مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء ٤

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة12%

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 477

الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 260672 / تحميل: 8931
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء ٤

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

فقهاء يتوفّرون على تأليف فقهي ) عملهم على اتخاذه ( متناً ) للتعليق، أو الشرح، أو الدراسة أساساً، أي: التأليف الفقهي في ضوء ( المتون ) الفتوائية، سواء كانت رسائل عملية أو مجرّد فتاوى، وهذا ما ألمح إليه المؤرِّخون عندما أشاروا إلى أنّ المتون الفقهية مرّت بمراحل متنوِّعة، بدئت بكتاب ( النهاية ) للشيخ الطوسي ( ولا نغفل أنّ الطوسي بدوره قد اعتمد في بعض ممارساته على ( مقنعة ) المفيد،... والمهم: أنّ الحوزة العلمية الرشيدة التي امتدّت أكثر من ألف سنة، كانت تعتمد ( النهاية ) متناً، ثم اتخذت ( الشرائع ) للمحقّق، ثم ( وسيلة العباد ) للجواهري، ثم ( العروة الوثقى ) لليزدي، وهو هذا الكتاب الذي نتحدث عنه.

وممّا تجدر ملاحظته ( وهذا ما ألمحنا إليه ونؤكِّده الآن ) أنّ المتن المذكور ( العروة الوثقى ) لعلّه أكثر المتون الفقهية اهتماماً من قبل فقهائنا المحدثين، حيث حظي من جانب باتخاذه ( متناً ) للممارسة الاستدلالية الشاملة، ( ولعلّ أوضح مصاديقها هو كتاب ( مستمّسك العروة الوثقى )، وغيره من الممارسات، كما أنّه - من جانب آخر - حظي بتعليقات تُعدّ بالعشرات، وهو ما يقتصر على مناقشة بعض المتون، من خلال ما يسمّى بـ ( الحاشية ) إمّا مناقشة فتوائيّة فحسب، أو مصحوبة بالاستدلال، وفي الحالتين، فإنّ الاهتمام بهذا المتن بالنحو المتقدّم، يجعل الدراسة لهذا الجانب تحمل مسوِّغاتها، حيث اضطلعت أكثر من مؤسّسة بتجميع آراء الآخرين حيال المتن المذكور، متفاوتة في عدد ( المعلّقين )،... إلاّ أنّ الكتاب الحالي يعدّ أكثر الكتب حشداً للآراء.. كما هو ملاحَظ.

تأسيساً على ما تقدّم، يجدر بنا أن نتناول بالدراسة: نشاط (السيّد اليزدي ) فقهيّاً وأُصوليّاً - أو على الأقل فقهياً بمستوييه: الفتوائي والاستدلالي ( بخاصّة: الأخير )؛ لأنّه ( الخلفية ) التي تستند ( فتاواه ) إليها... ولحسن الحظ، أنّ السيّد اليزدي ترك لنا جملة مؤلّفات استدلالية تتفاوت في حجومها، مثل: ( منجزات المريض ) و( الظن... ) و( تكملة العروة الوثقى )، بالإضافة إلى دراسة استدلالية قد اتخذت من ( متن ) سابق وهو: الكتاب المعروف بالمكاسب للشيخ الأنصاري، قد اتخذت منه: وسيلة لممارسة فقهية معمّقة ومفصّلة... هذا مضافاً إلى كتاب أُصولي ضخم يتحدث عن ظاهرة التضارب بين النصوص بنمطيها: الظاهري والباطني، أو كما يطلق على ذلك

١٠١

مصطلح ( التعارض )، ومصطلح ( التكافؤ ) أو ( التعادل )، ومصطلح ( التراجيح )، وهو أهم الأبحاث الأُصولية؛ لأنّه - بوضوح - أكثر المبادئ ( تطبيقاً ) بخلاف الغالبية من المبادئ الأُصولية التي تضؤل أهميّتها العملية ( أي: الثمرة العلمية ) بالقياس إلى باب ( التعارض ) أو ( التضارب ) - كما نسمّيه - سواء أكان التضارب على مستوى السطح بحيث يجمع بين المتضاربين ( كالجمع العرفي المألوف )، وسواه، أو كان على مستوى ( العمق ) بحيث لا مناص من طرح أحد الطرفين ( مثل موافقته للعامّة ) أو العمل بالآخر ( مثل موافقة الكتاب )، أو العمل بكليهما: على مستوى ( التخيير ) وليس الجمع، أو الطرح لكليهما.. أو التوقّف أو الاحتياط... إلى آخره... ويتميّز الكتاب المذكور بسعة حجمه، وبدخوله في تفصيلات يمكن الاستغناء عنها، بخاصّة أنّ بعض المعنيين بهذا الشأن المعرفي قد يكتفون بثلاثين صفحة من الكتاب، بينما تجاوز الكتاب الذي عرضنا له: الستمئة صفحة..

المهم: بما أنّ ( التطبيق ) لمبادئ التضارب لا يتجانس مع ( النظرية ) من حيث الحجم الذي يستخدمه المؤلِّف، لذلك لا ضرورة كبيرة تدفعنا إلى مدارسة هذا الكتاب بقدر ما نقتبس منه بعض الفقرات؛ لأنّ المهمّ هو: ما نلاحظه من الممارسة الفقهية التي تعتمد هذا المبدأ الأُصولي أو ذاك... أي: نعتمد الممارسة التطبيقية لما يطرح من عمليات ( الجمع العرفي ) أو ( الترجيح )... أو... إلى آخره... عبر هذه المسألة الفقهية أو تلك... بالإضافة إلى سائر المبادئ التي يتوكّأ عليها في استخلاص الظاهرة الشرعية بنحوٍ عام...

وهذا ما نبدأ به الآن:

* * *

إنّ المرحلة الأُولى من ممارسة (السيّد اليزدي ) للظاهرة الفقهية، هي: تصديرها بالبُعد ( اللغوي )، أي من حيث التعريف بالظاهرة: موضوعة البحث دلالياً، ومدى انسحاب العنوان المنتخب على الموضوع، يستوي في ذلك أن يكون البحث فقهياً أو أُصولياً. وممّا لا شكّ فيه، أنّ طبيعة البحث العلمي يتطلّب الإحاطة بجوانب الموضوع جميعاً، وفي مقدّمته الجانب اللغوي، ما دامت اللغة هي الواسطة في التعبير عن موضوع البحث، لكن ينبغي أن نضع في الاعتبار أنّ البعد اللغوي يظلّ ( أداةً توظيفية ) وليس

١٠٢

غاية، وهذا ما يقتادنا إلى ملاحظة مهمّة بالنسبة إلى مطلق البحوث، ومنها: البحث الفقهي، حيث نجد أنّ الباحثين لا يكتفون بتعريف الموضوع لغوياً واصطلاحيّاً، في نطاق ما هو ضروري، بل يسهبون في البحث عن جذر الكلمة واستخداماتها، و... إلى آخره، حتى ليحس القارئ أنّه أمام معجم لغوي، وليس أمام بحث لا علاقة له باللغة إلاّ بمقدار الإضاءة الضرورية...

وفي ضوء هذه الحقائق نتّجه إلى (السيّد اليزدي ) لملاحظة استخدامه للبعد ( اللغوي )، حيث نجد عناية خاصّة منه قد لا نجدها عند الآخرين، فهو يدقّق في المفردة الفقهيّة أو الأُصولية، وينقّب في حفريّاتها إلى درجة ملحوظة، حتى نحسب أنّ بعض ممارساته تحمل القارئ على الاستفسار عن مدى فائدة هذا الإسهاب أو التغلغل اللغوي...

المهم: خارجاً عن ذلك يجدر بنا الاستشهاد بنماذج من ممارساته، وهي نماذج إيجابية دون أدنى شك...

من ذلك، مثلاً: في بداية بحثه الأُصولي في باب ( التضارب ) بين الأخبار، أي ( التعارض ) وهو العنوان الذي انتخبه لبحث الظاهرة المذكورة، حيث صدّرها بهذه الفقرات:

( عنوان المسألة بباب ( التعارض ) كما صنّفنا، وفاقاً لبعض أولى من عنوانها بباب التعادل والتراجح؛ لما هو واضح من أنّها من عوارضه وأقسامه، إذ التعارض قد يكون مع التعادل، وقد يكون مع الترجيح، ومن المعلوم أنّ الكلّي المتعارض - مع غضّ النظر عن قسيميه - أحكاماً... مثل أولويّة الجمع مهما أمكن، وأنّ الأصل في المتعارضين ماذا؟ وغيرهما ) ثم يذكر جواباً لمَن يجد مسوّغاً للعنوان التقليدي، ويعترض على ما ورد في ( القوانين ) من العنوان القائل ( باب التعارض والتعادل والترجيح )... بعد ذلك يقول: ( لا يخفى أنّ التعبير بالتراجيح فيه مسامحة من وجوه، أحدها: أنّ معادل التعادل: التراجح لا التراجيح، إذ هو مأخوذ إمّا من العدل بمعنى الاستواء... إلى آخره )...

ثمّ يقطع صفحات متعددة لمواصلة بحثه عن مفردات المصطلح المذكور، بحيث يصل إلى ما يقارب عشر صفحات، وهو أمر قد لا نجد له ضرورة...

١٠٣

بغضّ النظر عمّا تقدّم، فإنّ مجرّد انتخاب عنوان شامل - كما صنع السيّد اليزدي يظلّ أفضل - بلا شك - من المفردات الثلاث، ممّا استخدمها الأُصوليّون قدامى وحديثين أيضاً...

وما دمنا نتحدث عن انتخاب ( العنوان ) وضرورة شموليّته وتعبيره عن الموضوع المبحوث عنه، نجد أنّ السيّد اليزدي يتّجه إلى مناقشة كثير من المفردات التي جعلها الفقهاء ( عنواناً ) لممارساتهم،... ومن ذلك مثلاً: ما نلاحظه في كتابه الاستدلالي التعليقي ( حاشية المكاسب ) حيث تعرّض لجملة من المفردات التي اعتبرها غير مفصحة عن طبيعة الموضوعات... ومن ذلك: عنوان ( حفظ كتب الضلال ) أو عنوان ( ما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأناً ).. أو سواهما، حيث قال بالنسبة إلى العنوان الأخير:

( هذا العنوان إنّما يحسن إذا جعلنا المناط في النصوص ذلك، وتعدّينا إلى كلّ ما يكون كذلك، وأمّا على ما هو واقعه من الاقتصار على مواردها من السلاح أو مطلق آلات الحرب، فالأولى أن يقال ( وعدم بيع السلاح )، إذ المفروض خصوصيّة الموضع وعدم كون المناط ما ذكر من العنوان، فلا وجه للعنوان بما ليس موضوعاً ومناطاً... إلى آخره ).

والحقّ أنّ الملاحظة السيّد اليزدي صائبة، ما دمنا نعرف جميعاً: أنّ العنوان في البحوث العلمية يحتل أهمّيته الكبيرة من حيث انطوائه على موضوع محدّد وليس فضفاضاً... والأمر نفسه يمكننا ملاحظته في التعقيب على عنوان ( حفظ كتب الضلال ) حيث يتناول تعقيبه على العنوان المتقدّم مورداً آخر مضادّاً لسابقه هو: قصور العنوان عن استيعاب ما هو ( ضلال ) حيث لا يقتصر حظر الضلال على الكتب فحسب، بل يتجاوزه إلى المطلق؛ لذلك ينبغي تبديله إلى عنوان أشمل من الكتاب.

وفي هذا الصدد يقول: ( لا خصوصيّة للكتب في ذلك، فيحرم حفظ غيرها أيضاً ممّا من شأنه الإضلال.. فكان الأولى التعميم للعنوان ). هنا يحاول السيّد اليزدي توجيه العنوان المتقدّم بقوله: ( لعلّ غرضه المثال، لكون الكتب من الأفراد الغالبة لهذا العنوان، نعم يمكن الاستدلال على الخصوصية برواية ( الحذّاء ): ( مَن علّم باب ضلال كان عليه وزر مَن عمل به)... ونحن أيضاً يمكننا أن نوجّه إلى المؤلّف السيّد اليزدي نفس الإشكالية بالنسبة إلى

١٠٤

الرواية، حيث إنّ التعليم للضلال لا ينحصر في الكتاب، بل يشمل مطلق الخطاب الإعلامي من: خطبة أو كلام عادي... إلى آخره.

