مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء ٤

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة12%

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 477

الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 260562 / تحميل: 8931
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء ٤

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة مركز الدراسات الإسلاميّة

التابع لممثليّة الوليّ الفقيه في حرس الثورة الإسلامية

« عاشوراء... قراءة في أهمّ أسباب العَظمة والخلود »

الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره ودليلاً على نِعَمه وآلائه، والصلاة والسلام على أشرف الخلائق محمد وآله الطيبين الطاهرين.

لم تزَل واقعة عاشوراء - منذ سنة إحدى وستّين للهجرة - تتعاظم أهميّة وشأناً عاماً بعد عام، وتتسامى قدراً وقداسة، ويزيد ذكرها ولا يبيد، ويمتدّ عزاء الحسينعليه‌السلام انتشاراً في شرق الأرض وغربها.

وتشغل هذه الظاهرة أذهان الكثيرين، ولعلّ أهم ما يتبادر إلى ذهن المتأمّل فيها من أسباب عظمة وخلود هذه الواقعة:

أوّلاً: في وقعة عاشوراء كان قد سُفك (الدم المقّدس)، دم ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وابن سيّد الأوصياءعليه‌السلام ، وابن سيّدة النساءعليها‌السلام ، وأحد سيّدي شباب أهل الجنّةعليهما‌السلام ، وبقيّة أهل آية التطهير، وسورة هل أتى، دمٌ(سكنَ في الخُلد،

٣

فيهنّ وما بينهنّ، ومَن يتقلّب في الجنّة والنار من خَلْق ربّنا، وما يُرى وما لا يُرى...) (١) .

إنَّ قداسة الإمام الحسينعليه‌السلام (المثل الأعلى) في ضمير ووجدان الأمّة، هي التي أسبغت على عاشوراء كلَّ هذه القداسة وهذه الرمزيّة في الزمان فكان(كلُّ يوم عاشوراء) ، وهي التي نشرت كربلاء على كلّ الأرض عنواناً لميدان انتصار دم الحقّ على سيف الباطل، فكانت(كلّ أرض كربلاء) ، فبهِعليه‌السلام صارت فاجعة عاشوراء(مصيبة ما أعظمها وأعظم رزيّتها في الإسلام وفي جميع السماوات والأرض!) (٢) ، ولولاهعليه‌السلام ؛ لكانت وقعة الطفّ - بكلّ ما غصّت به من فجائع أليمة - مأساة يذكرها الذاكر، فيأسف لها كما يأسف لكثير من وقائع التاريخ الأليمة الأخرى المقيّدة بحدود الزمان والمكان.

ثانياً: كانت كربلاء يوم عاشوراء مسرحاً لمواجهة فريدة من كلّ جهة في عالَم الإنسان، بين ذروة الفضيلة بكلّ مناقبيّتها متمثّلة بالحسينعليه‌السلام وأنصاره الكرام، وبين وهْدة الرذيلة بكلّ انحطاطها متمثّلة في جيش أعدائه، فكانت جميع وقايع عاشوراء تحكي من وجهٍ حركة الفضيلة بأرقى ما تستطيع أن تقدّمة من مُثُل عُليا في الأخلاق الحميدة السامية؛ تصديقاً لحجّتها الواضحة الدامغة، ولحقّانيتها في الصراع، ولمظلوميتها من كلّ جهة، وتجسيداً للأسوة الحسنة الخالدة، كي ما يتأسّى بها أهل الحقّ والإيمان على مدى الأجيال إلى قيام الساعة.

وكانت وقايع عاشوراء تحكي أيضاً من وجهٍ آخر: حركة الرذيلة بأحطّ ما يمكن أن يصدر عنها من مثَل سيّئ، كاشف عن باطلها في الصراع، وعن جَورها وظلمها، وعن وحشيّتها التي طغت حتّى على ما تعوّدته الوحوش الكواسر.

____________________

(١) كامل الزيارات: ٢١٨ باب ٧٩ رقم ٢، نشر مكتبة الصدوق - طهران.

(٢) فقرة من زيارة عاشوراء المشهورة - راجع: مفاتيح الجنان: ص٤٥٧، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

٤

من هنا كانت (عاشوراء) مثلاً أعلى للإنسان المسلم وغير المسلم، في المواجهات بين الحقّ والباطل، وكان الحسينعليه‌السلام نبراساً للإنسانيّة جمعاء، يفخر بالانتساب إليه والإقتداء به كلّ ثائر للحقّ مطالب به.

ثالثاً: وكانت كربلاء في يوم عاشوراء أيضاً مسرحاً لـ (واقعة حاسمة) بين الإسلام المحمديّ الخالص، وبين حركة النفاق بكلّ فصائلها، واقعة حاسمة من كلّ جهة وبلا حدود.

واقعة لم تنتهِ بنصر حاسم محدود كما انتهت (الجَمل)، ولم تنتهِ كما انتهت (صِفّين) بلا حسْم! بل انتهت بكلّ نتائجها لصالح الإسلام المحمديّ الخالص ولو بعد حين، وأعادت جميع مساعي حركة النفاق التي امتدّت خمسين سنة إلى نقطة الصفر؛ وذلك حيث استطاعت عاشوراء - التي أُريق فيها الدّم المقدّس - أن تفصل تماماً بين (الإسلام الأموي) وبين الإسلام المحمديّ الخالص، وأفقدت الحكم الأمويّ وريث حركة النفاق - بارتكابه حماقة سفك الدم المقدّس - قدرته على التلبّس بلباس الحقّ، وتضليل الأمّة على الصعيد الديني والنفسي والإعلامي، وهذا من أوضح آفاق الفتح الحسينيّ في عاشوراء، فلو لم تكن واقعة كربلاء لكان الأمويّون قد واصلوا حكم الناس باسم الدين، حتّى يترسّخ تماماً في أذهان الناس بمرور الأيّام والسنين، أنّه ليس هناك إسلام غير الإسلام الذي يتحدّث به الأمويّون ويؤخذ عنهم! وعلى الإسلام السلام!

لهذا كشفت عاشوراء عن وحدة وجودية لا انفكاك لها بين الإسلام المحمديّ الخالص وبين الحسينعليه‌السلام ، فصارت الدعوة إلى الإسلام بعد عاشوراء هي عين الدعوة إلى الحسينعليه‌السلام ، وبالعكس، وصارت مواجهة الحسينعليه‌السلام ومعاداته بعد عاشوراء هي عين مواجهة هذا الإسلام ومعاداته، وبالعكس، وصار بقاء الإسلام بعد كربلاء ببقاء عاشوراء الحسينعليه‌السلام ، فالإسلام محمّديّ الوجود

٥

حسينيّ البقاء!

رابعاً: إذا نظرنا إلى قيام الإمام الحسينعليه‌السلام في إطار الدَور العام(١) المشترك لأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ؛ لرأيناه متمّماً لكلّ مواقف الإمام أمير المؤمنين عليّ والإمام الحسنعليهما‌السلام ، وجهودهما في الحفاظ على الإسلام نقيّاً خالصاً من كلّ شائبة وعالقة ليست منه، أرادت حركة النفاق أن تلصقها به، ومن كلّ نقص عَمدت هذه الحركة إلى إحداثه فيه.

أمّا بعد قيام الإمام الحسينعليه‌السلام ، فإنَّ جميع الأئمّة من بعدهعليهم‌السلام - في إطار هذا الدور العام المشترك - متمّمون لأهداف هذا القيام المقدّس، ومن هنا يمكننا النظر إلى قيامهعليه‌السلام وكأنّه مؤلَّف من مقاطع زمانية ثلاثة:

١ - مقطع عاشوراء: ويقوده الإمام الحسينعليه‌السلام نفسه، ويبدأ برفضه البيعة ليزيد، ثمّ بخروجه من المدينة إلى مكّة، ثمّ من مكّة إلى كربلاء، وينتهي باستشهادهعليه‌السلام .

٢ - مقطع ما بعد عاشوراء إلى عاشوراء الظهور: ويبدأ مباشرة بعد استشهادهعليه‌السلام ، ويمتدّ هذا المقطع طويلاً حتى ظهور الإمام المهديّعليه‌السلام في يوم عاشوراء، ويقود هذا المقطع تباعاً الأئمّة التسعة من ذريّة الحسينعليه‌السلام ، ويلاحِظ المتأمّل في هذا المقطع أنّ أهمّ معالم دورهم العام المشترك - إضافة إلى حفظ الإسلام ونشر وتبيان عقائده ومعارفه وأحكامه - أنّهمعليهم‌السلام كانوا يركزّون تركيزاً مكثّفاً على توجيه الأمّة إلى الارتباط بالحسينعليه‌السلام ، ويحضّون الناس على البكاء عليه، ويَدعون الشعراء إلى إنشاد الشعر فيه وإبكاء الناس، وتهييج أحزان

____________________

(١) لأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام دَور عام يشتركون جميعاً في السعي إلى تحقيقه، بالرغم من تفاوت الظروف السياسية والاجتماعية التي يمرّون بها، كمثل مسؤوليتهم جميعاً في الحفاظ على الرسالة الإسلاميّة من كلّ تحريف، كما أنَّ لكلّ منهم دَوراً خاصاً به، تحدّده طبيعة الظروف السياسية والاجتماعية التي يعيشها كلٌّ من الإسلام والإمام والأمّة.

٦

يوم الطفوف(١) ، ويؤكّدون تأكيدات متلاحقة ومبرمة على زيارة الحسينعليه‌السلام ، حتى مع التيقّن من خطر انتقام السلطات الظالمة(٢) !

ولنتبرّك بذكر بعض الشواهد الشريفة:

* قول الإمام السجّادعليه‌السلام :(أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن عليّ دمعة حتى تسيل على خدّه، بوّأه الله بها في الجنّة غُرفاً يسكنها أحقاباً...) (٣) .

* وقول الإمام الصادقعليه‌السلام :(كلّ الجزع والبكاء مكروه، سوى الجزع والبكاء على الحسين عليه‌السلام ) (٤) .

وقولهعليه‌السلام :(ما من أحدٍ قال في الحسين شِعراً فبكى وأبكى به، إلاّ أوجب الله له الجنّة وغفر له) (٥) .

