مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء ٤

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة8%

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 477

الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 260527 / تحميل: 8928
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء ٤

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة مركز الدراسات الإسلاميّة

التابع لممثليّة الوليّ الفقيه في حرس الثورة الإسلامية

« عاشوراء... قراءة في أهمّ أسباب العَظمة والخلود »

الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره ودليلاً على نِعَمه وآلائه، والصلاة والسلام على أشرف الخلائق محمد وآله الطيبين الطاهرين.

لم تزَل واقعة عاشوراء - منذ سنة إحدى وستّين للهجرة - تتعاظم أهميّة وشأناً عاماً بعد عام، وتتسامى قدراً وقداسة، ويزيد ذكرها ولا يبيد، ويمتدّ عزاء الحسينعليه‌السلام انتشاراً في شرق الأرض وغربها.

وتشغل هذه الظاهرة أذهان الكثيرين، ولعلّ أهم ما يتبادر إلى ذهن المتأمّل فيها من أسباب عظمة وخلود هذه الواقعة:

أوّلاً: في وقعة عاشوراء كان قد سُفك (الدم المقّدس)، دم ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وابن سيّد الأوصياءعليه‌السلام ، وابن سيّدة النساءعليها‌السلام ، وأحد سيّدي شباب أهل الجنّةعليهما‌السلام ، وبقيّة أهل آية التطهير، وسورة هل أتى، دمٌ(سكنَ في الخُلد،

٣

فيهنّ وما بينهنّ، ومَن يتقلّب في الجنّة والنار من خَلْق ربّنا، وما يُرى وما لا يُرى...) (١) .

إنَّ قداسة الإمام الحسينعليه‌السلام (المثل الأعلى) في ضمير ووجدان الأمّة، هي التي أسبغت على عاشوراء كلَّ هذه القداسة وهذه الرمزيّة في الزمان فكان(كلُّ يوم عاشوراء) ، وهي التي نشرت كربلاء على كلّ الأرض عنواناً لميدان انتصار دم الحقّ على سيف الباطل، فكانت(كلّ أرض كربلاء) ، فبهِعليه‌السلام صارت فاجعة عاشوراء(مصيبة ما أعظمها وأعظم رزيّتها في الإسلام وفي جميع السماوات والأرض!) (٢) ، ولولاهعليه‌السلام ؛ لكانت وقعة الطفّ - بكلّ ما غصّت به من فجائع أليمة - مأساة يذكرها الذاكر، فيأسف لها كما يأسف لكثير من وقائع التاريخ الأليمة الأخرى المقيّدة بحدود الزمان والمكان.

ثانياً: كانت كربلاء يوم عاشوراء مسرحاً لمواجهة فريدة من كلّ جهة في عالَم الإنسان، بين ذروة الفضيلة بكلّ مناقبيّتها متمثّلة بالحسينعليه‌السلام وأنصاره الكرام، وبين وهْدة الرذيلة بكلّ انحطاطها متمثّلة في جيش أعدائه، فكانت جميع وقايع عاشوراء تحكي من وجهٍ حركة الفضيلة بأرقى ما تستطيع أن تقدّمة من مُثُل عُليا في الأخلاق الحميدة السامية؛ تصديقاً لحجّتها الواضحة الدامغة، ولحقّانيتها في الصراع، ولمظلوميتها من كلّ جهة، وتجسيداً للأسوة الحسنة الخالدة، كي ما يتأسّى بها أهل الحقّ والإيمان على مدى الأجيال إلى قيام الساعة.

وكانت وقايع عاشوراء تحكي أيضاً من وجهٍ آخر: حركة الرذيلة بأحطّ ما يمكن أن يصدر عنها من مثَل سيّئ، كاشف عن باطلها في الصراع، وعن جَورها وظلمها، وعن وحشيّتها التي طغت حتّى على ما تعوّدته الوحوش الكواسر.

____________________

(١) كامل الزيارات: ٢١٨ باب ٧٩ رقم ٢، نشر مكتبة الصدوق - طهران.

(٢) فقرة من زيارة عاشوراء المشهورة - راجع: مفاتيح الجنان: ص٤٥٧، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

٤

من هنا كانت (عاشوراء) مثلاً أعلى للإنسان المسلم وغير المسلم، في المواجهات بين الحقّ والباطل، وكان الحسينعليه‌السلام نبراساً للإنسانيّة جمعاء، يفخر بالانتساب إليه والإقتداء به كلّ ثائر للحقّ مطالب به.

ثالثاً: وكانت كربلاء في يوم عاشوراء أيضاً مسرحاً لـ (واقعة حاسمة) بين الإسلام المحمديّ الخالص، وبين حركة النفاق بكلّ فصائلها، واقعة حاسمة من كلّ جهة وبلا حدود.

واقعة لم تنتهِ بنصر حاسم محدود كما انتهت (الجَمل)، ولم تنتهِ كما انتهت (صِفّين) بلا حسْم! بل انتهت بكلّ نتائجها لصالح الإسلام المحمديّ الخالص ولو بعد حين، وأعادت جميع مساعي حركة النفاق التي امتدّت خمسين سنة إلى نقطة الصفر؛ وذلك حيث استطاعت عاشوراء - التي أُريق فيها الدّم المقدّس - أن تفصل تماماً بين (الإسلام الأموي) وبين الإسلام المحمديّ الخالص، وأفقدت الحكم الأمويّ وريث حركة النفاق - بارتكابه حماقة سفك الدم المقدّس - قدرته على التلبّس بلباس الحقّ، وتضليل الأمّة على الصعيد الديني والنفسي والإعلامي، وهذا من أوضح آفاق الفتح الحسينيّ في عاشوراء، فلو لم تكن واقعة كربلاء لكان الأمويّون قد واصلوا حكم الناس باسم الدين، حتّى يترسّخ تماماً في أذهان الناس بمرور الأيّام والسنين، أنّه ليس هناك إسلام غير الإسلام الذي يتحدّث به الأمويّون ويؤخذ عنهم! وعلى الإسلام السلام!

لهذا كشفت عاشوراء عن وحدة وجودية لا انفكاك لها بين الإسلام المحمديّ الخالص وبين الحسينعليه‌السلام ، فصارت الدعوة إلى الإسلام بعد عاشوراء هي عين الدعوة إلى الحسينعليه‌السلام ، وبالعكس، وصارت مواجهة الحسينعليه‌السلام ومعاداته بعد عاشوراء هي عين مواجهة هذا الإسلام ومعاداته، وبالعكس، وصار بقاء الإسلام بعد كربلاء ببقاء عاشوراء الحسينعليه‌السلام ، فالإسلام محمّديّ الوجود

٥

حسينيّ البقاء!

رابعاً: إذا نظرنا إلى قيام الإمام الحسينعليه‌السلام في إطار الدَور العام(١) المشترك لأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ؛ لرأيناه متمّماً لكلّ مواقف الإمام أمير المؤمنين عليّ والإمام الحسنعليهما‌السلام ، وجهودهما في الحفاظ على الإسلام نقيّاً خالصاً من كلّ شائبة وعالقة ليست منه، أرادت حركة النفاق أن تلصقها به، ومن كلّ نقص عَمدت هذه الحركة إلى إحداثه فيه.

أمّا بعد قيام الإمام الحسينعليه‌السلام ، فإنَّ جميع الأئمّة من بعدهعليهم‌السلام - في إطار هذا الدور العام المشترك - متمّمون لأهداف هذا القيام المقدّس، ومن هنا يمكننا النظر إلى قيامهعليه‌السلام وكأنّه مؤلَّف من مقاطع زمانية ثلاثة:

١ - مقطع عاشوراء: ويقوده الإمام الحسينعليه‌السلام نفسه، ويبدأ برفضه البيعة ليزيد، ثمّ بخروجه من المدينة إلى مكّة، ثمّ من مكّة إلى كربلاء، وينتهي باستشهادهعليه‌السلام .

٢ - مقطع ما بعد عاشوراء إلى عاشوراء الظهور: ويبدأ مباشرة بعد استشهادهعليه‌السلام ، ويمتدّ هذا المقطع طويلاً حتى ظهور الإمام المهديّعليه‌السلام في يوم عاشوراء، ويقود هذا المقطع تباعاً الأئمّة التسعة من ذريّة الحسينعليه‌السلام ، ويلاحِظ المتأمّل في هذا المقطع أنّ أهمّ معالم دورهم العام المشترك - إضافة إلى حفظ الإسلام ونشر وتبيان عقائده ومعارفه وأحكامه - أنّهمعليهم‌السلام كانوا يركزّون تركيزاً مكثّفاً على توجيه الأمّة إلى الارتباط بالحسينعليه‌السلام ، ويحضّون الناس على البكاء عليه، ويَدعون الشعراء إلى إنشاد الشعر فيه وإبكاء الناس، وتهييج أحزان

____________________

(١) لأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام دَور عام يشتركون جميعاً في السعي إلى تحقيقه، بالرغم من تفاوت الظروف السياسية والاجتماعية التي يمرّون بها، كمثل مسؤوليتهم جميعاً في الحفاظ على الرسالة الإسلاميّة من كلّ تحريف، كما أنَّ لكلّ منهم دَوراً خاصاً به، تحدّده طبيعة الظروف السياسية والاجتماعية التي يعيشها كلٌّ من الإسلام والإمام والأمّة.

٦

يوم الطفوف(١) ، ويؤكّدون تأكيدات متلاحقة ومبرمة على زيارة الحسينعليه‌السلام ، حتى مع التيقّن من خطر انتقام السلطات الظالمة(٢) !

ولنتبرّك بذكر بعض الشواهد الشريفة:

* قول الإمام السجّادعليه‌السلام :(أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن عليّ دمعة حتى تسيل على خدّه، بوّأه الله بها في الجنّة غُرفاً يسكنها أحقاباً...) (٣) .

* وقول الإمام الصادقعليه‌السلام :(كلّ الجزع والبكاء مكروه، سوى الجزع والبكاء على الحسين عليه‌السلام ) (٤) .

وقولهعليه‌السلام :(ما من أحدٍ قال في الحسين شِعراً فبكى وأبكى به، إلاّ أوجب الله له الجنّة وغفر له) (٥) .

وقول الإمام الرضاعليه‌السلام :(إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبلَ دموعنا، وأذلّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون، فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام) (٦) .