والمهم - في الحالات جميعاً - أن نشير إلى أنّ اهتمام السيّد اليزدي بالعنوان جعله يُعنى به من زوايا أُخرى مصحوبة بجملة نوافذ، ولعلّ تعقيبه أو تصدير ممارسته لظاهرة ( الوكالة ) - مثلاً - يوضح لنا منهجه في التعريف بالظاهرة من جانب، ثم مقارنة العنوان بما تماثله أو تخالفه من سوى ذلك، حيث إنّ تعريفه للظاهرة المبحوث عنها تفرض ضرورتها لكي تتبيّن دلالة الوكالة أو الهبة أو الوقف... إلى آخره، ولكنّ الأهم من ذلك هو: المقارنة مع غيرها من الظواهر في حالة ما إذا كانت ثمّة نقاط مشتركة بين العنوان المبحوث عنه وسواه، وهذا ما نلحظ في النص الآتي:

( الوكالة: وهي استنابة في التصرّف في أمرٍ من الأُمور في حال حياته، بخلاف الوصاية فإنّها بعد الموت. وقد يقال في الفرق بينهما: إنّ الوصاية إعطاء ولاية، وفي هذا الفرق تأمّل، بل منع. وأمّا الفرق بينهما وبين الوديعة فهو أنّها استنابة في الحفظ، بل لا يلاحظ فيها الاستنابة وإن استلزمتها، وأمّا بينها وبين العارية فواضح، وكذا المضاربة إذ حقيقتها ليست استنابة وإن تضمّنتها ( في الجملة ) ).

واضح من هذا النص أهميّة هذه الفوارق أو المشتركات بين الظواهر المشار إليها: العارية، الوصاية، الوديعة، المضاربة، حيث أوضح السيّد اليزدي السمات المشتركة المتمثّلة في ( الاستنابة ) بنحوٍ أو بآخر، مع الفوارق بين الاستنابة في مستوياتها وبين الوكالة، وبين ما ذكره من الظواهر...

على أيّة حال: ندع الآن هذا الجانب اللغوي بصفته مجرّد ( مقدّمة ) للدخول إلى الموضوع الرئيسي وهو: الممارسة الاستدلالية للظاهرة، واستخلاص حكمها، أو دلالتها، حيث نتجه إلى الخطوط التي تنتظم منهج السيّد اليزدي في ممارساته بنحو عام.

* * *

بالنسبة إلى الخطوط المنهجية، التي يمكن أن يستخلصها الدارس لممارسة السيّد اليزدي في تناوله للظاهرة الفقهيّة، تظل متفاوتة من ممارسة إلى أُخرى، بحسب ما يتطلّبه الموقف، فمثلاً: عندما يتناول الظواهر التي يعقّب بها على ( الأنصاري ) في حاشيته على

١٠٥

المكاسب، فإنّ تناوله يختلف بطبيعة الحال عن معالجته المستقلّة للظاهرة، كما هو ملاحظ في ( تكملة العروة ) حيث يتناول فيه الظاهرة استدلاليّاً بالقياس إلى العروة المتميّزة بفتاواها فحسب، كما يتناول الظاهرة استدلالياً في سائر نتاجه المتمثِّل في: ( منجزات المريض )، ( الظن ) ولكن بعامّة، ما دمنا نستهدف الإشارة إلى خطوط المنهج بحسب تسلسله؛ نلاحظ أنّ السيّد اليزدي بعد أن يتناول الظاهرة لغوياً، يتقدّم إلى طرح ( فتواه ) مصحوبة بالإشارة الإجمالية أوّلاً إلى الأدلة الرئيسة: الكتاب، السنّة، الإجماع، العقل. أو الأدلة الثانوية وفي مقدّمتها: ( الشهرة ) بحيث يعني بها بنحو ملحوظ، أو الدليل العملي... إلى آخره، ولكن ينبغي أن نشير إلى أنّ السيّد اليزدي عندما يتناول الظاهرة الفقهيّة العامة ( مثل: الأبواب الفقهيّة: الربا، الوكالة، الوقف، الضرر... إلى آخره ) فإنّه ليختلف عن معالجته لتفريعاتها أو مسائلها الجزئية، حيث يُعنى بالظاهرة العامة بالتعريف، وبتصدير ما يتطلّبه الباب من تعقيب أخلاقي، كما هو ملاحظ مثلاً في معالجته لظاهرة ( الربا ) حيث يعرض أوّلاً فتواه الذاهبة إلى التحريم، مشيراً إجمالاً إلى الأدلة الرئيسة على هذا النحو ( الربا المحرّم بالكتاب والسنّة وإجماع المسلمين، بل ضرورة الدين ) ثم يقول ( فمستحقّه داخل في سلك الكافرين، وأنّه يقتل.. )... إلى آخره، ثمّ يستشهد بروايات كثيرة تحوم جميعاً على إبراز العقاب المترتّب على ممارس الربا... وفي تصوّرنا أنّ تصدير ( الباب ) بأمثلة هذا البعد الأخلاقي؛ يجسّد ضرورة لا غنىً عنها من حيث أثرها على القارئ، حيث إنّ الهدف أساساً هو حمل الشخصية على معرفة الحكم وترتيب الأثر عليه، وهو: عدم ممارسة ما هو محرَّم أو مكروه... إلى آخره.

والآن، ما يهمّنا بعد الإشارة إلى مقدّمات الممارسة الفقهيّة من تحقيق لغوي وتعريف أخلاقي، ما يهمّنا هو: ملاحظة الأدوات الاستدلالية التي يستخدمها السيّد اليزدي في معالجته للظاهرة الفقهيّة، حيث تمثّل خطوط ممارسته على هذا النحو:

1 - تصدير الفتوى، مصحوبة بالأدلة الإجمالية في الغالب: كما لاحظنا في تصديره لظاهرة الربا، حيث قال: ( المحرّم بالكتاب والسنّة، وإجماع المسلمين، بل ضرورة الدين ).. فهنا: إشارة إلى الأدلة الرئيسة.. جميعاً الكتاب والسنّة... إلى آخره، وقد يكتفي بدليل واحد: كالإجماع مثلاً، وهو ما يطبع غالبيّة نتاجه، مثل تصديره لظاهرة

١٠٦

وقف الكافر: ( لا يشترط في الواقف أن يكون مسلماً... بالإجماع ). أو السنّة مثل: ( الأقوى: صحّة وصيّة مَن بلغ عشراً للأخبار... ). أو بالعقل، أو بدليلين كالكتاب والسنّة، مثل: ( تعتد المتمتَّع بها... للآية:( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ... ) والصحيح، أو بثلاثة: الكتاب، والسنّة، والإجماع ). لكن خارجاً عن هذه المستويات من الأدلّة ( الاستهلاليّة ) التي تتصدّر الفتاوى، فإنّ المهم هو: كيفيّة التعامل مع الأدلّة ذاتها، أي: كيفيّة تعامله مع الكتاب، مع السنّة، مع الإجماع، مع العقل، مع الشهرة، مع الأصل... إلى آخره.

بالإضافة إلى ( الأدوات ) التي يستخدمها في هذه الميادين، وفي مقدّمتها ( الظواهر اللفظية ) وسواها...

ونقف أوّلاً عند تعامله مع ( السنّة ) بخاصّة فيما يتصل بـ ( القول ) بصفته هو الغالب في التوكّؤ عليه بالقياس إلى ( التقرير ) و( الفعل )، وبصفته هو الغالب من الأدلّة بالقياس إلى الكتاب، والإجماع... إلى آخره، على أن نتّجه إليها فيما بعد...

إذن: لنتحدّث عن كيفيّة تعامل السيّد اليزدي مع ( الأخبار ) وهي - كما قلنا - المادة الغالبة في التعامل...

وهذا فيما يتصل بالأدلة الرئيسية: ( الكتاب، السنّة... إلى آخره )، أمّا ما يتصل بالأدلة الثانوية من: ( شهرة ) أو ( أصل )، فإنّ السيّد اليزدي يتوكّأ عليها بطبيعة الحال. أمّا استقلالاً أو ضمناً، أو توظيفاً، فمن أمثلته الأخيرة، مثلاً، بالنسبة إلى شرائط الواقف إذا بلغ عشر سنين ( المشهور على عدم صحّته لعموم ما دلّ... ) حيث إنّ السيّد اليزدي يوظّف دليل الشهرة ( وهو ثانوي ) لتجلية ( دليل رئيسي ) وهو: السنّة،... ولسوف نتحدث عن مستويات تعامله مع الأدلة المشار لها في حينه... سواء أكانت متصلة بالشهرة وأقسامها، أو بالأُصول العملية وسواهما، أمّا الآن فقد استهدفنا مجرّد الإشارة إلى أدوات السيّد اليزدي التي يستخدمها في ( استهلال ) أدلّته إجمالاً، حيث لاحظنا تفاوت ممارسته من حيث السعة وعدمها، بحسب متطلّبات المسألة ذاتها... والآن نتّجه إلى ملاحظة تعامله مفصّلاً مع ( الأخبار )، وفي هذا الميدان نقول:

يظلّ التعامل مع النص ( الأخبار ) - كما قلنا - أهم المحاور التي يرتكن إليها الفقهاء، يليها التعامل مع ( الأصل ) في أبواب بعض المعاملات أو غالبيّتها... ولكن ما يعنينا

١٠٧

الآن هو: التعامل مع النص... وأوّل ما يمكن ملاحظته هنا، هو: أنّ التعامل مع النص يندر أو يضؤل حجمه في حالة ما إذا كان الأمر مرتبطاً بتفسيره أو تأويله أي: استخلاص دلالته، ولكنّ العكس تماماً يتضخّم حجم التعامل مع النص في حالة ( تضاربه مع الآخر )، وهذا ما يجسّد غالبية الممارسات الفقهيّة... ولعلّ ما لاحظناه بالنسبة إلى السيّد اليزدي في جعل ممارساته الأُصولية منحصرة ( في نطاق التأليف ) في باب ( التعارض ) الذي قاربت صفحاته (600 )(1) ، يفسّر لنا أهميّته ومن ثمّ غالبيته الممارسة لهذا الجانب؛ لذلك، نحاول عرض المنهج الذي يتعامل السيّد اليزدي من خلاله مع النص ( المتضارب )، سواء أكان التضارب في نطاق الظاهر أي: التأليف بين الأخبار - الجمع العرفي أو نطاق الباطن ( التعارض ) المُفضي إلى طرح أحد المتضاربين - أو سقوطهما... إلى آخره.

ونبدأ أوّلاً بملاحظة تعامل السيّد اليزدي مع التضارب الظاهري، المُفضي إلى التأليف بين المتضاربين من خلال حمل أحدهما على الندب، أو الكراهة، أو التخصيص، أو التقييد، أو الحكومة، أو الورود... إلى آخره.

هنا، نجد أنّ ( السيّد اليزدي ) - امتداداً مع وجهة نظر ( الطوسي ) الذي عني عنايةً تامّة بمقولة: ( العمل بالخبر ما أمكن من الطرح ) حتى وصل به الأمر إلى أن يبالغ في تفسير أو تأويل المتضارب من النصوص، بما قد لا يحتمله النص، والمهم أنّ السيّد اليزدي يكاد يشدّد في هذا الجانب بنحوٍ ملحوظ، وهو ما نلحظه نظرياً ) في مقدّمة كتابه الأُصولي ( التعارض )، حيث يصرّح بذلك بسفور، أو ما نلحظه ( وهذا ) هو الأهم في تطبيقاته للقاعدة، حيث نجد أنّ كثيراً من الممارسين لا يسحبون نظريّاتهم الأُصولية على الممارسة التطبيقية فقهياً، وهو ما يحملنا على دراسة النص الفقهي التطبيقي، بدلاً من دراسة الخطوط النظرية لهذا المبنى الأُصولي أو ذاك.

ومع عودتنا إلى السيّد اليزدي في تعامله مع النصّين المتضاربين ظاهرياً، نجده - كما هو لدى الغالبية من الفقهاء - يُعنى بعملية الجمع العرفي ما وجد إلى ذلك سبيلاً، وهذا ما يمكننا أن نلاحظه من خلال النماذج الآتية، منها:

____________________

(1) انظر: بحث ( تصانيفه ومؤلَّفاته ).

١٠٨

الحمل على الاستحباب: مثل تأليفه بين الأخبار القائلة بعدم العدّة على غير المدخول بها، وبين القائل بها، حيث قال عن الأخير: ( وخبر عبيد محمول على الاستحباب... ). إنّ أمثلة هذا الحمل متوافرة بعدد هائل، إلاّ أنّ مستويات الحمل تظلّ متفاوتة من حين التوكّؤ على جملة عوامل،... منها: تأييد الحمل بأدلّة ثانوية من نحو العمومات والإطلاقات والأصل... إلى آخره، وهذا ما يمكن ملاحظته في ممارسته الذاهبة إلى عدم وجوب العدّة من السفاح، حيث ذهب صاحب الحدائق إلى وجوبها بموجب خبرين، فجاء الردّ على ذلك بقوله: ( وحمل الخبرين على الندب للأصل، وللعمومات، وإطلاق ما دلّ على جواز التزويج... إلى آخره )، ومن الواضح أنّ إرداف ( الحمل على الندب ) بأمثلة هذه الأدلّة، يمنح الممارسة ثقلاً أكبر من مجرّد الحمل غير المصحوب بالتعليل، وإن قلنا بأنّ الحمل العادي رسمه النص الشرعي ليس مجرّد مبنىً يعتمده هذا الفقيه أو ذاك من خلال تذوّقه... ومنها:

الحمل على الندب - أيضاً - لكن من خلال التردّد بين محامل متعددة، وهذا ما نلحظه في تأليفه بين الطائفة القائلة بتعدد العدّة مع تعدّد السبب، والقائلة بالتداخل، حيث ذهب المؤلّف إلى التداخل، وحمل الطائفة الأُولى على مترددين، قائلاً: ( فتحمل على الندب أو التقية... )، بيد أنّ السؤال هنا هو: هل أنّ الحمل على الندب يحمل مسوّغاته في هذا المورد؟ بخاصة أنّ المؤلّف عندما ردّد بين الندب وبين التقية، رجّح التقية على الندب، من خلال استشهاده بحادثة لأحد خلفاء العامّة، كما استشهد بخبرين من خلال تصريح المعصوم (عليه السلام) بالتداخل جواباً على القائل بتعدّد العدّة.

