مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء ٤

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة12%

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 477

الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 260570 / تحميل: 8931
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء ٤

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

يوم عاشوراء

«إنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برما»

أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام

٢٢١

يوم عاشوراء

لَو كان يدري يوم عاشوراء

مـا كان يجري فيه من بلاء

مـا لاح فـجره ولا استنارا

ولا أضـاءت شمسه نهارا

سـوّد حـزناً أوجـه الأيام

وأوجـه الـشهور والأعوام

الله مـا أعـظمه مـن يوم

أزال صـبري وأطار نومي

الـيوم أهـل آيـة التطهير

بـين صـريع فيه أو عفير

اليوم قد مات الحفاظ واُلوفا

اليوم كاد الدّين يقضي أسفا

الـيوم نامت أعين الأعداء

وسـهدِّت عيون ذي الولاء

وَيلي وهل يجدي حزيناً ويل

لأضـلع تـدوسهنَّ الـخيل

وارؤس عـلى الرماح ترفع

وجثث على الصعيد تُوضَع

وثـاكل تـبدو من الخدور

تـعـجُّ بـالويل وبـالثبور

ومـرضع ترنو إلى رضيع

على التراب فاحص صريع

ونـسوة تـسبى على النياق

حـسرى تـعاني ألم الفراق

أهـمّ شـيء لـذوي الولاء

أن يـجلسوا للنوح و العزاء

فـيه تـقام سـنن المصاب

والترك للطعام والشراب(١)

لقد مرّ هذا اليوم على آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وكلّه شجاء مترامي الأطراف، أثّرت فجائعه في القلوب فأذابتها وفي المدامع فأدمتها، فلا تسمع فيه إلاّ صرخة فاقد وزفرة ثاكل وحنة محزون، ولا تبصر إلاّ كلّ أشعث قد أنهكه ألم المصاب، و مغبر يذري على رأسه التراب، إلى لادم صدراً وصاك جبهته وقابض على فؤاد وصافق بيده الاُخرى، وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى؛ لكن لوعة المصاب أليمة وكوارثه عظيمة. ولَو يكشف لك عن الملأ الأعلى لسمعت لعالم الملكوت صرخة وحنة، وللحور في غرف الجنان نشيجاً ونحيباً ولأئمّة الهدى بكاءاً وعويلاً.

ولا بدع؛ فالفقيد فيه عبق الرسالة وألق الخلافة وإكليل تاج الإمامة، وهو سبط المصطفى وبضعة فاطمة الزهراء وفلذة كبد الوصي المرتضى وشقيق السّبط

____________________________

(١) المقبولة الحسينية / ٦٢، لحجة الإسلام آية الله الشيخ هادي آل كاشف الغطاء قدس الله سره.

٢٢٢

المجتبى و حجّة الله على الورى، نعم هو الآية المخزونة والرحمة الموصولة والأمانة المحفوظه والباب المبتلى به النّاس.

فمصابه يقلّ فيه البكاء، ويعز عنه العزاء. فلو تطايرت شظايا القلوب وزهقت النّفوس جزعاً لذلك الحادث الجلل لكان دون واجبه. أو ترى للحياة قيمة والمؤدّى به هو ذلك العنصر الحيوي الزاكي. وما قدر الدمع المراق والموتور ثار الله في الأرض؟ أو يهدأ الكون والذاهب مرساه ومنجاه في مسراه؟ وهل ترقأ العين وهي ترنو بالبصيرة إلى ضحايا آل محمّد مجزّرين على وجه الصعيد مبضعة أجسادهم بين ضريبة للسيوف ودرية للرماح ورمية للنبال؟ وقد قضوا وهم رواء الكون ظماء على ضفة الفرات الجاري، تلغ فيه الكلاب وتشرب منه وحش الفلا، غير أنّ آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله محلأون عنه؟ وللمذاكي عقرن فلا يلوى لهنّ لجام، تجوال على تلك الصدور الزواكي ولصدر الحسين حديثه الشجي:

وأعـظم خـطب أنّ شمراً له على

جـناجن صـدر ابْـن النبيّ مقاعد

فـشُلَّت يـداه حـين يفري بسيفه

مـقلّد مـن تـلقى إلـيه الـمقالد

وأىّ فـتى أضـحت خـيول اُميّة

تـعادى عـلى جـثمانه وتـطارد

فـلهفي لـه والـخيل منهنَّ صادر

خضيب الحوافي في دماه ووارد(١)

فاللازم على الموالي المتأسّي بالنّبي الأعظم الباكي على ولده بمجرّد تذكّر مصابه(٢) أنْ يقيم المأتم على سيّد الشهداء، و يأمر مَن في داره بالبكاء عليه، و ليعزّ بعضهم بعضاً بالحسين، فيقول كما في حديث الباقرعليه‌السلام :

«عظّم الله اُجورنا و اُجوركم بمصابنا بالحسين، و جعلنا و إيّاكم من الطالبين بثأره مع وليّه المهدي من آل محمّد عليهم‌السلام » (٣) .

دخل عبد الله بن سنان على أبي عبد الله الصادقعليهم‌السلام في يوم عاشوراء، فرآه كاسف اللون ظاهر الحزن و دموعه تنحدر على خدّيه كاللؤلؤ فقال له: مِمَّ بكاؤك يابن رسول الله؟ قالعليه‌السلام :«أوَفي غفلة أنت؟! أما علمت أنّ الحسين اُصيب في هذا اليوم؟» ، ثمّ أمره أنْ يكون كهيئة أرباب المصائب، يحلل

____________________________

(١) للشيخ جعفر الخطي، كما في الدر النضيد / ٩٣.

(٢) الخصائص للسيوطي ٢ / ١٢٥، وأعلام النبوّة للماوردي / ٨٣.

(٣) كامل الزيارات / ١٧٥، ومصباح المتهجّد للشيخ الطوسي / ٣٩.

٢٢٣

أزراره ويكشف عن ذراعَيه ويكون حاسراً، ولا يصوم يوماً كاملاً، وليكن الافطار بعد العصر بساعة على شربة من ماء؛ ففي ذلك الوقت تجلّت الهيجاء عن آل محمّد. ثم قالعليه‌السلام :«لَو كان رسول الله حيّاً لكان هو المعزّى به» (١) .

وأمّا الإمام الكاظمعليه‌السلام فلَم يرَ ضاحكاً أيّام العشرة وكانت الكآبه غالبة عليه، ويوم العاشر يوم حزنه ومصيبته.

ويقول الرضاعليه‌السلام :«فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا وأذلّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء» .

وفي زيارة النّاحية يقول حجّة آل محمّد عجّل الله فرجه:«فلأندبنّك صباحاً ومساءً، ولأبكينَّ عليك بدل الدموع دماً» .

وبعد هذا فهلاّ يجب علينا أن نخرق ثوب الاُنس ونتجلبب بجلباب الحزن والبكاء ونعرف كيف يجب أن نعظّم شعائر الله بإقامة المأتم للشهيد العطشان في العاشر من المحرّم؟!

الـيوم ديـنُ الهدى خرَّت دعائمُه

ومـلّة الـحقّ جـدّت في تداعيها

الـيوم ضلّ طريق العرف طالبه

وسُـدّ باب الرجا في وجه راجيها

الـيوم عـادت بنو الآمال متربةً

الـيوم بـان العفا في وجه عافيها

الـيوم شـقّ عـليه الـمجد حلّته

الـيوم جـزَّت له العليا نواصيها

اليوم عقد المعالي أرفض جوهره

الـيوم قد أصبحت عطْلٌ معاليها

الـيوم أظلم نادي العزّ من مضر

اليوم صرْفُ الردى أرسى بواديها

الـيوم قامت به الزهراء نادبةً

الـيوم آسـية وافـت تواسيها

الـيوم عـادت لدين الكفر دولتُه

الـيوم نـالت بـنو هـند أمانيها

مـا عذر ارجاس هند يوم موقفه

والمصطفى خصمهم والله قاضيها

مـا عـذرها ودِمـا ابنائه جعلت

خضاب أعيادها في راح ناديها(٢)

****

____________________________

(١) مزار ابن المشهدي من أعلام القرن السادس.

(٢) في شعراء الحلّة ٥ / ٥٤٠، إنّها للشيخ هادي النّحوي المتوفى سنة ١٢٢٥ ﻫ.

٢٢٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحسينعليه‌السلام يوم عاشوراء

قال ابن قَولويه و المسعودي(١) : لما أصبح الحسين يوم عاشوراء وصلّى بأصحابه صلاة الصبح، قام خطيباً فيهم حمد الله وأثنى عليه ثمّ قال:«إنّ الله تعالى أذِن في قتلكم و قتلي في هذا اليوم، فعليكم بالصبر والقتال» .

ثمّ صفّهم للحرب وكانوا اثنين وثمانين فارساً وراجلاً، فجعل زهير بن القين في المَيمنة، وحبيب بن مظاهر في المَيسرة، وثبت هوعليه‌السلام وأهل بيته في القلب(٢) ، وأعطى رايته أخاه العباس(٣) ؛ لأنّه وجد قمر الهاشميين أكفأ ممَّن معه لحملها، وأحفظهم لذمامه وأرأفهم به، وأدعاهم إلى مبدئه وأوصلهم لرحمه، وأحماهم لجواره وأثبتهم للطعان، وأربطهم جأشاً وأشدّهم مراساً(٤) .

وأقبل عمر بن سعد نحو الحسينعليه‌السلام في ثلاثين ألفاً وكان رؤساء

____________________________

(١) كامل الزيارات / ٧٣، وإثبات الوصيّة / ١٣٩، المطبعة الحيدرية.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢ / ٤.

(٣) تاريخ الطبري ٦ / ٢٤١، وتذكرة الخواص / ١٤٣ الطبعة الحجريّة.

(٤) اختلف المؤرّخون في عدد أصحاب الحسين؛

الأول: أنّهم اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً، ذكره الشيخ المفيد في الإرشاد، والطبرسي في إعلام الورى / ١٤٢، والفتال في روضة الواعظين / ١٥٨، وابن جرير في التأريخ ٦ / ٢٤١، وابن الأثير في الكامل ٤ / ٢٤، والقرماني في أخبار الدول / ١٠٨، والدينوري في الأخبار الطوال / ٣٥٤.

الثاني: إنّهم إثنان وثمانون راجلاً، نسبه في الدمعة الساكبة / ٣٢٧ إلى الرواية وهو المختار.

الثالث: ستون راجلاً، ذكره الدميري في حياة الحيوان في خلافة يزيد ١ / ٧٣.

الرابع: ثلاثة وسبعون رجلاً، ذكره الشريشي في شرح مقامات الحريري ١ / ١٩٣.

الخامس: خمسة وأربعون فارساً ونحو مئة راجل ذكره ابن عساكر كما في تهذيب تاريخ الشام ٤ / ٣٣٧.

السادس: إثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً، ذكره الخوارزمي في المقتل ٢ / ٤.

السابع: واحد وستّون رجلاً، ذكره المسعودي في إثبات الوصيّة / ٣٥، طبع المطبعة الحيدرية.

الثامن: خمسة وأربعون فارساً ومئة راجل ذكره ابن نما في مثير الأحزان / ٢٨، وفي اللهوف / ٥٦: أنّه المروي عن الباقرعليه‌السلام .

التاسع: إثنان وسبعون رجلاً، ذكره الشبراوي في الإتحاف بحبِّ الأشراف / ١٧.

العاشر: ما في مختصر تاريخ دول الإسلام للذهبي ١ / ٣١: أنّهعليه‌السلام سار في سبعين فارساً من المدينة.

٢٢٥

الأرباع بالكوفة يومئذ: عبد الله بن زهير بن سليم الأزدي على ربع أهل المدينة، وعبد الرحمن بن أبي سبرة الحنفي على ربع مذحج وأسد، وقيس بن الأشعث على ربع ربيعة وكندة، والحرّ بن يزيد الرياحي على ربع تميم وهمدان(١) ، وكلّهم اشتركوا في حرب الحسين إلاّ الحرّ الرياحي.

وجعل ابنُ سعد على المَيمنة عمرو بن الحَجّاج الزبيدي، وعلى المَيسرة شمر بن ذي الجوشن العامري، وعلى الخيل عزرة بن قيس الأحمسي، وعلى الرجّالة شبث بن ربعي، والراية مع مولاه ذويد(٢) .

وأقبلوا يجولون حول البيوت فيرون النّار تضطرم في الخندق، فنادى شمر بأعلى صوته: يا حسين، تعجّلت بالنّار قبل يوم القيامة؟ فقال الحسينعليه‌السلام :«مَن هذا؟ كأنّه شمر بن ذي الجوشن»، قيل نعم فقالعليه‌السلام :«يابن راعية المعزى، أنت أولى بها منّي صِليّا». ورام مسلم بن عوسجة أنْ يرميه بسهم، فمنعه الحسين و قال:«أكره أنْ أبدأهم بقتال» (٣) .

