مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء ٦

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة0%

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد أمين الأميني
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الصفحات: 460
المشاهدات: 208309
تحميل: 6657

توضيحات:

الجزء 6
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 208309 / تحميل: 6657
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة الجزء 6

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

كـلّ أهل السماء يدعو عليكم

مـن نـبيٍّ ومُـرسلٍ وقـبيل

قـد لُعنتم على لسان ابن داود

وذي الروح حامل الإنجيل(١)

وقال الشيخ مُطهّر بن طاهر المقدسي: وسمع أهل المدينة ليلةَ قُتِل الحسين في نهارها هاتفاً يهتف:

مسح الرسول جبينه

فله بريق في الخدود

أبواه من عَلْيَا قريش

وجدّه خير الجدود(٢)

وقال الشيخ الثقة ابن نما الحلّي: وممّا انفرد بن النطنزي في كتاب الخصائص، عن أبي ربيعة، عن أبي قبيل، قيل: سُمع في الهواء بالمدينة قائلٌ يقول:

____________________

(١) كامل الزيارات: ٩٧، باب ٢٩، ح١٠، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ٢٣٨. وذكر في الإرشاد ٢/ ١٢٤ وفيه: ( فلما كان الليل من ذلك اليوم الذي خطب فيه عمرو بن سعيد بقتل الحسين بن عليّعليهما‌السلام بالمدينة سمع أهل المدينة في جوف الليل مُنادياً يُنادي - يسمعون صوته ولا يرون شخصه -:.. من نبي وملاك وقبيل.. ابن داود وموسى وصاحب.. )؛ تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٨، وفيه ( من نبي وملك وقبيل.. ابن داود وموسى )، ثمّ قال: ( قال هشام: حدّثني عمرو بن حيزوم الكلبي عن أبيه قال: سمعت هذا الصوت. وذكر أسماء مَن قُتل من بني هاشم مع الحسينعليه‌السلام وعدد مَن قُتل من كلّ قبيلة من القبائل التي قاتلته )؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٩٠؛ مُثير الأحزان: ١٠٧ - عن صاحب الذخيرة وفيه: ( أهل السماء تبكي.. وملاك وقبيل.. ابن داود وموسى وصاحب.. ) - عنه بحار الأنوار ٤٥/ ٢٣٥؛ كشف الغمّة ٢/ ٦٨ - كما في الإرشاد؛ تذكرة الخواص: ٢٧٠؛ روضة الواعظين ١/ ١٩٣ وفيه: ( ظلماً حسيناً.. نبي وملك وقبيل.. وموسى وعيسى وصاحب وصاحب... )؛ البداية والنهاية ٨/ ٢٠٠ وفيه مثل ما ذكرناه عن الروضة، إلاّ أنّه ليس فيه كلمة عيسى؛ الملهوف: ٢٠٨ وفيه: ( كلّ مَن في السماء يبكي عليه من نبيّ وشاهد ورسول.. وموسى وصاحب الإنجيل )؛ تسلية المجالس ٢/ ٣٧٢، وغيرهم مثل: تاريخ دمشق ٤/ ٣٤١؛ كفاية الطالب: ٢٩٥؛ نظم درر السمطين: ٢١٧؛ ينابيع المودّة: ٣٢٠ - على ما في إحقاق الحقّ ١١/ ٥٧٦ -؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٩٩ - عن شارح ديوان أمير المؤمنينعليه‌السلام .

(٢) البدء والتاريخ ٦/ ١٢.

٣٦١

يـا مَـن يقول بفضل آل محمّد

بـلِّغْ رسـالتنا بـغير تـواني

قـتلتْ شـرارُ بـني أُميّة سيّداً

خـير الـبريّة مـاجداً ذا شان

ابن المفضَّل في السماء وأرضها

سـبط الـنبيّ وهـادم الأوثان

بكت المشارق والمغارب بعدما

بـكت الأنام له بكلّ لسان (١)

وقال ابن نما:

(وناحت عليه - أي على الحسينعليه‌السلام - الجنّ، وكان نفر من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله منهم المسوّر بن مخزمة ورجال يستمعون النوح ويبكون )(٢) .

وروى الشيخ ابن قولويه، بإسناده عن الحلبي قال: قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام :

( لما قُتِل الحسينعليه‌السلام سمع أهلنا قائلاً يقول بالمدينة: اليوم نزل البلاء على هذه الأُمّة، فلا يرون فرحاً حتّى يقوم قائمكم، فيُشفي صدوركم ويقتل عدوّكم، وينال بالوِتْر أوتاراً.

ففزعوا منه وقالوا: إنّ لهذا القول لحادثاً، قد حدث ما لا نعرفه. فأتاهم خبر الحسينعليه‌السلام بعد ذلك، فحسبوا ذلك، فإذا هي تلك الليلة التي تكلّم فيها المتكلِّم ) (٣) .

وروى الشيخ المفيد، بإسناده عن محفوظ بن المنذر قال: ( حدّثني شيخ من بني تميم كان يسكن الرابية، قال: سمعت أبي يقول: ما شعرنا بقتل الحسينعليه‌السلام حتّى كان مساء ليلة عاشوراء، فإنّي لجالس بالرابية ومعي رجل من الحيّ، فسمعنا هاتفاً يقول:

____________________

(١) مُثير الأحزان: ٩٥، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٢٤.

(٢) مُثير الأحزان: ١٠٧، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ٢٣٥.

(٣) كامل الزيارات: ٣٣٦، باب ١٠٨، ح١٤، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٧٢.

