مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٥

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة0%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 228

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد جعفر الطبسي
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الصفحات: 228
المشاهدات: 114979
تحميل: 6391

توضيحات:

الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 228 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 114979 / تحميل: 6391
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء 5

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

٣

٤

مُقدِّمة مركز الدراسات الإسلاميّة

التابع لممثليّة الولي الفقيه في حرس الثورة الإسلامية

الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، ودليلاً على نعمه وآلائه. والصلاة والسلام على أشرف الخلائق محمّد وآله الطيِّبين الطاهرين.

وبعد:

فهذا الكتاب: (وقائع الطريق من كربلاء إلى الشام) هو الجزء الخامس من دراستنا التاريخية التفصيليّة الموسعة، الموسومة بـ (مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة)، نُقدّمه إلى القُرّاء الكرام، والمحقّقين الأفاضل؛ لينضمّ إلى مجموعة الأجزاء الصادرة من هذه الموسوعة من قبْله، وهي:

١ - الإمام الحسينعليه‌السلام في المدينة المنوّرة.

٢ - الإمام الحسينعليه‌السلام في مكّة المكرّمة.

٣ - وقائع الطريق من مكّة إلى كربلاء.

٤ - الإمام الحسينعليه‌السلام في كربلاء.

وكتابنا هذا (الجزء الخامس) يواصل مُتابعة حركة أحداث النهضة الحسينية، ما بعد استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام ، وقراءة ما جرى على بقيّة أهل البيتعليهم‌السلام - في حركة الركب الحسيني من كربلاء إلى الكوفة، ثمّ منها إلى الشام - قراءة تحليلية نقديّة، تتلمس الاستفسار والإجابة الصحيحة عن كلّ مُشكل مُهمّ في مسار هذه المتابعة.

٥

ولا ندّعي شططاً إذا قلنا - كما قلنا بحقّ الأجزاء السابقة -: إنّ هذا الكتاب، قد حوى من التحقيقات والنظرات والإشارات الجديدة، ما وفّقه لسدّ جملة من ثغرات كثيرة، في تاريخ النهضة الحسينية المقدّسة، كانت قبل ذلك مُبهمة غامضة، لم تنل قسطها اللازم من التحقيق، ولم تتوفّر الإجابة الوافية بشأنها.

وهنا لابدّ من أن نتقدّم بالشكر الجزيل إلى مؤلّف هذا الجزء، سماحة الشيخ المحققّ محمّد جعفر الطبسي؛ لِما بذله من جهد كبير، في إعداد مادّة هذا البحث القيّم.

ويحسن هنا - أيضاً - أن نُنوِّه، أنّ سماحة المؤلّف قد تكفّل من قبل، ببحث حركة أحداث (المقتل) وإعداد مادّة بحثه ضمن الجزء الرابع، كما حقّق كتاب (إبصار العين في أنصار الحسينعليه‌السلام ) للمرحوم الشيخ المحققّ محمّد السماوي، والذي صدر - هو الآخر - عن مركزنا هذا، ولشيخنا المؤلّف مؤلَّفات أُخرى أيضاً(١) .

كما ينبغي هنا، أن نتقدّم بالشكر الجزيل إلى فضيلة الأستاذ المحقّق علي الشاوي، الذي تولّى العناية بهذا البحث، مُراجعةً ونقداً، وتنظيماً وتكميلاً، كعنايته من قبل بالأجزاء: الثاني، والثالث، والرابع - فضلاً عن تأليفه الجزء الأوّل من هذه الموسوعة - داعين له بمزيد من الموفقيّة في ميدان التحقيق ومؤازرة المحقّقين.

مركز الدراسات الإسلامية          

التابع لممثليّة الولي الفقيه في حرس الثورة الإسلامية

____________________

(١) منها: رجال الشيعة في أسانيد السنّة (مجلّد واحد)، وتحقيق كتاب مسالك الإفهام إلى تنقيح شرايع الإسلام - من الطهارة إلى المضاربة (٤ مجلّدات) - وكان الشيخ المؤلّف أيضاً أحد مجموعة المحقّقين الذين قاموا بإنجاز موسوعة (مُعجم أحاديث المهديعليه‌السلام ).

٦

مُقدِّمة المؤلّف

(الدور التبليغي المتمِّم للنهضة المقدَّسة)

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريّته محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى أهل بيته الطاهرين، سيّما سيّد شباب أهل الجنّة الإمام الحسينعليه‌السلام .

