مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء ٤

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة12%

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 477

الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 260798 / تحميل: 8934
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء ٤

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

المرتشي في الحكم

و من كلام له: أيتها النفوس المختلفة و القلوب المتشتّتة، الشاهدة أبدانهم و الغائبة عنهم عقولهم أظأركم على الحق(١) و أنتم تنفرون عنه نفور المعزى من وعوعة الأسد هيهات أن أطلع بكم سرار العدل(٢) أو أقيم اعوجاج الحق.

اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان و لا التماس شي‏ء من فضول الحطام، و لكن لنرد المعالم من دينك و نظهر الإصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك.

و قد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي البخيل فتكون في أموالهم نهمته، و لا الجاهل فيضلّهم بجهله، و لا الجافي فيقطعهم بجفائه، و لا الحائف للدول(٣) فيتّخذ قوما دون قوم، و لا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق.

____________________

(١) أظأركم: أعطفكم.

(٢) سرار، في الأصل: آخر ليلة من الشهر، و المراد هنا: الظلمة. أي: أن اطلع بكم شارفا يكشف عمّا عرض على العدل من الظلمة.

(٣) الحائف: الجائر الظالم. و الدول، جمع دولة بالضم و هي المال. و قد سمي المال «دولة» لأنه يتداول، أي ينتقل من يد ليد.

١٦١

مع المظلوم

من كلام له: إني أريدكم للّه و أنتم تريدوني لأنفسكم أيها الناس، أعينوني على أنفسكم، و ايم اللّه لأنصفنّ المظلوم من ظالمه، و لأقودنّ الظالم بخزامته(١) حتى أورده منهل الحق و إن كان كارها

المال للنّاس

من كلام رائع كلّم به عبد اللّه بن زمعة، و هو من أنصاره، و ذلك انه قدم عليه في خلافته يطلب منه مالا. فقال: إن هذا المال ليس لي و لا لك و جناة أيديهم(٢) لا تكون لغير أفواههم

____________________

(١) الخزامة: حلقة من شعر تجعل في وترة أنف البعير ليشدّ فيها الزمام و يسهل قياده.

(٢) أي: جناة أيدي العامة.

١٦٢

امانة

من كتاب له الى الأشعث بن قيس عامله على اذربيجان: و إنّ عملك ليس لك بطعمة(١) و لكنه في عنقك أمانة.

ليس لك أن تفتات في رعية(٢) ، و في يديك مال من مال اللّه عزّ و جلّ، و أنت من خزّانه حتى تسلّمه إليّ، و لعلّي أن لا أكون شرّ ولاتك(٣) و السلام.

لاضربنّك بسيفي

من كتاب له إلى بعض عمّاله و قد اختطف ما قدر عليه من أموال الأمة و هرب إلى الحجاز: فلمّا أمكنتك الشدّة في خيانة الأمّة أسرعت الكرّة و عاجلت الوثبة و اختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لأراملهم و أيتامهم اختطاف

____________________

(١) عملك: ما وليت لتعمله في شؤون الأمة. طعمة: المأكلة و المكسب.

(٢) تفتات: تستبد.

(٣) يرجو أن لا يكون شر المتسلطين عليه. و لا يحقّ الرجاء إلا إذا استقام.

١٦٣

الذئب الأزلّ دامية المعزى الكسيرة(١) فحملته إلى الحجاز رحيب الصدر بحمله غير متأثّم من أخذه(٢) .

كيف تسيغ شرابا و طعاما و أنت تعلم أنك تأكل حراما و تشرب حراما؟

فاتّق اللّه و اردد إلى هؤلاء القوم أموالهم، فإنك إن لم تفعل ثم أمكنني اللّه منك لأعذرنّ الى اللّه فيك(٣) و لأضربنّك بسيفي الذي ما ضربت به أحدا إلاّ دخل النار و اللّه لو أن الحسن و الحسين فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة(٤) و لا ظفرا مني بإرادة حتى آخذ الحقّ منهما و أزيل الباطل عن مظلمتهما

الوالى و الرّشوة

من كتاب له إلى عثمان بن حنيف الأنصاري، و هو عامله على البصرة، و قد بلغه أنه دعي الى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها: أمّا بعد يا ابن حنيف، فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة

____________________

(١) الأزلّ: السريع الجري. الكسيرة: المكسورة.

(٢) التأثم: التحرّز من الإثم، و هو الذنب.

(٣) اي: لأعاقبنّك عقابا يكون لي عذرا عند اللّه من فعلتك هذه.

(٤) الهوادة: الصلح، أو الاختصاص بالميل.

١٦٤

دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان و تنقل إليك الجفان(١) ، و ما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفوّ(٢) و غنيّهم مدعوّ.

ألا و إنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه(٣) ، و من طعمه بقرصيه ألا و إنكم لا تقدرون على ذلك، و لكن أعينوني بورع و اجتهاد، و عفّة و سداد. فو اللّه ما كنزت من دنياكم تبرا، و لا ادّخرت من غنائمها وفرا، و لا أعددت لبالي ثوبي طمرا، و لا حزت من أرضها شبرا. و لو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفّى هذا العسل و لباب هذا القمح و نسائج هذا القزّ، و لكن هيهات أن يغلبني هواي، و يقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة و لعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص(٤) و لا عهد له بالشّبع أ و أبيت مبطانا و حولي بطون غرثى و أكباد حرّى(٥) ؟ أ و أقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين و لا أشاركهم في مكاره الدهر؟ و كأني بقائلكم يقول: «إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران و منازلة الشجعان؟» أ لا و إنّ الشجرة البرّية أصلب عودا، و الروائع الخضرة أرقّ جلودا، و النباتات البدوية أقوى وقودا و أبطأ خمودا و اللّه لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت عنها

____________________

(١) تستطاب: يطلب لك طيّبها. الألوان: أصناف الطعام. الجفان، جمع جفنة، و هي: القصعة.

(٢) عائلهم: فقيرهم و محتاجهم. مجفو: مطرود من الجفاء.

(٣) الطمر: الثوب الخلق.

(٤) القرص: الرغيف.

(٥) غرثى: جائعة. حرّى: عطشى.

١٦٥

الوالى و الهوى

من كتاب له إلى الأسود بن قطيبة صاحب جند حلوان، و هي إيالة من إيالات فارس: أما بعد، فإنّ الوالي إذا اختلف هواه(١) منعه ذلك كثيرا عن العدل.

فليكن أمر الناس عندك في الحق سواء، فإنه ليس في الجور عوض من العدل، فاجتنب ما تنكر أمثاله(٢) .

و اعلم أنه لن يغنيك عن الحقّ شي‏ء أبدا، و من الحقّ عليك حفظ نفسك، و الاحتساب على الرعية بجهدك(٣) .

اخفض جناحك

من كتاب له الى بعض عماله: و اخفض للرعية جناحك و ابسط لهم وجهك و ألن لهم جانبك،

____________________

(١) اختلف الهوى: جرى مع أغراض النفس حيث تذهب. و وحدة الهوى: توجّهه الى أمر واحد، و هو إجراء العدالة.

(٢) اي: ما لا تستحسن مثله لو صدر من غيرك.

(٣) الاحتساب على الرعية: مراقبة أعمالها و تقويم ما اعوجّ منها و إصلاح ما فسد.

١٦٦

و آس بينهم في اللحظة و النظرة و الإشارة و التحية(١) ، حتى لا يطمع العظماء في حيفك(٢) و لا ييأس الضعفاء من عدلك

علّم الجاهل

من كتاب له إلى قسم بن العباس، و هو عامله على مكة: علّم الجاهل و ذاكر العالم، و لا يكن لك إلى الناس سفير إلاّ لسانك و لا حاجب إلاّ وجهك. و لا تحجبنّ ذا حاجة عن لقائك بها فإنها إن ذيدت عن أبوابك في أول وردها لم تحمد فيما بعد على قضائها(٣) .

و انظر الى ما اجتمع عندك من مال اللّه فاصرفه إلى من قبلك(٤) من ذوي العيال و المجاعة مصيبا به مواضع الفاقة، و ما فضل عن ذلك فاحمله إليها لنقسمه في من قبلنا.

و مر أهل مكة أن لا يأخذوا من ساكن أجرا...

____________________

(١) آس بينهم: شارك و سوّ بينهم.

(٢) الحيف: الظلم.

(٣) ذيدت: دفعت و منعت. الورد: الورود. يقول: إذا منعت الحاجة أول ورودها لا تحمد على قضائها فيما بعد، لأن حسنة القضاء لا تذكر في جانب سيئة المنع.

(٤) قبلك: عندك.

١٦٧

الوالى الخائن

من كتاب له إلى المنذر بن الجارود العبدي، و قد خان في بعض ما ولاّه من أعماله: و لئن كان ما بلغني عنك حقّا لجمل أهلك و شسع نعلك خير منك(١) . و من كان بصفتك فليس بأهل أن يسدّ به ثغر، أو ينفذ به أمر، أو يعلى له قدر، أو يشرك في أمانة أو يؤمن على خيانة(٢) فأقبل إليّ حين يصل إليك كتابي هذا إن شاء اللّه.

الاخلاق الكريمة

من كتاب له الى الحارث الهمذاني: و احذر كلّ عمل يعمل به في السرّ و يستحى منه في العلانية. و احذر كل عمل إذا سئل عنه صاحبه أنكره أو اعتذر منه. و لا تحدّث الناس

____________________

(١) الجمل يضرب به المثل في الذلة و الجهل. الشسع: سير بين الإصبع الوسطي و التي تليها في النعل، كأنه زمام

(٢) أي: على دفع خيانة.