* وقولهعليه‌السلام :(مَن ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة، ومَن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه، جعلَ الله عزّ وجلّ يوم القيامة يوم فرحه وسروره، وقرّت بنا في الجنان عينه...) (٧) .

* وقولهعليه‌السلام :(يا بن شبيب، إن سَرَّك أن تلقى الله عزّ وجلّ ولا ذنب عليك فزُر الحسين عليه‌السلام ، يا بن شبيب، إن سَرّك أن تسكن الغرف المبنيّة في الجنّة مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فالعَن قَتَلة الحسين، يا بن شبيب، إن سَرّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لِمن استشهدَ مع الحسين فقل متى ما ذكرتهُ: يا ليتني كنتُ معهم فأفوز فوزاً

____________________

(١) ورد في الزيارة الجوادية للإمام الرضاعليه‌السلام :(السلام على الإمام الرؤوف الذي هيّج أحزان يوم الطفوف) ، راجع: البحار: ١٠٢: ٥٥.

(٢) راجع: البحار: ١٠١، باب أنّ زيارته واجبة مفترَضة مأمور بها... وأنّها لا تُترك للخوف.

(٣) - (٧) راجع: البحار: ٤٤، ثواب البكاء على مصيبته.

٧

عظيماً).

* وقولهعليه‌السلام :(نَفَسُ المهموم لظُلمنا تسبيح، وهمّه لنا عبادة، وكتمان سرّنا جهاد في سبيل الله) (١) .

* وقول الإمام الباقرعليه‌السلام في زيارة عاشوراء:(.. فأسأل الله الذي أكرم مقامك وأكرمني بكَ أن يرزقني طلب ثأرك مع إمام منصور من أهل بيت محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ... وأن يرزقني طلب ثأركم مع إمام هدىً ظاهر ناطق بالحقّ منكم...) (٢) .

وكأنّهمعليهم‌السلام - من خلال هذه المتون وكثير غيرها - يريدون أن يُفهِموا الأمّة أنّ الأصل عندهم هو: القيام لله بوجه الظلم والانحراف، إذا تهيّأت لهم العدّة المطلوبة(٣) من نوع (الإنسان الحسينيّ)، وأنّ صناعة وصياغة الإنسان الحسينيّ - وهو المؤمن - المسلِّم لأمر أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، الشجاع، الحرّ، الأبيّ، البصير، الصلب، القاطع، المتأسّي بمناقبية الحسينعليه‌السلام وأنصاره الكرام، لا تكون ولا تتمّ إلاّ في (مصنع عاشوراء).

٣ - مقطع عاشوراء الظهور: ويقود هذا المقطع الطالب بدم المقتول بكربلاء، ثائر الحسين، الإمام المهدي (عجّل الله فرَجه) حين تجتمع إليه العدّة المقرّرة من خاصة أنصاره، ويبدأ بخروجه يوم عاشوراء، والكون يومذاك متوشِّح بأثواب الحزن على جدّه سيّد الشهداءعليه‌السلام ، وأهل الولاء في ذروة الكآبة والأسى والجزع والبكاء، قد انتشروا في مآتم الحسينعليه‌السلام ، أو انتظموا في مواكب العزاء، فتغمر فُجاءة النبأ السارّ المدهش - بظهور القائمعليه‌السلام - قلوب محبّيه ومواليه وشيعته بفرحة نشوى، بعد أن آدَها الغمّ

____________________

(١) راجع البحار: ٤٤، باب ثواب البكاء على مصيبته.

(٢) من فقرات زيارة عاشوراء المشهورة، راجع: مفاتيح الجنان: ص٤٥٦ - ٤٥٧.

(٣) راجع: الجزء الأوّل: الإمام الحسينعليه‌السلام في المدينة المنوّرة: ص٢١٣ - ٢١٦، عنوان: القيام عند أهل البيتعليهم‌السلام .

٨

والهمّ والحزن، وأرهَقها طول الغَيبة وانتظار الفرج، فتزحف كتائبه من جنود الأرض والسماء بشعار(يا لثارات الحسين) ، ويسير في الأرض يفتح البلاد بعد البلاد بعنوان الحسينعليه‌السلام ، ويقتل ذراري قَتلة الحسينعليه‌السلام - لرضاهم بفعال آبائهم - ويقتل الطغاة بعد الطغاة، والجبابرة بعد الجبابرة، حتى يُحقق الفتح العالميّ، ويملأ الأرض قِسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجَوراً.

فما أعظم بركة عنوان الحسينعليه‌السلام في كلّ شيء!

وما أعظم عاشوراء الحسينعليه‌السلام بدءً ومنتهى!

* * * *

وبعدُ، فهذا الكتاب(الإمام الحسين عليه‌السلام في كربلاء) ، هو الجزء الرابع من دراستنا التاريخية التفصيليّة الموسّعة(مع الركب الحسينيّ من المدينة إلى المدينة) ، وهذا الجزء يمثّل المقطع الرابع من مقاطع هذه الدراسة، ويختصّ بتاريخ فترة وجود الإمامعليه‌السلام في كربلاء حتّى استشهاده.

وقد تشاطر حَمل عِبء هذا الجزء اثنان من مجموعة محقّقي هذه الدراسة، هما:

١ - الشيخ المحقّق عزّت الله المولائي: واختصّ ببحث تاريخ فترة وجود الإمام الحسينعليه‌السلام في كربلاء إلى ما قبل صبيحة يوم عاشوراء، وله الفصلان الأوّل والثاني من هذا الجزء الرابع.

٢ - الشيخ المحقّق محمّد جعفر الطبسي: واختصّ ببحث تاريخ وقائع يوم عاشوراء من شهر المحرّم سنة إحدى وستين للهجرة، حتى استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام وانتهاء المعركة، وله الفصلان الثالث والرابع من هذا الجزء الرابع. كما أنّ شيخنا المحقّق الطبسي هذا سيواصل معنا تاريخ فترة ما جرى على الركب الحسينيّ بعد استشهاد الإمامعليه‌السلام حتى وصول الركْب إلى الشام، في هذا الجزء.

٩

وكما قلنا في مقدّمتنا في الجزء الثالث نقول هنا أيضاً: إنّنا لا ندّعي شططاً إذا قلنا: إنّ هذا الجزء - كما الأوّل والثاني والثالث - قد حوى أيضاً من التحقيقات والنظرات والإشارات الجديدة، ما يؤهله لسدّ ثغرات عديدة في تاريخ النهضة الحسينية المقدّسة، كانت قبل ذلك مبهمة وغامضة، لم تتوفر الإجابة الوافية عنها؛ ولفتح نوافذ تحقيقية كثيرة في قضايا النهضة الحسينية، لم تزَل الحاجة ماسّة إلى إنعام النظر وتفصيل القول فيها.

وهنا لابدّ من أن نتقدّم بالشكر الجزيل إلى مؤلِّفي هذا الكتاب: سماحة الشيخ المحقّقعزّت الله المولائي ، وسماحة الشيخ المحقّقمحمّد جعفر الطبسي ؛ لِما بذَلاه من جهد كبير في إعداد مادّة هذا المقطع، وإنجاز هذا البحث القيّم.

كما نتقدّم بالشكر الجزيل إلى فضيلة الأستاذ المحقّق(علي الشاوي) ، الذي تولّى العناية بهذا البحث مراجعةً ونقداً وتنظيماً وتكميلاً، كعنايته من قبل بالجزء الثاني والثالث، داعين له بمزيد من الموفقيّة في ميدان التحقيق ومؤازرة المحقّقين، وفي مواصلة عنايته البالغة في خدمة الأجزاء الباقية من هذه الدراسة القيّمة إن شاء الله تعالى.

مركز الدراسات الإسلامية           

التابع لممثليّة الولي الفقيه في حرس الثورة الإسلامية

١٠

الفصل الأوّل

كربلاء

١١

١٢

الفصل الأوّل

كربلاء

اسم (كربلاء).. الأصل والاشتقاق

اختلف اللّغويون والمؤرّخون والجغرافيون في أصل كلمة كربلاء، وفي اشتقاقها وفي معناها، فذهب بعضهم إلى: أنّ أصل هذه الكلمة عربيٌّ محض، وذهب آخرون إلى أنَّ أصلها غير عربيّ، وقال آخرون: إنّها متداخلة الأصل من العربية وغيرها...

١) - نظرية الأصل العربي لاسم كربلاء

قال ياقوت الحموي: (كربلاءُ، بالمدِّ: وهو الموضع الذي قُتل فيه الحسين بن عليّرضي‌الله‌عنه ، في طرف البريّة عند الكوفة، فأمّا اشتقاقه: فالكربلة رخاوة في القدَمين، يقال: جاء يمشي مُكَرْبِلاً، فيجوز على هذا أن تكون أرض هذا الموضع رخوة فسميّت بذلك.

ويُقال: كَرْبَلْتُ الحنطة، إذا هذّبتها ونقيّتها، ويُنشَدُ في صفة الحنطة:

يحملنَ حمراء رسوباً للثقل

قد غُربلتْ وكُربلت من القصل

فيجوز على هذا أن تكون هذه الأرض منقّاة من الحصى والدغَل، فسميّت بذلك.

والكربل: اسم نبت الحُمّاض، وقال أبو وجرة السعدي يصف عهون الهودج:

وثامرُ كربلٍ وعميم دُفلى

عليها والندى سبط يمورُ

١٣

فيجوز أن يكون هذا الصنف من النبْت يكثر نبْته هناك فَسُمِّي به)(١) .

٢) - نظرية الأصل غير العربي (الأصل الديني)

وقال الدكتورمصطفى جواد في موضوع كتبه تحت عنوان (كربلاء قديماً) في موسوعة العتبات المقدّسة:

(.. وذكر السيّد العلاّمةهبة الدين الشهرستاني : أنّ (كربلاء) منحوتة من كلمتَي: (كور بابل)، بمعنى مجموعة قُرى بابلية(٢) .

وقال الأب اللغويأنستاس الكرملي: (والذي نتذكره فيما قرأناه في بعض كتب الباحثين أنّ كربلاء منحوتة من كلمتين: من (كربل)، و(إل) أي: حرم الله، أو مقدس الله(٣) .