لا شكّ ولا ريب، في أنّ الدَّور التبليغي، الذي قمْنَ به النساء عامّة، قبل وحين وبعد واقعة الطف، وعقائل الوحي خاصة، كان له أكبر الأثر والدَّور في توعية الناس وتعريفهم بحقيقة الأمور.

وبدأ هذا الدور من الكوفة، عند ورود سفير الحسينعليه‌السلام ، وخذلان أهلها إيّاه إلاّ المرأة التي كانت تُسمّى (طوعة) رضي الله عنها، حيث سمحت لنفسها أن تُدخِل مسلماً دارها وتُضيّفه بأحسن وجه.

ثمّ تلك المرأة التي تأمر ولدها أن ينصر الإمامعليه‌السلام وتقول له:

اُخرج فقاتل بين يدي ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى تُقتل.

فقال: أفعل.

فخرج. وقال له الحسينعليه‌السلام :(هذا شابٌّ قُتِل أبوه، ولعلّ أمّه تكره خروجه) .

فقال الشابّ: إنّ أمّي أمرتني يا بن رسول الله(١) .

____________________

(١) راجع مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ٢٥:٢.

٧

وفي هذا الإطار - إطار الفداء والتضحية - يذكر تاريخ كربلاء: أنّ أُمّ وهب بن عبد الله بن حبّاب الكلبي كانت في كربلاء، وكانت تُخاطب ولدها: قمّ يا بني، فانصر ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . فلم يزل يُقاتل ثمّ قُطعت يداه، وأخذت امرأته عموداً وأقبلت نحوه وهي تقول: فداك أبي وأمّي! قاتل دون الطيِّبين حُرَم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد أن قُتل ذهبت إليه تمسح الدم عن وجهه، فبصر بها شمْر، فأمر غلاماً له، فضربها بعمود كان معه فشدخها وقتلها وهي أوّل امرأة قُتلت في عسكر الحسينعليه‌السلام (١) .

ولم تزل المرأة الحسينية الغيورة تبدي وفاءها لسيّد شباب أهل الجنّةعليه‌السلام ، ففي يوم عاشوراء، وبعدما قُتِل ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأخذ العدوّ يهجم على بنات العترة ويسلب النساء، وقفت امرأة من بكر بن وائل، وصرخت في وجوه آل بكر، وهي تقول: أتُسلبُ بنات رسول الله؟! لا حُكم إلاّ لله! يا لثارات المصطفى(٢) .

إنّ شعار (يا لثارات المصطفى)، الذي رفعته هذه المرأة من قبيلة بكر بن وائل شعارٌ مُهمٌّ جدّاً تأريخياً وسياسياً؛ ذلك لأنّ هذه المرأة الغيورة، أدركت أنّ حقيقة المواجهة هي بين الأُموية المنافقة وبين الإسلام الذي جاء به المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وهذا أوّل خيوط الفتح الحسيني، وهو فصل الأُموية عن الإسلام.

وعندما سلب مالك بن نسر (بشير) الكندي بُرنس الإمامعليه‌السلام ، وأتى به إلى أهله؛ لتَغسله، قالت له زوجه - أمّ عبد الله بنت الحارث -: أتَسلُب ابن بنت رسول

____________________

(١) راجع: البحار: ١٦:٤٥ - ١٧، وفي الملهوف لابن طاووس ١٦١: وخرج وهب بن حباب الكلبي وكان معه زوجته ووالدته.

(٢) راجع: مُثير الأحزان: ٧٧، ومقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ٣٠١، والمجالس الفاخرة: ٢٣٦، والفتوح: ٥: ١١٧.

٨

الله بُرنسه وتدخل بيتي؟! اُخْرُج عنّي حشا الله قبرك ناراً!(١) .

هذا البحث له مصاديق مليئة في واقعة الطفّ، لسنا بصدد استيعابها.

دَور نسوة بني هاشم:

وأمّا دَور نساء بني هاشم - أعمّ من العقيلة زينب وفاطمة بنت الحسينعليه‌السلام وأمّ كلثوم - فلهنّ كلّ الدَّور في تبليغ الرسالة الخالدة، التي كُنَّ يستشعرن مسؤوليتهنّ في وجوب الدفاع عنها.