ملاحظة: قال الشريف الرضي: و المنذر بن الجارود هذا هو الذي قال فيه أمير المؤمنين عليه السلام: إنه لنظّار في عطفيه، مختال في برديه

١٦٨

بكلّ ما سمعت به فكفى بذلك كذبا. و لا تردّ على الناس كلّ ما حدّثوك به فكفى بذلك جهلا. و تجاوز عند المقدرة و احلم عند الغضب و اصفح مع الدولة(١) .

و إياك و مصاحبة الفسّاق فإن الشرّ بالشرّ ملحق. و احذر الغضب فإنه جند عظيم من جنود ابليس

اهل الجشع و اهل الفقر

من خطبة له في أهل الجشع و أهل الفاقة: و قد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلا إدبارا، و الشرّ فيه إلاّ إقبالا، و الشيطان في هلاك الناس إلاّ طمعا.

إضرب بطرفك حيث شئت من الناس: هل تبصر إلاّ فقيرا يكابد فقرا، أو غنيّا بدّل نعمة اللّه كفرا؟ أين أخياركم و صلحاؤكم، و أحراركم و سمحاؤكم؟ و أين المتورّعون في مكاسبهم؟ و المتنزّهون في مذاهبهم؟ أ ليس قد ظعنوا جميعا عن هذه الدنيا؟ و هل خلقتم إلاّ في حثالة(٢) لا تلتقي بذمّهم الشفتان استصغارا لقدرهم و ذهابا عن ذكرهم. لعن اللّه الآمرين بالمعروف التاركين له، و الناهين عن المنكر العاملين به

____________________

(١) أي عند ما تكون لك السلطة.

(٢) الحثالة: الردي‏ء من كل شي‏ء. و المراد هنا أدنياء الناس و صغار النفوس منهم.

١٦٩

القاضى الجاهل

من كلام له في صفة من يتصدّى للحكم بين الناس و هو ليس أهلا لذلك.

حتى إذا ارتوى من آجن و اكتنز من غير طائل(١) جلس بين الناس قاضيا ضامنا لتخليص ما التبس على غيره»(٢) . فإن نزلت به إحدى المبهمات هيّأ لها حشوا رثّا من رأيه، ثم قطع به(٣) ، فهو من لبس الشّبهات في مثل نسج العنكبوت، لا يدري أصاب أم أخطأ، فإن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ. و إن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب(٤) .

جاهل خبّاط جهالات(٥) ، يذرو الروايات كما تذرو الريح الهشيم(٦) .

____________________

(١) الماء الآجن: الفاسد المتغير الطعم و اللون. شبّه الإمام مجهولات القاضي التي يظنها معلومات، بالماء الآجن. اكتنز: جمع ما عده كنزا. غير طائل: دون و خسيس.

(٢) التخليص: التبيين. التبس على غيره: اشتبه عليه.

(٣) المبهمات: المشكلات. الحشو: الزائد الذي لا فائدة فيه. الرث: الخلق البالي.

(٤) الجاهل بالشي‏ء: من ليس على بيّنة منه، فإذا أثبته عرضت له الشبهة في نفيه، و إذا نفاه عرضت له الشبهة في إثباته. فهو في ضعف حكمه في مثل نسج العنكبوت ضعفا، و لا بصيرة له في وجوه الخطأ و الإصابة. و قد جاء الإمام في تمثيل حاله بأبلغ ما يكون من التعبير عنه، كما يقول ابن أبي الحديد.

(٥) خبّاط: صيغة مبالغة من خبط الليل، إذا سار فيه على غير هدى. و قد شبه الامام الجهالات بالظلمات التي يخبط فيها السائر.

(٦) الهشيم: ما يبس من النبت و تفتّت. تذرو الريح الهشيم: تطيره فتفرقه و تمزقه.

١٧٠

لا يحسب العلم في شي‏ء مما أنكره، و لا يرى أنّ من وراء ما بلغ مذهبا لغيره، و إن أظلم أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه(١) تصرخ من جور قضائه الدماء و تعجّ منه المواريث(٢) . الى اللّه أشكو من معشر يعيشون جهّالا و يموتون ضلاّلا ليس فيهم سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حقّ تلاوته، و لا سلعة أنفق بيعا و لا أغلى ثمنا من الكتاب إذا حرّف عن مواضعه(٣) ، و لا عندهم أنكر من المعروف و لا أعرف من المنكر.

يحكم برايه

من كلام له في بعض القضاة أيضا: ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه. ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافه. ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوّب آراءهم جميعا...(٤) و إلهم واحد، و نبيّهم واحد، و كتابهم واحد

____________________

(١) اكتتم به: كتمه و ستره.

(٢) تعجّ: تصرخ. و صراخ الدماء و عج المواريث تمثيل لحدة الظلم و شدة الجور.

(٣) اذا تلي حق تلاوته: إذا أخذ على وجهه و فهم على حقيقته. و الكتاب هو القرآن الكريم.

(٤) استقضاهم: ولاّهم القضاء. يصوّب آراءهم جميعا: يفتي بأن آراءهم جميعا صائبة...

١٧١

و عالمهم منافق

من كلامه في وصف أبناء زمانه: و اعلموا أنكم في زمان القائل فيه بالحق قليل، و اللسان عن الصدق كليل، و اللازم للحق ذليل، أهله معتكفون على العصيان، فتاهم عارم(١) و شائبهم آثم و عالمهم منافق، لا يعظّم صغيرهم كبيرهم و لا يعول غنيّهم فقيرهم

يعملون في الشّبهات

من خطبة له: و ما كلّ ذي قلب بلبيب، و لا كلّ ذي سمع بسميع، و لا كلّ ناظر ببصير، فيا عجبي، و ما لي لا أعجب، من خطإ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها يعملون في الشّبهات و يسيرون في الشهوات.

المعروف عندهم ما عرفوا، و المنكر عندهم ما أنكروا(٢) .

مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم، و تعويلهم في المهمّات على آرائهم،

____________________

(١) شرس: سي الخلق.

(٢) أي: يستحسنون ما بدا لهم استحسانه، و يستقبحون ما خطر لهم قبحه بدون رجوع الى دليل بيّن أو شريعة واضحة.

١٧٢

كأنّ كلّ امرى‏ء منهم إمام نفسه قد أخذ منها فيما يرى بعرى ثقات و أسباب محكمات(١) .

زجر النّفس

من خطبة له: عباد اللّه، زنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، و حاسبوها قبل أن تحاسبوا، و تنفّسوا قبل ضيق الخناق و انقادوا قبل عنف السياق(٢) و اعلموا أنه من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ و زاجر لم يكن له من غيرها زاجر و لا واعظ

ايّاك

من كلام له لابنه الحسن: يا بنيّ، إياك و مصادقة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرّك. و إياك و مصادقة البخيل فإنه يبعد عنك أحوج(٣) ما تكون إليه. و إياك و مصادقة الفاجر فإنه يبيعك بالتافه(٤) . و إياك و مصادقة الكذاب فإنه كالسراب: يقرّب عليك البعيد و يبعد عليك القريب

____________________

(١) يثق كل منهم بخواطر نفسه كأنه أخذ منها بالعروة الوثقى، على ما بها من جهل و نقص.

(٢) اي: انقادوا الى ما يطلب منكم بالحثّ الرفيق قبل أن تساقوا اليه بالعيف الشديد.

(٣) أحوج: حال من الكاف في «عنك».

(٤) التافه: القليل.

١٧٣

الرّضا و السّخط

من كلام له: أيها الناس، لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله، فإن الناس اجتمعوا على مائدة شبعها قصير(١) و جوعها طويل أيها الناس، إنما يجمع الناس الرّضا و السخط.

أيها الناس، من سلك الطريق الواضح ورد الماء، و من خالف وقع في التيه.

النّفاق و الظّلم

من خطبة له: ثم إياكم و تهزيع الأخلاق و تصريفها(٢) . و إن لسان المؤمن من وراء قلبه، و إن قلب المنافق من وراء لسانه(٣) ، لأن المؤمن إذا أراد أن يتكلم

____________________

(١) يقصد: الدنيا.

(٢) تهزيع الشي‏ء: تكسيره. و الصادق اذا كذب فقد انكسر صدقه، و الكريم إذا لؤم فقد انثلم كرمه. و تصريف الأخلاق: تقليبها بين حال و حال:

(٣) اي ان لسان المؤمن تابع لاعتقاده لا يقول إلا ما يعتقد. و المنافق يقول ما ينال به غايته الخبيثة، فإذا قال شيئا اليوم ينقضه غدا، فيكون قلبه تابعا للسانه.

١٧٤

بكلام تدبّره في نفسه: فإن كان خيرا أبداه، و إن كان شرا واراه(١) .

و إنّ المنافق يتكلّم بما أتى على لسانه لا يدري ما ذا له و ما ذا عليه و أمّا الظلم الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا. و إن جماعة في ما تكرهون من الحق خير من فرقة في ما تحبّون من الباطل(٢) طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، فكان من نفسه في شغل و الناس منه في راحة

العشيرة

من خطبة له: أيها الناس، إنه لا يستغني الرجل، و إن كان ذا مال، عن عشيرته و دفاعهم عنه بأيديهم و ألسنتهم، و هم أعظم الناس حيطة من ورائه و ألمّهم لشعثه(٣) و أعطفهم عليه عند نازلة إذا نزلت به.

و من يقبض يده عن عشيرته فإنما تقبض منه عنهم يد واحدة و تقبض منهم عنه أيد كثيرة

____________________

(١) واره: أخفاه.