دعاء الحسين

ولما نظر الحسينعليه‌السلام إلى جمعهم كأنّه السيل، رفع يدَيه بالدعاء وقال:«اللهمّ، أنت ثقتي في كلّ كرب، ورجائي في كلّ شدّة، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعدّة، كم من همٍّ يضعف فيه الفؤاد وتقلّ فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدوّ، أنزلته بك وشكوته إليك، رغبةً منّي إليك عمَّن سواك فكشفته وفرّجته، فأنت ولي كلّ نعمة ومنتهى كلّ رغبة» (٤) .

____________________________

(١) في شرح النّهج لابن أبي الحديد ١ / ٨١، الطبعة المصرية: كانت الكوفة اسباعاً.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢٤١.

(٣) الإرشاد للشيخ المفيد، وتاريخ الطبري ٦ / ٢٤٢.

(٤) ابن الاثير في الكامل ٤ / ٢٥، وتاريخ ابن عساكر ٤ / ٢٣٣، وذكر الكفعمي في المصباح / ١٥٨، طبعة الهند: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دعا به يوم بدر. واختصره الذهبي في سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٠٢.

٢٢٦

الخطبة الاُولى

ثمّ دعا براحلته فركبها، و نادى بصوت عال يسمعه جلّهم:

«أيّها النّاس اسمعوا قَولي، ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما هو حقّ لكم عليَّ، وحتّى أعتذر إليكم من مَقدمي عليكم، فإن قبلتم عذري وصدقتم قولي وأعطيتموني النّصف من أنفسكم، كنتم بذلك أسعد، ولم يكن لكم عليَّ سبيل. وإنْ لَم تقبلوا مِنّي العذر ولَم تعطوا النّصف من أنفسكم، فأجمعوا أمركم و شركاءكم ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة. ثمّ اقضوا إليَّ ولا تنظرون. إنّ ولييّ الله الذي نزل الكتاب وهو يتولّى الصالحين» .

فلمّا سمعنَ النّساء هذا منه صحنَ وبكينَ وارتفعت أصواتهنَّ، فأرسل إليهنَّ أخاه العبّاس وابنه علياً الأكبر وقال لهما:«سكّتاهنَّ فلعمري ليكثر بكاؤهنَّ» .

ولما سكتنَ، حمد الله وأثنى عليه وصلّى على محمّد وعلى الملائكة والأنبياء وقال في ذلك ما لا يحصى ذكره ولَم يُسمع متكلّم قبله ولا بعده أبلغ منه في منطقه(١) ، ثمّ قال:«عباد الله، اتقوا الله وكونوا من الدنيا على حذر؛ فإنّ الدنيا لَو بقيت على أحد أو بقي عليها أحد لكانت الأنبياء أحقّ بالبقاء وأولى بالرضا وأرضى بالقضاء، غير أنّ الله خلق الدنيا للفناء، فجديدها بالٍ ونعيمها مضمحل وسرورها مكفهر، والمنزل تلعة والدار قلعة، فتزوّدوا فإنّ خير الزاد التقوى، واتقوا الله لعلّكم تفلحون (٢) .

أيّها النّاس إنّ الله تعالى خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفة بأهلها حالاً بعد حال، فالمغرور من غرّته والشقي من فتنته، فلا تغرّنكم هذه الدنيا، فإنّها تقطع رجاء من ركن إليها وتُخيّب طمع من طمع فيها. وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم وأعرض بوجهه الكريم عنكم وأحلَّ بكم نقمته، فنِعمَ الربّ ربّنا وبئس العبيد أنتم؛ أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ إنّكم زحفتم إلى ذريّته وعترته تريدون قتلهم، لقد استحوذ عليكم

____________________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٤٢.

(٢) زهر الآداب للحصري ١ / ٦٢، طبعة دار الكتب العربية، سنة ١٣٧٢.

٢٢٧

الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم، فتبّاً لكم ولِما تريدون. إنّا لله وإنّا إليه راجعون هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم فبُعداً للقوم الظالمين (١) .

أيّها النّاس أنسبوني مَن أنا ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها وانظروا هل يحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألستُ ابن بنت نبيّكم وابن وصيّه وابن عمّه وأول المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله بما جاء من عند ربّه؟ أوَ ليس حمزة سيّد الشهداء عمّ أبي؟ أوَ ليس جعفر الطيّار عمّي، أوَ لَم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي: هذان سيّدا شباب أهل الجنّة؟ فإنْ صدّقتموني بما أقول وهو الحقّ - والله ما تعمدتُ الكذب منذ علمت أنّ الله يمقت عليه أهله ويضرّ به من اختلقه - وإنْ كذّبتموني فإنّ فيكم مَن إنْ سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري، وأبا سعيد الخدري، وسهل بن سعد الساعدي، وزيد بن أرقم، وأنس بن مالك يخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لي ولأخي، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟!»

فقال الشمر: هو يعبد الله على حرف إنْ كان يدري ما يقول.

فقال له حبيب بن مظاهر: والله إنّي أراك تعبد الله على سبعين حرفاً، وأنا أشهد أنّك صادق ما تدري ما يقول، قد طبع الله على قلبك.

ثمّ قال الحسينعليه‌السلام :«فإنْ كنتم في شكّ من هذا القول، أفتشكّون أنّي ابن بنت نبيّكم، فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم، ويحكم اتطلبوني بقتيل منكم قتلته؟! أو مال لكم استهلكته؟! أو بقصاص جراحة؟!»، فأخذوا لا يكلّمونه!

فنادى:«يا شبث بن ربعي، ويا حَجّار بن أبجر، ويا قيس بن الأشعث، ويا زيد بن الحارث ألم تكتبوا إليَّ أنْ اقدم قد أينعت الثمار واخضرّ الجناب، وإنّما تقدم على جند لك مجنّدة؟»

فقالو: لَم نفعل.

قال:«سبحان الله! بلى والله لقد فعلتم». ثمّ قال:«أيّها النّاس، إذا كرهتموني

____________________________

(١) مقتل محمّد بن أبي طالب الحايري.

٢٢٨

فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمن من الأرض». فقال له قَيس بن الأشعث: أولا تنزل على حكم بني عمّك؟ فإنّهم لَن يروك إلاّ ما تُحبّ ولَن يصل إليك منهم مكروه.

فقال الحسينعليه‌السلام :«أنت أخو أخيك، أتريد أن يطلبك بنو هاشم أكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا والله لا اُعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفرّ فرار العبيد (١) ، عباد الله إنّي عذتُ بربّي وربّكم أنْ ترجمون، أعوذ بربّي وربّكم من كلّ متكبِّر لا يؤمن بيوم الحساب» .

ثمّ أناخ وأمر عقبة بن سمعان فعقلها(٢) .

وقـام لـسان الله يـخطب واعـظاً

فـصمّوا لـما عن قدس أنواره عموا

وقال انسبوني مَن أنا اليوم وانظروا

حـلالٌ لـكم مـنّي دمـي أم محرّم

فـمـا وجـدوا إلاّ الـسِّهام بـنحره

تــراش جـواباً والـعوالي تـقَّوم

ومـذ أيـقن السّبط انمحى دين جَدّه

ولَم يبقَ بين النّاس في الأرض مسلم

فـدى نـفسه في نصرة الدين خائضاً

عـن الـمسلمين الـغامرات ليسلموا

وقـال خـذيني يا حتوف وهاك يا

سـيوف فـأوصالي لـك اليوم مغنم

وهـيهات أن أغدو على الضّيم جاثماً

ولـو لا عـلى جـمر الأسـنَّة مجثم

وكـرّ وقد ضاق الفضا وجرى القضا

وسـال بـوادي الـكفر سيل عرمرم

ومـذ خـرّ بـالتعظيم لله سـاجداً

لـه كـبّروا بـين السّيوف وعظموا

وجـاء إلـيه الـشّمر يـرفع رأسه

فـقـام بـه عـنه الـسّنان الـمقوّم

وزُعْـزع عـرش الله وانـحطَّ نوره

فـأشرق وجه الأرض والكون مظلم

____________________________

(١) (بالفاء الموحّدة فيهما)، رواه ابن نما في مثير الأحزان / ٢٦، وهو أصح ممّا يمضي على الألسن، ويوجد في بعض المقاتل (بالقاف) من الإقرار؛ لأنّه على هذا تكون الجملة الثانية غير مفيدة، إلاّ ما أفادته التي قبلها بخلافه على قراءة الفرار، فإنّ الجملة الثانية تفيد أنّه لا يفرّ من الشدة والقتل، كما يصنعه العبيد. وهو معنى غير ما تؤدي إليه الجملة التي قبلها، على أنّه يوجد في كلام أمير المؤمنين ما يشهد له، ففي تاريخ الطبري ٦ / ٧٦ الطبعة الاُولى وكامل ابن الأثير ٣ / ١٤٨، ونهج البلاغة ١ / ١٠٤، المطبعة الأميريّة: إنّ أمير المؤمنين قال في مصقلة بن هبيرة لمّا فرّ إلى معاوية:«ما لَه فعل فعل السيّد، وفرّ فرار العبد، وخان خيانة الفاجر؟!»، وقصّته على ما ذكرها ابن حزم في جمهرة أنساب العرب / ١٦٤: إنّ أصحاب الحريث بن راشد من بني عبد البيت بن الحارث ارتدّوا أيام عليعليه‌السلام فحاربهم وقتلهم وسبى نساءهم وأبناءهم، فابتاعهم مصقلة الشيباني وأعتقهم ثمّ هرب إلى معاوية، فأمضى عليعليه‌السلام عتقه لهم.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢٤٣.

٢٢٩

ومذ مال قطب الكون مال وأوشك

انـقلاباً يـميل الـكائنات ويـعدم

وحين ثوى في الأرض قرَّ قرارها

وعادت ومن أوج السّما وهي أعظم

فـلهفي لـه فـرداً عليه تزاحمت

جـموع الـعدى تزداد جهلاً فيحلم

ولـهفي لـه ظـامٍ يـجود وحوله

الـفرات جـرى طامٍ وعنه يحرَّم

ولـهفي لـه مـلقىً وللخيل حافر

يـجول عـلى تلك الضلوع وينسم

ولـهفي على أعضاك يابن محمد

تُــوزّع فـي أسـيافهم وتـسهم

فـجسمك مـا بين السّيوف موزَّع

ورحـلك مـا بـين الأعادي مقسّم

فـلهفي عـلى ريحانة الطُّر جسمه

لـكلّ رجـيم بـالحجارة يرجم(١)

كرامة وهداية

وأقبل القوم يزحفون نحوه، وكان فيهم عبد الله بن حوزة التميمي(٢) فصاح: أفيكم حسين؟ وفي الثالثة قال أصحاب الحسين: هذا الحسين فما تريد منه؟ قال: يا حسين، أبشر بالنّار، قال الحسين:«كذبت، بل أقدم على ربّ غفور كريم مطاع شفيع. فمَن أنت؟» قال: أنا ابن حوزة. فرفع الحسين يدَيه حتّى بانَ بياض ابطَيه وقال: «اللهمّ، حزه إلى النّار، فغضب ابن حوزة وأقحم الفرس إليه وكان بينهما نهر فسقط عنها وعلقت قدمه بالركاب، وجالت به الفرس وانقطعت قدمه وساقه وفخذه، وبقي جانبه الآخر معلّقاً بالركاب، وأخذت الفرس تضرب به كلّ حجر وشجر(٣) ، وألقته في النّار المشتعلة في الخندق فاحترق بها ومات. فخرّ الحسينعليه‌السلام ساجداً شاكراً حامداً على إجابة دعائه، ثمّ إنّه رفع صوته يقول:«اللهمّ، إنّا أهل بيت نبيّك وذريّته وقرابته، فاقصم مَن ظلمنا وغصبنا حقّنا إنّك سميع قريب» فقال له: محمّد بن الأشعث أيّ قرابة بينك وبين محمّد؟ فقال الحسين:«اللهمّ إنّ

____________________________

(١) من قصيدة لآية الله الحجّة الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء، ذُكرت بتمامها في كتابنا (قمر بن هاشم).

(٢) في مجمع الزوائد للهيثمي ٩ / ١٩٣: ابن جويرة أو جويزة.

وفي مقتل الحسين للخوارزمي ١ / ٢٤٨: مالك بن جريرة.

وفي روضة الواعظين للفتال / ١٥٩ الطبعة الاُولى: يقال له: ابن أبي جويرة المزني، وإنّ فرسه نفرت به وألقته في النّار التي في الخندق.

(٣) كامل ابن الأثير ٤ / ٢٧.

٢٣٠

محمد بن الأشعث يقول: ليس بيني و بين محمّد قرابة. اللهمّ أرني فيه هذا اليوم ذلاً عاجلاً» ، فاستجاب الله دعاءه، فخرج محمّد بن الأشعث من العسكر، ونزل عن فرسه لحاجته، وإذا بعقرب أسود يضربه ضربة تركته متلوّثاً في ثيابه ممّا به(١) ومات باديَ العورة(٢) .

قال مسروق بن وائل الحضرمي: كنتُ في أوّل الخيل التي تقدّمت لحرب الحسين؛ لعلّي أنْ اُصيب رأس الحسين فأحظى به عند ابن زياد، فلمّا رأيت ما صُنع بابن حوزة عرفت أنّ لأهل هذا البيت حرمة ومنزلة عند الله، وتركت النّاس وقلت: لا اُقاتلهم فأكون في النّار(٣) .