إنّ الشيء المهمّ الذي كان بنو أُميّة يهتمُّون به، هو أن يُعرّفوا للنّاس الإمام الحسينعليه‌السلام أنّه رجل خارجي، خرج على يزيد في العراق، وسعى ليشُقَّ عصا الطاعة، وليُفرّق كلمة الأمّة كان الأُمويون يسعون لترسيخ هذه الفكرة في النفوس الضعيفة بعد واقعة كربلاء.

وكان يزيد وعبيد الله بن زياد، يُصرّان عامدَين على وصف الإمامعليه‌السلام بأنّه كذّاب

فهذا عبيد الله بن زياد يُخاطب الأسرى من بني هاشم في قَصره، ويقول: بأنّ الله نصر يزيد وقتل الكذّاب.

فتقوم زينبعليها‌السلام وتقول - ردّاً على أراجيفه -:

الحمد لله الذي أكرمنا بنبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وطهّرنا من الرّجس تطهيراً، وإنّما يُفتضح الفاسق ويكذب الفاجر، وهو غيرنا والحمد لله(٢) .

من ثَمّ ننتقل لهاتين الفكرتين: فكرة بني أُميّة، بأنّ الحسينعليه‌السلام كاذب في دعواه! وفكرة العقيلة زينبعليها‌السلام ، بأنّ الإمامعليه‌السلام من شجرة أهل بيت طهّرهم الله تطهيراً.

____________________

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٣٤:٢.

(٢) الإرشاد: ١١٥:٢، تذكرة الخواص: ٢٣٢، اللهوف: ٢٠١، إعلام الورى: ٤٧١:١.

٩

فنرى أنّ زينب (سلام الله عليها) بعد واقعة الطفّ، قامت بكلّ وجودها أمام الطُّغاة من بني أُميّة؛ لتكشف النقاب عن تلك الوجوه الممسوخة، ولتُثبت للناس بأنّ الحسين ابن بنت رسول الإسلامعليهما‌السلام ، وليس كما يزعم الناس بأنّه خارجي خرج على يزيد.

والجدير بالذِّكْر، أنّ عمّال بني أُميّة حينما حملوا رؤوس شهداء الطفّ مع السبايا إلى الشام، كانوا كثيراً ما يقولون للنّاس: بأنّ الحسينعليه‌السلام خارجي خرج على يزيد(١) . وبهذا أرادوا قلْب الحقائق للناس، وقد حقّقوا بالفعل تلك النتيجة، ولكن لفترة قصيرة جدّاً.

مواصلة الرسالة التبليغية في دمشق:

كانت دمشق تُعَدُّ مركزاً أساسياً لبني أُميّة؛ إذ كان يزيد قد اتّخذها عاصمة له، وكان قد أمر بجمع الناس، وأدخلوا سبايا الحسينعليه‌السلام بوضع فجيع، وكان يزيد يُريد أن يستثمر تلكم الحال ضدّ أهل البيتعليهم‌السلام ، لكنّ زينبعليها‌السلام أدّت رسالتها الخالدة، فقامت في نفس المجلس، وهوت إلى جَيبها فشقّته!! ثمّ نادت بصوت حزين يُقرح القلوب:يا حسيناه! يا حبيب المصطفى! يا بن فاطمة الزهراء!

يقول الراوي: فأبكت - والله - كلّ مَن كان حاضراً في المجلس! ويزيد ساكت!(٢) .

وفي الشام أيضاً يروي الشيخ الصدوق (ره) عن فاطمة بنت عليّعليها‌السلام (٣) ، أنّها قالت: (لما أُجْلِسنا بين يدي يزيد بن معاوية، رقّ لنا أوّل شيء وألطفنا، ثمّ إنّ رجلاً

____________________

(١) راجع البحار: ٤٥: ١١٤.

(٢) اللهوف: ٢١٣ وعنه في نفس المهموم: ٤٤٢.

(٣) قال المزِّي: فاطمة بنت علي بن أبي طالب القرشية الهاشمية، وهي فاطمة الصغرى، توفِّيت سنة سبع عشرة ومئة. (راجع: تهذيب الكمال: ٣٥: ٢٦١، رقم ٧٩٠٣).

١٠

من أهل الشام أحمر قام إليه فقال: يا أمير المؤمنين، هَبْ لي هذه الجارية تُعينني - وكنتُ جارية وضيئة - فأُرعبت وفَرِقت وظننت أنّه يفعل ذلك! فأخذتُ بثياب أُختي وهي أكبر منِّي وأعقل، فقالت:كذبتَ - والله - ولُعنتَ ما ذاك لك ولا له.