قلنا: إنّ رَجْع الأعلام الأعجمية إلى أصول عربية كان دَيدناً لعلماء اللغة العربية منذ القديم، فقلّما اعترفوا بأنّ عَلماً من الأعلام أصله أعجمي، دون أسماء الجنس، فإنّهم اعترفوا بعُجمتها وسمّوها (المعرّبات)؛ لأنّ الذين يعرفون اللغة الفارسية كثير، ولأنّهم يدرون أصول المعرّبات على التحقيق والتأكيد.

وكان الذي يُسهّل عليهم اجتيال الأعلام وغيرها إلى اللغة العربية، كونها مشابهة وموازنة لكلمات عربية، كما مرَّ في (كربلا) والكربلة، والكربل، فهم قالوا بعروبة تلك الأعلام الأعجمية، ثمّ حاروا في تخريجها اللغوي، فبعثهم ذلك على التكلّف! كما فعلوا في كربلاء وغيرها من الأعلام الأعجمية.

____________________

(١) معجم البلدان: ٤: ٤٤٥، وانظر: مراصد الإطلاع: ٣: ١١٥٤.

(٢) نقلاً عن كتاب نهضة الحسينعليه‌السلام : ٦، مطبعة دار السلام بغداد / ١٣٤٥هـ. ق.

(٣) نقلاً عن كتاب لغة العرب: ٥: ١٧٨ / ١٩٢٧م.

١٤

وأنا أرى محاولة ياقوت الحموي ردّ (كربلاء) إلى الأصول العربية، غير مجدية ولا يصحّ الاعتماد عليها؛ لأنّها من بابة الظنّ والتخمين، والرغبة الجامحة العارمة في إرادة جعْل العربية مصدراً لسائر أسماء الأمكنة والبقاع، مع أنّ موقع كربلاء خارج عن جزيرة العرب، وأنّ في العراق كثيراً من البلدان ليست أسماؤها عربية: كبغداد، وصرورا، وجوخا، وبابل، وكوش، وبعقوبا، وأنّ التاريخ لم ينصّ على عروبة اسم (كربلاء)، فقد كانت معروفة قبل الفتح العربي للعراق، وقبل سكنى العرب هناك، وقد ذكرها بعض العرب الذين رافقوا خالد بن الوليد القائد العربي المشهور، في غزوته لغربيّ العراق سنة ١٢ هجرية / ٦٣٤م، قالياقوت الحموي : (ونزل خالد عند فتحه الحِيرة، كربلاء، فشكا إليه عبد الله بن وشيمة النصري(١) الذبّان، فقال رجل من أشجع في ذلك:

لـقد حُـبسَتْ فـي كربلاء مطيّتي

وفي العين(٢) حتى عاد غثّاً سمينها

إذا رحـلتْ مـن منزل رجعتْ له

لـعـمري وأيْـها إنّـني لأُهـينها

ويـمنعها مـن مـاء كـلّ شريعة

رفـاقٌ مـن الـذُّبانِ زُرقٌ عيونها

ومن أقدم الشِعر الذي ذُكرت فيه كربلاء: قول معن بن أَوْس المزني من مخضرمي الجاهلية والإسلام، وعمَّرَ حتى أدرك عصر عبد الله بن الزبير وصار مصاحباً له، وقد كُفَّ بصرُه في آخِر عمره، وذكر ياقوت الحموي هذا الشعر في

____________________

(١) في معجم البلدان: ٤: ٤٤٥ (البصري) وليس (النصري)، وقال الدكتور مصطفى جواد في الحاشية: (أو النضري، وفي الأصل من طبعة مصر (البصري) وهو محال؛ لأنّ البصرة لم تكن يومئذٍ قد مُصِّرَتْ، ولأنّ العرب القدامى في القرن الأوّل والقرن الثاني، لم يكونوا ينتسبون إلى المدن والأقطار، بل إلى الآباء والقبائل والأفخاذ والعمارات والبطون، أمّا غير العرب فجائز فيهم، كما سرجويه البصري الطبيب (مختصر الدول لابن العبري ص١٩٢).

(٢) يعني عين التمر، المعروف حِصنها اليوم بالأخيضر.

١٥

(النوائح) من معجمه للبلدان.. وذكره قبله أبو الفرج الأصبهاني في ترجمة معن من الأغاني (١٢: ٦٣ / دار الكتاب)، وقال وهي قصيدة طويلة:

إذا هي حلّت كربلاءَ فلعلعاً

فجوز العذيب دونها فالنوائحا

وقال الطبري في حوادث سنة ١٢هـ: (وخرج خالد بن الوليد(١) في عمل عياض بن غنم؛ ليقضي ما بينه وبينه ولإغاثته، فسلكَ الفلّوجة حتى نزل بكربلاء، وعلى مسلحتها عاصم بن عمرو... وأقام خالد على كربلاء أيّاماً، وشكا إليه عبد الله بن وثيمة الذباب، فقال له خالد: اصبر فإنّي إنّما أريد أن أستفرغ المسالح التي أمر بها عياض فنُسكنها العرب، فتأمن جنود المسلمين أن يُؤتَوا من خلفهم، وتجيئنا العرب آمنة غير متعتعة، وبذلك أمرَنا الخليفة، ورأيه يعدل نجدة الأمّة، وقال رجل من أشجع فيما شكا ابن وثيمة:

لقد حُبستْ في كربلاء مطيّتي..)(٢) الأبيات.

وقال ياقوت الحموي في كلامه على الكوفة: (.. ثمّ توجّه سعد نحو المدائن إلى يزدجرد، وقدَّم خالد بن عرفطة(٣) حليف بني زهرة بن كلاب، فلم يقدر عليه

____________________

(١) في المصدر: خالد فقط، وليس خالد بن الوليد.

(٢) راجع: تاريخ الطبري: ٢/٥٧٤.

(٣) كان خالد بن عرفطة هذا من قيادات جيش عُمَر بن سعد لقتال الحسينعليه‌السلام ، ففي كتاب بصائر الدرجات بسندٍ عن سويد بن غفلة قال: (أنا عند أمير المؤمنينعليه‌السلام إذ أتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، جئتك من وادي القرى، وقد مات خالد بن عرفطة، فقال له أمير المؤمنين:(إنّه لم يمُت، فأعادها عليه: فقال له عليٌّعليه‌السلام :لم يمُتْ والذي نفسي بيده لا يموت، فأعادها عليه الثالثة فقال: سبحان الله أُخبرك أنّه مات وتقول لم يمُت؟! فقال له عليٌّعليه‌السلام :لم يمُت والذي نفسي بيده، لا يموت حتّى يقود جيش ضلالة يحمل رايته حبيب بن جمّاز، قال: فسمع بذلك حبيب، فأتى أمير المؤمنين فقال له: أُناشدكَ فيَّ وإنّي لك شيعة، وقد ذكرتني بأمر لا والله ما أعرفه من نفسي! =

١٦

سعد حتّى فتح خالد ساباط المدائن، ثمّ توجّه إلى المدائن فلم يجد معابر فدلّوه على مخاضة عند قرية الصيّادين أسفل المدائن، فأخاضوها الخيل حتى عبروا، وهرب يزدجرد إلى اصطخر، فأخذ خالد كربلاء عنوة وسبى أهلها، فقسّمها سعد بين أصحابه...)(١) .

ولقائلٍ أن يقول: إنّ العرب أوطنوا تلك البقاع قبل الفتح العربي، فدولة المناذرة بالحيرة ونواحيها كانت معاصرة للدولة الساسانية الفارسية، وفي حمايتها وخدمتها.

والجواب: إنّ المؤرّخين لم يذكروا لهم إنشاء قرية سمّيت بهذا الاسم - أعني كربلاء - غير أنَّ وزن كربلاء أُلحق بالأوزان العربية، ونُقل (فَعْللا) إلى (فَعْلَلاء) في الشِعر حَسْبُ...(٢)

أمّا قول الأب اللغوي أنستاس ما معناه: أنّ كربلاء منحوتة من (كرب) و(إل)، فهو داخل في الإمكان؛ لأنّ هذه البقاع قد سكنها الساميّون، وإذا فسّرنا (كرب) بالعربية أيضاً دلّ على معنى (القُرب)، فقد قالت العرب: (كرب يكرب كروباً: أي دنا)، وقالت: (كرب فلان يفعل، وكرب أن يفعل: أي كاد يفعل، وكاد تفيد القُرب، قال ابن مقبل يصف ناقته:

فبعثتها تَقِصُ المقاصر بعدما

كربتْ حياةُ النار للمتنوّر (٣)

____________________

= فقال له عليٌعليه‌السلام :إنْ كنتَ حبيب بن جمّاز لتحملنّها!) ، فولّى حبيب بن جمّاز وقال: إنْ كنت حبيب بن جمّاز لتحملنّها!!

قال أبو حمزة: فو الله ما مات حتّى بَعث عُمَر بن سعد إلى الحسين بن عليّعليه‌السلام ، وجعل خالد بن عرفطة على مقدّمته، وحبيب صاحب رايته). (راجع: بحار الأنوار: ٤٤: ٢٥٩ - ٢٦٠ باب ٣١، حديث رقم ١١).

(١) راجع: معجم البلدان: ٤: ٤١٩.

(٢) أي: في الشِعر فقط.

(٣) أي: قرُب انطفاؤها، راجع: مادة (قصر) من الصحاح.

١٧

وقال أبو زيد الأسلمي:

سقاها ذوو الأرحام سجْلاً على الظما

وقد كربتْ أعناقها أن تقطّعا (١)

وإذا فسّرنا (إل) كان معناه (الإله) عند الساميّين أيضاً، ودخول تفسير التسمية في الإمكان لا يعني أنّها التسمية الحقيقية لا غيرها؛ لأنّ اللّغة والتأريخ متعاونان دائماً فهي تؤيّده عند احتياجه إليها، وهو يؤيّدها عند احتياجها إليه، فهل ورد في التاريخ أنّ موضع كربلاء كان (حرم إله) قوم من الأقوام الذين سكنوا العراق؟(٢) ، أو مَقْدَسَ إلهٍ لهم؟ لا يُجيبنا التاريخ عن ذلك، ومن الأسماء المضافة إلى (إل) بابل وأربل وبابلي.

