مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء ٤

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة12%

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 477

الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 260804 / تحميل: 8934
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء ٤

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

مدّته، رمته قسيّ الفناء بنبال الموت، و أصبحت الديار منه خالية، و المساكن معطّلة، و ورثها قوم آخرون. و إنّ لكم في القرون السالفة لعبرة أين العمالقة و أبناء العمالقة أين الفراعنة و أبناء الفراعنة أين أصحاب مدائن الرّسّ الذين قتلوا النبيّين و أطفأوا سنن المرسلين، و أحيوا سنن الجبّارين أين الذين ساروا بالجيوش، و هزموا بالألوف، و عسكروا العساكر، و مدّنوا المدائن

اين عمّار

و من الخطبة السابقة نفسها: ألا إنه قد أدبر من الدنيا ما كان مقبلا، و أقبل منها ما كان مدبرا، و أزمع التّرحال عباد اللّه الأخيار ما ضرّ إخواننا الذين سفكت دماؤهم و هم بصفّين أن لا يكونوا اليوم أحياء يسيغون الغصص و يشربون الرّنق(١) ؟ أين إخواني الذين ركبوا الطريق و مضوا على الحقّ؟ أين عمّار؟

و أين ابن التّيهان؟ و أين ذو الشّهادتين(٢) ؟ و أين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على النيّة، و أبرد برؤوسهم إلى الفجرة(٣) ؟

____________________

(١) الرنق: الكدر.

(٢) عمار: عمار بن ياسر، و كان ممّن عذّب هو و أبوه و أخوه و أمه في بدء الدعوة.

و ابن التيهان: ابو الهيثم مالك بن التيهان، من أكابر الصحابة. ذو الشهادتين: خزيمة بن ثابت الانصاري، من الصحابة. و هؤلاء الثلاثة شهدوا صفين و استشهدوا بها.

(٣) أبرد برووسهم: أرسلت رؤوسهم مع البريد بعد قتلهم إلى البغاة للتشفّي منهم.

١٤١

الكبر و التّعصّب و البغي

من خطبة له طويلة تسمّى «القاصعة(١) »: و لا تكونوا كالمتكبّر على ابن أمّه من غير ما فضل جعله اللّه فيه سوى ما ألحقت العظمة بنفسه من عداوة الحسد، و قدحت الحميّة في قلبه من نار الغضب، و نفخ الشيطان في أنفه من ريح الكبر الذي أعقبه اللّه به الندامة.

فاللّه اللّه في كبر الحميّة و فخر الجاهلية، فإنه منافخ الشيطان التي خدع بها الأمم الماضية و القرون الخالية.

و لا تطيعوا الأدعياء الذين شربتم بصفوكم كدرهم، و أدخلتم في حقكم باطلهم، و هم أساس الفسوق اتّخذهم إبليس مطايا ضلال و جندا بهم يصول على الناس، و تراجمة ينطق على ألسنتهم استراقا لعقولكم و دخولا في عيونكم و نفثا في أسماعكم، فجعلكم مرمى نبله و موطى‏ء قدمه و مأخذ يده. فاعتبروا بما أصاب الأمم المستكبرين من قبلكم من بأس اللّه، و اتّعظوا بمثاوي خدودهم(٢) و مصارع جنوبهم. و استعيذوا باللّه من لواقح الكبر(٣) كما تستعيذون به من طوارق الدهر

____________________

(١) قصع فلان فلانا: حقّره. و قد سميت هذه الخطبة «القاصعة» لأن ابن أبي طالب حقّر فيها حال المتكبرين و أهل البغي.

(٢) مثاوي، جمع مثوى، بمعنى المنزل. و منازل الخدود: مواضعها من الأرض بعد الموت. و مصارع الجنوب: مطارحها على التراب.

(٣) لواقح الكبر: محدثاته في النفوس.

١٤٢

و لقد نظرت فما وجدت أحدا من العاملين يتعصّب لشي‏ء من الأشياء إلاّ عن علّة تحتمل تمويه الجهلاء أو حجّة تليط بعقول السفهاء، غيركم، فإنكم تتعصبون لأمر لا يعرف له سبب و لا علّة: أما إبليس فتعصّب على آدم لأصله، و طعن عليه في خلقته، فقال: «أنا ناريّ و أنت طينيّ» و أمّا الأغنياء من مترفة الأمم فتعصّبوا لآثار مواقع النّعم فقالوا: «نحن أكثر أموالا و أولادا و ما نحن بمعذّبين» فإن كان لا بدّ من العصبيّة فليكن تعصبكم لمكارم الخصال و محامد الأفعال و محاسن الأمور التي تفاضلت فيها المجداء و النّجداء بالأخلاق الرغيبة و الأحلام العظيمة، فتعصّبوا لخلال الحمد: من الحفظ للجوار و الوفاء بالذمام، و الطاعة للبرّ، و المعصية للكبر، و الكفّ عن البغي، و الإعظام للقتل، و الإنصاف للخلق، و الكظم للغيظ، و اجتناب الفساد في الأرض.

و احذروا ما نزل بالأمم قبلكم من المثلات(١) بسوء الأفعال و ذميم الأعمال، فتذكّروا في الخير و الشرّ أحوالهم و احذروا أن تكونوا أمثالهم.

أ لا و قد أمرني اللّه بقتال أهل البغي و النكث(٢) و الفساد في الأرض: فأمّا الناكثون فقد قاتلت. و أما القاسطون فقد جاهدت(٣) . و أمّا المارقة

____________________

(١) المثلات: العقوبات.

(٢) النكث: نقض العهد.

(٣) القاسطون: الجائرون على الحق.

١٤٣

فقد دوّخت. و أمّا شيطان الرّدهة(١) فقد كفيته بصعقة سمعت لها وجبة قلبه و رجّة صدره. و بقيت بقيّة من أهل البغي، و لئن أذن اللّه في الكرّة عليهم لأديلنّ منهم(٢) إلاّ ما يتشذّر في أطراف البلاد تشذّرا(٣) .

و إني لمن قوم لا تأخذهم في اللّه لومة لائم: سيماهم سيما الصدّيقين، و كلامهم كلام الأبرار، عمّار الليل و منار النهار(٤) لا يستكبرون و لا يعلون و لا يغلّون(٥) و لا يفسدون: قلوبهم في الجنان و أجسادهم في العمل.

الدّنيا تطوى من خلفكم

من عهد له إلى محمد بن أبي بكر حين قلّده مصر. و فيه تذكير بأحوال الدنيا و ترغيب للولاة في أن يعدلوا و يرحموا لئلاّ يعذّبوا، و ذلك بأروع ما تجري به ريشة العبقرية من بيان: و أنتم طرداء الموت: إن أقمتم له أخذكم، و إن فررتم منه أدرككم،

____________________

(١) الردهة: النقرة في الجبل قد يجتمع فيها. و شيطانها ذو الثدية من رؤساء الخوارج وجد مقتولا في ردهة.

(٢) لأديلن منهم: لأمحقننهم ثم أجعل الدولة لغيرهم.

(٣) يتشذّر: يتفرق، أي: لا يفلت مني إلاّ من يتفرّق في أطراف البلاد.

(٤) عمار، جمع عامر، أي: يعمرون الليل بالسهر للفكر و العبادة.

(٥) يغلون. يخونون.

١٤٤

و هو ألزم لكم من ظلّكم الموت معقود بنواصيكم(١) ، و الدنيا تطوى من خلفكم، فاحذروا نارا قعرها بعيد، و حرّها شديد، و عذابها جديد، ليس فيها رحمة و لا تسمع فيها دعوة

دستور الولاة

من رسالة كتبها للأشتر النخعي لما ولاّه على مصر و أعمالها في عهد خلافته. و هي من جلائل رسائله و وصاياه، و أجمعها لقوانين المعاملات المدنية و الحقوق العامة و التصرّفات الخاصة في نهج الإمام. كما انها من أروع ما أنتجه العقل و القلب جميعا في تقرير علاقة الحاكم بالمحكوم، و في مفهوم الحكومة، حتى أن الإمام سبق عصره أكثر من ألف سنة بجملة ما ورد في هذه الرسالة الدستور، من إشراق العقل النيّر و القلب الخيّر.

ثم اعلم يا مالك أني قد وجّهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل و جور، و أن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، و يقولون فيك ما كنت تقول فيهم، و إنّما يستدلّ على الصالحين بما يجري اللّه لهم على ألسن عباده، فليكن أحبّ الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح، فاملك هواك و شحّ بنفسك عمّا لا يحلّ لك

____________________

(١) النواصي، جمع ناصية، و هي: مقدّم شعر الرأس.

١٤٥

فإنّ الشّحّ بالنفس الإنصاف منها في ما أحبّت أو كرهت(١) . و أشعر قلبك الرحمة للرعية، و المحبّة لهم، و اللطف بهم. و لا تكوننّ عليهم سبعا ضاريا تغنتم أكلهم فإنهم صنفان: إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل(٢) ، و تعرض لهم العلل، و يؤتى على أيديهم في العمد و الخطأ(٣) ، فأعطهم من عفوك و صفحك مثل الذي تحبّ أن يعطيك اللّه من عفوه و صفحه، فإنك فوقهم و والي الأمر عليك فوقك، و اللّه فوق من ولاّك و لا تندمنّ على عفو، و لا تبجحنّ بعقوبة و لا تسرعنّ إلى بادرة وجدت منها مندوحة(٤) .