ومن البيّن أنّ هذه القرائن من حيث وضوح أرجحيّتها ( وهي: التقيّة ) حينئذٍ فإنّ الحمل على الاستحباب يفقد مسوّغه، إلاّ إذا انسقنا مع الاتجاه الفقهي الذاهب إلى أنّ التردّد أو تعدّد الأدلّة من رجحان بعضها على الآخر لا غبار عليه؛ لأنّه مجرّد فرضيّة يتطلّبها النقاش، أو مجرّد طرح يحتمل أحد مصاديقه: إمكانية الصواب.

خارجاً عن ذلك، إذا ذهبنا لمتابعة تعامل المؤلِّف مع ( الحمل على الندب ) في مستوياته المتنوّعة، نجد أنّه يعرض إمكانية الحمل على الندب، ولكنّه مع تحفّظ هو: استبعاده، ففي معالجته لعدّة المتمتَّع بها يطرح الأقوال المعروضة في الظاهرة، وهي أربعة أقوال، منها: القول الأوّل حيث رجّحه ( وأيضاً )، القول الثاني: وأسقط القولين

١٠٩

الآخرين وقال: ( الأقوى هو الأوّل، لرجحانه بالشهرة، وشذوذ الثاني، مع أنّ مقتضى الاستصحاب على فرض التكافؤ هو الأوّل، وإن كان يجوز الجمع بينهما بحمل أخبار الأوّل على الاستحباب لكنه بعيد... ). ما يهمّنا هو: فقرته الأخيرة الذاهبة إلى إمكانية الحمل على الاستحباب، واستبعاده ذلك..

وبغض النظر عن ترجحه بالشهرة، وطرح الآخر لشذوذه، وذهابه إلى اقتضائية ( الاستصحاب ) حيث سنتحدث عن هذه ( الترديدات ) في حينه - إن شاء الله - بغضّ النظر عن ذلك، فإنّ إمكانية حمل الخبر المتضارب مع الآخر على الندب، وفي نفس الوقت استبعاده يظلّ واحداً من أشكال التعامل مع ظاهرة ( الجمع العرفي ).

وما دام هذا النص من حيث استبعاده للحمل على الاستحباب، يشكّل تحفّظاً حيال الجمع العرفي المذكور، فإنّ المؤلّف في سياقات أُخرى، يتجاوز التحفّظ إلى الرفض: عندما يناقش الأقوال التي تحمل الخبر على الندب، في حالات لا يساعد السياق على ذلك، ومنه مثلاً: في معالجته للمتوفّى زوجها من حيث العدّة يستشهد بطائفتين، تتحدث أحدهما: عن أنّها تبدأ مع بلوغ المرأة خبر وفاته، والطائفة الأُخرى: عن غير ذلك، حيث جمع صاحب المسالك بينهما على الاستحباب، والحمل على التقيّة عند ابن الجنيد، وآخر: التفصيل.

وعقّب المؤلّف على الرواية الأُخرى: (... شاذّة محمولة على التقيّة، فلا وجه للعمل بها )، (... ولا الجمع بين الفرقتين بحمل المتقدّمة على الاستحباب... ).

إذن: يتفاوت المؤلّف في تعامله مع ظاهرة ( الجمع العرفي ) من خلال العمل على الندب: بين اليقين والترديد والتحفّظ والرفض بحسب متطلّبات السياق.

وإذا اتجهنا إلى الجمع العرفي المقابل للندب وهو الكراهة، حينئذٍ فإنّ العملية ذاتها نلحظها في ممارسات المؤلّف.

وهذا من نحو ممارسته التي تساءل فيها عن جواز أو عدم ذلك، بالنسبة إلى الوكيل الذي أمره موكِّله بأن يدفع مالاً إلى عنوان ينطبق عليه، حيث ذكر المؤلّف قولين في ذلك، كما ذكر روايتين متضاربتين لراوٍ واحد، موضِّحاً بأنّ المانعة لا تقاوم المجوِّزة، معقِّباً على المانعة: ( فينبغي أن تُحمل على الكراهة، بل هو مقتضى الجمع العرفي الدلالي )، وإذا كان السيّد اليزدي ينصّ على ( كراهة ) النص المضارب في الممارسة

١١٠

السابقة، فهو ( يحتملها ) في الممارسة القائلة: ( لا ينبغي الإشكال في عدم جريان الربا في غير المكيل والموزون مطلقاً، بل يمكن حمل كلام المفصِّلين أيضاً على الكراهية... ).

وأمّا الترديد بينها وبين سواها، فيمكن ملاحظته في ممارسته القائلة ( في باب الوكالة ) بكراهة بيع ما لديه من المواد لموكِّله، حيث ينقل جواز ذلك للأخبار، ويضيف ( وأمّا الأخبار المانعة محمولة على الكراهة )، ثم يعلّل ذلك أنّ ذلك يعرّض الوكيل للتهمة والخديعة، قائلاً: ( كما يُشعر على فهم بعض تلك الأخبار، لكن الأحوط مع ذلك ).

فهنا نجد المؤلّف قد التجأ إلى ( الحمل على الكراهة ) ترديداً بينها وبين الاحتياط، حيث يعني: الاحتياط ترجيح الحرمة لديه... وفي هذه الممارسة نلحظ سوى الترديد بين استخلاصين، ظاهرة ثالثة لاحظناها أيضاً عندما تحدثنا عن ( الحمل على الاستحباب ) حيث أردف في بعض ممارساته: الحمل بتوضيح الأسباب المفضية إلى الجمع... هنا أيضاً: يردف حمله على الكراهة، بالركون إلى الأخبار الأُخرى التي توحي بدلالة الكراهة...

وإذا كان المؤلّف هنا يتردّد بين استخلاصين، فإنّه في الممارسة الآتية يتردّد بدوره، ولكن يتّجه إلى التعليل لأحد المتردّدين ممّا يشكّل سمة سلبية، كما لاحظنا ذلك عند حديثنا عن ( الحمل على الاستحباب ).. يقول المؤلّف عبر بحثه عن إحدى المسائل المتعلّقة بـ ( الربا ): ( فتحمل على الكراهة في النسيئة ) أو على التقيّة؛ لأنّ التفصيل مذهب العامّة. واضح أنّ الترديد هنا - كما لاحظنا في حمله الظاهر على محمل الندب. وتفصيله للآخر بين الكراهة وبين التقيّة، لا يجيء لصالح الكراهة بل التقيّة؛ لأنّ التعليل الذي قدّمه وهو: أنّ التفصيل هو مذهب العامّة، يفصح عن تفضيله للتقيّة، كما هو واضح؛ لذلك لا معنى لحمله على الكراهة، وهذا ما يسجّل على المؤلّف.

المهم: أنّ الخطوات التي قطعها المؤلّف في تعامله مع ( الحمل على الاستحباب ) يمارسها أيضاً في تعامله مع الحمل على الكراهة - كما لاحظنا ذلك - ومنها: ظاهرة ( التحفّظ ) أو الرفض لما يحتمله فقيه آخر في ممارساته، ومنهم: المقدّس الأردبيلي، في حمله على الكراهة في بعض مسائل الربا، وهي مسألة أنّ المواد

١١١

الأصلية والمتفرّعة من الشيء تتماثل حرمة الربا فيها، كالدقيق والسويق مثلاً، ومطلق ما هو أصل وفرعي، حيث استدلّ عليها بالأخبار مقابل أخبار معارضة، حيث حملها الأردبيلي على الكراهة، فقال: ( بحمل الأخبار المذكورة على الكراهة )، هنا عقّب المؤلّف على الحمل المذكور وسواه، بأنّ المراد ليست جميعاً محكومة بهذه السمة؛ لأنّ الحليب ومتنوّعاته مثلاً ليست كالدقيق والسويق؛ لذلك فإنّ الأظهر التفصيل بين المادتين... إلى آخره، وبذلك يكون المؤلّف قد رفض ذلك الحمل ( أي الكراهة ).

المهم: نكتفي بما ذكرناه من الظواهر المتّصلة بحمل أحد المتضاربين من الأخبار على الكراهة أو الندب، بالنحو الذي تقدّم الحديث عنه.

* * *

أمّا الآن فنتّجه إلى حلّ آخر للتضارب الظاهري بين الأخبار، وهو الحمل المؤدّي بالتأليف بينها من خلال حمل المطلق والعام، والمجمل على المقيد، والخاص والمفصّل، وهو باب واسع من الأبواب البحثيّة التي يتوفّر الفقهاء عليها.

إذن: لنلاحظ تعامل السيّد اليزدي مع أمثلة هذه المحامل... طبيعياًَ، أنّ الحمل على المقيد والخاص والمبيّن، بالنسبة إلى الخبر المطلق والعام والمجمل، يختلف عن الحمل السابق، أي الندب أو الكراهة، من حيث إنّهما ( يفاضلان ) بين خبر على آخر، بينما نجد محامل المقيّد والخاص والمبيّن، تقوم على إلقاء الإضاءة من أحدهما على الآخر، حيث إنّ المقيّد يلقي بإنارته على المطلق، وهكذا سواه، فيتمّ التأليف بين المتضاربين على مستوى الدمج بين الروايتين، وليس الفصل بين فاضل ومفضول ( كما هو شأن الحمل على الندب أو الكراهة )...

المهم: يجدر بنا أن نستشهد ببعض الممارسات لدى السيّد اليزدي في هذا الميدان... ومنها، مثلاً: في ميدان الحمل البسيط للعام على الخاص، ذهابه ( وهو يناقش الأنصاري في مكاسبه ) بالنسبة إلى الأحكام المتّصلة بالأرض من حيث صلتها - حالة الفتح - بإذن الإمام (عليه السلام) أو عدمه، مستشهداً برواية ( خاصّة ) لابن وهب تذهب إلى أنّ الأرض المفتوحة إذا كانت بإذنه (عليه السلام) يأخذ الإمام (عليه السلام) الخمس، ويأخذ المقاتلون نصيبهم منه، و... ويعلّق على الرواية بقوله: ( فهي صالحة لتخصيص الآية ) أي آية الخمس:( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ... ) وأمّا في ميدان الممارسة

١١٢

المركّبة، فيمكننا ملاحظة ذلك في الممارسة الآتية التي يتوكّأ المؤلّف فيها على حمل المطلق على المقيّد، والمجمل على المفصّل، وهو يرتبط بعدّة المرأة التي فُقد زوجها، يقول السيّد اليزدي بعد نقله للأقوال، وإشارته إلى اختلاف الأقوال من أنّها راجعة إلى اختلاف الأخبار ذاتها، قائلاً: ( والحاصل أنّه يحمل المطلق منها على المقيّد، والمجمل على المفصّل فيصير الحاصل أنّ عند انقطاع خبره... ) إلى آخره. وهذا أُنموذج واضح لعمليّات التأليف بين النصوص، وتتميّز هذه الممارسة بأنّها تجمع بين أخبار متضاربة متنوّعة، وليس بين طائفتين فحسب؛ لذلك تجسّد ممارسة مركّبة وليس بسيطة لعملية التأليف بين النصوص، فهو يقول تعقيباً على طوائف الأخبار التي أوردها:

( إنّ مقتضى الجمع بين الأخبار المذكورة لزوم الطلاق بتقييد خبر سماعة بسائر الأخبار، ولزوم كون العدّة عدّة وفاة بتقييد أخبار الطلاق بخبر سماعة والمرسل، ولزوم رفع الأمر إلى الحاكم وكون ضرب الأجل بتعيينه، وكون ابتداء الأجل من حين ضربه، بتقييد خبر الحلبي وخبر أبي الصباح بخبر بريد وخبر سماعة ).

إنّ هذه الممارسة التي سمّيناها ( بالحمل المركّب ) مقابل الحمل المفرد أو البسيط الذي يحمل خبراً مطلقاً على خبر مقيّد، أو عامّاً على الخاصّ، أو المجمل على المفصّل؛ يكشف لنا عن براعة السيّد اليزدي في تأليفه الموفّق بين نصوص متضاربة.

هنا يحسن بنا أن نقدّم نموذجاً مفرداً بسيطاً لملاحظة ما قلناه من أنّ الحمل الذي يتوكّأ على إضاءة خبرين متضاربين بخبر ثالث، حيث يمكننا أن نستشهد بالممارسة الآتية، وهي: تأليف السيّد اليزدي بين نصّين متضاربين، يؤيّد أحدهما بأنّ المؤلّف بينهما من خلال الإشارة إلى نصٍّ ثالث وهو مرسلة ابن عمير، التي رسمت الفارق بين المرأة القرشية، وحدّدها بالستين، والعاميّة: وحدّدها بالخمسين.