وقول الإمام الرضاعليه‌السلام :(إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبلَ دموعنا، وأذلّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون، فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام) (٦) .

* وقولهعليه‌السلام :(مَن ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة، ومَن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه، جعلَ الله عزّ وجلّ يوم القيامة يوم فرحه وسروره، وقرّت بنا في الجنان عينه...) (٧) .

* وقولهعليه‌السلام :(يا بن شبيب، إن سَرَّك أن تلقى الله عزّ وجلّ ولا ذنب عليك فزُر الحسين عليه‌السلام ، يا بن شبيب، إن سَرّك أن تسكن الغرف المبنيّة في الجنّة مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فالعَن قَتَلة الحسين، يا بن شبيب، إن سَرّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لِمن استشهدَ مع الحسين فقل متى ما ذكرتهُ: يا ليتني كنتُ معهم فأفوز فوزاً

____________________

(١) ورد في الزيارة الجوادية للإمام الرضاعليه‌السلام :(السلام على الإمام الرؤوف الذي هيّج أحزان يوم الطفوف) ، راجع: البحار: ١٠٢: ٥٥.

(٢) راجع: البحار: ١٠١، باب أنّ زيارته واجبة مفترَضة مأمور بها... وأنّها لا تُترك للخوف.

(٣) - (٧) راجع: البحار: ٤٤، ثواب البكاء على مصيبته.

٧

عظيماً).

* وقولهعليه‌السلام :(نَفَسُ المهموم لظُلمنا تسبيح، وهمّه لنا عبادة، وكتمان سرّنا جهاد في سبيل الله) (١) .

* وقول الإمام الباقرعليه‌السلام في زيارة عاشوراء:(.. فأسأل الله الذي أكرم مقامك وأكرمني بكَ أن يرزقني طلب ثأرك مع إمام منصور من أهل بيت محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ... وأن يرزقني طلب ثأركم مع إمام هدىً ظاهر ناطق بالحقّ منكم...) (٢) .

وكأنّهمعليهم‌السلام - من خلال هذه المتون وكثير غيرها - يريدون أن يُفهِموا الأمّة أنّ الأصل عندهم هو: القيام لله بوجه الظلم والانحراف، إذا تهيّأت لهم العدّة المطلوبة(٣) من نوع (الإنسان الحسينيّ)، وأنّ صناعة وصياغة الإنسان الحسينيّ - وهو المؤمن - المسلِّم لأمر أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، الشجاع، الحرّ، الأبيّ، البصير، الصلب، القاطع، المتأسّي بمناقبية الحسينعليه‌السلام وأنصاره الكرام، لا تكون ولا تتمّ إلاّ في (مصنع عاشوراء).

٣ - مقطع عاشوراء الظهور: ويقود هذا المقطع الطالب بدم المقتول بكربلاء، ثائر الحسين، الإمام المهدي (عجّل الله فرَجه) حين تجتمع إليه العدّة المقرّرة من خاصة أنصاره، ويبدأ بخروجه يوم عاشوراء، والكون يومذاك متوشِّح بأثواب الحزن على جدّه سيّد الشهداءعليه‌السلام ، وأهل الولاء في ذروة الكآبة والأسى والجزع والبكاء، قد انتشروا في مآتم الحسينعليه‌السلام ، أو انتظموا في مواكب العزاء، فتغمر فُجاءة النبأ السارّ المدهش - بظهور القائمعليه‌السلام - قلوب محبّيه ومواليه وشيعته بفرحة نشوى، بعد أن آدَها الغمّ

____________________

(١) راجع البحار: ٤٤، باب ثواب البكاء على مصيبته.

(٢) من فقرات زيارة عاشوراء المشهورة، راجع: مفاتيح الجنان: ص٤٥٦ - ٤٥٧.

(٣) راجع: الجزء الأوّل: الإمام الحسينعليه‌السلام في المدينة المنوّرة: ص٢١٣ - ٢١٦، عنوان: القيام عند أهل البيتعليهم‌السلام .

٨

والهمّ والحزن، وأرهَقها طول الغَيبة وانتظار الفرج، فتزحف كتائبه من جنود الأرض والسماء بشعار(يا لثارات الحسين) ، ويسير في الأرض يفتح البلاد بعد البلاد بعنوان الحسينعليه‌السلام ، ويقتل ذراري قَتلة الحسينعليه‌السلام - لرضاهم بفعال آبائهم - ويقتل الطغاة بعد الطغاة، والجبابرة بعد الجبابرة، حتى يُحقق الفتح العالميّ، ويملأ الأرض قِسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجَوراً.

فما أعظم بركة عنوان الحسينعليه‌السلام في كلّ شيء!

وما أعظم عاشوراء الحسينعليه‌السلام بدءً ومنتهى!

* * * *

وبعدُ، فهذا الكتاب(الإمام الحسين عليه‌السلام في كربلاء) ، هو الجزء الرابع من دراستنا التاريخية التفصيليّة الموسّعة(مع الركب الحسينيّ من المدينة إلى المدينة) ، وهذا الجزء يمثّل المقطع الرابع من مقاطع هذه الدراسة، ويختصّ بتاريخ فترة وجود الإمامعليه‌السلام في كربلاء حتّى استشهاده.

وقد تشاطر حَمل عِبء هذا الجزء اثنان من مجموعة محقّقي هذه الدراسة، هما:

١ - الشيخ المحقّق عزّت الله المولائي: واختصّ ببحث تاريخ فترة وجود الإمام الحسينعليه‌السلام في كربلاء إلى ما قبل صبيحة يوم عاشوراء، وله الفصلان الأوّل والثاني من هذا الجزء الرابع.

٢ - الشيخ المحقّق محمّد جعفر الطبسي: واختصّ ببحث تاريخ وقائع يوم عاشوراء من شهر المحرّم سنة إحدى وستين للهجرة، حتى استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام وانتهاء المعركة، وله الفصلان الثالث والرابع من هذا الجزء الرابع. كما أنّ شيخنا المحقّق الطبسي هذا سيواصل معنا تاريخ فترة ما جرى على الركب الحسينيّ بعد استشهاد الإمامعليه‌السلام حتى وصول الركْب إلى الشام، في هذا الجزء.

٩

وكما قلنا في مقدّمتنا في الجزء الثالث نقول هنا أيضاً: إنّنا لا ندّعي شططاً إذا قلنا: إنّ هذا الجزء - كما الأوّل والثاني والثالث - قد حوى أيضاً من التحقيقات والنظرات والإشارات الجديدة، ما يؤهله لسدّ ثغرات عديدة في تاريخ النهضة الحسينية المقدّسة، كانت قبل ذلك مبهمة وغامضة، لم تتوفر الإجابة الوافية عنها؛ ولفتح نوافذ تحقيقية كثيرة في قضايا النهضة الحسينية، لم تزَل الحاجة ماسّة إلى إنعام النظر وتفصيل القول فيها.

وهنا لابدّ من أن نتقدّم بالشكر الجزيل إلى مؤلِّفي هذا الكتاب: سماحة الشيخ المحقّقعزّت الله المولائي ، وسماحة الشيخ المحقّقمحمّد جعفر الطبسي ؛ لِما بذَلاه من جهد كبير في إعداد مادّة هذا المقطع، وإنجاز هذا البحث القيّم.

كما نتقدّم بالشكر الجزيل إلى فضيلة الأستاذ المحقّق(علي الشاوي) ، الذي تولّى العناية بهذا البحث مراجعةً ونقداً وتنظيماً وتكميلاً، كعنايته من قبل بالجزء الثاني والثالث، داعين له بمزيد من الموفقيّة في ميدان التحقيق ومؤازرة المحقّقين، وفي مواصلة عنايته البالغة في خدمة الأجزاء الباقية من هذه الدراسة القيّمة إن شاء الله تعالى.

مركز الدراسات الإسلامية           

التابع لممثليّة الولي الفقيه في حرس الثورة الإسلامية

١٠

الفصل الأوّل

كربلاء

١١

١٢

الفصل الأوّل

كربلاء

اسم (كربلاء).. الأصل والاشتقاق

اختلف اللّغويون والمؤرّخون والجغرافيون في أصل كلمة كربلاء، وفي اشتقاقها وفي معناها، فذهب بعضهم إلى: أنّ أصل هذه الكلمة عربيٌّ محض، وذهب آخرون إلى أنَّ أصلها غير عربيّ، وقال آخرون: إنّها متداخلة الأصل من العربية وغيرها...

١) - نظرية الأصل العربي لاسم كربلاء

قال ياقوت الحموي: (كربلاءُ، بالمدِّ: وهو الموضع الذي قُتل فيه الحسين بن عليّرضي‌الله‌عنه ، في طرف البريّة عند الكوفة، فأمّا اشتقاقه: فالكربلة رخاوة في القدَمين، يقال: جاء يمشي مُكَرْبِلاً، فيجوز على هذا أن تكون أرض هذا الموضع رخوة فسميّت بذلك.

ويُقال: كَرْبَلْتُ الحنطة، إذا هذّبتها ونقيّتها، ويُنشَدُ في صفة الحنطة:

يحملنَ حمراء رسوباً للثقل

قد غُربلتْ وكُربلت من القصل

فيجوز على هذا أن تكون هذه الأرض منقّاة من الحصى والدغَل، فسميّت بذلك.

والكربل: اسم نبت الحُمّاض، وقال أبو وجرة السعدي يصف عهون الهودج:

وثامرُ كربلٍ وعميم دُفلى

عليها والندى سبط يمورُ

١٣

فيجوز أن يكون هذا الصنف من النبْت يكثر نبْته هناك فَسُمِّي به)(١) .

٢) - نظرية الأصل غير العربي (الأصل الديني)

وقال الدكتورمصطفى جواد في موضوع كتبه تحت عنوان (كربلاء قديماً) في موسوعة العتبات المقدّسة:

(.. وذكر السيّد العلاّمةهبة الدين الشهرستاني : أنّ (كربلاء) منحوتة من كلمتَي: (كور بابل)، بمعنى مجموعة قُرى بابلية(٢) .

