مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة0%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد أمين الأميني
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الصفحات: 460
المشاهدات: 208015
تحميل: 6651

توضيحات:

الجزء 6
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 208015 / تحميل: 6651
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء 6

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وروى سبط ابن الجوزي، عن الواقدي، عن ربيعة بن عمر قال: ( كنت جالساً عند يزيد بن معاوية في بهوٍ له، إذ قيل: (هذا زحر بن قيس بالباب ). فاستوى جالساً مذعوراً، وأذِن له في الحال، فدخل فقال: ما وراءك؟... ).

إلى أن قال: (... في سبعين راكباً من أهل بيته وشيعته... فأبوا واختاروا القتال... وهم صرعى في الفلاة... )(١) .

تأمُّل ومُلاحظات:

مع مُلاحظة تلك النصوص نصل إلى الحقائق التالية:

الأوّل: خوف يزيد، كما روى سبط ابن الجوزي في الفقرة أعلاه.

الثاني: صلابة الإمام الحسينعليه‌السلام وأصحابه الأوفياء، وعظمتهم وعِزّة أنفسهم وقدرتهم الفائقة؛ حيث إنّ الجميع - بما فيهم ابن سعد وابن عبد ربّه وابن أعثم والطبري وابن الجوزي وسبطه وابن الأثير وابن نما وابن كثير والباعوني وغيرهم - اعترفوا بأنّ الإمام وصحبه رفضوا الاستسلام وأبوا إلاّ القتال(٢) .

الثالث: اعتراف العدوّ بقساوة أفعاله وفظاعة جريمته.

الرابع: عجز العدوّ عن مقابلة الواقع والتجاؤه إلى الكذب، حيث يقول: ( وجعلوا يهربون إلى غير وزر ويلوذون منّا بالآكام والحفر... ).

بينما الواقع الثابت على عكس ذلك، والدليل عليه ( تصديق أميرهم عمر بن سعد لكلام عمرو بن الحجّاج، حينما رأى عدم قدرتهم لمبارزتهم فصاح بالناس: ( يا حمقى، أتدرون مَنْ تُقاتلون؟! تُقاتلون فرسان أهل المصر! وتُقاتلون قوماً

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٦٠.

(٢) مرّ ذكر المصادر مع أرقام الأجزاء والصفحات آنفاً.

١٠١

مُستميتين! لا يبرز إليهم منكم أحد! فإنّهم قليل وقلّما يبقون، والله، لو لم ترموهم إلاّ بالحجارة لقتلتموهم )، فقال عمر بن سعد: ( صدقت، الرأي ما رأيت! )، فأرسل في الناس مَن يعزم عليهم ألاّ يُبارز رجل منكم رجلاً منهم )(١) .

ويكفي لقطع نباح هذا الشقي وأمثاله المراجعة إلى ما تجلّى في يوم عاشوراء، من تسابق الحسين وأصحابهعليهم‌السلام في الرواح إلى الله تعالى، برواية الموثوقين من المؤرِّخين، وكذا يكفي ما أبداه بعض الحاضرين في كربلاء من أشقّاء هذا الرجس (زحر بن قيس)، حيث اعتذر عن قتاله وقتله لآل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما رواه عنه ابن أبي الحديد قال: ( ثارت علينا عصابة، أيديها في مقابض سيوفها كالأسود الضارية... تُلقي أنفسها على الموت، لا تقبل الأمان، ولا ترغب في المال، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنيّة أو الاستيلاء على الملك، فلو كففنا عنها رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها! )(٢) .

ردّ فعل يزيد:

ذكر المؤرِّخون، أنّ يزيد بعدما سمع كلام زحر بن قيس تكلّم بكلمات تدلّ - بنظرنا - على كذبه ونفاقه(٣) .

فمن ذلك ما ذكره ابن سعد أنّه دمعت عينا يزيد! وقال: ( كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين )! ثمّ تمثّل:

مَن يذق الحرب يجد طعمها

مرّاً وتتركه بجعجاع(٤)

____________________

(١) الإرشاد ٢/ ١٠٣.

(٢) شرح نهج البلاغة ٣/ ٣٠٧/ ٢٦٢.

(٣) راجع ما ذكرنا في عنواني (قتله الحسين) و(كذبه)، في المدخل - شخصية يزيد.

(٤) الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام الحسين من القسم غير المطبوع): ٨١.

١٠٢

ومنه: ما رواه ابن أعثم أنّه ( أطرق يزيد ساعة، ثمّ رفع رأسه فقال: يا هذا، لقد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين بن علي، أما والله، لو صار إليّ لعفوت عنه، ولكن قبّح الله ابن مرجانة.

قال: وكان عبد الله بن الحَكم - أخو مروان بن الحَكم - قاعداً عند يزيد بن معاوية، فجعل يقول شعراً، فقال يزيد: نعم، لعن الله ابن مرجانة؛ إذ أقدم على قتل الحسين بن فاطمة، أما والله، لو كنت صاحبه لما سألني خصلة إلاّ أعطيته إيّاها، ولدفعت عنه الحتف بكلّ ما استطعت، ولو كان بهلاك بعض ولْدي، ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، فلم يكن له منه مردّ )(١) .

وأظنّ(٢) أنّ وضع المجلس أدّى بيزيد لاتّخاذ هذا الموقف - كذباً ونفاقاً - ولعلّ هذا أوّل موقف أبرز فيه تراجعه وأظهر ندامته.

وروى نحوه ابن عبد ربّه من أنّ يزيد قال: ( لعن الله ابن سميّة، أما والله، لو كنت صاحبه لتركته، رحم الله أبا عبد الله وغفر له! )(٣) .