خطبة زهير بن القين

وخرج إليهم زهير بن القين على فرس ذنوب وهو شاك في السّلاح فقال: يا أهل الكوفة، نذار لكم من عذاب الله إنَّ حقّاً على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتّى الآن إخوة على دين واحد، ما لَم يقع بيننا وبينكم السّيف، وأنتم للنصيحة منّا أهل، فإذا وقع السّيف انقطعت العصمة، وكنّا اُمّة وأنتم اُمّة، إنّ الله ابتلانا وإيّاكم بذريّة نبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لينظر ما نحن وأنتم عاملون. إنّا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية يزيد وعبيد الله بن زياد، فإنّكم لا تدركون منهما إلاّ سوء عمر سلطانهما، يسملان أعينكم ويقطعان أيديكم وأرجلكم ويمثّلان بكم، ويرفعانكم على جذوع النّخل، ويقتلان أماثلكم وقرّاءكم أمثال حِجر بن عدي وأصحابه، وهاني بن عروة وأشباهه. فسبّوه وأثنوا على عبيد الله بن زياد ودعوا له وقالوا: لا نبرح حتّى نقتل صاحبك ومَن معه أو نبعث به وبأصحابه إلى عبيد الله بن زياد سلماً.

فقال زهير: عباد الله إنّ ولد فاطمة أحقّ بالودّ والنّصر من ابن سميّة، فإنْ لم

____________________________

(١) مقتل الحسين للخوارزمي ج١ ص٢٤٩ فصل ١١: واقتصر الصدوق في الأمالي على دعائه على محمّد بن الأشعث.

(٢) روضة الواعظين للفتال ص١٥٩ طبع أول.

(٣) الكامل لابن الأثير ج٤ ص٢٧.

٢٣١

تنصروهم، فاُعيذكم بالله أنْ تقتلوهم، فخلّوا بين هذا الرجل وبين يزيد، فلَعمري إنّه ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسينعليه‌السلام .

فرماه الشمر بسهم وقال: اسكت أسكت الله نامتك، أبرمتنا بكثرة كلامك.

فقال زهير: يابن البوّال على عقبيه، ما إيّاك اُخاطب، إنّما أنت بهيمة والله ما أظنّك تحكم من كتاب الله آيتَين، فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم.

فقال الشمر: إن الله قاتلك وصاحبك عن ساعة.

فقال زهير: أفبالموت تخوّفني؟ فوالله لَلموت معه أحبّ إليَّ من الخلد معكم. ثمّ أقبل على القوم رافعاً صوته وقال:

عباد الله، لا يغرّنكم عن دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه، فوالله لا تنال شفاعة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله قوماً هرقوا دماء ذريّته وأهل بيته، وقتلوا مَن نصرهم وذبَّ عن حريمهم.

فناداه رجل من أصحابه، إنّ أبا عبد الله يقول لك:«أقبِل، فلَعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح قومه وأبلغ في الدعاء، فلقد نصحتَ هؤلاء وأبلغت لَو نفع النّصح والإبلاغ» (١) .

خطبة بُرير

واستأذن الحسينَ برير بن خضير(٢) في أنْ يكلّم القوم، فأذن له وكان شيخاً تابعياً ناسكاً قارئاً للقرآن ومن شيوخ القرّاء في جامع الكوفة، وله في الهمدانيّين شرف وقدر.

فوقف قريباً منهم ونادى: يا معشر النّاس، إنّ الله بعث محمداً بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله وسراجاً منيراً، وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السّواد وكلابه

____________________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٤٣.

(٢) قال ابن الأثير في الكامل ٤ / ٣٧: برير (بالباء الموحّدة، وفتح الراء المهملة، وسكون الياء المثناة من تحتها، وآخره راء). وخضير (بالخاء والضاد المعجمتين).

٢٣٢

وقد حيل بينه وبين ابن بنت رسول الله، أفجزاء محمّد هذا؟!(١) .

فقالوا: يا بُرير، قد أكثرت الكلام، فاكفف عنّا، فوالله ليعطش الحسين كما عطش مَن كان قبله.

قال: يا قوم، إنّ ثقل محمّد قد أصبح بين أظهركم، وهؤلاء ذرّيته وعترته وبناته وحرمه، فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون أنْ تصنعوه بهم؟ فقالوا: نريد أنْ نمكنّ منهم الأمير عبيد الله بن زياد، فيرى فيهم رأيه.

قال: أفلا تقبلون منهم أنْ يرجعوا إلى المكان الذي جاؤا منه؟ ويلكم يا أهل الكوفة، أنسيتم كتبكم وعهودكم التي أعطيتموها وأشهدتم الله عليها وعليكم؟! أدعوتم أهل بيت نبيّكم وزعمتم أنّكم تقتلون أنفسكم دونهم حتّى إذا أتوكم أسلمتموهم إلى ابن زياد وحلأتموهم عن ماء الفرات؟ بئسما خلفتم نبيّكم في ذريّته! ما لكم؟ لا سقاكم الله يوم القيامة فبئس القوم أنتم!

فقال له نفر منهم: يا هذا، ما ندري ما تقول!

قال: الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة، اللهمّ إنّي أبرأ إليك من فعال هؤلاء القوم، اللهمّ القِ بأسهم بينهم حتّى يلقوك وأنت عليهم غضبان.

فجعل القوم يرمونه بالسّهام، فتقهقر(٢) .

خطبة الحسين الثانية

ثمّ إنّ الحسينعليه‌السلام ركب فرسه، وأخذ مصحفاً ونشره على رأسه، ووقف بإزاء القوم وقال:«يا قوم، إنّ بيني وبينكم كتاب الله وسنّة جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٣) .

ثمّ استشهدهم عن نفسه المقدّسة وما عليه من سيف النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولامته

____________________________

(١) في أمالي الصدوق / ٩٦، المجلس الثلاثون، الطبعة الاُولى: لمّا بلغ العطش من الحسين وأصحابه، استأذن برير أن يكلّم القوم فأذِن له.

(٢) البحار ج١٠: عن محمّد بن أبي طالب. [ بحار الأنوار ٤٥ / ٥ ].

(٣) تذكرة الخواص / ١٤٣.

٢٣٣

وعمامته فأجأبوه بالتصديق. فسألهم عمّا أخذهم على قتله؟ قالوا: طاعةً للأمير عبيد الله بن زياد، فقالعليه‌السلام :

«تبّاً لكم أيّتها الجماعة و ترحاً، أحين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين، سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدوّنا وعدوّكم، فأصبحتم إلباً لأعدائكم على أوليائكم، بغير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم. فهلاّ - لكم الويلات! - تركتمونا والسّيف مشيم والجأش طامن والرأي لَما يستحصف، ولكنْ أسرعتم إليها كطيرة(١) الدبا وتداعيتم عليها كتهافت الفراش، ثمّ نقضتموها، فسحقاً لكم يا عبيد الأمة وشذاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ومحرّفي الكلِم وعصبة الإثم ونفثة الشيطان ومطفئيّ السّنَن! ويحكم أهؤلاء تعضدون وعنّا تتخاذلون! أجل والله غدر فيكم قديم وشجت عليه اُصولكم وتأزّرت فروعكم فكنتم أخبث ثمرة، شجى للناظر وأكلة للغاصب!

ألا وإنّ الدّعيّ بن الدعيّ قد ركز بين اثنتَين؛ بين السّلة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة، يأبي الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت واُنوف حميّة ونفوس أبيّة، من أن نؤثر طاعة اللئام من مصارع الكرام، ألا وإنّي زاحف بهذه الاُسرة على قلّة العدد وخذلان النّاصر». ثمّ أنشد أبيات فروة بن مُسيك المرادي(٢) .

____________________________

(١) بالكسر فالفتح، تاج العروس.

(٢) نقلناها من اللهوف / ٥٤، ورواها ابن عساكر في تاريخ الشام ٤ / ٣٣٣، والخوارزمي في المقتل ٢ / ٦، وفي نقليهما خلاف لما هنا.

وقال ابن حجر في الإصابة ٣ / ٢٠٥: وفد فروة بن مسيك (بالتصغير) على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سنة تسع مع مذحج، واستعمله النبي على مراد ومذحج وزبيد.

وفي الاستيعاب: سكن الكوفة أيام عمر. وذكر ابن هشام في السيرة بهامش الروض الانف ٢ / ٣٤٤: لمّا كانت الوقعة بين مراد وهمدان، أنشأ أبياتاً تسعة ولَم يكن فيها البيت الثالث والرابع. وفي اللهوف ذكر سبعة مع البيتين. وفي الأغاني ١٩ / ٤٩: نسب الفرزدق إلى خاله العلاء بن قرظة قوله:

إذا ما الدهر جر على اناس

بكلكله أناخ بآخرينا

فقل للشامتين الخ.

وذكر ابن عساكر في تاريخ الشام ٤ / ٣٣٤، والخوارزمي في المقتل ٢ / ٧، الأول والثاني ولَم ينسباهما إلى أحد.

ونسبهما المرتضى في الأمالي ١ / ١٨١ إلى ذي الإصبع العدواني. وفي عيون الأخبار لابن قتيبة ٣ / ١١٤، وشرح الحماسة للتبريزي ٣ / ١٩١: أنّها للفرزدق.

وفي الحماسة البصريّة / ٣٠: أنّهما من قصيدة فروة بن مسيك، ويرويان لعمر بن قعاس.

٢٣٤

فـإن نـهزم فـهزّامون قدماً

وإن نـهْزَم فـغير مُـهزَّمينا

ومـا أن طبنا(١) جبن ولكن

مـنـايانا ودولــة آخـرينا

فـقل لـلشامتين بـنا أفيقوا

سـيلقى الـشامتون كما لقينا

إذا مات الموت رفَّع عن اُناس

بـكـلكله أنــاخ بـآخرينا

أما والله، لا تلبثون بعدها إلاّ كريثما يركب الفرس، حتّى تدور بكم دور الرحى وتقلق بكم قلق المحور، عهدٌ عَهَده إليَّ أبي عن جدّي رسول الله، فاجمعوا أمركم وشركاءكم، ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة ثمّ اقضوا إليَّ ولا تنظرون، إنّي توكّلت على الله ربّي وربّكم، ما من دابّة إلاّ هو آخذ بناصيتها إنّ ربّي على صراط المستقيم» (٢) .

ثمّ رفع يدَيه نحو السّماء وقال:«اللهمّ، احبس عنهم قطر السّماء، وابعث عليهم سنين كسنيّ يوسف، وسلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأساً مصبرة، فإنّهم كذبونا وخذلونا، وأنت ربّنا عليك توكّلنا وإليك المصير (٣) .

والله لا يدع أحداً منهم إلاّ انتقم لي منه، قتلةً بقتلة وضربةً بضربة، وإنّه لينتصر لي ولأهل بيتي وأشياعي» (٤) .

ضلال ابن سعد

واستدعى الحسينعليه‌السلام عمر بن سعد، فدُعي له - وكان كارهاً لا يحبّ أن يأتيه - فقالعليه‌السلام :«أي عمر، أتزعم أنّك تقتلني ويولّيك الدعيّ بلاد الري وجرجان؟ والله لا تتهنّأ بذلك، عهد معهود فاصنع ما أنت صانع، فإنّك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة، وكأنّي برأسك على قصبة يتراماه الصبيان بالكوفة ويتّخذونه غرضاً بينهم»، فصرف بوجهه عنه مغضباً(٥) .

____________________________

(١) الطب (بالكسر): الإرادة والعادة.

(٢) تاريخ ابن عساكر ٤ / ٣٣٤، والمقتل للخوارزمي ٢ / ٧، واللهوف / ٥٤.

(٣) اللهوف / ٥٦، طبعة صيدا، والمقتل للخوارزمي ٣ / ٧.

(٤) مقتل العوالم / ٨٤.

(٥) تظلّم الزهراءعليها‌السلام / ١١٠، ومقتل العوالم / ٨٤، ومقتل الخوارزمي ٢ / ٨.

