مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة0%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد أمين الأميني
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الصفحات: 460
المشاهدات: 208180
تحميل: 6653

توضيحات:

الجزء 6
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 208180 / تحميل: 6653
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء 6

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إنّ كلّ ذلك يحتاج إلى اتّخاذ مواقف بطولية، وشجاعة علوية، وصمود فاطميّ، وقد تمثّلت في زين العابدين وزينب الكبرى (سلام الله عليهما).

وحينها سوف ترى مَن هو الغالب؟!

قال ابن سعد: (ثمّ أُتي يزيد بن معاوية بثقل الحسين ومَن بقي من أهله، فأُدخلوا عليه قد قُرنوا في الحبال، فوقفوا بين يديه، فقال له عليّ بن الحسين:( أنشدك بالله يا يزيد، ما ظنّك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو رآنا مُقرّنين في الحبال، أما كان يرقّ لنا؟! ) .

فأمر يزيد بالحبال، فقُطّعت، وعُرف الانكسار فيه! )(١) .

وهكذا تمكَّن الإمامعليه‌السلام - في أوّل موقف وقفه أمام هذا الطاغي - أن يُجرّده من السلاح، فهوعليه‌السلام لم يكسره نفسياً فحسب، بل جعل الانكسار يبين ويُعرف فيه، كما صرّح بذلك ابن سعد، وسبط ابن الجوزي - في المرآة .

قال سبط ابن الجوزي: ( وكان عليّ بن الحسين والنساء موثّقين في الحبال، فناداه علي:( يا يزيد، ما ظنّك برسول الله لو رآنا موثّقين في الحبال، عرايا على أقتاب الجمال؟! ) ، فلم يبقَ في القوم إلاّ مَن بكى )(٢) .

وهذه الرواية تُصرّح بتغيير وضع المجلس بهذه الكلمة.

قال ابن نما: ( فقال عليّ بن الحسينعليهما‌السلام :( وأنا مغلول، فقلت: أتأذن لي في الكلام؟

____________________

(١) الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام الحسين من القسم غير المطبوع): ٨٣. روى مضمونه: الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٩؛ تذكرة الخواص: ٢٦٢؛ عبرات المصطفين ٢/ ٢٨٨؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٦؛ تاريخ دمشق ١٩/ ٤٩٣؛ مُثير الأحزان: ٩٨؛ الملهوف: ٢١٣؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٩٤؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٨٤ وفيه: (... وكان أوّل مَن دخل شمر بن ذي الجوشن على يزيد بعليّ بن الحسينعليه‌السلام مغلولة يده إلى عنقه... ).

(٢) تذكرة الخواص: ٢٦٢.

١٤١

فقال: قل ولا تقل هُجْراً !

قلت: لقد وقفت موقفاً لا ينبغي لمثلي أن يقول الهُجْر، ما ظنّك برسول الله لو رآني في الغِلّ؟!

فقال لمن حوله: حلّوه ) (١) .

قال ابن أعثم: ( ثمّ أُتي بهم - الأسرى من آل البيت - حتّى أُدخلوا على يزيد، وعنده يومئذٍ وجوه أهل الشام، فلما نظر إلى عليّ بن الحسين (رضي الله عنه) قال: مَن أنت يا غلام؟!

فقال:( أنا عليّ بن الحسين ) .

فقال: يا عليّ، إنّ أباك الحسين قطع رحمي، وجهل حقّي، ونازعني سلطاني، فصنع الله به ما قد رأيت.

فقال عليّ بن الحسين:( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) (٢) .

فقال يزيد لابنه خالد: (اردد عليه يا بُني)، فلم يدرِ خالد ماذا يقول، فقال يزيد قل له:( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) (٣) )(٤) .

____________________

(١) مُثير الأحزان: ٩٩.

أقول: لو لم يتجرّأ ذلك القائل بقوله في يوم الرزيّة: إنّ النبيّ ليهجر، أو أنّه قد غلبه الوجع - والعياذ بالله - لما كان يتجرّأ هذا الخبيث أن يتفوّه بمثل هذه الكلمات في حقّ أبنائه.

(٢) الحديد: ٢٢.

(٣) الشورى: ٣٠.

(٤) الفتوح: ٢/ ١٨٤. وروي مضمونه في: أنساب الأشراف ٣/ ٤١٩؛ الطبقات الكبرى - من القسم غير المطبوع - ٨٣؛ تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٢؛ الكامل ٤/ ٨٦؛ الإرشاد ٢/ ١٢٠؛ إعلام الورى: ٢٤٩؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٣؛ الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٩؛ عبرات المصطفين ٢/ ٢٨٨.

١٤٢

يُستفاد من هذه الرواية استشهاد يزيد بالآية الشريفة، دون أن يردّه الإمام، وفيه تأمّل واضح، فكيف يستند الطاغي إلى آية شريفة في المقام - وهو يريد المغالطة في البين - والإمام قادر على الجواب ولا يفعل!

فلذلك نرى حصول خلل في النقل.