وقريب منه ما في الأخبار الطوال، وفيه أنّه تمثّل بعد ذلك:

نُفلِّق هاماً من رجال أعزَّة

علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما(٤)

وقد ذكرنا الشواهد المتقنة والكافية لإثبات أنّ يزيد هو الآمر بقتل الحسينعليه‌السلام والراضي بقتله، وأنّه هو الأصل في ذلك، وأنّ ما أظهره من الندامة يرجع إلى كذبه وخوفه على زوال مُلكه، وتمشّياً مع الوضع العام واستنكار الناس

____________________

(١) الفتوح ٢/ ١٨٠؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٦.

(٢) مُضافاً إلى ما ذكرناه في المدخل - عن يزيد.

(٣) العقد الفريد ٥/ ١٣٠ ونحوه في المنتظم ٥/ ٣٤١.

(٤) الأخبار الطوال: ٢٦٠.

١٠٣

لذلك - بعدما كُشف عن القضية شيئاً فشيئاً - والدليل على ذلك أنّه لم يُعاقِب ابن زياد على ما فعله ولم يعزله عن الإمارة، بل شكر له واستدعاه وشرب معه الخمر كما مرّ ذكره(١) .

وممّا يدلّ على ذلك ما رواه الحافظ البدخشاني، قال: ( ولما قدموا دمشق ودخلوا على يزيد رموا برأس الحسين (رضي الله عنه) بين يديه، فاستبشر الشقيّ بقتله، وجعل ينكت رأسه بالخيزران... )(٢) .

إزاحة وهْم:

قيل: ( إنّ زحر بن قيس الجعفي شهد صِفِّين مع عليّعليه‌السلام وقدّمه على أربعمئة من أهل العراق، وبقي بعده مؤمّراً، وأمّره الحسنعليه‌السلام بأخذ البيعة له، وهو مع ذلك وثّقه الإمام أحمد بن حنبل وأحمد بن عبد الله العجلي؛ ومعه لابدّ أن يكون غيره - وليس هو - الذي أتى برأس الحسين ( عليه السلام ) )(٣) .

الجواب: إنّ الرأي الغالب بين أصحاب السير والتراجم، أنّ الذي أتى بالرأس الشريف هو زحر بن قيس الجعفي(٤) ، وإن قيل: غيره. مثل ما نقله ابن نما، بكونه زحر بن قيس المذحجي(٥) ، وما قيل: بأنّه كان شمر بن ذي الجوشن(٦) .

والظاهر أنّ ما

____________________

(١) في ص٥٩ من هذا الكتاب.

(٢) نُزل الأبرار: ١٥٩.

(٣) اُنظُر بُغية الطلب ٨/ ٣٧٨٤.

(٤) اُنظُر الطبقات (ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من القسم غير المطبوع ): ٨١؛ الفتوح ٢/ ١٨٠؛ العقد الفريد ٥/ ١٣٠؛ تذكرة الخواص: ٢٦٠؛ جواهر المطالب؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٥.

(٥) مُثير الأحزان: ٩٨.

(٦) الأخبار الطوال: ٢٦٠.

١٠٤

قيل: بأنّه زفر بن قيس(١) ، أو زجر بن قيس(٢) فإنّه تصحيف، ومردّ الجميع إلى شخص واحد.

نعم، هناك احتمال وجود فرد آخر وهو مُحفَّز بن ثعلبة العائذي(٣) ، والظاهر أنّه كان مع أُسارى أهل البيت حينما دخل على يزيد، وهناك خلط في النقل، فبعضهم يذكرون أنّه أتى بالرأس الشريف(٤) ، وبعضهم يقول: إنّه أتى بالرأس الشريف وأهل بيته(٥) ، وبعضهم يذكر أنّه أتى مع أهل بيت الحسين(٦) ، وهو المختار.

وكيفما كان، فالمشهور أنّ الذي أتى بالرأس الشريف إلى يزيد هو زحر بن قيس لعنه الله.

وأمّا ما قيل: بأنّه كان من أصحاب عليّ و... فإنّه ليس أوّل قارورة كُسِرت، فغير واحدٍ من أصحاب عليّعليه‌السلام انقلبوا إلى الجاهلية السوداء، ألم يكن شمر من أصحاب عليّعليه‌السلام في صِفِّين؟! ألم يُجرح في تلك الحرب؟!(٧) ألم يكن شبث بن ربعي من أصحاب عليّ والحسينعليهما‌السلام ؛ حتّى إنّه قال: ( قاتلنا مع عليّ بن أبي طالب ومع ابنه من بعده آل أبي سفيان خمس سنين، ثمّ عدونا على ولَده وهو خير أهل الأرض نُقاتله مع آل معاوية وابن سميّة الزانية )(٨) ، ولكنّ المهمّ حُسن العاقبة.

وأمّا توثيق الإمام حنبل والعجلي، فلا نُرتِّب عليه أثراً.

____________________

(١) المنتظم ٥/ ٣٤١.

(٢) تذكرة الخواص: ٢٦٠.

(٣) الطبقات (ترجمة الإمام الحسين): ٨٢؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٥.

(٤) سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٥؛ الطبقات: ٨٢؛ تاريخ الإسلام (حوادث ٦١ - ٨٠)؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٨.

(٥) تاريخ الطبري ٤/ ٢٥٤.

(٦) الإرشاد ٢/ ١١٩؛ إعلام الورى: ٢٤٨؛ أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦؛ تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٢.

(٧) وقعة صِفّين: ٢٦٧.

(٨) مقتل الحسينعليه‌السلام للمقرَّم: ٢٤٢.

١٠٥

القاتل يطلب الجائزة!