وقال الأب اللغويأنستاس الكرملي: (والذي نتذكره فيما قرأناه في بعض كتب الباحثين أنّ كربلاء منحوتة من كلمتين: من (كربل)، و(إل) أي: حرم الله، أو مقدس الله(٣) .

قلنا: إنّ رَجْع الأعلام الأعجمية إلى أصول عربية كان دَيدناً لعلماء اللغة العربية منذ القديم، فقلّما اعترفوا بأنّ عَلماً من الأعلام أصله أعجمي، دون أسماء الجنس، فإنّهم اعترفوا بعُجمتها وسمّوها (المعرّبات)؛ لأنّ الذين يعرفون اللغة الفارسية كثير، ولأنّهم يدرون أصول المعرّبات على التحقيق والتأكيد.

وكان الذي يُسهّل عليهم اجتيال الأعلام وغيرها إلى اللغة العربية، كونها مشابهة وموازنة لكلمات عربية، كما مرَّ في (كربلا) والكربلة، والكربل، فهم قالوا بعروبة تلك الأعلام الأعجمية، ثمّ حاروا في تخريجها اللغوي، فبعثهم ذلك على التكلّف! كما فعلوا في كربلاء وغيرها من الأعلام الأعجمية.

____________________

(١) معجم البلدان: ٤: ٤٤٥، وانظر: مراصد الإطلاع: ٣: ١١٥٤.

(٢) نقلاً عن كتاب نهضة الحسينعليه‌السلام : ٦، مطبعة دار السلام بغداد / ١٣٤٥هـ. ق.

(٣) نقلاً عن كتاب لغة العرب: ٥: ١٧٨ / ١٩٢٧م.

١٤

وأنا أرى محاولة ياقوت الحموي ردّ (كربلاء) إلى الأصول العربية، غير مجدية ولا يصحّ الاعتماد عليها؛ لأنّها من بابة الظنّ والتخمين، والرغبة الجامحة العارمة في إرادة جعْل العربية مصدراً لسائر أسماء الأمكنة والبقاع، مع أنّ موقع كربلاء خارج عن جزيرة العرب، وأنّ في العراق كثيراً من البلدان ليست أسماؤها عربية: كبغداد، وصرورا، وجوخا، وبابل، وكوش، وبعقوبا، وأنّ التاريخ لم ينصّ على عروبة اسم (كربلاء)، فقد كانت معروفة قبل الفتح العربي للعراق، وقبل سكنى العرب هناك، وقد ذكرها بعض العرب الذين رافقوا خالد بن الوليد القائد العربي المشهور، في غزوته لغربيّ العراق سنة ١٢ هجرية / ٦٣٤م، قالياقوت الحموي : (ونزل خالد عند فتحه الحِيرة، كربلاء، فشكا إليه عبد الله بن وشيمة النصري(١) الذبّان، فقال رجل من أشجع في ذلك:

لـقد حُـبسَتْ فـي كربلاء مطيّتي

وفي العين(٢) حتى عاد غثّاً سمينها

إذا رحـلتْ مـن منزل رجعتْ له

لـعـمري وأيْـها إنّـني لأُهـينها

ويـمنعها مـن مـاء كـلّ شريعة

رفـاقٌ مـن الـذُّبانِ زُرقٌ عيونها

ومن أقدم الشِعر الذي ذُكرت فيه كربلاء: قول معن بن أَوْس المزني من مخضرمي الجاهلية والإسلام، وعمَّرَ حتى أدرك عصر عبد الله بن الزبير وصار مصاحباً له، وقد كُفَّ بصرُه في آخِر عمره، وذكر ياقوت الحموي هذا الشعر في

____________________

(١) في معجم البلدان: ٤: ٤٤٥ (البصري) وليس (النصري)، وقال الدكتور مصطفى جواد في الحاشية: (أو النضري، وفي الأصل من طبعة مصر (البصري) وهو محال؛ لأنّ البصرة لم تكن يومئذٍ قد مُصِّرَتْ، ولأنّ العرب القدامى في القرن الأوّل والقرن الثاني، لم يكونوا ينتسبون إلى المدن والأقطار، بل إلى الآباء والقبائل والأفخاذ والعمارات والبطون، أمّا غير العرب فجائز فيهم، كما سرجويه البصري الطبيب (مختصر الدول لابن العبري ص١٩٢).

(٢) يعني عين التمر، المعروف حِصنها اليوم بالأخيضر.

١٥

(النوائح) من معجمه للبلدان.. وذكره قبله أبو الفرج الأصبهاني في ترجمة معن من الأغاني (١٢: ٦٣ / دار الكتاب)، وقال وهي قصيدة طويلة:

إذا هي حلّت كربلاءَ فلعلعاً

فجوز العذيب دونها فالنوائحا

وقال الطبري في حوادث سنة ١٢هـ: (وخرج خالد بن الوليد(١) في عمل عياض بن غنم؛ ليقضي ما بينه وبينه ولإغاثته، فسلكَ الفلّوجة حتى نزل بكربلاء، وعلى مسلحتها عاصم بن عمرو... وأقام خالد على كربلاء أيّاماً، وشكا إليه عبد الله بن وثيمة الذباب، فقال له خالد: اصبر فإنّي إنّما أريد أن أستفرغ المسالح التي أمر بها عياض فنُسكنها العرب، فتأمن جنود المسلمين أن يُؤتَوا من خلفهم، وتجيئنا العرب آمنة غير متعتعة، وبذلك أمرَنا الخليفة، ورأيه يعدل نجدة الأمّة، وقال رجل من أشجع فيما شكا ابن وثيمة:

لقد حُبستْ في كربلاء مطيّتي..)(٢) الأبيات.

وقال ياقوت الحموي في كلامه على الكوفة: (.. ثمّ توجّه سعد نحو المدائن إلى يزدجرد، وقدَّم خالد بن عرفطة(٣) حليف بني زهرة بن كلاب، فلم يقدر عليه

____________________

(١) في المصدر: خالد فقط، وليس خالد بن الوليد.

(٢) راجع: تاريخ الطبري: ٢/٥٧٤.

(٣) كان خالد بن عرفطة هذا من قيادات جيش عُمَر بن سعد لقتال الحسينعليه‌السلام ، ففي كتاب بصائر الدرجات بسندٍ عن سويد بن غفلة قال: (أنا عند أمير المؤمنينعليه‌السلام إذ أتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، جئتك من وادي القرى، وقد مات خالد بن عرفطة، فقال له أمير المؤمنين:(إنّه لم يمُت، فأعادها عليه: فقال له عليٌّعليه‌السلام :لم يمُتْ والذي نفسي بيده لا يموت، فأعادها عليه الثالثة فقال: سبحان الله أُخبرك أنّه مات وتقول لم يمُت؟! فقال له عليٌّعليه‌السلام :لم يمُت والذي نفسي بيده، لا يموت حتّى يقود جيش ضلالة يحمل رايته حبيب بن جمّاز، قال: فسمع بذلك حبيب، فأتى أمير المؤمنين فقال له: أُناشدكَ فيَّ وإنّي لك شيعة، وقد ذكرتني بأمر لا والله ما أعرفه من نفسي! =

١٦

سعد حتّى فتح خالد ساباط المدائن، ثمّ توجّه إلى المدائن فلم يجد معابر فدلّوه على مخاضة عند قرية الصيّادين أسفل المدائن، فأخاضوها الخيل حتى عبروا، وهرب يزدجرد إلى اصطخر، فأخذ خالد كربلاء عنوة وسبى أهلها، فقسّمها سعد بين أصحابه...)(١) .

ولقائلٍ أن يقول: إنّ العرب أوطنوا تلك البقاع قبل الفتح العربي، فدولة المناذرة بالحيرة ونواحيها كانت معاصرة للدولة الساسانية الفارسية، وفي حمايتها وخدمتها.

والجواب: إنّ المؤرّخين لم يذكروا لهم إنشاء قرية سمّيت بهذا الاسم - أعني كربلاء - غير أنَّ وزن كربلاء أُلحق بالأوزان العربية، ونُقل (فَعْللا) إلى (فَعْلَلاء) في الشِعر حَسْبُ...(٢)

أمّا قول الأب اللغوي أنستاس ما معناه: أنّ كربلاء منحوتة من (كرب) و(إل)، فهو داخل في الإمكان؛ لأنّ هذه البقاع قد سكنها الساميّون، وإذا فسّرنا (كرب) بالعربية أيضاً دلّ على معنى (القُرب)، فقد قالت العرب: (كرب يكرب كروباً: أي دنا)، وقالت: (كرب فلان يفعل، وكرب أن يفعل: أي كاد يفعل، وكاد تفيد القُرب، قال ابن مقبل يصف ناقته:

فبعثتها تَقِصُ المقاصر بعدما

كربتْ حياةُ النار للمتنوّر (٣)

____________________

= فقال له عليٌعليه‌السلام :إنْ كنتَ حبيب بن جمّاز لتحملنّها!) ، فولّى حبيب بن جمّاز وقال: إنْ كنت حبيب بن جمّاز لتحملنّها!!

قال أبو حمزة: فو الله ما مات حتّى بَعث عُمَر بن سعد إلى الحسين بن عليّعليه‌السلام ، وجعل خالد بن عرفطة على مقدّمته، وحبيب صاحب رايته). (راجع: بحار الأنوار: ٤٤: ٢٥٩ - ٢٦٠ باب ٣١، حديث رقم ١١).

(١) راجع: معجم البلدان: ٤: ٤١٩.

(٢) أي: في الشِعر فقط.

(٣) أي: قرُب انطفاؤها، راجع: مادة (قصر) من الصحاح.

١٧

وقال أبو زيد الأسلمي:

سقاها ذوو الأرحام سجْلاً على الظما

وقد كربتْ أعناقها أن تقطّعا (١)

وإذا فسّرنا (إل) كان معناه (الإله) عند الساميّين أيضاً، ودخول تفسير التسمية في الإمكان لا يعني أنّها التسمية الحقيقية لا غيرها؛ لأنّ اللّغة والتأريخ متعاونان دائماً فهي تؤيّده عند احتياجه إليها، وهو يؤيّدها عند احتياجها إليه، فهل ورد في التاريخ أنّ موضع كربلاء كان (حرم إله) قوم من الأقوام الذين سكنوا العراق؟(٢) ، أو مَقْدَسَ إلهٍ لهم؟ لا يُجيبنا التاريخ عن ذلك، ومن الأسماء المضافة إلى (إل) بابل وأربل وبابلي.