فبعضهم لم يذكر شيئاً عن إجابة يزيد لكلام الإمام، مثل ما أورده ابن الجوزي في المنتظم(١) ، ولا بأس به.

ولنِعْمَ ما ذكره أبو الفرج الأصفهاني في المقام! قال: ( ثمّ دعا يزيد - لعنه الله - بعليّ بن الحسين، فقال: ما اسمك؟

فقال:( عليّ بن الحسين ) .

قال: أوَ لم يقتل الله عليّ بن الحسين؟!

قال:( قد كان لي أخ أكبر منّي يُسمّى علياً فقتلتموه! ) .

قال: بل الله قتله.

قال علي:( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا... ) (٢) .

قال له يزيد:( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ... ) (٣) .

فقال علي:( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) (٤) .

فوثب رجل من أهل الشام فقال: دعني أقتله، فألقت زينب نفسها عليه )(٥) .

فتحصّل أنّه بناءً على ما ذكره أبو الفرج ينتهي الكلام بما استند به الإمامعليه‌السلام ، وهو المطلوب المختار.

____________________

(١) المنتظم ٥/ ٣٤٣.

(٢) الزمر: ٤٢.

(٣) الشورى: ٣٠

(٤) الحديد: ٢٢ - ٢٣.

(٥) مقاتل الطالبيين: ١٢٠.

١٤٣

والدليل عليه ما رواه علي بن إبراهيم القمّي، عن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام ، قال: قال الصادقعليه‌السلام :

(لما أُدخِل رأس الحسين بن عليّعليهما‌السلام على يزيد لعنه الله، وأُدخل عليه عليّ بن الحسين وبنات أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكان عليّ بن الحسينعليه‌السلام مُقيّداً مغلولاً، فقال يزيد: يا عليّ بن الحسين، الحمد لله الذي قتل أباك.

فقال عليّ بن الحسين:( لعن الله مَن قتل أبي ) .

فغضب يزيد وأمر بضرب عُنقه.

فقال عليّ بن الحسين:( فإذا قتلتني فبنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مَن يردّهم إلى منازلهم وليس لهم محرم غيري؟ ) .

فقال: أنت تردّهم إلى منازلهم!

ثمّ دعا بمبرد فأقبل يبرد الجامعة من عنقه بيده.

ثمّ قال له: يا عليّ بن الحسين، أتدري ما الذي أريد بذلك؟

قال:( بلى، تُريد أن لا يكون لأحد عليَّ منّة غيرك ) .

فقال يزيد: هذا - والله - ما أردت أفعله.

ثمّ قال يزيد: يا عليّ بن الحسين( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ... ) (١) .

فقال عليّ بن الحسين:( كلاّ، ما هذه فينا نزلت، إنّما نزلت فينا: ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ... وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ... ) (٢) ،

____________________

(١) الشورى: ٣٠.

(٢) الحديد: ٢٢ - ٢٣.

١٤٤

فنحن الذين لا نأسى على ما فاتنا، ولا نفرح بما أتانا منها ) (١) .

نعم، ذكر ابن الصبّاغ المالكي بعد ذكر استشهاد يزيد بآية:( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ... ) كلاماً للإمام عليّ بن الحسينعليه‌السلام يكون بمنزلة تفسير هذه الآية.

قال: فقال عليّعليه‌السلام :( هذا في حقّ مَن ظَلَم، لا في مَنْ ظُلم ) (٢) ، فالإمام يهدم أصل استناد يزيد من الأساس، ويُبيّن عدم فقهه بمعنى الآية الشريفة.

قالوا: ( ثمّ دعا بالنساء والصبيان، فأُجلِسوا بين يديه، فرأى هيئة قبيحة فقال: قبّح الله ابن مرجانة، لو كانت بينكم وبينه قرابة ورحم ما فعل هذا بكم ولا بعث بكم هكذا )(٣) .

وهذا أيضاً موضع آخر لتبيِّن الانكسار في وجه يزيد، والتجائه للتفوّه بهذه الكلمات الواهية، وهو يريد أن يتخلّى عن المسؤولية، ويرميها على عاتق فاسق مثله هو ابن زياد.

ملاحظات:

ذكر بعضٌ وقوع المكالمة بين يزيد والإمام زين العابدينعليه‌السلام والاستناد بتلك الآيات الشريفة في هذه المواقف:

١ - قال ابن قتيبة: (وذكروا أنّ أبا معشر قال: حدّثني محمّد بن الحسين بن علي(٤) قال:

____________________

(١) تفسير القمّي ٢/ ٣٥٢ عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٨ ح١٤.

(٢) الفصول المهمّة: ١٩٥.

(٣) أُنظر تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٢؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٦؛ اعلام الورى: ٢٤٩.

(٤) الظاهر هنا سقط، وهو كلمة عليّ بن، والصحيح هو محمّد بن عليّ بن الحسين بن علي الذي ينطبق على الإمام محمّد الباقر الذي كان حاضراً في مجلس يزيد.

