مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء ٤

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة0%

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 477

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ عزت الله المولائي والشيخ نجم الدين الطبسي
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الصفحات: 477
المشاهدات: 229206
تحميل: 6953

توضيحات:

الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 229206 / تحميل: 6953
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء 4

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة مركز الدراسات الإسلاميّة

التابع لممثليّة الوليّ الفقيه في حرس الثورة الإسلامية

« عاشوراء... قراءة في أهمّ أسباب العَظمة والخلود »

الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره ودليلاً على نِعَمه وآلائه، والصلاة والسلام على أشرف الخلائق محمد وآله الطيبين الطاهرين.

لم تزَل واقعة عاشوراء - منذ سنة إحدى وستّين للهجرة - تتعاظم أهميّة وشأناً عاماً بعد عام، وتتسامى قدراً وقداسة، ويزيد ذكرها ولا يبيد، ويمتدّ عزاء الحسينعليه‌السلام انتشاراً في شرق الأرض وغربها.

وتشغل هذه الظاهرة أذهان الكثيرين، ولعلّ أهم ما يتبادر إلى ذهن المتأمّل فيها من أسباب عظمة وخلود هذه الواقعة:

أوّلاً: في وقعة عاشوراء كان قد سُفك (الدم المقّدس)، دم ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وابن سيّد الأوصياءعليه‌السلام ، وابن سيّدة النساءعليها‌السلام ، وأحد سيّدي شباب أهل الجنّةعليهما‌السلام ، وبقيّة أهل آية التطهير، وسورة هل أتى، دمٌ(سكنَ في الخُلد،

٣

فيهنّ وما بينهنّ، ومَن يتقلّب في الجنّة والنار من خَلْق ربّنا، وما يُرى وما لا يُرى...) (١) .

إنَّ قداسة الإمام الحسينعليه‌السلام (المثل الأعلى) في ضمير ووجدان الأمّة، هي التي أسبغت على عاشوراء كلَّ هذه القداسة وهذه الرمزيّة في الزمان فكان(كلُّ يوم عاشوراء) ، وهي التي نشرت كربلاء على كلّ الأرض عنواناً لميدان انتصار دم الحقّ على سيف الباطل، فكانت(كلّ أرض كربلاء) ، فبهِعليه‌السلام صارت فاجعة عاشوراء(مصيبة ما أعظمها وأعظم رزيّتها في الإسلام وفي جميع السماوات والأرض!) (٢) ، ولولاهعليه‌السلام ؛ لكانت وقعة الطفّ - بكلّ ما غصّت به من فجائع أليمة - مأساة يذكرها الذاكر، فيأسف لها كما يأسف لكثير من وقائع التاريخ الأليمة الأخرى المقيّدة بحدود الزمان والمكان.

ثانياً: كانت كربلاء يوم عاشوراء مسرحاً لمواجهة فريدة من كلّ جهة في عالَم الإنسان، بين ذروة الفضيلة بكلّ مناقبيّتها متمثّلة بالحسينعليه‌السلام وأنصاره الكرام، وبين وهْدة الرذيلة بكلّ انحطاطها متمثّلة في جيش أعدائه، فكانت جميع وقايع عاشوراء تحكي من وجهٍ حركة الفضيلة بأرقى ما تستطيع أن تقدّمة من مُثُل عُليا في الأخلاق الحميدة السامية؛ تصديقاً لحجّتها الواضحة الدامغة، ولحقّانيتها في الصراع، ولمظلوميتها من كلّ جهة، وتجسيداً للأسوة الحسنة الخالدة، كي ما يتأسّى بها أهل الحقّ والإيمان على مدى الأجيال إلى قيام الساعة.

وكانت وقايع عاشوراء تحكي أيضاً من وجهٍ آخر: حركة الرذيلة بأحطّ ما يمكن أن يصدر عنها من مثَل سيّئ، كاشف عن باطلها في الصراع، وعن جَورها وظلمها، وعن وحشيّتها التي طغت حتّى على ما تعوّدته الوحوش الكواسر.

____________________

(١) كامل الزيارات: ٢١٨ باب ٧٩ رقم ٢، نشر مكتبة الصدوق - طهران.

(٢) فقرة من زيارة عاشوراء المشهورة - راجع: مفاتيح الجنان: ص٤٥٧، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

٤

من هنا كانت (عاشوراء) مثلاً أعلى للإنسان المسلم وغير المسلم، في المواجهات بين الحقّ والباطل، وكان الحسينعليه‌السلام نبراساً للإنسانيّة جمعاء، يفخر بالانتساب إليه والإقتداء به كلّ ثائر للحقّ مطالب به.