قال أبو الفرج الأصفهاني: ( وحمل (ابن زياد) أهله (الحسينعليه‌السلام ) أسرى، وفيهم عمر وزيد والحسن بنو الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وكان الحسن بن الحسن بن علي قد ارتُثّ جريحاً فحُمل معهم، وعلي بن الحسين الذي أُمّه أُمّ ولد، وزينب العقيلة، وأُمّ كلثوم بنت علي بن أبي طالب، وسكينة بنت الحسين، لما أُدخلوا على يزيد - لعنه الله - أقبل قاتل الحسين بن علي يقول:

أوقِـرْ ركـابي فِضَّة أو ذهبا

فـقد قـتلت الـملك المحجَّبا

قـتلت خـير الناس أُمّاً وأبا

وخيرهم إذ يُنسبون نَسبا )(١)

وفي مقتل الخوارزمي، بإسناده عن زيد بن علي بن الحسين عن أبيهعليهم‌السلام : ( ثمّ وضع الرأس في حقّة وأُدخل على يزيد، فدخلت معهم، وكان يزيد جالساً على السرير، وعلى رأسه تاج مُكلَّل بالدُّرّ والياقوت، وحوله كثير من مشايخ قريش، فدخل صاحب الرأس ودنا منه، وقال:

أوقِرْ ركابي فضّةً أو ذهبا

فـقد قتلتُ السيِّدَ المحجّبا

قتلت أَزكَى الناسِ أُمّاً وأبا

وخيرهم إذ يذكرون النَّسَبا

فقال له يزيد: إذا علمت أنّه خير الناس لِمَ قتلته؟!

قال: رجوت الجائزة!

فأمر بضرب عنقه، فحُزّ رأسه... )(٢) .

____________________

(١) مقاتل الطالبيّين: ١١٩، وانظر: الخرائج والجرائح ٢/ ٥٨٠، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٨٦.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦١؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٨١؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٢٨. وفي ينابيع المودّة (٣/ ٩١): فقال له يزيد: إذا علمت أنّه خير الناس أُمّاً وأبا فلِمَ قتلته؟! اُخْرُج من بين يدي، فلا جائزة لك.

فخرج هارباً خائباً من الجائزة، وخاسراً في عاجل الدُّنيا وآجل الآخرة.

١٠٦

مجلس يزيد:

لقد غمرت الأفراح والمسرّات يزيد، وسُرَّ سروراً بالغاً، وأمر بترتيب مجلس فخم حاشد من الأشراف والأعيان والشخصيات.

قال ابن الجوزي: ( ثمّ جلس يزيد ودعا أشراف أهل الشام، وأجلسهم حوله، ثمّ أدخلهم - أي الأسرى من آل البيتعليهم‌السلام - عليه )(١) .

إنّ التاريخ لم يُزوّدنا بأسماء كلّ مَن حضر ذلك المجلس المشؤوم، لكنّا نعلم أنّه كان حاشداً بالأشراف والأعيان والشخصيات، مثل بعض الصحابة والتابعين! كأبي بُرزة الأسلمي(٢) ، وزيد بن الأرقم(٣) ، وقيل: سمرة بن جندب(٤) ، وبعض الأنصار(٥) ، وبعض ناصري بني أُميّة منهم النعمان بن بشير(٦) ، والكبار من الشجرة الملعونة في القرآن، مثل يحيى بن الحَكم(٧) ، وعبد الله بن الحَكم(٨) ، وعبد الرحمان بن الحَكم(٩) ،

____________________

(١) المنتظم ٥/ ٣٤١.

(٢) تاريخ الطبري ٤/ ٢٩٣؛ المنتظم ٥/ ٣٤٢؛ الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٧؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٠٩؛ تذكرة الخواص: ٢٦١؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٤ و١٩٩؛ أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦؛ البدء والتاريخ ٦/ ١٢؛ الملهوف: ٢١٤؛ مُثير الأحزان: ١٠٠؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٢؛ الفتوح ٢/ ١٨١؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٧.

(٣) الخرائج والجرائح ٢/ ٥٧.

(٤) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ٢/ ٦٤ (ط دار أنوار الهُدى).

(٥) الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام الحسين من القسم غير المطبوع): ٨٢، عبرات المصطفين ٢/ ٣٢١.

(٦) الجوهرة ٢/ ٢١٩ على ما في عبرات المصطفين.

(٧) الإرشاد ٢/ ١١٩؛ إعلام الورى: ٢٤٨؛ تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٢؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٩؛ المناقب ٤/ ١١٤.

(٨) الفتوح ٢/ ١٨٠.

(٩) أنساب الأشراف ٣/ ٤٢١؛ تاريخ الإسلام للذهبي: ١٨؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٩٨؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٠ عن المناقب.

١٠٧

وكذا رجال السلطة الحاكمة، وبعض نساء بني أُميّة مثل (ريّا) حاضنة يزيد(١) ، والتحقت بها زوجة يزيد هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز(٢) .

ومن أهل الكوفة الذين أتوا مع أُسارى آل البيتعليهم‌السلام إلى الشام: زحر بن قيس(٣) ، وشمر بن ذي الجوشن(٤) ، ومُخفّر بن ثعلبة(٥) ، وعمر بن سعد(٦) ، ومحقن بن ثعلبة(٧) ، وأبو بُردة بن عوف الأزدي، و(طارق بن أبي ظبيان الأزدي، وجماعة من أهل الكوفة)(٨) ، وغيرهم مثل ربيعة بن عمر(٩) ، والعذري بن ربيعة بن عمرو الجرشي(١٠) ، وعبد الله بن ربيعة الحميري(١١) ، والغار بن ربيعة الجرشي(١٢) ، وروح بن زنباع(١٣) .

____________________

(١) تاريخ مدينة دمشق ١٩/ ٤٢٠؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٩؛ البداية والنهاية ٨/ ٢٠٥؛ الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٥٦.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٣؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٩٩؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٤٢.

(٣) الأخبار الطوال: ٢٦٠؛ الفتوح ٢/ ١٨٠، الإرشاد ٢/ ١١٩؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٣؛ إعلام الورى: ٢٤٨..

(٤) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦؛ الأخبار الطوال: ٢٦٠؛ الإرشاد ٢/ ١١٩؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٣؛ إعلام الورى: ٢٤٨..