١٤٥

( دخلنا على يزيد ونحن اثنا عشر غلاماً مُغلّلين في الحديد، وعلينا قُمُصٌ، فقال يزيد: أخلصتم أنفسكم بعبيد أهل العراق؟! وما علمت بخروج أبي عبد الله حين خرج ولا بقتله حين قُتل، فقال عليّ بن الحسين: ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) (١) .

فغضِب يزيد وجعل يعبث بلحيته، وقال: ( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير ٍ ) (٢) ،يا أهل الشام، ما ترون في هؤلاء؟

فقال رجل من أهل الشام: لا تتّخذنّ من كلب سوء جرواً... ) (٣) .

فبناءً على ما ذكره ابن قتيبة لم يفسح المجال للإمام حتّى يقوم بالجواب.

٢ - ذكر ابن عبد ربّه عن، عليّ بن عبد العزيز، عن محمّد بن الضحّاك بن عثمان الخرامي، عن أبيه قال: ( فقتله ( أي الإمام الحسينعليه‌السلام ) عبيدُ الله، وبعث برأسه وثقله إلى يزيد، فلما وُضِع الرأس بين يديه تمثّل بقول حصين بن الحمام المرّي:

يُفلِّقن هاماً من رجال أعزّة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

فقال له عليّ بن الحسين - وكان في السبي -:( كتاب الله أولى بك من الشِّعر،

____________________

(١) الحديد: ٢٢ - ٢٣.

(٢) الشورى: ٣٠.

(٣) الإمامة والسياسة ٢/ ٨. وروى مضمونه: العقد الفريد ٥/ ١٣١؛ شرح الأخبار ٣/ ٢٦٨، ح١١٧٢؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٧٢؛ وذكره تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٥ بتفاوت.

١٤٦

يقول الله: ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) (١) .

فغضب يزيد وجعل يعبث بلحيته، ثمّ قال: غير هذا من كتاب الله أولى بك وبأبيك، قال الله:( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) (٢) ، ما ترون يا أهل الشام في هؤلاء؟... )(٣) .

فبناءً على هذا الخبر - أيضاً - لم يفسح يزيد المجال لإجابة الإمامعليه‌السلام .

أورد الحافظ الطبراني، بإسناده عن الليث قال: ( أبى الحسينُ بن علي (رضي الله عنهما) أن يُستأسر(٤) ، فقاتلوه فقتلوه، وقتلوا بنيه وأصحابه الذين قاتلوا معه بمكان يُقال له: الطف. وانُطلِق بعليّ بن حسين وفاطمة بنت حسين وسكينة بنت حسين إلى عبيد الله بن زياد، وعليّ يومئذٍ غلام قد بلغ، فبعث بهم إلى يزيد بن معاوية، فأمر بسكينة فجعلها خلف سريره لئلاّ ترى رأس أبيها، وذو قرابتها وعليّ بن الحسين (رضي الله عنهما) في غلّ فوضع رأسه، فضرب على ثنيتي الحسين (رضي الله عنه) فقال:

نُفلِّق هاماً من رجالٍ أحبَّة

إلينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما

فقال عليّ بن الحسين (رضي الله عنه):( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن

____________________

(١) الحديد: ٢٢ - ٢٣.

(٢) الشورى: ٣٠.

(٣) العقد الفريد ٥/ ١٣١. انظر: تذكرة الخواص: ٢٦٢؛ كفاية الطالب: ٤٣٢؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٧١.

(٤) جاء في المصدر أن يستأنس، وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه، كذا في تاريخ الإسلام للذهبي ١٨ وسير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٩ وتاريخ مدينة دمشق ١٩/ ٤٩٣ ومجمع الزوائد ٩/ ١٩٥..

١٤٧

قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) (١) .

فثقل على يزيد أن يتمثّل ببيت شعر وتلا عليّ آية من كتاب الله عزّ وجلّ، فقال يزيد: بل( ... بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) (٢) .

فقال عليّعليه‌السلام :( أما والله، لو رآنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مغلولين لأحبّ أن يُخلِّينا من الغِلّ ) .

قال: صدقت، فخلّوهم من الغِل.

قال:( ولو وقفنا بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأحبّ أن يُقرّبنا ) .

قال: صدقت، فقرّبوهم.

فجعلت فاطمة وسكينة يتطاولان لتريان رأس أبيهما، وجعل يزيد يتطاول في مجلسه ليستر عنهما رأس أبيهما... )(٣) .

التأمّل الذي ذكرناه يجري في هذا النقل، وعلى فرض صحّته، فالكلام الواقع بين الإمام ويزيد محمول على إرادة الإمام تجريد يزيد من سلاحه، وذلك بتعريف نفسه وأهل بيته بأنّهم أولاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ ما يجري باسم الخلافة الإسلامية هو على خلاف سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد نجح الإمامعليه‌السلام في ذلك.

قال ابن أعثم والخوارزمي - واللفظ للأوّل -:

( فتقدّم عليّ بن الحسين حتّى وقف بين يدي يزيد بن معاوية، وجعل يقول:

____________________

(١) الحديد: ٢٢.