ومن العجيب أنّ لفظ (كرب) تطوّر معناه في اللغة العبريّة، قال بعض الأدباء الأمريكيين: (ممّا يصوّر لنا فكرة عن سوء أُسلوب الحياة أن نجد الكلمة العبرية (كَرَبَ Karab) - ومعناها يقترب - تعني في الوقت نفسه (يُقاتل ويحارب)، ومن هنا كانت كلمة (كِراب Kerab) بمعنى معركة(٣) .

لذلك يمكن القول بتطوّر الاسم (كربلاء) من الحقيقة إلى المجاز، وبذلك لا يجب الالتزام بأصل معناه بل يجوز، وممّا قدّمنا يُفهم أنّ (كربلا) مقصور في

____________________

(١) راجع: الكامل للمبرد: ١: ١٢٨ / طبعة الدلجموني الأزهري.

(٢) لعلّ اسم (كربلاء) بمعنى (حرم الإله)، كان قد أُطلق على هذا الوضع في إحدى اللغات القديمة (غير العربية) بواسطة أحد الأنبياء الماضينعليهم‌السلام ، من باب الإخبار بما سوف يقع على أرض هذا الموضع في مستقبل الأيام من قتل ابن بنت خاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ هذا الموضع سوف يكون من البقاع المقدّسة، لا أنّ سبب هذه التسمية بالضرورة هو أنّ قوماً من الأقوام كانوا قد اتخذوا هذا الموضع معبداً لهم، فتأمّل.

(٣) راجع: المؤرّخون والشِعر: ٤٦ / ترجمة توفيق إسكندر إلى العربية.

١٨

الأصل، وأنّ الهمزة أُدخلت عليها لضرورة الشعر...

وعلى حسبان (كربلا) من الأسماء الساميّة الآرامية أو البابلية، تكون القرية من القُرى القديمة الزمان كبابل وأربيل، وكيف لا وهي من ناحية نينوى الجنوبية..(١) ، ونينوى من الأسماء الآشورية...)(٢) .

وقال الشيخمحمّد باقر المدرّس في كتابه مدينة الحسينعليه‌السلام : (إنّ كربلاء تلخّصت من كلمتين في لغة الآراميين، وهما (كرب) بمعنى معبد أو الحرم، و(إيلا) بمعنى آلهة، فالمعنى: حرم الآلهة)(٣) .

ثمّ يقولالشيخ المدرّس : (لو أنّنا رجعنا إلى تاريخ هذه المدينة إلى عهد البابليين لوجدنا لها اسماً وأثراً؛ لأنّه بناءً على ما قاله المستشرق الفرنسي ماسينسيون - في كتابه (خطط الكوفة / ترجمة تقي المصعبي) - إنّ كربلاء كانت معبد الكلدانيين الذين كانوا يقطنون في مدينة نينوى والعقر البابلي، وكلاهما كان بقرب كور كربلاء)(٤) .

____________________

(١) ميزاً لها عن نينوى الشمالية، إحدى عواصم الدولة الآشورية السامية، ولا تزال أطلالها معروفة.

(٢) راجع: موسوعة العتبات المقدّسة: ٨ / قسم كربلاء / مقالة للدكتور مصطفى جواد بعنوان (كربلاء قديماً) ص٩ - ١٥.

(٣) و(٤) راجع: كتاب (شهر حسينعليه‌السلام ): ص١٠ / كما ذكر المؤلّف أيضاً: أنّ اسم كربلاء يرجع إلى عصر الملك شابور ذي الأكتاف من ملوك الفرس من الساسانيين الذي بويع سنة ٣١م في إيران، وأنّهم قسّموا العراق بعد فتحها إلى عشرة ألوية، وكلّ لواء إلى طسوج، وكلّ طسج إلى رساتيق، وكانت الأرض الواقعة بين عين التمر والفُرات تُعدُّ اللواء العاشر، وكانت كربلاء أحد طسوج هذا اللواء.

١٩

نبذة مختصرة من تاريخ كربلاء وجغرافيتها إلى سنة ستين للهجرة

(كربلاء) بلدة عُرفت بهذا الاسم قبل الإسلام بزمن بعيد، بل لعلّ الظاهر من بعض الروايات أنّ اسم كربلاء موغل في القِدم إلى زمن آدم أبي البشرعليه‌السلام (١) ، بل هي معروفة في السماء بـ(أرض كرب وبلاء) ، كما في رواية عن أمير المؤمنينعليه‌السلام (٢) .

(وعلى حسبان كربلا من الأسماء الساميّة الآراميّة أو البابليّة، تكون القرية من القُرى القديمة الزمان كبابل وأربيل، وكيف لا؟ وهي من ناحية نينوى الجنوبية.. ونينوى من الأسماء الآشورية..)(٣) .

ويوحي احتمال كون اسمها منحوتاً من كلمتَي: (كور بابل) أي مجموعة قُرى بابلية، أنّها كانت آنذاك أُمَّ القُرى لقرى عديدة، منها: نينوى، والعقر البابلي، والنواويس، والحَيْر، والعين: عين التمر، وغيرها من القرى العديدة التي كانت تقع بين البادية وشاطئ الفرات.

ولعلّ (كربلاء) كانت قد أُسّست منذ عهد البابليين والآشوريين، وورثها عنهم التنوخيون واللخميّون، أُمراء المناذرة وسكّان الحيرة تحت حماية الأكاسرة في إيران، الذين كانت سيطرتهم يومذاك قد امتدّت على مساحة واسعة جدّاً من آسيا.

كانت كربلاء عامرة ومتقدّمة من الناحية الزراعية آنذاك؛ لخصوبة أرضها وقُربها من الفرات، وملائمة مناخها لكثير من الزراعات، وكانت تُموّن المنطقة

____________________

(١) راجع: البحار: ٤٤: ٢٤٢ - ٢٤٣، باب ٣٠، حديث ٣٧.

(٢) فعنهعليه‌السلام قوله:(وإنّها لفي السماوات معروفة تُذكر أرض كرب وبلاء، كما تُذكر بقعة الحَرَمين، وبقعة بيت المقدس) (راجع: أمالي الصدوق: ٤٧٨ - ٤٨٠، المجلس ٨٧، رقم ٥).

(٣) موسوعة العتبات المقدّسة: ٨ / قسم كربلاء، ص٩ - ١٥.

٢٠

والقوافل السيّارة المارّة بها بالمنتوجات من حبوب وتمور وأثمار، وقد ازدهرت حتّى في العصر الكلداني، وكان يسكنها قومٌ من النصارى والدهاقين، وكانت تُسمّى آنذاك بـ (كور بابل)، وقد أُقيم على أرضها معبد تقام فيه الصلاة، وحولها معابد أخرى، وقد عُثر في قرى مجاورة لها على جثث أموات في أوانٍ خَزفية يعود تاريخها إلى ما قبل ميلاد المسيحعليه‌السلام .

وقد اشتهرت في عهد اللخميين الذين كانت الحِيرة عاصمتهم، وقد كانت (عين التمر) يومئذٍ من البلاد التي تُستورد منها أنواع التمور، وتُنيخ فيها القوافل السيارة مُناخ ركابها للاستراحة فيها، وقد اكتسبت كربلاء أهميتها التجارية يومذاك من موقعها المشرف آنذاك على الطُرق المؤدّية إلى الحِيرة والأنبار والشام والحجاز، كلّ ذلك كان قبل الفتح الإسلامي لتلك المنطقة ولأرض السواد من العراق.

ويرى الشيخ محمّد باقر المدرّس في كتابه(مدينة الحسين عليه‌السلام ) : أنّ الفرس في عصر المَلِك سابور ذي الأكتاف الذي بويع سنة ٣١٠م في إيران - وهو من الملوك الفرس الساسانيين - كانوا قد قسّموا أرض العراق بعد فتحها إلى عشرة ألوية، وكلّ لواء إلى طسوج، وكلّ طسج إلى رساتيق، وكانت الأرض الواقعة بين عين التمر والفرات تُعَدُّ اللواء العاشر، وكانت كربلاء أحد طسوج هذا اللواء(١) .

ولقد فُتحت كربلاء في جملة أراضي العراق التي فُتحت عُنوة على يد المسلمين في زمن أبي بكر (سنة ١٢ هـ. ق)، وكان الذي أخذها عُنوَة خالد بن عرفطة - وكان قد بعثه سعد بن أبي وقّاص مقدّمة له - ولقد اتخذها مقرّاً ومعسكراً لجُنده فترة من الزمن، وبعد أن استنفد منها غاياته الحربية تركها وانتقل إلى الكوفة،

____________________

(١) راجع: شهر حسينعليه‌السلام : ١٠.

٢١

لوَخامة المناخ والرطوبة في كربلاء.

ثمّ لم تزل كربلاء - بعد ازدهار الكوفة وتعاظم أهميتها - قرية من قراها الكثيرة المبثوثة حولها، لا يأتي على ذكرها ذاكرٌ إلاّ في مناسبة من نوادر المناسبات، كما في مرور أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام عليها في جيشه الزاحف نحو الشام، أو جرت على لسان متحدّث يروي خبراً من أخبار الملاحم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو أمير المؤمنينعليه‌السلام بصدد مقتل سيد الشهداء أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام وأرض مصرعه.

(وتقع كربلاء غرب نهر الفرات على حافة البادية، وسط المنطقة الرسوبية المعروفة بأرض السواد، وعلى شمالها الغربي مدينة الأنبار، وعلى شرقها مدينة بابل الأثرية، وفي الغرب منها الصحراء الغربية، وفي الجنوب الغربي منها مدينة الحيرة عاصمة المناذرة... وتقع كربلاء على حدود البادية، يقصدها البدو من بلاد الحجاز والشام للميرة والتموين، وإلى عهد قريب كان هذا شأنها، وهي على مسافة قريبة من العَين، وهي واحة وارفة الأشجار وفيرة المياه، وقد كانت مدينة العين من المدن المهمة في منطقة البادية...)(١) .

(وكان للحائر وهْدة فسيحة محدودة بسلسلة تلال ممدودة، وربوات متصلة في الجهات الشمالية والغربية والجنوبية منه، تُشكّل للناظرين نصف دائرة مدخلها الجهة الشرقية، حيث يتوجه منها الزائر إلى مثوى سيدنا العبّاس بن عليعليهما‌السلام )(٢) .