(٢) أي: من يحافظ على نظام الالفة و الاجتماع، و إن ثقل عليه أداء بعض حقوق الجماعة و شقّ عليه ما تكلّفه به من الحق، فذلك هو الجدير بالسعادة، دون من يسعى للشقاق و هدم نظام الجماعة، و إن نال بذلك حقا باطلا و شهوة وقتية، فقد يكون في حظه الوقتي شقاؤه الأبدي، ذلك لأنه متى كانت الفرقة أصبح كل واحد عرضه لشرور سواه، فولّت الراحة و فسدت حال المعيشة.

(٣) الحيطة: الرعاية. و الشعث: التفرق و الانتشار.

١٧٥

طبائع الإنسان

من كلام له في طبائع الانسان: و له(١) موادّ الحكمة و أضداد من خلافها: فإن سنح له الرجاء أذلّه الطمع. و إن هاج به الطمع أهلكه الحرص. و إن عرض له الغضب اشتدّ به الغيظ. و إن أسعده الرضا نسي التحفّظ(٢) . و إن ناله الخوف شغله الحذر.

و إن اتّسع له الأمن استلبته الغرّة(٣) و إن أفاد مالا أبطره الغنى(٤) .

و إن أصابته مصيبة فضحه الجزع. و إن عضّته الفاقة شغله البلاء. و إن جهده الجوع قعد به الضعف. و إن إفرط به الشّبع كظّته البطنة(٥) .

فكلّ تقصير به مضرّ، و كلّ إفراط له مفسد

الزّمان و اهله

و من بديع قوله: إذا استولى الصلاح على الزمان و أهله ثم أساء رجل الظنّ برجل لم تظهر

____________________

(١) أي للقلب.

(٢) التحفظ: التوقّي و التحرّز من المضرّات.

(٣) الغرة: الغفلة. سلبته: ذهبت به عن رشده.

(٤) أفاد: استفاد.

(٦) كظته: كربته و آلمته. البطنة: امتلاء البطن حتى يضيق النفس.

١٧٦

منه خزية(١) فقد ظلم و إذا استولى الفساد على الزمان و أهله فأحسن رجل الظنّ برجل فقد غرّر(٢)

كم من صائم

و من كلامه في معنى الصوم و الصلاة: كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع و الظمأ. و كم من قائم(٣) ليس له من قيامه إلاّ السهر و العناء. حبّذا نوم الأكياس و إفطارهم

اصناف النّاس

من خطبة له في سوء طباع الناس بزمانه: أيها الناس، إنّا قد أصبحنا في دهر عنود و زمن كنود(٤) يعدّ فيه المحسن مسيئا، و يزداد الظالم عتوّا، لا ننتفع بما علمنا و لا نسأل عمّا جهلنا و لا نتخوّف قارعة حتى تحلّ بنا(٥) . فالناس على أربعة أصناف:

____________________

(١) الخزية: البلية تصيب الانسان فتذله و تفضحة

(٢) غرّر: أوقع بنفسه في الغرر، أي: الخطر.

(٣) أي: قائم للصلاة.

(٤) العنود: الجائر. الكنود: الكفور.

(٥) القارعة: الخطب.

١٧٧

منهم من لا يمنعهم الفساد إلاّ مهانة نفسه و كلالة حدّه و نضيض وفره(١) .

و منهم المصلت لسيفه و المعلن بشرّه، قد أشرط نفسه و أوبق دينه لحطام ينتهزه أو مقنب يقوده أو منبر يفرعه(٢) . و لبئس المتجر أن ترى الدنيا لنفسك ثمنا. و منهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة، و لا يطلب الآخرة بعمل الدنيا: قد طامن من شخصه و قارب من خطوه و شمّر من ثوبه و زخرف من نفسه للأمانة، و اتّخذ ستر اللّه ذريعة إلى المعصية.

و منهم من أبعده عن طلب الملك ضؤولة نفسه و انقطاع سببه، فقصرته الحال على حاله فتحلّى باسم القناعة و تزيّن بلباس أهل الزّهادة و بقي رجال غضّ أبصارهم ذكر المرجع و أراق دموعهم خوف المحشر، فهم بين شريد نادّ و خائف مقموع و ساكت مكعوم و داع مخلص و ثكلان موجع(٣) . قد أخملتهم التقيّة(٤) و شملتهم الذّلّة.

____________________

(١) أي: لا يقعد بهم عن طلب الإمارة و السلطان إلا حقارة نفوسهم و ضعف سلاحهم و قلة مالهم.

(٢) أصلت السيف: امتشقه. أشرط نفسه: هيأها و أعدّها للشر و الفساد في الأرض.

أوبق دينه: أهلكه. الحطام، هنا: المال. ينتهزه: يغتنمه أو يختلسه. المقنب: طائفة من الخيل، و إنما يطلب قود المقنب تعزّزا على الناس و كبرا. فرع المنبر: علاه.

(٣) نادّ: هارب من الجماعة الى الوحدة. المقموع: المقهور. المكعوم، من كعم البعير، أي: شدّ فاه لئلاّ يأكل أو يعض. الثكلان: الحزين.

(٤) أخمله: أسقط ذكره حتى لم يبق له بين الناس نباهة. التقية: اتّقاء الظلم بإخفاء الحال.

١٧٨

و قد وعظوا حتى ملّوا و قهروا حتى ذلّوا و قتلوا حتى قلّوا. فاتّعظوا بمن كان قبلكم، قبل أن يتّعظ بكم من بعدكم، و ارفضوها ذميمة فإنها رفضت من كان أشغف بها منكم

مع كلّ ريح

و من كلامه في ناس زمانه: همج رعاع أتباع كلّ ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم و لم يلجأوا إلى ركن وثيق.

ربّ صغير غلب كبيرا

من كلام له: إحذر الكلام في مجالس الخوف، فإنّ الخوف يذهل العقل الذي منه تستمدّ، و يشغله بحراسة النفس عن حراسة المذهب الذي تروم نصرته.

و احذر الغضب ممّن يحملك عليه، فإنّه مميت للخواطر مانع من التثبّت.

و احذر المحافل التي لا إنصاف لأهلها في التسوية بينك و بين خصمك في الإقبال و الاستماع، و لا أدب لهم يمنعهم من جور الحكم لك و عليك.

و احذر كلام من لا يفهم عنك فإنه يضجرك. و احذر استصغار الخصم فإنه يمنع من التحفّظ، و ربّ صغير غلب كبيرا

١٧٩

سراجه باللّيل القمر

و من خطبة له تحتوي قولا رائعا في محمد و المسيح: و قد كان في رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كاف لك في الأسوة و دليل على ذمّ الدنيا و عيبها، و كثرة مخازيها و مساويها إذ قبضت عنه أطرافها و وطئت لغيره أكنافها و فطم عن رضاعها و زوي عن زخارفها.

و إن شئت قلت في عيسى ابن مريم عليه السلام فلقد كان يتوسّد الحجر و يلبس الخشن، و كان إدامه الجوع و سراجه بالليل القمر، و ظلاله في الشتاء مشارق الأرض و مغاربها، و فاكهته و ريحانه ما تنبت الأرض للبهائم. و لم تكن له زوجة تفتنه و لا مال يلفته و لا طمع يذلّه، دابّته رجلاه و خادمه يداه.

على منهاج المسيح

قال نوف البكالي: رأيت أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة و قد خرج من فراشه فنظر في النجوم، فقال لي: يا نوف، أراقد

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

الفرَس إلى عسكر عدوّه، فقطّعوه بأسيافهم إرباً إرباً، فلمّا بلغت روحه التراقي نادى بأعلى صوته:يا أبتاه، هذا جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً، وهو يقول لك: العجَل! فإنّ لك كأساً مذخورة.

فصاح الحسين:(قتلَ الله قوماً قتلوك يا بُنيّ، ما أجرَأهم على الله وعلى انتهاك حرمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، على الدنيا بعدك العفا).

قال حميد بن مسلم: لكأنّي أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنّها الشمس طالعة، تنادي بالويل والثبور تصيح: وا حبيباه! وا ثمرة فؤاداه! وا نور عيناه! فسألتُ عنها فقيل: هذه زينب بنت علي(١) ، ثمّ جاءت حتّى انكبّت عليه، فجاء إليها الحسين حتّى أخذ بيدها وردّها إلى الفسطاط، ثمّ أقبل مع فتيانه إلى ابنه فقال:(احملوا أخاكم) ، فحملوه من مصرعه حتّى وضعوه عند الفسطاط الذي يقاتلون أمامه)(٢) .

____________________

= وفي نَفَس المهموم: ٣١١ نقلاً عن روضة الصفا: (رفع الحسينعليه‌السلام صوته بالبكاء ولم يسمع أحدٌ إلى ذلك الزمان صوته بالبكاء).

ومن الجدير بالذكر أن نقول هنا: إنّ حضور أمّ عليّ الأكبرعليهما‌السلام في كربلاء لم يرد في نصّ نثق به أصلاً، هذا أوّلاً.

وثانياً: فإنّ قول ابن شهرآشوب أنّ أمّ عليّ الأكبرعليهما‌السلام هي شهربانويه، من غرائب ما تفرّد به في كتابه المناقب، ولا شك أنّ اسمهاعليها‌السلام - حسب ما ذكرته النصوص والتواريخ المعتبرة - هي ليلى بنت أبي مُرّة بن عروة بن مسعود الثقفي، كما قدّمنا من قبل.