(٢) الشورى: ٣٠.

(٣) المعجم الكبير ٣/ ١٠٩، ح٢٨٠٦. وروى ذلك تاريخ مدينة دمشق - ترجمة فاطمة بنت الحسين - ١٩/ ٤٩٣؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٩؛ تاريخ الإسلام: ١٨؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٩٥.

١٤٨

لا تطمعوا أن تُهينونا ونُكرمكم

وأن نكفّ الأذى عنكم وتؤذونا

فالله يـعـلم أنّـا لا نـحبّكُم

ولا نـلومكُم إن لـم تـحبّونا

فقال يزيد: صدقت يا غلام، ولكن أراد أبوك وجدّك أن يكونا أميرين، فالحمد لله الذي أذلّهما وسفك دماءهما!

فقال له عليّ بن الحسين:( يا بن معاوية وهند وصخر، لم يزل آبائي وأجدادي فيهم الإمرة من قبل أن تلد [تولد]، ولقد كان جدّي عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -يوم بدر وأُحد والأحزاب في يده راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبوك وجدّك في أيديهما رايات الكفر ) .

ثمّ جعل عليّ بن الحسين يقول:

مـاذا تـقولون إن قال النبيّ لكم

مـاذا فـعلتم وأنـتم آخـر الأُمم

بـعترتي وبـأهلي بـعد مُنقلبي

مـنهم أُسارى ومنهم ضُرِّجوا بدم

أكـان هـذا جزائي أن نصحتكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

ثمّ قال عليّ بن الحسين:( ويلك - يا يزيد -! إنّك لو تدري ما صنعت وما الذي ارتكبت من أبي وأهل بيتي، وأخي وعمومتي، إذاً لهربت في الجبال، وفرشت الرمال، ودعوت بالويل والثبور، أن يكون رأس الحسين بن فاطمة وعلي منصوباً على باب المدينة، وهو وديعة رسول الله فيكم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأبشِر بالخزي والندامة غداً، إذا جُمِع الناس ليومٍ لا ريبَ فيه! ) (١) .

____________________

(١) الفتوح ٢/ ١٨٤. اُنظُر: مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٢؛ تسلية المجالس ٢/ ٢٨٦؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٥.

١٤٩

وفيه نقاط للبحث والتأمّل:

١ - صلابة موقف الإمام وصموده في المقام.

٢ - جعل الإمام مسؤولية قتل الإمام الحسينعليه‌السلام - وما جرى في وقعة الطف وبعده - على عاتق يزيد وتنبيهه لعمق الفاجعة الكبرى، ووعيده بنار جهنّم.

٣ - تبيين موضع جبهة يزيد، بأنّه وأباه وجدّه كانوا على خطِّ الباطل، وفي قِباله هو وأبوه وجدّه على نهج الحقّ، وأنّ النهضة الحسينيّة هي استمرار لتلك المواجهة والمقابلة.

٤ - وفي هذا الخبر أيضاً ما يفضح يزيد نفسه، فقد رأينا أنّه يُحاول أحياناً أن يتخلّى عن مسؤولية قتل الإمام الحسين ويدّعي - كذباً وزوراً - بعدم علمه بقتل الحسينعليه‌السلام وعدم رضاه بذلك، بينما نراه - في هذا الخبر - يُفصح عمّا في ضميره، ويُصرّح بفرحه وسروره بقتل سيّد الشهداء ويحمد الله على ذلك!

يزيد يهمُّ بقتل الإمامعليه‌السلام !

قال الفقيه المحدّث قطب الدين الراوندي: ( وروي أنّه لما حُمِل عليّ بن الحسينعليهما‌السلام إلى يزيد عليه اللعنة همَّ بضرب عنقه، فوقفه بين يديه وهو يُكلّمه ليستنطقه بكلمة يوجب بها قتله، وعليّعليه‌السلام يُجيبه حسب ما يُكلّمه، وفي يده سبحة صغيرة يُديرها بأصابعه، وهو يتكلّم، فقال له يزيد عليه ما يستحقّه: أنا أُكلّمك وأنت تُجيبني وتُدير أصابعك بسبحة في يدك! فكيف يجوز ذلك؟!

فقالعليه‌السلام :( حدّثني أبي عن جدّي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّه كان إذا صلّى الغداة وانفتل لا يتكلّم حتّى يأخذ سبحة بين يديه، فيقول: اللّهم، إنّي أصبحت أُسبّحك وأحمدك، وأُهلّلك وأُكبّرك، وأُمجّدك بعدد ما أُدير به سبحتي، ويأخذ السبحة في

١٥٠

يده ويُديرها وهو يتكلّم بما يُريد من غير أن يتكلّم بالتسبيح، وذكر أنّ ذلك مُحتسب له، وهو حرز إلى أن يأوي إلى فراشه، فإذا آوى إلى فراشه قال مثل ذلك القول، ووضع سبحته تحت رأسه، فهي محسوبة له من الوقت إلى الوقت، ففعلت هذا اقتداءً بجدّي صلى‌الله‌عليه‌وآله ) .