أنصف اللّه و أنصف الناس من نفسك و من خاصّة أهلك و من لك فيه هوى من رعيّتك(٥) ، فإنك إلاّ تفعل تظلم و من ظلم عباد اللّه كان اللّه خصمه دون عباده. و ليس شي‏ء أدعى إلى تغيير نعمة اللّه و تعجيل نقمته من إقامة على ظلم، فإنّ اللّه سميع دعوة المضطهدين و هو للظالمين بالمرصاد.

و ليكن أحبّ الأمور إليك أوسطها في الحقّ، و أعمّها في العدل و أجمعها لرضا الرعية، فإنّ سخط العامّة يجحف برضا الخاصة،

____________________

(١) الشح: البخل. يقول: انتصف من نفسك في ما أحبت و كرهت، أي ابخل بها و لا تمكّنها من الاسترسال في ما أحبّت، و احرص على صفائها كذلك بأن تحملها على ما تكره إن كان ذلك في الحق.

(٢) يفرط: يسبق. الزلل: الخطأ.

(٣) يؤتى على أيديهم: تأتي السيئات على أيديهم.

(٤) بجح بالشي‏ء: فرح به. البادرة: ما يبدر من الحدة عند الغضب في قول أو فعل.

المندوحة: المتّسع الذي يمكّن المرء من التخلّص.

(٥) من لك فيه هوى، أي: من تميل اليه ميلا خاصا.

١٤٦

و إن سخط الخاصّة يغتفر مع رضا العامّة(١) . و ليس أحد من الرعيّة أثقل على الوالي مؤونة في الرّخاء و أقلّ معونة له في البلاء، و أكره للإنصاف، و أسأل بالإلحاف(٢) ، و أقلّ شكرا عند الإعطاء، و أبطأ عذرا عند المنع، و أضعف صبرا عند ملمّات الدهر، من أهل الخاصة(٣) .

أطلق عن الناس عقدة كلّ حقد، و اقطع عنك سبب كلّ وتر(٤) ، و لا تعجلنّ إلى تصديق ساع فإنّ الساعي غاشّ و إن تشبّه بالناصحين.

إن شرّ وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا، و من شركهم في الآثام، فلا يكوننّ لك بطانة(٥) فإنهم أعوان الأثمة و إخوان

____________________

(١) يحجف: يذهب. يقول للحاكم: إذا رضي عليك الخاصة و سخط عليك العامة، فلا ينفعك رضا أولئك مع سخط هؤلاء. أما إذا رضي عليك العامة، و هؤلاء لا يرضيهم إلا العدل، فسخط الخاصة مغتفر.

(٢) الإلحاف: الإلحاح.

(٣) يقول: ليس هنالك من هم أثقل على الحاكم، و أقل نفعا له و أكثر ضررا عليه من خاصته و المتقربين اليه من ذوي الثروة و الوجاهة يلازمونه و يلحون عليه في قضاء حاجاتهم و يرهقونه بالمسائل و الشفاعات و يغنمون عن سبيله المغانم و يثرون على حساب العامة، ثم يجحدون كل ذلك و لا يساندون الحاكم أو الجمهور في نائبة أو أزمة. فهم لذلك فئة يجب على الحاكم الصالح أن ينبذها و يعتمد على العامة دون سواهم.

(٤) الوتر: العداوة: يقول: احلل عقدة الأحقاد من قلوب الناس بالعدل فيهم و حسن السيرة معهم. و اقطع السبب في عداء الناس لك بالإحسان اليهم قولا و عملا.

(٥) البطانة: الخاصة.

١٤٧

الظّلمة(١) ، و أنت واجد منهم خير الخلف ممّن لم يعاون ظالما على ظلمه و لا آثما على إثمه. ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمرّ الحق لك(٢) و أقلّهم مساعدة في ما يكون منك ممّا كره اللّه لأوليائه واقعا [ذلك] من هواك حيث وقع. و الصق بأهل الورع و الصدق ثم رضهم على أن لا يطروك و لا يبجحوك بباطل لم تفعله(٣) .

و لا يكوننّ المحسن و المسي‏ء عندك بمنزلة سواء، فإنّ في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الإحسان، و تدريبا لأهل الإساءة على الإساءة و ألزم كلاّ منهم ما ألزم نفسه(٤) و اعلم أنه ليس شي‏ء بأدعى إلى حسن ظنّ راع برعيّته من إحسانه إليهم(٥) و تخفيفه المؤونات عنهم، و ترك استكراهه إياهم على ما ليس قبلهم(٦) ، فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به

____________________

(١) الأثمة: جمع آثم. الظلمة: جمع ظالم.

(٢) آثرهم: أفضلهم. مرارة الحق. صعوبته. يقول: ليكن أفضل وزرائك و أعوانك في نظرك أصدقهم و أكثرهم قولا بالحق مهما كان الحق صعبا على نفسك.

(٣) رضهم: عوّدهم. يطروك: يطنبوا في مدحك. يبجحوك بباطل لم تفعله: يفرّحوك بأن ينسبوا اليك عملا عظيما لم تكن فعلته.

(٤) أي: أحسن الى المحسن بما ألزم نفسه، و هو استحقاق الإحسان. و عاقب المسي‏ء بما ألزم نفسه كذلك، و هو استحقاق العقاب.

(٥) ليس هنالك ما يحمل الوالي على الاطمئنان إلى أن قلوب الناس معه كالاحسان اليهم و العدل فيهم و تخفيف الاثقال عن كواهلهم. و هم في غير هذه الحال أعداء له ينتهزون الفرصة للثورة عليه، و إذ ذاك يسوء ظنه بهم.

(٦) قبلهم، بكسر ففتح: عندهم.

١٤٨

حسن الظنّ برعيّتك، و إنّ أحقّ من حسن ظنّك به لمن حسن بلاؤك عنده، و إنّ أحقّ من ساء ظنّك به لمن ساء بلاؤك عنده(١) .

و أكثر مدارسة العلماء و مناقشة الحكماء(٢) في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك، و إقامة ما استقام به الناس قبلك.

ولّ من جنودك أنصحهم في نفسك للّه و لرسوله و لإمامك، و أنقاهم جيبا و أفضلهم حلما: ممّن يبطى‏ء عن الغضب، و يستريح إلى العذر، و يرأف بالضعفاء، و ينبو على الأقوياء(٣) و ممن لا يثيره العنف، و لا يقعد به الضعف.

و إنّ أفضل قرّة عين الولاة استقامة العدل في البلاد، و ظهور مودّة الرعية، و إنه لا تظهر مودّتهم إلا بسلامة صدورهم، و لا تصحّ نصيحتهم إلاّ بحيطتهم على ولاة الأمور و قلّة استثقال دولهم(٤) .

ثم اعرف لكلّ امرى‏ء منهم ما أبلى، و لا تضيفنّ بلاء امرى‏ء إلى

____________________

(١) البلاء: الصنع، حسنا أو سيئا.

(٢) المنافثة: المحادثة.

(٣) ينبو: يشتدّ و يعلو. يأمر الحاكم بأن يولّي من جنوده من لا يضعف أمام الأقوياء و الأثرياء و النافذين بل يعلو عليهم و يشتدّ ليمنعهم من ظلم الضعفاء و الفقراء و البسطاء.

(٤) الحيطة، بكسر الحاء: مصدر «حاط» بمعنى: صان و حفظ، يقول: ان مودة الرعية لا تظهر و نصيحتهم لا تصحّ إلا بقدر ما يرغبون في المحافظة على ولاتهم و يحرصون على بقائهم و لا يستثقلون مدة حكمهم.

١٤٩

غيره(١) ، و لا يدعونّك شرف امرى‏ء إلى أن تعظّم من بلائه ما كان صغيرا، و لا ضعة امرى‏ء إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيما.

ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيّتك في نفسك(٢) ممّن لا تضيق به الأمور و لا تمحكه الخصوم(٣) و لا يتمادى في الزلّة، و لا تشرف نفسه على طمع، و لا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه(٤) ، و أوقفهم في الشّبهات(٥) و آخذهم بالحجج، و أقلّهم تبرّما بمراجعة الخصم، و أصبرهم على تكشّف الأمور، و أصرمهم عند اتّضاع الحق، ممن لا يزدهيه إطراء، و لا يستميله إغراء، و أولئك قليل. ثم أكثر تعاهد قضائه(٦) و أفسح له في البذل ما يزيل علّته و تقلّ معه حاجته الى الناس و أعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصّتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك.

ثم انظر في أمور عمّالك فاستعملهم اختبارا، و لا تولّهم محاباة

____________________

(١) لا تنسبنّ صنيع امرى‏ء إلى غيره.

(٢) انتقال من الكلام في الجند الى الكلام في القضاة.

(٣) تمحكه: تغضبه.

(٤) لا يكتفي بما يبدو له بأول فهم و أقربه، بل يتأمل و يدرس حتى يأتي على أقصى الفهم و أدناه من الحقيقة.

(٥) الشبهات، جمع شبهة، و هي ما لا يتضح الحكم فيها بالنص، فينبغي العمل لردّ الحادثة التي ينظر فيها إلى أصل صحيح.

(٦) أي: تتبع قضاءه بالاستكشاف و التعرف.

١٥٠

و أثرة فإنهم جماع من شعب الجور و الخيانة(١) . ثم تفقّد أعمالهم و ابعث العيون(٢) من أهل الصدق و الوفاء عليهم، فإنّ تعاهدك في السرّ لأمورهم حدوة لهم(٣) على استعمال الأمانة و الرفق بالرعية. و تحفّظ من الأعوان فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه(٤) عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا فبسطت عليه العقوبة في بدنه، و أخذته بما أصاب به من عمله، ثم نصبته بمقام المذلّة، و وسمته بالخيانة، و قلّدته عار التهمة.