(١) في اللهوف: ١٦٦: (قال الراوي: وخرجت زينب ابنة عليّ تنادي: يا حبيباه! يا بن أخاه! وجاءت فأكبّت عليه، فجاء الحسينعليه‌السلام فأخذها وردّها إلى النساء)، وانظر: الإرشاد ٢: ١٠٧، وتاريخ الطبري: ٣: ٣٣١.

(٢) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ٣٤ - ٣٦، وانظر: الإرشاد: ٢: ١٠٦ - ١٠٧، وتاريخ الطبري: =

٣٦١

ويقول السيّد المقرّم في كتابه المقتل(١) : (فأتاه الحسينعليه‌السلام وانكبّ عليه واضعاً خدّه على خدّه(٢) ، وهو يقول:

(على الدنيا بعدك العفا، ما أجرأهم على الرحمان وعلى انتهاك حرمة الرسول (٣) ،يعزُّ على جدّك وأبيك أن تدعوهم فلا يجيبونك، وتستغيث بهم فلا يغيثونك) .

ثمّ أخذ بكفّه من دمه الطاهر ورمى به نحو السماء، فلم يسقط منه قطرة! وفي هذا جاءت زيارته:

____________________

= ٣: ٣٣٠ - ٣٣١، والدرّ النظيم: ٥٥٥، والأخبار الطوال: ٢٥٦، وتذكرة الخواص: ٢٣٠، وإعلام الورى: ٢: ٤٦٤، وتسلية المجالس: ٢: ٣١٠، ومقاتل الطالبين: ٨٦.

وقد روى أبو الفرج الاصبهاني أنّ هذه الأبيات قيلت في عليّ بن الحسين الأكبر:

لـم تَـر عـينٌ نـظرت مثله

مـن مُحتفٍ يمشي ومن ناعلِ

يـغلي نـئي الـلحم حـتّى إذا

أنـضج لـم يـغلُ على الآكلِ

كــان إذا شـبّت لـه نـاره

أوقـدهـا بـالـشرف الـقابِل

كـي مـا يـراها بائس مُرمل

أو فـردُ حـيٍّ لـيس بـالآهلِ

أعني ابن ليلى ذا السدى والندى

أعني ابن بنت الحسب الفاضلِ

لا يـؤثر الـدنيا عـلى ديـنه

ولا يـبـيع الـحقّ بـالباطلِ

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ٢٦٠.

(٢) انظر أيضاً: اللهوف: وقال إدريس عماد الدين القرشي (ت: ٨٧٢ هـ): (فأخذهُ الحسينعليه‌السلام فضمّه إليه، فجعل يقول له: (يا أبتي، هذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لي:عجّل بالقدوم علينا ... ولم يزل كذلك على صدره حتّى مات، فلمّا نظر إليه ميّتاً قال:(على الدنيا من بعدك العفا) ). (عيون الأخبار وفنون الآثار: ١٠٨ - دار التراث الفاطمي - بيروت).

(٣) انظر أيضاً: تاريخ الطبري: ٣: ٣٣٠.

٣٦٢

(بأبي أنت وأمّي من مذبوحٍ ومقتول من غير جُرم، بأبي أنت وأمّي، دمك المرتقى به إلى حبيب الله، بأبي أنت وأمّي من مقدّم بين يدي أبيك يحتسبك، ويبكي عليك محترقاً عليك قلبه، يرفع دمك إلى عنان السماء لا يرجع منه قطرة، ولا تسكن عليك من أبيك زفرة) (١) .

ولعليٍّ الأكبرعليه‌السلام سلام في زيارة الناحية المقدّسة كاشف عن منزلته السامية ومقامه الشامخ، فقد وردَ السلام عليه فيها هكذا:

(السلام عليك يا أوّل قتيل من نسْل خير سليل، من سلالة إبراهيم الخليل، صلّى الله عليك وعلى أبيك، إذ قال فيك: قتلَ الله قوماً قتلوك يا بُنيَّ، ما أجرَأهم على الرحمان، وعلى انتهاك حرمة الرسول، على الدنيا بعدك العفا، كأنّي بك بين يديه ماثلاً، وللكافرين قاتلاً قائلاً:

أنا عليُّ بن الحسين بن علي

نحن وبيتِ الله أَولى بالنبي

أطعنكم بالرمح حتّى ينثني

أضربكم بالسيف أحمي عن أبي

ضَرب غلام هاشميّ عربي

واللهِ لا يحكم فينا ابن الدعي

حتى قضيتَ نحبك، ولقيت ربّك، أشهدُ أنّك أَولى بالله وبرسوله، وأنّك ابن رسوله، وحجّته وأمينه، وابن حجّته وأمينه، حكَمَ الله على قاتلك مُرّة بن منقذ بن النعمان العبدي، لعنه الله وأخزاه ومَن شَركه في قتلك، وكانوا عليك ظهيراً، أصلاهم الله جهنّم وساءت مصيراً، وجعلَنا الله من ملاقيك، ومرافقي جدّك وأبيك وعمّك وأخيك، وأمّك المظلومة، وأبرأ إلى الله من أعدائك أُولي الجحود، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته) (٢) .

____________________

(١) انظر أيضاً: كامل الزيارات: ٢٥٣ باب ٧٩ رقم ٢١ - نشر مكتبة الصدوق.

(٢) راجع: البحار: ٤٥: ٦٥ - ٦٦.

٣٦٣

إشارة:

هل كان لعليّ الأكبر ذريّة؟

صرّح المرحوم العَلوي بأنّ علي الأكبرعليه‌السلام لم يُخلّف عَقباً وقال: روى ذلك غير واحد من شيوخنا(١) ، وذكرَ حسام الدين في الحدائق الوردية(٢) بأنّه كان له عَقب.

ونحن بدورنا نعتقد بهذا القول الثاني، ويشهد لذلك: ما وردَ في زيارتهعليه‌السلام المرويّة عن أبي حمزة الثمالي، أنّ الإمام الصادقعليه‌السلام قال له:

(ضع خدّك على القبر وقل: صلّى الله عليك يا أبا الحسن).

وكما يُحتمل أن تكون الكنية للتفأّل بالولد الحسَن، فإنّه يُحتمل أيضاً أنّها صدرت على الحقيقة وأنّه كان له ولد اسمه الحَسن.

ورواية أحمد بن أبي نصر البزنطي تشهد بأنّه كان متزوجاً من جارية له ولد منها، فإنّه قال للإمام الرضاعليه‌السلام : الرجل يتزوج المرأة وأمَّ ولد أبيها؟

قالعليه‌السلام :(لا بأس، فقال أحمد: بلغنا أنّ عليّ بن الحسين السجّاد تزوّج بنت الحسن بن عليعليهما‌السلام وأمّ ولد أبيها؟ فقالعليه‌السلام :

ليس هكذا إنّما تزوج ابنة الحسن عليه‌السلام ، وأُمَّ ولد لعليّ بن الحسين المقتول عندكم) .

ومن المعلوم أنّ الجارية لا يقال لها أمُّ ولد إلاّ إذا ولدت من سيّدها، فهذا الحديث شاهد صريح على أنّ عليّ الأكبر كانت عنده جارية قد أولدها.

على أنَّ الاستضاءة بقول الإمام الصادقعليه‌السلام في تلك الزيارة التي رواها

____________________

(١) المجدي: ص٩١.

(٢) الحدائق الوردية: ص١٢٤.

٣٦٤

أبو حمزة الثمالي، تكشف لنا عن حقيقة ناصعة أضاعتها الحُقب وهي: أنّ للأكبر الشهيد أهلاً وولداً، وإن كان عَقبه منقطعاً هو الآخر، فإنّ الإمامعليه‌السلام يقول فيها:

(صلّى الله عليك وعلى عترتك وأهل بيتك وآبائك وأبنائك وأمهاتك الأخيار الأبرار، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً).

ولفظ الأبناء جمعٌ يدل على أكثر من اثنين، وكما يُحتمل إرادة الصُلبيين خاصّة يُحتمل أيضاً أن يراد ما يعمّهم وأبناءهم، لكنّ الاحتمال الثاني مدفوع بظاهر إطلاق اللفظ عند العُرف، فإنّه يختص بالصُلبيين.

كما أنّ قولهعليه‌السلام :(وعلى عترتك) دالٌّ عليه؛ فإنّ عترة الرجل ذرّيته، فلو لم يكن له ذرّية؛ لمَا صحّ استعمال هذا اللفظ وورود هذه الجملة في لسان الإمام العارف بخواص البلاغة، ومقتضيات الأحوال أقوى برهان(١) .