فقال له يزيد عليه اللعنة مرّة أُخرى: لست أُكلِّم أحداً منكم إلاّ ويُجيبني بما يفوز به.

وعفا عنه ووصله وأمر بإطلاقه )(١) .

إشارة بعض الحاضرين بقتل الإمام!

قال المسعودي: ( فلما استُشهد (أي الإمام الحسينعليه‌السلام ) حُمِل عليّ بن الحسين مع الحرم، وأُدخل على اللعين يزيد، وكان لابنه أبي جعفرعليه‌السلام سنتان وشهور، فأُدخِل معه، فلما رآه قال له: كيف رأيت يا عليّ بن الحسين؟!

قال:( رأيت ما قضاه الله عزّ وجلّ قبل أن يخلق السماوات والأرض ) .

فشاور يزيد جلساءه في أمره، فأشاروا بقتله وقالوا له: لا تتّخذ من كلبِ سوءٍ جرواً.

فابتدر أبو محمّد الكلام، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال ليزيد لعنه الله:( لقد أشار عليك هؤلاء بخلاف ما أشار جلساء فرعون عليه، حيث شاورهم في موسى وهارون، فإنّهم قالوا له: أرْجِه وأخاه، وقد أشار هؤلاء عليك لقتلنا، ولهذا سبب ) .

____________________

(١) الدعوات: ٦١ ح١٥٢، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ٢٠٠.

١٥١

فقال يزيد: وما السبب؟

فقالعليه‌السلام :( إنّ أولئك كانوا الرشدة، وهؤلاء لغير رشدك، ولا يقتل الأنبياء وأولادهم إلاّ أولاد الأدعياء ) .

فأمسك يزيد مُطرقاً، ثمّ أمر بإخراجهم على ما قُصّ وروي )(١) .

وحيث كان هذا الكلام يحتوي على أحسن برهان وأتقن دليل، لم يجد يزيد أيّ ملجأ يهرب إليه.

مُجابهة الإمام زين العابدين مع الرجل الشامي!

قال ابن سعد: ( فقام رجل من أهل الشام فقال: ( إنّ سباءهم لنا حلال! ).

فقال عليّ بن حسين:( كذبت ولؤمت، ما ذاك لك إلاّ أن تخرج من ملّتنا وتأتي بغير ديننا ) .

فأطرق يزيد مليّاً، ثمّ قال للشامي: اجلس )(٢) .

وروى القاضي نعمان، عن عليّ بن الحسينعليهما‌السلام قال: ( ووجّه بي إلى يزيد لعنه الله مع سائر حرم الحسينعليه‌السلام وحرم مَن أُصيب معه، فلما صرنا بين يدي يزيد اللعين قام رجل من أهل الشام فقال: يا أمير المؤمنين، نساؤهم لنا حلال.

فقال عليّ بن الحسينعليه‌السلام :( كذبت إلاّ أن تخرج من ملّة الإسلام، فتستحلّ ذلك بغير دين ) .

فأطرق يزيد ملياً، وأمر بالنسوة، فأدخلن إلى نسائه... )(٣) .

____________________

(١) إثبات الوصية: ١٤٥.

(٢) الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام الحسين من القسم غير المطبوع): ٨٣؛ الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام علي بن الحسينعليهما‌السلام ) ٥/ ٢١٢. ونحوه في: المنتظم ٥/ ٣٤٥؛ عبرات المصطفين؛ شرح الأخبار ٣/ ٢٥٣، وفيه: ( فأطرق يزيد، ولم يقل في ذلك شيئاً )؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٠٣ بتفاوت.

(٣) شرح الأخبار ٣/ ١٥٨ ح١٠٨٩.

١٥٢

زينب الكبرى في مجلس يزيد:

إنّها بنت عليّ وفاطمة، وأُخت الحسن والحسين، قد تربَّت في أحضان النبوّة والولاية، وهي اليوم بطلة المعركة، تقف أمام الطاغي بكلّ صلابة، وتُكلِّمه بتمام الشجاعة؛ لأنّها ترى الواقع الثابت عند الله، وتعلم بأنّ أخاها ومسيره الغالبان، والطاغي هو المخذول المغلوب على أمره، ولأجل ذلك نرى أنّه لم يُدركها الهول والفزع، وتقوم برسالتها وبواجبها امتداداً لثورة كربلاء، وتجسيداً رائعاً لقيمها الكريمة وأهدافها السامية.