(٥) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦؛ الفتوح ٤/ ١٨٠؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٥؛ الإرشاد ٢/ ١١٩؛ إعلام الورى: ٢٤٨ (وفي الأخيرين محفر بدل مخفر)..

(٦) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٥٥ (وفيه عمرو بدل عمر).

(٧) الأخبار الطوال: ٢٦٠ (والظاهر اتّحاده مع مخفر وأنّه تصحيف).

(٨) الإرشاد ٢/ ١١٨؛ تاريخ الطبري ٤/ ٢٥١؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٣.

(٩) تذكرة الخواص: ٢٦٠.

(١٠) مُثير الأحزان: ٩٨.

(١١) الإرشاد ٢/ ١١٨.

(١٢) العقد الفريد ٥/ ١٣٠.

(١٣) جوهر المطالب ٢/ ٢٧٠، ولكنّ الظاهر أنّه راوي الخبر عن الغار بن ربيعة الجرشي، كما هو كذلك في العقد الفريد، فهناك سقط في السند.

١٠٨

ومن جانب آخر، نرى بعض مُمثّلي كبار الدولة آنذاك وكبار أهل الكتاب، مثل سفير الروم(١) ورأس الجالوت(٢) .

فتحصّل أنّه كان مجلساً في غاية الأهمّية سياسياً واجتماعياً، داخلياً وخارجياً؛ ومن هنا أراد يزيد أن يُظهر نفسه بأنّه هو الغالب على عدوّه! وقد انتهى كلّ شيء(٣) .

قال المزّي: ( فلما قدموا (الأُسارى من آل البيت) عليه (يزيد) جمع مَن كان بحضرته من أهل الشام، ثمّ أُدخلوا عليه، فهنّأوه بالفتح! )(٤) .

مجلس أم مجالس؟

هل كان مجلس يزيد - الذي أُحضر فيه الرأس الشريف وأُسارى آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله - مجلساً واحداً أم مجالس مُتعدّدة؟ يظهر من بعض السير الثاني.

روى الخوارزمي، بإسناده عن الإمام زين العابدين عليّ بن الحسينعليه‌السلام أنّه قال:( لما أُتي برأس الحسين عليه‌السلام إلى يزيد، كان يتّخذ مجالس الشرب ويأتي برأس الحسين فيضعه بين يديه ويشرب عليه ) (٥) .

وقال ابن نما: ( وكان يزيد يتّخذ مجالس الشرب واللهو والقيان والطرب، ويُحضِر رأس الحسين بين يديه )(٦) .

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٦٣.

(٢) الكامل في التاريخ: ٤/ ٩٠.

(٣) غافلاً أنّ المسيرة سيُكتب لها الظفر، وأنّ المعادلة ستنقلب ضدّه، وأنّ مجلسه سيصير قاعدة إعلام ظفر الحسينعليه‌السلام وبلوغ حركته إلى أهدافها المقدّسة.

(٤) تهذيب الكمال ٦/ ٤٢٩.

(٥) مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٢؛ وعنه الملهوف: ٢٢٠.

(٦) مُثير الأحزان: ١٠٣.

١٠٩

قالوا: ( وحضر ذات يوم في مجلسه رسول ملك الروم )(١) ، وظاهر هذا النقل حصول التَّكرّر، وهو ليس ببعيد؛ لأنّ اللعين كان يُحضِر الرأس الشريف ويشرب الشراب كما روي.

فتحصّل؛ أنّ المجالس تكرّرت، سواء قبل ورود أهل البيت أم بعده، ولكن كان ذلك ضمن مجالس خاصّة، والظاهر أنّ المجلس الذي جرت فيه الأمور الآتي ذكرها، الحاشد بالأعيان والأشراف (بل الأرجاس) من الناس لم يكن إلاّ مجلساً واحداً، وهو المجلس العام الذي سوف نذكر تفاصيل ما جرى فيه.

كيفيّة دخول أُسارى آل البيتعليهم‌السلام :

قال الشيخ المفيد والطبرسي: (ولم يكن عليّ بن الحسينعليه‌السلام يُكلِّم أحداً من القوم في الطريق كلمة حتّى بلغوا - أي الشام -، فلما انتهوا إلى باب يزيد، رفع مجفر بن ثعلبة صوته فقال: هذا مجفر بن ثعلبة، أتى أمير المؤمنين باللئام الفجرة، فأجابه عليّ بن الحسينعليهما‌السلام :( ما ولدت أُمّ مجفر أشرّ وألأم ) (٢) .

ونُسِبَت هذه الإجابة إلى يزيد - وهو الأنسب -(٣) .

فمن الذين نسبوا هذه الإجابة إلى يزيد: البلاذريّ(٤) ، وابن سعد(٥) ، والطبري(٦) ،

____________________

(١) الملهوف: ٢٢١؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٧٢، ولكن في مُثير الأحزان (ص١٠٣): فحضر مجلسه...

(٢) الإرشاد ٢/ ١١٩؛ إعلام الورى: ٢٤٨ (وفيه محفر).

(٣) لأنّه قد يرد عليه، أنّ الردّ يتضمّن الإقرار بنسبة اللؤم والفجور إلى أهل البيتعليهم‌السلام - والعياذ بالله - ويقرّر أنّ مخفراً أكثر لؤماً وفجوراً!! وهذا بعيد الصدور من الإمامعليه‌السلام وهو من سادة الفصاحة.

غير أنّ الردّ يتناسب مع نفسية يزيد، الذي يرى أهل البيت أعداء له، ولكنّه لا يُفضّل مخفراً - هذا النكرة - عليهم، إلاّ أن يكون هناك محذوف، مثلاً: أشرّ الناس وألأم.

(٤) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦ (وفيه مخفر بن ثعلبة).

(٥) الطبقات ( ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ): ٨٢.