____________________

(١) راجع: عليّ الأكبرعليه‌السلام للمقرّم: ١٥، وكامل الزيارات: ٢٥٣ باب ٧٩ ٢١، وينبغي أن يُلاحظ هنا: أنّ بعض المؤرّخين قد ذكروا أنّ للإمام الحسينعليه‌السلام أبناءً آخرين - عدا عليّ الأكبر، والسجّاد، وعبد الله الرضيععليهم‌السلام - فقد ذكر ابن شهرآشوب السروي في المناقب: ٤: ١١٣ في جملة المقتولين من أهل البيت مجموعة من أبناء الحسينعليه‌السلام قائلاً:

(وستّة من بني الحسين مع اختلاف فيهم: عليّ الأكبر، وإبراهيم، وعبد الله، ومحمّد، وحمزة، وعليّ، وجعفر، وعمر، وزيد، وذُبح عبد الله في حِجره)، ولكنّ هؤلاء تسعة وليسوا ستّة كما ذكر، ولعلّ الستّة جاءت بدلاً من التسعة سهواً من النسّاخ أو المطابع؟

كما ذكرت بعض المصادر الأخرى: أنّ للإمام الحسينعليه‌السلام ولداً صغيراً اسمه أبو بكر، وأنّه قُتل في كربلاء مع أبيه الحسينعليه‌السلام ، (راجع: تاريخ الطبري: ٣: ٣٣٢، والكامل في التاريخ: ٣: ٢٩٤، وترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبير لابن سعد: ٧٦، وتاج المواليد للطبرسي: ١٠٨ (ضمن المجموعة النفيسة)، ومقتل الحسينعليه‌السلام للطبراني: ٣٨، والشجرة المباركة ٧٣، وفي سرّ السلسلة العلوية: ٣٠ أنّ أبا بكر مات صغيراً قبل أبيه)، وروى ابن =

٣٦٥

مقاتلُ آل عقيلعليهم‌السلام (١) في يوم عاشوراء

إنّ أنصار الإمام الحسينعليه‌السلام من آل عقيلعليهم‌السلام - الذين اشتهر عند المؤرّخين وأهل التراجم أنّهم استشهدوا مع الإمامعليه‌السلام يوم عاشوراء - هم:

____________________

= سعد في طبقاته: أنّ عبد الله بن عقبة الغنوي هو قاتل أبي بكر، وجعفر، ابنَي الحسينعليه‌السلام ، كذلك روى الطبري، وابن الأثير، وأبو الفرج: أنّ قاتل أبي بكر هو هذا الغنوي لعنه الله.

وذهب ابن قتيبة في الإمامة والسياسة: ٢: ٦، والتميمي في المحن، ١٣٤، وابن عبد ربّه في العقد الفريد: ٥: ١٣٤ إلى أنّ محمّد بن الحسين (الذي ذكره ابن شهرآشوب في القتلى) كان في قافلة الأسرى.

(١) قال المحقّق القرشي: (واندفعت الفتية الطيّبة من آل عقيل إلى الجهاد، وهي مستهينة بالموت، قد نظر الإمامعليه‌السلام إلى بسالتهم واندفاعهم إلى نصرته فكان يقول:(اللّهمّ اقتُل قاتل آل عقيل... صبراً آل عقيل إنّ موعدكم الجنّة) ، وكان عليّ بن الحسين زين العابدينعليهما‌السلام يميل أشدّ الميل لآل عقيل ويُقدّمهم على غيرهم من آل جعفر، فقيل له في ذلك، فقال:(إنّي لأذكُر يومهم مع أبي عبد الله فأرقّ لهم) .

وقد استشهدَ منهم تسعة في المعركة دفاعاً عن ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفيهم يقول الشاعر:

عينُ جودي بعَبرة وعويلِ

واندبي إنْ ندبتِ آل الرسول

سبعة كلّهم لصُلبِ عليٍّ

قد أُصيبوا وتسعة لعقيلِ

(حياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام : ٣: ٢٤٩)، وانظر: المعارف لابن قتيبة: ٢٠٤، ونَفَس المهموم: ٣٢١، وجمهرة أنساب العرب: ٦٩.

ونلفت الانتباه هنا: إلى أنّ المحقّق السماوي (ره) لم يُترجم لآل عقيل في أنصار الحسينعليه‌السلام إلاّ: لمسلم بن عقيل، ومحمد بن مسلم، وعبد الله بن مسلم، ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل، وعبد الرحمان بن عقيل، وجعفر بن عقيل. (راجع: إبصار العين).

٣٦٦

عبد الله(١) بن مسلم بن عقيلعليهم‌السلام

يرى ابن أعثم الكوفي، وكذلك الخوارزمي: أنّ أوّل مَن خرجَ من الطالبيينعليهم‌السلام إلى قتال الأعداء هو عبد الله بن مسلمعليهما‌السلام ، وكان يقول:

اليومَ ألقى مُسلماً وهو أبي

وفتية بادوا على دين النبي

ليسوا كقومٍ عُرفوا بالكذب

لكنْ خيارٌ وكرامُ النسبِ

من هاشم السادات أهل الحَسبِ

ثمّ حملَ فقاتلَ حتى قتل منهم جماعة وقُتل(٢) .

وقال ابن شهرآشوب: (فقاتلَ حتى قتلَ ثمانية وتسعين رجلاً بثلاث حمْلات، ثمّ قتلهُ عمرو بن صبيح الصيداوي(٣) ، وأسد بن مالك)(٤) .

____________________

(١) وأمّه رقيّة بنت الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأمّها الصهباء أمُّ حبيب بنت عبّاد بن ربيعة بن يحيى العبد بن علقمة التغلبيّة، قيل: بيعت لأمير المؤمنين من سبي اليمامة، وقيل: من سبي عين التمر، فأولَدها عليّعليه‌السلام عمر الأطرف، ورقيّة (إبصار العين: ٨٩ - ٩٠، ومقاتل الطالبيين: ٩٨، وتذكرة الخواص: ٢٢٩).

(٢) راجع: الفتوح: ٥: ٢٠٢ - ٢٠٣، ومقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ٣٠.

(٣) عمرو هذا ممّن انتُدبوا لوَطأ جَسد الإمامعليه‌السلام بالخيل، وفي وقعة المختار طلبَ عمرو بن صبيح فأتوه وهو على سطحه بعدَما هدأت العيون، وسيفه تحت رأسه، فأخذوه وسيفه، فقال: قبّحك الله من سيف، ما أبعدك على قُربك، فجيء به إلى المختار، فلمّا كان من الغداة طعنوه بالرماح حتى مات (راجع: اللهوف ١٨٢، ذوب النظار: ١٢٢).

(٤) المناقب ٤: ١٠٥، تسلية المجالس ٢: ٣٠٢، الدر النظيم ٥٥٥، وترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ومقتله من القسم غير المطبوع، من كتاب الطبقات الكبير لابن سعد تحقيق السيد عبد العزيز الطباطبائي، ص٧٦، وقال الشيخ الصدوق (ره) في الأمالي: (وبرزَ من بعده - أي من بعد نافع بن هلال - عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب، وأنشأ يقول: =

٣٦٧

وقال البلاذري: (ورمى عمرو بن صبيح الصيداوي عبد الله بن مسلم بن عقيل، واعتوره الناس فقتلوهُ، ويقال: إنّ رقاد الجنبي كان يقول: رميت فتى من آل الحسين ويده على جبهته فأثبتُها فيها، وجعلتُ أُنضنض(١) سهمي حتى نزعتهُ من جبهته وبقي النصل فيها)(٢) .

وقال المحقّق السماوي (ره): (وكانت قَتلتُه بعد عليّ بن الحسين فيما ذكره أبو مخنف والمدايني وأبو الفرج دون غيرهم)(٣) .

وقال الطبري: (ثمّ إنّ عمرو بن صُبيح الصّدائي رَمى عبد الله بن مسلم بن عقيل بسهمٍ فوضعَ كفّه على جبهته، فأخذَ لا يستطيع أن يحرّك كفّيه، ثمّ انتهى له بسهم آخر ففلقَ قلبه، فاعَتَورهم الناس من كلّ جانب)(٤) .

محمد بن مسلم بن عقيل بن أبي طالبعليه‌السلام

وبرزَ إلى ميدان الحرب محمد بن مسلم بن عقيل وأُمّه أم ولد، فشدّ عليه أبو مرهم الأزدي ولقيط بن إياس الجهني(٥) .

____________________

=

أقسمتُ لا أُقتلُ إلاّ حرّا

وقد وجدتُ الموت شيئاً مُرّا

أكره أن أُدعى جباناً فرّا

إنّ الجبان مَن عصى وفرّا

فقتلَ منهم ثلاثة ثمّ قُتل). (أمالي الصدوق: ١٣٧ - ١٣٨ المجلس ٣٠، حديث رقم ١).

(١) واستنضضتُ منه شيئاً ونضنضته: حرّكته وأقلقته (لسان اللسان: ٢: ٦٢).

(٢) أنساب الأشراف: ٣: ٤٠٦.

(٣) إبصار العين: ٩٠.

(٤) تاريخ الطبري ٣: ٣٣١، الكامل ٣: ٢٩٣، الإرشاد ٢: ١٠٧، تسمية مَن قُتل مع الحسينعليه‌السلام : ١٥١، وفيه: قتلهُ عمرو بن صبيح الصيداوي، ويقال: قتله أسد بن مالك الحضرمي.

(٥) مقاتل الطالبيين: ٩٧، مناقب آل أبي طالب: ٤: ١٠٩، تذكرة الخواص: ٢٢٩، وفيه: قتله لقيط بن =

٣٦٨

قال المحقّق السماوي (ره): (حملَ بنو أبي طالب بعد قتل عبد الله حملة واحدة، فصاحَ بهم الحسينعليه‌السلام :(صبراً على الموت يا بني عمومتي)، فوقعَ فيهم محمّد بن مسلم، قتلهُ أبو مرهم الأزدي ولقيط بن إياس الجهني) (١) .

جعفر بن عقيل بن أبي طالبعليه‌السلام

وبرزَ إلى ميدان الحرب جعفر(٢) بن عقيل بن أبي طالب وهو يرتجز ويقول:

أنا الغلام الأبطحي الطالبي

من معشر في هاشم وغالب

ونحن حقّاً سادة الذوائب

هـذا حسين سيد الأطائب

قال أبو الفرج: قتلهُ عروة بن عبد الله الخثعمي فيما رويناه عن أبي جعفر محمد بن علي بن حسين، وعن حميد بن مسلم(٣) .