فهي تتكلّم في وقت الكلام، وتسكت في وقت السكوت، حينما يسألها يزيد بكلامه ( تُكلّميني؟! ) تجعل المسؤولية على عاتق عليّ بن الحسينعليه‌السلام بقولها: هو المتكلِّم(١) ، حتّى تُعرِّف الإمام والحجّة وقائد المسيرة، وحينما يكون الوقت مُقتضياً نرى أنّها تأخذ بزمام الكلام وتنطق بكلمات عالية، تكشف عن كونها تربّت في مدرسة أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

قال القندوزي: ( ثمّ أمر يزيد الملعون أن يُحضِروا عنده حرم الحسين وأهل بيته، قالت زينب:

يا يزيد، أما تخاف الله ورسوله من قتل الحسين؟! وما كفاك ذلك حتّى تستجلب بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العراق إلى الشام؟! وما كفاك حتّى تسوقنا إليك كما تُساق الإماء على المطايا بغير وطاء؟! وما قتل أخي الحسين (سلام الله عليه) أحدٌ غيرُك يا يزيد، ولو لا أمرك ما يقدر ابن مرجانة أن يقتله؛ لأنّه كان أقلّ عدداً وأذلّ نفساً، أما خشيت من الله بقتله وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه وفي أخيه:( الحسن والحسين

____________________

(١) المناقب ٤/ ١٧٣.

١٥٣

سيّدا شباب أهل الجنّة من الخلق أجمعين ) ؟، فإن قلت: لا. فقد كذبت، وإن قلت: نعم. فقد خصمت نفسك واعترفت بسوء فعلك.

فقال: (ذرّية يتبع بعضها بعضاً). وبقي يزيد خجلاً ساكتاً )(١) .

وفي هذا الخطاب نقاط لابدّ من الالتفات إليها:

١) التركيز على الانتساب لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ وذلك لأجل كسر حاجز الخوف الإعلامي المشوّه والمسموم.

٢) التركيز على جعل مسؤولية قتل الإمام الحسينعليه‌السلام على عاتق يزيد، وعدم إمكانه من التخلّي عنه، وأنّه لولاه لما تمكّن ابن مرجانة أن يرتكبه.

٣) تأثير كلام زينب الكبرى، بحيث إنّ يزيد لم يحِرْ جواباً.

بين يدي رأس الإمام!

نرى أنّ زينب الكبرى (سلام الله عليها) تتّخذ موقفاً عاطفياً، حينما تواجه رأس أخيها سيّد الشهداء (سلام الله عليه)، ومع ذلك تؤثّر على المجلس تأثيراً تامّاً، بحيث ينقلب المجلس، حتّى يبكي كلُّ مَن كان حاضراً في المجلس ويزيد ساكت.

قال السيّد ابن طاووس: ( وأمّا زينب، فإنّها لما رأته ( رأس الحسينعليه‌السلام ) أهوت إلى جيبها فشقّته، ثمّ نادت بصوت حزين يُقرح القلوب: يا حسيناه! يا حبيب رسول الله! يا بن مكّة ومنى! يا بن فاطمة الزهراء سيّدة النساء! يا بن بنت المصطفى! ).

قال الراوي: ( فأبكت - والله - كلّ مَن كان حاضراً في المجلس، ويزيد ساكت )(٢) .

____________________

(١) ينابيع المودّة ٣/ ٩٢.

(٢) الملهوف: ٢١٣. ونحوه: مُثير الأحزان: ١٠٠؛ الاحتجاج ٢/ ١٢٣؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٨٤.

١٥٤

خُطبة زينب الكبرى:

إنّ من أروع الخطب التي سجّلها التأريخ، فصارت من متمِّمات النهضة الحسينيّة المباركة، هي الخطبة التي ألقتها زينب الكبرى في مجلس يزيد.

يقول الأستاذ باقر شريف القرشي: ( فقد دمّرت فيه حفيدة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله جبروت الطاغية، وألحقت به الهزيمة والعار، وعرّفته أنّ دعاة الحقّ لا تنحني جباههم أمام الطغاة والظالمين )(١) .

ولقد ذكر كثيرٌ تلك الخُطبة الغرّاء، أقدمهم ابن طيفور (ت: ٢٨٠) نذكرها حسب نقله؛ لقدمته وعلوّ مضامينه، ثمّ نردف ما نقله بالصيغة التي رواها الخوارزمي؛ وذلك لأجل وجود فروق كثيرة في نقل الأخير، ولاشتماله على مطالب راقية ومضامين عالية.

قال ابن طيفور - بعد ذكر تمثّل يزيد بأبيات ابن الزبعرى -:

فقالت زينب بنت عليّعليهما‌السلام :

صدق الله ورسوله يا يزيد( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ) (٢) ، أَظَنَنْتَ - يَا يَزِيدُ - حين أُخِذ عَلَيْنَا بأَطراف الأَرْضِ وَأكناف السَّمَاءِ، فَأَصْبَحْنَا نُسَاقُ كَمَا تُسَاقُ الأُسارى أَنَّ بِنَا هَوَاناً عَلَى اللهِ، وَبِكَ عَلَيْهِ كَرَامَةً، وَأَنَّ هذا لِعَظِيمِ خَطَرِكَ؟! فَشَمخْتَ بِأَنْفِكَ وَنَظَرْتَ في عِطْفِكَ، جَذلان فرحاً حينَ رِأَيْتَ الدُّنْيَا مُسْتَوْسِقَةً لكَ، وَالأُمُورَ مُتَّسِقَةً عليك،

____________________

(١) حياة الإمام الحسين ٣/ ٣٨٠.