ثالثاً: وكانت كربلاء في يوم عاشوراء أيضاً مسرحاً لـ (واقعة حاسمة) بين الإسلام المحمديّ الخالص، وبين حركة النفاق بكلّ فصائلها، واقعة حاسمة من كلّ جهة وبلا حدود.

واقعة لم تنتهِ بنصر حاسم محدود كما انتهت (الجَمل)، ولم تنتهِ كما انتهت (صِفّين) بلا حسْم! بل انتهت بكلّ نتائجها لصالح الإسلام المحمديّ الخالص ولو بعد حين، وأعادت جميع مساعي حركة النفاق التي امتدّت خمسين سنة إلى نقطة الصفر؛ وذلك حيث استطاعت عاشوراء - التي أُريق فيها الدّم المقدّس - أن تفصل تماماً بين (الإسلام الأموي) وبين الإسلام المحمديّ الخالص، وأفقدت الحكم الأمويّ وريث حركة النفاق - بارتكابه حماقة سفك الدم المقدّس - قدرته على التلبّس بلباس الحقّ، وتضليل الأمّة على الصعيد الديني والنفسي والإعلامي، وهذا من أوضح آفاق الفتح الحسينيّ في عاشوراء، فلو لم تكن واقعة كربلاء لكان الأمويّون قد واصلوا حكم الناس باسم الدين، حتّى يترسّخ تماماً في أذهان الناس بمرور الأيّام والسنين، أنّه ليس هناك إسلام غير الإسلام الذي يتحدّث به الأمويّون ويؤخذ عنهم! وعلى الإسلام السلام!

لهذا كشفت عاشوراء عن وحدة وجودية لا انفكاك لها بين الإسلام المحمديّ الخالص وبين الحسينعليه‌السلام ، فصارت الدعوة إلى الإسلام بعد عاشوراء هي عين الدعوة إلى الحسينعليه‌السلام ، وبالعكس، وصارت مواجهة الحسينعليه‌السلام ومعاداته بعد عاشوراء هي عين مواجهة هذا الإسلام ومعاداته، وبالعكس، وصار بقاء الإسلام بعد كربلاء ببقاء عاشوراء الحسينعليه‌السلام ، فالإسلام محمّديّ الوجود

٥

حسينيّ البقاء!

رابعاً: إذا نظرنا إلى قيام الإمام الحسينعليه‌السلام في إطار الدَور العام(١) المشترك لأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ؛ لرأيناه متمّماً لكلّ مواقف الإمام أمير المؤمنين عليّ والإمام الحسنعليهما‌السلام ، وجهودهما في الحفاظ على الإسلام نقيّاً خالصاً من كلّ شائبة وعالقة ليست منه، أرادت حركة النفاق أن تلصقها به، ومن كلّ نقص عَمدت هذه الحركة إلى إحداثه فيه.

أمّا بعد قيام الإمام الحسينعليه‌السلام ، فإنَّ جميع الأئمّة من بعدهعليهم‌السلام - في إطار هذا الدور العام المشترك - متمّمون لأهداف هذا القيام المقدّس، ومن هنا يمكننا النظر إلى قيامهعليه‌السلام وكأنّه مؤلَّف من مقاطع زمانية ثلاثة:

١ - مقطع عاشوراء: ويقوده الإمام الحسينعليه‌السلام نفسه، ويبدأ برفضه البيعة ليزيد، ثمّ بخروجه من المدينة إلى مكّة، ثمّ من مكّة إلى كربلاء، وينتهي باستشهادهعليه‌السلام .

٢ - مقطع ما بعد عاشوراء إلى عاشوراء الظهور: ويبدأ مباشرة بعد استشهادهعليه‌السلام ، ويمتدّ هذا المقطع طويلاً حتى ظهور الإمام المهديّعليه‌السلام في يوم عاشوراء، ويقود هذا المقطع تباعاً الأئمّة التسعة من ذريّة الحسينعليه‌السلام ، ويلاحِظ المتأمّل في هذا المقطع أنّ أهمّ معالم دورهم العام المشترك - إضافة إلى حفظ الإسلام ونشر وتبيان عقائده ومعارفه وأحكامه - أنّهمعليهم‌السلام كانوا يركزّون تركيزاً مكثّفاً على توجيه الأمّة إلى الارتباط بالحسينعليه‌السلام ، ويحضّون الناس على البكاء عليه، ويَدعون الشعراء إلى إنشاد الشعر فيه وإبكاء الناس، وتهييج أحزان

____________________

(١) لأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام دَور عام يشتركون جميعاً في السعي إلى تحقيقه، بالرغم من تفاوت الظروف السياسية والاجتماعية التي يمرّون بها، كمثل مسؤوليتهم جميعاً في الحفاظ على الرسالة الإسلاميّة من كلّ تحريف، كما أنَّ لكلّ منهم دَوراً خاصاً به، تحدّده طبيعة الظروف السياسية والاجتماعية التي يعيشها كلٌّ من الإسلام والإمام والأمّة.