وقال السروي: (فقتلَ رجلين، وفي قول خمسة عشر فارساً)(٤) ، وقال المحقّق السماوي (ره): (فقتلَ خمسة عشر رجلاً، ثمّ قتلهُ بشر بن

____________________

= ياسر الجهني، الأخبار الطوال ٢٥٧، وفيه: لقيط بن ناشر الجهني، وفيه أيضاً: محمد بن عقيل.

(١) إبصار العين: ٩٠ - ٩١.

(٢) وأُمّه أمّ الثغر بنت عامر بنت الهضاب العامري من بني كلاب، ويقال: أُمّه الخوصاء بنت الثغر، واسمه عمرو بن عامر... (راجع: مقاتل الطالبيين: ٩٧، وفي تسمية مَن قُتل مع الحسينعليه‌السلام : ١٥١، أمّه أمّ البنين بنت النفرة بن عامر بن هصان الكلابي، وانظر: إبصار العين: ٩٢).

(٣) مقاتل الطالبيين ٩٧، تاريخ الطبري ٣: ٣٣١، وفيه قاتله عبد الله بن عزرة الخثعمي، تذكرة الخواص: ٢٢٩، وفي تسمية مَن قُتل: ١٥١: قتله عبد الله بن عمرو الخثعمي، وفي ذوب النظار ١٢٢: (وانهزمَ عبد الله بن عروة الخثعمي إلى مصعب فهدَمَ - المختار - داره).

(٤) المناقب ٤: ١٠٥، تسلية المجالس ٢: ٣٠٢ وفيه: (من عترة البرّ التقي العاقب)، وفي أنساب الأشراف ٣: ٤٠٦: (ورمى عبد الله بن عروة الخثعمي جعفر بن عقيل ففلقَ قلبه).

وعن ابن فندق في لباب الأنساب ١: ٣٩٧: (قُتل جعفر وهو ابن ثلاث وعشرين سنة).

٣٦٩

حوط قاتل أخيه عبد الرحمن)(١) .

عبد الرحمن بن عقيلعليه‌السلام

وأمّه أُم ولد(٢) ، وانبرى إلى ساحة القتال وهو يرتجز ويقول:

أبي عقيل فاعرفوا مكاني

من هاشم وهاشم إخواني

كهولُ صدق سادة القرآن

هذا حسين شامخ البنيان(٣)

وقال الطبري: (وشدّ عثمان بن خالد بن أسير الجهني، وبشر بن سوط الهمداني ثمّ القابضي على عبد الرحمان بن عقيل بن أبي طالب فقتلاه)(٤) .

____________________

(١) إبصار العين: ٩٢.

(٢) راجع: مقاتل الطالبيين: ٩٦، وراجع: سير أعلام النبلاء: ٣: ٣٢٠، وعن ابن فندق في لباب الأنساب ١: ٣٩٧، تسمية من قتل ص١٥١.

(٣) الفتوح ٥: ٢٠٣، راجع الإرشاد ٢: ١٠٧، الطبقات الكبرى ٧٦، إبصار العين: ٩٢ وعن ابن فندق في لباب الأنساب ١: ٣٩٧: بأنّ عمره حينما قُتل كان ابن خمس وثلاثين سنة.

(٤) تاريخ الطبري ٣: ٣٣١، مقاتل الطالبين ٩٦، وفيه: قتله عثمان بن خالد بن أسيد الجهني وبشر بن حوط القابضي، فيما ذكر سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم.

وفي كتاب تسمية مَن قُتل مع الحسينعليه‌السلام : ١٥١: (قَتله عثمان بن خالد بن أسير الجهني وبشر بن حرب الهمداني، وفي الأخبار الطوال ٢٥٧: ثمّ قُتلَ عبد الرحمان بن عقيل بن أبي طالب رماه عبد الله بن عروة الخثعمي بسهم فقتله، وفي انساب الأشراف ٣: ٤٠٦: وشدّ بشر بن شوط العثماني وعثمان بن خالد الجهني على عبد الرحمان بن عقيل فقتلاه. راجع جمهرة أنساب العرب ٦٩، المناقب ٤: ١٠٥، وفي تسلية المجالس ٢: ٢٠٣: فقتل سبعة عشر فارساً.

وقال موسى بن عامر: فأوّل مَن بدأ - أي المختار - به الذين وطأوا الحسينعليه‌السلام بخيلهم، وأنامَهم على ظهورهم، وضربَ سكك الحديد في أيديهم وأرجلهم، وأجرى الخيل عليهم حتى قَطّعَتهم، وحرّقهم بالنار، ثمّ أخذَ رجلين اشتركا في دم عبد الرحمان بن عقيل بن أبي طالب وفي سلبه، كانا في الجبانة فضربَ أعناقهما ثمّ أحرَقَهما بالنار، ثمّ أحضرَ مالك بن بشير فقتلهُ في السوق. (راجع: ذوب النظار: ١١٨).

٣٧٠

محمد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالبعليه‌السلام

محمد بن أبي سعيد أمّه أم ولد، وبرزَ إلى ساحة الحرب، وقتله لقيط بن ياسر الجهني، وفي كتاب تسمية مَن قُتل مع الحسينعليه‌السلام : قتلهُ ابن زهير الأزدي، ولقيط بن ياسر الجهني، اشتركا فيه(١) ، وعن ابن سعد: قتلهُ لقيط الجهني ورجل من آل أبي لهب لم يُسمّ لنا(٢) .

قال المحقّق السماوي (ره): (قال أهل السيَر نقلاً عن حميد بن مسلم الأزدي أنّه قال: لمّا صُرع الحسين خرجَ غلام مذعوراً يلتفت يميناً وشمالاً، فشدَّ عليه فارس فضربه، فسألتُ عن الغلام؟ فقيل: محمّد بن أبي سعيد، وعن الفارس؟ فقيل: لقيط بن أياس الجهني.

وقال هشام الكلبي: حدّث هاني بن ثبيت الحضرمي قال: كنت ممّن شهدَ قتل الحسينعليه‌السلام ، فو الله إنّي لواقف عاشر عشرة ليس منّا إلاّ رجل على فرَس، وقد جالت الخيل وتضعضعت، إذ خرجَ غلامٌ من آل الحسين وهو ممسك بعود من تلك الأبنية عليه إزار وقميص، وهو مذعور يتلفّت يميناً وشمالاً، فكأنّي أنظر إلى درّتين في أُذنيه يتذبذبان كلّما التفت، إذ أقبلَ رجل يركض حتّى إذا دنا منه مالَ عن فرسه، ثمّ اقتصد الغلام فقطعه بالسيف.

قال هشام الكلبي: هاني بن ثبيت الحضرمي هو صاحب - أي قاتل - الغلام، وكنّى عن نفسه استحياءً أو خوفاً)(٣) .

____________________

(١) تسمية مَن قُتل مع الحسينعليه‌السلام : ١٥١، وتاريخ العلماء ووفياتهم ١: ١٧٢.

(٢) ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من طبقات ابن سعد: ٧٧، وتاج المواليد للمرحوم الطبرسي: ١٠٨، ومناقب آل أبي طالب: ٤: ١١٢.

(٣) إبصار العين: ٩١، وراجع تاريخ الطبري: ٣: ٣٣٢، ومقاتل الطالبيين: ١٨٨.

٣٧١

وأمّا الآخرون من آل عقيلعليهم‌السلام الذين ذَكرهم بعض المؤرّخين فهم:

عبد الله بن عقيل الأكبر:

وانبرى إلى ساحة القتال عبد الله بن عقيل(١) وقاتلَ قتال الأبطال وقُتل، وقتلهُ عثمان بن خالد بن أشيم الجهني ورجل من همدان(٢) ، وقال ابن فندق: قُتل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة(٢) .

وعن سبط ابن الجوزي: إنّ قاتل عبد الله بن عقيل: عمر بن صبيح(٤) ، ولم يذكره بعض المحققّين مثل السماوي (ره) في كتاب إبصار العين.

عبيد الله بن عقيل:

قد ذكرَ ابن قتيبة: أنَّ عبيد الله بن عقيل أحد أولاد مسلم بن عقيل، وقيل: أُمّه الحوصا بنت حفصة، قُتل مع الحسينعليه‌السلام (٥) .

محمد بن عقيل:

وهو صهر الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام (٦) ، وذكره السروي في عداد شهداء أولاد آل

____________________

(١) قال في المقاتل: ٩٧: وأُمّه أم ولد، راجع تسمية مَن قُتل مع الحسينعليه‌السلام : ١٥١.

(٢) مقاتل الطالبيين: ٩٧، راجع المعارف لابن قتيبة: ٢٠٤، البحار: ٤٥: ٣٣.

(٣) لباب الألباب ١: ٣٩٧، وفي الطبقات لابن سعد: ٧٦: قتله عمرو بن صبح الصدائي، ويقال: قتلهُ أسيد بن مالك الحضرمي، وفيه: وأمه أم ولد.

(٤) تذكرة الخواص: ٢٢٩.

(٥) المعارف: ٢٠٤، وممّا يؤيد أنّ عبيد الله من جملة أولاد عقيل قول ابن قتيبة: (وولدُ عقيل: مسلماً، وعبد الله، ومحمّداً، ورملة، وعبيد الله لأمّ ولد).

(٦) مستدركات علم رجال الحديث ٧: ٢٠٩، البحار ٤٥، البحار ٤٥: ٦٢.

٣٧٢

عقيل(١) ،وقال الدينوري: ثُمَّ قُتل محمد بن عقيل، رماه هو لقيط بن نار الجهني بسهمٍ فقتله(٢) .