٣٦٢

والله مـا جئتكم حتّى بصرتُ به

بـالطفّ مُـنعفرَ الخدَّين منحورا

وحـوله فِـتيةٌ تُـدمى نحورهم

مثل المصابيح يعلون الدُّجى نورا

وقد حثثت قُلوصي كي أُصادفهم

من قبل أن يُلاقوا الخُرَّد الحورا

فـعـاقني قــدرٌ والله بـالغه

وكـان أمـراً قضاه الله مقدورا

كان الحسين سُراجاً يُستضاء به

الله يـعلم أنّـي لـم أقُـلْ زورا

صـلّى الإلـه على جسمٍ تضمّنه

قبر الحسين حليف الخير مقبورا

مـجاوراً لرسول الله في غُرَف

ولـلوصيّ ولـلطيّار مَـسرورا

فقلنا له: مَن أنت يرحمك الله؟

قال: أنا وأبي من جنّ نصيبين، أردنا مؤازرة الحسينعليه‌السلام ومواساته بأنفسنا، فانصرفنا من الحجّ، فأصبناه قتيلاً )(١) .

إلاّ أنّ سبط ابن الجوزي ذكره بنحو آخر قال: ( وذكر المدايني عن رجل من أهل المدينة، قال: خرجت أُريد اللحاق بالحسينعليه‌السلام - لما توجّه إلى العراق - فلما وصلت الرَّبَذَة إذا برجل جالس، فقال لي: يا عبد الله، لعلّك تُريد أن تُمدَّ الحسين؟

قلت: نعم.

قال: وأنا كذلك، ولكن اقعد؛ فقد بعثت صاحباً لي والساعة يَقْدِم بالخبر.

قال: فما مضت إلاّ ساعة وصاحبه قد أقبل وهو يبكي، فقال له الرجل: ما الخبر؟

فقال:

والله مـا جئتكم حتّى بصرتُ به

في الأرض مُنعَفرَ الخدَّين منحورا

وحـوله فِـتية تُـدمى نـحورهم

مثل المصابيح يغشون الدُّجى نورا

وقـد حثثت قُلوصي كي أُصادفهم

من قبل ما ينكحون الخُرَّدَ الحورا

____________________

(١) أمالي المفيد: ٣٢٠، مجلس ٣٨، ح٧، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ٢٣٩، ح٩. وروى نحوه الشيخ الطوسي في أماليه (٩٠، مجلس ٣، ح١٤١).

٣٦٣

يا لهف نفسي لو أنّي لحقتهم

إذاً لقرَّت إذا حلّوا أساريرا

فقال له الرجل الجالس:

اذهـب فـلا زال قـبراً أنـت سـاكنه

حـتّى الـقيامة يُـسقى الغيث ممطورا

فــي فـتـيةٍ بـذلـوا لـله أنـفسهم

قد فارقوا المال والأهلين والدُّورا )(١) .

والمستفاد منه ومن بعض النصوص، أنّه سيطرت حالة من الندامة على بعض أوساط المجتمع من بعد خروج أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام إلى العراق، ولعلّه أصابهم الخَجل في عدم نصرتهم ابن بنت نبيّهم، وأحسّوا لذلك في نفسهم الذلّ.

ولقد روى الزرندي الخبر بتفصيل أكثر، قال: ( ونقل أبو الشيخ في كتابه، بسنده إلى محمّد بن عبّاد بن صهيب عن أبيه، قال: قدم رجل المدينة يطلب الحديث والعلم بها، فجلس في حلقة، فمرّ بهم رجل، فسلّم عليهم، فقال له ذلك الرجل: نُحبّ أن تُخبرنا بما جئت له، تُريد نُصرة الحسين بن علي؟

قال: نعم، خرجت أُريد نُصرة الحسين، فلما صرت بالرَّبَذة إذا برجل جالس، فقال لي: يا أبا عبد الله، أين تُريد؟

قلت: أُريد نُصرة الحسين.

قال: وأنا أريد ذلك أيضاً، ولنا رسول هناك يأتينا بالخبر الساعة.

قال: فتعجّبت من قوله: يأتينا بالخبر الساعة، فلم يلبث وهو يُحدّثني إذا أقبل رجل وقال له الذي كان معي: ما وراءك؟ فأنشأ يقول:

ي والله مـا جـئتكم حتّى بصرت به

لَحْب العجاجة لَحْب السيف مَنحورا

وحـوله فِـتيةٌ تُـدمى نـحورهم

مثل المصابيح يغشون الدُّجى نورا

وقـد حثثت قُلوصي كي أُصادقهم

من قبل ما أن يُلاقوا الخُرَّد الحورا

يا لهف نفسي لو أنّي قد لحقت بهم

إنّـي تـحلّيت إذا حـلّت أساويرا

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٢٧١.

٣٦٤

فأجابه الذي كنت معه واستعبر وقال:

في فتيةٍ وهبوا لله أنفسهم

قد فارقوا المال والأهلين والدُّورا

فلا زال قبراً أنت تسكنه

حتّى القيامة يُسقى الغيث ممطورا

ثمّ التفتُّ فلم أرهما، فعلمت أنّهما من الجنّ، فرجعت إلى المدينة، وإذا الخبر قد لحقنا أنّ الحسين قد قُتِل، وأنّ رأسه حمله سنان بن أنس النخعي إلى يزيد )(١) .

ولا يخفى أنّ سماع الهاتف لم ينحصر بالمدينة وضواحيها، بل حصل في أمكنة شتّى وبقاع عديدة:

منها: مكّة وضواحيها :

روى القاضي نعمان عن عبد الله بن زواق، قال: ( سمعت رجلاً من الأنصار يُحدّث معمراً، قال: لما كان اليوم الذي قُتِل فيه الحسين بن عليّعليه‌السلام مرّ رجل في بعض الليل في مِنى، فمسع صوتاً على كبكب(٢) كأنّه صوت امرأة تنوح: ( إبك أبكي حسينا أيما )، فأجابتها أُخرى من ثبير(٣) تقول: ( إبك أبكي ابن الرسول أيما).

قال الرجل: فكتبتُ تلك الليلة، فإذا هي الليلة التي تتلو اليوم الذي قُتل الحسينعليه‌السلام (٤) .

ومنها: البصرة:

قال ابن نماء: وروي أنّ هاتفاً سُمع بالبصرة يُنشد ليلاً:

إنّ الرماح الواردات صدورها

نحو الحسين تُقاتل التنزيلا

____________________

(١) نظم درر السمطين: ٣٢٣.