٦

يوم الطفوف(١) ، ويؤكّدون تأكيدات متلاحقة ومبرمة على زيارة الحسينعليه‌السلام ، حتى مع التيقّن من خطر انتقام السلطات الظالمة(٢) !

ولنتبرّك بذكر بعض الشواهد الشريفة:

* قول الإمام السجّادعليه‌السلام :(أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن عليّ دمعة حتى تسيل على خدّه، بوّأه الله بها في الجنّة غُرفاً يسكنها أحقاباً...) (٣) .

* وقول الإمام الصادقعليه‌السلام :(كلّ الجزع والبكاء مكروه، سوى الجزع والبكاء على الحسين عليه‌السلام ) (٤) .

وقولهعليه‌السلام :(ما من أحدٍ قال في الحسين شِعراً فبكى وأبكى به، إلاّ أوجب الله له الجنّة وغفر له) (٥) .

وقول الإمام الرضاعليه‌السلام :(إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبلَ دموعنا، وأذلّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون، فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام) (٦) .

* وقولهعليه‌السلام :(مَن ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة، ومَن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه، جعلَ الله عزّ وجلّ يوم القيامة يوم فرحه وسروره، وقرّت بنا في الجنان عينه...) (٧) .

* وقولهعليه‌السلام :(يا بن شبيب، إن سَرَّك أن تلقى الله عزّ وجلّ ولا ذنب عليك فزُر الحسين عليه‌السلام ، يا بن شبيب، إن سَرّك أن تسكن الغرف المبنيّة في الجنّة مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فالعَن قَتَلة الحسين، يا بن شبيب، إن سَرّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لِمن استشهدَ مع الحسين فقل متى ما ذكرتهُ: يا ليتني كنتُ معهم فأفوز فوزاً

____________________

(١) ورد في الزيارة الجوادية للإمام الرضاعليه‌السلام :(السلام على الإمام الرؤوف الذي هيّج أحزان يوم الطفوف) ، راجع: البحار: ١٠٢: ٥٥.

(٢) راجع: البحار: ١٠١، باب أنّ زيارته واجبة مفترَضة مأمور بها... وأنّها لا تُترك للخوف.

(٣) - (٧) راجع: البحار: ٤٤، ثواب البكاء على مصيبته.

٧

عظيماً).

* وقولهعليه‌السلام :(نَفَسُ المهموم لظُلمنا تسبيح، وهمّه لنا عبادة، وكتمان سرّنا جهاد في سبيل الله) (١) .

* وقول الإمام الباقرعليه‌السلام في زيارة عاشوراء:(.. فأسأل الله الذي أكرم مقامك وأكرمني بكَ أن يرزقني طلب ثأرك مع إمام منصور من أهل بيت محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ... وأن يرزقني طلب ثأركم مع إمام هدىً ظاهر ناطق بالحقّ منكم...) (٢) .

وكأنّهمعليهم‌السلام - من خلال هذه المتون وكثير غيرها - يريدون أن يُفهِموا الأمّة أنّ الأصل عندهم هو: القيام لله بوجه الظلم والانحراف، إذا تهيّأت لهم العدّة المطلوبة(٣) من نوع (الإنسان الحسينيّ)، وأنّ صناعة وصياغة الإنسان الحسينيّ - وهو المؤمن - المسلِّم لأمر أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، الشجاع، الحرّ، الأبيّ، البصير، الصلب، القاطع، المتأسّي بمناقبية الحسينعليه‌السلام وأنصاره الكرام، لا تكون ولا تتمّ إلاّ في (مصنع عاشوراء).

٣ - مقطع عاشوراء الظهور: ويقود هذا المقطع الطالب بدم المقتول بكربلاء، ثائر الحسين، الإمام المهدي (عجّل الله فرَجه) حين تجتمع إليه العدّة المقرّرة من خاصة أنصاره، ويبدأ بخروجه يوم عاشوراء، والكون يومذاك متوشِّح بأثواب الحزن على جدّه سيّد الشهداءعليه‌السلام ، وأهل الولاء في ذروة الكآبة والأسى والجزع والبكاء، قد انتشروا في مآتم الحسينعليه‌السلام ، أو انتظموا في مواكب العزاء، فتغمر فُجاءة النبأ السارّ المدهش - بظهور القائمعليه‌السلام - قلوب محبّيه ومواليه وشيعته بفرحة نشوى، بعد أن آدَها الغمّ

____________________

(١) راجع البحار: ٤٤، باب ثواب البكاء على مصيبته.