٢٣٥

توبة الحرّ

ولمّا سمع الحرّ بن يزيد الرياحي كلامه واستغاثته، أقبل على عمر بن سعد وقال له: أمقاتل أنت هذا الرجل؟ قال: إي والله، قتالاً أيسره أن تسقط فيه الرؤوس وتطيح الأيدي. قال: ما لكم فيما عرضه عليكم من الخصال؟ فقال: لَو كان الأمر إليَّ لقبلت، ولكن أميرك أبى ذلك. فتركه ووقف مع النّاس، وكان إلى جنبه قرّة بن قيس فقال لقرّة: هل سقيت فرسك اليوم؟ قال: لا، قال: فهل تريد أن تسقيه؟ فظنّ قرّة من ذلك أنّه يريد الاعتزال ويكره أن يشاهده، فتركه فأخذ الحرّ يدنو من الحسين قليلاً، فقال له المهاجر بن أوس: أتريد أن تحمل؟ فسكت وأخذته الرعدة، فارتاب المهاجر من هذا الحال وقال له: لَو قيل لي: مَن أشجع أهل الكوفة؟ لَما عدوتك، فما هذا الذي أراه منك؟ فقال الحرّ: إنّي اُخيِّر نفسي بين الجنّة والنّار، والله لا أختار على الجنّة شيئاً ولو اُحرقت. ثمّ ضرب جواده نحو الحسين(١) منكّساً رمحه قالباً ترسه(٢) وقد طأطأ برأسه؛ حياءً من آل الرسول بما أتى إليهم وجعجع بهم في هذا المكان على غير ماء ولا كلأ، رافعاً صوته:

اللهمّ إليك اُنيب فتب عليَّ، فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد نبيّك. يا أبا عبدالله إنّي تائب، فهل لي من توبة؟

فقال الحسينعليه‌السلام :«نعم يتوب الله عليك» (٣) . فسرّه قوله وتيقّن الحياة الأبديّة والنّعيم الدائم، ووضح له قول الهاتف لمّا خرج من الكوفة، فحدّث الحسينعليه‌السلام بحديث قال فيه: لمّا خرجت من الكوفة نُوديت: أبشر يا حرّ بالجنّة. فقلت: ويلٌ للحر

____________________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٤٤.

(٢) في البداية لابن كثير ٧ / ٦٣: في واقعة اليرموك قال جرجه، وهو من النصارى لخالد بن الوليد: ما منزلة مَن يدخل منّا في هذا الأمر؟ قال خالد: له من الأجر أفضل ممّا لنا؛ لأنا صدقنا نبينا وهو حي بين أظهرنا يأتيه وحي السّماء ونرى الآيات، ومَن يسلم منكم وهو لَم يسمع ما سمعنا ولَم يرَ ما رأينا من العجائب والحجج وكان دخوله في هذا الأمر بيّنة صادقة، كان أفضل منّا. فعند ذلك قلب جرجه الترس ومال مع خالد وقال: علِّمني الإسلام....

وفي أنساب الأشراف للبلاذري ١ / ٤٢، طبعة دار المعارف، مصر: كان العرب إذا خافوا ووردوا على من يستجيرون به وجاؤا للصلح نكسوا رماحهم. وقال في صفحة ٤٣: وفد الحارث بن ظالم على عبد الله بن جدعان بـ (عكاظ) وهم يرون حرب قيس، فكذلك نكّس رمحه ثمّ رفعه حين عرفوه وأمن.

(٣) اللهوف / ٥٨، وأمالي الصدوق / ٩٧ المجلس الثلاثون، وروضة الواعظين / ١٥٩.

٢٣٦

يُبشّر بالجنّة وهو يسير إلى حرب ابن بنت رسول الله؟!(١) .

فقال له الحسينعليه‌السلام :«لقد أصبت خيراً وأجراً» (٢) . وكان معه غلام تركي(٣) .

نصيحة الحر لأهل الكوفة

ثمّ استأذن الحسينَعليه‌السلام في أنْ يكلّم القوم فأذن له، فنادى بأعلى صوته: يا أهل الكوفة لاُمّكم الهبل والعبر؛ إذ دعوتموه وأخذتم بكظمه وأحطتم به من كلّ جانب فمنعتموه التوجّه إلى بلاد الله العريضة حتّى يأمن وأهل بيته، وأصبح كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً، وحلأتموه ونساءه وصبيته وصحبه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهود والنّصارى والمجوس، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه. وها هم قد صرعهم العطش، بئسما خلفتم محمداً في ذريّته! لا سقاكم الله يوم الظمأ! فحملت عليه رجّالة ترميه بالنّبل، فتقهقر حتّى وقف أمام الحسين(١) .

الحملة الاُولى

وتقدّم عمر بن سعد نحو عسكر الحسين ورمى بسهم وقال: اشهدوا لي عند الأمير إنّي أول من رمى. ثمّ رمى النّاس(٢) ، فلَم يبقَ من أصحاب الحسين أحد إلاّ أصابه من سهامهم(٣) ، فقالعليه‌السلام لأصحابه:«قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لا بدّ منه، فإنَّ هذه السّهام رسل القوم إليكم» . فحمل أصحابه حملةً واحدةً(٤) واقتتلوا ساعة، فما انجلت الغبرة إلاّ عن خمسين صريعاً(٥) .

____________________________

(١) أمالي الصدوق / ٩٣، المجس الثلاثون.

(٢) مثير الأحزان لابن نما / ٣١، وفي مقتل الحسين للخوارزمي ٢ / ٩: كان معه غلام له تركي.

(٣) الهبل (بالتحريك): الثكل. والعبر (بالفتح): الحزن، وجريان الدمعة كاستعبر، تاج العروس.

(٤) ابن الأثير ٤ / ٢٧.

(٥) الخطط المقريزيّة ٢ / ٢٨٧.

(٦) مقتل العوالم / ٨٤.

(٧) اللهوف / ٥٦.

(٨) البحار عن محمّد بن أبي طالب.

٢٣٧

سـطت ورحى الهيجاء تطحن شوسها

ووجـه الـضحى فـي نقعها متنقِّب

تـهـلّل بـشراً بـالقراع وجـوهها

وكـم وجـه ضـرغام هناك مقطّب

وتـلتذّ أن جـاءت لـها السمر تلتوي

وللبيض ان سُلّت لدى الضرب تطرب

أعـزّاء لا تـلوي الـرقاب لـفادح

ولا مـن اُلـوف في الكريهة ترهب

فـما لـسوى الـعلياء تـاقت نفوسهم

ولَـم تك في شيء سوى العزّ ترغب

فـلَـو أنَّ مـجداً في الـثرّيا لـحلقت

إلـيه وشـأن الـشّهم لـلمجد يطلب

فـأسيافهم يـوم الـوغى تمطر الدّما

وأيـديهم مـن جودها الدهر مخضب

ومـا برحت تقري المواضي لحومها

ومـن دمـها السّمر العواسل تشرب

إلـى أنْ تهاوت كالكواكب في الثرى

ومـا بعدهم يا ليت لا لاح كوكب(١)

تـهاووا فـقل زهـر النّجوم تهافتت

وأهـووا فـقل شـمّ الجبال تهدّم(٢)

وخرج يسار مولى زياد وسالم مولى عبيد الله بن زياد فطلبا البراز، فوثب حبيب وبرير، فلم يأذن لهما الحسينعليه‌السلام . فقام عبد الله بن عمير الكلبي، من بني عليم، وكنيته أبو وهب، وكان طويلاً شديد السّاعدين بعيد ما بين المنكبين، شريفاً في قومه شجاعاً مجرّباً، فأذن له وقال:«أحسبه للأقران قتّالاً». فقالا له: مَن أنت؟ فانتسب لهما، فقالا: لا نعرفك ليخرج إلينا زهير أو حبيب أو برير، وكان يسار قريباً منه فقال له: يابن الزانية أوَبك رغبةً عن مبارزتي؟ ثمّ شدّ عليه بسيفه يضربه، وبينا هو مشتغل به إذ شدّ عليه سالم، فصاح أصحابه قد رهقك العبد فلم يعبأ به، فضربه سالم بالسّيف فاتقاها عبد الله بيده اليسرى فأطار أصابعه، ومال عليه عبد الله فقتله. وأقبل إلى الحسين يرتجز وقد قتلهما.

وأخذت زوجته اُمّ وهب بنت عبد الله بن النمر بن قاسط، عموداً، وأقبلت نحوه تقول له: فداك أبي واُمّي قاتل دون الطيّبين ذريّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فأراد أنْ يردّها إلى الخيمة، فلَم تطاوعه وأخذت تجاذبه ثوبه وتقول: لن أدعك دون أنْ أموت معك. فناداها الحسينعليه‌السلام :«جزيتم عن أهل بيت نبيكم خيراً،

____________________________

(١) من قصيدة للشيخ حسون الحلي، شعراء الحلة ٢ / ١٠٤.

(٢) من قصيدة للحجة للشيخ محمّد حسين كاشف الغطاءقدس‌سره ، طبعت في كتابنا (قمر بني هاشم).

٢٣٨

ارجعي إلى الخيمة، فإنّه ليس على النّساء قتال». فرجعت(١) .

مبارزة الاثنين والاربعة

ولمّا نظر مَن بقي من أصحاب الحسين إلى كثرة مَن قُتل منهم، أخذ الرجلان والثلاثة و الأربعة يستأذنون الحسين في الذبّ عنه والدفع عن حرمه، وكلّ يحمي الآخر من كيد عدوّه. فخرج الجابريّان وهما: سيف بن الحارث بن سريع، ومالك بن عبد بن سريع، وهما ابنا عمّ وأخوان لاُمّ، وهما يبكيان قال الحسينعليه‌السلام :«ما يبكيكما؟ إنّي لأرجو أنْ تكونا بعد ساعة قريرَي العين» . قالا: جعلنا الله فداك، ما على أنفسنا نبكي ولكن نبكي عليك؛ نراك قد اُحيط بك ولا نقدر أنْ ننفعك. فجزاهما الحسين خيراً. فقاتلا قريباً منه حتّى قُتلا(٢) .

وجاء عبد الله وعبد الرحمن ابنا عروة الغفاريّان فقالا: قد حازنا النّاس إليك. فجعلا يقاتلان بين يدَيه حتّى قُتلا.

وخرج عمرو بن خالد الصيداوي وسعد مولاه وجابر بن الحارث السلماني ومجمع بن عبد الله العائذي(٣) ، وشدّوا جميعاً على أهل الكوفة فلمّا أوغلوا فيهم، عطف عليهم النّاس وقطعوهم عن أصحابهم، فندب إليهم الحسين أخاه العبّاس فاستنقذهم بسيفه، وقد جُرحوا بأجمعهم، و في أثناء الطريق اقترب منهم العدوّ فشدّوا بأسيافهم مع ما بهم من الجراح، و قاتلوا حتّى قتلوا في مكان واحد(٤) .

استغاثة و هداية

ولمّا نظر الحسين إلى كثرة مَن قُتل من أصحابه، قبض على شيبته المقدّسة وقال:«اشتدّ غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولداً، واشتدّ غضبه على النّصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة، واشتدّ غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس

____________________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٤٥، وابن الأثير ٤ / ٣٧.

(٢) ابن الأثير ٤ / ٢٩.

(٣) في الإصابة ٣ / ٩٤ القسم الثالث: مجمع بن عبد الله بن مجمع بن مالك بن أياس بن عبد مناة بن سعد، قُتل مع الحسين بن عليعليه‌السلام بالطفّ، ولأبيه إدراك.

(٤) تاريخ الطبري ٦ / ٢٥٥.

٢٣٩

والقمر دونه، واشتدّ غضبه على قوم اتّفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيّهم. أما والله، لا اُجيبهم إلى شيء ممّا يريدون حتّى ألقى الله وأنا مخضّب بدمي، ثمّ صاح: أما من مغيث يغيثنا! أما من ذابّ يذبُّ عن حرم رسول الله!» (١) فبكت النّساء وكثر صراخهن.

وسمع الأنصاريّان سعد بن الحارث وأخوه أبو الحتوف استنصار الحسينعليه‌السلام واستغاثته وبكاء عياله - وكانا مع ابن سعد - فمالا بسيفيهما على أعداء الحسينعليه‌السلام وقاتلا حتّى قُتلا(٢) .

ثبات الميمنة

وأخذ أصحاب الحسينعليه‌السلام - بعد أن قلّ عددهم وبان النّقص فيهم - يبرز الرجل بعد الرجل فأكثروا القتل في أهل الكوفة. فصاح عمرو بن الحَجّاج لأصحابه: أتدرون مَن تقاتلون؟ تقاتلون فرسان المصر وأهل البصائر وقوماً مستميتين، لا يبرز إليهم أحد منكم إلاّ قتلوه على قلّتهم، والله لَو لَم ترموهم إلاّ بالحجارة لقتلتموهم. فقال عمر بن سعد: صدقت، الرأي ما رأيت، ارسِل في النّاس مَن يعزم عليهم أنْ لا يبارزهم رجل منهم، ولَو خرجتم إليهم وحداناً لأتوا عليكم(٣) .

ثمّ حمل عمرو بن الحَجّاج على مَيمنة الحسينعليه‌السلام ، فثبتوا له وجثوا على الركب وأشرعوا الرماح، فلَم تقدم الخيل. فلمّا ذهبت الخيل لترجع، رشقهم أصحاب الحسينعليه‌السلام بالنّبل فصرعوا رجالاً وجرحوا آخرين(٤) .

وكان عمرو بن الحَجّاج يقول لأصحابه: قاتِلوا مَن مَرق عن الدِّين وفارق الجماعة. فصاح الحسينعليه‌السلام :«ويحك يا عمرو! أعليَّ تحرّض النّاس؟ أنحن مرقنا من

____________________________

(١) اللهوف / ٥٧.

(٢) الحدايق الورديّة مخطوط.

(٣) تاريخ الطبري ٦ / ٢٤٩.