و تفقّد أمر الخراج بما يصلح أهله، فإنّ في صلاحه و صلاحهم صلاحا لمن سواهم. و لا صلاح لمن سواهم إلا بهم، لأنّ الناس كلّهم عيال على الخراج و أهله. و ليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأنّ ذلك لا يدرك إلاّ بالعمارة. و من طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد و أهلك العباد و لم يستقم أمره إلاّ قليلا.

و لا يثقلنّ عليك شي‏ء خفّفت به المؤونة عنهم فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك.

و إن العمران محتمل ما حمّلته، و إنما يؤتى خراب الأرض من

____________________

(١) أي: ولّهم الأعمال بالاختبار و التجربة، لا ميلا منك لمعاونتهم و لا استبدادا منك برأيك، فإن المحاباة و الأثرة يجمعان الظلم و الخيانة معا.

(٢) العيون: الرقباء.

(٣) حدوة: سوق و حثّ.

(٤) اجتمعت عليها أخبار عيونك: اتفقت عليها أخبار رقبائك.

١٥١

إعواز أهلها، و إنما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع(١) و سوء ظننهم بالبقاء و قلّة انتفاعهم بالعبر.

ثم انظر في حال كتّابك فولّ على أمورك خيرهم، ممّن لا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور، فإنّ الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل.

ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك و استنامتك(٢) و حسن الظنّ منك، فإنّ الرجال يتعرّفون لفراسات الولاة بتصنّعهم و حسن خدمتهم(٣) ، و ليس وراء ذلك من النصيحة و الأمانة شي‏ء. و مهما كان في كتّابك من عيب فتغابيت عنه ألزمته(٤) .

ثم استوص بالتجّار و ذوي الصّناعات و أوص بهم خيرا: المقيم منهم و المضطرب بماله(٥) ، فإنهم موادّ المنافع و أسباب المرافق، و تفقّد أمورهم بحضرتك و في حواشي بلادك. و اعلم مع ذلك أنّ في كثير منهم ضيقا فاحشا و شحّا قبيحا و احتكارا للمنافع و تحكّما في البياعات، و ذلك باب مضرّة للعامّة و عيب على الولاة، فامنع من الاحتكار فإن رسول اللّه صلى

____________________

(١) إشراف انفس الولاة على الجمع: تطلّعهم الى جمع المال و ادّخاره لأنفسهم طمعا و جشعا.

(٢) الفراسة: قوة الظن و إدراك الباطن من النظر في الظاهر. الاستنامة: الاطمئنان إلى حسن الرأي. أي: لا يكن اختيارك للكتاب متأثرا بميلك الخاص و فراستك التي قد تخطى‏ء.

(٣) أي يخدمون الولاء بما يطيب لهم توسّلا إلى حسن ظنّ هؤلاء بهم.

(٤) إذا تغابيت عن عيب في كتابك كان ذلك العيب لاصقا بك.

(٥) المتردد بأمواله بين البلدان.

١٥٢

اللّه عليه و سلّم منع منه. و ليكن البيع بيعا سمحا: بموازين عدل، و أسعار لا تجحف بالفريقين من البائع و المبتاع(١) فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكّل به و عاقبه في غير إسراف(٢) .

ثم يتحدّث الإمام في رسالته هذه إلى مالك الأشتر عن الطققة المعوزة فيقول: و احفظ للّه ما استحفظك من حقّه فيهم، و اجعل لهم قسما من بيت مالك فإنّ للأقصى منهم مثل الذي للأدنى، و كلّ قد استرعيت حقّه، فلا يشغلنّك عنهم بطر(٣) فإنك لا تعذر بتضييعك التافه(٤) لإحكامك المهمّ، فلا تشخص همّك عنهم(٥) و لا تصعّر خدّك لهم(٦) و تفقّد أمور من لا يصل إليك منهم ممّن تقتحمه العيون(٧) و تحقره الرجال، فإنّ هؤلاء من بين الرعية أحوج إلى الإنصاف من غيرهم. و تعهّد

____________________

(١) المبتاع: المشتري.

(٢) قارف: خالط. الحكرة: الاحتكار. نكل به: أوقع به العذاب عقوبة له. يقول: من احتكر بعد النهي عن الاحتكار عاقبه لكن من غير إسراف في العقوبة يتجاوز عن حد العدل فيها.

(٣) البطر: طغيان النعمة.

(٤) يقول: لا عذر لك بإهمالك القليل إذا أحكمت الكثير.

(٥) لا تشخص همك عنهم: لا تصرف همك عنهم.

(٦) صعّر خده: أماله عن النظر إلى الناس تهاونا و كبرا.

(٧) تقتحمه العيون: تكره أن تنظر اليه احتقارا.

١٥٣

أهل اليتم و ذوي الرقّة في السن(١) ممّن لا حيلة له، و لا ينصب للمسألة نفسه، و ذلك على الولاة ثقيل، و الحقّ كلّه ثقيل و اجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرّغ لهم فيه شخصك، و تجلس لهم مجلسا عاما فتتواضع فيه للّه الذي خلقك، و تقعد عنهم جندك و أعوانك(٢) من أحراسك و شرطك حتى يكلّمك متكلّمهم غير متتعتع(٣) فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول في غير موطن(٤) : «لن تقدّس أمّة لا يؤخذ للضعيف فيها حقّه من القويّ غير متتعتع» ثم احتمل الخرق منهم و العيّ(٥) و نحّ عنهم الضيق و الأنف(٦) .

ثم أمور من أمورك لا بدّ لك من مباشرتها: منها إجابة عمّالك بما يعيا عنه كتّابك. و منها إصدار حاجات الناس يوم ورودها عليك بما تحرج به صدور أعوانك(٧) ، و أمض لكلّ يوم عمله فإنّ لكلّ يوم ما فيه.

____________________

(١) ذوو الرقة في السن: المتقدمون فيه.

(٢) أي: تأمر بأن يقعد عنهم جندك و أعوانك و بألا يتعرضوا لهم.

(٣) التعتعة في الكلام: التردد فيه من عجز و عيّ، أو من خوف.

(٤) في مواطن كثيرة.

(٥) الخرق: العنف. العي: العجز عن النطق. أي: لا تضجر من هذا و لا تغضب من ذاك.

(٦) الأنف: الاستنكاف و الاستكبار.

(٧) تحرج: تضيق. يقول: إن الأعوان تضيق صدورهم بتعجيل الحاجات، و يحبون المماطلة في قضائها، استجلابا للمنفعة أو إظهارا للجبروت.

١٥٤

و لا تطوّلنّ احتجابك عن رعيّتك، فإنّ احتجاب الولاة عن الرعيّة شعبة من الضيق و قلّة علم بالأمور. و الاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير و يعظم الصغير، و يقبح الحسن و يحسن القبيح، و يشاب الحقّ بالباطل. و إنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور، و ليست على الحقّ سمات(١) تعرف بها ضروب الصدق من الكذب، و إنما أنت أحد رجلين: إمّا امرؤ سخت نفسه بالبذل في الحق ففيم احتجابك(٢) من واجب حقّ تعطيه أو فعل كريم تسديه؟ أو مبتلى بالمنع فما أسرع كفّ الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك(٣) ، مع أنّ أكثر حاجات الناس إليك مما لا مؤونة فيه عليك من شكاة مظلمة أو طلب إنصاف في معاملة.

ثم إنّ للوالي خاصّة و بطانة فيهم استئثار و تطاول، و قلّة إنصاف في معاملة، فاحسم مادّة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال(٤) و لا تقطعنّ لأحد من حاشيتك و حامّتك قطيعة(٥) و لا يطمعنّ منك في اعتقاد عقدة تضرّ بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك يحملون مؤونته على

____________________

(١) سمات: علامات.

(٢) لأي سبب تحتجب عن الناس في أداء حقهم، أو في عمل تمنحهم إياه؟

(٣) يقول: و إن قنط الناس من قضاء مطالبهم منك أسرعوا الى البعد عنك، فلا حاجة للاحتجاب.

(٤) احسم: اقطع. يقول: اقطع مادة شرورهم عن الناس بقطع أسباب تعدّيهم، و إنما يكون ذلك بالأخذ على أيديهم و منعهم من التصرّف في شؤون العامة.

(٥) الاقطاع: المنحة من الأرض. القطيعة: الممنوح منها. الحامة، كالطّامة: الخاصة و القرابة. الاعتقاد: الامتلاك. العقدة: الضيعة.

١٥٥

غيرهم فيكون مهنأ ذلك(١) لهم دونك، و عيبه عليك في الدنيا و الآخرة.

و ألزم الحقّ من لزمه من القريب و البعيد، و كن في ذلك صابرا محتسبا، واقعا ذلك من قرابتك و خاصّتك حيث وقع، و ابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه، فإنّ مغبّة ذلك محمودة(٢) .

و إن ظنّت الرعيّة بك حيفا فأصحر(٣) لهم بعذرك، و اعدل عنك ظنونهم بإصحارك فإنّ في ذلك رياضة منك لنفسك(٤) و رفقا برعيّتك و إعذارا(٥) تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحق.

و لا تدفعنّ صلحا دعاك إليه عدوّك و للّه فيه رضا، فإنّ في الصلح دعة لجنودك و راحة من همومك و أمنا لبلادك. و إن عقدت بينك و بين عدوّك عقدة أو ألبسته منك ذمّة فحط عهدك بالوفاء و ارع ذمّتك بالأمانة و اجعل نفسك جنّة دون ما أعطيت(٦) و لا تغدرنّ بذمّتك و لا تخيسنّ بعهدك

____________________

(١) المهنأ: المنفعة الهنيئة.