المهم: أنّ أمثلة هذه التأليفات بين النصوص من خلال إلقاء أحدهما الإنارة على الآخر تقتادنا إلى أمثلة أُخرى، منها: ما يطلق عليه مصطلح ( الحكومة ) و( الورود )، حيث يعني الأوّل منهما أن تكون الرواية ( الحاكمة ) قبالة الأُخرى، محدّدة لموضوعها، والرواية ( الواردة ) رافعة للموضوع. وهذان المصطلحان يندر التوكّؤ عليهما في الممارسات الفقهيّة، حيث يردان على استحياء على ألسنة بعض الفقهاء، ويمكننا بالنسبة

١١٣

إلى ( الحكومة ) ملاحظة ما سبق أن استشهدنا به في ممارسته المرتبطة بالأرض المفتوحة بإذن المعصوم (عليه السلام)، أو عدمه، حيث يعقّب - بعد تخصيصه عموم الآية - باحتمال آخر هو ( حكومة ) الرواية المتحدثة عن إذن الإمام (عليه السلام) وعدمه، بالقول: ( بل يمكن دعوى حكومتها على العمومات الدالّة على كون ما أُخذت عنوة للمسلمين )...

* * *

تبتغي الإشارة سلفاً إلى أنّ التعادل التام يضؤل حصوله بالقياس إلى الأرجحية لخبر - دون مقابله: كالأرجحية - كما هو معروف - بأحد الوجوه المشار إليها.. وإذا كان ثمّة تفاوت لاحظناه بين الفقهاء بالنسبة إلى أرجحيّة أحد المرجّحات، في حالة عدم التعادل، فإنّ نظرات الفقهاء تتفاوت بدورها بالنسبة إلى التعادل بين طرفي المتضاربين، حيث يذهب بعضهم إلى التساقط، والآخر إلى التخيير... إلى آخره.

ويلاحظ أنّ السيّد اليزدي كما ذكر ذلك في كتابه الأُصولي - وكما لاحظناه في نص ممارساته التطبيقية - يجنح إلى ( التخيير )، ولكن بما أنّ التعادل - كما قلنا - يضؤل حصوله بالقياس إلى عدم التعادل، حينئذٍ فإنّ المهم هو: أن نتّجه إلى هذا الجانب من ممارسات السيّد اليزدي.

فماذا نستخلص؟

* * *

كما قلنا: السيّد اليزدي لا يُرجّح مرجّحاً على آخر إلاّ ما يتطلّبه السياق، حيث لا ترتيب بين المرجّحات.. هذا من جانب.. ومن جانبٍ آخر: يجدر بنا ملاحظة أي المرجِّحات يتكاثر على سواه في ممارساته.. حيث يبدو أنّ ( مخالفة العامّة ) و( الأشهرية ) يطغيان على المرجحين الآخرين: الأوثقية، والموافقة، مع تحفظنا على ما استخلصه من ( الأشهرية ) من الفتوى أو الرواية أو كلتيهما...

أمّا سبب ندرة الترجيح بموافقة الكتاب، فلأنّ الكتاب الكريم أساساًَ لا يتضمن جميع الأحكام وتفصيلاتها حتى يركن إليه في كل حادثة وهذا ما يتماثل فيه تناول السيّد اليزدي سواه... ولكن بالنسبة إلى ضئالة الترجيح بالأوثقية، فثمّة تفاوت بين السيّد اليزدي - ويشاركه آخرون كثيرون - بين آخرين من حيث التشدّد في السند وعدمه، ومن

١١٤

حيث الارتكان إلى مرجّح ( الشهرة ) أو عدمه، حيث يعدّ اليزدي من النمط الذي يُعنى بالشهرة في الفتوى غالباً - كما سنلاحظ - ويتوكّأ عليها كثيراً في ممارساته، ولا يُعنى بالأوثقيّة إلاّ في الدرجة الثانية، كما أنّ تعامله مع ( الأكثرية ) - الشهرة في الخبر - يشكّل في الدرجة الأدنى: مع أنّه يستخدمها - أي مرجّح الأوثقية والأكثرية - في سياقات خاصّة، ومنها: ما يتّصل بالاحتياط مثلاً، أو حتى في سياق سواه إذا كان اليزدي مناقشاً بالتفصيل أقوال الآخرين في المسألة، حيث يجعل من الأكثرية والأوثقية مرجّحاً ( مؤيّداً ) وحتى ( أصلياً ) في حالة عدم حصوله على مرجّح الأشهريّة أو المخالفة.

* * *

ما تقدّم، يجسّد ملاحظات على الممارسة الفقهيّة الخاصّة بالتعامل مع الأخبار المتضاربة ظاهرياً، حيث يتّجه الفقيه إلى الجمع الدلالي ما وجد إلى ذلك سبيلاً. أمّا الآن فيمكننا ملاحظة الممارسات الخاصّة بالتعامل مع الأخبار المتضاربة باطنياً أو داخلياً، حيث يتعادل المتضاربان المتضادان في خصائصهما الخبرية، بحيث لا يترجّح طرف على آخر، أو يترجّح أحدهما على الآخر، بخصّيصة أو أكثر، وهذا ما يشكّل - كما أشرنا - غالبية الممارسات الفقهيّة، بخاصّة: أن النصوص الشرعيّة كما هو واضح، رسمت للفقيه طرائق العلاج للخبرين المتضاربين المتضادين، عبر نصوص متنوّعة تتحدث حيناً عن المتكافئين، فترسم له حلولاً للتخيير أو التوقّف.. وترسم حلولاً للراجح منهما من خلال: الأوثقية والأشهرية، ومخالفة العامّة، وموافقة الكتاب؟.. وهذا ما يتوفّر الفقهاء عليه بطبيعة الحال، إلاّ أنّ التفاوت في وجهات النظر من حيث الأرجحية لأحد المرجّحات فيما بينها، فيما ذهب بعضهم إلى ترتيب خاص ورد في النص، وذهب البعض الآخر إلى عدم الترتيب، ومن ثمّ فإنّ الغالبية من الفقهاء تذهب إلى الرأي الثاني، بحيث تُقرّ أنّ الفقيه بحسب ما يراه السياقات المتنوّعة التي يرد فيها الخبران المتضاربان، حيث يتحرك بحسب خبرته الذوقية للنصوص، فربّما يبدأ بترجيح الأوثقية، أو الأشهرية، أو المخالفة، أو الموافقة.. وهذا في تصوّرنا هو الموقف الصائب؛ لسبب واضح وبسيط جداً هو: أنّ الأخبار العلاجية لا تقف عند نصيّ ابن حنظلة وزرارة اللذين ورد فيهما ترتيب خاص، بل ثَمّة نصوص متنوّعة أُخرى، لا تردّ فيها سلسلة المرجّحات المذكورة في الروايتين المذكورتين كالاقتصار مثلاً على

١١٥

مخالفة العامّة، أو غيرها من المرجّحات، ممّا يكشف ذلك من أنّ الأولوية لمرجّح دون آخر، في الحالات جميعاً، لا يمكن أن يكون صائباً..

وبالنسبة إلى السيّد اليزدي، نجده يذهب إلى الاتجاه ذاته من خلال كتابه الأُصولي الكبير ( التعارض ) حيث بحث ذلك نظرياً، من خلال ممارساته الفقهية، كما بحث ذلك تطبيقيّاً وهذه - أي البحوث التطبيقيّة - هو: ما نعتمد عليه الآن في ملاحظاتنا على ممارسة اليزدي، وأمّا كتابه النظري البالغ (600 ) صفحة فلا شغل لنا به لكونه ( نظرية ) وليس ( تطبيقاً ذا ثمرة عملية ).

إذن: لنتحدث عن هذا الجانب، أي: تعامل السيّد اليزدي مع ظاهرة ( التقيّة ) في الغالب مع ضم مرجّح آخر، كما يتعامل على مستوى الاحتمال حيالها، ويتعامل ثالثة مع التردّد حيالها، ويتعامل رابعة: مع رفضٍ لها عند مناقشته الآراء الفقهيّة... وأخيراً: يتعامل مع التقية عبر حالتين، إحداهما غير مشفوعة بالتعليل، بل لمجرّد مخالفة الخبر الذي يرجّحه لفتوى العامّة، والأُخرى يشفعها بقرينة أو بأكثر ويبرع فيها غالباً..

ونستشهد بنماذج في هذا الميدان؛ منها:

- فيما يرتبط بتعامله مع ( التقيّة ) مشفوعة بمرجّح آخر، ينتخبه غالباً من خلال ( الخبر الشاذ ) حيث إنّ إيمانه بالشهرة يدفعه إلى الثقة في رفض مقابله وهو: الشذوذ، وهذا ما نلحظه - مثلاً - في ممارسة تتّصل بعدّة الأمَة، حيث ينقل طائفتين وأقوالاً حيال ذلك، حيث رفض خبراً عمل به ابن الجنيد، ويعقّب على الرواية قائلاً: ( شاذّة، محمولة على التقيّة، فلا وجه للعمل بها كما عند ابن الجنيد... ).

- وأيضاً نلاحظ ممارسة أُخرى يحمل خلالها الرواية على التقيّة، مشفوعة بشذوذها، وهي تتّصل بعدّة المتمتَّع بها، والمتوفَّى عنها زوجها، حيث يرفض خبراً يقول بعدم العدّة في حالة عدم الممارسة، قائلاً: ( فلا عامل به، ومحمول على التقيّة ).

إلاّ أنّ السيّد اليزدي هنا يشفع حمل الرواية على التقيّة بتعليل يُستخلص من رواية أُخرى، وهو أمر يضفي الأهميّة على هذا الحمل، يقول: ( كما يظهر من خبر عبيد، عن زرارة، عن رجل طلّق امرأته قبل أن يدخل بها، أعليها عدّة، قال: لا، قلت: المتوفّى عنها زوجها قبل أن يدخل عليها، قال: أمسك عن هذا، وفي خبر ( كفّ عن هذا ).. حيث إنّ التقيّة من الوضوح فيها بمكان كما قلنا: أمثلة هذا الاستخلاص يكشف عن البراعة

١١٦

في الممارسة الفقهيّة.

وإذا كان السيّد اليزدي في هذه الممارسة الفقهيّة يستخلص ( لغة التقيّة )، فإنّه في ممارسات أُخرى يكتفي - كما أشرنا - بمجرّد المخالفة، ولكنّه حيناً يصرّح بتوجيه ذلك من خلال السياق الذي ترد فيه فتوى العامّة، حيث نعرف بأنّ الأزمنة والأمكنة تتفاوت - من حيث حكّامها وفقهائهم وقضاتهم - فتتكيّف ( التقيّة ) تبعاً للسياق ذاته، فمن ذلك مثلاً: ما يجسّد فتاوى بعض من العامّة بالنسبة إلى عدّة الأمَة المتوفّى عنها زوجها، من حيث تضارب الأخبار حيث يعقّب: و( الأقوى الأوّل لأرجحيّة أخباره بموافقتها لعموم الكتاب ومخالفتها للعامّة؛ لأنّ مذهب جماعة منهم على التفصيل كما ذكر )... فهذا التعقيب الأخير يفصح بوضوح عمّا ذكرناه من أنّ السياقات المختلفة للموضوع تفرض أمثلة هذا الموقف.

ومع أنّ هذه الممارسة ذكرت إلى جانب مرجّح ( المخالفة ): مرجح الموافقة للكتاب، إلاّ أنّنا استهدفنا بمجرّد الاستشهاد بنماذج من ممارسات اليزدي بالنسبة إلى التعامل مع التقيّة وسياقاتها.

وهذا يقتادنا إلى مستوى آخر من الممارسة، هو - ما ألمحنا قبل سطورٍ إليه - ضمّ المرجّحات الأُخرى إلى مرجّح التقيّة، حيث لاحظنا خلال النماذج المتقدّمة، ضمّ الشهرة إليها، وضم الموافقة للكتاب، وسنرى عند حديثنا عن الحصيلة العامّة لممارسات السيّد اليزدي، من حيث توفّره حيناً على المسألة من وجوه شتّى، بحيث يستخدم أدوات الاستدلال الرئيسية والثانوية وكلّ ما وسعه من الأدلّة في ظاهرة واحدة، لكن حسبنا أن نشير الآن إلى ما يرتبط بموضوعنا وهو ( التقيّة ) بضم الأدلّة المتنوّعة للظاهرة التي يستهدف استخلاص الحكم من خلالها، ولكنّنا نؤجّل الحديث عن ذلك إلى فقرة أُخرى من بحثنا... لكن إذا كانت هذه المستويات من الحمل على التقيّد تجسّد مبنى هو: ( الضمّ )، فإنّ المبنى الآخر يجسّد ( احتمالاً ) فيها: أي الحمل على التقيّة، وهو أمر نلحظه بوضوح في ممارسات متنوّعة، ومنها: الممارسة الآتية التي تتضمّن ما لاحظناه في الممارستين السابقتين، من استخلاص التقيّة من خلال الإشارة إلى رواية أو قول يشكّلان قرينةً على ذلك، ففي الممارسة الآتية نلحظ الظاهرة ذاتها، مع مستوى آخر من مستويات الحمل على التقيّة هو: التردّد بين اثنين من المحامل أو

١١٧

أكثر، وهذا من نحو ما ورد في موضوع الربا من مناقشة جاء فيها التعقيب الآتي: ( فتحمل على الكراهة في النسيئة، أو على التقيّة... )، فهنا ( تردّد ) بين حملين، بينما لاحظنا في النصوص السابقة ( جمعاً من المحامل أو ضمّ بعضها إلى الآخر... )

ونتّجه إلى مستوى آخر من الممارسات، ومنها:

ثَمّة مستوى يتعامل مع التقيّة من خلال ( الاحتمال ) وهو مبنىً لاحظناه عند المؤلّف في تعامله مع الجمع الدلالي للنصوص، والمهم: يمكننا أن نستشهد بنموذج هنا، هو: ممارسته المتّصلة بباب الربا في أحد موضوعاته: ( فتناسب حملها على الكراهة، ويمكن حملها على التقيّة؛ لأن المنع مذهب العامّة... ).