(٢) من فقرات زيارة عاشوراء المشهورة، راجع: مفاتيح الجنان: ص٤٥٦ - ٤٥٧.

(٣) راجع: الجزء الأوّل: الإمام الحسينعليه‌السلام في المدينة المنوّرة: ص٢١٣ - ٢١٦، عنوان: القيام عند أهل البيتعليهم‌السلام .

٨

والهمّ والحزن، وأرهَقها طول الغَيبة وانتظار الفرج، فتزحف كتائبه من جنود الأرض والسماء بشعار(يا لثارات الحسين) ، ويسير في الأرض يفتح البلاد بعد البلاد بعنوان الحسينعليه‌السلام ، ويقتل ذراري قَتلة الحسينعليه‌السلام - لرضاهم بفعال آبائهم - ويقتل الطغاة بعد الطغاة، والجبابرة بعد الجبابرة، حتى يُحقق الفتح العالميّ، ويملأ الأرض قِسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجَوراً.

فما أعظم بركة عنوان الحسينعليه‌السلام في كلّ شيء!

وما أعظم عاشوراء الحسينعليه‌السلام بدءً ومنتهى!

* * * *

وبعدُ، فهذا الكتاب(الإمام الحسين عليه‌السلام في كربلاء) ، هو الجزء الرابع من دراستنا التاريخية التفصيليّة الموسّعة(مع الركب الحسينيّ من المدينة إلى المدينة) ، وهذا الجزء يمثّل المقطع الرابع من مقاطع هذه الدراسة، ويختصّ بتاريخ فترة وجود الإمامعليه‌السلام في كربلاء حتّى استشهاده.

وقد تشاطر حَمل عِبء هذا الجزء اثنان من مجموعة محقّقي هذه الدراسة، هما:

١ - الشيخ المحقّق عزّت الله المولائي: واختصّ ببحث تاريخ فترة وجود الإمام الحسينعليه‌السلام في كربلاء إلى ما قبل صبيحة يوم عاشوراء، وله الفصلان الأوّل والثاني من هذا الجزء الرابع.

٢ - الشيخ المحقّق محمّد جعفر الطبسي: واختصّ ببحث تاريخ وقائع يوم عاشوراء من شهر المحرّم سنة إحدى وستين للهجرة، حتى استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام وانتهاء المعركة، وله الفصلان الثالث والرابع من هذا الجزء الرابع. كما أنّ شيخنا المحقّق الطبسي هذا سيواصل معنا تاريخ فترة ما جرى على الركب الحسينيّ بعد استشهاد الإمامعليه‌السلام حتى وصول الركْب إلى الشام، في هذا الجزء.

٩

وكما قلنا في مقدّمتنا في الجزء الثالث نقول هنا أيضاً: إنّنا لا ندّعي شططاً إذا قلنا: إنّ هذا الجزء - كما الأوّل والثاني والثالث - قد حوى أيضاً من التحقيقات والنظرات والإشارات الجديدة، ما يؤهله لسدّ ثغرات عديدة في تاريخ النهضة الحسينية المقدّسة، كانت قبل ذلك مبهمة وغامضة، لم تتوفر الإجابة الوافية عنها؛ ولفتح نوافذ تحقيقية كثيرة في قضايا النهضة الحسينية، لم تزَل الحاجة ماسّة إلى إنعام النظر وتفصيل القول فيها.

وهنا لابدّ من أن نتقدّم بالشكر الجزيل إلى مؤلِّفي هذا الكتاب: سماحة الشيخ المحقّقعزّت الله المولائي ، وسماحة الشيخ المحقّقمحمّد جعفر الطبسي ؛ لِما بذَلاه من جهد كبير في إعداد مادّة هذا المقطع، وإنجاز هذا البحث القيّم.

كما نتقدّم بالشكر الجزيل إلى فضيلة الأستاذ المحقّق(علي الشاوي) ، الذي تولّى العناية بهذا البحث مراجعةً ونقداً وتنظيماً وتكميلاً، كعنايته من قبل بالجزء الثاني والثالث، داعين له بمزيد من الموفقيّة في ميدان التحقيق ومؤازرة المحقّقين، وفي مواصلة عنايته البالغة في خدمة الأجزاء الباقية من هذه الدراسة القيّمة إن شاء الله تعالى.

مركز الدراسات الإسلامية           

التابع لممثليّة الولي الفقيه في حرس الثورة الإسلامية

١٠

الفصل الأوّل

كربلاء

١١

١٢

الفصل الأوّل

كربلاء

اسم (كربلاء).. الأصل والاشتقاق

اختلف اللّغويون والمؤرّخون والجغرافيون في أصل كلمة كربلاء، وفي اشتقاقها وفي معناها، فذهب بعضهم إلى: أنّ أصل هذه الكلمة عربيٌّ محض، وذهب آخرون إلى أنَّ أصلها غير عربيّ، وقال آخرون: إنّها متداخلة الأصل من العربية وغيرها...