ومن العجيب أنّ لفظ (كرب) تطوّر معناه في اللغة العبريّة، قال بعض الأدباء الأمريكيين: (ممّا يصوّر لنا فكرة عن سوء أُسلوب الحياة أن نجد الكلمة العبرية (كَرَبَ Karab) - ومعناها يقترب - تعني في الوقت نفسه (يُقاتل ويحارب)، ومن هنا كانت كلمة (كِراب Kerab) بمعنى معركة(٣) .

لذلك يمكن القول بتطوّر الاسم (كربلاء) من الحقيقة إلى المجاز، وبذلك لا يجب الالتزام بأصل معناه بل يجوز، وممّا قدّمنا يُفهم أنّ (كربلا) مقصور في

____________________

(١) راجع: الكامل للمبرد: ١: ١٢٨ / طبعة الدلجموني الأزهري.

(٢) لعلّ اسم (كربلاء) بمعنى (حرم الإله)، كان قد أُطلق على هذا الوضع في إحدى اللغات القديمة (غير العربية) بواسطة أحد الأنبياء الماضينعليهم‌السلام ، من باب الإخبار بما سوف يقع على أرض هذا الموضع في مستقبل الأيام من قتل ابن بنت خاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ هذا الموضع سوف يكون من البقاع المقدّسة، لا أنّ سبب هذه التسمية بالضرورة هو أنّ قوماً من الأقوام كانوا قد اتخذوا هذا الموضع معبداً لهم، فتأمّل.

(٣) راجع: المؤرّخون والشِعر: ٤٦ / ترجمة توفيق إسكندر إلى العربية.

١٨

الأصل، وأنّ الهمزة أُدخلت عليها لضرورة الشعر...

وعلى حسبان (كربلا) من الأسماء الساميّة الآرامية أو البابلية، تكون القرية من القُرى القديمة الزمان كبابل وأربيل، وكيف لا وهي من ناحية نينوى الجنوبية..(١) ، ونينوى من الأسماء الآشورية...)(٢) .

وقال الشيخمحمّد باقر المدرّس في كتابه مدينة الحسينعليه‌السلام : (إنّ كربلاء تلخّصت من كلمتين في لغة الآراميين، وهما (كرب) بمعنى معبد أو الحرم، و(إيلا) بمعنى آلهة، فالمعنى: حرم الآلهة)(٣) .

ثمّ يقولالشيخ المدرّس : (لو أنّنا رجعنا إلى تاريخ هذه المدينة إلى عهد البابليين لوجدنا لها اسماً وأثراً؛ لأنّه بناءً على ما قاله المستشرق الفرنسي ماسينسيون - في كتابه (خطط الكوفة / ترجمة تقي المصعبي) - إنّ كربلاء كانت معبد الكلدانيين الذين كانوا يقطنون في مدينة نينوى والعقر البابلي، وكلاهما كان بقرب كور كربلاء)(٤) .

____________________

(١) ميزاً لها عن نينوى الشمالية، إحدى عواصم الدولة الآشورية السامية، ولا تزال أطلالها معروفة.

(٢) راجع: موسوعة العتبات المقدّسة: ٨ / قسم كربلاء / مقالة للدكتور مصطفى جواد بعنوان (كربلاء قديماً) ص٩ - ١٥.

(٣) و(٤) راجع: كتاب (شهر حسينعليه‌السلام ): ص١٠ / كما ذكر المؤلّف أيضاً: أنّ اسم كربلاء يرجع إلى عصر الملك شابور ذي الأكتاف من ملوك الفرس من الساسانيين الذي بويع سنة ٣١م في إيران، وأنّهم قسّموا العراق بعد فتحها إلى عشرة ألوية، وكلّ لواء إلى طسوج، وكلّ طسج إلى رساتيق، وكانت الأرض الواقعة بين عين التمر والفُرات تُعدُّ اللواء العاشر، وكانت كربلاء أحد طسوج هذا اللواء.

١٩

نبذة مختصرة من تاريخ كربلاء وجغرافيتها إلى سنة ستين للهجرة

(كربلاء) بلدة عُرفت بهذا الاسم قبل الإسلام بزمن بعيد، بل لعلّ الظاهر من بعض الروايات أنّ اسم كربلاء موغل في القِدم إلى زمن آدم أبي البشرعليه‌السلام (١) ، بل هي معروفة في السماء بـ(أرض كرب وبلاء) ، كما في رواية عن أمير المؤمنينعليه‌السلام (٢) .

(وعلى حسبان كربلا من الأسماء الساميّة الآراميّة أو البابليّة، تكون القرية من القُرى القديمة الزمان كبابل وأربيل، وكيف لا؟ وهي من ناحية نينوى الجنوبية.. ونينوى من الأسماء الآشورية..)(٣) .

ويوحي احتمال كون اسمها منحوتاً من كلمتَي: (كور بابل) أي مجموعة قُرى بابلية، أنّها كانت آنذاك أُمَّ القُرى لقرى عديدة، منها: نينوى، والعقر البابلي، والنواويس، والحَيْر، والعين: عين التمر، وغيرها من القرى العديدة التي كانت تقع بين البادية وشاطئ الفرات.

ولعلّ (كربلاء) كانت قد أُسّست منذ عهد البابليين والآشوريين، وورثها عنهم التنوخيون واللخميّون، أُمراء المناذرة وسكّان الحيرة تحت حماية الأكاسرة في إيران، الذين كانت سيطرتهم يومذاك قد امتدّت على مساحة واسعة جدّاً من آسيا.

كانت كربلاء عامرة ومتقدّمة من الناحية الزراعية آنذاك؛ لخصوبة أرضها وقُربها من الفرات، وملائمة مناخها لكثير من الزراعات، وكانت تُموّن المنطقة

____________________

(١) راجع: البحار: ٤٤: ٢٤٢ - ٢٤٣، باب ٣٠، حديث ٣٧.

(٢) فعنهعليه‌السلام قوله:(وإنّها لفي السماوات معروفة تُذكر أرض كرب وبلاء، كما تُذكر بقعة الحَرَمين، وبقعة بيت المقدس) (راجع: أمالي الصدوق: ٤٧٨ - ٤٨٠، المجلس ٨٧، رقم ٥).

(٣) موسوعة العتبات المقدّسة: ٨ / قسم كربلاء، ص٩ - ١٥.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

أسماءٌ أخرى وملاحظات:

١ - مالك بن دودان:

قال ابن شهرآشوب السروي: « ثمّ برزَ مالك بن دودان وأنشأ يقول:

إليكم من مالك الضرغام

ضَرب فتىً يحمي عن الكرام

يرجو ثواب الله ذي الإنعام ».(١)

٢ - أنيس بن معقل الأصبحي:

وقال أيضاً: « ثمّ برزَ أنيس بن معقل الأصبحي وهو يقول:

أنـا أنـيس وأنـا ابن معقل

وفي يميني نصل سيف مصقل

أعلو بها الهامات وسط القسطل

عـن الحسين الماجد المفضّل

ابن رسول الله خير مُرسل ».

فقتلَ نيّفاً وعشرين رجلاً »(٢) .

٣ - ربيعة بن خوط:

قال الحائري في ذخيرة الدارين: (نزلَ الكوفة، وكان بها إلى أن جاء الحسينعليه‌السلام من مكّة إلى العراق حتّى نزل بكربلاء، ثمّ خرج ربيعة بن خوط من الكوفة وجاء إلى الحسينعليه‌السلام مع ابن عمّه حبيب، وكان حبيب معه إلى أن قُتل بين

____________________

(١) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ١٠٤.

(٢) نفس المصدر: ٤ : ١٠٣، وذكرهُ ابن أعثم الكوفي في الفتوح: ٥: ١٩٨، والخوارزمي في المقتل ٢: ٢٣ بتفاوت في بعض أبيات الرَجَز.

وقد مرّ بنا في مقتل يزيد بن مغفل الجعفي (رض): أنّ أنيس بن معقل ربما كان تصحيفاً له؛ لأنّ أبيات الرَجَز المنسوبة إلى كلّ منهما واحدة أو متماثلة جدّاً، مع اتحاد معقل مع مغفل من حيث وتفاوتهما في النقاط فقط.

٣٤١

يديه في الحملة الأولى مع مَن قُتل من أصحاب الحسينعليه‌السلام )(١) .

٤ - زيد بن معقل:

عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام (٢) ، وذكره ابن شهرآشوب السروي في المناقب(٣) ، وقد وردعليه‌السلام في زيارة الناحية المقدّسة(٤) .

٥ - هلال بن الحجّاج:

ذكره الشيخ الصدوق قائلاً: (ثمّ برزَ من بعده - أي من بعد وهب بن وهب النصراني (رض) - هلال بن الحجّاج وهو يقول:

أرمي بها معلّمة أفواقها (أفواهها)

والـنـفس لا يـنـفعها إشـفاقها

فقتلَ منهم ثلاثة عشر رجلاً ثمّ قُتل)(٥) .

____________________

(١) ذخيرة الدارين: ١٨٨، وذكر السماوي (ره): أنّ حبيب بن مظهّر كان ابن عمّ ربيعة بن حوط بن رئاب المكنّى أبا ثور الشاعر الفارس. (راجع: إبصار العين: ١٠٠).

وقال ابن عساكر: أدركَ حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله . (راجع: الإصابة في معرفة الصحابة: ١: ٥٢٧).

(٢) رجال الشيخ الطوسي: ١٠٠ رقم ٩٨١.

(٣) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ٧٨.

(٤)(السلام على زيد بن معقل الجعفي) (راجع البحار: ٤٥: ٧٢)، وفي البحار: ١٠١: ٢٧٣:(السلام على بدر بن معقل الجعفي) ، والظاهر أنّ كليهما تصحيف ليزيد بن مغفل الجعفي (رض).

