مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة0%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد أمين الأميني
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الصفحات: 460
المشاهدات: 208014
تحميل: 6651

توضيحات:

الجزء 6
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 208014 / تحميل: 6651
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء 6

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أتهتف(١) بأشياخك؟! زعمت تُناديهم(٢) ، فلتردنّ وشيكاً موردهم، ولتودَّنّ أنّك شُللت وبُكمت ولم تكن قلت ما قلت.

اللّهمّ، خُذْ بحقّنا، وانتقم(٣) ممّن ظلمنا(٤) ، وأحْلِل غضبك(٥) بمَن سفك دماءنا(٦) وقتل حُماتنا.

فوالله، ما فريت إلاّ جلدك، ولا (٧) جززت(٨) إلاّ لحمك، ولتردَنّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما تحمّلت(٩) من سفك دماء ذرّيته وانتهاك حُرمته(١٠) في لحُمته وعترته، وليُخاصمنّك حيث يجمع الله تعالى شملهم، ويلم شعثهم، ويأخذ لهم بحقّهم( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ

____________________

(١) في الملهوف: وتهتف بأشياخك.

(٢) في الملهوف: إنّك تُناديهم.

(٣) في مُثير الأحزان: وانتقم لنا ممّن ظلمنا، فما فريت إلاّ جلدك.

(٤) في الاحتجاج: وانتقم من ظالمنا.

(٥) في الاحتجاج: غضبك على مَن سفك.

(٦) في الاحتجاج: ونقض ذمارنا، وقتل حماتنا، وعتك عنّا سدولنا، وفعلت فعلتك التي فعلت، وما فريت.

(٧) في الاحتجاج: وما جززت.

(٨) في الملهوف: ولا حززت.

(٩) الاحتجاج: من دم ذُرّيّته وانتهكت من حُرمته وسفكت من دماء عترته ولحُمته، حيث يجمع به شملهم ويلم به شعثهم، وينتقم من ظالمهم ويأخذ لهم بحقّهم من أعدائهم، فلا يستفزّنّك الفرح بقتلهم ولا تحسبنّ.

(١٠) في الملهوف: وانتهكت من حرمته في عترته ولحُمته، وحيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم ويأخذ بحقّهم ولا تحسبنّ...

١٦١

يُرْزَقُونَ ) (١) .(٢) فحسبك بالله(٣) حاكماً، وبمحمد خصماً(٤) وبجبرئيل ظهيراً، وسيعلم مَن سوّل(٥) لك ومكّنك من رقاب المسلمين، أنْ بئس(٦) للظّالمين بدلاً، وأيّكم شرٌّ مكاناً وأضعف(٧) جُنداً.

ولئن جرّت عليّ الدّواهي مُخاطبتك، فإنّي(٨) لأستصغر قَدرك، وأستعظم تقريعك، وأستكبر(٩) توبيخك، لكنّ العيون عبرى، والصّدور حرّى.

ألا(١٠) فالعَجب كلّ العَجب! بقتل(١١) حزب(١٢) الله النُجباء بحزب

____________________

(١) آل عمران: ١٦٩.

(٢) في الاحتجاج: فرحين بما آتاهم الله من فضله) وحسبك.

(٣) في الاحتجاج: وليّاً وحاكماً وبرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصيماً.

(٤) الملهوف: خصيماً.

(٥) في الاحتجاج: مَن بوّأك.

(٦) في الملهوف: (بِئْسَ) من دون (أن).

(٧) الاحتجاج: وأضلّ سبيلاً. وما استصغاري قَدرك ولا استعظامي تقريعك، توليماً لانتجاع الخطاب فيك، بعد أن تركت عيون المسلمين به عبرى وصدورهم عند ذكره حرّى، فتلك قلوب قاسية، ونفوس طاغية، وأجسام محشوّة بسخط الله ولعنة الرسول، قد عشّش فيها الشيطان وفرَّخ، ومن هناك مثلك ما درج ونهض.

(٨) في الملهوف: إنّي.

(٩) في الملهوف: وأستكثر.

(١٠) غير موجودة في الاحتجاج.

(١١) في الملهوف: لقتل.

(١٢) في الاحتجاج: لقتل الأتقياء وأسباط الأنبياء، وسليل الأوصياء، بأيدي الطُّلقاء الخبيثة، ونسل العهرة الفجرة، تنطف أكفُّهم.

١٦٢

الشيطان الطُّلقاء، فتلك الأيدي تنطف(١) من دمائنا، وتلك(٢) الأفواه تتحلّب من لحومنا، وتلك الجُثث الطّواهر الزّواكي تتنابها(٣) العواسل وتعفوها(٤) الذئاب(٥) ، وتؤمّها الفراعل، ولئن اتّخذتنا مغنماً لتجدنا(٦) وشيكاً مغرماً، حين لا تجد إلاّ ما قدّمت يداك(٧) ، وأنّ الله ليس بظلاّم للعبيد، فإلى الله المشتكى(٨) ، وعليه المعوّل.

فكد كيدك(٩) ، واسْعَ سعيك، وناصب جهدك، فوالله، لا تمحو(١٠) ذِكْرنا، ولا تُميت وحينا، ولا تُدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عارها(١١) ، ولا تغيب شنارها، فهل رأيك إلاّ فند وأيّامك إلاّ عدد،

____________________

(١) في الملهوف: فهذه الأيدي تنضخ من دمائنا.