(٢) المغبة: العاقبة، يقول: إن إلزام الحق لمن لزمهم، و إن ثقل على الوالي و عليهم، محمود العاقبة يحفظ الدولة.

(٣) الحيف: الظلم. أصحر بهم: ابرز لهم.

(٤) رياضة منك لنفسك: تعويدا لنفسك على العدل.

(٥) الإعذار: تقديم العذر أو إبداؤه.

(٦) أصل معنى الذمة: وجدان مودع في جبلة الانسان ينبهه لرعاية حق ذوي الحقوق و يدفعه لأداء ما يجب عليه منها، ثم أطلقت على معنى العهد. الجنة: الوقاية.

يقول: حافظ بروحك على ما أعطيت من العهد.

١٥٦

و لا تختلنّ(١) عدوّك. و لا تعقد عقدا تجوّز فيه العلل(٢) و لا تعوّلنّ على لحن قول بعد التأكيد و التوثقة، و لا يدعونّك ضيق أمر لزمك فيه عهد اللّه إلى طلب انفساخه بغير الحقّ(٣) .

و لا تقوّينّ سلطانك بسفك دم حرام، فإنّ ذلك ممّا يضعفه و يوهنه بل يزيله و ينقله، و لا عذر لك عند اللّه و لا عندي في قتل العمد و إيّاك و المنّ على رعيّتك بإحسانك، أو التزيّد في ما كان من فعلك(٤) أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك، فإنّ المنّ يبطل الإحسان، و التزيّد يذهب بنور الحق، و الخلف يوجب المقت عند اللّه و الناس.

و إياك و العجلة بالأمور قبل أوانها، أو التسقّط فيها عند إمكانها(٥) أو الوهن عنها إذا استوضحت. فضع كلّ أمر موضعه، و أوقع كلّ أمر موقعه.

____________________

(١) خاس بعهده: خانه و نقضه. الختل: الخداع.

(٢) العلل: جمع علة و هي في النقد و الكلام بمعنى ما يصرفه عن وجهه و يحوّله الى غير المراد، و ذلك يطرأ على الكلام عند إبهامه و عدم صراحته.

(٣) لحن القول: ما يقبل التوجيه كالتورية و التعريض. يقول: إذا ريت ثقلا من التزام العهد فلا تركن إلى لحن القول لتتملص منه، بل خذ بأصرح الوجوه لك و عليك.

(٤) التزيّد: إظهار الزيادة في الأعمال و المبالغة في وصف الواقع منها في معرض الافتخار.

(٥) التسقط: يريد به هنا: التهاون.

١٥٧

و إياك و الاستئثار بما الناس فيه أسوة(١) ، و التغابي عما تعنى به مما قد وضح للعيون، فإنه مأخوذ منك لغيرك، و عمّا قليل تنكشف عنك أغطية الأمور و ينتصف منك للمظلوم. إملك حميّة أنفك(٢) و سورة حدّك و سطوة يدك و غرب لسانك(٣) و احترس من كلّ ذلك بكفّ البادرة(٤) و تأخير السطوة حتى يسكن غضبك فتملك الاختيار.

و الواجب عليك أن تتذكّر ما مضى لمن تقدّمك من حكومة عادلة أو سنّة فاضلة، و تجتهد لنفسك في اتّباع ما عهدت إليك في عهدي هذا، و استوثقت به من الحجّة لنفسي عليك، لكي لا تكون لك علّة عند تسرّع نفسك إلى هواها. و أنا أسأل اللّه أن يوفّقني و إياك لما فيه رضاه من الإقامة على العذر الواضح اليه و إلى خلقه(٥) .

____________________

(١) احذر أن تخصّ نفسك بشي‏ء تزيد به عن الناس، و هو مما تجب فيه المساواة من الحقوق العامة.

(٢) أي: أملك نفسك عند الغضب.

(٣) السورة: الحدة: و الحد: البأس. و الغرب: الحد، تشبيها للسان بحدّ السيف و نحوه.

(٤) البادرة: ما يبدر من اللسان عند الغضب، و إطلاق اللسان يزيد الغضب اتقادا، و السكون يطفى‏ء من لهبه.

(٥) يريد من العذر الواضح: العدل، فإنه عذر لك عند من قضيت عليه، و عذر عند اللّه في من أجريت عليه عقوبة أو حرمته من منفعة.

١٥٨

حدود الضّريبة

من وصية كان الإمام يكتبها لمن يستعمله على الصدقات، و هي تزخر بحنان الحاكم الأب على أبنائه، و تصلح لأن تدخل في دستور الدولة المثالية التي يحلم بها صفوة الخلق إذا قدمت على الحيّ فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم، ثم امض إليهم بالسكينة و الوقار حتى تقوم بينهم فتسلّم عليهم، و لا تخدج بالتحية لهم(١) ، ثم تقول: عباد اللّه، أرسلني اليكم وليّ اللّه و خليفته لآخذ منكم حقّ اللّه في أموالكم، فهل للّه في أموالكم من حقّ فتؤدّوه إلى وليّه؟

فإن قال قائل: لا فلا تراجعه. و إن أنعم لك منعم(٢) فانطلق معه من غير أن تخيفه و توعده أو تعسفه أو ترهقه(٣) فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضّة. فإن كان له ماشية أو إبل فلا تدخلها إلاّ بإذنه. فإذا أتيتها فلا تدخل عليها دخول متسلّط عليه و لا عنيف به، و لا تنفّرنّ بهيمة و لا تفزّعنّها و لا تسوءنّ صاحبها فيها. و اصدع المال صدعين(٤) ثم خيّره:

____________________

(١) أخدجت السحابة: قلّ مطرها.

(٢) أنعم لك منعم، أي: قال لك: نعم.

(٣) تعسفه: تأخذه بشدة. ترهقه: تكلفه ما يصعب عليه.

(٤) أي: اقسمه قسمين.

١٥٩

فإذا اختار فلا تعرّضنّ لما اختاره. فلا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحقّ اللّه في ماله، فاقبض حقّ اللّه منه. فإن استقالك فأقله(١) ، ثم اخلطهما، ثم اصنع مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حق اللّه في ماله.

السفهاء و التجار

من كتاب بعث به الإمام الى أهل مصر مع مالك الاشتر لما ولاّه إمارتها: إني و اللّه لو لقيتهم واحدا و هم طلاع الأرض كلّها(٢) ما باليت و لا استوحشت. و إني من ضلالهم الذي هم فيه و الهدى الذي أنا عليه لعلى بصيرة من نفسي و يقين من ربّي، و لكني آسى(٣) أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها و فجّارها فيتّخذوا مال اللّه دولا و عباده خولا(٤) و الصالحين حربا و الفاسقين حزبا، فلو لا ذلك ما أكثرت تأليبكم و تأنيبكم، و جمعكم و تحريضكم

____________________

(١) أي: فإن ظنّ في نفسه سوء الاختيار و أنّ ما أخذت منه من الزكاة اكرم مما في يده، و طلب الإعفاء من هذه القسمة، فاعفه منها، و اخلط، و أعد القسمة.

(٢) الطلاع: مل‏ء الشي‏ء. يقول: لو كنت واحدا و هم يملأون الأرض للقيتهم غير مبال بهم. و الضمير يعود هنا على خصومه و محاربيه من وجهاء ذلك الزمان.

(٣) آسى: أحزن.

(٤) دولا، جمع دولة «بالضم»: أي شيئا يتداولونه بينهم و يتصرفون به في غير حق اللّه. الخول: العبيد.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

الظالمون (١) .

السفهاء (٢) .

المطبوع على قلوبهم (٣) .

أمّة السوء (٤) .

شاربو الخمر (٥) .

مؤذو المؤمنين، صراخ أئمة المستهزئين، أكلة الغاصب، قَتلة أولاد الأنبياء، مبيرو عترة الأوصياء، ملحقو العهار بالنسَب (٦) .

عظماء الجبّارين (٧) .

قَتلة أولاد البدريين، قتلة عترة خير المرسلين، قتلة المؤمنين (٨) .

الخبيثون (٩) .

أولاد الزنا (١٠) .

الطُغام (١١) .

____________________

(١) راجع: الكامل في التاريخ، ٤: ٧٥.

(٢) راجع: نور الأبصار: ١٤٤.

(٣) راجع: الإرشاد: ٢: ٩٨.

(٤) راجع: مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي، ٢: ٩ و ٣٩.

(٥) راجع: تذكرة الخواص: ٢١٨.

(٦) راجع: المقتل للخوارزمي، ٢: ٩.

(٧) راجع: الإرشاد، ٢: ٩٦، وتاريخ الطبري ٣: ٣١٨.

(٨) راجع: مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ٢: ١٤.

(٩) راجع: إبصار العين: ١٢٣.

(١٠) راجع: تاريخ الطبري ٣: ٣٢١.

(١١) راجع: وقعة الطفّ: ٢٥٢، والطغام: بمعنى أراذل الناس (لسان العرب ٢: ٩٤).

٢٢١

مظهرو الفساد في الأرض، مبطلو الحدود، المستأثرون في أموال الفقراء والمساكين (١) .

عددُ الجيش الأموي

تفاوتت الروايات والمتون التاريخية في عدد الجيش الأمويّ الذي واجه الإمام الحسينعليه‌السلام في كربلاء يوم عاشوراء، وهذه الأعداد على الترتيب من الأقلّ إلى الأكثر هي:

١ - ألف مقاتل (٢) .

٢ - أربعة آلاف (٣) .

٣ - ستّة آلاف (٤) .

٤ - ثمانية آلاف (٥) .

٥ - اثنا عشر ألفاً (٦) .