(٦) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٢ (وفيه محفز).

١١٠

وابن نما(١) ، وابن الأثير(٢) ، وابن كثير(٣) ، والذهبي(٤) ، والخوارزمي(٥) . بتفاوت يسير بينهم.

قال البلاذري: ( ثمّ سرّح (عبيد الله) بهم (الأُسارى) مع مُحفّز بن ثعلبة من عائذة قريش، وشمر بن ذي الجوشن. وقوم يقولون: بعث مع محفز برأس الحسين أيضاً، فلما وقفوا بباب يزيد رفع مُحفّز صوته فقال: يا أمير المؤمنين، هذا مُحفّز بن ثعلبة أتاك باللئام الفجرة!

فقال يزيد: ما تحفّزت عنه أمّ مُحفّز ألأم وأفجر )(٦) .

أقول: ويل لمن كفّره نمرود!

وقال الطبري وابن الأثير: ( فدعا عبيد الله بن زياد مُحفِّز بن ثعلبة وشمر بن ذي الجوشن فقال: انطلقوا بالثقل والرأس إلى أمير المؤمنين يزيد بن معاوية.

فخرجوا حتّى قدموا على يزيد، فقام مُحفّز بن ثعلبة فنادى - بأعلى صوته -: جئنا برأس أحمق الناس وألأمهم!

فقال يزيد: ما ولدت أمّ مُحفّز ألأم وأحمق، ولكنّه قاطع ظالم )(٧) .

وقال ابن سعد: ( وقدم برأس الحسين مخفر بن ثعلبة العائذي - عائذة قريش - على يزيد، فقال: أتيتك - يا أمير المؤمنين - برأس أحمق الناس وألأمهم!

فقال يزيد: ما ولدت أمّ مخفر أحمق وألأم، لكنّ الرجل لم يقرأ كتاب الله:( ... تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء... ) (آل عمران: ٢٦)(٨) .

____________________

(١) مُثير الأحزان: ٩٨ - عن تاريخ دمشق - وعنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٢٩ (وفيه مخفر).

(٢) الكامل في التاريخ ٤/ ٨٤.

(٣) البداية والنهاية ٨/ ١٩٦ وفيه محقر بن ثعلبة العائذي.

(٤) سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٥؛ تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات ٦١ - ٨٠).

(٥) مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٨، وفيه ( ما ولدت أمّ محفز أكفر وألأم وأذمّ ).

(٦) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦.

(٧) تاريخ الطبري ٤/ ٢٥٤؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٤.

(٨) الطبقات: ٨٢؛ وعنه سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٥؛ تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير، حوادث (٦١ - ٨٠).

١١١

وروى الخوارزمي، بإسناده عن مجاهد ( أنّ يزيد حين أُتي برأس الحسين بن علي ورؤوس أهل بيته قال ابن مُحفّز: يا أمير المؤمنين، جئناك برؤوس هؤلاء الكفرة اللئام!

فقال يزيد: ما ولدت أمّ مُحفّز أكفر وألأم وأذمّ )(١) .

وأظنّ أنّ الرأس أُدخِل ثانياً مع مُحفّز في مجلس يزيد؛ لأنّه أُدخِل مع زحر بن قيس في المرّة الأُولى كما ذكرناه - وكان ذاك مجلسه الخاصّ - وفي المرّة الثانية أُدخل في مجلسه العام مع هذا الرجس الخبيث.

وأمّا كيفيّة الورود، فلقد روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال:( لما أُدخل رأس الحسين بن عليّ عليهما‌السلام على يزيد لعنه الله، وأُدخل عليه عليّ بن الحسين وبنات أمير المؤمنين عليه‌السلام كان عليّ بن الحسين مُقيّداً مغلولاً ) (٢) .

وعن الإمام الباقرعليه‌السلام :( قُدِم بنا على يزيد بن معاوية لعنه الله، بعدما قُتِل الحسين ونحن اثنا عشر غلاماً، ليس منّا أحد إلاّ مجموعة يداه إلى عنقه، وفينا عليّ بن الحسين... ) (٣) .

وفي مقتل الخوارزمي: ( ثمّ أُتي بهم حتّى أُدخلوا على يزيد، قيل: إنّ أوّل مَن دخل شمر بن ذي الجوشن بعليّ بن الحسين مغلولة يداه إلى عنقه، فقال له يزيد: مَن أنت يا غلام؟

قال:( أنا عليّ بن الحسين )، فأمر برفع الغِلّ عنه )(٤) .

____________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٨.

(٢) تفسير القمّي ٢/ ٣٥٢ عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٨.

(٣) شرح الأخبار ٣/ ٢٦٧ ح١١٧٢. ونحوه عن الإمام زين العابدين في مُثير الأحزان: ٩٨؛ العقد الفريد ٥/ ١٣١؛ الإمامة والسياسة ٢/ ٨؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٧٢ و٢٧٨، إلاّ أنّ فيها محمّد بن الحسين بن علي بن أبي طالب، والظاهر سقوط كلمة (عليّ) والصحيح: محمّد بن عليّ بن حسين الذي ينطبق على الإمام الباقرعليه‌السلام ؛ إذ لا نعرف ولداً بقي للإمامعليه‌السلام غير الإمام عليّ بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام .

(٤) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٢.

١١٢

قال السيّد ابن طاووس: ( قال الراوي: ثمّ أُدخل ثقل الحسينعليه‌السلام ونساؤه ومَن تخلّف من أهله على يزيد، وهم مُقرَّنون في الحبال)(١) .

وقال سبط ابن الجوزي: ( وكان عليّ بن الحسين والنساء موثّقين في الحبال )(٢) .

وعنه: ( ولما أُتي يزيد بثقل الحسين (رضي الله عنه) ومَن بقي من أهله فأُدخلوا عليه وقد قُرنوا بالحبال فوقفوا بين يديه )(٣) .