ويقول السيّد هبة الدين الشهرستاني: إنّ المُنقّبين وجدوا في أعماق البيوت

____________________

(١) راجع: تاريخ مرقد الحسين والعبّاسعليهما‌السلام : ١٨.

(٢) راجع: تاريخ مرقد الحسين والعبّاسعليهما‌السلام : ٢٨ عن نهضة الحسينعليه‌السلام : ٨٠.

٢٢

المحدِقة بقبر الحسينعليه‌السلام آثاراً تدلّ على ارتفاعها القديم في أراضي جهات الشمال والغرب، ولا يجدون في الجهة الشرقيّة سوى تربة رخوة واطئة، الأمر الذي يُرشدنا إلى وضعيّة هذه البقعة، وأنّها كانت في عصرها الأوّل واطئة من جهة الشرق، ورابية من جهتي الشمال والغرب على شكل هلالي، وفي هذه الدائرة الهلالية حوصر ابن الزهراء البتول الطاهرة(١) .

* الأسماء الأُخرى لكربلاء

هنالك أسماء أخرى تُطلق على أرض مصرع الإمام الحسينعليه‌السلام ، هي إمّا أسماء عامّة للمنطقة التي منها كربلاء، أو هي أسماء لقُرىً مجاورة لكربلاء، فأُطلقت أسماؤها على كربلاء أيضاً؛ ربّما من باب المجاز أو لعلاقة القرب والجوار، كإطلاق نينوى أو الغاضرية على كربلاء، أو هي أسماء كانت تُطلق على أرض كربلاء في غابر الزمان، فوردت أيضاً في لسان الروايات، كما في إطلاق عمورا على كربلاء، وأهمّ هذه الأسماء:

١) - الطفّ أو الطفوف:

من المواضع التي عرفها العرب قديماً قرب كربلاء (الطفّ)، قالياقوت الحموي : (وهو في اللغة ما أشرفَ من أرض العرب على رِيف العراق، قالالأصمعي : وإنّما سُمّي طفّاً؛ لأنّه دانٍ من الريف.. وقالأبو سعيد: سُمّي الطفّ؛ لأنّه

____________________

(١) راجع: نهضة الحسينعليه‌السلام : ٩٠ / وقال السيّد الشهرستاني (ره): (ويؤيّد هذا ما رواه ابن قولويه في كامل الزيارات، وشيخه الكليني في الكافي، والمجلسي في مزار البحار عن الصادقعليه‌السلام :(إنّ زائر الحسين عليه‌السلام يغتسل على نهر الفرات، ويدخل من الجانب الشرقي إلى القبر الشريف) .

٢٣

مشرف على العراق، مِنْ أطفَّ على الشيء بمعنى أطلّ، والطفّ: طفّ الفرات أي الشاطئ، والطفّ: أرض من ضاحية الكوفة في طريق البرّيّة فيها كان مقتل الحسين بن عليرضي‌الله‌عنه ، وهي أرض بادية قريبة من الريف فيها عدّة عيون ماء جارية، منها: الصيد، والقطقطانة، والرُّهَيمة، وعين جمل، وذواتها، وهي عيون كانت للموكّلين بالمسالح التي كانت وراء خندق سابور الذي حفره بينه وبين العرب وغيرهم.. فلمّا كان يوم ذي قار ونصرَ الله العرب بنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، غَلبت العرب على طائفة من تلك العيون وبقي بعضها في أيدي الأعاجم، ثمّ لمّا قدمَ المسلمون الحيرة وهربت الأعاجم بعدما طمّت عامّة ما كان في أيديها منها، وبقي ما في أيدي العرب.. ولمّا انقضى أمر القادسيّة والمدائن وقع ما جلا عنه الأعاجم من أرض تلك العيون إلى المسلمين...

قال أبو دهبل الجُمحي(١) يرثي الحسين بن عليّرضي‌الله‌عنه ، ومَن قُتل معه بالطفّ:

مـررتُ عـلى أبيات آل محمّدٍ

فـلم أرَهـا أمـثالها يـوم حُلَّتِ

فـلا يُـبعد اللهُ الـديارَ وأهـلها

وإنْ أصبحتْ منهم برغمي تخلَّتِ

ألا إنّ قتلى الطفّ من آل هاشمٍ

أذلّـتْ رقاب المسلمين فذلّتِ...

وقال أيضاً:

تـبيتُ سـكارى مـن أُميّة نُوَّماً

وبـالطفّ قـتلى مـا ينام حميمُها

ومـا أفـسدَ الإسـلام إلاّ عصابة

تـأمّـر نَـوْكاها فـدام نـعيمها

فـصارت قناة الدين في كفّ ظالمٍ

إذا اعوجّ منها جانبٌ لا يُقيمها(٢)

____________________

(١) وتُنسب هذه الأبيات وغيرها إلى سليمان بن قتّة (راجع: البحار: ٤٥: ٢٤٤).

(٢) راجع: معجم البلدان: ٤: ٣٥ - ٣٦.

٢٤

٢) - نينوى:

قال ياقوت الحموي: (.. وبسواد الكوفة ناحية يُقال لها نينوى، منها كربلاء التي قُتل بها الحسينرضي‌الله‌عنه ...)(١) .

وقال الأُستاذ الدكتورمصطفى جواد : (وزعم الأُستاذ فيردهوفر Ferd Hofer أنّ أسترابون Strabon الجغرافي اليوناني - المولود في أواسط القرن الأوّل قبل الميلاد - ذكر في كتابه(ما بين النهرين: آشورية وبابل وكلدية) ، ذكرَ نينوى ثانية غير نينوى الشمالية، فإن صحّ زعمه كانت نينوى الجنوبية هي المقصود ذِكرها.. وكانت على نهر العلقمي)(٢) .

وقالالطبري يصف رحلة الركب الحسيني من منزل قصر بني مقاتل إلى نينوى - ويعني بها كربلاء - : (فلمّا أصبح نزل فصلّى الغداة، ثمّ عجّل الركوب، فأخذ يتياسر بأصحابه يُريد أن يفرّقهم، فيأتيه الحُرّ بن يزيد فيردّهم فيردّه! فجعل إذا ردّهم إلى الكوفة ردّاً شديداً امتنعوا عليه فارتفعوا، فلم يزالوا يتسايرون حتّى انتهوا إلى نينوى المكان الذي نزل به الحسين)(٣) .

٣) - النواويس:

الناووس والقبر واحد(٤) ، والناووس: مقابر النصارى(٥) ، والنواويس كانت مقابر للنصارى الذين سكنوا (كربلاء) قبل الإسلام، وتقع هذه المقابر شمال غرب

____________________

(١) معجم البلدان: ٥: ٣٣٩.

(٢) موسوعة العتبات المقدّسة: ٨: ٣٢.

(٣) تاريخ الطبري: ٤: ٣٠٨.

(٤) معجم البلدان: ٥: ٢٥٤.

(٥) لسان العرب: ٦: ٢٤٥.

٢٥

(كربلاء) في الأيام الحاضرة(١) .

وقد ذكرها الإمام الحسينعليه‌السلام في خطبته بمكّة، حيث قال:(.. كأنّي بأوصالي تُقطّعها عُسلان الفلَوات بين النواويس وكربلاء..) (٢) .

٤) - الغاضرية:

قال ياقوت الحموي : (الغاضريّة.. منسوبة إلى غاضرة من بني أسد، وهي قرية من نواحي الكوفة قريبة من كربلاء)(٣) ؛ وهذا الوصف يدلّ على أنّ الغاضرية أُنشئت بعد انتقال قبيلة بني أسد إلى العراق في صدر الإسلام، فليست الغاضرية قديمة التاريخ جاهلية(٤) ، وهي في شمال كربلاء إلى شمالها الشرقي، وتبعد عنها أقلّ من نصف كيلومتر(٥) .

وكان الإمام الحسينعليه‌السلام بعد نزوله كربلاء في أوائل العشرة الأولى من المحرّم سنة ٦١ هـ، قد اشترى من أهل الغاضريّة ونينوى مساحة كبيرة من الأراضي الواقعة أطراف مرقده المقدّس، كانت تبلغ مساحتها من حيث المجموع أربعة أميال في أربعة أميال، بستّين ألف درهم، ثمّ تصدّق عليهم بتلك الأراضي الواسعة بشرط أن يقوم أهلها بإرشاد الزائرين إلى قبره الشريف، وأن يقوموا بضيافتهم ثلاثة أيّام، غير أنّهم لم يفوا بهذا الشرط، فسقط حقّهم فيها، وبقيت تلك الأراضي المُشتراة منهم ملكاً للإمامعليه‌السلام ولوِلده من بعده، كما كان الحال قبل التصدّق عليهم

____________________

(١) راجع: تاريخ مرقد الحسين والعباسعليهما‌السلام : ٢٣ - ٢٤.

(٢) اللهوف: ٢٦.

(٣) معجم البلدان: ٤: ١٨٣.

(٤) موسوعة العتبات المقدّسة: ٨: ٣٤.

(٥) مدينة الحسينعليه‌السلام / محمد حسين الكليدار: ١٤.

٢٦

بذلك الشرط(١) .

وقد ورد ذكر الغاضرية في أدب الطفّ كثيراً، من ذلك هذه الأبيات:

يا كوكب العرش الذي من نوره

الكرسيّ والسبعُ العُلى تتشعشعُ

كيف اتخذت الغاضريّة مضجعاً

والعرش ودَّ بأنّه لك مضجعُ

٥) - عمورا:

روى قطب الدين الراونديرحمه‌الله بسند عن جابر، عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال:(قال الحسين بن عليّ عليهما‌السلام لأصحابه قبل أن يُقتل:

(إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: يا بُنيَّ، إنّك ستُساق إلى العراق، وهي أرض قد التقى بها النبيّون وأوصياء النبيّين، وهي أرض تُدعى (عمورا)، وإنّك تُستشهد بها، ويستشهد معك جماعة من أصحابك، لا يجدون أَلَم مسَّ الحديد، وتلا: ( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) ، تكون الحرب عليك وعليهم برداً وسلاماً، فأبشروا...) إلى آخر تفاصيل الرواية الشريفة(٢) .