(٢) اسم جبل خلف عرفات مُشرف عليها، قيل: هو الجبل الأحمر الذي تجعله في ظهرك إذا وقفت بعرفة. مُعجم البلدان ٤/ ٤٩٢، رقم ١٠١٠٧.

(٣) قال الجمحي: الأثبرة أربعة: ثبير غينى.. وثبير الأعرج.. وثبير مِنى.. وقال نصر: ثبير من أعظم جبال مكّة بينها وبين عرفة.. مُعجم البلدان ٢/ ٨٥، رقم ٢٧٦٩.

(٤) شرح الأخبار ٣/ ١٦٩، ح١١١٣.

٣٦٥

ويُهلِّلون بأنْ قُتلتَ وإنّما

قَتلوا بك التكبير والتَّهليلا

فكأنّما قتلوا أباك محمّداً

صلّى عليه الله أو جبريلا(١)

رؤيا عامر بن سعد البجلي!

أورد ابن عساكر، بإسناده عن عامر بن سعد البجلي، قال: ( لما قُتل الحسين بن علي رأيت رسول الله(صلَّى الله عليه وسلِّم) في المنام، فقال:إن رأيت البراء بن عازب فاقرأه منّي السلام، وأخبره أنّ قتلة الحسين بن علي في النار، وإن كاد الله أن يسحت أهل الأرض منه بعذاب أليم.

قال: فأتيت البراء، فأخبرته، فقال: صدق رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم)، قال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم):( مَن رآني في المنام فقد رآني، فإنّ الشيطان لا يتصوّر بي ) (٢) .

تقاطر الدم من شجرة!

إنّ مصيبة قتل الحسينعليه‌السلام شملت الكون كلّه؛ ولذلك نرى حدوث الآيات الكَونيّة في الأرض والسماء بعد مقتله - صلوات الله عليه - وبكاء العالَم عليه(٣) ،

____________________

(١) مُثير الأحزان: ١٠٨.

(٢) ترجمة الإمام الحسين من تاريخ دمشق: ٤٤٤، ح٣٩٧. وذكره المزّي (تهذيب الكمال ٦/ ٤٤٦) وفيه:( وإن كاد الله ليسحت ) والبدخشاني (نُزل الأبرار: ١٦٣) وقال: (أخرجه ابن الأخضر) وغيرهما.

(٣) منها ما ذكره الشيخ الصدوق (رحمه الله) بإسناده عن جبلة المكّيّة قالت: سمعت ميثماً التمّار قدّس الله روحه يقول:والله، لتقتلَنّ هذه الأُمّة ابن نبيّها في المحرّم لعشر يمضين منه، وليتّخذنّ أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة، وأنّ ذلك لكائن، قد سبق في علم الله تعالى ذكره، أعلم ذلك بعهد عهده إليَّ مولاي أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ولقد أخبرني أنّه يبكي عليه كلّ شيء حتّى الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار، والطير في جوّ السماء، وتبكي عليه الشمس والقمر والنجوم والسماء والأرض، ومؤمنو

٣٦٦

وتفصيلها خارج عن المقام، إلاّ إنّنا نكتفي بذكر هذا الخبر:

روى العلاّمة المجلسي عن بعض كُتب المناقب المعتبرة، عن سيّد الحفّاظ أبي منصور الديلمي، بإسناده عن هند بنت الجون قالت: نزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بخيمة خالتها أُمّ معبد ومعه أصحاب له، فكان من أمره في الشاة ما قد عرفه الناس، فقال(١) في الخيمة هو وأصحابه حتّى أبرد، وكان يوم قائظ شديد حرّه، فلما قام من رقدته دعا بماء، فغسل يديه فأنقاهما، ثمّ مضمض فاه ومجّه على عوسجة كانت إلى جنب خيمة خالتها ثلاث مرّات، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه وذراعيه، ثمّ مسح برأسه ورجليه وقال:( لهذه العوسجة (٢) شأن ) .

ثمّ فعل مَن كان معه من أصحابه مثل ذلك، ثمّ قام فصلّى ركعتين، فعجبت أنا وفتيات الحيّ من ذلك، وما كان عَهِدْنا ولا رأينا مُصلّياً قبله، فلما كان من الغد أصبحنا وقد علت العوسجة حتّى صارت كأعظم دوحة عادية وأبهى، وخضّد الله شوكها، وساخت عروقها، وكثرت أفنانها، واخضرّ ساقها وورقها، ثمّ أثمرت بعد ذلك وأينعت بثمر كأعظم ما يكون من الكمأة في لون الوَرْس المسحوق، ورائحة العنبر، وطعم الشَّهْد، والله،

____________________

الإنس والجنّ وجميع ملائكة السماوات ورضوان ومالِك وحملة العرش، وتمطر السماء دماً ورماداً، ثمّ قال: وجبت لعنة الله على قَتَلة الحسينعليه‌السلام كما وجبت على المشركين الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر، وكما وجبت على اليهود والنصارى والمجوس...

ثمّ قال ميثم: يا جبلة، اعلمي أنّ الحسين بن عليعليهما‌السلام سيّد الشهداء يوم القيامة، ولأصحابه على سائر الشهداء درجة، يا جبلة، إذا نظرتِ إلى الشمس حمراء كأنّها دمٌ عبيط فاعلمي أنّ سيّدك الحسين قد قُتِل!

قالت جبلة: فخرجت ذات يوم، فرأيت الشمس على الحيطان كأنّها الملاحف المعصْفَرة، فصحت حينئذٍ وبكيت، وقلت: قد - والله - قُتِل سيّدنا الحسين بن عليّ عليهما‌السلام . (أمالي الصدوق: ١٨٩، مجلس ٢٧، ح١، علل الشرائع ١/ ٢٢٧، ح٣، عنهما بحار الأنوار ٤٥/ ٢٠٢، ح٤).

(١) من القيلولة.

(٢) العوسج: من شجر الشوك له جناة حمراء ويكون غالباً في السباخ، الواحدة عوسجة.