وقال الشبلنجي: (ثمّ أمر بعلي زين العابدين فدخل عليه مغلولاً )(٤) .

رأس الحسينعليه‌السلام في ملجس يزيد!

روى ابن شهر آشوب، عن أبي مخنف قال: (لما دُخِل بالرأس على يزيد كان للرأس طيب قد فاح على كلّ طيب )(٥) .

وعن مرآة الزمان: (لما وضِع الرأس بين يدي يزيد كان بالخضراء(٦) ، فتَهْتَه (فقهقه خ ل) حتّى سمعه مَن كان بالمسجد، ولما سمع صوت النوائح عليه أنشد:

يا صيحة تُحمَد من صوائح

ما أهوَن الموت على النوائح

ويُقال: إنّه كبّر تكبيرة عظيمة! )(٧) .

قال ابن الأثير: ( ثمّ أُدخل نساء الحسين عليه (يزيد) فجعلت فاطمة وسكينة

____________________

(١) الملهوف: ٢١٣.

(٢) تذكرة الخواص: ٢٦٢.

(٣) مرآة الزمان: ١٠٠ - مخطوط - على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٢٨٨.

(٤) نور الأبصار: ١٣٢.

(٥) المناقب ٤/ ٦١.

(٦) الظاهر أنّه قصر الخضراء الواقع قرب المسجد الأُموي حاليّاً.

(٧) عبرات المصطفين ٢/ ٢٨٤.

١١٣

ابنتا الحسين تتطاولان؛ لتنظرا إلى الرأس، وجعل يزيد يتطاول ليستر عنهما الرأس! فلما رأين الرأس صحن، فصاح نساء يزيد وولول بنات معاوية )(١) .

وقال السيّد ابن طاووس: ( ثمّ وضع رأس الحسينعليه‌السلام بين يديه وأجلس النساء خلفه؛ لئلا ينظرن إليه )(٢) .

يزيد ينكت ثنايا الحسينعليه‌السلام !

إنّ هذا الفعل الفضيع ممّا تواتر نقله؛ حتى عُدّ من مُسلّمات التاريخ، وافتضح به فاعله يزيد.

قال أحمد بن أبي طاهر (م٢٨٠): ( لما كان من أمر أبي عبد الله الحسين بن عليعليهما‌السلام الذي كان، وانصرف عمر بن سعد - لعنه الله - بالنسوة والبقيّة من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ووجّههنّ إلى ابن زياد لعنه الله، فوجّههنّ هذا إلى يزيد - لعنه الله وغضب عليه - فلما مثلوا بين يديه أمر برأس الحسينعليه‌السلام ، فأُبرز في طست، فجعل ينكت ثناياه بقضيب في يده... )(٣) .

وقال اليعقوبي: ( ووضِع الرأس بين يدي يزيد، فجعل يقرع ثناياه بالقصب )(٤) .

روى ابن الجوزي، عن سالم بن أبي حفصة قال: ( قال الحسن البصري: ( جعل يزيد بن معاوية يطعن بالقضيب موضع في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وا ذلاّه! )(٥) .

____________________

(١) الكامل في التاريخ ٤/ ٨٥.

(٢) الملهوف: ٢١٣، وفيه (فرآه علي بن الحسينعليه‌السلام ، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٢، ونحوه في مُثير الأحزان: ٩٩ بتفاوت يسير جدّاً.

(٣) بلاغات النساء: ٢٠.

(٤) تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٤٥.

(٥) الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٧.

١١٤

وقال السيّد ابن طاوس وابن نما: (ثمّ دعا يزيد بقضيب خيزران، فجعل ينكت به ثنايا الحسينعليه‌السلام )(١) .

وعن مرآة الزمان: ( قال العامري بن ربيعة: جمع يزيد أهل الشام، ووضع الرأس في طشت، وجعل ينكت عليه بالخيزرانة )(٢) .

روى ابن كثير، عن ابن أبي الدُّنيا، بإسناده عن الحسن قال: ( لما جيء برأس الحسين، جعل يزيد يطعنه بالقضيب )(٣) .

وقال مُطهّر بن طاهر المقدسي: ( ووضع رأسه بين يديه، وجعل ينكث بالقضيب في وجهه )(٤) .

ونقل ذلك كثير من المؤرّخين، مثل الباعوني(٥) ، والشبراوي(٦) وغيرهما، نكتفي بما أوردناه. كما وثّقه الشعراء بقصائدهم؛ أنشد الصاحب بن عبّاد:

يقرع بالعود ثنايا لها

كان النبي المصطفى لاثما(٧)

وقال الجواليقي:

اخـتال بالكبر على ربّه

يـقرع بـالعود ثـناياه

بحيث قد كان نبيّ الهُدى

يـلثم في قُبلته فاه(٨)

____________________

(١) اللهوف: ٢١٤؛ مُثير الأحزان: ١٠٠؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٢.

(٢) نقلناه من عبرات المصطفين ٢/ ٣١٥.

(٣) البداية والنهاية ٨/ ١٩٤.

(٤) البدء والتاريخ ٦/ ١٢.

(٥) جواهر المطالب ٢/ ٢٩٣.

(٦) الإتحاف بحُبّ الأشراف: ٦٩.

(٧) المناقب ٤/ ١١٤.

١١٥

ولقد أظهر يزيد بفعله الفضيع ما في قلبه من الكفر والحقد، يفعل ذلك في حقّ مَن قال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في شأنه:( حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله مَن أحبّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط ) (١) . وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :( إنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ) (٢) .

ولنِعْمَ ما قال ابن الجوزي على ما ذكره سبطه في التذكرة، قال: ( قال جدّي: ولو لم يكن في قلبه أحقاد جاهلية وأضغان بدرية لاحترم الرأس لما وصل إليه، ولم يضربه بالقضيب، وكفّنه ودفنه، وأحسن إلى آل رسول الله )(٣) .