٦) - أرض بابل:

روى ابن عساكر أنّ عمرة بنت عبد الرحمان كتبت إلى الإمامعليه‌السلام ، تُعظّم عليه ما يريد أن يصنع من إجابة أهل الكوفة، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة! وتخبره أنّه إنّما يُساق إلى مصرعه، وتقول: أشهد لَحَدّثتني عائشة أنّها سَمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:(يُقتل حسينٌ بأرض بابل...) (٣) .

____________________

(١) راجع: تاريخ مرقد الحسين والعبّاسعليهما‌السلام : ٢٦ عن جغرافية كربلاء القديمة وبقاعها للدكتور عبد الجواد الكليدار (مخطوط): ١٢.

(٢) الخرايج والجرايح: ٢:٨٤٨، رقم ٦٣.

(٣) تاريخ ابن عساكر / ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام / المحمودي: ٢٩٥، رقم ٢٥٦.

٢٧

٨) - شطّ الفرات:

أخرجَ ابن أبي شيبة بسند، عن عبد الله بن يحيى الحضرمي، عن أبيه، أنّه سافر مع عليّعليه‌السلام - وكان صاحب مطهرته - حتّى حاذى (نينوى) وهو منطلِق إلى (صِفّين)، فنادى:(صبراً أبا عبد الله! صبراً أبا عبد الله!

فقلت: ماذا أبا عبد الله؟!

فقال:دخلتُ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعيناه تفيضان، قلت: يا رسول الله ما لعينيك تفيضان، أغضَبكَ أحدٌ؟!

قال: قام من عندي جبرئيل فأخبرني أنّ الحسين عليه‌السلام يُقتل بـ (شط الفرات)، فلم أملك عَينيَّ أن فاضتا) (١) .

٩) - أرض العراق:

أخرج أبو نعيم الأصبهاني في دلائل النبوّة بسنده، عن سحيم، عن أنس بن الحارث (رض) قال: سمعت رسول الله يقول:(إنّ ابني هذا يُقتل بأرض العراق، فمَن أدركهُ فلينصره) (٢) .

١٠) - ظَهر الكوفة

أخرج ابن قولويه (ره) بإسناده، عن سعيد بن عمر الجلاّب، عن الحارث الأعور (ره) قال: قال عليٌّعليه‌السلام :(بأبي وأمّي الحسين المقتول بظَهر الكوفة، والله كأنّي

____________________

(١) المصنّف لابن أبي شيبة: ١٥: ٩٨، رقم ١٩٢١٤. وانظر: مسند أحمد: ١: ٥٨، ومقتل الحسينعليه‌السلام ، للخوارزمي ١: ١٧ عن ابن مبارك مسنداً عنهعليه‌السلام ، وفيه:(إنّ الحسين يُقتل بالفرات..) .

(٢) دلائل النبوّة لأبي نعيم الأصبهاني: ٢: ٥٥٤، حديث رقم ٤٩٣. وكذلك انظر تاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ، المحمودي: ٣٤٧، حديث رقم ٢٨٣.

٢٨

أنظر إلى الوحوش مادّة أعناقها على قبره من أنواع الوحوش يبكونه ويرْثونه ليلاً حتّى الصباح! فإذا كان ذلك فإيّاكم والجفاء!) (١) .

١١) - الحائر والحَيْر

قال ياقوت الحموي: (الحاير: بعد الألف ياء مكسورة وراء، وهو في الأصل حوض يصبّ إليه مسيل الماء من الأمطار، سُمّي بذلك؛ لأنّ الماء يتحيّر فيه يرجع من أقصاه إلى أدناه.. وأكثر الناس يُسمّون الحائر: الحَيْر، والحائر، قبر الحسين بن عليّرضي‌الله‌عنه .. قال أبو القاسم: هو الحائر إلاّ أنّه لا جمع له؛ لأنّه اسم لموضع قبر الحسين بن عليّرضي‌الله‌عنه ، فأمّا الحِيران فجمع حائر، وهو مستنقع ماءٍ يتحير فيه فيجيء ويذهب.. يقولون الحَيْر بلا إضافة إذا عنَوا كربلاء..)(٢) .

وقال ابن منظور: (.. وحار الماء فهو حائر، وتحيّر: تردّد، وتحيّر الماء، اجتمع ودار، والحائر: مجتمع الماء... والحائر: كربلاء، سُمّيت بأحد هذه الأشياء..)(٣) .

وقد حار الماء عن قبر الإمام الحسينعليه‌السلام لمّا أجراه (الديزج)، الذي بعثه المتوكل؛ ليطمس آثار معالم القبر المقدّس ويعفي أثره سنة ٢٣٦ هـ(٤) .

وقال الدكتور مصطفى جواد: (وقد ذكرنا أنّ الحائر اسم عربيّ، وأنّ العرب سكنوا هذه البلاد منذ عصور الجاهلية، فلابدّ من أن يكون معروفاً قبل استشهاد الحسينعليه‌السلام ؛ لأنّ هذه التسمية هي والحَيْر والحيرة من أصل واحد..)(٥) .

____________________

(١) كامل الزيارات: ٨٢، باب ٢٦، حديث رقم ٢ و ٣٠٥، باب ٩٧، حديث رقم ٣.

(٢) معجم البلدان: ٢: ٢٠٨.

(٣) لسان العرب: ٤: ٢٢٣.

(٤) راجع: تاريخ كربلاء، د. عبد الجواد الكليدار: ٦٠، الطبعة الثانية، وعنه تاريخ مرقد الحسين والعبّاسعليهما‌السلام : ٢٧.

(٥) موسوعة العتبات المقدّسة: ٨: ٢٣.

٢٩

لكنّ الدكتور عبد الجواد الكليدار زعم أنّه: (لم يرد في التاريخ أو الحديث ذكر لكربلاء باسم الحائر أو الحَيْر قبل وقعة الطفّ، أو أثناء هذه الوقعة، أو بعدها بزمن يسير؛ إذ إنّ الأحاديث النبوية المنبِئة بقتل الحسينعليه‌السلام بأرض العراق، تضمّنت كُلَّ الأسماء عدا اسم الحائر...)(١) .

غير أنّ الطبري في تاريخه عن القاسم بن يحيى قال: (بعث الرشيد إلى ابن أبي داود والذين يخدمون قبر الحسين بن عليّ في الحَيْر، قال: فأُتي بهم، فنظر إليه الحسن بن راشد وقال: مالكَ؟! قال: بعث إليَّ هذا الرجل (يعني الرشيد) فأحضَرَني ولست آمنُه على نفسي، قال له: فإذا دخلتَ عليه فسألك فقل له الحسن بن راشد وضَعني في ذلك الموضع، فلمّا دخل عليه قال هذا القول، قال: ما أخلق أن يكون هذا من تخليط الحسن، أحضِروه، قال: فلمّا حضر قال: ما حملك على أن صيّرتَ هذا الرجل في الحَيْر؟! قال: رحم الله مَن صيّره في الحَير! أمَرَتني أمّ موسى أن أصيّره فيه، وأن أُجري عليه في كلّ شهر ثلاثين درهماً، فقال: ردّوه إلى الحَيْر، وأجرَوا عليه ما أجْرته أمّ موسى، وأمّ موسى هي أمّ المهدي..)(٢) .

____________________

(١) تاريخ كربلاء، عبد الجواد الكليدار: ٦٥.

(٢) تاريخ الطبري: ٦: ٥٣٦ - ٥٣٧، (ونجد أنّ الرشيد وإن كان قد تغاضى عنهم وأقرَّ بالظاهر ما كانت قد أقرّته أمّ المهديّ من قبل، ولكنّه كان قد عزم في تلك اللحظة على أمرٍ أهول وأخطر من ذلك، كما أثبتته الحوادث فيما بعد، فدعاه فرْطُ بُغضه لآل الرسول إلى هدم كربلاء من الأساس، فأمر توّاً في نفس السنة ١٩٣هـ وهي السنة الأخيرة من حياته بهدم الحائر والقبّة المطهّرة، والدور المجاورة، واقتلاع السدرة، وحرث الأرض؛ ليمحي بذلك كلّ أثر للقبر الشريف، كما روى ذلك غير واحد من الرواة والمؤرّخين.

ورواه الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي في (أماليه) بسنده عن يحيى بن المغيرة الرازي: كنت عند جرير بن عبد الحميد إذ جاءه رجل من أهل العراق، فسأله جرير عن خبر الناس، فقال: تركت الرشيد وقد كربَ قبر الحسينعليه‌السلام ، وأمرَ أن تُقطع السِدرة =

٣٠

ولعلّ أوائل ما ورد اسم (الحائر) في النصوص الدينية، ما جاء في بعض الروايات عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، التي علّم بعض الأصحاب فيها بعض طُرق زيارة سيّد الشهداءعليه‌السلام ، كما في رواية يوسف بن الكناسيّ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال:(إذا أتيتَ قبر الحسين فائتِ الفرات واغتسل بحيال قبره وتوجّه إليه، وعليك السكينة والوقار حتى تدخل الحائر من جانبه الشرقيَّ، وقل حين تدخله...) (١) .

وكان في رواية عن الحسن بن عطيّة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال:(إذا دخلتَ الحائر فقل...) (٢) ، وغيرها أيضاً ممّا روي عن الصادقعليه‌السلام (٣) .

وكان المراد بالحائر في تلك الأيام: ما حواه سُور المشهد الحسيني على مشرِّفه السلام(٤) ، وهذا القول تؤيّده اللغة والقرائن والروايات معاً؛ لأنّ الحائر لغةً هو فناء الدار، أو ما يحيط بها من كل جانب)، (وقالوا: لهذه الدار حائر واسع..)(٥) .

ثمّ توسّع الاستعمال حتّى صار المراد بالحائر كربلاء نفسها.

ويمكن أن يُقال: إنّ كربلاء كانت من مساكن العرب منذ الجاهلية، وكانت تُسمّى (الحَيْر) بلا إضافة - كما ذكر ياقوت الحموي - لكنّ هذا الاسم ضعُف

____________________

= فقُطعت، فرفع جرير يده وقال: الله أكبر، جاءنا في حديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال:(لعن الله قاطع السِدرة، ثلاثاً) فلم نقف على معناه حتى الآن؛ لأنّ القصد بقطعها تغيير مصرع الحسين؛ حتى لا يقف الناس على قبره!). (راجع: تاريخ كربلاء: ٣٤).

(١) كامل الزيارات: ٢٢١، حديث رقم ٣.