إذن: لاحظنا أنّ مستويات التعامل مع ( التقيّة ) تظل متفاوتة من ممارسة أُخرى على النحو الذي تقدّم الحديث عنه.

ويمكننا أن ننتقل إلى مستوى آخر من تعامله مع التقيّة، وهو: أرجحيّة الخبرين كليهما، أحدهما على الأُخرى من خلال ( التقيّة )، مع كون الترجّح الآخر: احتمالياً، وهذا ما نلاحظه في ممارسة سبق أن استشهدنا بها، عندما قلنا أنّه يعللّ في قسم من ترجيحه لمخالفته العامّة، بالإشارة إلى أنّ قسماً من العامّة تتوافق فتاواه مع الخبر؛ فلذلك رفضه من خلال الحمل على التقيّة، ولكنّه من جانب آخر احتمل ( التقيّة ) أيضاً؛ لأنّ البعض الآخر من العامّة تتوافق فتاواه مع الخبر الذي رجّحه المؤلّف، وبهذا نستخلص نمطاً آخر من التعامل، حيث يمكننا أن نقول: إنّ قيمة هذه الممارسة تتحدّد بقدر ما يحمل ( الاحتمال ) من درجة...

لكن ينبغي ألاّ نغفل عن ملاحظة مستوى آخر هو: رفضه للحمل على التقيّة في بعض ممارسات الفقهاء، وهو أمر تجدر الإشارة إليه، بل لابدّ من الاستشهاد ببعض النماذج لملاحظة المسوّغات التي تدفعه إلى الرفض، بخاصّة أنّنا شاهدنا غالبية نماذجه يقرنها بما يتناسب مع الحمل المذكور، كالإشارة إلى أنّ ( المنع ) مذهب بعض العامّة، وأنّ التفصيل في العدّة على مذهب بعضهم، وأنّ الروايات ذاتها تتضمّن دلالة التقيّة... إلى آخره.

إذن: لنستشهد بما اعترض عليه من ممارسات الفقهاء بالنسبة إلى التقيّة... ومن ذلك:

١١٨

ما دام الحديث عن ( مخالفة العامّة ) يتداعى بالذهن إلى ملازمه وهو موافقة الكتاب، فإنّ الموقف يستلزم المرور عليه سريعاً؛ لأنّ الترجيح المذكور ذاته ( كما تمّت الإشارة إليه ) يظل محدوداً بمحدودية آيات الأحكام في القرآن... في نطاقات ما لاحظناه في ممارسات السيّد اليزدي، فإنّ الموافقة للكتاب تجيء لديه غالباً مقترنة بمرجّحٍ آخر: كمخالفة العامّة ذاتها، أو مقترنة بموافقة السنّة، حيث إنّ الأخبار العلاجية - كما هو معروف - تشير إلى المرجّح المذكور من خلال كونه سنّة قطعيّة بالقياس إلى ما يخالفها.

والمهم: يمكننا أن نستشهد بأمثلة هذه النماذج في ضوء استشهادنا ببعضها في فقرات سابقة من هذا البحث، ومنها:

ما يتصل بالخلاف الروائي في عدّة الأمَة المتوفّى زوجها، حيث رجّح المؤلّف العدّة المتمثلة في الأربعة أشهر وعشرة أيام، مقابل الخمسة والستّين يوماً، فيما عقب - كما لاحظنا سابقاً - قائلاً: ( الأقوى: القول الأوّل لأرجحيّة أخباره بموافقة الكتاب... و... ).

والأمر نفسه تمكّننا ملاحظته إلى ما سبقت الإشارة إليه، وهي الممارسة المتّصلة التي جمعت بين ترجيحات متنوّعة ملفتة للنظر حقّاً، ونعني بها: الممارسة التي تحدثت بالنسبة إلى موضوع ( منجّزات المريض ) وصلتها بما هو محظور أو مباح من التصرّفات، حيث رجّح أحد طرفي المسألة بجمّلة مرجّحات، ومنها المرجّح الآتي الذي يطلق عليه ( المرجّح المضموني ) متمثّلاً في موافقة الكتاب، حيث يقول بعد أن يتحدث عن المرجّحات الأُخرى: ( وأمّا من حيث المضمون فلتأيّدها - أي الأخبار التي رجّحها المؤلّف - بالقاعدة القطعية المستفادة من الكتاب و... ).

وإذا كان اليزدي في الممارستين السابقتين يجمع إلى الكتاب مرجّحات أُخرى، فإنّه في الممارسة الآتية يكتفي بمرجّح الكتاب، ولكن مع تحفّظ في الدلالات المستخلصة من النص القرآني الموافق لأحد طرفي الأخبار، يقول المؤلّف معقِّباً على رواية تسمح للزوجين بأن يرجع على الآخر في ( الهبة )، مقابل ما ذهب المؤلّف إليه من عدم جواز ذلك، تبعاً لنصوص تقرّر ذلك، ومنها: رواية صحيحة مقابل الصحيحة المانعة، يقول: ( ولكنّه - أي خبر صحيح - لا يقاوم الصحيحة السابقة ). بعد ذلك يحتمل

١١٩

دلالة خاصّة، ويضيف: ( مع أنّ الصحيحة موافقة للكتاب بناءاً على أنّ المراد بـ( ما آَتَيْتُمُوهُنَّ... ) أعم من الصدقة والهبة... ).

* * *

ولعلّ الترجيح بمصطلح ( الشهرة ) يظل من أكثر الترجيحات خلافاً بين الفقهاء، حيث فهم بعض منهم أنّ المقصود من ذلك: الشهرة الروائية، وفهم البعض الآخر: الشهرة في الفتوى بنمطيها: الفتوى المستندة إلى نص، وغير المستندة، ممّا يطلق عليها: الشهرة العملية في اصطلاح المعنيّين بهذا الشأن.

بَيْدَ أنّ الشهرة في الرواية تظل - هي الأكثر احتمالاً من غيرها، أو لنقل: إنّ الشهرتين الأُخريين: الفتوائية والعملية من الممكن أن تندرج ضمن مصطلح ( الشهرة )، وهو المصطلح الذي ورد في الأخبار العلاجية مثل: ( ما اشتهر )، ( المُجمع عليه )... إلى آخره، حيث إنّ الأمر بالمشهور أو المُجمع عليه بن الأصحاب هو: الراجح على الخبر الآخر...

وسبب الذهاب إلى أنّ الشهرة في الرواية تتصدّر الاحتمال هو: أنّ زمن المعصومين (عليهم السلام) لم يكن زمن ( فقهاء مجتهدين ) - كما هو في عصر الغيبة، بل زمن ( رواة ) عن المعصومين (عليهم السلام)، حيث إنّ الراوي يسمع من المعصوم (عليه السلام) كلاماً، فيسجّله أو ينقله إلى الآخرين، فيكون الكلام المنقول هو المادة التي يتوكّأ عليها المعنيّون بهذا الشأن... وبكلمة أكثر وضوحاً: إنّ ( الفتوى ) عصرئذٍ على ( متن ) الرواية، وليس اجتهاداً بالمعنى الاصطلاحي...

صحيح، أنّ بعض المبادئ أو القواعد الفقهيّة قد نثرها المعصوم (عليه السلام) أمام الراوي، كأن يأمر (عليه السلام) أحدهم بأن يجلس في المسجد ويفتي الناس، أو يخاطب أحدهم بأنّ علينا الأُصول وعليكم الفروع، أو يقرّر لأحدهم قاعدة نفي الحرج وأمثالها، وصحيح أنّ بعض الرواة كتب دراسة عن الأًُصول اللفظية: كما ينقل المؤرِّخون، إلاّ أنّ ذلك جميعاً لا يشكّل مبادئ نظرية كاملة، يعتمد عليه الأصحاب في استخلاص الحكم الشرعي...

وفي ضوء هذه الحقائق، يجيء الحديث عن ( الشهرة ) أو بحسب ما ورد من التعبير ( ما اشتهر ) أو ( المُجمع عليه )، منسحباً على المعنى المذكور، وهو: الفتوى على متن الرواية التي يتناقلها الأصحاب عن المعصوم (عليه السلام).. وليس الفتوى الاجتهادية،

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

لهمعليهم‌السلام هو: سبعة وعشرون شهيداً(١) ، وبين الأقلّ والأكثر كانت بعض المصادر قد ذكرت أعداداً أخرى متفاوتة(٢) .

____________________

= كمحمّد بن أبي سعيد بن عقيلعليه‌السلام ، (مثلاً: راجع: إبصار العين: ٥٤، ٩١)، وكذلك الأمر في بعض الناجين مثل: عمر (عمرو) بن الحسنعليه‌السلام ، يقول القرشي: (ونجا من القتل عمر بن الحسن ولم نعلم أنّه اشترك في الحرب أم كان صغيراً؟) (حياة الإمام الحسين: ٣: ٣١٤).

وهذا الأمر يزيد في صعوبة معرفة أنصارهعليه‌السلام في كربلاء على وجه اليقين والدقّة؛ ذلك لأنّ الغلمان والأطفال ليسوا من القوّة الحربية (الأنصار الرجال) في الحسابات العسكرية، فتأمّل.

٢ - ورد في المعجم الكبير للطبراني، وخطط المقريزي، وتهذيب التهذيب عن محمّد بن الحنفيّة (رض): (لقد قُتل معه - أي مع الحسينعليه‌السلام - سبعة عشر ممّن ارتكضوا في رحم - أو بطن - فاطمة)، وينبغي هنا أن ننبّه إلى أنّ هذا المعنى وهذا العدد لا يستقيم صحيحاً إلاّ إذا كان المراد بفاطمة هنا هي فاطمة بنت أسدعليها‌السلام ، أمّ أمير المؤمنين عليّ، وجعفر، وعقيلعليهما‌السلام ، وإلاّ فإنّ الشهداء في الطفّ من نسل فاطمة الزهراءعليها‌السلام هم خمسة عدا الإمام الحسينعليه‌السلام ، فتأمّل.

(١) راجع: مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب، ٤: ١١٢ وذخائر العقبى: ١٤٦ ومقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي، ٢: ٥٣ - وهناك عدد أكبر من هذا وهو ثلاثون، نُسب إلى الإمام الصادقعليه‌السلام في حديث له مع عبد الله بن سنان، أمرهُ فيه بالإمساك في يوم عاشوراء، وبالإفطار بعد صلاة العصر، وقال له:

(فإنّه في ذلك الوقت - أي العصر -تجلّت الهيجاء عن آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وانكشفت الملحمة عنهم، وفي الأرض منهم ثلاثون صريعاً مع مواليهم، يعزّ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مصرعهم، ولو كان في الدنيا حيّاً لكان هو المعزّى بهم) . (راجع: سفينة البحار، ٢: ١٩٦ وأعيان الشيعة، ٤: ١٣٤).

ولعلّ مرادهعليه‌السلام أنّهم مع مواليهم كانوا ثلاثين شهيداً، فإذا علمنا أنَّ مواليهم الذين كانوا معهم في كربلاء ستّة هم: أسلم بن عمرو، وقارب بن عبد الله، ومنجح بن سهم، وسعد بن الحرث، ونصر بن أبي نيزر، والحرث بن نبهان، فإنّ عدد بني هاشم منهم يبقى ستّة وعشرين، والله العالم.

(٢) فقد ذكر بعضها أنّ عددهم ستة عشر (راجع: المجدي في أنساب الطالبيين: ١٥، وتاريخ خليفة: ١٤٦، والبداية والنهاية: ٨: ١٩١، والمحن ١٣٤، والإصابة: ١: ٣٣٤، وجواهر المطالب، ٢: ٢٧٣، =

٢٠١

فإذا أخذنا عدد الناجين منهم من القتل - في ضوء رواية ابن سعد في الطبقات - وهو خمسة، فإنّ أقلّ عدد لأنصار الإمامعليه‌السلام من بني هاشم في كربلاء يكون ستّة عشر، ويكون أكبر عدد لهم اثنين وثلاثين، هذا على وجه التقريب، ويكون أقوى وأشهر عدد لهم اثنين وعشرين.