فغضب يزيد فقال: بل كذبتِ! والله، لو شئت لفعلته.

قالت:لا والله، ما جعل الله ذلك لك، إلاّ أن تخرج من ملّتنا وتدين بغير ديننا.

فغضب يزيد، ثم قال: إياي تستقبلين بهذا؟! إنّما خرج من الدين أبوك وأخوك.

فقالت:بدين الله ودين أبي وأخي وجدّي اهتديت، أنت وجدّك وأبوك.

قال: كذبتِ يا عدوّة الله.

قالت:أميرٌ يشتم ظالماً ويقهر بسلطانه.

قالت: فكأنّه لعنه الله استحيى، فسكت ...)(١) .

فزينب حقّاً من أبرز مصاديق( الّذِينَ يُبَلّغُونَ رِسَالاَتِ اللّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاّ اللّهَ ) (٢) ، فهي لم تخَفْ من أحدٍ في مجالس الحُكّام الطغاة، وكان هدفها إيصال الرسالة المجيدة بأحسن وجه وصورة، ولقد استطاعت أن تُبلّغ رسالات الله إلى أعداء الله من بني أُميّة، فهذا الصراخ والعويل استطاع أن يُغيّر كلّ شيء! وما استطاع العدوّ أن يصل إلى أهدافه الشرّيرة!

إذن؛ لنا أن نقول: لولا وجود زينب، وأمّ كلثوم، وفاطمة بنت الحسين(٣) ، ولولا

____________________

(١) أمالي الصدوق: ١٣٩، المجلس ٣١، ح ٢، الإرشاد ٢: ١٢١.

(٢) سورة الأحزاب: الآية ٣٩.

(٣) قال المزّي: (فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، القرشية الهاشمية المدنيّة، أخت علي =

١١

خُطَبهنّ الساخنة في الكوفة والشام؛ لأخمد بنو أميّة صوت العدالة الإنسانية، التي رفعها الإمام الحسينعليه‌السلام في كربلاء يوم عاشوراء، بحيث لم يبقَ شيء اسمه كربلاء ولا حسينعليه‌السلام إلى يومنا هذا!

الإمام السجّاد ودَوره في كربلاء:

لا شكّ في أنّ عليّ بن الحسينعليه‌السلام كان مريضاً في كربلاء؛ وذلك لمصالح أشرنا إلى بعضها في هذا الكتاب، ولكنّ ما تجدر الإشارة إليه هو الدور الإعلامي والتبليغي، الذي قام به الإمام السجّادعليه‌السلام بعد قتل أبيه الإمام الحسينعليه‌السلام ؛ للتعريف بالنهضة الحسينية خلال خطاباته في الكوفة والشام.

فقد كانعليه‌السلام في الكوفة جنْباً إلى جنْب مع عمّته العقيلة زينبعليها‌السلام في الدفاع عن كيان النهضة الحسينية، ومواجهة الإعلام الأُموي الكاذب، الذي كان مُنتشراً في آفاق العالم ضدّ أهل البيتعليهم‌السلام .

فحينما دخل الكوفة مع الأسرى، ورأى أهلها يضجّون ويبكون، خاطبهم قائلاً:(أتَنوحون وتبكون من أجلنا؟! فمَن قتلنا؟!) (١) .

ويقفعليه‌السلام أمام الحشود الكثيرة في الكوفة؛ ليؤدّي رسالته الخالدة، فيقول:(أيّها الناس، مَن عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني فأنا أُعرّفه بنفسي، أنا عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذُحل ولا تِرات! أنا ابن مَن انتُهك حريمه، وسُلب نعيمه، وانتُهب ماله، وسُبي عياله! أنا ابن مَن قُتل صبراً وكفى بذلك فخراً ...

____________________

= بن الحسين زين العابدين وكانت فيمَن قدم دمشق بعد قتل أبيها، ثمّ خرجت إلى المدينة.) (راجع: تهذيب الكمال: ٣٥: ٢٥٤: رقم ٧٩٠١).

(١) البحار: ٤٥: ١٠٨ عن اللهوف: ١٩٢.

١٢

فتبّاً لِما قدّمتم لأنفسكم وسوءاً لرأيكم! بأيّة عين تنظرون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ يقول لكم: قتلتم عترتي، وانتهكتم حُرمتي، فلستم من أمّتي؟!) (١) .