(٢) في الاحتجاج: وتتحلّب أفواههم من لحومنا، تلك الجُثث الزاكية على الجيوب الضاحية تنتابها.

(٣) في الملهوف: تتناهبها.

(٤) في الاحتجاج: تُعفّرها [ أُمّهات ] لفزاعل، فلئن.

(٥) في الملهوف: وتعفوها أُمّهات الفراعل.

(٦) في الاحتجاج: لتجد بنا.

(٧) في الاحتجاج: وما ربّك بظلاّم للعبيد، والملهوف: وما الله بظلاّم للعبيد.

(٨) في الاحتجاج: وإليه الملجأ والمؤمّل، ثمّ كِدْ.

(٩) في الاحتجاج: واجهد جهدك فو [الله] الذي شرّفنا بالوحي والكتاب والنبوّة والانتجاب، لا تُدرك أمدنا، ولا تبلغ غايتنا، ولا تمحو ذكرنا، ولا يدحض عنك عارنا، وهل رأيك.

(١٠) في الملهوف: لا تمحونّ.

(١١) في الملهوف: وهل رأيك إلاّ فنداً وأيّامك إلاّ عدداً وجمعك إلاّ بدداً؟!

١٦٣

وشملك(١) إلاّ بدد، يوم يُنادي المنادي ألا لعنة(٢) الله على الظالمين.

فالحمد لله الّذي ختمَ(٣) لأوّلنا بالسّعادة والرحمة، ولآخرنا بالشّهادة والمغفرة(٤) .

وأسأل(٥) الله أن يُكمل لهم الثّواب، ويوجب لهم المزيد(٦) ، وحسن المآب، ويختم بنا الشرافة، إنّه رحيم ودود، وحسبنا الله ونِعْمَ الوكيل، نِعْمَ المولى ونعم النصير(٧) )(٨) .

إنّه خطاب عظيم! تمكّن من كسر غرور يزيد وتحطيم كبريائه!

يقول الإمام كاشف الغطاء (رحمه الله): ( أتستطيع ريشةُ أعظم مُصوِّر وأبدع مُمثِّل أن يُمثِّل لك حال يزيد وشموخه بأنفه، وزهوّه بعطفه، وسروره وجذله باتّساق الأمور وانتظام الملك، ولذّة الفتح والظفر، والتشفّي والانتقام؟! - بأحسن من ذلك التصوير

____________________

(١) في الاحتجاج: وجمعك.

(٢) في الاحتجاج: ألا لعن الظالم العادي.

(٣) في الاحتجاج: حكم لأوليائه بالسعادة، وختم لأصفيائه ببلوغ الإرادة، ونقلهم إلى الرحمة والرأفة، والرضوان والمغفرة، ولم يشقَ بهم غيرك ولا ابتُلي بهم سواك، ونسأله أن يُكمل لهم الأجر ويجزل لم الثواب والذخر، ونسأله حسن الخلافة وجميل الإنابة إنّه رحيم ودود.

(٤) في الملهوف: والرحمة.

(٥) في الملهوف: ونسأل.

(٦) في الملهوف: ويحسن علينا الخلافة إنّه رحيم ودود.

(٧) ليست هذه الفقرة الأخيرة في الملهوف.

(٨) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٣. وانظر: مُثير الأحزان: ١٠١؛ الملهوف: ٢١٥؛ الاحتجاج ٢/ ١٢٣؛ الحدائق الوردية لحميد بن زيد اليماني؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٣؛ أعلام النساء ٢/ ٩٥ لعمر رضا كحالة؛ وغيرهم.

١٦٤

والتمثيل - وهل في القدرة والإمكان لأحد أن يدفع خصمه بالحجّة والبيان، والتقريع والتأنيب، ويبلغ ما بلغته سلام الله عليها بتلك الكلمات، وهي على الحال الذي عرفت، ثمّ لم تقتنع منه بذلك حتّى أرادت أن تُمثّل له وللحاضرين عنده ذلّة الباطل وعِزّة الحقّ، وعدم الاكتراث والمبالاة بالقوّة والسلطة، والهيبة والرهبة، أرادت أن تُعرّفه خِسّة قَدَرِه، وضِعَة مقداره، وشناعة فعله، ولؤم فرعه وأصله؟! )(١) .

ويقول المرحوم الفكيكي:

(تأمّل معي في هذه الخُطبة الناريّة، كيف جمعت بين فنون البلاغة وأساليب الفصاحة، وبراعة البيان، وبين معاني الحماسة وقوّة الاحتجاج، وحجّة المعارضة والدفاع في سبيل الحرّيّة، والحقّ والعقيدة بصراحة هي أنفذ من السيوف إلى أعماق القلوب، وأحدّ من وقع الأسنّة في الحشا والمهج في مواطن القتال ومجالات النزال، وكان الوثوب على أنياب الأفاعي وركوب أطراف الرماح أهون على يزيد من سماع هذا الاحتجاج الصارخ، الذي صرخت به ربيبة المجد والشرف في وجوه طواغيت بني أُميّة وفراعنتهم، في منازل عزّهم ومجالس دولتهم الهرقلية الارستقراطية الكريهة.

ثمّ إنّ هذه الخطبة التاريخية القاصعة، لا تزال تنطق ببطولات الحوراء الخالدة وجرأتها النادرة، وقد احتوت النفس القويّة الحسّاسة الشاعرة بالمثالية الأخلاقية الرفيعة السامية، وسيبقى هذا الأدب الحيّ صارخاً في وجوه الطغاة الظالمين على مدى الدهر وتعاقُب الأجيال، وفي كلّ ذكرى لواقعة الطف الدامية المفجعة )(٢) .