(٤) كامل ابن الأثير ٤ / ٢٧.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

أمُّ وهب (رض) تستشهد عند مصرع زوجها (رض)

ويسجّل لنا تاريخ وقائع يوم عاشوراء: أنّ أمّ وهب (رض) زوجة عبد الله بن عمير الكلبي (رض) كانت من شهداء الحملة الأولى، وهي أوّل شهيدة من النساء يوم عاشوراء، تقول رواية الطبري: (وخرجت امرأة الكلبي تمشي إلى زوجها حتّى جلست عند رأسه تمسح عنه التراب وتقول:هنيئاً لك الجنّة.

فقال شمر بن ذي الجوشن لغلام يُسمّى رستم: اضرِب رأسها بالعمود، فضرب رأسها فَشدخه فماتت مكانها)(١) .

زهير في عشرة من الأنصار يكشف جُند الشمر عن الخيام

ويواصل الطبري رواية وقائع الحملة الأولى فيقول: (وحملَ شمر بن ذي الجوشن حتّى طعنَ فسطاط الحسين برمحه، ونادى عَلَيَّ بالنار حتّى أُحرق هذا البيت على أهله، فصاح النساء وخرجن من الفسطاط.. وصاح به الحسين:(يا بن ذي الجوشن، أنت تدعو بالنّار لتحرق بيتي على أهلي؟! حرَقك الله بالنار...) وحمل عليه زهير بن القين في رجال من أصحابه عشرة، فشدّ على شمر بن ذي الجوشن وأصحابه فكشفهم عن البيوت حتّى ارتفعوا عنها، فصرعوا أبا عزّة الضبابي وكان من أصحاب شمر..)(٢) .

وحين زالت الشمس وحضر وقت الصلاة

تُجمع المصادر التاريخية(٣) : أنّ جيش عمر بن سعد في حملته الأولى على

____________________

(١) تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٦، وانظر: أنساب الأشراف: ٣: ٤٠١، والكامل في التاريخ: ٣: ٢٩١.

(٢) تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٦.

(٣) راجع مثلاً: تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٦، والكامل في التاريخ: ٣: ٢٩١، والإرشاد: ٢: ١٠٥ ومقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ٢٠.

٢٨١

جيش الإمامعليه‌السلام ، كان قد أحاط بأصحاب الإمامعليه‌السلام وبمعسكره من كل جانب، ثمّ تعطّف عليهم من كلّ جهة وبجميع الأسلحة، فكان إذا قُتل الرجل والرجلان من أصحاب الإمامعليه‌السلام يَبين ذلك فيهم لقلّتهم، ولا يَبين القتل في جيش ابن سعد مع كثرة مَن ُقتل منهم لكثرتهم، وكان قد قُتل من أنصار الإمام ما يناهز الخمسين نفساً زكيّة طاهرة مقدّسة، والحرب لم تزل حتّى تلك الساعة على استعارها واشتدادها، والشمس في أوّل زوالها، (فلمّا رأى ذلك أبو ثمامة عمرو بن عبد الله الصائدي، قال للحسين: يا أبا عبد الله، نفسي لك الفداء، إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، ولا والله لا تُقتل حتّى أُقتل دونك إن شاء الله، وأُحبّ أنْ ألقى ربّي وقد صلّيتُ هذه الصلاة التي قد دنا وقتها، فرفع الحسين رأسه، ثمّ قال:(ذكرتَ الصلاة، جَعلك الله من المصلّين الذاكرين، نعم، هذا أوّل وقتها.

ثمّ قال:سلوهم أن يكفّوا عنا حتّى نصلّي) (١) .

أسماءُ شهداء الحَملة الأولى

يُستفاد من جملة من كتب التراجم والتواريخ أنّ شهداء الحملة الأولى هم:

١ - مسلم بن عوسجة الأسدي (رض).

٢ - عبد لله بن عمير الكلبي (رض).

٣ - نعيم بن عجلان (رض).

٤ - عمران بن كعب بن حارث الأشجعي (رض)(٢) .

____________________

(١) تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٦.

(٢) ذكره ابن شهرآشوب في المناقب: ٤: ١١٣، والزنجاني في وسيلة الدارين: ٩٤، وقال أيضاً: =

٢٨٢

٥ - حنظلة بن عمرو الشيباني (رض)(١) .

٦ - قاسط بن زهير التغلبي (رض).

٧ - مقسط بن زهير التغلبي (رض).

٨ - كنانة بن عتيق التغلبي (رض)(٢) .

٩ - عمرو بن ضبعة الضبعي (رض)(٣) .

١٠ - ضرغامة بن مالك التغلبي (رض)(٤) .

١١ - عامر بن مسلم العبدي البصري (رض).

____________________

= ١٧٨ رقم ١١٤: (عمرو بن كعب الأنصاري: قد وقع اختلاف في اسمه فقيل: عمرو، أو عمران، أو عمر، بن كعب بن أبي كعب، لم أقف في الرجال على أثر وترجمة له، وورد في الزيارة الرجبية:(السلام على عمرو بن كعب)، ولم يذكره المحقّق السماوي (ره) في إبصار العين، وله ذكر في مستدركات علم الرجال: ٦: ٧٥ و ١٠٨ رقم ١١٠٩٠ وقال: (والظاهر اتحاده مع عمر بن أبي كعب).

(١) ذكره ابن شهرآشوب في المناقب: ٤: ١١٣، والزنجاني في وسيلة الدارين: ٩٤ ولكنّه لم يُترجم له في جملة مَن تُرجم لهم من الشهداء! ولم يذكره المحقّق السماوي في كتابه إبصار العين في مَن استشهد في الحملة الأولى.

(٢) قال المحقّق السماوي (ره): (قال السروي: قُتل في الحملة الأولى، وقال غيره: قُتل مبارزة في ما بين الحملة الأولى والظُهر). (إبصار العين: ١٩٩).

(٣) ذكره ابن شهرآشوب في المناقب: ٤: ١١٣ باسم (عمرو بن مشيعة)، وذكره الزنجاني في وسيلة الدارين: ٩٤ باسم (عمرو بن ضبعة بن قيس التميمي)، وتُرجم له في كتابه هذا أيضاً: ١٧٧ رقم ١١٢ باسم (عمرو بن ضبعة الضبعي)، وذكره المحقّق السماوي (ره) في إبصار العين: ١٩٤ باسم (عمر بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة الضبعي التميمي).

(٤) ذكره ابن شهرآشوب في المناقب: ٤: ١١٣، لكنّ المحقّق السماوي قال: (خرج فيمن خرج مع ابن سعد، ومالَ إلى الحسينعليه‌السلام فقاتل معه وقُتل بين يديه مبارزة بعد صلاة الظُهررضي‌الله‌عنه ). (إبصار العين: ١٩٩).

٢٨٣

١٢ - سالم مولى عامر بن مسلم (رض).

١٣ - سيف بن مالك العبدي البصري (رض)(١) .

١٤ - عبد الرحمان بن عبد الله الأرحبي (رض)(٢) .

١٥ - الحبّاب بن عامر التميمي (رض)(٣) .

____________________

(١) ذكر ابن شهرآشوب في المناقب: ٤: ١١٣ فيمن قُتل في الحملة الأولى باسم (سيف بن مالك النمري)، لكنّ المحقق السماوي قال: (وما زال معه حتى قُتل بين يديه مبارزة بعد صلاة الظهر). (إبصار العين: ١٩٢).

(٢) ذكره ابن شهرآشوب في المناقب: ٤: ١١٣، والزنجاني في وسيلة الدارين: ٩٤ ولكنّه في ترجمته في ص١٦٤ - ١٦٥ رقم ٩٠ ذكرَ أنّه استأذن الإمامعليه‌السلام في البراز بعد صلاة الظهر فأذِن له الإمامعليه‌السلام ، فبرزَ وهو يرتجز قائلاً:

صبراً على الأسياف والأسنّة

صبراً عليها لدخول الجنّة

ولم يزل يقاتل حتّى قَتل من القوم جماعة ثمّ قُتل، وذكر أيضاً نقلاً عن ابن شهرآشوب في المناقب أنّ عبد الرحمان الأرحبي برز إليه وهو يرتجز بالشعر المتقدّم وأضاف إليه:

وحور عِين ناعمات هنّه

يا نفس للراحة فاجهدنّه

وفي طلاّب الخير فارغبنّه

لكننّا وجدنا في المناقب: أنّ ابن شهرآشوب ذكر ذلك لسعد بن حنظلة التميمي وليس لعبد الرحمان الأرحبي، كما أنّ المستفاد ممّا ذكره المحقّق السماوي (ره) في ترجمة عبد الرحمان الأرحبي (رض) في ص١٣٢، نقلاً عن أبي مخنف: أنّ الأرحبي (رض) قُتل مبارزة وليس في الحملة الأولى، وقال البلاذري: (وجَعل عبد الرحمان بن عبد الله بن الكدن يقول:

إنّي لِمن ينكرني ابن الكدن

إنّي على دين حسين وحسن

وقاتل حتى قُتل). (أنساب الأشراف: ٣: ٤٠٤).

(٣) ذكرهُ المحقّق السماوي (ره) وترجمَ له في كتابه إبصار العين: ١٩٥، وذكره ابن شهرآشوب في المناقب: ٤: ١١٣ باسم (الحبّاب بن الحارث)، وذكره الزنجاني في وسيلة الدارين: ٩٤ باسم (ضباب بن عامر التميمي) ولكنّه لم يُترجم له بل ترجم في كتابه: ١١٧ رقم ٢٨ لـ(حبّاب بن =

٢٨٤

١٦ - عمرو الجندعي (رض) (١) .

١٧ - الحُلاس بن عمرو الراسبي الأزدي (رض).

١٨ - النعمان بن عمرو الراسبي الأزدي (رض).

١٩ - سوار بن أبي عمير النهمي (رض)(٢) .

____________________

= عامر بن كعب بن تيم)، ونُقل عن ابن شهرآشوب أنّه قُتل في الحملة الأولى، كما ذكر في نفس الصفحة تحت رقم ٢٩ (حبّاب بن الحارث) وقال: إنّه قُتل في الحملة الأولى ولكن ليس له في كتب الرجال اسم ولا ذكر.

(١) ذكرهُ بهذا الاسم ابن شهرآشوب في المناقب: ٤: ١١٣، وذكره الزنجاني في وسيلة الدارين: ٩٤ باسم (عمرو بن الجندعي) ولكنّه لم يُترجم له، بل ترجم في كتابه: ١٧٥ رقم ١١٠ لرجل آخر باسم (عمرو بن جندب الحضرمي) وذكر أنّه قُتل في الحملة الأولى، وذكر أنّ ابن شهرآشوب قال في المناقب: ومن المقتولين يوم الطفّ في الحملة الأولى عمرو بن جندب الحضرمي، ولكنّنا لم نعثر على ذلك في المناقب.

وهناك رجل باسم (عمرو بن عبد الله الهمداني الجُندعي) ترجمَ له المحقق السماوي (ره) في كتابه إبصار العين: ١٣٦ وذكر أنّه قاتلَ مع الحسينعليه‌السلام فوقعَ صريعاً مرتثّاً بالجراحات قد وقعت ضربة على رأسه بلغت منه، فاحتملهُ قومه وبقي مريضاً من الضربة صريع فراشه سنة كاملة، ثمّ توفي على رأس السنة.. وورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة:(السلام على الجريح المرتثّ عمرو الجندعي)، وراجع ترجمته أيضاً في وسيلة الدارين: ١٧٨ رقم ١١٣.

(٢) ذكرهُ ابن شهرآشوب في المناقب ٤: ١١٣ بهذا الاسم وهذا اللقب (سوار بن أبي عمير الفهمي) في شهداء الحملة الأولى، لكنّ المحقّق السماوي (ره) قال في ترجمته: (سوار بن منعم بن حابس بن أبي عمي بن نهم، الهمداني النهدي: كان سوار ممّن أتى إلى الحسينعليه‌السلام أيّام الهدنة، وقاتلَ في الحملة الأولى فجُرح وصُرع.

قال في الحدائق الورديّة: قاتلَ سوار حتّى إذا صُرع أُتي به أسيراً إلى عمر بن سعد، فأراد قتله، فشفعَ فيه قومه، وبقي عندهم جريحاً حتّى توفي على رأس ستّة أشهر.

وقال بعض المؤرّخين: إنّه بقيَ أسيراً حتّى توفي، وإنّما كانت شفاعة قومه الدفع عن قتله، ويشهد له ما ذُكر في القائميّات (زيارة الناحية المقدّسة) من قولهعليه‌السلام :(السلام على الجريح =

٢٨٥

٢٠ - عمّار الدالاني (رض).

٢١ - زاهر بن عمرو الكندي (رض) صاحب عمرو بن الحمق (رض).

٢٢ - جبلّة بن علي الشيباني (رض)(١) .

٢٣ - مسعود بن الحجّاج التيمي (رض).

٢٤ - عبد الرحمان بن مسعود بن الحجّاج (رض)(٢) .

٢٥ - زهير بن بشر الخثعمي (رض)(٣) .

____________________

=المأسور سوار بن أبي عمير النهمي) ، على أنّه يمكن حَمل العبارة على أسره في أوّل الأمر).

وقال السماوي (ره) أيضاً: (النهمي.. ويمضي في بعض الكتب الفهمي بالفاء وهو تصحيف واضح وغلط فاضح). (إبصار العين: ١٣٥ - ١٣٦).