٣٦٧

ما أكل منها جائع إلاّ شبع، ولا ظمآن إلاّ روي، ولا سقيم إلاّ بَرِأ، ولا ذو حاجة وفاقة إلاّ استغنى، ولا أكل من ورقها بعير ولا ناقة ولا شاة إلاّ سمنت ودرّ لبنها، ورأينا النماء والبركة في أموالنا منذ يوم نزل، وأخصبت بلادنا، وأمرعت، فكنّأ نُسمِّي تلك الشجرة: (المباركة)، وكان ينتابنا من حولنا من أهل البوادي يستظلّون بها، ويتزوّدون من ورقها في الأسفار، ويحملون معهم في الأرض القِفار، فيقوم لهم مقام الطعام والشراب، فلم تزل كذلك وعلى ذلك حتى أصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمارها، واصفرّ ورقها، فأحزننا ذلك وفرقنا له، فما كان إلاّ قليل حتّى جاء نعي رسول الله، فإذا هو قد قُبِضَ ذلك اليوم، فكانت بعد ذلك تُثمر ثمراً دون ذلك في العظم والطعم والرائحة، فأقامت على ذلك ثلاثين سنة، فلما كانت ذات يوم أصبحنا وإذا بها قد تشوّكت من أوّلها إلى آخرها، فذهبت نضارة عيدانها وتساقط جميع ثمرها، فما كان إلاّ يسيراً حتّى وافى مقتل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فما أثمرت بعد ذلك لا قليلاً ولا كثيراً، وانقطع ثمرها، ولم نَزَلْ ومَن حولنا نأخذ من ورقها ونُداوي مرضانا بها، ونستشفي به من أسقامنا.

فأقامت على ذلك بُرهة طويلة، ثمّ أصبحنا ذات يوم، فإذا بها قد انبعثت من ساقها دماً عبيطاً جارياً، وورقها ذابلة تقطر دماً كماء اللحم، فقلنا: إن قد حدث عظيمة. فبتنا ليلتنا فزعين مهمومين نتوقّع الداهية، فلما أظلم الليل علينا سمعنا بكاءً وعويلاً من تحتها وجلبةً شديدة ورجّة، وسمعنا صوت باكية تقول:

أيا بن النبيّ ويا بن الوصيّ

ويا مَن بقيّة ساداتنا الأكرمينا

ثمّ كثرت الرنّات والأصوات، فلم نفهم كثيراً ممّا كانوا يقولون، فأتانا بعد ذلك قتل الحسينعليه‌السلام ، ويبست الشجرة، وجفّت، فكسّرتها الرياح والأمطار بعد ذلك، فذهبت واندرس أثرها.

٣٦٨

قال عبد الله بن محمّد الأنصاري: فلقيت دعبل بن علي الخزاعي بمدينة الرسول، فحدّثته بهذا الحديث، فلم يُنكره وقال: حدّثني أبي عن جدّي، عن أُمِّه سعيدة بنت مالك الخزاعية أنّها أدركت تلك الشجرة، فأكلتْ من ثمرها على عهد عليّ بن أبي طالبعليهما‌السلام ، وأنّها سمعت تلك الليلة نوح الجنّ، فحفظت من جِنِّيّة منهنّ:

يـا بـن الـشيهد ويا شهيداً عمّه

خـير الـعمومة جـعفر الـطيّار

عـجباً لـمصقول أصـابك حدُّه

في الوجه منك وقد علاه غبار(١)

ولقد روى ذلك أيضاً الخوارزمي(٢) ، والسيّد محمّد بن أبي طالب(٣) بتفاوت يسير.

قصّة الغُراب وفاطمة بنت الحسين ( الصغرى )!

روى الخوارزمي، بإسناده عن المفضّل بن عمر الجُعفي، سمعت جعفر بن محمّدعليهما‌السلام يقول:( حدّثني أبي محمد بن علي، حدّني أبي عليّ بن الحسين عليهما‌السلام قال: لما قُتل الحسين جاء غراب فوقع في دمه، ثمّ تمرّغ، ثمّ طار، فوقع بالمدينة على جدار دار فاطمة بنت الحسين - وهي الصغرى - فرفعتْ رأسها إليه، فنظرته فكبت وقالت:

نعب الغراب فقلت مَن

تنعاه ويلك من غراب

قال الإمام فقلت من

قال الموفَّق للصواب

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٥/ ٢٢٣ ح١.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢/ ١١١ ح٤٤، ط دار أنوار الهدى.

(٣) تسلية المجالس ٢/ ٤٧٠.

٣٦٩

إنّ الـحسين بـكربلا

بين المواضي والحراب

قـلت الحسين فقال لي

مُلقىً على وجه التراب

ثـمّ اسـتقلّ به الجَناح

ولـم يُطِق ردّ الجواب

فـبكيت مـنه بـعبرةٍ

تُرضي الإله مع الثواب

 ( قال محمّد بن عليّعليهما‌السلام : )فنعتْهُ لأهل المدينة، فقالوا: جاءت بسحر عبد المطّلب، فما كان بأسرع من أن جاءهم الخبر بقتل الحسين عليه‌السلام ) (١) .

الطير المتلطّخ بالدم في المدينة!

قال العلاّمة المجلسي (رحمه الله):( روى بعض أصحابنا قال: وروي من طريق أهل البيت عليهم‌السلام أنّه لما استُشهد الحسين عليه‌السلام بقي في كربلاء صريعاً ودمه على الأرض مسفوحاً، وإذا بطائر أبيض قد أتى وتمسّح بدمه، وجاء والدّم يقطر منه، فرأى طيوراً تحت الظِلال على الغصون والأشجار، وكلّ منهم يذكر الحَبّ والعلف والماء، فقال لهم ذلك الطير المتلطّخ بالدّم: يا ويلكم! أتشتغلون بالملاهي، وذِكْر الدُّنيا والمناهي، والحسين في أرض كربلاء في هذا الحرّ مُلقى على الرمضاء، ظامئ مذبوح، ودمه مسفوح، فعادت الطيور كلّ منهم قاصداً كربلاء، فرأوا سيّدنا الحسين عليه‌السلام مُلقى في الأرض، جثّة بلا رأس ولا غُسل ولا كفن، قد سفت عليه