____________________

(١) السياسة الحسينيّة: ٣٠.

(٢) مجلّة الغري، السنة السابعة، العدد ٦، على ما في حياة الإمام الحسينعليه‌السلام ٣/ ٣٨١.

١٦٥

نظرة سريعة في مضامين الخُطبة:

إنّ هذه الخُطبة الغرّاء تحتوي على مضامين عالية ومواقف صلبة، نشير إلى بعضها:

١ - بيان نقطة مُهمّة في المعارف الإسلامية، حول إمهال الله تعالى الطغاة الظلمة والكفرة الفجرة، وأنّه ليس ذلك إلاّ لإتمام الحجّة عليهم وليزدادوا إثماً، وفي المقام أنّ ما وصل إليه يزيد ليس لعُظم خِطره عند الله! فليعلم أنّه له عذاب عظيم.

٢ - بيان جور يزيد في الحكم، مع أنّه يدّعي تمثيله الخلافة الإسلامية.

٣ - التركيز على مسألة حفظ مكانة المرأة ولزوم الغيرة.

٤ - التركيز على أنّ ما فعله يزيد هو نتيجة الكفر، وأنّ ما ارتكبه هو انتقام لما فعله الرسول من قتل أقرباء يزيد الكفرة في يوم بدر، وهو هزّ السيوف في وجه رسول الله بعد مضيّ خمسين سنة من وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام.

٥ - التأكيد أنّ الحُكم والولاية لآل محمّد لا لغيرهم، وذلك في قولها: ( وحين صفا لك مُلكنا وسلطاننا ).

٦ - الإشارة إلى مسؤولية مَن مكَّن الطاغية من رقاب المسلمين، وبذلك تُجيب عمّا يُريد أن يُحيل ذلك إلى قضاء الله وقدره!

٧ - التصريح بعدم تمكّن يزيد ولا أذنابه من محو ذكر أهل البيت، فذلك أمر لا يتمكّنه أحد.

٨ - بيان عظمة مقام الشهيد وعلوّ الشهادة في الفكر الإسلامي.

٩ - جعل المسؤولية الكبرى في قتل الإمام الحسينعليه‌السلام على عاتق يزيد مباشرة.

١٦٦

موقف يزيد من الخُطبة!

قال الخوارزمي - بعد ذكره الخُطبة - فقال يزيد:

يا صحيحة تُحمَد من صوائح

ما أهون النوح على النوائح(١)

وقال الأستاذ باقر شريف القرشي: ( وكان خطاب العقيلة كالصاعقة على رأس يزيد، فقد انهار غروره وتحطّم كبرياؤه، وحار في الجواب، فلم يستطع أن يقول شيئاً، إلاّ أنّه تمثّل بقول الشاعر (وذكر البيت)، ولم تكُنْ أيّة مُناسبة بين ذلك الخطاب العظيم، الذي أبرزت فيه عقيلة الوحي واقع يزيد، وجرّدته من جميع القيم الإنسانية، وبين ما تمثّل به من الشعر، الذي أعلن فيه أنّ الصيحة تُحمَد من الصوائح، وأنّ النوح يهون على النائحات، فأيّ ربط موضوعي بين الأمرين؟! )(٢) .

موقف زينب الكبرى من طَلَبِ الرجل الشامي!

قال الشيخ المفيد:

(قالت فاطمة بنت الحسينعليها‌السلام : فلما جلسنا بين يدي يزيد ورقّ لنا، فقام إليه رجل من أهل الشام أحمر، فقال: يا أمير المؤمنين، هَبْ لي هذه الجارية - يعنيني - وكنت جارية وضيئة، فأرعدت وظننت أنّ ذلك جائز لهم، فأخذت بثياب عمّتي زينب، وكانت تعلم أنّ ذلك لا يكون.

فقالت عمّتي للشامي: كذبت - والله - ولؤمت! والله، ما ذلك لك ولا له!

فغضب يزيد وقال: كذبتِ! إنّ ذلك لي، ولو شئت أن أفعل لفعلت!

____________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٣. وقال ابن نما وابن طاووس: فقال يزيد لعنه الله:

يا صيحة تُحمَد من صوائح

ما أهون الموت على النوائح

مُثير الأحزان: ١٠١؛ الملهوف: ٢١٨.

(٢) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام ٣/ ٣٨٣.

١٦٧

قالت: والله، ما جعل الله لك ذلك إلاّ أن تخرج من ملّتنا وتدين بغيرها.

فاستطار يزيد غضباً وقال: إيّاي تستقبلين بهذا؟! إنّما خرج من الدِّين أبوك وأخوك!

قالت زينب: بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وجدّك وأبوك إن كنت مُسلماً.

قال: كذبتِ يا عدوّة الله!

قالت له: أنت أمير، تشتم ظالماً وتقهر بسلطانك.

فكأنّه استحيى وسكت.

فعاد الشامي فقال: هَبْ لي هذه الجارية.

فقال له يزيد: اعِزُبْ، وهَبَ الله لك حتفاً قاضياً )(١) .

ملاحظات:

١ - قال ابن الجوزي وأمّ: ا قوله: (لي أن أسبيهم) فأمر لا يقع لفاعله ومُعتقده إلاّ اللعنة(٢) .