٦ - ستّة عشر ألفاً (٧) .

____________________

(١) راجع: تذكرة الخواص: ٢١٨.

(٢) راجع: نور الإبصار: ١٤٣.

(٣) راجع: تاريخ اليعقوبي ٢: ١٧٦، والبداية والنهاية ٨: ١٦٩.

(٤) راجع: حياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام ٣: ١٢١ عن الصراط السويّ في مناقب آل النبيّ ص٨٧.

(٥) راجع: حياة الإمام الحسين بن عليّعليه‌السلام ٣: ١٢٠ عن مرآة الزمان في تواريخ الأعيان ص٩٢.

(٦) راجع: الدرّ النظيم: ٥٥١.

(٧) راجع: الدرّ النظيم: ٥٥١.

٢٢٢

٧ - عشرون ألفاً (١) .

٨ - اثنان وعشرون ألفاً (٢) .

٩- ثلاثون ألفاً (٣) .

١٠- خمسة وثلاثون ألفاً (٤) .

١١ - أربعون ألفاً (٥) .

١٢ - خمسون ألفاً (٦) .

١٣ - مئة ألف (٧) .

إشارة

 لقد أُنشئت مدينة الكوفة لغرض عسكري بالأساس، وكانت تتمتع بقدرات تعبوية كبيرة من حيث العدد والعدّة، وفي الروايات والمتون التاريخية دلائل كثيرة على هذه الحقيقة، فقد روي مثلاً أنّ سليمان بن صُرَد الخزاعي كان قد خاطب الإمام الحسنعليه‌السلام - وقد أنكر عليه أمر الصلح - قائلاً: (لا ينقضي تعجبي من بيعتك معاوية ومعك مئة ألف مقاتل من أهل العراق)(٨) ، وورد في بعض رسائل أهل

____________________

(١) راجع: الصواعق المحرقة: ١٩٧، والفصول المهمة: ١٧٥، ومرآة الزمان ١: ١٣٢.

(٢) راجع: مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ٢: ٧، وشذرات الذهب ١: ٦٧، ومرآة الزمان ١: ١٣٢، وكشف الغمّة ٢: ٢٥٩.

(٣) راجع: عمدة الطالب: ١٩٢.

(٤) راجع: المناقب لابن شهرآشوب: ٤: ٩٨.

(٥) راجع: نور العين في مشهد الحسينعليه‌السلام : ٢٣.

(٦) راجع: حياة الإمام الحسين بن عليّعليه‌السلام ٣: ١٢ عن شرح شافية أبي فراس ١: ٩٣.

(٧) راجع: حديقة الشيعة للأردبيلي: ٥٠٠.

(٨) راجع: حياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام ٣: ١٢١.

٢٢٣

الكوفة إلى الإمام الحسينعليه‌السلام : (إنّ لك هاهنا مئة ألف سيف فلا تتأخر)(١) ، ولا شكّ أنّ قدرة الكوفة التعبوية عسكرياً أكبر من ذلك بكثير؛ لأنّ هذه المئة ألف - المشار إليها في هذين النصّين - إنّما تُعبّأ لطرف من طرفي النزاع الداخلي على الحكم، لا لمواجهة أمر خارجي يستدعي تعبئة كلّ الأمّة حيث يكون العدد أكبر وأكبر.

وإذا كان الحديث عن العدّة كاشفاً عن العدد، فإنّ عدّة السلاح والإمداد في جيش ابن زياد وضخامتها دليل على أنّ جيش ابن زياد كان كبيراً جدّاً، يقول الشيخ القرشي: (وتسلّح جيش ابن زياد بجميع أدوات الحرب السائدة في تلك العصور، فقد كان استعداده لحرب الإمام استعداداً هائلاً، ويحدّثنا المؤرّخون عن ضخامة ذلك الاستعداد، فقالوا: إنّ الحدّادين وصانعي أدوات الحرب في الكوفة كانوا يعملون ليلاً ونهاراً في برْيِ النبال وصقل السيوف في مدّة كانت تربو على عشرة أيّام... لقد دفع ابن زياد لحرب الحسين بقوّة عسكرية مدجّجة بالسلاح، بحيث كانت لها القدرة على فتح قطر من الأقطار)(٢) .

ويذهب بعض المتتبّعين: إلى أنّ الأقرب الأقوى أنّ عدد الجيش الأموي الذي واجه الإمام الحسينعليه‌السلام في كربلاء هو:ثلاثون ألفاً ؛ لأنّ هناك رواية عن الإمام الحسنعليه‌السلام أنّه خاطب الإمام الحسينعليه‌السلام قائلاً:

(ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله! يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدّعون أنّهم من أمّة جدّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وينتحلون دين الإسلام، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب

____________________

(١) راجع: الإرشاد ٢: ٧١، ومثير الأحزان: ٢٦.

(٢) حياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام ٣: ١٢٤.

٢٢٤

ثِقلك...) (١) .

ورواية أخرى عن الإمام زين العابدينعليه‌السلام أنّه قال:

(ولا يوم كيوم الحسين عليه‌السلام ازدلف عليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنّهم من هذه الأمّة، كلٌّ يتقرّب إلى الله عزّ وجلّ بدمه! وهو بالله يذكّرهم فلا يتّعظون حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً...) (٢) .

لكنَّ التأمّل مليّاً في هذين النصّين الشريفين، يكشف أنّ هؤلاء الثلاثين ألفاً هم فقط الذين يزدلفون إليهعليه‌السلام متقرّبين إلى الله تعالى بقتله، ومن الثابت تاريخياً: أنّ جُلَّ أهل الكوفة كانت قلوبهم مع الحسينعليه‌السلام ويكرهون قتاله، وقد أُحضروا إلى كربلاء مُكرَهين مرغمين(٣) ، ومثل هؤلاء وهم كثرة لا يزدلفون إليهعليه‌السلام لقتله

____________________

(١) أمالي الصدوق: ١٠١، المجلس ٢٤ حديث رقم ٣.

(٢) أمالي الصدوق: ٣٧٣ - ٣٧٤، المجلس ٧٠ حديث رقم ١٠.

(٣) هدّد ابن زياد جميع أهل الكوفة بإيقاع أشدّ العقوبات بمَن يتخلّف منهم عن الخروج معه لقتال الإمامعليه‌السلام ، وممّا جاء في أمره وتهديده: (.. فلا يبقين رجل من العرفاء والمناكب والتجّار والسكّان إلاّ خرج فعسكر معي، فأيّما رجل وجدناه بعد يومنا هذا متخلّفاً عن العسكر برئت منه الذمّة). (أنساب الأشراف ٣: ٣٨٦ - ٣٨٧).

(وأمرَ القعقاع بن سويد بن عبد الرحمان بن جبير المنقري بالتطواف بالكوفة في خيل، فوجد رجلاً من همدان - من أهل الشام على رواية الدينوري - قد قدم يطلب ميراثاً له بالكوفة، فأتى به ابن زياد فقتله، فلم يبقَ بالكوفة محتلم إلاّ خرج إلى العسكر بالنخيلة). (نفس المصدر ٣: ٣٨٧ وراجع: الأخبار الطوال: ٢٥٥).

ويصف المؤرّخون كراهة الناس للتوجّه إلى قتال الإمامعليه‌السلام ، فيقول البلاذري: (وكان الرجل يُبعث في ألف فلا يصل إلاّ في ثلاثمئة أو أربعمئة وأقلّ من ذلك، كراهة منهم لهذا الوجه) (نفس المصدر: ٣: ٣٨٧).

ويقول الدينوري: (قالوا: وكان ابن زياد إذا وجّه الرجل إلى قتال الحسين في الجمع الكثير، يصلون إلى كربلاء ولم يبقَ منهم إلاّ القليل، كانوا يكرهون قتال الحسين فيرتدعون ويتخلّفون) (الأخبار =

٢٢٥

طائعين، وإذا ازدلفوا إليه مرغَمين فهم ليسوا ممّن يتقرّب إلى الله تعالى بقتله.

إذاً فإذا أضفنا عدد هؤلاء المرغمين على الحضور في كربلاء الكارهين لقتل الإمامعليه‌السلام وقتاله، إلى الثلاثين ألفاً المزدلفين إليه المتقرّبين إلى الله تعالى بقتله، فإنّ عدد الجيش الأموي بلا شك يزيد على الثلاثين ألفاً بكثير، ولكنّنا لا يمكن لنا أن نقطع بالرقم اليقين لعدد هذا الجيش؛ لأنّنا لا نملك وثائق تاريخية تُمكّننا من هذا القطع، وإلى هنا مبلغ علمنا، والله العالم.

أبرزُ القادة العسكريين في جيش ابن زياد

ذكرت بعض كتب التاريخ أسماء أبرز القادة العسكريين في جيش ابن زياد، والمهمّات الحربية التي أُنيطتْ بهم، والمناصب العسكرية التي كانت لهم، وهم:

١ - عمر بن سعد بن أبي وقّاص: وهو القائد الميداني العام لهذا الجيش، وكان ابن زياد قد سرّحه على أربعة آلاف أيّام تعبئة الجيش(١) .

٢ - شمر بن ذي الجوشن: ويأتي من حيث الرتبة والأهميّة بعد عمر بن سعد، وكان على أربعة آلاف في تعبئة الجيش، كما كان قائد الميسرة في جيش ابن سعد

____________________

= الطوال: ٢٥٤). وروى الطبري عن سعد بن عبيدة: أنّه رأى في وقعة كربلاء أشياخاً من أهل الكوفة واقفين على التلّ يبكون ويقولون: اللّهمّ أنزل نصرك (أي على الحسينعليه‌السلام !) فقال لهم سعد: يا أعداء الله، ألا تنزلون فتنصرونه؟! (راجع: تاريخ الطبري ٤: ٢٩٥، مؤسسة الأعلمي - بيروت).