____________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢/ ٩٢، عنه إحقاق الحقّ ١١/ ٤٩٢، ورواه بحار الأنوار ٤٥/ ١٧١ عن بعض الكُتب القديمة؛ فرائد السمطين ٢/ ١٦٣ ح٤٥١ وفيه: ( حقّاً لقد سكن التراب... بين الأسنّة والضراب / فابكِ الحسين بعبرةٍ تُرضي الإله.. فلم يُطق.. فبكيت فما هلّ بي بعد الوصيّ المستجاب )؛ تسلية المجالس ٢/ ٤٦٩؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٧١ ح١٩، عن كتاب المناقب القديم، وفيه: ( بين الأسنّة والضراب. فابكي الحسين بعبرة ترجى الإله مع الثواب.. حقّاً لقد سكن التراب.. فلم يُطِقْ.. فبكيت ممّا هلّ بي بعد الدعاء المستجاب )؛ العوالم ١٧/ ٤٩٠، ح٢ وغيرهم بتفاوت.

٣٧٠

السوافي، وبدنه مرضوض قد هشّمته الخيل بحافرها، زوّاره وحوش القفار، وندبته جنّ السهول والأوعار، قد أضاء التراب من أنواره، وأزهر الجوّ من إزهاره، فلما رأته الطيور تصايحن وأعلنَّ بالبكاء والثبور، وتواقعن على دمه يتمرّغن فيه، طار كلّ واحد منهم إلى ناحية يُعلِم أهلها عن قتل أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام، فمن القضاء والقدر أنّ طيراً من هذه الطيور قصد مدينة الرسول، وجاء يُرفرف والدّم يتقاطر من أجنحته، ودار حول قبر سيّدنا رسول الله يُعلن بالنداء: ( ألا قُتِل الحسين بكربلاء، ألا ذُبح الحسين بكربلاء )، فاجتمعت الطيور عليه وهم يبكون عليه وينوحون .

فلما نظر أهل المدينة من الطيور ذلك النوح، وشاهدوا الدّم يتقاطر من الطير، لم يعلموا ما الخبر حتى انقضت مدّة من الزمان، وجاء خبر مقتل الحسين، علموا أنّ ذلك الطير كان يُخبر رسول الله بقتل ابن فاطمة البتول، وقُرّة عين الرسول.

وقد نُقل أنّه في ذلك اليوم الذي جاء فيه الطير إلى المدينة، كان في المدينة رجل يهودي، وله بنت عمياء زمناء طرشاء مشلولة، والجذام قد أحاط ببدنها، فجاء ذلك الطائر والدم يتقاطر منه، ووقع على شجرة يبكي طول ليلته، وكان اليهودي قد أخرج ابنته تلك المريضة إلى خارج المدينة إلى بستان، وتركها في البستان الذي جاء الطير ووقع فيه، فمن القضاء والقدر أنّ تلك الليلة عرض لليهوديّ عارض، فدخل المدينة لقضاء حاجته، فلم يقدر أن يخرج تلك الليلة إلى البستان التي فيها ابنته المعولة، والبنت لما نظرت أباها لم يأتها تلك الليلة لم يأتها نوم لوحدتها؛ لأنّ أباها كان يُحدِّثها ويُسلّيها حتّى تنام، فسمعت عند السحر بكاء الطير وحنينه، فبقيت تتقلّب على وجه الأرض، إلى أن صارت تحت

٣٧١

الشجرة التي عليها الطير، فصارت كلّما حنّ ذلك الطير تُجاوبه من قلب محزون، فبينما هي كذلك إذ وقع قطرة من الدّم، فوقعت على عينها ففُتحت، ثمّ قطرة أُخرى على عينها الأُخرى فبرئت، ثمّ قطرة على يديها فعوفيت، ثمّ على رجليها فبرئت، وعادت كلّما قطرت قطرة من الدّم تُلطِّخ به جسدها، فعوفيت من جميع مرضها من بركات دم الحسينعليه‌السلام .

فلما أصبحت أقبل أبوها إلى البستان، فرأى بنتاً تدور ولم يعلم أنّها ابنته، فسألها أنّه كان لي في البستان ابنة عليلة لم تقدر أن تتحرّك، فقالت ابنته: والله، أنا ابنتك، فلما سمع كلامها وقع مغشيّاً عليه، فلما أفاق قام على قدميه، فأتت به إلى ذلك الطير، فرآه واكراً على الشجرة، يئنّ من قلبٍ حزين مُحترق ممّا رأى ممّا فُعل بالحسينعليه‌السلام ، فقال له اليهودي: أقسمت عليك - بالذي خلقك أيّها الطير - أنْ تُكلّمني بقُدرة الله تعالى!

فنطق الطير مُستعبراً، ثمّ قال: إنّي كنت واكراً على بعض الأشجار مع جملة الطيور عند الظهيرة، وإذا بطير ساقط علينا، وهو يقول: أيّها الطيور، تأكلون وتتنعّمون، والحسين في أرض كربلاء في هذا الحرّ على الرمضاء، طريحاً ظامئاً والنحر دامٍ، ورأسه مقطوع، على الرمح مرفوع، ونساؤه سبايا، حفاة عرايا، فلما سمعنا بذلك تطايرنا إلى كربلاء، فرأيناه في ذلك الوادي طريحاً، الغُسل من دمه، والكفن الرّمل السافي عليه ، فوقعنا كلّنا عليه نوح ونتمرّغ بدمه الشريف، وكان كلّ منّا طار إلى ناحية، فوقعت أنا في هذا المكان.

فلما سمع اليهودي ذلك تعجبّ وقال: لو لم يكن الحسين ذا قدر رفيع عند الله ما كان دمه شفاء من كلّ داء، ثمّ أسلم اليهودي وأسلمت البنت وأسلم خمسمئة من قومه )(١) .

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٥/ ١٩١. ورواه البحراني أيضاً (عوالم ١٧/ ٤٩٣، ح١٠).