(٢) الروم: ١٠.

١٥٥

وقد أُمْهِلت ونُفِّست، وهو قول الله تبارك وتعالى:( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) (١) ، أمِنَ العدل - يا بن الطُّلقاء - تخديرك نساءك وإماءَك وسوقك بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد هتكت ستورهن وأصحلت صوتهن، مكتئبات تحذي بهنّ الأباعر ويحدو بهنّ الأعادي من بلدٍ إلى بلد، لا يُراقبن ولا يؤوين، يتشوفهنّ القريب والبعيد، ليس معهنّ وليّ من رجالهنّ؟! وكيف يُستبطأ في بُغضنا مَن نظر إلينا بالشنف والشنآن، والإحن والأضغان؟! أتقول: ( ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا ) غير مُتأثِّم ولا مُستعظم، وأنت تنكت ثنايا أبي عبد الله بمخصرتك؟! ولِمَ لا تكون كذلك وقد نكأت القرحة واستأصلت الشافة بإهراقك دماء ذرّية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونجوم الأرض من آل عبد المطّلب؟! ولتردنّ على الله وشيكاً موردهم ولتودَنّ أنّك عميت وبُكمت، وأنّك لم تقل: (فاستهلّوا وأهلّوا فرحاً).

اللّهمَّ، خُذْ بحقّنا وانتقم لنا ممّن ظلمنا! والله، ما فريت إلاّ في جلدك ولا حززت إلاّ في لحمك، وسترد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برغمك وعترته ولحُمته في حظيرة القدس، يوم يجمع الله شملهم ملمومين من الشعث، وهو قول الله تبارك وتعالى:( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ

____________________

(١) آل عمران: ١٧٨.

١٥٦

اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١) ، وسيعلم من بوّأك ومكّنك من رقاب المؤمنين، إذا كان الحَكَم الله والخصم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجوارحك شاهدة عليك، فبِئْسَ للظالمين بدلاً! أيّكم شرٌّ مكاناً وأضعف جنداً؟! مع أنّي - والله - يا عدوّ الله وابن عدوّه أستصغر قَدرك وأستعظم تقريعك، غير أنّ العيون عبرى! والصدور حرّى! وما يجزي ذلك أو يُغني عنّا، وقد قُتل الحسينعليه‌السلام ، وحزب الشيطان يُقرِّبنا إلى حزب السفهاء ليُعطوهم أموال الله على انتهاك محارم الله، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا، وهذه الأفواه تتحلَّب من لحومنا، وتلك الجُثث الزواكي يعتامها عسلان الفلوات، فلئن اتّخذتنا مغنماً لتتّخذنّ مغرماً، حين لا تجد إلاّ ما قدّمت يداك، تستصرخ ابن مرجانة ويستصرخ بك، وتتعاوى وأتباعُك عند الميزان، وقد وجدت أفضل زاد زوّدك معاوية قتلك ذرّية محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فوالله، ما اتّقيتُ غير الله، ولا شكواي إلاّ إلى الله، فكِدْ كيدك واسْعَ سعيك وناصب جهدك، فوالله، لا يدحض عنك عار ما أتيت إلينا أبداً، والحمد لله الذي ختم بالسعادة والمغفرة لسادات شبّان الجنان، فأوجب لهم الجنّة، أسأل الله أن يرفع لهم الدرجات، وأن يوجب لهم المزيد من فضله، فإنّه وليٌّ قدير(٢) .

____________________

(١) آل عمران: ١٦٩.

(٢) بلاغات النساء: ٣٥.

١٥٧

وأمّا ما ذكره الخوارزمي فهو:

فقامت زينب بنت علي - وأُمّها فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فقالت:

( الْحَمْدُ للهِ ربّ العالمين، والصلاة والسلام على(١) سيّد المرسلين، صدق الله تعالى إذ يقول:( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون ) (٢) . أظننت - يا يزيد - حيث أخذت علينا أقطار الأرض(٣) ، وآفاق السّماء وأصبحنا(٤) نُساق كما تُساق الأُسارى(٥) أنّ بنا على الله(٦) هواناً (٧) ، وبك عليه كرامة(٨) ، وأنّ ذلك لعُظم خِطرك عنده(٩) ؟! فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك(١٠) ، جَذلان مسروراً، حين رأيت الدّنيا لك مستوسقة، والأُمور(١١) مُتَّسقةً، وحين صفا لك مُلكنا(١٢) وسلطاننا، فمهلاً

____________________

(١) في الاحتجاج: على جدّي سيّد المرسلين.

(٢) الروم: ١٠.

(٣) في الاحتجاج: وضيّقت علينا آفاق السماء.

(٤) في الاحتجاج: فأصبحنا لك في أسار نُساق إليك سَوْقَ في قطار، وأنت علينا ذو اقتدار.

(٥) في الملهوف: الإماء.

(٦) في الاحتجاج: من الله.

(٧) في الاحتجاج: وعليك منه كرامة وامتناناً.

(٨) في مصير الأحزان: وبك على الله كآبة، فشمخت.