عون بن عقيل:

ذكره السروي والنمازي في عداد شهداء الطف(٣) .

علي بن عقيل:

ذكر الحائري والنمازي: أنّ من جملة شهداء آل عقيل علي بن عقيل(٤) .

موسى بن عقيل:

وذكر صاحب ذخيرة الدارين: أنّ موسى بن عقيل أحد شهداء الطف(٥) .

أحمد بن محمد بن عقيل:

قال المامقاني (ره): (أحمد بن محمّد بن عقيل بن أبي طالبعليهم‌السلام ، وأمّه أمّ ولد، برزَ يوم الطفّ وهو يرتجز ويقول:

اليوم أتلو حسبي وديني

بصارمٍ تَحمله يميني

____________________

(١) المناقب: ٤: ١١٢.

(٢) الأخبار الطوال: ٢٥٧، وفي نسب قريش: ٤٥: وكانت أمّ هاني بنت علي عند عبد الله الأكبر بن عقيل بن أبي طالب فولدت له محمّداً قُتل بالطف، وعن الذَهبي في السيَر ٣: ٣٠٣: بأنّ محمد بن عقيل لم يُقتل في كربلاء وهو خلاف المشهور.

(٣) المناقب ٤: ١١٢، مستدركات علم رجال الحديث ٦: ١٤٤.

(٤) ذخيرة الدارين ١٦٢، مستدركات علم رجال الحديث ٥: ٤١٥. وفي مقاتل الطالبين: ٩٨: (إنّ عليّ بن عقيل أمّهُ أم ولد قُتل يومئذ، وعن ابن فندق في لباب الأنساب ١: ٣٩٧: بأنَّ عمره كان ٣٨ سنة، في المعارف: ٢٠٤ قال ابن قتيبة: ووِلدُ عقيل: مسلماً، وعبد الله، ومحمد، ورملة، وعبيد الله لأم ولد.

(٥) ذخيرة الدارين: ١٦٢.

٣٧٣

وقتلَ من القوم جمعاً كثيراً وجرحَ آخرين، ثمّ إنّهم تعطّفوا عليه من كلّ جانب فقتلوه في حومة الحرب، بعدما عقروا فرَسه رضوان الله عليه)(١) .

مقاتلُ آل جعفر بن أبي طالبعليهم‌السلام

مقتلُ عون بن عبد الله بن جعفرعليه‌السلام

وأُمّه العقيلة(٢) زينب بنت الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقد برزَ يوم عاشوراء إلى حومة الحرب لنصرة سيد شباب أهل الجنّة وهو يرتجز ويقول:

____________________

(١) تنقيح المقال: ١: ١٠٣ رقم ٥٨٩، وعنه مستدركات علم رجال الحديث: ١: ٤٥٩، رقم ١٦٣٣.

(٢) وفي تسمية مَن قُتل مع الحسينعليه‌السلام : ١٥٠: (عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وأمّه جمانة بنت المسيّب بن نجبة بن ربيعة بن رباح الفزاري، قتلهُ عبد الله بن قطنة الطائي النبهاني، ولكن يبدو أنّ الصحيح هو أنّ عون الأكبر أمّه العقيلة زينب كما تقدّم، وأمّا عون بن جمانة فهو عون الأصغر ولم يحضر واقعة كربلاء حسب الظاهر.

 وفي عمدة الطالب للسيد الداوودي: ٣٦: (وأمّا عون ومحمد الأصغر فقُتلا مع ابن عمّهما الحسين يوم الطف). (راجع أيضاً: مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ٣١)، وفي مقاتل الطالبيين: ٩٥: (عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الأكبر، أمّه زينب العقيلة).

وفي نَفَس المهموم: ٣١٧: (ينبغي أن يُعلم أنّه كان لعبد الله بن جعفر ابنان مسمّيان بهذا الاسم: عون الأكبر، وعون الأصغر، أحدهما أمّه زينب العقيلة سلام الله عليها، وثانيهما أمّه جماعة (جمانة) بنت المسيّب بن نجبة الفزاري).

واختلفت كلمات المؤرّخين في الذي قُتل مع الحسينعليه‌السلام ، والظاهر أنّ المقتول بالطف هو الأكبر ابن زينبعليهما‌السلام ، والأصغر قُتل يوم حرّة واقِم، قتلهُ أصحاب مسرف بن عقبة الملعون).

وذكرَ أبو الفرج أيضاً في المقاتل: ١٢٢: بأنّ عون بن عبد الله بن أبي طالب وهو عون الأصغر، وأمّه جمانة بنت المسيب بن نجبة بن ربيعة بن رياح بن عوف بن هلال بن ربيعة بن شمخ بن فزارة، وأمّها من بني مُرّة بن عوف الفزاري... وقُتل عون يوم الحرّة حرَّة واقِم..

٣٧٤

إن تُنكروني فأنا ابن جعفر

شهيدُ صدق في الجنان أزهر

يطير فيها بجناحٍ أخضر

كفى بهذا شَرفاً في المحشر

فقتلَ ثلاثة فوارس وثمانية عشر راجلاً، قتلهُ عبد الله بن قطنة الطائي(١) .

مقتل محمد بن عبد الله بن جعفرعليه‌السلام

محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأُمّه الخوصاء بنت حفصة بنت ثقيف بن ربيعة بن عائذ بن الحارث بن تيم الله بن ثعلبة بن بكر بن وائل(٢) ، برزَ إلى ميدان المعركة وهو يرتجز:

نشكو إلى الله من العدوان

فعال قوم في الردى عُميان

قـد بـدّلوا معالم القرآن

ومُـحكَم التنزيل والتبيان

وأظهروا الكفر مع الطغيان(٣)

فقاتلَ، وقتلهُ عامر بن نهشل التيمي(٤) .

وقد رثاهُ سليمان بن قتة:

وسَميّ النبيّ غودر فيهم

قد علوهُ بصارمٍ مصقول

فإذا ما بكيت عيني فجودي

بدموع تسيل كلّ مسيل(٥)

____________________

(١) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام : ٤: ١٠٦، وانظر: أنساب الأشراف: ٣: ٤٠٦، والدر النظيم: ٥٥٥ وفيهما: قتله عبد الله بن قطبة الطائي، وفي تسلية المجالس: ٢: ٣٠٢: فقتلَ ثمانية عشر رجلاً.

(٢) راجع: تسمية مَن قُتل مع الحسينعليه‌السلام : ١٥١، أنساب الأشراف: ٣: ٤٠٦، وفي إبصار العين: ٧٧: (عائذ بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل).

(٣) الفتوح: ٥: ٢٠٤.

(٤) تسمية مَن قُتل مع الحسين: ١٥١، ومقاتل الطالبيين ٩٦، ومقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٣: ٣١، وذخيرة الدارين: ١٥٥، ورجال الشيخ الطوسي: ١٠٥، الرقم ١٠٣٧.

(٥) مقاتل الطالبيين: ٩٦.

٣٧٥

وقال الحائري: ثمّ قاتلَ حتى قتلَ عشرة أنفس، ثمّ قتلهُ عامر بن نهشل التميمي(١) .

مقتلُ القاسم بن محمّد بن جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام

قال المامقاني (ره): (.. وأمّه أمّ ولد، كان ملازماً لابن عمّه الحسينعليه‌السلام ولم يفارقه أبداً، وقد زوّجهعليه‌السلام بنت عمّه عبد الله بن جعفر التي خطبها معاوية لابنه يزيد - وله قصّة مذكورة في محلّها -، وأمّها زينب بنت أمير المؤمنينعليه‌السلام ، واسمها أمّ كلثوم الصغرى، وقد انتقلَ القاسم مع زوجته مع الحسينعليه‌السلام إلى كربلاء، وخرجَ بعد عون بن عبد الله بن جعفر، وقاتلَ فقتلَ منهم جمعاً كثيراً عدَّ بعضهم فارسهم بثمانين، وراجلهم اثني عشر، وأُثخن بالجراح، فتعطّفوا عليه من كلّ جانب، فقتلوه في حومة الحرب رضوان الله عليه)(٢) .

مقتلُ عبيد الله بن عبد الله بن جعفرعليه‌السلام

قال أبو الفرج الأصبهاني: (وأمّه الخوصاء بنت حفصة، ذكر يحيى بن الحسن العلوي فيما حدّثني به أحمد بن سعيد عنه: أنّه قُتل مع الحسين بالطفّ، رضوان الله عليه وصلواته على الحسين وآله)(٣) .

مقتل عبد الله بن عبد الله بن جعفرعليهما‌السلام

ذكره السروي ابن شهرآشوب فيمن قُتل من أهل بيت الحسينعليهما‌السلام (٤) ، ولعلّه

____________________

(١) تسلية المجالس: ٢: ٢٠٣.

(٢) تنقيح المقال: ٢: ٢٤ رقم ٩٦١٠، وعنه مستدركات علم رجال الحديث ٦: ٢٥٥ رقم ١١٧٨٦.

(٣) مقاتل الطالبيين: ٩٦، ولعلّ هذا ممّا تفرّد به أبو الفرج، وعلى هذا يكون عبيد الله هذا شقيقاً لمحمّد أباً وأمّاً.

(٤) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ١١١، وعنه مستدركات علم رجال الحديث ٥: ٥٠ رقم ٨٤٦٣، =

٣٧٦

هو عبيد الله الذي ذكره أبو الفرج الأصبهاني على احتمال قويّ؛ لكثرة ما يقع في التصحيف من سهو النُسّاخ بين عبيد الله وعبد الله، والله العالم.