إذاً فمن الصحيح اعتبار هذا الشهيد من شهداء الحملة الأولى، وإن كان قد توفي بعد يوم عاشوراء بعدّة أشهر؛ لأنّه صُرع فيها.

(١) كان جبلّة بن علي الشيباني من شجعان أهل الكوفة، قام مع مسلمعليه‌السلام أوّلاً، ثمّ جاء إلى الحسينعليه‌السلام ثانياً، ذكرهُ جملة أهل السيَر. (إبصار العين: ٢١٥).

وقيل: إنّه قُتل في الطفّ مع الحسينعليه‌السلام ، (راجع: الحدائق الوردية: ١٢٢)، وقال ابن شهرآشوب: إنّه قُتل في الحملة الأولى: (المناقب: ٤: ١١٣).

(٢) ذكر ابن شهرآشوب السرويّ في المناقب: ٤: ١١٣ اسم والده في المقتولين في الحملة الأولى، غير أنّ المحقّق السماوي في إبصار العين: ١٩٣ - ١٩٤ قال فيه وفي أبيه: (وقُتلا في الحملة الأولى كما ذكره السروي)، وأوردهما معاً الزنجاني في أسماء شهداء الحملة الأولى في وسيلة الدارين: ٩٤.

(٣) ذكره ابن شهرآشوب في المناقب: ٤: ١١٣، والزنجاني في وسيلة الدارين: ٩٤، وترجمَ له في كتابه أيضاً: ١٣٧ رقم ٤٩ هكذا: (زهير بن البشر، حضرَ في كربلاء، وقُتل في الحملة الأولى، وورد أيضاً في الزيارة الرجبية:(السلام على زهير بن البشر)، لكنّنا وجدنا اسمه في الزيارة الرجبية..(السلام على زهير بن بشير)، ولم يذكره السماوي (ره) في كتابه إبصار العين، بل ذكر (عبد الله بن بشر الخثعمي) وترجم له في ص١٧٠ من كتابه، وذكرَ في ترجمته أنّه قُتل في =

٢٨٦

٢٦ - مسلم بن كثير الأزدي (رض).

٢٧ - زهير بن سليم الأزدي (رض).

٢٨ - عمّار بن حسّان الطائي (رض).

٢٩ - عبيد الله بن يزيد العبدي البصري (رض).

٣٠ - عبد الله بن يزيد العبدي البصري (رض).

٣١ - الأدهم بن أميّة العبدي البصري (رض).

٣٢ - جندب بن حجير الكندي (رض).

٣٣ - حجير بن جندب بن حجير الكندي (رض)(١) .

٣٤ - جنادة بن كعب بن الحرث الأنصاري (رض).

٣٥ - عبد الرحمان بن عبد ربّ الأنصاري (رض)(٢) .

٣٦ - عبد الله بن عروة الغفاري (رض)(٣) .

____________________

= الحملة الأولى.

(١) ذكره السماوي (ره) في ترجمة أبيه جندب بن حجير الكندي نقلاً عن صاحب كتاب الحدائق الوردية، لكنّه قال أيضاً في كتابه إبصار العين: ١٧٤: (ولم يصحّ لي أنّ ولده قُتل معه، كما أنّه ليس في القائميات ذكر لولده)، ومن الواضح أنّ عدم ذكره في القائميّات لا يكفي دليلاً على ذلك، خصوصاً وأنّ السماوي نفسه قد ذكر بعض الأصحاب ممّن لم يكن لهم ذكر في القائميّات، ولم يذكرهُ ابن شهرآشوب ولا الزنجاني.

(٢) لم يذكره ابن شهرآشوب في المناقب: ٤: ١١٣ فيمن ذكرهم من شهداء الحملة الأولى، وذكره المحقّق السماوي (ره) فيمَن استشهد في الحملة الأولى في ترجمته في إبصار العين: ١٥٧ - ١٥٨، وكذلك ذكرهُ الزنجاني في وسيلة الدارين: ١٦٣ رقم ٨٩ مع أنّه لم يورد اسمه في شهداء الحملة الأولى في نفس كتابه: ٩٤.

(٣) اختُلف فيه، فقد قيل: إنّه وأخاه عبد الرحمان قُتلا مبارزة؛ ذلك لأنّ أحدهم كان يرتجز والآخر يُتمُّ له رجزه، فكانا يقولان: =

٢٨٧

٣٧ - عائذ بن مجمع بن عبد الله العائذي (رض).

٣٨ - مجمع بن عبد الله العائذي (رض).

٣٩ - أمّ هب (رض) زوج عبد الله بن عمير الكلبي (رض).

٤٠ - أميّة بن سعد الطائي (رض).

٤١ - القاسم بن حبيب بن أبي بشر الأزدي (رض).

٤٢ - جوين بن مالك التيمي (رض)(١) .

٤٣ - عبد الله بن بشر الخثعمي (رض) (٢) .

٤٤ - بشر بن عمرو بن الأحدوث الحضرمي الكندي (رض)(٣) .

____________________

=

قـد عَـلمت حقّاً بنو غفار

وخـندف بـعد بـني نـزار

لـنضربنَّ مـعشر الـفجّار

بـكلّ عـضْبٍ صـارم بتَّار

يا قوم ذودوا عن بني الأطهار

بـالمشرفيّ والـقنا الـخطّار

فلم يزالا يقاتلان حتّى قُتلا. (راجع: إبصار العين: ١٧٦)، لكنّ ابن شهرآشوب في المناقب: ٤: ١١٣ ذكره (أي عبد الله) فيمن قُتل في الحملة الأولى.

(١) ذكرهُ ابن شهرآشوب (السروي) في المناقب: ٤: ١١٣ في شهداء الحملة الأولى باسم (سيف بن مالك النميري) وقال المحقّق السماوي (ره): (قال السروي: وقُتِل في الحملة الأولى، وصُحّف اسمه بسيف ونسبته بالنمري). (إبصار العين: ١٩٤).

(٢) راجع: حاشية اسم (زهير بن بشر الخثعمي (رض)) الوارد برقم ٢٥.

(٣) ذكر المحقّق السماوي (ره) في إبصار العين: ١٧٤ نقلاً عن ابن شهرآشوب السروي: أنّه قُتل في الحملة الأولى، لكنّنا لم نجده في أسماء شهداء الحملة الأولى الذين ذكرهم ابن شهرآشوب في المناقب: ٤: ١١٣، والزنجاني ذكرهُ في أسماء شهداء الحملة الأولى باسم (بشير بن عمرو) في كتابه وسيلة الدارين: ٩٤ - ٩٥، وذكر ذلك أيضاً في ترجمته له تحت رقم ١٣ في ص١١٠ نقلاً عن أهل السيَر.

٢٨٨

٤٥ - الحجّاج بن بدر التميمي السعدي (رض)(١) .

٤٦ - قارب بن عبد الله الدئلي (رض).

٤٧ - عمرو بن خالد لأسدي الصيداوي (رض) (٢) .

٤٨ - جنادة بن الحرث المذحجي السلماني (رض).

٤٩ - سعد (رض) مولى عمرو بن خالد الصيداوي (رض).

٥٠ - منجح بن سهم (رض) مولى الحسنعليه‌السلام (٣) .

____________________

(١) قال المحقّق السماوي (ره) في إبصار العين: ٢١٤: (قال صاحب الحدائق: قُتل مبارزة بعد الظهر، وقال غيره: قُتل في الحملة الأولى قبل الظُهر) ولكنّ السماوي لم يحدّد ذلك الغير.

(٢) راجع: إبصار العين: ١١٤ - ١١٦، لكنّ ابن شهرآشوب في المناقب: ٤: ١٠١ ذكر قائلاً: (ثمّ برز عمرو بن خالد الأزدي قائلاً:

اليوم يا نفسُ إلى الرحمان

تمضين بالرَوح وبالريحان

اليوم تُجزَين على الإحسان

ما خُطّ في اللوح لدى الديّان

لا تجزعي فكلّ حيِّ فانِ

ثمّ برز ابنه خالد وهو يقول:

صبراً على الموت بني قحطان

كيما تكونوا في رضى الرحمان

ذي الـمجدّ والـعزّة والبرهان

وذو الـعلى والطول والإحسان

يـا أبـتا قد صُرت في الجنان

فـي قـصر درّ حَسن البنيان

ولم يذكر المؤرّخون أنّ ابنه خالداً كان معه.

وفي اللهوف: ١٦٣ قال ابن طاووس (ره): (ثمّ برز عمرو بن خالد الصيداوي فقال للحسينعليه‌السلام : (يا أبا عبد الله، جُعلت فداك، قد هممتُ أن ألحق بأصحابك وكرهتُ أن أتخلّف فأراك وحيداً بين أهلك قتيلاً، فقال له الحسينعليه‌السلام :(تقدّم فإنّا لاحقون بك عن ساعة) ، فتقدّم فقاتلَ حتى قُتل رضوان الله عليه).

(٣) لا توجد إشارة تاريخية صريحة بأنّ منجحاً (رض) استشهد في الحملة الأولى، إلاّ أنّ ابن شهرآشوب في ذكره أسماء شهداء الحملة الأولى ذكرَ في ختامها قائلاً: (وعشرة من مَوالي =

٢٨٩

٥١ - أسلم بن عمرو التركي مولى الحسينعليه‌السلام (١) .

٥٢ - سعد بن الحرث (رض) مولى عليّعليه‌السلام (٢) .

٥٣ - نصر بن أبي نيزر (رض) مولى عليعليه‌السلام (٣) .

٥٤ - الحرث بن نبهان (رض) مولى حمزةعليه‌السلام .

٥٥ - جون بن حويّ (رض) مولى أبي ذرّ (رض)(٤) .

____________________

= الحسين ومَوليان من مَوالي أمير المؤمنينعليهما‌السلام ) (المناقب: ٤: ١١٣)، أمّا المحقّق السماوي (ره) فقد قال: (ولمّا تبارز الفريقان في كربلاء قاتلَ القوم قتال الأبطال، قال صاحب الحدائق الورديّة: فعطفَ عليه حسّان بن بكر الحنظلي فقتلهُ، وذلك في أوائل القتال). (إبصار العين: ٩٦).

(١) وكذلك الأمر بالنسبة إلى أسلم بن عمرو التركي (رض) مولى الحسينعليه‌السلام ، قال المحقّق السماوي (ره): (قال بعض أهل السيَر والمقاتل: إنّه خرج إلى القتال وهو يقول:

أميري حسينٌ ونِعمَ الأمير

سرور فؤاد البشير النذير

فقاتل حتّى قُتل، فلمّا صُرع مشى إليه الحسينعليه‌السلام فرآه وبه رمق يومي إلى الحسينعليه‌السلام ، فاعتنقهُ الحسين ووضع خدّه على خدّه، فتبسّم وقال: مَن مثلي وابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واضع خدّه على خدّي، ثمّ فاضت نفسه رضوان الله عليه). (إبصار العين: ٩٥ - ٩٦).

(٢) وكذلك الأمر بالنسبة إلى سعد بن الحرث (رض) مولى عليّعليه‌السلام ، إذ لم نعثر على إشارة تاريخية صريحة بأنّه قُتل في الحملة الأولى إلاّ ما ورد فيما ذكره ابن شهرآشوب في المناقب: ٤: ١١٣، (ومَوليان من مَوالي أمير المؤمنينعليه‌السلام )، وهذا يشمله مع نصر بن أبي نيزر مولى عليّعليه‌السلام أيضاً.

(٣) صرّح بصدده المحقّق السماويّ (ره) قائلاً: (وكان فارساً فعُقرت فرسه ثمّ قُتل في الحملة الأولىرضي‌الله‌عنه ). (إبصار العين: ٩٨).

(٤) وكذلك لا توجد إشارة صريحة بأنّ جون بن حوي (رض) قُتل في الحملة الأُولى، إلاّ ما ورد في إبصار العين: ١٧٦ عن السيّد رضيّ الدين الداودي بهذا التعبير: (فلمّا نشب القتال وقفَ أمام الحسينعليه‌السلام يستأذنه في القتال، فقال له الحسينعليه‌السلام :(يا جون، أنت في إذنٍ منّي، فإنّما تَبعتنا طلباً للعافية فلا تبتل بطريقتنا) ، فوقع جون على قَدَمي أبي عبد الله يُقبّلها ويقول: يا بن رسول الله، أنا في الرخاء ألحسُ قصاعكم، وفي الشدّة أخذلكم؟ إنّ ريحي لَنتِن، وإنّ حسَبي لَلئيم، وإنّ =

٢٩٠

٥٦ - جابر بن الحجّاج (رض) مولى عامر بن نهشل التيمي(١) .

٥٧ - الحارث بن امرئ القيس الكندي (رض) (٢) .

٥٨ - شبيب (رض) مولى الحرث بن سريع الهمداني الجابري(٣) .