٣٧٢

المدينة بعد تلقّيها خبر مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام :

ضجّت المدينة المنوّرة أربع مرّات لخبر مقتل الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام منذ استشهادهعليه‌السلام حتّى صول أهل بيته إليها، كما يلي:

١ - بعد فزع أُمّ سلمة، حين ملاحظتها انقلاب ما في القارورة دماً، وبعد أن رأت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في منامها.

٢ - بعد وصول مبعوث ابن زياد، وإذاعة السلطة الفاجرة - رسميّاً - خبر تحقّق الفاجعة والمأساة.

٣ - بعد مجيء مبعوثي يزيد بالخبر - أو برأس الحسينعليه‌السلام كما في بعض الروايات.

٤ - بعد وصول آل بيت الحسين إلى المدينة، واستقبال الناس لهم بالعويل والبكاء.

وإليك التفاصيل:

أمّا الموقف الأوّل (انقلاب ما في القارورة دماً ورؤية أُمِّ سلمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام وتأثّرها)، فقد مرّت تفاصيله آنفاً، فلا نُعيد.

وأمّا الموقف الرابع ( أعني: ضجّة المدينة بعد وصول آل بيت الحسينعليه‌السلام إليها )، فهذا ما سنتناوله تفصيلاً في المبحث الآتي ( عودة بقيّة الركب الحسيني إلى المدينة المنوّرة ) تحت عنوان ( حال المدينة بعد علم أهلها بمصرع الإمامعليه‌السلام ).

أمّا ما سنتعرّض له فهما الموقفان الباقيان، أي الموقف الثاني ( بعد وصول مبعوث ابن زياد ) والثالث ( بعد دخول الرأس الشريف حسب بعض الروايات ):

٣٧٣

وصول مبعوث ابن زياد المدينة المنوّرة:

لقد أنفذ اللعين ابن زياد رسولاً إلى عمرو بن سعيد بن العاص والي المدنية، يحمل خبر قتل الحسينعليه‌السلام ، وهو عبد الملك بن ابي الحُدَيث السُّلمي(١) ، أو عبد الملك بن أبي الحارث السلمي(٢) ، أو عبيد الله بن الحرث السلمي(٣) .

* ولقد اكتفى بعضٌ بذكر العنوان العام، ولم يُصرّح باسمه:

قال السيّد ابن طاووس: ( وكتب عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية، يُخبره بقتل الحسين وخبر أهل بيته، وكتب أيضاً إلى عمرو بن سعيد بن العاص أمير المدينة بمثل ذلك )(٤) .

وقال ابن الأثير: ( فأرسل عبيد الله بن زياد مُبشّراً!! إلى المدينة بقتل الحسين إلى عمرو بن سعيد )(٥) .

 وقال ابن كثير: ( ثمّ كتب ابن زياد إلى عمرو بن سعيد أمير الحرمين، يُبشِّره بمقتل الحسين! )(٦) .

* فيما رواه آخرون بتفاصيل أكثر كالطبري، فإنّه قال: ( قال هشام: حدّثني عوانة بن الحَكَم، قال: لما قُتل عبيد الله بن زياد الحسين بن عليّ وجيء برأسه إليه،

____________________

(١) كما في الإرشاد ٢/ ١٢٣، ولكن جاء في نقل العلاّمة المجلسي في البحار ٤٥/ ١٢١ عن نسخة الإرشاد الذي كان بيده، أنّه عبد الملك بن أبي الحارث السلمي، فينطبق على ما ذكره الطبري، والظاهر هو كذلك؛ إذ إنّ الخلاف يرجع إلى الكتابة، ولا يخفى تشابه كتابة الحرث مع الحديث.

(٢) كما في تاريخ الطبري ٤: ٣٥٦.

(٣) كما ذكره ابن نما في مُثير الأحزان: ٩٤.

(٤) الملهوف: ٢٠٧، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٢١.

(٥) الكامل في التاريخ ٤/ ٨٨.

(٦) البداية والنهاية ٨/ ١٩٨.

٣٧٤

دعا عبد الملك بن أبي الحارث السلمي فقال: انطلق حتّى تَقْدِم المدينة على عمرو بن سعيد بن العاص، فبشّره بقتل الحسين.

وكان عمرو بن سعيد بن العاص أمير المدينة يومئذ، قال: فذهب ليعتلَّ له، فزجره، وكان عبيد الله لا يُصطلى بناره، فقال: انطلق حتّى تأتي المدينة لا يسبقك الخبر، وأعطاه دنانير، وقال: لا تعتلّ، وإنْ قامت بك راحلتك فاشتر راحلة )(١) .

ولقد ذكرنا مراراً، أنّ أهل المدينة كانوا يترقّبون سماع خبر المأساة، ومن الشواهد على ذلك ما رواه الطبري في الخبر نفسه: قال: ( قال عبد الملك: فقدمت المدينة، فلقيني رجل من قريش ، فقال: ما الخبر؟ فقلت: الخبر عند الأمير، فقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، قُتل الحسين بن علي! )(٢) .

مبعوث ابن زياد عند والي المدينة:

قال الطبري: ( قال عبد الملك: فدخلت على عمرو بن سعيد، فقال: ما وراءك؟

فقلت: ما سَرَّ الأمير! قُتل الحسين بن علي!

فقال: نادِ بقتله!

فناديت بقتله، فلم أسمع - والله - واعية قطّ مثل واعية نساء بني هاشم في دورهنّ على الحسين، فقال عمرو بن سعيد - وضحك:

عجّت نساء بني زياد عجَّة

كعجيج نسوتنا غَداة الأرنب

والأرنب وقعة كانت لبني زبيد على بني زياد من بني الحارث بن كعب من

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٦.

(٢) الإرشاد ٢/ ٢٣، عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٢١؛ الكامل في التاريخ ٤/ ٨٨؛ مُثير الأحزان: ٩٤.

٣٧٥

رهط عبد المدان، وهذا البيت لعمرو بن معديكرب.

ثمّ قال عمرو: هذه واعية بواعية عثمان بن عفّان!