وقال سبطه: ( ليس العجب من قتال ابن زياد الحسين! وتسليطه عمر بن سعد على قتله! وحمل الرؤوس إليه! وإنّما العجب من خذلان يزيد وضربه بالقضيب ثناياه!! وحمل آل رسول الله سبايا على أقتاب الجمال!!وعزمه على أن يدفع فاطمة

____________________

(١) الإرشاد ٢/ ١٢١. روى مضمونه في شأن بنت الحسين: الفتوح ٢/ ١٨٤؛ مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٢؛ روضة الواعظين ١/ ١٩٢؛ مُثير الأحزان: ١٠٠؛ إعلام الورى: ٢٤٩؛ الاحتجاج ٢/ ١٣١؛ تذكرة الخواص: ٢٦٤؛ الملهوف: ٢١٨؛ جواهر المطالب ٢/ ٢٩٥؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٨٥، وغيرهم بتفاوت بالنقل.

(٢) الردّ على المتعصّب العنيد: ٥٢.

١٦٨

بنت الحسين إلى الرجل الذي طلبها!!... وكذا قول يزيد: (لي أن أسبيكم) لما طلب الرجل فاطمة بنت الحسين)(١) .

٢ - ذكر الخوارزمي - حينما ذكر ما وقع من الكلام بين يزيد وزينب الكبرىعليها‌السلام في المقام -:

( قالت زينب: أمير مُسلّط يشتم ظالماً، ويقهر بسلطانه، اللّهمّ، إليك أشكو دون غيرك.

فاستحيى يزيد، وندم وسكت مُطرقاً، وعاد الشاميّ إلى مثل كلامه، فقال: يا أمير المؤمنين، هَبْ لي هذه الجارية.

فقال له يزيد: اعِزُبْ عنّي لعنك الله! ووهب لك حَتفاً قاضياً، ويلك! لا تقل ذلك! فهذه بنت علي وفاطمة، وهم أهل بيت لم يزالوا مُبغضين لنا منذ كانوا )(٢) .

وروى سبط ابن الجوزي، عن هشام بن محمّد قال: ( إنّه لما دخل النساء على يزيد، نظر رجل من أهل الشام إلى فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام وكانت وضيئة، فقال ليزيد: هَبْ لي هذه؛ فإنّهنّ لنا حلال، فصاحت الصَّبْيَّة وارتعدت، وأخذت بثوب عمّتها زينب، فصاحت زينب: ليس ذلك إلى يزيد ولا كرامة!

فغضب يزيد وقال: لو شئت لفعلت!

فقالت زينب: صلِّ إلى غير قبلتنا، ودِنْ بغير ملّتنا وافعل ما شئت، فسكن غضبه )(٣) .

والمهُمّ ما ذكره السيّد ابن طاووس:

(ونظر رجل من أهل الشام إلى فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام فقال: يا أمير

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٩٠.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٢؛ انظر الفتوح ٢/ ١٨٤.

(٣) تذكرة الخواص: ٢٦٤.

١٦٩

المؤمنين، هَبْ لي هذه الجارية، فقالت فاطمة لعمّتها: يا عمّتاه، أُيتمت وأستخدم؟!

فقالت زينب: لا، ولا كرامة لهذا الفاسق!

فقال الشامي: مَن هذه الجارية؟

فقال له يزيد لعنه الله: هذه فاطمة ابنة الحسين، وتلك عمّتها زينب ابنة عليّ.

فقال الشامي: الحسين بن فاطمة وعليّ بن أبي طالب؟!

قال: نعم.

فقال الشامي: لعنك الله يا يزيد! تقتل عترة نبيّك وتسبي ذرّيته، والله، ما توهّمت إلاّ أنّهم سبي روم!

فقال يزيد: والله، لأُلحقنّك بهم. ثمّ أمر به، فضُربت عنقه )(١) .

وهذا الخبر أيضاً يدلّ بوضوح على سيطرة الإعلام المضلّل، وبثّ الدعايات الكاذبة في الشام؛ ولذلك نرى تركيز أهل البيت - وعلى رأسهم الإمام زين العابدينعليه‌السلام وزينب الكبرىعليها‌السلام - وتكرارهم بأنّهم من أولاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وثمرة عليّ وفاطمة.

٣ - ذكر بعض أنّ القصّة جرت في شأن فاطمة بنت علي، ثمّ ذكروا الموقف الزينبيّ نفسه، ذكر ذلك البلاذري(٢) ، والشيخ الصدوق(٣) ، والطبري(٤) ، وابن الأثير(٥) ، وابن الجوزي(٦) ، وابن كثير(٧) بتفاوت بالنقل.

أقول: وأمّا فاطمة بنت علي - عليه السلام - فقد ذكرها الشيخ المفيد(٨) ، وابن

____________________

(١) الملهوف: ٢١٨؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٨٥.

(٢) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٦.

(٣) أمالي الصدوق: ٢٣١، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٥٤.

(٤) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٣.

(٥) الكامل في التاريخ ٤/ ٨٦.

(٦) الردّ على المتعصّب العنيد: ٤٩؛ المنتظم ٥/ ٣٤٤.

(٧) البداية والنهاية ٨/ ١٩٦.

(٨) الإرشاد ١/ ٣٥٥.

١٧٠

شهر آشوب(١) ، والطبرسي(٢) ، وابن أبي الحديد(٣) ، وغيرهم في عداد أولاد الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وأُمّها أُمّ ولد، روي عن عنبسة العابد أنّه قال: إنّ فاطمة بنت علي مُدّ لها في العمر حتّى رآها أبو عبد اللهعليه‌السلام (٤) .