(٥) أمالي الشيخ الصدوق: ١٣٧ المجلس ٣٠ حديث رقم ١، ومن المعلوم أنّ هذه الأبيات منسوبة أيضاً في المقاتل المشهورة الأخرى إلى نافع بن هلال الجملي (راجع: تاريخ الطبري ٣: ٣٢٤، والإرشاد: ٢: ١٠٣، وإعلام الورى ٢: ٤٦٢ وغيرها)، فالظاهر أنّه تصحيف لنافع بن هلال الذي تذكره بعض المصادر باسم (هلال بن نافع)، والله العالم.

٣٤٢

٦ - بدر بن رقيط وابنيه

ورد في الزيارة الرجبية والشعبانية التي رواها السيّد طاووس (ره) هكذا:(السلام على بدر بن رقيط وابنيه عبد الله وعبيد الله) (١) .

أمّا في زيارة الناحية المقدّسة فقد ورد السلام هكذا:(السلام على زيد بن ثبيت القيسي، السلام على عبد الله وعبيد الله ابني يزيد بن ثبيت القيسي) (٢) .

ومن الواضح أنّ هذا ناشئ عن تصحيف النُسّاخ، إذ لم يُعرف أحدٌ من أنصار الإمامعليه‌السلام من شهداء الطفّ مع ابنين له بهذين الاسمين: عبد الله، وعبيد الله غير يزيد بن ثبيط العبدي (القيسي) البصري (رض)، كما ضبطَ اسمه المحقّق السماوي (ره).

٧ - خالد بن عمرو بن خالد الأزدي:

وقد ذكره ابن شهرآشوب السروي قائلاً: (ثمّ برزَ ابنه خالد - أي ابن عمرو بن خالد الأزدي - وهو يقول:

صبراً على الموت بني قحطان

كي ما تكونوا في رضا الرحمن

ذي المجد والعزّة والبرهان

وذو العُلى والطَول والإحسان

يا أبتا قد صرتُ في الجنان

في قصر درٍّ حَسَن البنيان(٣)

وعمرو بن خالد - وهو من شهداء الطفّ ويُكنّى بأبي خالد(٤) - ليس من الأزد، بل هو أسدي صيداوي، ولم يذكر المؤرّخون والرجاليون الذين ترجموا له بأنّ

____________________

(١) راجع: البحار: ١٠١: ٣٤٠.

(٢) راع: البحار: ٤٥: ٧٢ و١٠١: ٢٧٣.

(٣) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ١٠١، ومقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ١٧ بتفاوت في الشعر.

(٤) راجع: إبصار العين: ١١٤.

٣٤٣

خالداً ابنه كان معه في شهداء الطفّ.

٨ - جابر بن عروة الغفاري:

قال النمازي: (لم يذكروه، وهو من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهدَ بدراً وغيرها، وكان شيخاً كبيراً تعصّب بعصابة ترفع حاجيبه عن عينيه، فلمّا رأى غربة مولانا الحسين صلوات الله عليه استأذن، فقال له الحسين:(شكرَ الله سعيك يا شيخ) ، فقاتل وقَتل جمعاً حتّى استشهد بين يديه، نقلَ ذلك كلّه في الناسخ عن أبي مخنف، وكذا في فرسان الهَيجا، وعطيّة الذرّة)(١) .

ولا يخفى على المتتبّع أنّ هذه الترجمة منسوبة في المصادر الأخرى إلى الصحابي الجليل أنس بن الحارث الأسدي الكاهلي (رض)(٢) .

٩ - عمرو بن جندب الحضرمي:

قال النمازي: (من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وشهد في الجَمل وصِفّين معه، ووفِّق للشهادة يوم الطفّ، وتشرّف بسلام الناحية المقدّسة)(٣) .

١٠ - شبيب بن جراد الكلابي الوحيدي:

قال النمازي: (من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، من شجعان الشيعة في الكوفة، وله ذكر في المغازي والحروب سيّما في صفّين، وبايعَ مسلماً، وكان يأخذ البيعة

____________________

(١) مستدركات علم رجال الحديث ٢: ١٠٣، رقم ٣٤٠١.

(٢) راجع ذخيرة الدارين: ٢٠٨، وإبصار العين: ٩٩، ومقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ٢: ٢٥.

(٣) مستدركات علم رجال الحديث ٦: ٣١، رقم ١٠٧٥٥، وورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة هكذا:(السلام على عمر بن جندب الحضرمي) (راجع: البحار: ٤٥: ٧٣)، وفي البحار: ١٠١: ٢٧٣:(السلام على عمر بن الأحدوث الحضرمي) .

٣٤٤

له حتّى إذا رأى الخذلان انحرف وخرجَ مع عمر بن سعد إلى كربلاء، فلمّا جاء الشمر بكتاب ابن زياد وأيقنَ بالحرب لحقَ بالحسينعليه‌السلام ليلة عاشوراء، وانضمّ إلى أبي الفضل العبّاس لكونه من قبيلته(١) ، واستشهدَ يوم عاشوراء بين يدي الحسينعليه‌السلام ).

١١ - جعبة بن قيس بن مسلمة:

قال ابن حجر في الإصابة: (جعبة بن قيس بن مسلمة بن طريف، قُتل مع الحسين بن علي، قاله الكلبي)(٢) .

١٢ - أبو الهياج:

وقال ابن حجر أيضاً: (أبو الهياج قُتل مع الحسين، قال: ذكر الواقدي في مقتل الحسين أنّ أبا الهياج قُتل معه)(٣) .

١٣ - يزيد بن حُصين الهمداني المشرقيّ:

يرد ذكره في بعض كتب التاريخ والتراجم(٤) ، وينسب إليه كلّ ما تنسبه كتب التاريخ والتراجم الأخرى لبرير بن خضير الهمداني المشرقيّ (رض)، وهو تصحيف ظاهر لبرير بن خضير، وهذا ممّا لا يخفى على المتأمّل بدقّة، وذهب إلى ما قلناه أيضاً الشيخ التستري (ره) في قاموس الرجال(٥) .

____________________

(١) أي: من قبيلة أمّه؛ لأنّ أمّ العباسعليهما‌السلام كلابيّة.

(٢) الإصابة ٣: ٢٨٥، رقم ٤٢٣٦.

(٣) الإصابة: ٤: ٨٠.

(٤) راجع: كشف الغمّة: ٢: ٢٩٥، ورجال الشيخ الطوسي: ١٠٦، وتنقيح المقال: ٣: ٣٢٥، وذخيرة الدارين: ١٧٩.

(٥) راجع: قاموس الرجال: ٢: ٢٩٤ - ٢٩٦، رقم ١٠٧٧.

٣٤٥

١٤ - عمرو بن مطاع الجعفي(١)

قال ابن شهرآشوب السروي: (ثمّ برزَ عمرو بن مطاع الجعفي وقال:

اليومَ قد طاب لنــا الفراع

دون حسينِ الضرب والسطاع (٢)

ترجــو بذاك الفوزُ والدفاع

مــن حَرِّ نارٍ حين لا امتناع(٣)

وقال الخوارزمي: (ثمّ خرجَ من بعده - أي من بعد الكاهلي (رض) - عمر بن مطاع الجعفي، وهو يقول:

أنـا ابن جعفي وأبي مطاع

وفـي يميني مرهفٌ قطّاع

وأسـمـرٌ سـنـانه لـمّاعُ

يُـرى له من ضوئه شعاعُ

قد طاب لي في يومي القراع

دون حـسينٍ ولـه الـدفاع

ثمّ حملَ فقاتل حتى قُتل)(٤) .

١٥ - عبد الرحمان بن عبد الله اليزني:

قال ابن شهرآشوب السرويّ: (ثمّ برزَ عبد الرحمان بن عبد الله اليزني قائلاً:

أنـا ابـن عـبد الله من آل يزَنِ

ديـني عـلى دين حسين وحسن

أضـربكم ضـرب فتىً من اليمن

أرجو بذاك الفوز عند المؤتمن(٥)

____________________

(١) من أنصار الإمامعليه‌السلام ، ومن شهداء الطفّ المعروفين (سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي)، وقد مرّ بنا مصرعه، ولا نعلم هل أنّ (عمرو بن مطاع الجعفي) هذا تصحيف لذاك الأنصاري الجليل أم هو آخر غيره؟!

(٢) الفراع: المطاولة والمنازلة، والاعتداد بالشرف والمحتد، والسطاع: رفع الرأس ومدّ العنق والانتشار.

(٣) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ١٠٢.

(٤) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ٢: ٢٢.

(٥) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ١٠١ - ١٠٢.

٣٤٦

وذكرهُ محمد بن أبي طالب أيضاً، وأتمّ قائلاً: (ثمّ حملَ فقاتلَ حتى قُتل)(١) .

١٦ - يحيى بن سليم المازني

ثمّ قال ابن شهرآشوب: (ثمّ برزَ يحيى بن سليم المازني وهو يقول:

لأضربنّ القوم ضرباً فيصلا

ضرباً شديداً في العدى معجّلا

لا عاجزاً فيها ولا مولولا

ولا أخاف اليوم موتاً مقبلا(٢)

وذكرهُ الخوارزمي أيضاً بتفاوت في الشعر(٣) .

١٧ - جبلّة بن عبد الله

وقد ورد السلام عليه في الزيارة الرجبية والشعبانية التي رواها السيّد ابن طاووس(٤) ، والظاهر أنّ هذا الاسم تصحيف لـ (جبلّة بن عليّ الشيباني) الذي وردَ السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة(٥) .

١٨ - سعد بن حنظلة التميمي:

قال الخوارزمي: (ثمّ خرجَ من بعده - أي من بعد خالد بن عمرو بن خالد الأزدي (وقد مرَّ ذكره) - سعد بن حنظلة التميمي، وهو يقول:

صبراً على الأسياف والأسنّة

صـبراً عليها لدخول الجنّة

وحـور عِـين ناعمات هنّة

لِـمن يريد الفوز لا بالظنّة

يـا نـفس للراحة فاطرحنّة

وفـي طلاّب الخير فاطلبنّه

____________________

(١) تسلية المجالس: ٢: ٢٩٢.

(٢) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ١٠٢.

(٣) مقتل الحسينعليه‌السلام للخورازمي ٢: ٢١.

(٤) راجع: الإقبال: ٧١٤، والبحار: ١٠١: ٣٤٠.

(٥) راجع: البحار: ٤٥: ٧٢.