كانت هذه الكلمات تصدر عنهعليه‌السلام ، والإمام الحسينعليه‌السلام كان ما يزال مطروحاً في أرض المعركة! لقد أراد الإمام السجّادعليه‌السلام أن يوجِّه أنظار الكوفيين إلى عُظم الجُرم الذي ارتكبه بنو أُميّة؛ وليقف بكلّ وجوده أمام دعوى أنّ الحسينعليه‌السلام خارجي خرج على يزيد، ويُعرِّف أباه الإمام الحسينعليه‌السلام بأنّه ليس كما يزعم بنو أُميّة، بل هو من أهل بيت النبّوة ومعدن الرسالة.

الإمام السجّاد في مجلس الطاغية ابن زياد:

لما أُدخل الإمامعليه‌السلام مع أسرى أهل بيت النبّوة، على عبَيد الله بن زياد في الكوفة، وكانعليه‌السلام مغلولاً بالحبْل(٢) ، وأراد الملعون قتْله، ودارت المشاجرة بين زينب وابن زياد، قالعليه‌السلام لعمّته زينبعليها‌السلام :(اسكُتي - يا عمّة - حتّى أُكلِّمه) .

ثمّ أقبل إليه فقال:(أبالقتل تُهدّدني يا ابن زياد؟! أما علمت أنّ القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة؟!) (٣) .

بهذا المنطق وقفعليه‌السلام أمام تفرْعُن ابن زياد وتجبّره وطغيانه ...

____________________

(١) اللهوف: ١٩٩.

(٢) قال الخوارزمي في (مقتل الحسينعليه‌السلام : ٢: ٤٥): وساق القوم حُرَم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما تُساق الأُسارى، حتى إذا بلغوا بهم الكوفة وعليّ بن الحسين مريض، مغلول مُكبّل بالحديد قد نهكته العلّة ...).

(٣) راجع: اللهوف: ٢٠٢.

١٣

الإمام السجاد في الشام:

دعا يزيد بن معاوية خاطِبه وأمره أن يصعد المنبر، فصعد الخاطب، فذمّ الإمام الحسينعليه‌السلام ، وبالغ في ذمّ أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، فقام إليه الإمام السجّادعليه‌السلام وقال له:(ويلك! أيُّها الخاطب، اشتريت مَرضاة المخلوق بسخط الخالق، فتبوّأ مقعدك من النار!) (١) .

أمّا في مجلس يزيد فيقول الخوارزمي: (فتقدّم عليّ بن الحسين، حتّى وقف بين يدي يزيد وقال:

لا تطمعوا أن تُهينونا ونُكرمكم

وأن نكفَّ الأذى عنكم وتؤذونا

فالله يـعـلم أنّـا لا نُـحبُّكم

ولا نـلومكم إن لـم تُـحبّونا

فقال يزيد: صدقت! ولكن أراد أبوك وجدّك أن يكونا أميرَين، فالحمد لله الذي قتلهما وسفك دماءهما!

ثمّ قال: يا عليّ، إنّ أباك قطع رحِمي، وجهل حقّي، ونازعني في سلطاني، فصنع الله به ما قد رأيت!(٢) .

وفي تفسير علي بن إبراهيم القمِّي: قال الصادقعليه‌السلام :(لما أُدخل رأس الحسين عليه‌السلام على يزيد لعنه الله، وأُدخل عليه علي بن الحسين عليه‌السلام وبنات أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكان علي بن الحسين مُقيَّداً مغلولاً، فقال يزيد: يا علي بن الحسين، الحمد لله الذي قتل أباك. فقال علي بن الحسينعليه‌السلام :لعن الله مَن قتل أبي . قال: فغضِب يزيد وأمر بضرب عُنقه عليه‌السلام . فقال علي بن الحسينعليه‌السلام :فإذا قتلتني فبنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مَن يردُّهم إلى منازلهم وليس لهم محرَم غيري؟ فقال: أنت تردُّهم إلى منازلهم. ثمّ دعا بمُبرد، فأقبل يبرد الجامعة من عنقه ليَده. ثمّ قال له: يا علي بن الحسين، أتدري ما الذي أريد

____________________

(١) راجع: اللهوف: ٢١٩.

(٢) مقتل الحسين للخوارزمي ٢/٧٠.