____________________

= لَوني لأسود، فتنفّس عليَّ في الجنّة؛ ليطيب ريحي ويشرف حسَبي ويبيّض لوني، لا والله لا أُفارقكم حتّى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم، فأذِن له الحسينعليه‌السلام فبرز وهو يقول:

كيف ترى الفجّار ضرب الأسود

بالمشرفيّ والقنا المسدَّد

يذبّ عن آل النبيّ أحمد

ثمّ قاتل حتّى قُتل)، أمّا السيّد ابن طاووس (ره) ذكر جون قائلاً: (ثمّ جون مولى أبي ذر...) (اللهوف: ١٦٣)، وفي البحار عن كتاب محمد بن أبي طالب: (ثمَّ برزَ للقتال وهو ينشد...)، (البحار: ٤٥: ٢٣)، وقولهم: (برز) لا يعني بالضرورة أنّه قاتلَ القوم مبارزة، بل هي هنا بمعنى تقدّمَ إلى القتال.

(١) قال السماوي (ره) في ترجمته: (وكان قتلهُ قبل الظهر في الحملة الأولى) (إبصار العين: ١٩٣)، ولكنّ المامقاني (ره) لم يذكر في ترجمته أنّه قُتل في الحملة الأولى (راجع: تنقيح المقال: ١: ١٩٨، ومستدركات علم رجال الحديث: ٢: ٩٧)، ولم يذكرهُ الآخرون أيضاً في شهداء الحملة الأولى (راجع: الحدائق الوردية: ١٢٢، وتسمية مَن قُتل مع الحسينعليه‌السلام : ١٥٥، ومناقب آل أبي طالبعليه‌السلام : ٤: ١١٣).

(٢) ذكره المحقّق السماوي (ره) فيمن قُتل في الحملة الأولى نقلاً عن صاحب الحدائق الوردية (راجع: إبصار العين: ١٧٣، والحدائق الوردية: ١٢٢، وانظر أيضاً وسيلة الدارين: ١١٦ - ١١٧ رقم ٢٦)، وقال المامقاني (ره) في تنقيح المقال: ١: ٢٤٣ بعد أن ذكرَ تحوّله إلى الإمامعليه‌السلام بعد ردّ الشروط عليه: (وذلك يكشف عن قوّة ديانته وكونه في مرتبة فوق الوثاقة، ويُذكر من ثباته في الإسلام والديانة: أنّه ممّن حضرَ حصار المجبر، فلمّا أخرج المرتدّون ليُقتَلوا وثبَ على عمّه ليقتله، فقال عمّه: ويحك، أتقتلني وأنا عمّك؟! قال: أنت عمّي، والله ربي، فقتلهُ).

(٣) ذكر المحقّق السماوي (ره) في ترجمته قائلاً: (قال ابن شهرآشوب: قُتل في الحملة الأولى التي قُتل فيها جملة من أصحاب الحسين، وذلك قبل الظُهر في اليوم العاشر) (إبصار العين: ١٣٣)، =

٢٩١

٥٩ - شبيب بن عبد الله النهشلي (رض)(١) .

مقتلُ حبيب بن مظاهر (رض)(٢) قُبيل الصلاة

مرَّ بنا أنّه لما رأى أبو ثمامة الصائدي (رض) قلّة مَن بقي من الأنصار مع الإمامعليه‌السلام ؛ نتيجة الحملة العامة، طلبَ إلى الإمامعليه‌السلام قائلاً: (يا أبا عبد الله، نفسي لك الفداء، إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، ولا والله لا تُقتل حتّى أُقتل دونك إنْ شاء

____________________

= لكنّنا لم نجده مذكوراً في أسماء شهداء الحملة الأولى الذين ذكرهم ابن شهرآشوب في المناقب: ٤: ١١٣.

(١) ينقل الزنجاني في كتابه وسيلة الدارين: ١٥٥ - ١٥٦ رقم ٧٦ قائلاً: (قال الشيخ الطوسي في رجاله ص٧٤: إنّ شبيب بن عبد الله النهشلي البصري من أصحاب الحسين، وقال سماحة الحجّة المؤرّخ الفقيه المعاصر السيد محمد صادق بحر العلوم في ذيل قول الطوسي: قال أهل السيَر:

كان تابعياً من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وانضمّ إلى الحسن ثمّ إلى الحسين وقُتل معه في كربلاء في الحملة الأولى...، وقال في ذخيرة الدارين: ٢١٩: قال علماء السيَر: شبيب بن عبد الله النهشلي كان تابعياً من أصحاب أمير المؤمنين، وحضرَ معه في حروبه الثلاث، وبعده انضمّ مع الحسن بن عليعليهما‌السلام ، ثمّ مع الحسين، وكان من خواصّ أصحابه، فلمّا خرجَ الحسين من المدينة إلى مكّة خرج معه، وكان مصاحباً له إلى أن ورد الحسينعليه‌السلام إلى كربلاء، فلمّا كان يوم الطفّ تقدّم إلى القتال فقُتل في الحملة الأولى مع مَن قُتل قبل الظهر، وفي رواية قُتل مبارزة، والله أعلم، وورد في زيارة الناحية:(السلام على شبيب بن عبد الله النهشلي) .

(٢) قال المحقّق السماوي (ره) في ضبط اسم أبيه: (مُظهَّر: بضمّ الميم، وفتح الظاء المعجمة، بزنة محمّد على الأشهر، ويُضبط بالطاء المهملة في بعض الأصول، ويمضي على الألسن وفي الكتب مظاهر، وهو خلاف المضبوط قديماً) (إبصار العين: ١٠٦ - ١٠٧) لكنّنا نلاحظ أنّ الطبري - وهو من القدماء - يذكر اسم أبيه (مظاهر) وليس (مظهّر)!.

٢٩٢

الله، وأحبّ أن ألقى ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة التي قد دنا وقتها)(١) ، فرفعَ الحسينعليه‌السلام رأسه ثمّ قال:(ذكرتَ الصلاة، جَعلك الله من المصلّين الذاكرين، نعم هذا أوّل وقتها (٢) ، ثمّ قال:سَلوهم أن يكفّوا عنّا حتّى نصلّي) (٣) ، ففعلوا(٤) .

فقال لهم الحصين بن تميم: إنّها لا تُقبل!

فقال له حبيب بن مظاهر: لا تُقبل، زعمتَ الصلاة من آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لا تُقبلُ، وتُقبلُ منك يا حمار؟

.. فحملَ عليهم حصين بن تميم، وخرج إليه حبيب بن مظاهر فضربَ وجه فرسه بالسيف، فشبَّ ووقع عنه، وحملهُ أصحابه فاستنقذوه، وأخذ حبيب يقول:

أُقسمُ لو كُنّا لكم أعداداً

أو شطركم ولّيتم أكتادا

يا شرَّ قومٍ حَسَباً وَآدا

.. وجعلَ يقول يومئذٍ:

أنـا حـبيبٌ وأبي مُظاهرُ

فارسُ هيجاءَ وحربٍ تسعرُ

أنـتم أعـدُّ عـدّةً وأكـثرُ

ونـحن أوفى منكم وأصبرُ

ونـحن أعلى حُجَّةً وأظهرُ

حـقّاً وأتـقى منكمُ وأعذرُ

وقاتلَ قتالاً شديداً(٥) ، فحملَ عليه رجل من بني تميم فضربهُ بالسيف على

____________________

(١) تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٦.

(٢) و (٣) تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٦.

(٤) الكامل في التاريخ: ٣: ٢٩١، والظاهر أنّ أعداء الإمامعليه‌السلام لم يكفّوا عن مقاتلة أصحاب الإمامعليه‌السلام أثناء صلاة الإمامعليه‌السلام ، بنصف مَن تبقّى من أصحابه (رض) ، والدليل على ذلك: مثلاً أنّ سعيد بن عبد الله الحنفي (رض) قُتل أثناء الصلاة، ووجِدَ به ثلاثة عشر سهماً سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح.

(٥) وحُكي أنّه قتلَ اثنين وستين رجلاً (راجع: البحار: ٤٥: ٢٧).

٢٩٣

رأسه فقتله(١) ، وكان يُقال له بدلي بن صُريم من بني عقفان، وحملَ عليه آخر من بني تميم فطعنهُ فوقع، فذهب ليقوم فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف فوقع، ونزل إليه التميميّ فاحتزَّ رأسه، فقال له الحصين: إنّي لشريكك في قتله، فقال الآخر: والله ما قتله غيري.

فقال الحصين: أعطنيه أعلّقه في عنُق فرَسي، كيما يرى النّاس ويعلموا أنّي شركت في قتله، ثمّ خُذه أنت بعدُ فامضِ به إلى عبيد الله ابن زياد فلا حاجة لي فيما تُعطاه على قتلك إيّاه، فأبى عليه فأصلحَ قومه فيما بينهما على هذا، فدفعَ إليه رأس حبيب بن مظاهر، فجالَ به في العسكر قد علّقه في عُنق فرسه، ثمّ دفعه بعد ذلك إليه، فلمّا رجعوا إلى الكوفة أخذ الآخر رأس حبيب ثمّ أقبل به إلى ابن زياد في القصر...)(٢) .

____________________

(١) أي فقتله حبيب بن مظاهر (رض)، يؤيّد هذا ما في: الكامل في التاريخ: ٣: ٢٩١: وقاتلَ حبيب قتالاً شديداً، فقتلَ رجلاً من بني تميم اسمه بُديل بن صُريم.

لكنّ المحقّق السماوي (ره) ذكر قائلاً: (فحملَ عليه بُديل بن صريم العقفاني فضربه بسيفه) أيّ أنّ المضروب هو حبيب، ولعلّ هذا من سهو قلمه الشريف في نقله عن الطبري، أو أنّه استند إلى ما رواه الخوارزمي في المقتل: ٢: ٢٢ حيث يقول: (وقيل: بل قتله رجل يُقال له: بديل بن صريم...).

(٢) تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٦ - ٣٢٧، وانظر: الكامل في التاريخ: ٣: ٢٩١ ويواصل الطبري روايته في مقتل حبيب (رض) فيقول: (.. فبصرَ به ابنه القاسم ابن حبيب وهو يومئذٍ قد راهق، فأقبلَ مع الفارس لا يفارقه، كلّما دخلَ القصر دخل معه وإذا خرج خرج معه، فارتاب به فقال: مالك يا بُنيَّ تتّبعني؟!

قال: لا شيء، قال: بلى، يا بُنيَّ أخبِرني؟ قال له: إنّ هذا الرأس الذي معك رأس أبي، أفتعطينيه حتّى أدفنه، قال: يا بنيّ لا يرضى الأمير أن يُدفن، وأنا أريد أن يُثيبني الأمير على قتله ثواباً حسناً!

قال له الغلام: لكنّ الله لا يُثيبك على ذلك إلاّ أسوأ الثواب، أمَا والله لقد قتلتَه خيراً منك! =

٢٩٤

ولقد ذكر ابن شهرآشوب: أنّ حبيب بن مظاهر (رض) كان قد قتل اثنين وستين رجلاً، وأنّ الذي قتله الحصين بن نمير وعلّق رأسه في عُنق فرسه(١) .

وروي: أنّه لمّا قُتل حبيب بن مظاهر (رض) هدَّ ذلك الحسينعليه‌السلام وقال عند ذلك:(عند الله أحتسبُ نفسي وحُماة أصحابي) (٢) .

وفي بعض المقاتل: قالعليه‌السلام :(لله درّك يا حبيب، لقد كنتَ فاضلاً تختم القرآن في ليلة واحدة) (٣) .

مقتلُ الحرّ بن يزيد الرياحي (رض)

يروي الطبري - ويتابعه في ذلك جمع من المؤرّخين -: أنّه لمّا قُتل حبيب بن مظاهر الأسدي (رض)، وهدَّ ذلك الإمام الحسينعليه‌السلام وقال:(عند الله أحتسب نفسي وحُماة أصحابي) ، أخذ الحرّ (رض) يقاتل - راجلاً(٤) - فحملَ على القوم وهو يرتجز ويقول:

آليتُ لا أُقتلُ حتّى أَقْتُلا

ولن أُصاب اليومَ إلاّ مُقبلا

____________________

= وبكى، فمكث الغلام حتّى إذا أدرك لم يكن له همّةٌ إلاّ اتّباع أثر قاتل أبيه؛ ليجد منه غرّة فيقتله بأبيه، فلمّا كان زمان مصعب بن الزبير، وغزا مصعبُ باجُمَيْرا دخل عسكر مصعب فإذا قاتل أبيه في فسطاطه، فأقبلَ يختلف في طلبه والتماس غرَّته، فدخلَ عليه وهو قائل نصف النهار فضربهُ بسيفه حتّى برد).

(١) راجع: مناقب آل أبي طالبعليه‌السلام : ٤: ١٠٣.

(٢) راجع: تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٧، والكامل في التاريخ: ٣: ٢٩٢.

(٣) نَفَس المهموم: ٢٧٢.

(٤) لأنّه عُقرت فرسه في الحملة العامة (الأولى).

٢٩٥

أضربهم بالسيف ضرباً مفصلا

لا ناكلاً عنهم ولا مُهَلَّلا

وأخذَ يقول أيضاً:

أضربُ في أعراضهم بالسَيْف

عن خير مَن حَلَّ مِنىً والخيف(١)

فقاتلَ هو وزهير بن القين قتالاً شديداً، فكان إذا شدّ أحدهما فإنْ استُلحم شدَّ الآخر حتّى يخلّصه، ففعلا ذلك ساعة، ثمّ إنَّ رجّالة شدَّت على الحرّ بن يزيد فقُتل)(٢) ، فكان مقتله (رض) بعد مقتل حبيب (رض) وقبل صلاة الظهر أيضاً(٣) .