وبذلك يظهر ضلالة مَن يدّعي أنّ يزيد ما كان راضياً بقتل الحسينعليه‌السلام وأنّه اغتمّ لذلك! إذ لو صحّ ذلك فلماذا ارتكب هذا الفعل الفضيع؟

نقل الباعوني، عن الشيخ العالم أبي الوفاء ابن عقيل أنّه قال: ( ثمّ قتلوا ابنه (أي ابن الإمام عليّ) الحسينَ بن فاطمة الزهراء، وأهل بيته الطيّبين الطاهرين بعد أن منعوهم الماء، هذا والعهد بنبيّهم قريب، وهم القرن الذي رأوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورأوهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُقبِّل فمه وترشفه (يرشف ثناياه)، فنكتوا على فمه وثناياه بالقضيب! تذكّروا - والله - أحقاد يوم بدر وما كان فيه. وأين هذا من مطمع الشيطان وغاية أمله بتبتيك آذان الأنعام؟!

هذا مع قرب العهد وسماع كلام ربّ الأرباب:( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ستروا - والله - عقائدهم في عصره مخافة السيف، فلما صار الأمر إليهم كشفوا قناع البغي والحيف )(٤) .

____________________

(١) مقتل الحسين للخوارزمي ٣/ ٢١٣، الفصل السابع ح٨ ط دار أنوار الهُدى، وغيره.

(٢) مختصر تاريخ دمشق ٧/ ١١٨، كنز العمّال ١٣/ ٦٦١.

(٣) تذكرة الخواص: ٢٩٠.

(٤) جواهر المطالب ٢/ ٣١٣.

١١٦

أ) ما قاله يزيد عند نكته ثنايا الحسينعليه‌السلام !

قال البلاذري: (وحدّثني ابن برد الأنطاكي الفقيه، عن أبيه قال:... وقال يزيد حين رأى وجه الحسين: ما رأيت وجهاً قطّ أحسن منه!

فقيل له: إنّه كان يُشبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فسكت )(١) .

وروى ابن سعد، بإسناده عن يزيد بن أبي زياد قال: ( لما أُتي يزيد بن معاوية برأس الحسين بن علي، جعل ينكت بمخصرة معه سنّه، ويقول: ما كنت أظنّ أبا عبد الله يبلغ هذا السنّ!

قال: وإذا لحيته ورأسه قد نصل من الخضاب الأسود )(٢) .

وقال محمّد بن حبان: ( فلما وضِع الرأس بين يدي يزيد بن معاوية، جعل ينقر ثنيّته بقضيب كان في يده ويقول: ما أحسن ثناياه )(٣) .

وعن التلمساني أنّه قال: ( وأُتي يزيد برأس الحسينعليه‌السلام ، فلما وضِع بين يديه جعل ينكت أسنانه بقضيب كان في يده ويقول: كان أبو عبد الله صبيحاً )(٤) .

ب) ما أنشده يزيد!

لقد تمثّل يزيد ببيت شعر للحصين بن الحمام المرّي(٥) وهو:

____________________

(١) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦.

(٢) الطبقات الكبرى ٨٢، ح٢٩٧؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٢٠؛ تاريخ الإسلام (للذهبي): ١٩.

(٣) كتاب الثقات ٢/ ٣١٣.

(٤) عبرات المصطفين ٢/ ٣١٠ عن كتاب الجوهرة ٢/ ٢١٩ط الرياض.

(٥) الحصين بن الحمام، هو شاعر جاهلي، وقصيدته تشتمل ٤٢ بيتاً، وقد تمثّل يزيد - لعنه الله - بالبيت السادس منها، أُنظر الأغاني ١٤/ ١٠، شرح اختيارات المفضل للخطيب التبريزي ١/ ٣٢٥.

١١٧

نُفلِّق هاماً من رجال أعِزَّة

علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما(١)

وفي بعض الكتب أنّه قال:

يُفلِّقنَ هاماً من رجال أعِزَّة

علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما(٢)

وأمّا زمان إنشاده، فقد ذكروا أنّه كان حينما كشف عن ثنايا سيّد الشهداء وتناوله بقضيب(٣) .

وذكر بعضهم أنّه قالها حينما وُضِع الرأس الشريف بين يديه(٤) .

____________________

(١) أُنظر مقاتل الطالبيين: ١١٩؛ المعجم الكبير (للطبراني) ٣/ ١٠٩، ح٢٨٠٦؛ تجارب الأُمم ٢/ ٧٤؛ الإرشاد ٢/ ١١٩؛ المناقب ٤/ ١١٤؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٥٧؛ كفاية الطالب: ٤٣٢، إعلام الورى: ٢٤٨؛ مرآة الزمان (مخطوط): ٩٩ (على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٣١٥)؛ تاريخ دمشق ١٩/ ٤٩٣؛ تهذيب الكمال ٦/ ٤٢٨؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٩٨.

(٢) أُسد الغابة ٥/ ٣٨١؛ المنتظم ٥/ ٣٤٢؛ الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٥ و٤٦؛ الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام الحسين): ٨٢؛ تاريخ الطبري ٤/ ٢٥٢ و٢٥٤؛ الفتوح ٢/ ١٨١؛ أنساب الأشراف ٣/ ٤١٥؛ العقد الفريد ٥/ ١٣١.

(٣) صرّح بذلك ابن سعد في الطبقات (ترجمة الإمام الحسين): ٨٢؛ وأبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين: ١١٩؛ والطبراني في المعجم الكبير ٣/ ١٠٩، ح٢٨٠٦؛ والطبري في تاريخه ٤/ ٣٥٦؛ وابن الأثير في أُسد الغابة ٥/ ٣٨١؛ والكامل في التاريخ ٤/ ٨٥؛ وابن الجوزي في المنتظم ٥/ ٣٤٢؛ والردّ على المتعصّب العنيد: ٤٥ و٤٦؛ وسبطه في مرآة الزمان: ٩٩ - مخطوط - (على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٣١٥)؛ وابن شهر آشوب في المناقب ٤/ ١١٥؛ وابن عساكر في تاريخ دمشق ١٩/ ٤٩٣؛ والمزّي في تهذيب الكمال ٦/ ٤٢٨.