(١) هذا ما أطبقت عليه كتب التاريخ، فراجع منها على سبيل المثال: أنساب الأشراف، ٣: ٣٨٥ - ٣٨٦، والإرشاد: ٢: ٨٤.

٢٢٦

يوم عاشوراء(١) .

٣ - الحصين بن نمير (بن تميم) (٢) : وكان على أربعة آلاف في تعبئة الجيش، كما كان قائد قوّات محاصرة حدود الكوفة قبل ذلك(٣) .

٤ - شبث بن ربعي: وكان على ألف فارس في تعبئة الجيش، وكان أمير الرجّالة في جيش ابن سعد يوم عاشوراء(٤) .

٥ - الحرّ بن يزيد الرياحي: وكان على ألف فارس لمحاصرة الركب الحسيني، كما كان على رَبْع تميم وهمدان في كربلاء يوم عاشوراء(٥) .

٦ - عبد الله بن زهير بن سليم الأزدي: وكان على رَبْع أهل المدينة في كربلاء يوم عاشوراء(٦) .

٧ - قيس بن الأشعث: وكان على ربْع ربيعة وكندة في كربلاء يوم عاشوراء(٧) .

٨ - عبد الرحمان بن أبي سبرة الحنفي: وكان على ربْع مذحج وأسد في كربلاء

____________________

(١) وهذا أيضاً ما أجمعت عليه كتب التاريخ، فراجع منها مثلاً: الفتوح: ٥: ١٥٧، والإرشاد: ٢: ٩٥.

(٢) تذكره بعض المصادر التاريخية: الحصين بن تميم بدلاً من بن نمير.

(٣) راجع: الفتوح، ٥: ١٥٨.

(٤) راجع: أنساب الأشراف: ٣: ٣٨٧، والإرشاد: ٢: ٩٥.

(٥) راجع: مثلاً: أنساب الأشراف ٣: ٣٨٠، والكامل في التاريخ: ٣: ٢٨٦، ومقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم ٢٢٦.

(٦) راجع: الكامل في التاريخ ٣: ٢٨٦، ومقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ٢٢٦، وفي حياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام : ٣: ١٢٣ - ١٢٤: (على ربع الكوفة)، و(بن زهرة) بدلاً من (بن زهير).

(٧) راجع: الكامل في التاريخ ٣: ٢٨٦، ومقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ٢٢٦، وحياة الإمام الحسين بن عليّعليه‌السلام ٣: ١٢٣ - ١٢٤.

٢٢٧

يوم عاشوراء(١) .

٩ - مضاير بن رهينة المازني: وكان على ثلاثة آلاف في تعبئة الجيش(٢) .

١٠ - كعب بن طلحة: وكان على ثلاثة آلاف في تعبئة الجيش(٣) .

١١ - عزرة بن قيس الأحمسي: وكان أمير الخيل في جيش ابن سعد يوم عاشوراء(٤) .

١٢ - نصر بن حرشة: وكان على ألفين في تعبئة الجيش(٥) .

١٣ - يزيد بن ركاب الكلبي: وكان على ألفين في تعبئة الجيش(٦) .

١٤ - يزيد بن الحرث بن رويم: وكان على ألف في تعبئة الجيش(٧) .

١٥ - عمرو بن الحجّاج الزبيدي: وكان أميراً على قوّات منع الماء منذ اليوم السابع من المحرّم، وكان أمير ميمنة جيش ابن سعد يوم عاشوراء(٨) .

١٦ - حجّار بن أبجر: وكان على ألف في تعبئة الجيش(٩) .

____________________

(١) راجع: الكامل في التاريخ ٣: ٢٨٦، ومقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ٢٢٦، وحياة الإمام الحسين بن عليعليه‌السلام ٣: ١٢٣ - ١٢٤ وفيه: (عبد الله بن سيرة الجعفي).

(٢) راجع: مناقب آل أبي طالب: ٤: ٩٨.

(٣) راجع: مقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ٢٠٠.

(٤) راجع: الإرشاد ٢: ٩٥، وإبصار العين: ٣٢.

(٥) راجع: مناقب آل أبي طالب: ٤: ٩٨.

(٦) راجع: الفتوح ٥: ١٥٧.

(٧) راجع: أنساب الأشراف ٣: ٣٨٧.

(٨) راجع: الأخبار الطوال: ٢٥٥، والإرشاد: ٢: ٩٥.

(٩) راجع: الفتوح: ١٥٩.

٢٢٨

١٧ - الأزرق بن الحرث الصُدائي: وكان أميراً على أربعمئة فارس قاتلوا جماعة بني أسد الذين أرادوا الالتحاق بمعسكر الإمام الحسينعليه‌السلام (١) .

١٨ - زجر بن قيس الجعفي: وكان على خمسمئة فارس في مسلحة عند جسر الصَراة؛ لمنع مَن يخرج من الكوفة ملتحقاً بالإمامعليه‌السلام (٢) .

وهناك قادة آخرون كانوا قد حضروا كربلاء يوم عاشوراء، غير أنّ المصادر التاريخية - حسب متابعتنا - لم تُشخّص مهمّاتهم ومناصبهم العسكرية، منهم: محمّد بن الأشعث، وكثير بن شهاب الحارثي، والقعقاع بن سويد بن عبد الرحمان المنقري، وأسماء بن خارجة الفزاري...(٣) .

عناصرُ الجيش الأموي

يمكن تصنيف الجيش الأموي الذي واجه الإمام الحسينعليه‌السلام في كربلاء، من حيث نوع العناصر التي تألّف منها إلى الأصناف التالية:

١ - المزدلفون إلى الإمام عليه‌السلام لقتله: متقرّبين إلى الله بذلك، وبانتهاب حرمته، وسبي ذراريه ونسائه، وانتهاب ثِقله، مجتمعين على هذا الرأي، وهم مع هذا يدّعون ويزعمون أنّهم من أمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهم ثلاثون ألفاً على ما حدّده الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام ، والإمام زين العابدينعليه‌السلام فيما أُثر عنهما(٤) ، وهذا الصنف

____________________

(١) راجع: مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ١: ٣٤٥ - ٣٤٦ عن الفتوح ٥: ١٥٩ - ١٦٢ بتفاوت.

(٢) راجع: مقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ١٩٩ عن كتاب الإكليل للهمداني.

(٣) راجع: أنساب الأشراف ٣: ٣٨٧.

(٤) راجع: أمالي الصدوق: ١٠١ المجلس ٢٤، حديث رقم ٣ / و ٣٧٣ - ٣٧٤ المجلس ٧٠، حديث رقم ١٠.

٢٢٩

الضالّ ربّما شكّل من حيث العدد الأكثرية الساحقة في جيش ابن زياد، ولا شك أنّ هؤلاء ممّن أضلّهم الإعلام الأموي وطمس على أبصارهم وبصائرهم، فكانوا يرون الإمامة والخلافة الشرعية ليزيد بن معاوية! ويرون الإمام الحقّعليه‌السلام خارجاً عن طاعة الإمام! شاقّاً لعصا هذه الأمّة ومفرّقاً لكلمتها، ولو لم يكن هذا ما يعتقدونه؛ لمَا تقرّبوا إلى الله بقتل الإمام الحسينعليه‌السلام على حدّ قول الإمام السجّادعليه‌السلام .

٢ - أهل الأهواء والأطماع: ويمكن تقسيم هؤلاء أيضاً إلى:

أ - الانتهازيّون: وهم الساعون وراء مصالحهم الدنيوية مهما فرضت عليهم هذه المصالح والمطامع من تقلّبات في الانتماء بين الرايات المتعارضة، ولا يعني هذا أنّ الانتهازي لا يعرف أين الحقّ ومَن هم أهله، لكنّ حبّه للدنيا وللرئاسة والمقام يضطرّه إلى التنكّر لأهل الحقّ، كما قد يضطّره إلى قتلهم وملءُ قلبه حسرة عليهم ودموعه تجري أسىً لِما أصابهم، ومن أوضح الأمثلة على هؤلاء: عمر بن سعد لعنه الله، وشبث بن ربعي، وحجّار بن أبجر، وغيرهم كثير(١) .

ب - المرتزقة: وهم الذين يخدمون مَن يعطي أكثر من غيره، ولا يعبأون بما إذا كان مبطلاً أو محقّاً، ولا ترقّ قلوب هؤلاء لمظلوميّة مظلوم ولا تأخذهم شفقة لبشاعة مقتله، ومن أوضح الأمثلة على هؤلاء:

سنان بن أنس، وشمر بن ذي الجوشن، وحرملة بن كاهل، ومسروق بن وائل، وحكيم بن طفيل، ومنهم أولئك الذين سلبوا جميع ملابس الحسينعليه‌السلام حتّى

____________________

(١) منهم ذلك الرجل الذي ينتزع خلخال فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام ليسلبه وهو يبكي! فقالت: لِمَ تبكي؟ فقال أأسلب بنت رسول الله ولا أبكي؟! قالت: فدَعْه، قال: أخاف أن يأخذه غيري! (راجع: سير أعلام النبلاء: ٣: ٣٠٣).

٢٣٠

تركوه عرياناً لعنهم الله جميعاً.

وهؤلاء - كما هو شأنهم في القديم والحاضر - ممسوخون روحيّاً ونفسياً، قد امتلأت صدروهم بالحقد والكراهية لجميع الناس عامة ولأهل الفضل منهم خاصة، فهم يندفعون بسهولة إلى ارتكاب المذابح الطائشة والجرائم الفجيعة بقساوة فظيعة، كما الوحوش الكواسر(١) .