وقال الشيخ المفيد (ره): (وتكاثروا عليه، فاشترك في قتله أيّوب بن مُسَرِّح، ورجل آخر من فرسان أهل الكوفة)(٤) .

غير أنّ مصادر تاريخيّة أخرى(٥) تذكر: أنّ التحاق الحرّ (رض) بالإمام الحسينعليه‌السلام بعد أن قُتل من أصحابهعليه‌السلام ما يربوا على الخمسين في الحملة العامة، حيث سمع الحرّ (رض) الإمامعليه‌السلام يقول على أثرها:(أمَا من مغيث يُغيثنا لوجه الله؟ أما من ذابّ يذبّ عن حُرَم رسول الله؟) ، فأقبلَ الحرّ (رض) إلى عمر بن سعد فقال:

____________________

(١) ذكر المحقّق السماوي (ره) قائلاً: ويضرب فيهم ويقول:

إنّي أنا الحرُّ ومأوى الضيف

أضرب في أعراضكم بالسيفِ

عن خير مَن حلّ بأرض الخيْفِ

(راجع: إبصار العين: ٢١٠).

(٢) تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٧، والكامل في التاريخ: ٣: ٢٩٢، وإبصار العين: ٢١٠، وانظر: مقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ٢٤٤.

(٣) وهذا ما استفاده أيضاً المحقق السماوي (ره) من متن الطبري حيث يقول: (فقُتل الحرّ ثمّ صلّى الحسينعليه‌السلام صلاة الخوف) (راجع إبصار العين: ١٦٦).

(٤) الإرشاد: ٢: ١٠٤.

(٥) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ١٢ - ١٤، واللهوف: ١٦٠، وتسلية المجالس: ٢: ٢٨٢.

٢٩٦

أمقاتلٌ أنت هذا الرجل؟! إلى آخر محاورته مع ابن سعد التي مرّت بنا في قصة تحوّله والتحاقه بالإمامعليه‌السلام .

والمتأمّل في سياق كلّ من اللهوف ومقتل الخوارزمي، يلحظ تعارضاً بيّناً في سردهما لقصة التحاق الحرّ (رض)، حيث يجد أنّ الحرّ بعد مقتل خمسين رجلاً أو أكثر من أنصار الإمامعليه‌السلام يسأل عمر بن سعد: أمقاتلٌ أنت هذا الرجل؟! الأمر الذي يُضعف من الوثوق بسياق قصّة الحرّ (رض) في هذين الكتابين.

وتقول مصادر تاريخية: إنّ الحرّ (رض) كان أوّل مَن تقدّم إلى قتال القوم، وإنّه كان قد قال للإمامعليه‌السلام : يا بن رسول الله، كنتُ أوّل خارج عليك فائذن لي أن أكون أوّل قتيل بين يديك؛ فلعلّي أن أكون أوّل مَن يصافح جدّك محمّداً غداً في القيامة)(١) .

يقول صاحب تسلية المجالس في معنى ذلك: (وإنّما قال الحرُّ لأكون أوّل قتيل من المبارزين، وإلاّ فإنَّ جماعة كانوا قد قُتِلوا في الحملة الأولى كما ذُكر، فكان أوّل مَن تقدّم إلى براز القوم...)(٢) .

وقال الشيخ الصدوق في شأن الحرّ (رض): (فقتل منهم ثمانية عشر رجلاً)(٣) .

وقال الخوارزمي: (وقتل أربعين فارساً وراجلاً)(٤) .

____________________

(١) راجع: مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي، ٢: ١٣، والفتوح: ٥: ١٨٥، واللهوف ١٦٠، وتسلية المجالس: ٢: ٢٨٢، والبحار: ٤٥: ١٣.

(٢) تسلية المجالس: ٢: ٢٨٠، وقال أيضاً السيد ابن طاووس في اللهوف: ١٦٠ (إنّما أراد أوّل قتيل من الآن؛ لأنّ جماعة قُتلوا قبله كما ورد..).

(٣) أمالي الصدوق: ١٣٦، المجلس ٣٠ حديث رقم ١.

(٤) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ١٣.

٢٩٧

وقال ابن شهرآشوب: (فقتل نيّفاً وأربعين رجلاً)(١) .

وقال السيّد ابن طاووس: (حتّى قتل جماعة من شجعان وأبطال)(٢) .

وروي أنّه لمّا استشهد الحرّ (رض) احتمله أصحاب الحسينعليه‌السلام ، حتّى وضعوه بين يدي الحسينعليه‌السلام وبه رمق، فجعل الحسينعليه‌السلام يمسح وجهه ويقول:(أنت الحرُّ كما سمّتك أمُّك، وأنت الحرّ في الدنيا وأنت الحرّ في الآخرة) (٣) .

وقيل: (ثمَّ أنشأ الحسين يقول:

لَـنِعمَ الـحرُّ حـرُّ بني رياح

ونِعمَ الحرُّ عند مختلف الرماحِ

ونِعم الحرُّ إذ نادى(٤) حسيناً

فجادَ بنفسه عند الصباحِ(٥)

وقيل: رثاه بهذه الأبيات بعض أصحاب الحسينعليه‌السلام (٦) .

وذكر الخوارزمي عن الحاكم الجشمي أنّه قال: بل رثاه عليّ بن الحسينعليه‌السلام (٧) .

____________________

(١) مناقب آل أبي طالبعليه‌السلام : ٤: ١٠٠.

(٢) اللهوف: ١٦٠، وفيه: (ثمّ استشهد، فحملَ ُإلى الحسين فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول...).

(٣) تسلية المجالس: ٢: ٢٨٢، ومقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ١٤، وانظر: اللهوف: ١٦٠، والأخبار الطوال: ٢٥٦، وأمالي الصدوق: ١٣٦ المجلس ٣٠، حديث رقم ١ وفيه: (ثمّ قُتل فأتاه الحسينعليه‌السلام ودمه يشخب فقال:(بخٍ بخٍ يا حرُّ، أنت حرٌ كما سُمّيت في الدنيا والآخرة..) .

(٤) لعلّ الصحيح: (فادى) أو (فدّى) بدلاً من (نادى)، وقد رواها على الوجه الصحيح المحقّق المقرّم (ره) في المقتل: ٢٤٥ هكذا (ونِعمَ الحرُّ إذ فادى حسيناً).

(٥) أمالي الشيخ الصدوق: ١٣٦ المجلس ٣٠، حديث رقم ١.

(٦) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ١٤، وانظر: الفتوح: ٥: ١٨٦، وانظر البحار: ٤٥: ١٤.

(٧) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي، ٢: ١٤ وفيه: (صبورٌ عند مشتبك الرماحِ) بدلاً من (ونِعمَ الحرّ عند مختلف الرماح)، وفي البحار: ٤٥: ١٤ إضافة بيت لهذه الأبيات وهو:

فيا ربّ أضِفه في جِنانٍ

وزوِّجه مع الحور المِلاحِ

٢٩٨

كيف كانت صلاة الإمامعليه‌السلام ظُهر عاشوراء؟

ذكر أكثر المؤرّخين أنّ الإمامعليه‌السلام صلّى بأصحابه صلاة الخوف(١) ، وقال الشيخ ابن نما (ره): (وقيل: صلّى الحسينعليه‌السلام وأصحابه فُرادى بالإيماء)(٢) .

وقال المرحوم المحقّق السيّد المقرّم: (والذي أراه أنّ صلاة الحسينعليه‌السلام كانت قصراً؛ لأنّه نزل كربلاء في الثاني من المحرّم، ومن أخبار جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - مضافاً إلى علمه بأنّه يُقتل يوم عاشوراء - لم يستطع أن ينوي الإقامة إذا لم تكمل له عشرة أيّام، وتخيّل مَن لا معرفة له بذلك أنّه صلّى صلاة الخوف)(٣) .

____________________

(١) راجع مثلاً: الإرشاد: ٢: ١٠٥، ومثير الأحزان: ٦٥، وتاريخ الطبري ٣: ٣٢٨، والكامل في التاريخ: ٣: ٢٩٢، ومقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ٢٠، وأنساب الأشراف: ٣: ١٠٤، والمنتظم/ ٥: ٣٤٠، وتذكرة الخواص: ٢٢٧.

وقال ابن شهرآشوب في المناقب: ٤: ١٠٣: (صلّى بهم صلاة شدّة الخوف)، وقال العلاّمة الحلي في نهاية الأحكام: ٢: ٢٠٠ في معنى صلاة شدّة الخوف: (وهي تثبت عند: التحام القتال، وعدم التمكن من تركه لأحد، أو عند اشتداد الخوف، وأن يلتحم القتال، فلم يأمنوا هجومهم عليهم لو ولّوا عنهم انقسموا وحينئذٍ يصلّون رجالاً ومشاة على الأقدام أو ركباناً، مستقبِل القبلة واجباً مع الإمكان، وغير مستقبِلها مع عدمه على حسب الإمكان، فإن تمكّنوا من استيفاء الأركان وجب، وإلاّ أومأوا لركوعهم وسجودهم، ويكون سجودهم أخفض من الركوع، ولو تمكّنوا من أحدهما خاصّة وجب، ويجوز لهم التقدّم والتأخّر لقوله تعالى:( فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً ) ، وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال:(مستقبِل القِبلة وغير مستقبِلها) ، وقول الباقرعليه‌السلام في صلاة الخوف عند المطاردة والمناوشة وتلاحم القتال:(يصلّي كلّ إنسان فيهم بالإيماء حيث كان وجهه).

(٢) مثير الأحزان: ٦٥.

(٣) مقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ٢٤٥ حاشية الصفحة، وقال المقرّم (ره) في ص٢٤٦ نقلاً عن كتاب أسرار الشهادة أنّه: لمّا فرغَ الإمامعليه‌السلام من الصلاة قال لأصحابه:(يا كرام، هذه الجنّة قد فُتحت أبوابها، واتصلت أنهارها، وأينَعت ثمارها، وهذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والشهداء الذين قُتلوا في سبيل =

٢٩٩

مقتلُ سعيد بن عبد الله الحنفي (رض) أثناء صلاة الإمامعليه‌السلام

ذكر الطبري وتابعه على ذلك ابن الأثير: أنّ سعيد بن عبد الله (رض) قُتل بعد الصلاة، حيث يقول: (ثمَّ اقتتلوا بعد الظهر فاشتدّ قتالهم، وَوصلَ إلى الحسين، فاستقدم الحنفيُّ أمامه، فاستُهدِف لهم يرمونه بالنبل يميناً وشمالاً قائماً بين يديه، فما زال يُرمى حتّى سقط)(١) .

لكنّ المؤرّخين الآخرين رووا أنّ سعيد بن عبد الله (رض) قُتل أثناء صلاة الإمامعليه‌السلام ، فقد روى الخوارزمي في المقتل يقول: (فقال الحسين لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله:(تقدَّما أمامي ، فتقدّما أمامه في نحوٍ من نصف أصحابه حتّى صلّى بهم صلاة الخوف، ورويَ أنَّ سعيد بن عبد الله تقدّم أمام الحسينعليه‌السلام ، فاستهدفَ له يرمونه بالنبْل، فما أخذ الحسينعليه‌السلام يميناً وشمالاً إلاّ قام بين يديه.

____________________

=الله يتوقعون قدومكم ويتباشرون بكم، فحامُوا عن دين الله ودين نبيّه، وذبّوا عن حُرَم الرسول) ، فقالوا: نفوسنا لنفسك الفداء، ودماؤنا لدمك الوقاء، فو الله لا يصل إليك وإلى حرمك سوء وفينا عِرقٌ يضرب.

(١) تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٨، والكامل في التاريخ: ٣: ٢٩٢، ويستفاد هذا المعنى أيضاً ممّا ذكره ابن نما (ره) في مثير الأحزان: ٦٦ حيث يقول: (ولما وصلَ القتال إليهعليه‌السلام تقدّمَ أمامه رجل من بني حنيفة يقيه بنفسه حتّى سقط بين يدي الحسينعليه‌السلام ، فقال الحنفيّ: اللّهمّ لا يُعجزك شيء تريده، فأبلِغ محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله نصرتي ودفعي عن الحسين وارزقني مرافقته في دار الخلود).

وانظر: إبصار العين: ٢١٧ - ٢١٨ ففيه أيضاً أنّ ذلك كان (لمّا صلّى الحسين الظهر صلاة الخوف، ثمّ اقتتلوا بعد الظهر فاشتدّ القتال، ولما قرب الأعداء من الحسين وهو قائم بمكانه، استقدم سعيدُ الحنفيُّ أمام الحسين فاستهدف لهم يرمونه بالنبل يميناً وشمالاً، وهو قائم بين يدي الحسين يقيه السهام طوراً بوجهه، وطوراً بصدره، وطوراً بيديه، وطوراً بجنبيه، فلم يكد يصل إلى الحسينعليه‌السلام شيء من ذلك حتّى سقط الحنفيّ إلى الأرض..).

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477