١) - نظرية الأصل العربي لاسم كربلاء

قال ياقوت الحموي: (كربلاءُ، بالمدِّ: وهو الموضع الذي قُتل فيه الحسين بن عليّرضي‌الله‌عنه ، في طرف البريّة عند الكوفة، فأمّا اشتقاقه: فالكربلة رخاوة في القدَمين، يقال: جاء يمشي مُكَرْبِلاً، فيجوز على هذا أن تكون أرض هذا الموضع رخوة فسميّت بذلك.

ويُقال: كَرْبَلْتُ الحنطة، إذا هذّبتها ونقيّتها، ويُنشَدُ في صفة الحنطة:

يحملنَ حمراء رسوباً للثقل

قد غُربلتْ وكُربلت من القصل

فيجوز على هذا أن تكون هذه الأرض منقّاة من الحصى والدغَل، فسميّت بذلك.

والكربل: اسم نبت الحُمّاض، وقال أبو وجرة السعدي يصف عهون الهودج:

وثامرُ كربلٍ وعميم دُفلى

عليها والندى سبط يمورُ

١٣

فيجوز أن يكون هذا الصنف من النبْت يكثر نبْته هناك فَسُمِّي به)(١) .

٢) - نظرية الأصل غير العربي (الأصل الديني)

وقال الدكتورمصطفى جواد في موضوع كتبه تحت عنوان (كربلاء قديماً) في موسوعة العتبات المقدّسة:

(.. وذكر السيّد العلاّمةهبة الدين الشهرستاني : أنّ (كربلاء) منحوتة من كلمتَي: (كور بابل)، بمعنى مجموعة قُرى بابلية(٢) .

وقال الأب اللغويأنستاس الكرملي: (والذي نتذكره فيما قرأناه في بعض كتب الباحثين أنّ كربلاء منحوتة من كلمتين: من (كربل)، و(إل) أي: حرم الله، أو مقدس الله(٣) .

قلنا: إنّ رَجْع الأعلام الأعجمية إلى أصول عربية كان دَيدناً لعلماء اللغة العربية منذ القديم، فقلّما اعترفوا بأنّ عَلماً من الأعلام أصله أعجمي، دون أسماء الجنس، فإنّهم اعترفوا بعُجمتها وسمّوها (المعرّبات)؛ لأنّ الذين يعرفون اللغة الفارسية كثير، ولأنّهم يدرون أصول المعرّبات على التحقيق والتأكيد.

وكان الذي يُسهّل عليهم اجتيال الأعلام وغيرها إلى اللغة العربية، كونها مشابهة وموازنة لكلمات عربية، كما مرَّ في (كربلا) والكربلة، والكربل، فهم قالوا بعروبة تلك الأعلام الأعجمية، ثمّ حاروا في تخريجها اللغوي، فبعثهم ذلك على التكلّف! كما فعلوا في كربلاء وغيرها من الأعلام الأعجمية.

____________________

(١) معجم البلدان: ٤: ٤٤٥، وانظر: مراصد الإطلاع: ٣: ١١٥٤.

(٢) نقلاً عن كتاب نهضة الحسينعليه‌السلام : ٦، مطبعة دار السلام بغداد / ١٣٤٥هـ. ق.

(٣) نقلاً عن كتاب لغة العرب: ٥: ١٧٨ / ١٩٢٧م.

١٤

وأنا أرى محاولة ياقوت الحموي ردّ (كربلاء) إلى الأصول العربية، غير مجدية ولا يصحّ الاعتماد عليها؛ لأنّها من بابة الظنّ والتخمين، والرغبة الجامحة العارمة في إرادة جعْل العربية مصدراً لسائر أسماء الأمكنة والبقاع، مع أنّ موقع كربلاء خارج عن جزيرة العرب، وأنّ في العراق كثيراً من البلدان ليست أسماؤها عربية: كبغداد، وصرورا، وجوخا، وبابل، وكوش، وبعقوبا، وأنّ التاريخ لم ينصّ على عروبة اسم (كربلاء)، فقد كانت معروفة قبل الفتح العربي للعراق، وقبل سكنى العرب هناك، وقد ذكرها بعض العرب الذين رافقوا خالد بن الوليد القائد العربي المشهور، في غزوته لغربيّ العراق سنة ١٢ هجرية / ٦٣٤م، قالياقوت الحموي : (ونزل خالد عند فتحه الحِيرة، كربلاء، فشكا إليه عبد الله بن وشيمة النصري(١) الذبّان، فقال رجل من أشجع في ذلك:

لـقد حُـبسَتْ فـي كربلاء مطيّتي

وفي العين(٢) حتى عاد غثّاً سمينها

إذا رحـلتْ مـن منزل رجعتْ له

لـعـمري وأيْـها إنّـني لأُهـينها

ويـمنعها مـن مـاء كـلّ شريعة

رفـاقٌ مـن الـذُّبانِ زُرقٌ عيونها

ومن أقدم الشِعر الذي ذُكرت فيه كربلاء: قول معن بن أَوْس المزني من مخضرمي الجاهلية والإسلام، وعمَّرَ حتى أدرك عصر عبد الله بن الزبير وصار مصاحباً له، وقد كُفَّ بصرُه في آخِر عمره، وذكر ياقوت الحموي هذا الشعر في

____________________

(١) في معجم البلدان: ٤: ٤٤٥ (البصري) وليس (النصري)، وقال الدكتور مصطفى جواد في الحاشية: (أو النضري، وفي الأصل من طبعة مصر (البصري) وهو محال؛ لأنّ البصرة لم تكن يومئذٍ قد مُصِّرَتْ، ولأنّ العرب القدامى في القرن الأوّل والقرن الثاني، لم يكونوا ينتسبون إلى المدن والأقطار، بل إلى الآباء والقبائل والأفخاذ والعمارات والبطون، أمّا غير العرب فجائز فيهم، كما سرجويه البصري الطبيب (مختصر الدول لابن العبري ص١٩٢).

(٢) يعني عين التمر، المعروف حِصنها اليوم بالأخيضر.

١٥

(النوائح) من معجمه للبلدان.. وذكره قبله أبو الفرج الأصبهاني في ترجمة معن من الأغاني (١٢: ٦٣ / دار الكتاب)، وقال وهي قصيدة طويلة:

إذا هي حلّت كربلاءَ فلعلعاً

فجوز العذيب دونها فالنوائحا

وقال الطبري في حوادث سنة ١٢هـ: (وخرج خالد بن الوليد(١) في عمل عياض بن غنم؛ ليقضي ما بينه وبينه ولإغاثته، فسلكَ الفلّوجة حتى نزل بكربلاء، وعلى مسلحتها عاصم بن عمرو... وأقام خالد على كربلاء أيّاماً، وشكا إليه عبد الله بن وثيمة الذباب، فقال له خالد: اصبر فإنّي إنّما أريد أن أستفرغ المسالح التي أمر بها عياض فنُسكنها العرب، فتأمن جنود المسلمين أن يُؤتَوا من خلفهم، وتجيئنا العرب آمنة غير متعتعة، وبذلك أمرَنا الخليفة، ورأيه يعدل نجدة الأمّة، وقال رجل من أشجع فيما شكا ابن وثيمة:

لقد حُبستْ في كربلاء مطيّتي..)(٢) الأبيات.

وقال ياقوت الحموي في كلامه على الكوفة: (.. ثمّ توجّه سعد نحو المدائن إلى يزدجرد، وقدَّم خالد بن عرفطة(٣) حليف بني زهرة بن كلاب، فلم يقدر عليه

____________________

(١) في المصدر: خالد فقط، وليس خالد بن الوليد.

(٢) راجع: تاريخ الطبري: ٢/٥٧٤.

(٣) كان خالد بن عرفطة هذا من قيادات جيش عُمَر بن سعد لقتال الحسينعليه‌السلام ، ففي كتاب بصائر الدرجات بسندٍ عن سويد بن غفلة قال: (أنا عند أمير المؤمنينعليه‌السلام إذ أتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، جئتك من وادي القرى، وقد مات خالد بن عرفطة، فقال له أمير المؤمنين:(إنّه لم يمُت، فأعادها عليه: فقال له عليٌّعليه‌السلام :لم يمُتْ والذي نفسي بيده لا يموت، فأعادها عليه الثالثة فقال: سبحان الله أُخبرك أنّه مات وتقول لم يمُت؟! فقال له عليٌّعليه‌السلام :لم يمُت والذي نفسي بيده، لا يموت حتّى يقود جيش ضلالة يحمل رايته حبيب بن جمّاز، قال: فسمع بذلك حبيب، فأتى أمير المؤمنين فقال له: أُناشدكَ فيَّ وإنّي لك شيعة، وقد ذكرتني بأمر لا والله ما أعرفه من نفسي! =

١٦

سعد حتّى فتح خالد ساباط المدائن، ثمّ توجّه إلى المدائن فلم يجد معابر فدلّوه على مخاضة عند قرية الصيّادين أسفل المدائن، فأخاضوها الخيل حتى عبروا، وهرب يزدجرد إلى اصطخر، فأخذ خالد كربلاء عنوة وسبى أهلها، فقسّمها سعد بين أصحابه...)(١) .