أبناءُ الإمام الحسن بن عليعليهم‌السلام

لقد لازمَ أبناء الإمام الحسنعليه‌السلام عمّهم الحسينعليه‌السلام في نهضته منذ البدء حتى يوم العاشر من المحرّم في كربلاء، ومثّلوا أباهم خيرَ تمثيل يوم عاشوراء، حتّى كأنّ الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام قد حضرَ كربلاء بكلّ ما عنده؛ ليفدي أخاه الإمام الحسينعليه‌السلام .

مقتلُ القاسم (١) بن الحسنعليهما‌السلام

كان مولانا القاسمعليه‌السلام يقول:(لا يُقتل عمّي وأنا أحمل السيف) (٢) ، ولمّا رأى وحدة عمّه استأذنهُ في القتال فلم يأذن له لصغره، فما زال به حتّى أذِن له(٣) ، روى

____________________

= وانظر: ذخيرة الدارين: ١٦٣.

(١) أمّه أمّ أبي بكر، يقال: إنّ اسمها رملة. (راجع إبصار العين ٧٢)، وفي تسمية مَن قُتل مع الحسينعليه‌السلام : ١٥٠: (وأُمّه أُمّ ولد).

(٢) حياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام : ٣: ٢٥٤ نقلاً عن البستان الجامع لجميع تواريخ أهل الزمان لعماد الدين الأصفهاني: ٢٥.

(٣) قال الخوارزمي في المقتل: ٢: ٣١: (.. القاسم بن الحسن: وهو غلام صغير لم يبلغ الحُلم، فلمّا نظرَ إليه الحسين اعتنقهُ، وجعلا يبكيان حتّى غُشي عليهما، ثمّ استأذن الغلام للحرب فأبى عمّه الحسين أن يأذن له، فلم يزل الغلام يُقبّل يديه ورجليه ويسأله الإذن حتى أذِن له، فخرجَ ودموعه على خدّيه وهو يقول:

إنّ تُنكروني فأنا فرعُ الحسن

سبط النبيّ المصطفى والمؤتمن

هذا حسينٌ كالأسيرُ المرتهن

بين أُناس لا سُقوا صوبَ المزن

=

٣٧٧

الشيخ المفيد (ره) قائلاً: (قال حميد بن مسلم: فإنّا لكذلك إذْ خرج علينا غلام كأنّ وجهه شِقَّةُ قمر في يده سيف، وعليه قميص وإزار، ونعلان قد انقطع شسعُ إحداهما، فقال لي عمر بن سعيد بن نفيل الأزدي: والله، لأشدنّ عليه، فقلت: سبحان الله، وما تريد بذلك؟! دَعه يكفيكه هؤلاء القوم الذين ما يُبقون على أحد منهم، فقال: والله، لأشدّنَّ عليه.

فشدَّ عليه فما ولّى حتى ضربَ رأسه بالسيف ففلقهُ، ووقعَ الغلام لوجهه فقال: يا عمّاه! فجلّى الحسينعليه‌السلام كما يُجلّي الصّقر، ثمّ شدَّ شِدّة ليث أُغضب، فضربَ عمر بن سعيد بن نفيل بالسيف فاتّقاها بالساعد، فأطنّها من لدُنِ المرفق، فصاحَ صيحة سمعها أهل العسكر، ثمّ تنحّى عنه الحسينعليه‌السلام ، وحَملت خيل الكوفة لتستنقذه فتوطّأته بأرجلها حتى مات.

وانجلت الغبرةُ فرأيت الحسينعليه‌السلام قائماً على رأس الغلام وهو يفحص برِجله، والحسينعليه‌السلام يقول:(بُعداً لقومٍ قتلوك، ومن خصمُهم يوم القيامة فيك جدّك، ثمّ قال:عزّ - والله - على عمّك أن تدعوه فلا يُجيبك، أو يجيبك فلا ينفعك، صوت - والله - كثُرَ واتره وقلّ ناصره) .

ثمّ حملهُ على صدره، فكأنّي أنظر إلى رجْلَي الغلام تخطّان الأرض، فجاء به حتى ألقاه مع ابنه علي بن الحسينعليه‌السلام والقتلى من أهل بيته، فسألتُ عنه فقيل لي: القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام )(١) .

____________________

= وحَملَ، وكأنّ وجهه فلقة قمر، وقاتلَ فقتل - على صغر سنّه - خمسة وثلاثين رجلاً...).

وقيل: إنّ عمره الشريف حينما قُتل كان ستّ عشرة سنة (راجع: لباب الأنساب لابن فندق: ١: ٣٩٧، وانظر: البحار: ٤٥: ٣٤ - ٣٥، وروضة الواعظين: ١٨٨).

(١) الإرشاد: ٢: ١٠٨، الدر النظيم: ٥٥٦، تذكرة الخواص: ٢٣٠، تاريخ الطبري: ٣: ٣٣١، مآثر الأناقة: ١: ١٠٧.

٣٧٨

وفي المقتل للخوارزمي:

(عَزّ والله على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا يعينك، أو يُعينك فلا يغني عنك، بُعداً لقومٍ قتلوك، الويل لقاتلك .

ثمّ احتمله فكأنّي أنظر إلى رجْلَي الغلام تخطّان الأرض، وقد وضعَ صدرهُ إلى صدره، فقلتُ في نفسي: ماذا يصنع به؟ فجاء به حتّى ألقاه مع القتلى من أهل بيته، ثمّ رفع صراخه إلى السماء وقال:

اللّهمّ أحصِهم عَدداً، ولا تغادر منهم أحداً، ولا تغفر لهم أبداً، صبراً يا بني عمومتي، صبراً يا أهل بيتي لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً) (١) .

وفي المناقب لابن شهرآشوب: (برزَ أخوه القاسم - يعني أخا عبد الله بن الحسن - وعليه ثوب وإزار، ونعلان فقط، وكأنّه فلقة قمر وأنشأ يقول:

إنّي أنا القاسم من نسل علي

نحن وبيت الله أَولى بالنبي

من شمر ذي الجوشن أو ابن الدعي

فقتلهُ عمر بن سعيد الأزدي فخرّ وصاح: يا عمّاه، فحملَ عليه الحسين فقطعَ يده، وسلبه أهل الشام من يد الحسين)(٢) .

وقال البلاذري: (وقتلَ عمرو بن سعيد بن نفيل الأزدي القاسم بن الحسن فصاح: يا عمّاه، فوثبَ الحسين وثبة ليث فضربَ عمراً فأطنّ يده، وجاء أصحابه ليستنقذوه فسقطَ بين حوافر الخيل فتوطّأته حتى مات)(٣) .

____________________

(١) مقتل الخوارزمي: ٢: ٣٢.

(٢) المناقب: ٤٤: ١٠٦.

(٣) أنساب الأشراف: ٣: ٤٠٦، وفي أمالي الشيخ الصدوق: ١٣٨، المجلس ٣٠، حديث رقم ١: (وبرزَ من بعده - أي من بعد عليّ بن الحسينعليه‌السلام - القاسم بن الحسن بن عليّعليه‌السلام وهو يقول:

=

٣٧٩

مقتلُ عبد الله(١) بن الحسنعليه‌السلام

كان عبد الله غلاماً له من العمر إحدى عشرة سنة(٢) ، ولمّا رأى وحدة عمّهعليه‌السلام بين أعدائه الذين قد أحاطوا به بعد مقتل أنصاره، وكان نزفُ رأسه قد اشتدّ به من ضربة مالك بن النسر الكندي(٣) لعنه الله، خرجَ إليه عبد الله بن الحسن - وهو غلام لم يراهق - من عند النساء حتى وقف إلى جنب الحسين، فلَحقتهُ زينب بنت عليّعليهما‌السلام لتحبسهُ، فقال لها الحسينعليه‌السلام :(احبسيه يا أختي) فأبى وامتنعَ عليها امتناعاً شديداً وقال: والله، لا أُفارق عمِّي، وأوى أبجر بن كعب(٤) إلى الحسينعليه‌السلام بالسيف، فقال له الغلام: ويلك يا بن الخبيثة أتقتل عمّي؟! فضربهُ أبجر بالسيف فاتّقاها الغلام بيده، فأطنّها إلى الجلدة فإذا يده معلّقة، ونادى الغلام: يا أُمّتاه! فأخذهُ الحسينعليه‌السلام فضمّه إليه وقال:

(يا بن أخي، اصبر على ما نزلَ بك، واحتسِب في ذلك الخير، فإنَّ الله يُلحقك بآبائك الصالحين .

____________________

=

لا تجزعي نفسي فكلُّ فانِ

اليومَ تلقين ذُرى الجنان

فقتلَ منهم ثلاثة، ثُمَّ رُمي عن فرسه رضوان الله عليه وصلواته).

(١) وأمّه بنت الشليل بن عبد الله البجلي، والشليل أخو جرير بن عبد الله، كانت لهما صحبة. (راجع: إبصار العين: ٧٣).

(٢) راجع: حياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام : ٣: ٢٥٧.

(٣) هو الذي خاطبه الإمامعليه‌السلام قائلاً:(لا أكلتَ بها ولا شربت، وحشركَ الله مع الظالمين) . (راجع: تاريخ الطبري: ٣: ٣٣١).

(٤) في تاريخ الطبري ٣: ٣٣٣: بحر بن كعب بن عبيد الله من بني تيم الله بن ثعلبة بن عكابة، وفيه أيضاً عن محمد بن عبد الرحمان أنّ يَدَي بحر بن كعب كانتا في الشتاء تنضحان الماء، وفي الصيف تيبسان كأنّهما عود.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477