عددُ الصحابة في جيش الإمام الحسينعليه‌السلام يوم الطف

لقد كان في جيش الإمامعليه‌السلام - عدا الإمام الحسينعليه‌السلام - جملة من صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، سواء ممّن صحبهُ وروى عنه، أو ممّن أدركه ورآه(١) .

____________________

= وتاريخ الإسلام للذهبي، حوادث سنة ٦١ هـ ص٥، وتاريخ مدينة دمشق ١٤: ٢٢٤، وانظر: تاريخ الخلفاء: ٢٠٧)، وعدّ المسعودي منهم في (مروج الذهب، ٣: ٧١) اثني عشر شهيداً.

وذكر سبط بن الجوزي في (تذكرة الخواص: ٢٣٠) أنّ عددهم تسعة عشر كلّهم من نسل فاطمة، أي فاطمة بنت أسدعليها‌السلام كما بيّنا قبل ذلك، وذكرت مصادر أخرى أنّ عددهم واحد وعشرون رجلاً (راجع: كفاية الطالب: ٢٩٨، وانظر درر السمطين: ٢١٨، وتاريخ العلماء ووفياتهم: ١: ١٧٢)، وقال أبو الفرج الإصبهاني: (فجميع مَن قُتل يوم الطفّ من ولد أبي طالب سوى مَن يُختلف في أمره اثنان وعشرون رجلاً) (مقاتل الطالبيين: ٩٨)، وهناك أيضاً أعداد أخرى بين ذلك ذكرتها بعض المصادر الأخرى (راجع: حياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام ٣: ٣١٠ - ٣١١).

(١) يخلُص العلاّمة الرجاليّ المعروف المرحوم عبد الله المامقاني بعد عرضه ومناقشته لسبعة تعاريف قائلاً: (ومن هنا حَدّه جمع من المحقّقين منهم الشهيد الثاني (ره) في البداية بحدّ ثامن وهو (أي الصحابي): أنّه مَن لقي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مؤمناً به ومات على الإيمان والإسلام، وإن تخللّت ردّته بين كونه مؤمناً وبين موته مسلماً على الأظهر، مريدين باللقاء ما هو أعمّ من المجالسة والمماشاة ووصول أحدهما إلى الآخر، وإن لم يكالمه وإن لم يره بعينه...)، وله تفصيلات موضّحة لمفردات هذا التعريف، وللمحقّق الشيخ محمد رضا المامقاني إشارات نافعة جدّاً في حاشيته، =

٢٠٢

وفي هذه الجملة من أصحابه مَن لم يُناقش مؤرّخ أو رجاليٌّ في صحبته (فهو متّفق عليه)، وفيهم مَن نوقشَ في أنّه كان صحابياً أم لا، وفيهم مَن شُكّ في كونه هو ذلك الصحابيّ المقصود؛ لتشابه الاسم بينه وبين آخر معروف بالصحبة، وعند عرضنا لأسمائهم المباركة سنشير إلى المختلف فيهم وإلى سبب الاختلاف، وهذه المجموعة المباركة من الصحابة الكرام والأنصار العظام هي:

١ - أنس بن الحارث الكاهلي الأسدي (رض): وهو ممّن روى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حديثه:(إنّ ابني هذا - يعني الحسين -يُقتل بأرض يُقال لها كربلاء، فمَن شهد ذلك منكم فلينصره) (١) .

٢ - عبد الرحمان بن عبد ربّ الأنصاري الخزرجي (رض): وهو ممّن شهدَ حينما استَشهد الإمام عليّعليه‌السلام الناس في الرحبة أنّه سمعَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:

(ألا إنّ الله عزّ وجلّ ولييّ، وأنا وليُّ المؤمنين، ألا فمَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وأحِبّ مَن أحبّه، وأبغِض مَن أبغضه، وأَعِنْ مَن أعانه) (٢) .

٣ - حبيب بن مظاهر (مظهّر) الأسدي (رض): كان صحابياً رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) .

٤ - عبد الله بن يقطر الحميري (رض): كان صحابياً؛ لأنّه كان لِدَة الحسينعليه‌السلام

____________________

= فراجع: (مقباس الهداية في علم الدراية: ٣: ٢٩٦ - ٣٠٤ / مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام لإحياء التراث).

(١) راجع: تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ، تحقيق المحمودي: ٣٤٧ رقم ٢٨٣ / نشر مجمع إحياء الثقافة الإسلامية.

(٢) راجع: إبصار العين: ١٥٧ - ١٥٨، وذكره الجزري في أُسد الغابة ٣: ٣٠٧.

(٣) راجع: إبصار العين: ١٠٠، وذكره ابن الكلبي في جمهرة النسب: ١: ٢٤١.

٢٠٣

(في مثل عُمره)، وكان ابن حاضنة الحسينعليه‌السلام ، فهو قد أدرك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ورآه(١) .

٥ - مسلم بن عوسجة الأسدي (رض): كان صحابياً رأى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

٦ - كنانة بن عتيق التغلبي (رض): شهد موقعة أُحدٍ مع أبيه عتيق، وكان فارس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) .

٧ - عمّار بن أبي سلامة الدالاني الهمداني (رض): كان صحابياً له رؤية، أي أنّه (رض) قد أدرك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ورآه(٤) .

٨ - الحرث بن نبهان (رض) مولى حمزة عليه‌السلام: كان والده نبهان (ره) عبداً لحمزة بن عبد المطلب، وقد مات والده بعد شهادة حمزة بسنتين، وهذا يعني أنّ الحرث قد أدرك زمان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبما أنّ الحرث قد ترعرع ونشأ في كنف أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، فلابدّ أن يكون قد رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن قرب مراراً كثيرة(٥) .

وهناك اثنان من الأنصار (رض) ذُكر أنّهما أدركا زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يُعلم أنّهما هل لقياه فرأياه أم لا؟ وهما:

____________________

(١) راجع: إبصار العين: ٩٣، وذكره ابن حجر في الإصابة، ٤: ٥٩ وفيه عبد الله بن يقظة، والظاهر أنّه تصحيف في طبعات الإصابة الجديدة.

(٢) راجع: إبصار العين: ١٠٨، وذكره الجزري في أُسد الغابة ٤: ٢٦٤ باسم مسلم أبو عوسجة، وابن حجر في الإصابة ٦: ٩٦ رقم ٧٩٧٨.

(٣) راجع: وسيلة الدارين: ١٨٤ - ١٨٥ رقم ١٣٢، وإبصار العين: ١٩٩.

(٤) قال ابن حجر في الإصابة: ٣: ١١٢ رقم ٦٤٦٣: (عمّار بن أبي سلامة بن عبد الله بن عمران بن رأس بن دالان، الهمداني ثمّ الدالاني - له إدراك، وكان قد شهد مع عليّ مشاهده، وقُتل مع الحسين بن عليّ بالطفّ، ذكره ابن الكلبي).

(٥) راجع: تنقيح المقال: ١: ٢٤٨، وإبصار العين: ٩٨، ووسيلة الدارين: ١١٧ رقم ٢٧.

٢٠٤

١ - زياد بن عريب الهمداني الصائدي (رض): وهو أبو عمرة، كان أبوه عريب صحابياً ذكره جملة من أهل الطبقات، وأبو عمرة ولدهُ هذا له إدراك(١) .

٢ - عمرو بن ضبعة الضبعي التميمي (رض): نقل الزنجاني قائلاً: (وقال العسقلاني في الإصابة: هو عمرو بن ضبعة بن قيس بن ثعلبة الضبعي التميمي، له ذكر في المغازي والحروب، وكان فارساً شجاعاً له إدراك)(٢) .

أمّا مَن وقع الاختلاف في صحبتهم من الأنصار (رض)، فهم:

١ - أسلم (مسلم) بن كثير الأعرج الأزدي (رض): فقد ذكر المحقّق السماوي (ره) أنّه كان تابعياً(٣) ، لكنّ النمازي في المستدركات ذكر أنّ له صحبة(٤) ، وذكر الزنجاني نقلاً عن العسقلاني في الإصابة أنّه أدرك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) .

٢ - زاهر مولى عمرو بن الحمق الخزاعي (رض): هكذا ورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة(٦) ، وذكر بعض الرجاليين: زاهر صاحب عمرو بن الحمق(٧) ، وذكره المحقّق السماوي (ره): زاهر بن عمرو الكندي(٨) ، وكذلك ذكره الزنجاني في ترجمته(٩) ، ونقل النمازي (ره) عن المامقاني (ره) أنّه: هو زاهر بن عمر الأسلمي

____________________

(١) راجع: إبصار العين: ١٣٤ - ١٣٥.

(٢) راجع: وسيلة الدارين: ١٧٧ رقم ١١٢.

(٣) راجع: إبصار العين: ١٨٥.

(٤) راجع: مستدركات علم رجال الحديث، ٧: ٤١٥ رقم ١٤٩١٩.

(٥) راجع: وسيلة الدارين: ١٠٥ - ١٠٦ رقم ١١.

(٦) البحار، ٤٥: ٧٢.

(٧) راجع: معجم رجال الحديث، ٧: ٢١٤ رقم ٤٦٤٧، وقاموس الرجال ٤: ٤٠٣ رقم ٢٩٠٣.

(٨) إبصار العين: ١٧٣.

(٩) وسيلة الدارين: ١٣٧، رقم ٥١.

٢٠٥

الكندي من أصحاب الشجرة وروى عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وشهد الحديبية وخيبر(١) ، لكنّ السماوي (ره) لم يذكر له صحبة(٢) ، أمّا السيّد الخوئي (ره) فقد فصل بين زاهر صاحب عمرو بن الحمق، وبين زاهر الأسلمي (الذي هو والد مجزأة - أو محذأة - من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ) ولم يرَ اتّحادهما(٣) .

وقد نقل الزنجاني أيضاً في ترجمته لزاهر (رض) عن العسقلاني في الإصابة قوله: (هو زاهر بن عمرو بن الأسود بن حجّاج بن قيس الأسلمي الكندي، من أصحاب الشجرة وتحتها بايعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسكن الكوفة، وروى عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وشهد الحديبية وخيبر)(٤) .

لكنّ الشيخ التستري (ره) ذهب - كما السيّد الخوئي (ره) - إلى أنّ زاهر صاحب عمرو بن الحمق (رض) ليس زاهر الأسلمي الكندي؛ لأنّ هذا الثاني - وهو عربيّ - لا يكون مولىً لعمرو بن الحمق (رض)، كما ذهبَ إلى أنّ قولهم (زاهر بن عمرو) تخليط، بل هو زاهر مولى عمرو(٥) .

٣ - سعد بن الحرث (رض) مولى عليّ بن أبي طالب عليهما‌السلام : لم يذكر له المحقّق السماوي (ره) صحبة أو إدراكاً، بل قال: (كان سعد مولىً لعليّعليه‌السلام فانضمّ بعده إلى الحسنعليه‌السلام ، ثمّ إلى الحسينعليه‌السلام ، فلمّا خرجَ من المدينة خرج معه إلى مكّة ثمّ إلى

____________________

(١) مستدركات علم رجال الحديث ٣: ٤١٦، رقم ٥٦٩٩.

(٢) إبصار العين: ١٧٣.

(٣) راجع: معجم رجال الحديث: ٢١٣ و ٢١٤ الرقمين ٤٦٤٥ و ٤٦٤٧.

(٤) وسيلة الدارين: ١٣٧ - ١٣٨ رقم ٥١.

(٥) راجع: قاموس الرجال: ٤: ٤٠٣ رقم ٢٩٠٣.

٢٠٦

كربلاء، فقُتل بها في الحملة الأولى...)(١) .

لكنّ الزنجاني نقل عن العسقلاني في الإصابة أنّه: (هو سعد بن الحرث بن سارية بن مرّة... بن كنجب الخزاعي، مولى علي بن أبي طالب، له إدراك مع النبيّ وكان على شرطة عليّعليه‌السلام بالكوفة...)(٢) .

وقال النمازي اعتماداً على المامقاني: (سعد بن الحارث الخزاعي مولى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ومن أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن شرطة الخميس مع أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكان والياً من قِبَله على آذربيجان...)(٣) .

لكنّ التستري (ره) ردّ قول المامقاني (ره) قائلاً: (أقول: لم يذكر مستنداً له، وكيف يجتمع كونه خزاعياً ومولاهعليه‌السلام ؟ ولو كان صحابياً، كيف لم تُعنونه الكتب الصحابية؟!..)(٤) .

٤ - يزيد بن مغفل الجعفي (رض): نقل المحقّق السماوي (ره) عن المرزباني في معجم الشعراء أنّه: (كان من التابعين، وأبوه من الصحابة)(٥) .

لكنّ المامقاني (ره) ذكر أنّه: (أدرك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وشهدَ القادسية في عهد عمر...)(٦) .

____________________

(١) إبصار العين: ٩٦.

(٢) وسيلة الدارين: ١٤٨ رقم ٥٩.

(٣) مستدركات علم رجال الحديث: ٤: ٢٧ رقم ٦١٠٨.