ولكنّ المهمّ في المقام أمران:

الأوّل: لا نعلم بحضورها في وقعة الطف وبعدها.

الثاني: على فرض حضورها، فالقرائن الحالية والمقالية في الخبر، تدلّ على أنّها كانت في شأن فاطمة بنت الحسينعليهما‌السلام لا فاطمة بنت عليّعليهما‌السلام ، التي روي أنّها كانت مُتزوّجة من محمّد بن عقيل(٥) .

وأمّا ما جاء في بعض هذه الأخبار، بأنّها قالت: فأخذتُ أُختي وهي أكبر منّي وأعقل(٦) . أو: وأخذتُ بثياب أُختي زينب(٧) ، فهناك رواية يمكن الركون والاعتماد عليها، وهي ما رواها الخوارزمي أنّها قالت فاطمة بنت الحسين: فأخذت بثياب أُختي وعمّتي زينب(٨) ، والأُخت هي سكينة بنت الحسينعليهما‌السلام .

٤ - أهمل بعض التصريح بالاسم، واكتفى بذكر عنوان (وصيفة من بناتهم)(٩) ،

____________________

(١) المناقب ٣/ ٣٠٥، عنه بحار الأنوار ٤٢/ ٩٢.

(٢) إعلام الورى، عنه بحار الأنوار ٤٢/ ٩٤.

(٣) شرح نهج البلاغة، عنه بحار الأنوار ٤٢/ ٩٠.

(٤) قرب الإسناد: ١٦٣ ح٥٩٤، عنه بحار الأنوار ٤٢/ ١٠٦.

(٥) بحار الأنوار ٤٢/ ٩٢.

(٦) أمالي الصدوق: ٢٣١.

(٧) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٤.

(٨) مقتل الخوارزمي ٢/ ٦٢.

(٩) تهذيب الكمال ٦/ ٤٢٩.

١٧١

أو (وصيفة من بناته)(١) ، أو (صَبيّة منهم)(٢) ، ثمّ ذكر الموقف نفسه لزينبعليها‌السلام .

٥ - لقد تفرّد أبو الفرج الإصبهاني بذكره الخبر في شأن زينب سلام الله عليها، فإنّه بعدما ذكر من الكلام الذي جرى بين الإمام زين العابدينعليه‌السلام ويزيد، قال: ( فوثب رجل من أهل الشام فقال: (دعني أقتله)، فألقت زينب نفسها عليه، فقام رجل آخر فقال: ( يا أمير المؤمنين، هَبْ لي هذه اتّخذها أمَة).

قال: فقالت له زينب: (لا! ولا كرامة! ليس لك ذلك، ولا له، إلاّ أن يخرج من دين الله ).

فصاح به يزيد: (اجلس)، فجلس، وأقبلت زينب عليه وقالت: ( يا يزيد، حسبك من دمائنا )، وقال عليّ بن الحسين:( إن كان لك بهؤلاء النسوة رحم وأردت قتلي فابعث معهنّ أحداً يؤدّيهنّ ).

فرقَّ له وقال: لا يؤدّيهنّ غيرك )(٣) .

٦ - لقد حقّقت زينب الكبرى نصراً حاسماً على الطاغي، وهو في ذروة السلطة والقدرة الظاهريّة، فقد أفحمته المرّة بعد المرّة، وقد تمكّنت أن تُظهر جهل مدّعي الخلافة للناس، كما كشفت عن عدم فقهه في شؤون الدِّين؛ فإنّ نساء المسلمين لا يصحّ اعتبارهنّ سبايا في الحروب، ولا يُعامَلن معاملة السبي، فكيف إن كنّ بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

دور أُمّ كلثوم في مجلس يزيد:

قال العلاّمة المجلسي (رحمه الله) - حول طلب الرجل الشامي من يزيد -:

(وفي بعض الكُتب: قالت أُمّ كلثوم للشامي: اسكت يا لُكع الرّجال! قطع الله لسانك، وأعمى عينيك، وأيبس يديك، وجعل النار مثواك، إنّ أولاد الأنبياء لا

____________________

(١) البداية والنهاية ٨/ ١٩٩.

(٢) سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٠٩.

(٣) مقاتل الطالبيين: ١٢٠.

١٧٢

يكونون خدمة لأولاد الأدعياء.

قال: فوالله، ما استتمّ كلامها حتّى أجاب الله دعاءها في ذلك الرجل.

فقالت: الحمد لله الذي عجّل لك العقوبة في الدُّنيا قبل الآخرة! فهذا جزاء مَن يتعرّض لحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )(١) .

دور سكينة بنت الحسينعليهما‌السلام :

قال الشيخ المفيد: ( سكينة بنت الحسين... أُمّها الرباب بنت امرئ القيس بن عدي، كلبية، وهي أُمّ عبد الله بن الحسين... )(٢) .

ولها دور مُهمّ في جميع مراحل النهضة الحسينيّة، ومنها في مجلس يزيد، فهي تسير على نهج أخيها الإمام السجّادعليهما‌السلام وعمّتها زينب الكبرىعليها‌السلام ، وتقصد تحقيق نفس الأهداف، وتتوسّل بذات الأساليب؛ فلذلك نرى أنّها تقوم بتعريف الأُسارى بأنّهم من آل محمّد، لكي تُسيطر على الجوّ المسموم إعلاميّاً.