ثمّ صعد المنبر، فأعلم الناس بقتله(١) ، ودعا ليزيد بن معاوية ونزل )(٢) .

ضجّة الناس عند سماع الخبر:

( ولما بلغ أهل المدينة مقتل الحسين كثر النوائح والصوارخ عليه )(٣) .

وروى الشيخ المفيد والشيخ الطوسي وابن شهر آشوب، عن أبي هياج عبد الله بن عامر أنّه قال: ( فما رأينا باكياً ولا باكية أكثر ممّا رأينا ذلك اليوم )(٤) .

اشتداد الواعية في دور بني هاشم:

روى الشيخ المفيد (رحمه الله)، عن مبعوث ابن زياد إلى المدينة: ( فلم أسمع - والله - واعية قطّ مثل واعية بني هاشم في دورهم على الحسين بن عليّعليهم‌السلام ، حين سمعوا النداء بقتله )(٥) .

وقال البلاذري: واشتدّت الواعية في دور بني هاشم، فقال عمرو بن سعيد الأشدق: واعية بواعية عثمان.

وقال مروان حين سمع ذلك:

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٦. وروى نحوه: الإرشاد ٢/ ١٢٣ وذكر بعضه كشف الغمّة ٢/ ٦٨ ومُثير الأحزان: ٩٤، إلاّ أنّه يظهر من رواية ابن نما أنّ المنادي بقتل الإمام الحسينعليه‌السلام هو رجل غير مبعوث ابن زياد، حيث قال: فدخلت على عمرو، وقال: ما وراءك؟ فأخبرته، فاستبشر وأمر أن يُنادى بقتله.

(٢) الإرشاد ٢/ ١٢٣؛ كشف الغمّة ٢/ ٦٨.

(٣) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٧.

(٤) أمالي المفيد: ٣١٩، مجلس ٣٨، ح٥؛ أمالي الطوسي: ٨٩ مجلس ٣ ح١٣٩؛ المناقب ٤/ ١١٦.

(٥) الإرشاد ٢/ ١٢٣. وروى نحوه تاريخ الطبري ٤/ ٣٥٦؛ كشف الغمّة ٢/ ٦٨.

٣٧٦

عجّت نساء بني زياد عجَّة

كعجيج نسوتنا غَداة الأرنب(١)

وقال ابن كثير: ثمّ كتب ابن زياد إلى عمرو بن سعيد أمير الحرمين، يُبشّره بقتل الحسين، فأمر مُنادياً فنادى بذلك، فلما سمع نساء بني هاشم ارتفعت أصواتهنّ بالبكاء والنوح، فجعل عمرو بن سعيد يقول: هكذا ببكاء نساء عثمان بن عفّان(٢) .

وروي عن القاسم بن نجيب أنّه قال: ولما بلغ أهل المدينة مقتل الحسين بكى عليه نساء بني هاشم ونُحْنَ عليه(٣) .

وقال السيّد محمّد بن أبي طالب: وكان ابن زياد حين قُتل الحسينعليه‌السلام أرسل يُخبر يزيد بذلك، وكتب أيضاً إلى عمرو بن سعيد بن العاص... أمير المدينة بمثل ذلك، فأمّا عمرو بن سعيد، فحيث وصله الخبر صعد المنبر وخطب الناس وأعلمهم ذلك، فعظمت واعية بني هاشم، وأقاموا سنن المصائب والمآتم(٤) .

جلاوزة السلطة تظهر كُفرها وحقدها!

يـسـتبشرون بـقتله وبـسبّه

وهـمُ عـلى ديـن النبيّ محمّد

والله مـا هـم مـسلمون وإنّما

قـالوا بـأقوال الـكَفْور الملْحِد

قد أسلموا خوف الردى وقلوبُهم

طُويَت على غُلٍّ وحقدٍ مُكمد(٥)

من جلاوزة السلطة الحاكمة ممّن أظهر كفره بالله، وبغضه وحقده لآل بيت رسوله: عمرو بن سعيد، أحد أفراد هذه الشجرة الملعونة.

____________________

(١) أنساب الأشراف ٣/ ٤١٧.

(٢) البداية والنهاية ٨/ ١٩٨.

(٣) المصدر نفسه.

(٤) تسلية المجالس ٢/ ٣٧٢.

(٥) مُثير الأحزان: ٩٤.

٣٧٧

قال العلاّمة الحجّة الشيخ الأميني (رحمه الله):

( عمرو بن سعيد بن العاص بن أُميّة الأُموي، المعروف بالأشدق، الذي جاء في (مسند أحمد) من طريق أبي هريرة مرفوعاً:( ليرعفنَّ على منبري جبّار من جبابرة بني أُميّة يسيل رعافه ) (١) .

قال: فحدّثني مَن رأى عمرو بن سعيد رعف على منبر رسول الله، حتّى سال رعافه، كان هذا الجبّار ممّن يسبّ عليّاًعليه‌السلام على صهوة المنابر، قال القسطلاني في ( إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري )، والأنصاري في ( تحفة الساري في شرح صحيح البخاري )، والأنصاري في ( تحفة الباري شرح البخاري المطبوع في ذيل إرشاد الساري )، في الصفحة المذكورة: سُمّي عمرو بالأشدق، لأنّه صعد المنبر فبالغ في شتم عليّ (رضي الله عنه)، فأصابته لقوة - أي داء في وجهه -... )(٢) .

وقال - بعد ذكر وصول مبعوث ابن زياد إليه، وعلمه بخبر قتل الحسينعليه‌السلام -: ثمّ صعد المنبر، فأعلم الناس قتله، وفي ( مثالب أبي عبيدة ): ثمّ أومأ إلى القبر الشريف وقال: ( يا محمّد، يوم بيوم بدر )، فأنكر عليه قوم من الأنصار(٣) .