١٤

بذلك؟ قال:بلى تُريد أن لا يكون لأحد عليَّ منّة غيرك . فقال يزيد: هذا - والله - ما أردت فِعله. ثمّ قال يزيد: يا علي بن الحسين:( مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) . فقال علي بن الحسينعليه‌السلام :كلاَّ، ما هذا فينا نزلت، إنّما نزلت فينا: ( مَا أَصَابَ مِن مُصِيَبةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتَابٍ مِن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا إِنّ ذلِكَ عَلَى‏ اللّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى‏ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ) ، فنحن الذين لا نأسى على ما فاتنا ولا نفرح بما آتانا) (١) .

قال الخوارزمي: فقال علي بن الحسينعليه‌السلام :

(يا بن معاوية وهند وصخر! لم تزل النبّوة والإمرة لآبائي وأجدادي من قبل أن تولَد، ولقد كان جدّي عليّ بن أبي طالب في يوم بدر وأُحد والأحزاب، في يده راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبوك وجدّك في أيديهما رايات الكفّار) .

ثمّ جعل عليّ بن الحسينعليه‌السلام يقول:

مـاذا تقولون إذ قال النبيّ لكم

مـاذا فـعلتم وأنتم آخِر الأُمم

بـعـترتي وبأهلي بعد مُفتقدي

منهم أُسارى ومنهم ضُرِّجوا بدم

ثمّ قال عليّ بن الحسينعليه‌السلام :

(ويلك! يا يزيد، إنّك لو تدري ماذا صنعت، وما الذي ارتكبت من أبي وأهل بيتي وأخي وعمومتي، إذن لهربت إلى الجبال، وافترشت الرمال، ودعوت بالويل والثبور، أيكون رأس أبي الحسين بن عليّ وفاطمة منصوباً على باب مدينتكم وهو وديعة رسول الله فيكم؟! فأبشر - يا يزيد - بالخزي والندامة! إذا جُمع الناس غداً ليوم القيامة!) (٢) .

____________________

(١) تفسير علي بن إبراهيم القمِّي ٢/٣٥٢.

(٢) مقتل الحسينعليه‌السلام / للخوارزمي: ٢: ٧٠.

١٥

تلك المواقف البطولية، هي التي استطاعت أن تقف أمام التيّارات الهدّامة، فبنو أُميّة أرادوا مسخ الإسلام الأصيل، وتوهّموا أنّهم بلغوا ذلك الهدف بقتل سيّد شباب أهل الجنّةعليه‌السلام !

ولكنّ مواقف السيّدة زينب، وأمّ كلثوم وفاطمة بنت الحسين سلام الله عليه وعليهنّ، وعلى رأسهم سيّد الساجدينعليه‌السلام منعت العدوّ من أن يصل إلى هدفه الشيطاني.

وهذا الكتاب

يتناول الوقائع المؤلمة بعد مقتل سيد الشهداءعليه‌السلام ، حتى ورود الركْب الحسيني أرض الشام.

والبحث في مقصدين.

المقصد الأوّل: ويشتمل على استدراك ما فات في المجلّد الرابع، غير ما ذكرناه هناك، وهو يكون على فصلَين:

الفصل الأوّل: ويشتمل على آيات وتجلّيات الغضب الإلهي في السماء والأرض؛ لمقتل سيد الشهداءعليه‌السلام .

الفصل الثاني: ويشتمل على الوقائع المتأخّرة عن قتلهعليه‌السلام .

المقصد الثاني: ويشتمل على وقائع الطريق حتى ورود الركب الحسيني أرض الشام، وهو يكون على فصلين:

الفصل الأول: ويشتمل على وقائع حركة الركب الحسيني من كربلاء إلى الكوفة، والأحداث التي جرت على أهل البيت في الكوفة نفسها.

الفصل الثاني: ويشتمل على وقايع حركة الركب الحسيني من الكوفة إلى الشام.

نسأل الله أن يوفِّق الجميع لخدمة الدين الحنيف، إنّه سميع الدعاء.