(٩) في الاحتجاج: وأنّ ذلك لعظم خطرك وجلالة قدرك.

(١٠) في الاحتجاج: تضرب أصدريك فرحاً وتنقض مذرويك مرحاً.

(١١) في الاحتجاج: الأُمور لديك.

(١٢) في الاحتجاج: مُلكنا وخلص لك سلطاننا.

١٥٨

مهلاً(١) ! أنسيت قول الله تعالى: ( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) (٢) ؟!

أمِنَ العدل - يا بن الطّلقاء - تخديرك إماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا؟! قد هتكت ستورهنّ، وأبديت وجوههنّ، يُحدى(٣) بهنّ من بلد إلى بلد، ويستشرفهنّ أهل المناهل(٤) والمناقل، ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد(٥) ، والدّنيّ والشّريف(٦) ، ليس معهنّ من رجالهنّ وليٌّ، ولا من حماتهنّ حميّ(٧) . وكيف تُرجى المراقبة مَن لفظ فوه أكباد السّعداء(٨) ، ونبت لحمه بدماء الشُهداء(٩) ؟!

____________________

(١) في الاحتجاج: لا تطِشْ جهلاً.

(٢) آل عمران: ١٧٨.

(٣) في الملهوف: تحدو بهنّ الأعداء، وفي الاحتجاج: يحدو بهنّ الأعداء.

(٤) في الاحتجاج: أهل المنازل والمناهل.

(٥) في الاحتجاج: والغائب والشهيد، والشريف والوضيع.

(٦) في الاحتجاج: والرفيع.

(٧) في الاحتجاج: حميم عتوّاً منك على الله، وجحوداً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودفعاً لما جاء به من عند الله، ولا غَرْوَ منك! ولا عَجب من فعلك! وأنّى يُرتجى الخير ممّن لفظ فوه.

(٨) في الملهوف: الأزكياء، وفي الاحتجاج: الشهداء.

(٩) السعداء، ونصَبَ الحرب لسيّد الأنبياء، وجمع الأحزاب وشهر الحراب وهزّ السيوف في وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أشدّ العرب لله جحوداً وأنكرهم له رسولاً، وأظهرهم له عدواناً وأعتاهم على الربّ كفراً وطغياناً، ألا أنّها نتيجة الكفر، وضبّ يُجرجر في الصدر لقتلى يوم بدر، فلا يَستبطئ.

١٥٩

وكيف(١) لا يَستبطئ في بُغضنا أهل البيت(٢) من نظر إلينا بالشّنف والشّنآن والإحن والأضغان؟! ثُمّ تقول(٣) غير مُتأثّم ولا مُستعظم(٤) :

لأهلُّوا واستهلّوا فرحا

ثمّ قالوا يا يزيد لا تُشل

مُنتحياً(٥) على ثنايا أبي عبد اللهعليه‌السلام (٦) تنكتها بمخصرتك(٧) !

وكيف لا تقول ذلك، وقد نكأت القرحة، واستأصلت الشافة، بإراقتك(٨) دماء ذرِّيَّة آل(٩) محمّد(١٠) ونجوم الأرض من آل عبد المطَّلب؟!

____________________

(١) في الملهوف: وكيف يستظلّ في ظلّنا أهل البيت مَن نظر.

(٢) في الاحتجاج: مَن كان نظره إلينا شنعاً وشنآناً، وإحناً وأضغاناً، يُظهر كفره برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويُفصح ذلك بلسانه وهو يقول - فرحاً بقتل ولده وسبي ذرّيته غير مُتحوّب ولا مُستعظم يهتف بأشياخه -: لأهلّوا.

(٣) في الملهوف: ثمّ تقول، وفي الاحتجاج: وهو يقول.

(٤) في الاحتجاج: يهتف بأشياخه.

(٥) في الاحتجاج والملهوف، ومُثير الأحزان: مُتنحّياً.

(٦) في الملهوف: سيّد شباب أهل الجنّة تنكتها، وفي الاحتجاج: وكان مُقبَّل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينكتها.

(٧) في الاحتجاج: بمِخصرته قد التمع السرور بوجهه، لعمري لقد نكأت.

(٨) دم سيّد شباب أهل الجنّة، وابن يعسوب الدِّين والعرب، وشمس آل عبد المطّلب، وهتفت بأشياخك وتقرّبت بدمه إلى الكَفرة من أسلافك، ثمّ صرخت بندائك، ولعَمْرِي، لقد ناديتهم لو شهدوك ووشيكاً تشهدهم ولم يشهدوك، ولتودّ يمينك كما زعمت شُلّت بك عن مرفقها وجُذَّت. و[أحببت] أُمّك لم تحملك وأباك لم يلدك حين تصير إلى سخط الله ومُخاصمك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اللّهمّ، خُذْ...

(٩) في الملهوف: ذرّيّة محمّد.

(١٠) مُثير الأحزان: الذريّة الطاهرة، وتهتف بأشياخك لتردنّ موردهم، اللّهمَّ، خُذْ...

١٦٠