ولقائلٍ أن يقول: إنّ العرب أوطنوا تلك البقاع قبل الفتح العربي، فدولة المناذرة بالحيرة ونواحيها كانت معاصرة للدولة الساسانية الفارسية، وفي حمايتها وخدمتها.

والجواب: إنّ المؤرّخين لم يذكروا لهم إنشاء قرية سمّيت بهذا الاسم - أعني كربلاء - غير أنَّ وزن كربلاء أُلحق بالأوزان العربية، ونُقل (فَعْللا) إلى (فَعْلَلاء) في الشِعر حَسْبُ...(٢)

أمّا قول الأب اللغوي أنستاس ما معناه: أنّ كربلاء منحوتة من (كرب) و(إل)، فهو داخل في الإمكان؛ لأنّ هذه البقاع قد سكنها الساميّون، وإذا فسّرنا (كرب) بالعربية أيضاً دلّ على معنى (القُرب)، فقد قالت العرب: (كرب يكرب كروباً: أي دنا)، وقالت: (كرب فلان يفعل، وكرب أن يفعل: أي كاد يفعل، وكاد تفيد القُرب، قال ابن مقبل يصف ناقته:

فبعثتها تَقِصُ المقاصر بعدما

كربتْ حياةُ النار للمتنوّر (٣)

____________________

= فقال له عليٌعليه‌السلام :إنْ كنتَ حبيب بن جمّاز لتحملنّها!) ، فولّى حبيب بن جمّاز وقال: إنْ كنت حبيب بن جمّاز لتحملنّها!!

قال أبو حمزة: فو الله ما مات حتّى بَعث عُمَر بن سعد إلى الحسين بن عليّعليه‌السلام ، وجعل خالد بن عرفطة على مقدّمته، وحبيب صاحب رايته). (راجع: بحار الأنوار: ٤٤: ٢٥٩ - ٢٦٠ باب ٣١، حديث رقم ١١).

(١) راجع: معجم البلدان: ٤: ٤١٩.

(٢) أي: في الشِعر فقط.

(٣) أي: قرُب انطفاؤها، راجع: مادة (قصر) من الصحاح.

١٧

وقال أبو زيد الأسلمي:

سقاها ذوو الأرحام سجْلاً على الظما

وقد كربتْ أعناقها أن تقطّعا (١)

وإذا فسّرنا (إل) كان معناه (الإله) عند الساميّين أيضاً، ودخول تفسير التسمية في الإمكان لا يعني أنّها التسمية الحقيقية لا غيرها؛ لأنّ اللّغة والتأريخ متعاونان دائماً فهي تؤيّده عند احتياجه إليها، وهو يؤيّدها عند احتياجها إليه، فهل ورد في التاريخ أنّ موضع كربلاء كان (حرم إله) قوم من الأقوام الذين سكنوا العراق؟(٢) ، أو مَقْدَسَ إلهٍ لهم؟ لا يُجيبنا التاريخ عن ذلك، ومن الأسماء المضافة إلى (إل) بابل وأربل وبابلي.

ومن العجيب أنّ لفظ (كرب) تطوّر معناه في اللغة العبريّة، قال بعض الأدباء الأمريكيين: (ممّا يصوّر لنا فكرة عن سوء أُسلوب الحياة أن نجد الكلمة العبرية (كَرَبَ Karab) - ومعناها يقترب - تعني في الوقت نفسه (يُقاتل ويحارب)، ومن هنا كانت كلمة (كِراب Kerab) بمعنى معركة(٣) .

لذلك يمكن القول بتطوّر الاسم (كربلاء) من الحقيقة إلى المجاز، وبذلك لا يجب الالتزام بأصل معناه بل يجوز، وممّا قدّمنا يُفهم أنّ (كربلا) مقصور في

____________________

(١) راجع: الكامل للمبرد: ١: ١٢٨ / طبعة الدلجموني الأزهري.

(٢) لعلّ اسم (كربلاء) بمعنى (حرم الإله)، كان قد أُطلق على هذا الوضع في إحدى اللغات القديمة (غير العربية) بواسطة أحد الأنبياء الماضينعليهم‌السلام ، من باب الإخبار بما سوف يقع على أرض هذا الموضع في مستقبل الأيام من قتل ابن بنت خاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ هذا الموضع سوف يكون من البقاع المقدّسة، لا أنّ سبب هذه التسمية بالضرورة هو أنّ قوماً من الأقوام كانوا قد اتخذوا هذا الموضع معبداً لهم، فتأمّل.

(٣) راجع: المؤرّخون والشِعر: ٤٦ / ترجمة توفيق إسكندر إلى العربية.

١٨

الأصل، وأنّ الهمزة أُدخلت عليها لضرورة الشعر...