٣٤٧

ثمّ حملَ وقاتل قتالاً شديداً فقُتل)(١) .

وذكره أيضاً ابن شهرآشوب السروي بتفاوت يسير في الشِعر(٢) .

ويُلاحظ أنّ مصادر تاريخية أخرى(٣) ذكرت نصيراً آخر غير هذا وهو (حنظلة بن أسعد الشبامي)، الذي ورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة(٤) ، كما أنّ مصادر تاريخية أخرى ذكرت هذا الشعر لنصير آخر هو عبد الرحمان الأرحبي (رض)(٥) .

١٩ - عمير بن عبد الله المذحجي:

ثمّ قال الخوارزمي: (ثمّ خرجَ من بعده عمير بن عبد الله المذحجي وهو يقول:

قد عَلمتْ سعدُ وحيّ مذحجِ

أنّيَ ليث الغاب لم أهجهجِ

أعلو بسيفي هامة المدجَّجِ

وأترك القرن لدى التعرّج

فريسة الضبع الأزلّ الأعرجِ

فمَن تراه واقفاً بمنهجي

ولم يزل يقاتل قتالاً شديداً، حتّى قتلهُ مسلم الضبابي، وعبد الله البجلي، اشتركا في قتله)(٦) .

____________________

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام الخوارزمي ٢: ١٧.

(٢) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ١٠١.

(٣) راجع: تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٩، والإرشاد ٢: ١٠٥، واللهوف: ١٦٤، وإبصار العين: ١٣٠ - ١٣١.

(٤) راجع: البحار: ٤٥: ٧٣.

(٥) راجع: إبصار العين: ١٣٢.

(٦) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ١٧.

٣٤٨

وذكره أيضاً ابن شهرآشوب السرويّ بتفاوت يسير في الشِعر(١) .

٢٠ - إبراهيم بن الحصين الأسدي:

قال ابن شهرآشوب السروي: (ثمّ برز إبراهيم بن الحصين الأسدي يرتجز:

أضربُ منكم مفصلاً وساقا

ليُهرقَ اليوم دمي إهراقا

ويُرزق الموت أبو إسحاقا

أعني بني الفاجرة الفسّاقا

فقتلَ منهم أربعة وثمانين رجلاً)(٢) .

٢١ - دارم بن عبد الله الصائدي:

ذكره أبو محمّد علي بن أحمد الأندلسي(٣) وقال: (قُتل مع الحسين)، وذكره أبو عبيد(٤) وقال أيضاً: (قُتل مع الحسين)، وذكره الشيخ الطوسي أيضاً في رجاله(٥) .

٢٢ - يحيى بن هاني بن عروة

كان يحيى بن هاني من وجوه العرب، والمعروفين بينهم، وأبوه هاني بن عروة قُتل بالكوفة، قال المزي: يحيى بن هاني بن عروة بن قعاص(٦) ، أبو داود الكوفي، وكان من أشراف العرب، وكان أبوه ممّن قتله عبيد الله بن زياد في شأن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، وعن شعبة: كان سيّد أهل الكوفة، وعن أبي حاتم:

____________________

(١) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ١٠١.

(٢) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ١٠٥.

(٣) جمهرة أنساب العرب: ٣٩٥.

(٤) النسب: ٣٣٧.

(٥) رجال الشيخ الطوسي: ١٠٤، رقم ١٠٢٩.

(٦) هو على ضبط المحقّق السماوي (ره): يحيى بن هاني بن عروة بن نمران بن عمرو بن قعاس بن... بن غطيف بن مراد بن مذحج. (راجع: إبصار العين: ١٣٩).

٣٤٩

صالح من سادات أهل الكوفة(١) .

وقال المامقاني: (يحيى بن هاني بن عروة المرادي العطيفي، نسبة إلى بني عطيف بطن من مراد، وقد ذكر أهل السيَر: أنه لمّا قُتل هاني مع مسلم بن عقيل، فرَّ ابنه يحيى واختفى عند قومه خوفاً من ابن زياد، فلمّا سمعَ بنزول الحسين بكربلاء جاء وانضمّ إليه ولزمه إلى أن شبّ القتال يوم الطفّ، فتقدّم وقتل من القوم رجالاً كثيرة ثمّ نالَ شرف الشهادة رضوان الله عليه)(٢) ، ولكنّنا لم نعثر - حسب متابعتنا - على أحد من أهل السيَر الأقدمين حكى ذلك.

ويلاحظ أيضاً أنّ الطبري في تاريخه يروي عن هشام بن محمّد، عن أبي مخنف، عن يحيى بن هاني بن عروة: أنّ نافع بن هلال كان يقاتل يومئذ وهو يقول: أنا الجملي، أنا على دين عليّ... إلى آخر قصة قتله مزاحم بن حريث(٣) .

وهذا كاشف عن أنّ يحيى بن هاني لم يكن من شهداء الطفّ يوم عاشوراء، فتأمّل.

٢٣ - الهفهاف بن المهنّد الراسبي(٤) البصري

قال الزنجاني: (ذكرَ في ذخيرة الدارين ص٢٥٧: الهفهاف بن المهنّد الراسبي البصري الذي قُتل يوم الطفّ بعد شهادة الحسين، على ما رواه حميد بن أحمد في كتاب الحدائق، قال: كان الهفهاف هذا فارساً شجاعاً بصرياً، من الشيعة ومن المخلصين في الولاء، له ذكر في المغازي والحروب، وكان من أصحاب

____________________

(١) تهذيب الكمال: ٣٢: ١٨ رقم ٦٩٣٦.

(٢) تنقيح المقال: ٣: ٣٢٢ رقم ١٣٠٨٩، وانظر: ذخيرة الدارين: ٢٥٥.

(٣) راجع: تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٤، وإبصار العين: ١٤٩.

(٤) الراسبي: نسبة إلى راسب بطن من الأزد.

٣٥٠

أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وحضرَ معه مشاهده كلّها، ولمّا عقدَ الألوية أمير المؤمنينعليه‌السلام يوم صفّين ضمّ تميم البصرة إلى الأحنف بن قيس، وأمّر على حنظلة البصرة أَعيَن بن ضبعة، وعلى أزد البصرة الهفهاف بن المهنّد الراسبي الأزدي... وكان ملازماً لعليّعليه‌السلام إلى أن قُتل، فانضمّ بعده إلى ابنه الحسنعليه‌السلام ، ثمّ إلى الحسينعليه‌السلام بعد صلاة العصر(١) ، سألَ: أين الحسين؟ فدخلَ على عمر بن سعد فسأل القوم: ما الخبر أين الحسين بن علي؟ فقالوا له: مَن أنت؟

فقال: أنا الهفهاف الراسبي البصري جئت لنصر الحسينعليه‌السلام حين سمعت خروجه من مكّة إلى العراق.

فقالوا له: وقد قتلنا الحسين وأصحابه وأنصاره وكلّ مَن لحقَ به وانضمّ إليه، ولم يبقَ غير النساء والأطفال وابنه العليل علي بن الحسين، أمَا ترى هجوم القوم على المخيّم وسلْبهم بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا سمعَ الهفهاف بقتل الحسينعليه‌السلام وهجوم الناس، انتضى سيفه وهو يرتجز ويقول:

يا أيّها الجندَ المجنّد          أنا الهفهاف بن المهنّد       أحمي عيالات محمّد

ثمّ شدّ عليهم كليث العرين يضربهم بسيفه، فلم يزل يقتل كلَّ مَن دَنا منه من عيون الرجال، حتّى قتلَ من القوم جماعة كثيرة سوى مَن جرح، وقد كانت الرجال تشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه فتنكشف انكشاف المِعزى إذا شدّ فيها الذئب، وهو في ذلك يرتجز بالشِعر المتقدّم وقد أُثخن بالجراح، فصاح عمر بن سعد بقومه:

____________________

(١) قال الفضيل بن الزبير: وخرجَ الهفهاف بن المهنّد الراسبي من البصرة حين سمعَ بخروج الحسينعليه‌السلام ، فسار حتّى انتهى إلى العسكر بعد قتله، فدخلَ عسكر عمر بن سعد، ثمّ انتضى سيفه وقال: أيها الجند المجنّد، أنا الهفهاف، أبغي عيال محمّد، ثم شدّ فيهم...). (راجع: تسمية مَن قُتل مع الحسينعليه‌السلام : ١٥٦).

٣٥١

الويل لكم، احملوا عليه من كلّ جانب. ثمّ قال علي بن الحسينعليه‌السلام في ذلك اليوم:(قلّما رأى الناس منذ بعث الله محمداً فارساً بعد علي بن أبي طالب قتلَ ما قتلَ بعده كهذا الرجل) ، فتداعَوا عليه فأقبلَ خمسة عشر نفراً(١) فاحتوشوه حتّى قتلوه في حومة الحرب، بعدما عقروا فرسه رضوان الله عليه)(٢) .

٢٤ - سليمان بن سليمان الأزدي

وردَ السلام عليه في زمرة الشهداء في الزيارة الرجبية والشعبانية التي رواها السيّد ابن طاووسرحمه‌الله ، وكذلك ورد السلام فيها في زمرة الشهداء على كلّ من الأسماء التالية:

٢٥ - عامر بن مالك.

٢٦ - منيع بن زياد.

٢٧ - عامر بن جليدة.

٢٨ - حمّاد بن حمّاد الخزاعي.

٢٩ - رميث بن عمر(٣) .

٣٠ - منذر بن المفضّل الجعفي.

____________________

(١) في تسمية مَن قُتل مع الحسينعليه‌السلام : ١٥٦: (قال علي بن الحسينعليهما‌السلام :(فما رأى الناس منذ بعث الله محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله فارساً - بعد علي بن أبي طالب عليه‌السلام - قتلَ بيده ما قتل) ، فتداعوا عليه خمسة نفر، فاحتوشوه حتّى قتلوهرحمه‌الله تعالى).

(٢) وسيلة الدارين: ٢٠٣ - ٢٠٤ رقم ١٦٤، وانظر: الحدائق الوردية: ١٢٢، ومستدركات علم رجال الحديث: ٨: ١٦٢ رقم ١٥٩٤٤.

(٣) وعدّه السروي ابن شهرآشوب أيضاً في أصحاب الحسينعليه‌السلام (راجع: مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ٧٨).