(٢) كامل الزيارات: ٢١٣، باب ٧٩، رقم ١.

(٣) نفس المصدر: ٢١٧، باب ٧٩، رقم ٢.

(٤) راجع: مجمع البحرين: ٥: ٢٨٠.

(٥) لسان العرب: ٤: ٢٢٣.

٣١

استعماله وندر إطلاقه بعدما غلب اسم (الحائر) على كربلاء مكانه، خصوصاً بعدما أُحيط به اسم (الحائر) من حرمة وتقديس، وأُنيط به من أعمال وأحكام في الرواية والفقه(١) .

فضلُ كربلاء وقداسة تُربتها

أُعطيت أرض كربلاء - حسب النصوص الواردة - من الشرف ما لا تُعطى أيّ بقعة من بقاع الأرض حتّى مكّة المعظّمة منذ أن خلق الله الأرض.

ففي حديث - على سبيل المثال لا الحصر - عن الإمام السجادعليه‌السلام أنّه قال:(اتخذَ الله أرض كربلاء حَرماً آمناً مباركاً قبل أن يخلُق أرض الكعبة ويتخذها حَرماً بأربعة وعشرين ألف عام، وإنّه إذا زلزلَ الله تبارك وتعالى الأرض وسيّرها، رُفعت كما هي بتُربتها نورانيّة صافية فجُعلت في أفضل روضة من رياض الجنّة، وأفضل مسكن في الجنّة، لا يسكنها إلاّ النبيّون والمرسلون - أو قال:أولوا العزم من الرسُل - وإنّها لتزهر بين رياض الجنة كما يزهر الكوكب لأهل الأرض، يُغشي نورها أبصار أهل الجنّة وهي تنادي: (أنا أرض الله المقدّسة، الطيبة، المباركة، التي تضمّنت سيّد الشهداء وسيّد شباب أهل الجنّة)) (٢) .

وهي التي في تربتها الشفاء كما قال الصادقعليه‌السلام :(في طين قبر الحسين عليه‌السلام الشفاء من كلّ داء، وهو الدواء الأكبر) (٣) .

____________________

(١) وللتوسّع في مزيد من المعرفة حول هذا الاسم (الحائر)، يمكن للقارئ الكريم أن يقرأ تفصيلاً أكثر ومناقشات أوسع في كتاب (تاريخ كربلاء) للدكتور عبد الجواد الكليدار.

(٢) المزار للشيخ المفيد: ٣٤، وكامل الزيارات: ١٨٠، باب ٨٨، رقم ٤.

(٣) المزار للشيخ المفيد: ١٢٥، وكامل الزيارات: ٢٨٩، باب ٩١، رقم ٤.

٣٢

والأحاديث في فضلها لم تنحصر فيما روى الشيعة عن أئمّة الهدىعليهم‌السلام ، بل هي متوفرة أيضاً في كتب بقية الفِرق الإسلامية، فقد روى السيوطي ما يناهز على عشرين حديثاً عن أكابر ثقات أبناء العامة: كالحاكم، والبيهقي، وأبي نعيم وأمثالهم(١) .

وناهيك عن أنَّ قداسة بعض البقاع أو التُرَب لم تكن منحصرة فيما رواه العلماء سَلفاً عن سلف عند الفريقين، بل إنّ السيرة العملية المستمرة بين المسلمين منذ الصدر الأوّل وحتى في زمن النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، تحكي أنّهم كانوا يقدّسون بعض البقاع والتُرَب ويتبركون ويستشفون بترابها.

قال البرزنجي: (ويجب على مَن أخرج شيئاً من المدينة ردّه إلى محلّه، ولا يزول عصيانه إلاّ بذلك، نعم، استُثني من ذلك ما دعت الحاجة إليه من تراب الحرم للتداوي به منه: كتراب مصرع حمزة سيد الشهداء، وتربة صهيب؛ لإطباق السلف والخلف على ذلك)(٢) .

وهكذا استمرت هذه السيرة بعد زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً، فقد قالالعلاّمة السمهمودي في كتاب (وفاء الوفاء): (لمّا توفّي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله صاروا يأخذون من تربته الشريفة، فأمَرَت عائشة بجدار فضُرب عليهم، وكانت في الجدار كوّة فكانوا يأخذون منها، فأمَرت بالكوّة فسُدَّت)(٣) .

ولم يقتصروا على الاستشفاء بالتراب، بل كانوا يقدّسون مواضع أقدام بعض أولياء الله وغير ذلك، وإذا كان كذلك فكيف لا تُقدّس تربة ابن الرسول الأعظم

____________________

(١) راجع: الأرض والتربة الحسينية: ٣٣ - ٣٤، محمد حسين كاشف الغطاء، مؤسسة أهل البيت، بيروت.

(٢) نزهة الناظرين للبرزنجي: ص١١٦.

(٣) وفاء الوفاء: ١: ٣٨٥.

٣٣

وريحانته وفلذة كبده وبضْعته، وهي أطيب تربة وأزكاها؟!.

وعن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال:(إنّ فاطمة عليها‌السلام بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كانت سِبحتها من خيط صوف مفتّل معقود عليه عدد التكبيرات، وكانت تديرها بيدها تكبّر وتسبّح حتى قُتل حمزة بن عبد المطلب، فاستعمَلَت تربته، وعملت التسابيح، فاستعملها الناس، فلمّا قُتل الحسين صلوات الله عليه عُدل بالأمر إليه، فاستعملوا تربته؛ لِما فيها من الفضل والمزيّة) (١) .

وقال العلاّمة كاشف الغطاء: (... حمزة دُفن في أُحُد، وكان يسمّى سيّد الشهداء ويسجدون على تراب قبره... ولمّا قُتل الحسينعليه‌السلام صار هو سيد الشهداء، وصاروا يسجدون على تربته)(٢) .

واستمرت سيرة شيعة أئمة أهل البيت خصوصاً إلى زمن الصادقعليه‌السلام ، حيث كانوا يحملون معهم (حمزة)، وهي كانت عبارة عن مقدار من التراب في صرّة أعدّوها للسجود عليها، وقد تطوّرت إلى قطعة من تراب قبر الحسينعليه‌السلام بصورة ألواح تسهيلاً للمصلين - ولمّا كان تعفير الجبين والسجود على الأرض فريضة؛ لكونه أبلغ في التواضع، فلماذا لا يكون السجود على أتقى وأزكى وأجود وأطيب وأقدس تربة في الأرض - وهي تربة الحسينعليه‌السلام ، التي نطقت الأحاديث بفضلها(٣) .

وأئمة الهدىعليهم‌السلام هم الذين أسّسوا ذلك، فنرى أوّل مَن صلّى على تربة الحسينعليه‌السلام واتخذها مسجداً:الإمام زين العابدين عليه‌السلام ، إذ بعد أن دفن جثمان أبيهعليه‌السلام أخذ قبضة من التربة التي وضع عليها الجسد الشريف، وعمل منها سجّادة

____________________

(١) البحار، ١٠١: ١٣٣.

(٢) الأرض والتربة الحسينية: ص٤٩.

(٣) الأرض والتربة الحسينية: ٥٠ - ٥٣.

٣٤

وسبحة، وكانعليه‌السلام يديرها حين دخوله على يزيد لعنه الله، وبعدما رجع من الشام، وصار يتبرك بتلك التربة ويسجد عليها ويعالج بعض مرضى عائلته بها، فشاع عند العلويين وأتباعهم وأشياعهم(١) .

ومن بعد الإمام زين العابدينعليه‌السلام تبعه في ذلك ابنه الإمام الباقرعليه‌السلام ، ومن بعده الإمام الصادقعليه‌السلام وهكذا.

ولعلّ من أسرار السجود على تربة الحسينعليه‌السلام : أنَّ السجود على تربة الحسينعليه‌السلام يجعل المصلّي على ذكرٍ دائم؛ لِما جرى من المصائب والفجائع العظيمة على الإمام الحسينعليه‌السلام ، الذي حفظَ بقيامه ضدّ الحكم الأمويّ الطاغوتي وبشهادته، الإسلام المحمديّ الخالص، والصلاة المحمّدية، من عبث، وتحريفات الفئة الباغية، والشجرة الخبيثة الملعونة في القرآن(أشهدُ أنّك قد أقمتَ الصلاة..) ، فلولا قيام الحسينعليه‌السلام ؛ لمَا بقيت الصلاة، ولا كانت الزكاة، ولأُفرغ من معناه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل لمَا بقي الإسلام، وصحَّ تماماً ذلك القول الرائع:(الإسلام محمّدي الوجود، حسينيّ البقاء) .

والذي ينبغي أن نشير إليه: أنَّ تقديس تربةٍ ما لا ينحصر بالاستشفاء بها، بل حتّى بالسجود لله عليها، فهي بما أنّها أرض طاهرة زاكية، ويجب السجود على الأرض، كان الأَولى والأفضل السجود على تراب أقدس وأزكى وأطهر بقعة منها.

وما افترَوه على الشيعة في قضية السجود على التربة الطاهرة الحسينية: بأنَّ السجود على تربة الحسينعليه‌السلام ضربٌ من عبادة الأصنام والأوثان التي حاربها الإسلام، فهي مردودة؛ للفرْق بين السجود للشيء والسجود على الشيء، فالشيعة تسجد لله على تربة الحسين لا لتربة الحسينعليه‌السلام .

____________________

(١) المصدر السابق.

٣٥

كربلاء في تاريخ بعض أنبياء اللهعليهم‌السلام

١) - عن سعد بن عبد الله القمّي (ره) في جملة الأسئلة التي سأل الإمام القائمعليه‌السلام عنها، قلت: فأخبِرني يا بن رسول الله عن تأويل (كهيعص)؟

قال:(هذه الحروف من أنباء الغيب أطلعَ الله عليها عبده زكريّا، ثمّ قصّها على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك أنّ زكريّا سأل ربّه أن يعلّمه أسماء الخمسة، فأهبط عليه جبرئيل فعلّمه إيّاها، فكان زكريّا إذا ذكر محمّداً وعليّاً وفاطمة والحسن سُرِّيَ عنه همّه، وانجلى كرْبه، وإذا ذُكر اسم الحسين خنقتهُ العَبرة، ووقعت عليه البُهرة، فقال ذات يوم: إلهي، ما بالي إذا ذكرت أربعة منهم تسلّيت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرتُ الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي؟ فأنبأهُ الله تبارك وتعالى عن قصّته وقال: (كهيعص)، (فالكاف): اسم كربلاء، و(الهاء): هلاك العترة الطاهرة، و(الياء): يزيد وهو ظالم الحسين، و(العين): عطشه، و(الصاد): صبره.. إلى آخر الخبر)(١) .