وعلى حسبان (كربلا) من الأسماء الساميّة الآرامية أو البابلية، تكون القرية من القُرى القديمة الزمان كبابل وأربيل، وكيف لا وهي من ناحية نينوى الجنوبية..(١) ، ونينوى من الأسماء الآشورية...)(٢) .

وقال الشيخمحمّد باقر المدرّس في كتابه مدينة الحسينعليه‌السلام : (إنّ كربلاء تلخّصت من كلمتين في لغة الآراميين، وهما (كرب) بمعنى معبد أو الحرم، و(إيلا) بمعنى آلهة، فالمعنى: حرم الآلهة)(٣) .

ثمّ يقولالشيخ المدرّس : (لو أنّنا رجعنا إلى تاريخ هذه المدينة إلى عهد البابليين لوجدنا لها اسماً وأثراً؛ لأنّه بناءً على ما قاله المستشرق الفرنسي ماسينسيون - في كتابه (خطط الكوفة / ترجمة تقي المصعبي) - إنّ كربلاء كانت معبد الكلدانيين الذين كانوا يقطنون في مدينة نينوى والعقر البابلي، وكلاهما كان بقرب كور كربلاء)(٤) .

____________________

(١) ميزاً لها عن نينوى الشمالية، إحدى عواصم الدولة الآشورية السامية، ولا تزال أطلالها معروفة.

(٢) راجع: موسوعة العتبات المقدّسة: ٨ / قسم كربلاء / مقالة للدكتور مصطفى جواد بعنوان (كربلاء قديماً) ص٩ - ١٥.

(٣) و(٤) راجع: كتاب (شهر حسينعليه‌السلام ): ص١٠ / كما ذكر المؤلّف أيضاً: أنّ اسم كربلاء يرجع إلى عصر الملك شابور ذي الأكتاف من ملوك الفرس من الساسانيين الذي بويع سنة ٣١م في إيران، وأنّهم قسّموا العراق بعد فتحها إلى عشرة ألوية، وكلّ لواء إلى طسوج، وكلّ طسج إلى رساتيق، وكانت الأرض الواقعة بين عين التمر والفُرات تُعدُّ اللواء العاشر، وكانت كربلاء أحد طسوج هذا اللواء.

١٩

نبذة مختصرة من تاريخ كربلاء وجغرافيتها إلى سنة ستين للهجرة

(كربلاء) بلدة عُرفت بهذا الاسم قبل الإسلام بزمن بعيد، بل لعلّ الظاهر من بعض الروايات أنّ اسم كربلاء موغل في القِدم إلى زمن آدم أبي البشرعليه‌السلام (١) ، بل هي معروفة في السماء بـ(أرض كرب وبلاء) ، كما في رواية عن أمير المؤمنينعليه‌السلام (٢) .

(وعلى حسبان كربلا من الأسماء الساميّة الآراميّة أو البابليّة، تكون القرية من القُرى القديمة الزمان كبابل وأربيل، وكيف لا؟ وهي من ناحية نينوى الجنوبية.. ونينوى من الأسماء الآشورية..)(٣) .

ويوحي احتمال كون اسمها منحوتاً من كلمتَي: (كور بابل) أي مجموعة قُرى بابلية، أنّها كانت آنذاك أُمَّ القُرى لقرى عديدة، منها: نينوى، والعقر البابلي، والنواويس، والحَيْر، والعين: عين التمر، وغيرها من القرى العديدة التي كانت تقع بين البادية وشاطئ الفرات.

ولعلّ (كربلاء) كانت قد أُسّست منذ عهد البابليين والآشوريين، وورثها عنهم التنوخيون واللخميّون، أُمراء المناذرة وسكّان الحيرة تحت حماية الأكاسرة في إيران، الذين كانت سيطرتهم يومذاك قد امتدّت على مساحة واسعة جدّاً من آسيا.

كانت كربلاء عامرة ومتقدّمة من الناحية الزراعية آنذاك؛ لخصوبة أرضها وقُربها من الفرات، وملائمة مناخها لكثير من الزراعات، وكانت تُموّن المنطقة

____________________

(١) راجع: البحار: ٤٤: ٢٤٢ - ٢٤٣، باب ٣٠، حديث ٣٧.

(٢) فعنهعليه‌السلام قوله:(وإنّها لفي السماوات معروفة تُذكر أرض كرب وبلاء، كما تُذكر بقعة الحَرَمين، وبقعة بيت المقدس) (راجع: أمالي الصدوق: ٤٧٨ - ٤٨٠، المجلس ٨٧، رقم ٥).

(٣) موسوعة العتبات المقدّسة: ٨ / قسم كربلاء، ص٩ - ١٥.

٢٠