روى الحميري، بإسناده عن عبد الله بن ميمون، عن جعفر بن محمّد، عن أبيهعليهما‌السلام قال:( لما قُدِم على يزيد بذراري الحسين أُدِخل بهنّ نهاراً مكشوفات وجوههنّ، فقال أهل الشام الجفاة: ما رأينا سبياً أحسن من هؤلاء، فمَنْ أنتم؟ فقالت سكينة بنت الحسين: نحن سبايا آل محمّد ) (٣) .

ونرى أنّها تواجه يزيد بكلّ صلابة، وتُجبره على التراجع في الموقف، بحيث يُظهر الندامة ويجعل المسؤولية على عاتق ابن مرجانة كذباً وزوراً.

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٥/ ١٣٧.

(٢) الإرشاد ٢/ ١٣٥.

(٣) قرب الإسناد: ٢٦، ح٨٨، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٦٩ ح١٥.

١٧٣

قال ابن سعد: ( وقالت له سكينة بنت حسين: يا يزيد، بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ سبايا(١) ].

فقال: يا بنت أخي، هو - والله - عليَّ أشدّ منه عليك!

وقال: أقسمت بالله، لو أنّ بين ابن زياد وبين حسين قرابة ما أقدم عليه، ولكن فرّقتْ بينه وبينه سميّة!

وقال: قد كنت أرضى من طاعة أهل العراق بدون قتل الحسين، فرحم الله أبا عبد الله، عجّل عليه ابن زياد، أما والله، لو كنت صاحبه ثمّ لم أقدر على دفع القتل عنه إلاّ بنقص بعض عمري لأحببت أن أدفعه عنه! ولوددت أنّي أتيت به سلماً )(٢) .

قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): ثمّ أُدخِل نساء الحسينعليه‌السلام على يزيد بن معاوية، فصحن نساء آل يزيد وبنات معاوية وأهله، وولولن وأقمن المأتم، ووضع رأس الحسين بين يديه، فقالت (سكينة بنت الحسين): والله، ما رأيت أقسى قلباً من يزيد، ولا رأيت كافراً ولا مشركاً شرّاً منه ولا أجفى منه(٣) ، وأقبل يقول وينظر إلى الرأس:

ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل(٤)

____________________

(١) أخذناه من سير أعلام النبلاء وغيره.

(٢) الطبقات الكبرى (ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من القسم غير المطبوع): ٨٣. ونحوه في مرآة الزمان: ١٠٠ - على ما في عبرات المصطفين ٢/ ٢٨٨ -؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٠٣ بتفاوت يسير.

(٣) وفي الكامل في التاريخ: ٤/ ٨٥؛ والفصول المهمّة: ١٩٥؛ ومرآة الزمان: ١٠١ (مخطوط على ما في عبرات المصطفين: ٢/ ٢٨٣): (ما رأيت كافراً بالله خيراً من يزيد بن معاوية).

أقول: لعلّ المقصود بـ (خيراً) أي خير ما تكون الرؤية، أي هو واضح الكفر، لا مؤونة في تبيّن ذلك منه.

إن لم نقل: إنّ بعض مُحبّيه أراد التخفيف من قبح ما اجترحه، فاقترف ما شاء وأضاف هذه المفتريات!

(٤) أمالي الصدوق: ٢٣٠، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٥٤. وروي نحوه في روضة الواعظين ١/ ١٩١.

١٧٤

دور فاطمة بنت الحسينعليهما‌السلام :

قال الشيخ المفيد: ( فاطمة بنت الحسين... أمّها أُمّ إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله، تيميّة )(١) .

قال ابن عبد ربّه: ( وحمل أهل الشام بنات رسول الله سبايا على أحقاب الإبل، فلما أُدخلن على يزيد قالت فاطمة ابنة الحسين: يا يزيد، أبنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا؟!

قال: بل حرائر كرام، اُدْخُلي على بنات عمّك تجديهن قد فعلن ما فعلتِ.

قالت فاطمة: فدخلت إليهنّ، فما وجدت فيهنّ سفيانيّة إلاّ مُتلدّمة تبكي )(٢) .

وقال ابن نما: ( وقالت فاطمة بنت الحسين: يا يزيد، بنات رسول الله سبايا؟! فبكى الناس وبكى أهل داره حتّى علت الأصوات )(٣) .

وقال القاضي نعمان: ( فقالت فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام : يا يزيد، ما تقول في بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سبايا عندك؟!

فاشتدّ بكاؤه حتّى سمع ذلك نساؤه، فبكين حتّى سمع بكاءهن مَن كان في مجلسه )(٤) .

وروى الطبري عن أبي عوانة بن الحَكم الكلبي: (ثمّ أُدخِل نساء الحسين على يزيد، فصاح نساء آل يزيد وبنات معاوية وأهله وولولن، ثمّ إنّهنّ أُدخِلن على يزيد، فقالت فاطمة بنت الحسين - وكانت أكبر من سكينة -: أبنات رسول

____________________

(١) الإرشاد ٢/ ١٣٥.

(٢) العقد الفريد ٥/ ١٣٢.

(٣) مُثير الأحزان: ٩٩.

(٤) شرح الأخبار ٣/ ٢٦٨.

١٧٥

الله سبايا يا يزيد؟!

فقال يزيد: ابنة أخي، أنا لهذا كنت أكره.

قالت: والله، ما تُرِك لنا خرص.

قال: يا ابنة أخي، ما أُتي إليك أعظم ممّا أُخذ منك.

ثمّ أُخرِجن فأُدخِلن دار يزيد بن معاوية )(١) .