ج - الفَسقة والبطّالون: وهم الذين لا يهمهم من دنياهم إلاّ قضاء أوطارهم من المفاسد التي ألِفوها وتعوَّدوا عليها، ومن العادة وطبيعة الأمور أن يتواجد هؤلاء في صفّ أهل الباطل عند مواجهتهم لأهل الحقّ، وهؤلاء يشهدون على أنفسهم بأنّهم أهل فساد وباطل، ويتذرّعون لأنفسهم بأسخف العلل لعدم انتمائهم لصف الحقّ مع معرفتهم به، ومن أوضح الأمثلة على هؤلاء في جيش عمر بن سعد: أبو

____________________

(١) روي أنّ الذي تولّى ذبح الإمامعليه‌السلام - شمر بن ذي الجوشن - قال للإمامعليه‌السلام : أعرفك حقّ المعرفة، أمّك الزهراء، وأبوك عليّ المرتضى، وجدّك محمّد المصطفى، وخصمك العليّ الأعلى، أقتلك ولا أُبالي! (بحار الأنوار: ٤٥: ٥٦).

وفي رواية أنّ الإمامعليه‌السلام قال:(ويلك! إذا عرفتَ هذا حسبي ونسبي فلِمَ تقتلني؟) قال: إنْ لم أقتلك فمَن يأخذ الجائزة من يزيد؟ (راجع: المنتخب للطريحي: ٤٥١).

ويخاطب سنان بن أنس ابن سعد قائلاً:

أوقِر ركابي فضّة أو ذَهبا

إنّي قتلتُ السيّد المحجّبا

قتلتُ خير النّاس أمّاً وأبا

وخيرهم إذ ينسبون نَسَبا

(راجع: البداية والنهاية: ٨: ١٨٩).

ويروي الطبري عن مسروق بن وائل أنّه قال: كنت في أوائل الخيل لكي أصيب رأس الحسين!

(راجع: تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٢).

٢٣١

حريث عبد الله بن شهر السبيعي، ويزيد بن عذرة العنزي(١) .

٣ - الخوارج: المشهور بين المؤرّخين أنّ الخوارج كانوا من جملة المشتركين في جيش ابن زياد، الذي عبّأه لقتال الإمام الحسينعليه‌السلام في كربلاء، وورد في أكثر كتب المقاتل والتراجم: أنّ سعد بن الحرث الأنصاري العجلاني وأخاه وأبا الحتوف كانا من الخوارج (المحكّمة)، وخرجا مع ابن سعد إلى قتال الحسينعليه‌السلام ، ولمّا قُتل أصحاب الحسينعليه‌السلام ، وجعل يقول:(ألا ناصرٌ فينصرنا؟) وسَمعتهُ النساء والأطفال فتصارخن، وسمع سعد وأخوه أبو الحتوف النداء من الحسينعليه‌السلام والصراخ من العيال، فمالا مع الحسينعليه‌السلام على أعدائه حتّى استشهدا بين يديه(٢) .

فإذا افترضنا أنّ الخوارج كانوا قد خرجوا مع ابن زياد لقتال الإمام الحسينعليه‌السلام

____________________

(١) روى الطبري عن الضحّاك بن قيس المشرقي: أنّه مرّت بمخيّم الحسينعليه‌السلام خيل لابن سعد ليلة عاشوراء، وكان الحسينعليه‌السلام يقرأ هذه الآية الشريفة:( مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) فسمعها رجل من تلك الخيل فقال: نحن وربّ الكعبة الطيّبون، مُيّزنا منكم، فقال الضحّاك لبرير أتعرف مَن هذا؟ قال: لا، قال: أبو حريث عبد الله بن شهر السبيعي - وكان مضحاكاً بطّالاً، وكان ربّما حبسه سعيد بن قيس الهمداني في جناية - فعرفه برير، فقال له: أمّا أنت فلن يجعلك الله في الطيّبين، فقال له: مَن أنت؟

قال: برير، فقال: إنّا لله عزَّ عليَّ، هلكتَ والله، هلكت والله يا بُرير! فقال له برير: هل لك أن تتوب إلى الله من ذنوبك العظام؟ فو الله إنّا لنحن الطيّبون وأنتم الخبيثون، قال: وأنا والله على ذلك من الشاهدين، فقال: ويحك! أفلا تنفعك معرفتك؟! قال: جُعلت فداك! فمَن ينادم يزيد بن عذرة العنزي؟ ها هو ذا معي، قال برير: قبّح الله رأيك، أنت سفيه على كلّ حال. (راجع: تاريخ الطبري: ٣: ٣١٧، وإبصار العين: ١٢٢ - ١٢٣).

(٢) راجع مثلاً: إبصار العين: ١٥٩، ووسيلة الدارين: ١٤٩ رقم ٦١، وتنقيح المقال ٢: ١٢ رقم ٤٦٦٦، ومستدركات علم رجال الحديث: ٤: ٢٧ رقم ٦١٠٧.

٢٣٢

راغبين، كما ذهبَ إلى ذلك الشيخ القرشي حيث يقول: (ومن بين العناصر التي اشتركت في حرب الإمامعليه‌السلام الخوارج، وهم من أحقد الناس على آل النبيعليهم‌السلام ؛ لأنّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام قد وتَرَهم في واقعة النهروان، فتسابقوا إلى قتل العترة الطاهرة للتشفّي منها)(١) ؛ إذاً فهم بلا شك من المزدلفين إلى قتل الإمامعليه‌السلام المتقرّبين إلى الله تعالى بذلك، فهم إذاً من الصنف الأوّل.

لكنّنا إذا أخذنا رأي المحقّق التستري (ره) في ردّه على الشيخ المامقاني (ره)، بصدد كون الأخوين: سعد بن الحارث العجلاني (رض)، وأخيه أبي الحتوف (رض) من الخوارج، حيث يقول التستري (ره): (... ثمّ خروج الخارجيّ مع ابن سعد غير معقول، فكانت الخوارج لا يعاونون الجبابرة في قتال الكفّار، فكيف في حربهعليه‌السلام ؟ ثمّ كيف ينصر الحسين مَن يقول: لا حكم إلاّ لله، ويعلم أنّ الحسينعليه‌السلام مثل أبيه يجوّز التحكيم بكتاب الله؟)(٢) ، أمكنَ لنا القول بأنّ حضور الخوارج في جيش ابن زياد لقتال الإمام الحسينعليه‌السلام ربّما كان على كُرهٍ منهم، فهم من حيث التصنيف من المكرَهين الآتي ذكرهم.

٤ - المكرهون: ومنهم الخوارج - على احتمال - كما قدّمنا، ومنهم مخلص في حبّ الإمامعليه‌السلام وطاعته، لكنّه لم يستطع اللحوق به؛ بسبب الحصار وشدّة المراقبة، حتّى إذا حضر كربلاء في جيش ابن زياد، تحيّن الفرصة ليلة العاشر أو قبلها فالتحق بالإمامعليه‌السلام ، وهؤلاء في حساب العدد أفراد قليلون، ورد ذكرهم في تراجم أنصار الحسينعليه‌السلام ، وربّما أمكن القول: إنّ من هؤلاء أيضاً مَن خرجَ في جيش ابن سعد وهو لا يتوقّع نشوب الحرب بل يتوقّع الصلح، حتّى إذا رُدَّت على الإمامعليه‌السلام

____________________

(١) حياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام : ٣: ١٥٨.

(٢) راجع: قاموس الرجال، ٥: ٢٨ رقم ٣١٤٧.

٢٣٣

شروطه وصارت الحرب حتماً مقضيّاً، انحازَ إلى الإمامعليه‌السلام وجاهدَ بين يديه حتى استشهد، وهؤلاء أيضاً أفراد قليلون.

غير أنّ القسم الأعظم من صنف المكرهين: أولئك الذين خرجوا في جيش ابن سعد مرغمين؛ خوفاً من بطش ابن زياد، إبّان التعبئة الشاملة القاهرة التي فرضها على أهل الكوفة، وهم الذين غلبَ الشلل النفسي على وجودهم، وطغى مرض الازدواجية على شخصيتهم، فكانت قلوبهم مع الإمامعليه‌السلام وسيوفهم عليه مع سيوف أعدائه، فكانوا حطب نار الفاجعة، ومادّة ارتكاب الجريمة، وعدد هؤلاء كبير جداً نسبة إلى مجموع جيش ابن سعد في كربلاء.

هل اشتركَ أهل الشام في واقعة الطفّ؟

ذهب المسعودي إلى أنّ واقعة الطفّ لم يحضرها شاميٌّ، حيث قال: (وكان جميع مَن حضرَ مقتل الحسين من العساكر وحاربه وتولّى قتله من أهل الكوفة خاصة، لم يحضرهم شاميٌّ...)(١) ، لكنّ هناك متوناً تاريخية قد يُستفاد منها أنّ أهل الشام قد حضروا كربلاء يوم عاشوراء منها:

ما رواه ابن سعد في طبقاته قائلاً: (ودعا رجل من أهل الشام عليَّ بن حسين الأكبر - وأمّه آمنة بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي، وأمّها بنت أبي سفيان بن حرب - فقال: إنَّ لك بأمير المؤمنين قرابة ورحماً، فإنْ شئت آمنّاك وامضِ حيث ما أحببت فقال:أمَا والله، لقرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت أولى أن تُرعى من قرابة أبي سفيان، ثمّ كرّ عليه...)(٢) .

____________________

(١) راجع: مروج الذهب: ٣: ٧١، وعنه ابن الجوزي في تذكرة الخواص: ٢٢٦.