٢) -قال العلاّمة المجلسي (ره): (وروي مرسَلاًأنّ آدم لمّا هبط إلى الأرض لم يَرَ حوّاء، فصار يطوف الأرض في طلبها، فمرَّ بكربلاء فاغتمَّ وضاق صدره من غير سبب، وعثر في الموضع الذي قُتل فيه الحسين حتّى سال الدمّ من رجله، فرفعَ رأسه إلى السماء وقال: (إلهي هل حدث منّي ذنبٌ آخر فعاقبتني به؟ فإنّي طفتُ جميع الأرض، وما أصابني سوء مثل ما أصابني في هذه الأرض؟

فأوحى الله إليه: يا آدم، ما حدثَ منك ذنب، ولكن يُقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلُماً، فسال دمُك موافقة لدمِه.

فقال آدم :يا ربّ، أيكون الحسين نبيّاً؟

قال :لا، ولكنّه سبط النبيّ محمّد.

____________________

(١) كمال الدين وتمام النعمة: ٢: ٤٦١، رقم ٢١، وانظر: دلائل الإمامة: ٥١٣ رقم ٤٩٢ / ٩٦.

٣٦

فقال: ومَن القاتل له؟

قال: قاتله يزيد لعين أهل السماوات والأرض.

فقال آدم: فأيّ شيء أصنع يا جبرئيل؟

فقال: العَنه يا آدم).

فلَعنهُ أربع مرّات، ومشى خطوات إلى جبل عرفات فوجد حوّاء هناك) (١) .

٣) -وقال العلاّمة المجلسي (ره): (ورويأنّ نوحاً لمّا ركب السفينة طافت به جميع الدنيا، فلمّا مرّت بكربلا أخذته الأرض، وخاف نوح الغرق فدعا ربّه وقال: (إلهي، طفتُ جميع الدنيا وما أصابني فزع مثل ما أصابني في هذه الأرض؟

فنزل جبرئيل وقال: يا نوح، في هذا الموضع يُقتل الحسين سبط محمّد خاتم الأنبياء، وابن خاتم الأوصياء.

فقال: ومَن القاتل له يا جبرئيل؟

قال: قاتلهُ لعين أهل سبع سموات وسبع أرضين.

فلعنه نوح أربع مرّات، فسارت السفينة حتّى بلغت الجوديّ واستقرّت عليه) (٢) .

٤) - وقال (ره) أيضاً: (ورويأنّ إبراهيم عليه‌السلام مرَّ في أرض كربلاء وهو راكب فرساً، فعثرَت به وسقط إبراهيم وشُجَّ رأسه وسال دمه، فأخذ في الاستغفار وقال: (إلهي، أيّ شيء حدث منّي؟

فنزل إليه جبرئيل وقال: يا إبراهيم، ما حدثَ منك ذنب، ولكن هنا يُقتل سبط خاتم الأنبياء، وابن خاتم الأوصياء، فسال دمك موافقة لدمه.

____________________

(١) بحار الأنوار: ٤٤: ٢٤٢ - ٢٤٣، باب ٣٠، حديث ٣٧.

(٢) بحار الأنوار: ٤٤: ٢٤٣، باب ٣٠، حديث رقم ٣٨.

٣٧

قال: يا جبرئيل، ومَن يكون قاتله؟

قال: لعين أهل السموات والأرضين، والقلم جرى على اللوح بلعْنِه بغير إذن ربّه، فأوحى الله تعالى إلى القلم: إنّك استحققتَ الثناء بهذا اللعن.

فرفع إبراهيمعليه‌السلام يديه ولعن يزيد لعناً كثيراً، وأمّن فرَسه بلسان فصيح! فقال إبراهيم لفَرَسِه: أيّ شيء عرفتَ حتى تؤمّن على دعائي؟

فقال: يا إبراهيم، أنا أفتخر بركوبك عليَّ، فلمّا عثرتُ وسقطتَ عن ظهري عظُمت خجلتي؛ وكان سبب ذلك من يزيد لعنه الله تعالى) (١) .

٥) - وقال (ره) أيضاً: (ورويأنّ إسماعيل كانت أغنامه ترعى بشطّ الفرات، فأخبره الراعي أنّها لا تشرب الماء من هذه المشرعة منذ كذا يوماً! فسأل ربّه عن سبب ذلك، فنزل جبرئيل وقال: (يا إسماعيل، سلْ غنمك فإنّها تجيبك عن سبب ذلك؟

قال لها: لِمَ لا تشربين من هذا الماء؟!

فقالت بلسان فصيح: قد بلغنا أنّ وَلدك الحسينعليه‌السلام سبط محمّد يُقتل هنا عطشاناً؛ فنحن لا نشرب من هذه المشرعة حُزناً عليه!

فسألها عن قاتله؟ فقالت: يقتله لعين السموات والأرضين والخلائق أجمعين، فقال إسماعيل: اللّهم العن قاتل الحسين عليه‌السلام ) (٢) .

٦) - وقال (ره) أيضاً:( ورويأنّ موسى كان ذات يوم سائراً ومعه يوشع بن نون، فلمّا جاء إلى أرض كربلاء انخرق نعله، وانقطع شراكه، ودخل الحسك في رجليه، وسال دمه، فقال: إلهي، أيّ شيء حدث منّي؟

____________________

(١) بحار الأنوار: ٤٤: ٢٤٣، باب ٣٠، حديث رقم ٣٩.

(٢) بحار الأنوار: ٤٤: ٢٤٣ - ٢٤٤، باب ٣٠، حديث رقم ٤٠.

٣٨

فأُوحي إليه أنّ: هنا يُقتل الحسينعليه‌السلام ، وهنا يُسفك دمه، فسالَ دمك موافقة لدمه.

فقال: ربِّ، ومَن يكون الحسين؟

فقيل له: هو سبط محمّد المصطفى وابن عليٍّ المرتضى.

فقال: ومَن يكون قاتله؟

فقيل: هو لَعين السمك في البحار، والوحوش في القفار، والطير في الهواء .

فرفع موسى يديه ولعنَ يزيد ودعا عليه، وأمّن يوشع بن نون على دعائه، ومضى لشأنه) (١) .

٧) - وقال (ره) أيضاً: (ورويأنّ سليمان كان يجلس على بساطه ويسير في الهواء، فمرَّ ذات يوم وهو سائر في أرض كربلا، فأدارت الريح بساطه ثلاث دورات حتّى خاف السقوط، فسكَنَت الريح، ونزل البساط في أرض كربلا.

فقال سليمان للريح: لِمَ سكنتِ؟

فقالت: إنّ هاهنا يُقتل الحسينعليه‌السلام .

فقال: ومَن يكون الحسين؟

فقالت: هو سبط محمّد المختار، وابن عليّ الكرّار.

فقال: ومَن قاتله؟

قالت: لعين أهل السموات والأرض يزيد.

فرفع سليمان يديه ولعنه ودعا عليه، وأمّن على دعائه الإنس والجنّ، فهبّت الريح وسار البساط) (٢) .

٨) - وقال (ره) أيضاً: (ورويأنّ عيسى كان سائحاً في البراري ومعه الحواريّون، فمرّوا بكربلا فرأوا أسداً كاسراً قد أخذَ الطريق، فتقدّم عيسى إلى

____________________

(١) و (٢) بحار الأنوار: ٤٤: ٢٤٤، باب ٣٠، حديث رقم ٤١ و ٤٢.

٣٩

الأسد فقال له: (لِمَ جلست في هذا الطريق، لا تدعنا نمرّ فيه ؟

فقال الأسد بلسان فصيح: إنّي لن أدع لكم الطريق حتّى تلعنوا يزيد قاتل الحسينعليه‌السلام !

فقال عيسىعليه‌السلام : ومَن يكون الحسين؟

قال: هو سبط محمّد النبيّ الأُميّ، وابن عليّ الوليّ.

قال: ومَن قاتله؟)

قال: قاتله لعين الوحوش والذّباب والسِباع أجمع، خصوصاً أيّام عاشورا.

فرفع عيسى يديه ولعنَ يزيد ودعا عليه، وأمّن الحواريّون على دعائه، فتنحّى الأسد عن طريقهم، ومضوا لشأنهم) (١) .

٩) - وروى الشيخ الصدوق (ره) في أماليه وفي كمال الدين بإسنادين مختلفين إلى ابن عبّاس، عن أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام في حديث طويل (جرى أثناء مرورهعليه‌السلام بكربلاء حين خروجه إلى صِفّين)، قال ابن عبّاس: (... ثمّ قال:يا بن عبّاس، اطلب لي حولها بعْر الظِباء، فو الله ما كذَبتُ ولا كُذّبت، وهي مصفرّة لونها لون الزعفران، قال ابن عبّاس: فطلبتُها فوجدتها مجتمعة، فناديته: يا أمير المؤمنين، قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي، فقال عليٌّعليه‌السلام :صدقَ الله ورسوله ، ثمّ قامعليه‌السلام يهرول إليها، فحملها وشمّها، وقال:هي هي بعينها، أتعلم يا بن عبّاس ما هذه الأبعار؟ هذه قد شمّها عيسى بن مريم عليه‌السلام ، وذلك أنَّه مرَّ بها ومعه الحواريّون، فرأى هاهنا الظباء مجتمعة وهي تبكي، فجلس عيسى عليه‌السلام وجلس الحواريون معه، فبكى وبكى الحواريون وهم لا يدرون لِمَ جلس ولِمَ بكى، فقالوا: يا روح الله وكلمته، ما يبكيك؟ قال: أتعلمون أيّ أرض هذه؟ قالوا: لا، قال: هذه أرض يُقتل فيها فرْخ الرسول أحمد، وفرْخ الحرّة الطاهرة

____________________

(١) بحار الأنوار: ٤٤: ٢٤٤، باب ٣٠، حديث رقم ٤٣.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477