٣٥٢

٣١ - حيّان بن الحارث (١) .

٣٢ - عمر بن أبي كعب.

٣٣ - سليمان بن عون الحضرمي.

٣٤ - عثمان بن فروة الغفاري.

٣٥ - غيلان بن عبد الرحمان.

٣٦ - قيس بن عبد الله الهمداني.

٣٧ - عمر بن كنّاد.

٣٨ - زائدة بن مهاجر(٢) .

٣٩ - سليمان بن كثير.

٤٠ - سويد مولى شاكر(٣) .

وقد أعرضنا عن ذكر أسماء أخرى؛ لأنّها برأينا تصحيفات ظاهرة لأسماء أنصار معروفين في كتب التواريخ والتراجم(٤) .

____________________

(١) راجع: البحار: ١١: ٣٤٠، وفي البحار: ١٠١: ٢٧٣ في زيارة الناحية المقدّسة:(السلام على حيّان بن الحارث السلماني الأزدي)، أمّا في البحار: ٤٥: ٧٢:(السلام على حباب بن الحارث السلماني الأزدي)، وراجع أيضاً الإقبال: ٥٧٦، والظاهر أنّ هذا تصحيف لجنادة بن الحارث السلماني (راجع: رجال الشيخ الطوسي: ٩٩ رقم ٩٦٨، وإبصار العين: ١٤٤).

(٢) زائدة بن مهاجر: لا يبعد أن يكون إنقاصاً بعد تصحيف لاسم النصير المعروف: يزيد بن زياد بن مهاصر (رض).

(٣) لا يبعد أن يكون تصحيفاً لاسم النصير المعروف: شوذب مولى شاكر (رض).

(٤) راجع: البحار: ١٠١: ٣٤٠ - ٣٤١.

٣٥٣

مقاتلُ ومصارع بني هاشم

وبعدما استشهدت الصفوة العظيمة من أصحاب الإمامعليه‌السلام ، هبّ أبناء الأسرة النبوية شباباً وأطفالاً للتضحية والفداء، وهم بالرغم من صغر سنّهم كانوا كالليوث لم يرهبهم الموت ولم تفزعهم الأهوال، وتسابقوا بشوق إلى ميادين الجهاد، وقد ظنَّ الإمامعليه‌السلام على بعضهم بالموت، فلم يسمح لهم بالجهاد إلاّ أنّهم أخذوا يتضرّعون إليه ويُقبّلون يديه ورجليه ليأذن لهم في الدفاع عنه.

والمنظر الرهيب الذي يذيب القلوب، ويُذهل كلّ كائن حي هو: أنّ أولئك الفتية جعلَ يودّع بعضهم بعضاً الوداع الأخير، فكان كلّ واحد منهم يوسِع أخاه وابن عمه تقبيلاً، وهم غارقون بالدموع حزناً وأسىً على ريحانة رسول الله (صلّى الله عيه وآله وسلّم)، حيث يرونهُ وحيداً غريباً قد أحاطت به جيوش الأعداء، ويرون عقائل النبوة ومخدّرات الوحي وقد تعالت أصواتهنّ بالبكاء والعويل.. وساعدَ الله الإمامعليه‌السلام على تحمّل هذه الكوارث التي تقصم الأصلاب، وتُذهل الألباب، ولا يطيقها أيّ إنسان إلاّ مَن امتحنَ الله قلبه للإيمان(١) ، بل لا يطيقها إلاّ مَن عصمهُ الله بعصمة الإمامة.

____________________

(١) راجع: حياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام ٣: ٢٤٣.

٣٥٤

مقتلُ عليّ الأكبرعليه‌السلام

أمّا أوّل الهاشميين(١) الذين تقدّموا إلى الشهادة بين يدي الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام فهو: ابنه عليٌّ الأكبرعليه‌السلام (٢) .

____________________

(١) هناك ثلاثة أقوال في هذا الصدد:

١ - العباس بن علي بن أبي طالب: ذهب إلى هذا القول الشعبي (راجع: تذكرة الخواص: ٢٣٠).

٢ - عبد الله بن مسلم بن عقيلعليه‌السلام : ذهبَ إليه السروي في المناقب ٤: ١٠٥، والصدوق في الأمالي: ٢٢٦، وابن فتّال في روضة الواعظين ١١٨، والحائري في تسلية المجالس ٢: ٣٠٢.

٣ - عليّ الأكبرعليه‌السلام : ذهبَ إليه أكثر المؤرّخين كابن الأثير في الكامل ٣: ٢٩٣، والمفيد في الإرشاد ٢: ١٠٦، والبلاذري في أنساب الأشراف ٣: ٤٠٦، وأبي الفرج في مقاتل الطالبيين: ٨٦، والأندلسي في جمهرة أنساب العرب: ٢٦٧، والسيد في اللهوف: ١٦٦، والطبرسي في إعلام الورى ٢: ٤٦٢، والدينوري في الأخبار الطوال: ٢٥٦، وابن نما في مثير الأحزان: ٦٨، وعشرات الكتب الأخرى تركناها رعاية الاختصار.

ويؤيده: ما ورد في زيارة الناحية المقدّسة من السلام عليه:(السلام عليك يا أوّل قتيل من نسل خير سليل من سلالة إبراهيم الخليل) . (راجع البحار: ٤٥: ٦٥).

٢) المصرّحون بأنّ هو الأكبر: ابن سعد في طبقاته (ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ومقتله - من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبير لابن سعد - تحقيق السيّد عبد العزيز الطباطبائي: ٧٣)، وابن فندق في لباب الأنساب ١: ٣٤٩، وابن كثير في البداية والنهاية: ٨: ١٩١، والطبري في تاريخه: ٣: ٣٣٠، وأبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين: ٨٦.

 والدينوري في الأخبار الطوال: ٢٥٦، وابن الأثير في الكامل: ٣: ٢٩٣، وابن الجوزي في تذكرة الخواص: ٢٢٩، والديار بكري في تاريخ الخميس: ٢: ٢٩٨، وابن الحنبلي في شذرات الذهب: ٢: ٦١، والمجدي العلوي في المجدي: ٩١، والبلاذري في أنساب الأشراف: ٣: ٤٠٦، والأندلسي في جمهرة أنساب العرب: ٢٦٧، والفخر الرازي في الشجرة المباركة: ٧٢، والفضيل بن الزبير الكوفي الأسدي في: تسمية مَن قُتل مع الحسين: ١٥٠، والطبراني في مقتل الحسين: ٣٨، وابن شهرآشوب في المناقب: =

٣٥٥

____________________

= ٤: ١٠٩، والذهبي في سير أعلام النبلاء: ٣: ٣٢١، والمسعودي في مروج الذهب: ٣: ٦١، والذهبي أيضاً في تاريخ الإسلام (حوادث سنة ٦١، ص٢١)، والزرندي في نظم درر السمطين: ٢١٨، واليافعي في مرآة الزمان: ١: ١٣١، واليعقوبي في تاريخه: ٢: ٩٤، واليماني في النغمة العنبرية: ٤٥، والعقيقي كما في الحدائق الوردية: ١١٦، وأبو نصر في سرّ السلسلة العلوية: ٣٠، وابن إدريس في السرائر: ١: ٦٥٧، والشهيد الثاني في الدروس: ٢: ١١.

ومن الأدلّة على ذلك:

١ - أنّ عليَّ بن الحسينعليه‌السلام المقتول بكربلاء مع أبيهعليه‌السلام ، ولِد سنة ثلاث وثلاثين من الهجرة النبوية على قول الواقدي (راجع: عمدة الطالب: ١٩٢ ومقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ٢٥٥)، وأنّ الإمام زين العابدين علي بن الحسينعليهما‌السلام ولِد سنة ثماني وثلاثين من الهجرة، وبعض النصوص تصرّح بأنّ عليّاً الشهيدعليه‌السلام ولِد في إمارة عثمان (راجع: السرائر: ١: ٦٥٤ ومقاتل الطالبيين: ٨٦).

٢ - يروي المؤرّخون أنّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام حينما سأله الطاغية ابن الطاغية يزيد: ما اسمك؟ قال:(علي بن الحسين، قال: أوَلم يقتل الله عليّ بن الحسين؟! قالعليه‌السلام :قد كان لي أخٌ أكبر مني يُسمّى عليّاً فقتلتموه) . (راجع: مقاتل الطالبيين: ١١٩ - ١٢٠، ونسب قريش: ٥٨).

ولا يخفى على الباحث والمتتبع الخبير بأنّ النصوص التي تصرّح بأنّه الأكبر أضعاف النصوص التي لا تقول بذلك، فإنّ علماء النسب هم أعرف بهذه الصنعة حين قالوا بأنّه الأكبر، ولا أدري ما هذا الإصرار عند البعض بأنّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام كان أكبر منه؟

يقول المرحوم ابن إدريس أعلى الله مقامه الشريف: وأي غضاضة تلحقنا وأي نقص يدخل على مذهبنا إذا كان المقتول علياً الأكبر، وكان علي الأصغر الإمام المعصوم بعد أبيه الحسينعليه‌السلام ، فإنّه كان لزين العابدينعليه‌السلام يوم الطف ثلاث وعشرون سنة، ومحمد ولده الباقرعليه‌السلام له ثلاث سنين وأشهر، ثمّ بعد ذلك كلّه فسيّدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام كان أصغر ولد أبيه سنّاً ولم ينقصه ذلك.

وقال أيضاً: والأَولَى الرجوع إلى أهل هذه الصناعة وهم النسّابون وأصحاب السيَر والأخبار والتواريخ، مثل: الزبير بن بكار في كتاب أنساب القرشيين، وأبي الفرج الأصفهاني في مقاتل =

٣٥٦

وقد لا يسع الواصف الساعي إلى وصف بما يكشف عن عِظم شأنه وعلّو منزلته وسموّ مقامه، إلاّ أن يتمسّك بالوصف الجامع المانع الذي وصفه به أبوه الحسينعليه‌السلام حين قال:(غلامٌ أشبه الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خَلقاً وخُلُقاً ومنطقاً) .