(٢) راجع: ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ومقتله، من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبرى لابن =

٢٣٤

وما رواه ابن عبد ربّه قائلاً: (ورأى رجل من أهل الشام عبد الله بن حسن بن عليّ - وكان من أجمل النّاس - فقال: لأقتلنّ هذا الفتى...)(١) .

وما رواه ابن قتيبة قائلاً: قال الإمام عليّ بن الحسينعليه‌السلام :(فممّا فهمتهُ وعقلته يومئذٍ مع عِلّتي وشدّتها أنّه أُتي بي إلى عمر بن سعد، فلمّا رأى ما بي أعرضَ عنّي فبقيت مطروحاً لِما بي، فأتاني رجل من أهل الشام فاحتملني فمضى بي وهو يبكي...) (٢) .

وما رواه ابن أعثم الكوفي قائلاً: (ثمّ حَملَرضي‌الله‌عنه - أي عليّ الأكبرعليه‌السلام - فلم يزل يقاتل حتّى ضجّ أهل الشام من يده ومن كثرة مَن قُتلَ منهم...)(٣) .

وورد في كتاب مناقب آل أبي طالبعليه‌السلام : (عندما صاح القاسم بن الحسن: يا عمّاه، حملَ الحسين على قاتله عمر بن سعيد الأزدي فقطع يده، وسلبه أهل الشام من يد الحسين..)(٤) ، وفيه أيضاً: (وبعثَ ابن زياد شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف من أهل الشام...)(٥) .

____________________

= سعد، تحقيق السيّد عبد العزيز الطباطبائي (ره)، ص٧٣.

ويلاحظ هنا: أنّ ابن سعد ذكر أنّ أمّ عليّ الأكبر هي آمنة، لكنّ المحقّق المرحوم السيّد المقرّم في كتابه القيّم (عليّ الأكبر) ذكر أنّ اسمها الشريف (ليلى) وقال: (وما ذكرناه من اسمها نصّ عليه الشيخ المفيد في الإرشاد، والطبرسي في إعلام الورى، واختاره ابن جرير في التاريخ، وابن الأثير في الكامل، واليعقوبي في تاريخه، والسهيلي في الروض الآنف). (كتاب علي الأكبرعليه‌السلام للمقرّم: ٩).

(١) راجع: العقد الفريد: ٥: ١٢٥.

(٢) عيون الأخبار: ١٠٦، وشرح الأخبار: ٣: ١٥٧.

(٣) الفتوح: ٥: ١٣١.

(٤) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ١٠٩.

(٥) نفس المصدر ٤: ٩٨.

٢٣٥

وممّا رواه الشيخ الصدوق (ره): (... وأقبلَ عدوّ الله سنان بن أنس الأيادي وشمر بن ذي الجوشن العامري، في رجال من أهل الشام حتّى وقفوا على رأس الحسينعليه‌السلام ، فقال بعضهم لبعض: ما تنظرون؟! أريحوا الرجل...)(١) .

وممّا رواه الشيخ الكليني (ره) عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال:(.. تاسوعاء يومٌ حوصرَ فيه الحسين عليه‌السلام وأصحابه رضي‌الله‌عنهم بكربلا، واجتمع عليه خَيل أهل الشام وأناخوا عليه...) (٢) .

وممّا يُلاحظ على هذه المتون: أنّ مصطلح (أهل الشام) فيها ربّما كان المراد منه - وهذا هو الأظهر والأقوى -: هوية انتماء هذا الجيش سياسياً (الهويّة السياسية)، لا أنَّ هذا الجيش متكوّن من أفراد هم من سكّان الشام، وممّا يؤكّد هذا: ما ورد في رواية الكليني (ره):(واجتمع عليه خيل الشام...) ، وما ورد في رواية ابن أعثم الكوفي (حتّى ضجَّ أهل الشام من يد الحسين)، فإنّ المراد في كلّ هذه المتون الثلاثة هو: جيش ابن زياد المتألّف جُلّه من أهل الكوفة وقبائلها، ومن الأدلّة على ذلك: أنّ ما ورد في هذه المتون الثلاثة ذكرته مصادر أخرى بدون مصطلح (أهل الشام)، بل أشارت إلى أنّ أولئك هم أهل الكوفة.

نعم، قد يكون أظهر هذه المتون دلالة - على حضور أهل الشام - ما ورد في كتاب مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام : (وبعثَ ابن زياد شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف من أهل الشام)، غير أنّ ابن شهرآشوب قد تفرّد بهذه الإضافة (من أهل الشام)؛ إذ إنّ جميع المصادر التاريخية التي ذكرت أنّ ابن زياد سرّح شمر بن ذي

____________________

(١) أمالي الشيخ الصدوق: ١٣٨ المجلس الثلاثون، حديث رقم ١.

(٢) الكافي: ٤، كتاب الصيام: ١٤٧، حديث رقم ٧.

٢٣٦

الجوشن في أربعة آلاف - أيّام التعبئة - لم تذكر أنّ هؤلاء كانوا من أهل الشام(١) ، ويضاف إلى هذا: أنّ المصادر التاريخية أيضاً لم تذكر أنَّ واحداً أو أكثر من القادة العسكريين الشاميين قد حضروا كربلاء يوم عاشوراء، ولو أنّ بعض القطعات العسكرية الشاميّة كانت قد حضرت كربلاء؛ لكان التاريخ قد ذكر القادة العسكريين الذين كانوا أمراء عليها، وهذا ما لم نعثر عليه - حسب متابعتنا - في المصادر التاريخيّة المبذولة.

من هنا نقول: إنّنا لا نقطع - كما يقطع المسعوديّ - أنَّ جيش ابن زياد لم يحضر فيه حتى شاميٌّ واحد، بل نقول: من الممكن العادي أن يحضر في جيش ابن زياد أفراد متفرّقون كثيرون من الشام، بل لعلَّ من غير الممكن أنّ لا يتحقق هذا؛ ذلك لأنّه لابدّ للسلطة المركزية في الشام من مراسلين وجواسيس شاميين يعتمدهم يزيد بن معاوية، يواصلونه بكلّ جديد عن حركة الأحداث في العراق عامّة والكوفة خاصة.

لكنّنا نقطع: بأنّ الشام لم يبعث إلى ابن زياد بأيّة قطعات عسكرية شاميّة للمساعدة في مواجهة الإمام الحسينعليه‌السلام ؛ وذلك لخلوّ التاريخ من أيّة إشارة معتبَرة تفيد ذلك، بل التاريخ يشير من خلال دلائل كثيرة إلى: أنّ ابن زياد أراد أن يُثبت ليزيد قدرته الإدارية الفائقة من خلال الاكتفاء بتعبئة الكوفة فقط للقضاء على الإمامعليه‌السلام ، وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم.

وإنّ مَن يتابع هذا المعنى - الذي قدّمناه - في المصادر التاريخية يجده واضحاً بيّناً.

____________________

(١) راجع مثلاً: الفتوح: ٥: ١٥٧، والإرشاد: ٢: ٩٥، ومقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ٢٠٠.

٢٣٧

من الأعراف الحربية في ذلك العصر

يقول المرحوم القزويني: (ثمّ اعلم أنّ قانون المحاربة في ذلك الوقت - على ما استفدناه من الحروب المعظّمة كحرب صِفّين وغيرها - أنّ مَن تهيّأ ميمنة وميسرة وقلباً وجناحاً وساقية، ومكاناً للرامية، وموضعاً لأصحاب الأحجار، ويكون لأصحاب الميمنة عدّة مخصوصة من النبالة والحجارة، وكذا لأصحاب الميسرة ولأصحاب القلب عدّة مخصوصة لا يتجاوزون عن مقرّهم وعن وظيفتهم، وأصحاب القلب لا يبرحون عن مكانهم، ولا يحملون ما دام أصحاب الميمنة والميسرة باقين.

نعم، لا تتفّق المبارزة بين أصحاب القلب مع مَن يحذوهم من أصحاب القلب، وأوّل مَن يحمل أو يبارز أصحاب الميمنة على الميسرة، ثمّ أصحاب الميسرة على أصحاب الميمنة، فما في جُلّ المقاتل: أنّه حملَ ميمنة ابن زياد على ميمنة الحسينعليه‌السلام لعلّه اشتباه ناشئ عن عدم التأمّل وعدم العلم بقانون الحرب؛ إذ مقتضى الطبيعة في التعبئة أنّ الميمنة إزاء الميسرة، ولا يمكن أن يحمل الميمنة على الميمنة إلاّ بعد التجاوز عن الميسرة، إلاّ أن يكون البعد بين الفريقين كثيراً بحيث يمكن حمل الميمنة على الميمنة، ثمَّ لا منافاة بين حمل الميمنة على الميسرة ومبارزة الميسرة مع أصحاب الميمنة، فتكون بين الميمنة والميسرة حملة وحملة، وبين الميسرة والميمنة مبارزة يبارز رجل بعد رجل، فيقاتلان، والقلب ثابت على مكانه لا يَحمل.

نعم، بعد مغلوبية الميمنة والميسرة - بحيث لا يبقى ميمنة ولا ميسرة - يكون الجند كلّه بمنزلة القلب، والقلب يحمل عليه، حتّى إذا لم يبقَ من طرف إلاّ واحداً أو اثنين يحملون عليه بأجمعهم أو يتبارزون)(١) .

____________________

(١) الإمام الحسينعليه‌السلام وأصحابه: ٢٨٠.

٢٣٨

الفصل الرابع

ملحمةُ كربلاء يوم عاشوراء من المحرّم سنة ٦١ هـ ق

٢٣٩

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477