وأعظمكم عند اللّه مزيّة ) ، قال : وفي ذلك الوقت نزلت فيه :(  إِنَّ الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحات أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ البَرِيَّة   ) ، وكان أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أقبل عليّ ، قالوا : قد جاء خير البرية .(٢)

وروى أيضاً من طريق الحافظ ابن مردويه ، عن يزيد بن شراحيل الأنصاري ، كاتب عليّعليه‌السلام ، قال سمعت عليّاً ، يقول :( حدَّثني رسول اللّه وأنا مُسْنده إلى صدري ، فقال : أي عليّ ! ألم تسمع قول اللّه تعالى : (  إِنَّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحات أُولئكَ هُمْ خَيْرُ البَرِيَّة   ) ؟! أنت وشيعتك ، وموعدي وموعدكم الحوض ، إذا جاءت الأمم للحساب تُدعون غرّاً محجّلين ) (٣)

وأرسل ابن الصباغ المالكي في فصوله عن ابن عبّاس ، قال : لمّا نزلت هذه الآية ، قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام :( أنت و شيعتك ، تأتي يوم القيامة أنت وهم راضين مرضيّين ، ويأتي أعداؤك غضاباً مقمحين ) .(٤)

١ - تفسير الطبري :٣٠ / ١٤٦ .

٢ - المناقب للخوارزمي : ٦٦ .

٣ - المناقب للخوارزمي :١٧٨ .

٤ - الفصول : ١٢٢ .

١١٨

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٧ - أهل البيتعليهم‌السلام ورثة الكتاب

اختلفت الأمة الإسلامية بعد رحيل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمر الخلافة - وإن كان اللائق بها عدم الاختلاف فيها ؛ للنصوص الصحيحة الصادرة عنه في مختلف الموارد - وقد استقصينا البحث فيها في مبحث الإمامة من هذا الجزء .

والذي نركِّز عليه في هذا البحث هو تبيين المرجع العلمي بعد رحيله - سواء أكانت الخلافة لمن نصَّ عليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم الغدير أو من اختاره بعض الصحابة في سقيفة بني ساعدة .

والمراد من المرجع العلمي مَن ترجع إليه الأمّة في أُصول الدين وفروعه ، ويصدر عنهم في تفسير القرآن وتبيين غوامضه ، ويستفهم منه أسئلة الحوادث المستجدَّة .

يقول سبحانه :(  وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ * ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ

١١٩

الْكَبِيرُ   ) .(١)

المراد من الكتاب في قوله :(  أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ   ) ، هو القرآن بلا شكّ ، وكونه حقّاً لأجل براهين قطعية تُثبت أنّه منزّل من ربّه ، فإنّ قوانينه تنسجم مع الفطرة الإنسانية ، والقصص الواردة فيها مصونة من الأساطير ، والمجموع خالٍ من التناقض إلى غير ذلك من القرائن الدالة على أنّه حقّ ومع ذلك هو مصدِّق لما بين يدي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الكتاب السماوي هذا هو مفاد الآية الأولى .

ثمّ إنّه سبحانه يقول :(  ثُمَّ أَورَثْنا الكتابَ   ) المراد من الكتاب هو القرآن : لأنَّ الّلام للعهد الذِّكري ، أي الكتاب المذكور في الآية المتقدِّمة ، والوراثة عبارة عمّا يستحصله الإنسان بلا مشقّة وجهد ، والوارث لهذا الكتاب هم الذين ُأشير إليهم بقوله :(  الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا   ) ، فلو قلنا بأنّ(  مِن   ) للتبيين فيكون الوارث هو الأمّة الإسلامية جميعاً ، ولو قلنا : إنّ( مِن ) للتبعيض فيكون الوارث جماعة خاصة ورثوا الكتاب .

والظاهر هو التبيين كما في قولنا :(  وَسَلامٌ عَلى عِبادِه الّذينَ اصْطَفى   ) (٢) ، ولكن الأمّة الإسلامية صاروا على أقسام ثلاثة :

أ -ظالم لنفسه ، الَّذين قصَّروا في وظيفتهم في حفظ الكتاب والعمل بأحكامه ، وفي الحقيقة ظلموا أنفسهم ، فلذلك صاروا ظالمين لأنفسهم .

ب -مقتصد ، الذين أدُّوا وظيفتهم في الحفظ و العمل لكن لا بنحوٍ كامل ،

١ - فاطر : ٣١ - ٣٢ .

٢ - النمل : ٥٩ .

١٢٠