وكان عمره الشريف يومئذٍ - على أعلى الأقوال - سبعاً وعشرين سنة(١) ، وعلى أقلّها ثماني عشر سنة(٢) .

____________________

= الطالبيين، والبلاذري، والمزني صاحب كتاب لباب أخبار الخلفاء، والعمري النسّابة حقّق ذلك في كتاب المُجدي فإنّه قال: وزعم مَن لا بصيرة له أنّ علياً الأصغر هو المقتول بالطف وهذا خطأ ووهم. (المجدي: ٩١).

وإلى هذا ذهب صاحب كتاب الزواجر والمواعظ، وابن قتيبة في المعارف، وابن جرير الطبري المحقّق لهذا الشأن، وابن أبي الأزهر في تاريخه، وأبو حنيفة الدينوري في الأخبار الطوال، وصاحب كتاب الفاخر، مصنف من أصحابنا الإمامية، وأبو علي بن همام في كتاب الأنوار في تواريخ أهل البيت ومواليدهم، وهو من جملة أصحابنا المصنفين المحققين، فهؤلاء جميعاً أطبقوا على هذا القول وهم أبصر بذا النوع. (راجع: السرائر: ١: ٦٥٥ - ٦٥٦).

وعن الشهيد الأوّل في الدروس ٢: ١١: (وهو الأكبر على الأصح).

وقال البيهقي في لب الأنساب ١: ٣٤٩: (اختلف النسّابون في أنّ المقتول علي الأكبر أم الأصغر، فاتفق أكثر العلماء على أنّ المقتول بكربلاء علي الأكبر).

(١) راجع: مقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ٢٥٥.

(٢) راجع: مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ٣٤، والإرشاد للمفيد: ٢: ١٠٦، وإعلام الورى للطبرسي: ١: ٤٦٤، وتسلية المجالس: ٢: ٣١٠، وشرح الأخبار للقاضي نعمان: ٣: ١٥٢.

نعم، هناك بعض المصادر تصرّح بأنّ عمره حينما قُتلعليه‌السلام كان سبع عشرة سنة (راجع: منتخب الطريحي: ٤٤٣) وقد تفرّد بذلك.

وقال الشيخ ابن نما (ره) في مثير الأحزان: ٦٨: (وله يومئذٍ أكثر من عشر سنين) وهو قول شاذّ كما ترى. =

٣٥٧

قال الخوارزمي يصف خروج علي الأكبرعليه‌السلام إلى قتال القوم: (فتقدّم عليّ بن الحسين، وأمّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي(١) ، وهو يومئذ ابن

____________________

= وصرّح السيّد محسن الأمين العاملي بأنّ عمره كان يومذاك تسع عشرة سنة. (راجع: لواعج الأشجان: ١٥٠).

(١) قال المرحوم الشيخ القمّي: (عروة بن مسعود هو أحد السادة الأربعة في الإسلام، وأحد رجلين عظيمين في قوله تعالى حكاية عن كفّار قريش:( وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) ، وهو الذي أرسلته قريش للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الحديبية، فعقدَ معه الصلح وهو كافر، أسلمَ سنة تسع من الهجرة بعد رجوع المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله من الطائف، واستأذنَ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الرجوع لأهله، فرجعَ ودعا قومه إلى الإسلام، فرماهُ واحد منهم بسهم وهو يؤذّن للصلاة فمات، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما بلغه ذلك:(مَثلُ عروة مثل صاحب يس دعا قومه إلى الله فقتلوه) ، كذا في شرح الشمائل المحمّديّة في شرح قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :(ورأيت عيسى بن مريم، فإذا أقرب مَن رأيت به شَبهاً عروة بن مسعود) . (نَفَس المهموم: ٣٠٧).

وروى الجزري في أُسد الغابة، عن ابن عبّاس قال، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :(أربعة سادة في الإسلام: بشر بن هلال العبدي، وعدي بن حاتم، وسراقة بن مالك المدلجي، وعروة بن مسعود الثقفي) (أُسد الغابة: ١: ١٩١)، وذكر المحقّق القرشي نقلاً عن (نسب قريش: ٥٧): أنّ عمر بن سعد بعث رجلاً من أصحابه فنادى عليَّ الأكبرعليه‌السلام قائلاً: إنّ لك قرابة بأمير المؤمنين - يعني يزيد ونريد أن نرعى هذا الرحِم، فإن شئت آمنّاك!

فسخرَ منه عليّ بن الحسينعليه‌السلام وصاح به: لَقرابةُ رسول الله أحقّ أن تُرعى. (راجع: حياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام : ٣: ٢٤٤).

ولا يخفى على عارف أنّ المراد بقولهم: إنّ لك رَحماً بأمير المؤمنين يزيد لعنه الله، هو رحِم ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب، فهي أمّ ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي (راجع: تسمية مَن قُتل مع الحسينعليه‌السلام : ١٥٠، والشجرة المباركة للفخر الرازي: ٧٣، وعيون الأخبار لابن قتيبة: ٩٩، ومقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ٢٥٦).

وقد وردَ في بعض المصادر - خلافاً للمشهور -: أنّ اسم أمّ عليّ الأكبر آمنة، كما ورد ذلك =

٣٥٨

ثماني عشرة سنة، فلمّا رآه الحسين رفعَ شيبته نحو السماء، وقال:

(اللّهمَّ اشهد على هؤلاء القوم، فقد برزَ إليهم غلام أشبه الناس خَلقاً وخُلُقاً ومنطقاً برسولك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كنّا إذا اشتقنا إلى وجه رسولك نظرنا إلى وجهه، اللّهمّ فامنعهم بركات الأرض، وإنْ منعتهم ففرّقهم تفريقاً، ومزّقهم تمزيقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا تُرضِ الولاة عنهم أبداً، فإنّهم دَعونا لينصرونا، ثمّ عَدَوا علينا يقاتلونا ويقتلونا.

ثمّ صاح الحسين بعمر بن سعد:مالكَ! قطعَ الله رَحِمك، ولا باركَ الله في أمرك، وسلّط عليك مَن يذبحك على فراشك، كما قطعتَ رحِمي، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ رفع صوته وقرأ:( إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) ).

ثمّ حملَ عليّ بن الحسين وهو يقول:

أنا عليُّ بن الحسين بن علي

نحن وبيت الله أولى بالنبي

والله لا يحكم فينا ابن الدعي

أطعنكم بالرمح حتّى ينثني

أضربكم بالسيف حتّى يلتوي

ضرب غلام هاشميّ علوي

فلم يزل يقاتل حتّى ضجّ أهل الكوفة لكثرة مَن قتلَ منهم، حتّى أنّه روي: أنّه على عطشه قتلَ مائة وعشرين رجلاً، ثمّ رجعَ إلى أبيه وقد أصابتهُ جراحات كثيرة، فقال:يا أبة، العطش قد قَتلني، وثِقل الحديد قد أجهَدَني، فهل إلى شربة من ماءٍ سبيل؟ أتقوّى بها على الأعداء؟

____________________

= عن ابن سعد في طبقاته (راجع: ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ، ومقتله من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد، تحقيق السيّد عبد العزيز الطباطبائي: ٧٣)، كما وردَ هذا أيضاً عن عبد الله بن مصعب الزبيري في كتاب (نسب قريش: ٥٧) ولم يجزم به.

٣٥٩

فبكى الحسين وقال:(يا بُنيّ، عزّ على محمّد، وعلى عليّ، وعلى أبيك، أن تدعوهم فلا يجيبونك، وتستغيث بهم فلا يُغيثونك، يا بُنيّ هات لسانك.

فأخذ لسانه فمصّه، ودفعَ إليه خاتمه وقال:خُذ هذا الخاتم في فيك، وارجع إلى قتال عدوّك، فإنّي أرجو أن لا تُمسي حتّى يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً) .

فرجعَ عليّ بن الحسين إلى القتال، وحملَ وهو يقول:

الحربُ قد بانت لها حقائق

وظهرت من بعدها مصادق

والله ربِّ العرش لا نفارق

جموعكم أو تُغمد البوارقُ

وجعل يُقاتل حتّى قتل تمام المئتين، ثمّ ضربهُ منقذ بن مُرّة العبدي(١) على مفرق رأسه ضربة صرعه فيها(٢) ، وضربه الناس بأسيافهم، فاعتنقَ الفرَس، فحمَلهُ

____________________

(١) في كتاب ذوب النضار: ١١٩: (وبعثَ - أي المختار - إلى قاتل علي بن الحسينعليه‌السلام وهو مرّة بن منقذ العبدي، وكان شيخاً، فأحاطوا بداره، فخرجَ وبيده الرمح وهو على فرس جواد، فطعنَ عبيد الله بن ناجية الشبّامي فصرعهُ، ولم تضرّه الطعنة، وضربهُ ابن كامل بالسيف فاتّقاها بيده اليسرى، فأشرع فيها السيف، وتمطّرت به الفرس فأفلتَ، ولحقَ بمصعب بن الزبير، وشُلّت يده بعد ذلك).

(٢) في إرشاد المفيد (ره): ٢: ١٠٦: (.. فشدّ على الناس وهو يقول:

أنا عليّ بن الحسين بن علي

نحـن وبيت الله أولى بالنبي

تالله لا يحكم فينا ابن الـدعيّ

أضرب بالسيف أُحامي عن أبي

ضَرب غلام هاشمي قرشي

ففعلَ ذلك مراراً، وأهل الكوفة يتّقون قتله، فبصرَ به مُرّة بن منقذ العبدي فقال: عليَّ آثام العرب إنْ مرَّ بي يفعل مثل ذلك إنْ لم أثكل أباه، فمرَّ يشتدّ على الناس كما مرَّ في الأوّل، فاعترضهُ مُرَّة بن منقذ فطعنه فصُرع واحتواه القوم فقطّعوه بأسيافهم).

وقال ابن شهرآشوب السروي في المناقب: ٤: ١٠٩: (فطعنهُ مُرَّة بن منقذ العبدي على ظهره غدراً، فضربوه بالسيف، فقال الحسينعليه‌السلام :(على الدنيا بعدك العفا) ، وضمّه إلى صدره وأتى به إلى باب الفسطاط، فصارت أمّه شهربانويه ولْهى تنظر إليه ولا تتكلّم!). =

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477