والشيء الذي يُلفت النظر في هذا الموقف، هو وضوح التراجع والتنازل من قِبل الطاغي يزيد بن معاوية، وهو يرجع إلى ما حصل في المجلس، ومن تأثير كلام أهل بيت العترة، بحيث انقلب المجلس، لأنّ المجلس الذي أُسّس على أساس أن يكون مجلس فرح يزيد أصبح مجلس مأتم الحسينعليه‌السلام ومنطلق الانقلاب ضدّ يزيد، وعليه يُحمَل ما ورد في هذه الأخبار، من أنّه رقّ عليهم! ولعن ابن مرجانة، أو أنّه بكى!! فإنّ ذلك كان لأجل بكاء الناس وخوفه من إثارة الفتنة وزوال مُلكه.

وأمّا ما حُكي عن فاطمة قولها: ( والله، ما تُرِك لنا خرص )، ففيه:

١ - لم يثبت صدور هذا الكلام منها، وفي صحّة ما حُكي عنها تأمّل.

٢ - بناءً على فرض صحّة الصدور، فإنّها قالته لأجل بيان شدّة ما ارتكبه جلاوزة يزيد في معركة الطفّ، لا أنّها تُطالب ذلك، إلاّ أنّ في ضمن ما سُلب عن أهل البيت بعض مواريث فاطمة الزهراء، فإنّه لا تُقابلها أيّ شيء، فمُطالبة ذلك ليس بمعنى الحصول على أمر مادّي فحسب.

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٥. وروى نحوه: الكامل في التاريخ ٤/ ٨٦؛ البداية والنهاية ٨/ ١٩٧؛ نور الأبصار: ١٣٢ بتفاوت يسير.

١٧٦

استنكار بعض أهل الكتاب!

إنّ رسالة الثورة الحسينيّة لم تنحصر بطائفة دون أُخرى، ولا بقوم دون آخرين، ولا بزمان دون غيره؛ لذلك نرى أنّ الاستنكار والتنديد بمُرتكبي الفاجعة العُظمى ومُسبّبيها لم يخصّ المسلمين وحدهم، بل شمل كلّ أحرار العالم على مدى الزمان، ومنه استنكار بعض حاضري مجلس يزيد من أهل الكتاب.

جذور المسألة:

صحيح أنّ عمق الفاجعة والمأساة يستدعي أن يتّخذ كلّ إنسان حُرّ موقفاً جليّاً، وجليلاً وصلباً تجاهها، ولكنّ جذور المسألة - هنا - قد تعود إلى ما روي في كتبهم وآثارهم (أعني أهل الكتاب) حول ما يجري في كربلاء.

فقد روى سالم بن أبي جعدة، عن كعب الأحبار أنّه قال: ( إنّ في كتابنا (أنّ رجلاً من ولْد محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يُقتَل، ولا يجفُّ عرق دوابّ أصحابه حتى يدخلوا الجنّة، فيُعانقوا الحور العين )، فمرّ بنا الحسنعليه‌السلام ، فقلنا: هو هذا؟

قال: لا. فمرّ بنا الحسينعليه‌السلام ، فقلنا: هو هذا؟

قال: نعم )(١) .

وفي كامل الزيارة، بإسناده عن خالد الربعي قال: حدّثني مَن سمع كعباً يقول: ( أوّل مَن لعن قاتل الحسينعليه‌السلام إبراهيم خليل الرحمان، لعنه وأمر وُلْده بذلك، وأخذ عليهم العهد والميثاق، ثمّ لعنه موسى بن عمران وأمر أُمّته بذلك، ثمّ لعنه داود وأمر بني إسرائيل بذلك، ثمّ لعنه عيسى وأكثر أن قال: يا بني إسرائيل، العنوا قاتله، وإن أدركتم أيّامه فلا تجلسوا عنه، فإنّ الشهيد معه كالشهيد مع الأنبياء...، وكأنّي أنظر إلى بقعته، وما من نبيّ إلاّ وقد زار كربلاء ووقف عليها وقال: إنّكِ

____________________

(١) أمالي الصدوق: ٢٠٣، مجلس ٢٩، ح٢٢٠، عنه بحار الأنوار ٤٤/ ٢٢٤، ح٢.

١٧٧

لبقعة كثيرة الخير! فيك يُدفَن القمر الأزهر )(١) .

وروى الخوارزمي عن الفتوح، بإسناده عن كعب الأحبار: أنّه لما أسلم زمن عمر بن الخطّاب وقدم المدينة، وجعل أهل المدينة يسألونه عن الملاحم التي تكون في آخر الزمان، فكان يُخبرهم بأنواع الملاحم والفتن ويقول: ( وأعظمها ملحمةً هي الملحمة التي لا تُنسى أبداً! وهي الفساد الذي ذكره الله تعالى في كتابكم فقال:( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ... ) ، وإنّما فُتح بقتل قابيل هابيل ويُختم بقتل الحسين بن عليعليه‌السلام ، ثمّ قال كعب: لعلّكم تُهوِّنون قتل الحسين! أولا تعلمون أنّه تُفتح يوم قتله أبواب السماوات كلّها ويؤذَن للسماء بالبكاء فتبكي دماً عبيطاً؟! فإذا رأيتم الحمرة قد ارتفعت من جنباتها شرقياً وغربياً، فاعلموا أنّها تبكي حسيناً، فقيل له: يا أبا إسحاق، كيف لم تفعل ذلك بالأنبياء وأولاد الأنبياء من قبل وبمَن كان خيراً من الحسين؟! فقال كعب،: ويْحَكُمْ! إنّ قتل الحسين لأمرٌ عظيم؛ لأنّه ابن بنت خير الأنبياء، وأنّه يُقتل علانية مُبارزة ظلماً وعدواناً، ولا تُحفظ فيه وصيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو مزاج مائه، وبضعة من لحمه، فيُذبَح بعرصة كربلاء في كرب وبلاء )(٢) .