(٤) قاموس الرجال: ٥: ٢٧ - ٢٨ رقم ٣١٤٦.

(٥) إبصار العين: ١٥٣.

(٦) تنقيح المقال: ٣: ٣٢٨، وانظر: مستدركات علم رجال الحديث: ٨: ٢٦٣ رقم ١٦٣٨٧ وذكره باسم (يزيد بن معقل).

٢٠٧

ونقل الزنجاني عن العسقلاني في الإصابة أنّه: (هو يزيد بن مغفل بن عوف بن عمير بن كلب بن ذهل... بن جعف بن سعد العشيرة المذحجي الجعفي له إدراك مع النبيّ، وشهد حرب القادسية هو وأخوه زهير بن مغفل في عهد ابن الخطّاب)(١) .

٥ - شبيب بن عبد الله مولى الحرث بن سريع الكوفي (رض): لم يذكر له المحقّق السماوي (ره) صحبة أو إدراكاً(٢) ، لكنّ الزنجاني نقل عن ابن الكلبي قوله: (شبيب بن عبد الله كان صحابياً أدركَ صحبة رسول الله، وشهد مع عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام مشاهده كلّها..)(٣) ، غير أنّه لا دليل على أنّ هذا هو شبيب بن عبد الله مولى الحرث.

كما أنّ الزنجاني ذكر نسبه نقلاً عن العسقلاني في الإصابة - نقلاً غير دقيق(٤) - إذ قد وجدنا ما ذكره العسقلاني هكذا: (شبيب بن عبد الله بن شكل بن حي بن جدية... المذحجي، له إدراك وشهد مع عليّ مشاهده، ذكر ذلك ابن الكلبي)(٥) ، ولا دليل أيضاً على أنّ هذا هو شبيب بن عبد الله مولى الحرث، خصوصاً وأنّ مَن ذكرهُ العسقلاني عربي (مذحجي)، فكيف يكون مولى للحرث بن سريع الكوفي؟

ولا نعلم الدليل الذي استند إليه المامقاني (ره)(٦) ، والنمازي (ره)(٧) ، حيث ذكرا

____________________

(١) وسيلة الدارين: ٢١٤ رقم ١٧١.

(٢) راجع: إبصار العين: ١٣٣.

(٣) راجع: وسيلة الدارين: ١٥٥ رقم ٧٥.

(٤) المصدر السابق.

(٥) الإصابة ٢: ١٦٠ رقم ٣٩٦٠.

(٦) راجع تنقيح المقال: ٢: ٨١، رقم ٥٢٨٥.

(٧) راجع: مستدركات علم رجال الحديث، ٤: ١٩٩ رقم ٦٨١٢.

٢٠٨

أنّه (أي شبيب بن عبد الله مولى حارث بن سريع): من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

وقد ردّ التستري (ره) على قول المامقاني (ره) قائلاً: (قال: صرّح أهل السيَر: أنّه أدرك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وشهد مشاهد عليّعليه‌السلام ، وحضر الطفّ واستشهد، ووقع التسليم عليه في الناحية.

أقول: لم يعيّن مَن كان من أهل السيَر ذكر ما قال، ولو كان صحابياً كيف لم تُعنونه الكتب الصحابية؟ وقد عَنونوا المختلف فيه، وليس في الناحية، وإنّما في نسختها (شبيب بن الحارث بن سريع) وهو محرّف (سيف بن الحارث بن سريع) المتقدّم، وبالجملة: العنوان لم يُعلم أصله، فضلاً عن فرعه)(١) .

٦ - جنادة بن الحرث السلماني الأزدي الكوفي (رض): قال الزنجاني: (.. وقال علي بن الحسين بن عساكر في تاريخه: هو جنادة بن الحرث بن عوف بن أميّة بن قلع بن عبادة بن حذيق بن عدي بن زيد بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن الحرث، المذحجي المرادي السلماني الكوفي، له إدراك وصحبة مع النبيّ)(٢) .

كذلك ذكر المامقاني عن أهل السيَر: أنّه كان من أصحاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) ، لكنّ الشيخ السماوي (ره) لم يذكر له إدراكاً وصحبة، بل قال: (كان جنادة بن الحرث من مشاهير الشيعة، ومن أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ...)(٤) .

٧ - جندب بن حجير الخولاني الكوفي (رض): قال الزنجاني: (قال ابن عساكر في تاريخه: هو جندب بن حجير بن جندب بن زهير بن الحارث بن كثير بن

____________________

(١) قاموس الرجال: ٥: ٣٩٥ رقم ٣٥٢٧.

(٢) وسيلة الدارين: ١١٣ رقم ٢١.

(٣) تنقيح المقال: ١: ٢٣٤ رقم ١٩٥٧، وانظر: مستدركات علم رجال الحديث: ٢: ٢٣٩.

(٤) إبصار العين: ١٤٤.

٢٠٩

جشم بن حجير الكندي الخولاني الكوفي، يُقال: له صحبة مع رسول الله، وهو من أهل الكوفة وشهد مع علي بن أبي طالبعليه‌السلام حرب صفّين، وكان أميراً على كندة والأزد..)(١) .

وقال المامقاني أيضاً: (ذكر أهل السيَر أنّ له صحبة)(٢) ، لكنّ الشيخ السماوي لم يذكر له صحبة، بل قال: (كان جندب من وجوه الشيعة، وكان من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ...)(٣) .

أصحابُ أمير المؤمنينعليه‌السلام من أنصار الإمام الحسينعليه‌السلام في الطفّ

شكّل أصحاب أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام عدداً كبيراً من أنصار الإمام الحسينعليه‌السلام يوم عاشوراء، فهم عدا مَن مرَّ ذكره من صحابة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعدا الهاشميين منهم، وعدا مَن لم يُصرّح المؤرّخون بصحبته لعليّعليه‌السلام (٤) ، وعدا مَن ظلم التاريخ سيرته(٥) ، قد بلغَ عددهم - على أقلّ التقادير وعلى حدّ اليقين - عشرين رجلاً، وهم:

____________________

(١) وسيلة الدارين: ١١٤ رقم ٢٣.

(٢) تنقيح المقال: ١: ٢٣٦ رقم ١٩٦٩، وانظر: مختصر تاريخ دمشق لابن منظور: ٦: ١٢١.

(٣) إبصار العين: ١٧٤.

(٤) مثل: عابس بن أبي شبيب الشاكري (رض)، وسعيد بن عبد الله الحنفي (رض)، ومسعود بن الحجّاج التيمي (رض)، وحنظلة بن أسعد الشبامي (رض)، وعبد الله الأرحبي (رض)، فهؤلاء مثلاً كانوا من وجوه الشيعة وشجعانهم في الكوفة، ومن المستبعد جدّاً أنّهم لم يحظوا بشرف صحبة عليّعليه‌السلام أو لم يشتركوا معه في حروبه، ولعلّ المؤرّخين لم يأتوا على ذكر صحبة بعضهم لعليّعليه‌السلام لشدّة وضوحها واشتهارها.

(٥) مثل: سعد بن الحرث الأنصاري العجلاني وأخيه أبي الحتوف (رض)، اللذين اشتهرَ عنهما أنّهما كانا من الخوارج، وقد ردّ بعض علمائنا هذا المشهور (راجع: قاموس الرجال: ٥: ٢٨، رقم ٣١٤٧)، ومثل: زهير بن القين (رض) الذي اشتهر عنه أنّه كان عثمانيّاً، وهو أمرٌ لم يثبت على وجه التحقيق، (راجع: ترجمته في الجزء الثالث من هذه الدراسة ((مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة)).

٢١٠

١ - سعد بن الحرث (رض) مولى عليّعليه‌السلام .

٢ - نصر بن أبي نيزر (رض) مولى عليّعليه‌السلام .

٣ - أبو ثمامة الصائدي (رض).

٤ - برير بن خضير (رض).

٥ - شوذب بن عبد الله (رض).

٦ - جنادة بن الحرث السلماني المذحجي (رض).

٧ - مجمع بن عبد الله العائذي (رض).

٨ - نافع بن هلال الجملي (رض).

٩ - الحجّاج بن مسروق الجعفي (رض).

١٠ - يزيد بن مغفل الجعفي (رض).

١١ - نعيم بن العجلان الأنصاريّ الخزرجي (رض).

١٢ - جُندب بن حجير الكندي الخولاني (رض).

١٣ - جون بن حوي مولى أبي ذرّ الغفاري (رض).

١٤ - أسلم (مسلم) بن كثير الأعرج الأزدي (رض).

١٥ - النعمان بن عمرو الأزدي الراسبي (رض).

١٦ - الحُلاس بن عمرو الأزدي الراسبي (رض).

١٧ - أُمية بن سعد الطائي (رض).

١٨ - قاسط بن زهير بن الحرث التغلبي (رض).

١٩ - كردوس بن زهير بن الحرث التغلبي (رض).

٢٠ - مقسط بن زهير بن الحرث التغلبي (رض).

٢١١

جيشُ الإمام الحسينعليه‌السلام ... حجازيّون، وكوفيّون، وبصريون

تكوّن جيش الإمام الحسينعليه‌السلام في كربلاء من ثلاثة بلدان من بلاد العالم الإسلامي، هي: الحجاز (المدينة المنوّرة بالأساس ومياه جهينة)، والكوفة، والبصرة.

وتتألف مجموعة الحجازيين - في ضوء ما حقّقه المرحوم الشيخ السماوي (ره)، وعلى هذا عمدة التحقيقات الأخرى أيضاً(١) - من بني هاشمعليهم‌السلام ومواليهم، والصحابي عبد الرحمان بن عبد ربّ الأنصاري الخزرجي، وجنادة بن كعب بن الحرث الأنصاري، وابنه عمرو بن جنادة، وجون مولى أبي ذرّ الغفاري رضوان الله عليهم، وثلاثة التحقوا بالإمامعليه‌السلام من مياه جهينة ولازموه حتى استشهدوا بين يديه في كربلاء، وهم: مجمع بن زياد الجهني، وعبّاد بن المهاجر الجهني، وعقبة بن الصلت الجهني رضوان الله عليهم.

أمّا الكوفيّون من أنصار الإمامعليه‌السلام في كربلاء، فقد بلغَ عددهم - في ضوء تحقيق الشيخ السماوي (ره) - ثمانية وستين مع مَواليهم، وقد شكّل هؤلاء الكوفيّون رضوان الله تعالى عليهم الأكثرية في جيش الإمامعليه‌السلام .

أمّا البصريون، فقد بلغ عددهم تسعة مع مَواليهم(٢) في جيش الإمامعليه‌السلام وهم:

____________________

(١) راجع: إبصار العين، ووسيلة الدارين.

(٢) لكنّ الزنجاني كان قد ترجم لرجل عاشر منهم وهو: شبيب بن عبد الله النهشلي البصري (رض) قائلاً: (قال الشيخ الطوسي في رجاله ص٧٤: إنّ شبيب بن عبد الله النهشلي البصري من أصحاب الحسينعليه‌السلام ، وقال سماحة السيّد محمد الصادق بحر العلوم في ذيل قول الطوسي: قال أهل السيَر كان تابعياً من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وانضمّ إلى الحسن، ثمّ إلى الحسين وقُتل معه في =

٢١٢

يزيد ثبيط العبدي (عبد قيس) البصري، وابناه: عبد الله، وعبيد الله، وعامر بن مسلم العبدي البصري، ومولاه سالم، وسيف بن مالك العبدي البصري، والأدهم بن أُميّة العبدي البصري، والحجّاج بن بدر التميمي البصري، وقعنب بن عمر النمري البصري، رضوان الله تعالى عليهم.

المَوالي من أنصار الإمام الحسينعليه‌السلام في كربلاء

بلغ عدد المَوالي - المقطوع به على وجه اليقين - من أنصار الإمام الحسينعليه‌السلام الذين حضروا معه كربلاء - في ضوء ما صرّح به المحقّق السماوي (ره) - ستة عشر رجلاً، وهذا العدد هو على الأقلّ كما لا يخفى؛ لأنّ هناك من المَوالي مَن لم يذكرهم التاريخ، ومنهم مَن لم يُعرف مصيره كمولى نافع بن هلال الجملي (رض)(١) .

____________________

= كربلاء في الحملة الأولى، وقال أبو علي في رجاله: شبيب بن عبد النهشلي من أصحاب الحسينعليه‌السلام قُتل معه بكربلاء.

وفي المناقب لابن شهرآشوب قال: ومن أصحابه الذي قُتل بالطفّ شبيب بن عبد الله النهشلي البصري، وقال في ذخيرة الدارين ص٢١٩: قال علماء السيَر: شبيب بن عبد الله النشهلي كان تابعيّاً من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وحضرَ معه في حروبه الثلاث وبعده انضمّ مع الحسن بن عليّعليهما‌السلام ، ثمّ مع الحسين وكان من خواص أصحابه، فلمّا خرج الحسين من المدينة إلى مكّة خرج معه، وكان مصاحباً له إلى أن ورد الحسينعليه‌السلام إلى كربلاء، فلمّا كان يوم الطفّ تقدّم إلى القتال فقُتل في الحملة الأولى مع مَن قُتل قبل الظهر، وفي رواية قُتل مبارزة، والله أعلم، وورد في زيارة الناحية:(السلام على شبيب بن عبد الله النهشلي) . (وسيلة الدارين: ١٥٥ - ١٥٦ رقم ٧٦)، وانظر: مستدركات علم رجال الحديث: ٤: ١٩٩.