(٤) صرّح بذلك البلاذري في أنساب الأشراف ٣/ ٤١٥؛ وابن عبد ربّه في العقد الفريد ٥/ ١٣١؛ والطبراني في المعجم الكبير ٣/ ١٢٤ ح٢٨٤٨؛ وابن أعثم في الفتوح ٢/ ١٨١؛ والطبري في تاريخه ٤/ ٣٥٢ و٤٥٤؛ والشيخ المفيد في الإرشاد ٢/ ١١٩؛ ومسكويه الرازي في تجارب الأُمم ٢/ ٧٤؛ والخوارزمي في مقتله ٢/ ٥٧؛ والكنجي الشافعي في كفاية الطالب: ٤٣٢؛ والطبري في إعلام الورى: ٢٤٨؛ والهيثمي في مجمع الزوائد ٩/ ١٩٨.

١١٨

نكتفي بذكر ما أورده الطبري، قال: ثمّ أذِن (يزيد) للناس، فدخلوا والرأس بين يديه، ومع يزيد قضيب، فهو ينكت به في ثغره، ثمّ قال: إنّ هذا وإيّانا كما قال الحصين بن الحمام المرّي:

يُفلِّقن هاماً من رجال أحبّة

إلينا وهم كانوا أعقّ وأظلما(١)

وقفة مع بعض الكُتب:

١ - ذكر ابن شهر آشوب - عن الطبري والبلاذري والكوفي -: أنّه لما وضِعت الرؤوس بين يدي يزيد، جعل يضرب بقضيبه على ثنيّته، ثمّ قال: يومٌ بيوم بدر، وجعل يقول: نُفلّق هاماً... إلى آخره(٢) .

هذا أيضاً ممّا يدلّ على كفره وزندقته، وتصريح على أنّ ما ارتكبه يزيد كان انتقاماً من الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإليه يُشير ابن عبّاس ضمن رسالته إلى يزيد.

قال سبط ابن الجوزي: ذكر الواقدي وهشام وابن إسحاق وغيرهم: أنّه كتب ابن عبّاس إلى يزيد كتاباً جاء فيه: ( يا يزيد، وإنّ من أعاظم الشماتة حملك بنات رسول الله وأطفاله وحرمه من العراق إلى الشام أُسارى مجلوبين مسلوبين، تُري الناس قدرتك علينا، وأنّك قد قهرتنا واستوليت على آل رسول الله، وفي ظنّك أنّك أخذت بثأر أهلك الكفرة الفجرة يوم بدر، وأظهرت الانتقام الذي كنت تُخفيه والأضغان الذي تكمن في قلبك كمون النار في الزّناد، وجعلت أنت وأبوك دم عثمان وسيلةً إلى إظهارها.

فالويل لك من ديّان يوم الدِّين! ووالله، لئن أصبحت آمناً من جراحة يدي، فما أنت بآمن من جراحة لساني )(٣) .

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٦؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٥.

(٢) المناقب ٤/ ١١٤.

(٣) تذكرة الخواص: ٢٧٦.

١١٩

٢ - ذكر الطبري، بإسناده عن القاسم بن عبد الرحمان مولى يزيد بن معاوية: أنّ يزيد قال بعد تمثّله بأبيات الحصين: ( أما والله، يا حسين، لو أنا صاحبك ما قتلتك )(١) .

ففيه:

أوّلاً: أنّه منقول عن مولى يزيد، فهو مُتَّهم في حدّ نفسه.

ثانياً: لو لم يكن راضياً بقتله، فلماذا أساء إلى الرأس الشريف وأمر بسبي أهله إلى الشام؟!

ثالثاً: قد ذكرنا الأدلّة الوافية بأنّه هو الذي أمر بقتل الحسينعليه‌السلام والراضي بقتله، وإليه يُنسب الفعل بالسبب.

رابعاً: لو صحّ النقل نقول: لم يقل هذا إلاّ مراعاةً لوضعه وإبقاءً لحُكمه، والدليل عليه ما رواه سبط ابن الجوزي ( أنّه ضرب يزيد ثنايا الحسين بالقضيب وأنشد للحصين بن الحمام المرّي:... (الأبيات) فلم يبقَ أحد إلاّ عابه وتركه )(٢) .

وبذلك يظهر وهن ما نقله الطبراني عن محمّد بن الحسن المخزومي، أنّه (لما أُدخل ثقل الحسين بن علي على يزيد بن معاوية ووضِع رأسه بين يديه بكى يزيد وقال: نُفلّق... (الأبيات)، أما والله، لو كنت صاحبك ما قتلتك أبداً )(٣) .

وزبير بن بكار روى الخبر عن محمّد بن الحسن، وهو ضعيف ومعاند لأهل البيت؛ قال الشيخ المفيد في شأنه: ( لم يكن موثوقاً به في النقل، وكان مُتّهماً فيما يذكره من بُغضه لأمير المؤمنينعليه‌السلام وغير مأمون فيما يدّعيه على بني هاشم )(٤) .

إنّها مُحاولة شرذمة من الناس لإنقاذ يزيد، وما هي إلاّ كتشبّث الغريق بالتوافه.

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٢.

(٢) مرآة الزمان: ٩٩ (مخطوط) على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٣١٥.

(٣) المعجم الكبير ٣/ ١٢٤، ح٢٨٤٨؛ تاريخ الإسلام ٢/ ٣٥٠.

(٤) تزويج عليّ بنته من عمر: ١٥.

١٢٠