وقال ابن كثير: ( وقد روي عن كعب الأحبار آثار في كربلاء )(٣) .

وعن رأس الجالوت أنّه قال: ( كنت أسمع أنّه يُقتل بكربلاء ابن نبيّ، فكنت إذا دخلتها ركضت دابّتي حتّى أخلفها! فلما قُتل الحسين جعلت أسير على هنيئتي )(٤) .

____________________

(١) كامل الزيارات: ٦٧ ح٢، عنه العوالم ١٧/ ٥٩٣ ح٢؛ بحار الأنوار ٤٤/ ٣٠١ ح١٠.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ١٦٩.

(٣) البداية والنهاية ٨/ ٢٠١.

(٤) الكُنى (للدولابي) ٢/ ٢٠؛ المعجم الكبير ٣/ ١١٨ ح٢٨٢٧؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٢٩١؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٩٠.

١٧٨

وقال سبط ابن الجوزي: قال ابن سيرين: وجِد حجر قبل مبعث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بخمسمئة سنة مكتوب بالسريانية، فنقلوه إلى العربية، فإذا هو:

أترجو أمَّة قتلت حسيناً

شفاعة جدِّه يوم الحساب(١)

وروى الخوارزمي، عن إمام لبني سليم قال: ( حدّثنا أشياخنا قالوا: دخلنا في الروم كنيسةً لهم، فوجدنا في الحائط صخرة فيها مكتوب:

أترجو أمَّة قتلت حسيناً

شفاعة جدِّه يوم الحساب(١)

وروى الخوارزمي، عن إمام لبني سليم قال: ( حدّثنا أشياخنا قالوا: دخلنا في الروم كنيسةً لهم، فوجدنا في الحائط صخرة فيها مكتوب:

أترجو أمَّة قتلت حسيناً

شفاعة جدِّه يوم الحساب(١)

فلا والله ليس لهم شفيع

وهم يوم القيامة في العذاب

فقلنا لشيخ من الكنيسة: مُنْذُ كم هذا الكتاب؟

فقال: من قبل أن يُبعث صاحبكم بثلاثمئة عام )(٢) .

وفي بعض الكُتب أنّه وجد ذلك البيت بستّمئة عام قبل مبعث الرسول(٣) .

وروى الزرندي، عن سليمان بن يسار: وجد حجر مكتوب عليه:

لابـدّ أن تـرد الـقيامة فـاطم

وقـميصها بـدم الحسين مُلطَّخ

ويـلٌ لـمَن شـفعاؤه خصماؤه

والصُّور في يوم القيامة يُنفخ(٤)

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٧٤. وروى نحوه الكثير من أرباب السير والتواريخ بتفاوت يسير (نظم دُرر السمطين: ٢١٩؛ كشف الغمّة ٢/ ٥٤؛ فرائد السمطين ٢/ ١٦٠؛ البداية والنهاية ٨/ ٢٠٢؛ إحقاق الحقّ ١١/ ٥٦٧ عن تاريخ الإسلام والرجال الشيخ عثمان دوة الحنفي: ٣٨٦، وقال: روى مضمونه في الأخبار الطوال: ١٠٩؛ تاريخ الخميس ٢/ ٢٩٩؛ حياة الحيوان: ١/ ٦٠؛ نور الأبصار: ١٢٢).

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ٩٣؛ ونحوه في بشارة المصطفى: ٢٠١؛ أمالي الصدوق: ١٩٣ مجلس ٢٧ ح٢٠٣؛ روضة الواعظين ١/ ١٩٣؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٩٩؛ إحقاق الحقّ ١١/ ٥٥٧ - ٥٦٠.

(٣) كفاية الطالب: ٨٣٨؛ تهذيب الكمال ٦/ ٤٤٢.

(٤) نظم درر السمطين: ٢١٩.

١٧٩

هذا، وأهمّ من جميع ذلك أنّه جاء في العهد القديم والجديد ذكر ما ينطبق على الإمام الحسينعليه‌السلام ، كما أورده الأستاذ الشيخ أحمد الواسطي، في كتابه القيّم (أهل البيت في الكتاب المقدّس)، قال:

(يوحنّا) يُخبر عن المذبوح بكربلاء:

فقد جاء في سفر يوحنا

كي أتّا نشحطتا

في بدمخا قانيتا لإيلوهيم

من كل مشبحا في لا شون في كل عم في گوي

في إيريه فا اشمع

قول ملاخيم ربيم

قورئيم عوشير في حاخما

في گبورها في هدار كافود في براخا(١) .

ويعني هذا النصّ:

إنّكَ الذي ذُبِحت

وقدَّمت دمك الطاهر قرباناً للربِّ

ومن أجل إنقاذ الشعوب والأُمم

وسينال هذا الذبيح المجد

والعِزَّة والكرامة وإلى الأبد لأنّه

جسّد البطولة والتضحية بأعلى مراتبها.

____________________

(١) يوحنّا ٥: ٩ - ١٢ ص٤٦٣ (الأصل العبري) العهد الجديد.

١٨٠