(١) راجع إبصار العين: ١١٥، وهناك غلام آخر هو غلام عبد الرحمان بن عبد ربّ الذي روى الطبري بسند عنه قصة كيف أطلى الإمامعليه‌السلام بالنورة والمسك، في أوّل صبح عاشوراء ثمّ أطلى بعده برير وعبد الرحمان... قال هذا الغلام (فلمّا رأيتُ القوم قد صُرعوا أفلتُّ وتركتهم). (راجع: =

٢١٣

وهم:

١ - نصر بن أبي نيزر (رض) مولى عليّعليه‌السلام .

٢ - سعد بن الحرث (رض) مولى عليّعليه‌السلام .

٣ - أسلم بن عمرو (رض) مولى الحسينعليه‌السلام .

٤ - قارب بن عبد الله الدئلي (رض) مولى الحسينعليه‌السلام .

٥ - منجح بن سهم (رض) مولى الحسينعليه‌السلام .

٦ - الحرث بن نبهان (رض) مولى حمزةعليه‌السلام .

٧ - سعد (رض) مولى عمرو بن خالد الصيداوي (رض).

٨ - شوذب (رض) مولى شاكر.

٩ - شبيب (رض) مولى الحرث بن سريع الهمداني الجابري.

١٠ - واضح التركي (رض) مولى الحرث المذحجي السلماني.

١١ - زاهر (رض) مولى عمرو بن الحمق الخزاعي (١) .

١٢ - جون بن حوي (رض) مولى أبي ذرّ (رض).

١٣ - سالم بن عمرو (رض) مولى بني المدينة.

١٤ - رافع بن عبد الله (رض) مولى أسلم (مسلم) بن كثير (رض).

١٥ - سالم (رض) مولى عامر بن مسلم العبدي (رض).

١٦ - عقبة بن سمعان (رض) مولى الرباب (رض)(٢) .

____________________

= تاريخ الطبري، ٣: ٣١٨).

(١) هكذا ورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة، راجع: البحار: ٤٥: ٧٢.

(٢) وقد ذهب بعض الرجاليين إلى أنّه (رض) قد اُستشهد في الطفّ مع الإمامعليه‌السلام ؛ استناداً إلى ما ورد من السلام عليه في زيارة الحسينعليه‌السلام (أوّل يوم من رجب وليلته، وليلة النصف من شعبان).

(راجع: معجم رجال الحديث: ١١: ١٥٤: ٧٧٢٣، ومستدركات علم رجال الحديث: ٥: ٢٤٨).

٢١٤

١٧ - غلام تركي (رض) مولىً للحرّ بن يزيد الرياحي (رض) (١) .

من ألقاب الجيش الحسينيّ

هناك ألقاب كثيرة كريمة سامية في المتون الروائية والتاريخيّة كانت قد أُطلقت على الجيش الحسينيّ في كربلاء، نورد هنا ما تيسّر منها:

عباد الله الصالحون (٢) .

عشّاق شهداء (٣) .

العُبّاد النُسّاك (٤) .

الطيّبون (٥) .

الذاكرون الله (٦) .

أهل البصائر (٧) .

حمَلة الحديث (٨) .

الأتقياء الأبرار (٩) .

المتهجدون بالأسحار (١٠) .

____________________

(١) راجع: مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي، ٢: ١١.

(٢) راجع: مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي، ٢: ١٥.

(٣) راجع: البحار: ٤١: ٢٩٥ رقم ١٨.

(٤) راجع: إبصار العين: ١٠٧.

(٥) راجع: إبصار العين: ١٢١.

(٦) راجع إبصار العين: ١٠٣.

(٧) راجع: مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي، ٢: ١٨.

(٨) راجع: إبصار العين: ١٢٩.

(٩) راجع: الفتوح: ٥: ١٧٧.

(١٠) راجع: إبصار العين: ١٠٣، والفتوح: ٥: ١٧٧.

٢١٥

شيوخ القُرّاء، قُرّاء القرآن (١) .

أُسُدُ الأُسود (٢) .

فرسان المصر (٣) .

القوم المستميتون (٤) .

قَتلة المشركين (٥) .

فقرة الظَهر ورأس الفخر (٦) .

عُمر الإمام الحسينعليه‌السلام يوم عاشوراء سنة ٦١ هـ

اختلفت الروايات والأقوال في عمر الإمامعليه‌السلام يوم استشهاده، ويمكن تصنيف هذه الأقوال من الأقلّ إلى الأكثر كما يلي:

١ - أربع وخمسون سنة وستّة أشهر: ذهب إلى ذلك قتادة(٧) ، وذكر ذلك أيضاً الخوارزمي في المقتل(٨) .

____________________

(١) راجع: إبصار العين: ١٢١ ومقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي، ٢: ٢٨.

(٢) راجع: مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي، ٢: ٢٧.

(٣) راجع: تاريخ الطبري، ٣: ٣٢٤.

(٤) راجع: مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي، ٢: ١٨.

(٥) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي، ٢: ١٩، وإبصار العين: ١١٠.

(٦) راجع: إبصار العين: ٣١٢.

(٧) راجع: تاريخ الخميس، للدياربكري ٢: ٢٩٩.

(٨) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي، ٢: ٤٢ وذكر الخوارزمي أنّ عمره الشريف يوم قُتل أربع وخمسون سنة وستّة أشهر ونصف.

٢١٦

٢ - خمس وخمسون سنة: ذهب إلى ذلك الواقدي(١) ، والمسعودي(٢) .

٣ - ستٌّ وخمسون سنة: ذهب إلى ذلك اليعقوبي في تاريخه(٣) ، وابن عبد ربّه الأندلسي(٤) ، وأبو الفرج الاصبهاني(٥) ، وسعد بن عبد الله القمي(٦) ، وابن سعد في طبقاته(٧) .

٤ - سبع وخمسون سنة: ذهب إلى ذلك: الشيخ الصدوق (ره) في أماليه(٨) ، والكليني في الكافي(٩) ، وابن الدارع(١٠) ، والزرندي في نظم درر السمطين(١١) .

وهذا القول هو الأشهر والأقوى، وأمّا ما قاله الشيخ المفيد (ره): (ومضى الحسينعليه‌السلام في يوم السبت العاشر من المحرّم، سنة إحدى وستين من الهجرة بعد

____________________

(١) راجع: تهذيب الكمال: ٦: ٤٤٦ وفيه: خمس وخمسون سنة وأشهر.

(٢) راجع: مروج الذهب: ٣: ٧١ وفيه قُتل الحسين وهو ابن خمس وخمسين سنة، وقيل: ابن تسع وخمسين سنة.

(٣) راجع: تاريخ اليعقوبي: ٢: ٢٣٢.

(٤) راجع: العقد الفريد: ٥: ١٢٩.

(٥) راجع: مقاتل الطالبيين: ٨٤ وفيه (وكانت سنُّهُ يوم قُتل ستّاً وخمسين وشهوراً).

(٦) راجع: كتاب المقالات والفِرق: ٢٥.

(٧) راجع: ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ومقتله، من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبير لابن سعد، تحقيق السيّد عبد العزيز الطباطبائي (ره): ٧٥.

(٨) راجع: أمالي الصدوق: ١٣٥ المجلس الثلاثون، حديث رقم ١.

(٩) راجع: الكافي: ١: ٥٣٠ وفيه: (وقُبض في شهر المحرّم منه سنة إحدى وستين وله سبع وخمسون سنة وأشهر).

(١٠) راجع: ذخائر العقبى: ١٤٦.

(١١) راجع: نظم درر السمطين: ٢١٨.

٢١٧

صلاة الظهر منه، قتيلاً مظلوماً ظمآن صابراً محتسباً - على ما شرحناه - وسِنّه يومئذٍ ثمان وخمسون سنة، أقام منها مع جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سبع سنين، ومع أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام ثلاثين سنة، ومع أخيه الحسنعليه‌السلام عشر سنين، وكانت مدّة خلافته بعد أخيه إحدى عشرة سنة...)(١) .

ففيه اشتباه ظاهر؛ وذلك لأنّ الشيخ المفيد نفسه يذكر أنّهعليه‌السلام ولِد في الخامس من شعبان سنة أربع من الهجرة(٢) ، فبطرح أربع من إحدى وستين يكون الباقي سبعاً وخمسين(٣) ، هذا مع العلم أنّهعليه‌السلام لم يعش من سنة إحدى وستين إلاّ عشرة أيّام، ولهذا أيضاً تكون مدّة خلافتهعليه‌السلام (٤) بعد أخيه الحسنعليه‌السلام عشر سنين، لا إحدى عشرة سنة، فتأمّل.

٥ - ثمان وخمسون سنة: وذهب إلى ذلك: ابن العديم(٥) ، وابن قتيبة(٦) ، وابن

____________________

(١) الإرشاد: ٢٨٣.

(٢) راجع: نفس المصدر: ٢١٨.

(٣) وفي الحساب الدقيق - في ضوء القول بأنّ ولادته في الخامس من شعبان في سنة أربع للهجرة - لابدّ أن ننتبه إلى أنّ ما عاشه الإمامعليه‌السلام من سنة ولادته أربعة أشهر وخمساً وعشرين يوماً (تقريباً)، وهذه المدّة تُضاف إلى ناتج طرح ٤ من ٦٠ وهو ٥٦، ثمّ يضاف إلى كلّ ذلك العشرة أيّام التي عاشها من سنة ٦١ هـ، فيكون مجموع عمره الشريف: ستّاً وخمسين سنة وستة أشهر وخمسة أيام (تقريباً).

(٤) مدّة خلافته: المراد بها هنا مدَّة إمامته الفعلية (أي كونه خليفة الله وخليفة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله الناطق عنهما بالحقّ).

(٥) راجع: بُغية الطلب في تاريخ حلب: ٦: ٢٥٦.

(٦) راجع: المعارف: ٢١٣.

٢١٨

حبّان(١) ، والبخاري(٢) ، والمزيّ(٣) ، وروي ذلك عن أحمد بن حنبل(٤) ، وابن أبي شيبة(٥) ، وروى الخطيب(٦) ذلك عن ابن عيينة عن الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام ، ورواه ابن سعد في طبقاته أيضاً عن الإمام الصادقعليه‌السلام (٧) .

٦ - تسع وخمسون سنة: ذكر ذلك المسعودي في مروجه أيضاً(٨) .

الجيشُ الأموي: الألقاب والأوصاف

لقد وُصِف الجيش الأمويّ الذي ارتكب - بقيادة عمر بن سعد لعنه الله - أبشع جريمة في تاريخ الأرض بأوصاف سيئة وألقاب ذميمة كثيرة، على لسان الإمام الحسينعليه‌السلام ولسان أصحابه رضوان الله تعالى عليهم، نورد هنا بعضاً من هذه الأوصاف - وجُلّها عن لسان الإمامعليه‌السلام - للتعريف بهويّة هذا الجيش الآثم:

شيعة آل أبي سفيان (٩) .

____________________

(١) راجع: كتاب الثقات: ٣: ٦٩.

(٢) راجع: التاريخ الكبير: ٢، الترجمة رقم ٢٨٤٦.

(٣) راجع: تهذيب الكمال، ٦: ٤٤٥.

(٤) راجع: كتاب المحن: ١٣٦.

(٥) راجع: المعجم الكبير للطبراني، ٣: ١٠٢.

(٦) راجع: تاريخ بغداد، ١: ١٤٣.

(٧) راجع: ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ومقتله، من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد، تحقيق السيّد عبد العزيز الطباطبائي (ره): ٧٥.

(٨) مروج الذهب، ٣: ٧١.

(٩) راجع: الفتوح: ٥: ١٣٤.

٢١٩

العتاة (١) .

الطغاة (٢) .

الجُهّال (٣) .

شيعة الشيطان (٤) .

الفُسّاق (٥) .

المليئة بطونهم من الحرام (٦) .

الممسوخون (٧) .

عبيد الأَمَة (٨) .

شُذّاذ الأحزاب (٩) .

شرار الأحزاب (١٠) .

نَبَذَة الكتاب، محرّفو الكلِم، عُصبة الإثم، نَفثة الشيطان، مطفئو السُنن (١١) .

____________________

(١) راجع: نفس المصدر.

(٢) راجع: وقعة الطف: ٢٥٢.

(٣) راجع: الفتوح، ٥: ١٣٤.

(٤) راجع: نور الأبصار: ١٤٤.

(٥) راجع: عمدة الطالب.

(٦) راجع: الحدائق الوردية: ١١٨.

(٧) راجع: مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي، ٢: ٢٤.

(٨) راجع: نفس المصدر.

(٩) راجع: مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ٢٤.

(١٠) راجع: اللهوف: ١٥٦.

(١١) راجع: مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ٢: ٢٤.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477