محمّد جعفر الطبسي

١٦

المقصد الأوّل

وهو يشتمل على استدراك ما فات في المجلّد الرابع غير ما ذكرناه هناك ويشتمل على فصلَين:

الفصل الأول

تجلّيات الغضب الإلهي لمقتل سيّد الشهداءعليه‌السلام

١٧

١٨

الفصل الأوّل

تجلّيات الغضب الإلهي لمقتل سيّد الشهداءعليه‌السلام

(السلام عليك يا حجّة الله وابن حجّته، السلام عليك يا قتيل الله وابن قتيله، السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره، السلام عليك يا وِتر الله الموتور في السموات والأرض، أشهد أنّ دمك سكن في الخُلد، واقشعرّت له أظلّة العرش، وبكى له جميع الخلائق، وبكت له السموات السبْع والأرضون السبْع، وما فيهنّ، وما بينهنّ، ومَن يتقلّب في الجنّة والنار مَن خلْق ربِّنا، وما يُرى وما لا يُرى ...) (١) .

لقد انعكس الغضب الإلهي لمقتل سيّد الشهداء أبي عبد اللهعليه‌السلام ، في مرايا عوالم الكائنات في صور منوَّعة عديدة، ولقد رؤيت آيات هذا الغضب الإلهي في عالم الشهادة في السماء وفي الأرض، وفي النبات وفي الحيوان، وفي البحر وفي البَرّ، وعرف بعض الناس علّة هذا الآيات في أقطار، وجهلِها آخرون في أقطار أُخرى.

ويمكننا أن نُتابع - من خلال الآثار الروائيّة - آيات هذا الغضب الإلهي على

____________________

(١) الكافي: ٤: ٥٧٥ - ٥٧٦، ح٢ / وهذا المقطع المبارك جزء من الزيارة التي علّمها الإمام الصادقعليه‌السلام ليونس بن ظبيان، بحضور الحسين بن ثوير، والمفضل بن عمر، وأبي سلمة السرّاج.

١٩

النحو التالي:

الآيات السماوية:

ورد ذكر الآيات السماوية، الكاشفة عن غضب الله تعالى لمقتل الإمام الحسينعليه‌السلام ، في المصادر السنّيّة والشيعيّة، الحديثية والتاريخية على حدٍّ سواء، ولم يتعرّض لإنكارها إلاّ شرذمة قليلون من عديمي الإيمان والمعرفة(١) ، ومن الآثار الروائية والتاريخية في هذا الصدد:

____________________

(١) يقول الكاتب حسين محمّد يوسف في كتابه سيّد شباب أهل الجنّة الحسين بن عليّعليهما‌السلام ، في ص ٥٥٢: (ومن الخرافات والأكاذيب الموضوعة، ما روي عن كسوف الشمس لمقتل ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )، ويقول في ص٥٥٤: (إنّ الاعتقاد أنّ السماء أَمطرت دماً، أو أنّه لم يُرفع حجَر في الشام إلاّ رؤي تحته دم عبيط، أو أنّه لما جيء برأس الحسينعليه‌السلام إلى دار ابن زياد سالت حيطانها دماً، كلّها من عقائد الشيعة الغلاة ومن أباطيلهم!). وادّعى هذا الكاتب أيضاً: (أنّ أكثر هذه الروايات أُخذت من رواية أبي مخنفّ لوط بن يحيى!).

ولا شكّ أنّ هذا الكاتب قد استوحى زعمه الباطل هذا، من كبيرهم الذي علّمهم السحر، وهو ابن كثير المعروف بتخرُّصاته ضدّ الشيعة الإماميّة، وإلاّ، فإنّ أحاديث هذه الآيات السماوية والأرضية، قد رويت في كُتب أهل السنّة عن أئمّة حفّاظ أحاديثهم كابن أبي شيبة، وابن سعد، وابن جرير، وابن عساكر، وابن حجر، وابن الجوزي، بل إنّ ابن كثير نفسه، قد نقل حديث احمرار السماء في تفسيره ولم يقل فيه شيئاً!

إنّ ممّا يُثير العجب، أن تهون فاجعة عاشوراء في أعيُن بعض مَن يُحسبون من المسلمين، في حين تعظم هذه الفاجعة في أعيُن بعض النصارى، ممّن اطّلع على تأريخ المسلمين، كمثل جرجي زيدان، حيث يقول في ص١٧٣ وص١٧٩ من كتابه تأريخ الإسلام: (لو علم القمر بموقع أشعّته تلك الليلة لحبسها؛ ليستر ذلك الجرم الذي لم يُرتكب مثله في تاريخ العمران ولو أدرك ذلك التراب فضاعة ما جرى في ذلك السبت المهول؛ لفضّل الظمأ على الارتواء!).

٢٠