وممّا يدلّ على خُبثه ما أردفه العلاّمة الأميني (رحمه الله) قال: ( كان أبو رافع عبداً لأبي أُحيحة سعيد بن العاص بن أُميّة، فأعتق كلٌّ من بنيه نصيبه منه إلاّ خالد بن سعيد، فإنّه وهب نصيبه للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فأعتقه، فكان يقول: أنا مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما ولّي عمرو بن سعيد بن العاص المدينة أيّأم معاوية أرسل إلى البهيّ بن أبي رافع، فقال له: مولى مَن أنت؟ فقال: مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . فضربه مئة سوط، ثمّ تركه ثمّ دعاه، فقال: مولى مَن أنت؟ فقال: مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . فضربه مئة سوط،

____________________

(١) مسند أحمد ٢/ ٥٢٢.

(٢ و٣) الغدير ١٠/ ٢٦٤. انظر - أيضاً - الجزء الثاني من هذه الموسوعة، تأليف الشيخ نجم الدين الطبسي، ص١٩٣ - ١٩٤.

٣٧٨

حتّى ضربه خمسمئة سوط، فلما خاف أن يموت قال له: أنا مولاكم )(١) .

وممّن أبرز خُبثه وحقده على آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مروان بن الحَكم، كما روى عن التنبيه على أبي القالي في أماليه أنّه قال: ( وقد رأيت أبا محمد بن حبيب البصري: أدرج هذا البيت (عجّت نساء) في خبر ذكره، فقال: لما جاء نعي الحسين (رضي الله عنه) ومَن كان معه قال مروان: يومٌ بيوم الخفض المجوّر؟! أي يوم بيوم عثمان، ثمّ تمثّل بقول الأسدي: عجّت نساء... )(٢) .

موقف أُمّ سلمة:

إنّ لأُمّ المؤمنين أُمّ سلمة - سلام الله عليها - مواقف صرحية وجريئة، تجاه هذه الجريمة النكراء التي جرت في حقّ ثمرة فؤاد الرسول، ومهجة قلب بنته البتول وأهل بيته، ولقد ذكرنا شيئاً منها في أوّل هذا الفصل.

وأمّا بالنسبة إلى بعد وصول خبر نعي أبي عبد الله الحسين ( سلام الله عليه )، فنجد منها مواقف بطولية، وكلمات صريحة وواضحة تجاه المأساة، نذكر بعض ما ظفرنا به:

قال ابن الجوزي: ( وذكر ابن أبي الدُّنيا، أنّه لما بلغ أُمّ سلمة قتل الحسين قالت: فعلوها؟! ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً، ثمّ وقعت مغشيّاً عليها )(٣) .

روى ابن سعد، بإسناده عن عمر بن عبد الواحد، عن شهر بن حوشب قال: ( إنّا لعند أُمّ سلمة زوج النبيّ (صلَّى الله عليه وسلِّم) قال: فسمعنا صارخة، فأقبلت حتّى انتهت إلى أُمّ

____________________

(١) الغدير ١٠/ ٢٦٥.

(٢) عبرات المصطفين ٢/ ٢١٩ وسترى ما يدلّ على المقصود في بحث ( رأس الحسينعليه‌السلام بالمدينة ).

(٣) الردّ على المتعصّب العنيد: ٥١.

٣٧٩

سلمة، فقالت: قُتل الحسين!

قالت: قد فعلوها؟! ملأ الله بيوتهم - أو قبورهم - عليهم ناراً. ووقعت مغشيّاً عليها. قال: وقمنا )(١) .

وروى أيضاً، بإسناده عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب قال: ( سمعت أُمّ سلمة حين أتاها قتل الحسين لعنت أهل العراق وقالت: قتلوه؟! قتلهم الله، غرّوه وذلّوه لعنهم الله )(٢) .

وروى الحاكم الحسكاني، بإسناده عن عبد الحميد بن بهرام قال: ( حدّثنا شهر بن حوشب قال: سمعت أُمّ سلمة حين جاء نعي الحسين بن علي لعنت أهل العراق، فقالت: قتلوه؟! قتلهم الله! غرّوه وذلّوه لعنهم الله، وإنّي رأيت رسول الله (صلَّى الله عليه وسلِّم) جاءته فاطمة غدية ببرمة لها قد صنعت له فيها عصيدة تحملها في طبق لها، حتّى وضعتها بين يديه، فقال لها:( أين ابن عمّك؟ ) .

قالت:( هو في البيت ) .

قال:( اذهبي فادعي به وائتيني بابنيه ) .

فجاءت تقود ابنيها كلّ واحد منهما بيد، وعليّ يمشي في أثرهم [ في أثرها (خ) ]، حتّى دخلوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأجلسهما في حجره، وجلس عليّ على يمينه وفاطمة على يساره، فاجتذب من تحتي كساءً خيبريّاً، كان بساطاً لنا على المنامة بالمدينة، فلفّه رسول الله عليهم جميعاً، فأخذ بشماله بطرفي الكساء، وألوى بيده اليمنى إلى ربّه وقال:( اللّهمَّ، إنّ هؤلاء أهلي،

____________________

(١) الطبقات، ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من القسم غير المطبوع: ٨٧، ح٣٠١. ورواه: تاريخ دمشق ( ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام : ٣٩٠، ح ٣٣٠؛ تذكرة الخواص: ٢٦٧؛ سير أعلام النبلاء ٣/ ٣١٨؛ تهذيب الكمال ٦/ ٤٣٩؛ البداية والنهاية ٨/ ٢٠٢، وغيرهم.

(٢) الطبقات، ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من القسم غير المطبوع: ٨٩، ح٣١٤. ورواه: مسند أحمد ٦/ ٢٩٨؛ المعجم الكبير ٣/ ١١٤، ح٢٨١٨؛ مُثير الأحزان: ٩٥؛ شواهد التنزيل ٢/ ١١١ ح٧٤٣؛ تذكرة الخواص: ٢٦٧؛ الطرائف: ١٢٦، ح١٩٤ - عنه بحار الأنوار ٤٥/ ١٩٨؛ مجمع الزوائد ٩/ ١٩٤، وقال: ورجاله موثّقون؛ بحار الأنوار ٤٥/ ١٢٤ وغيرهم بتفاوت يسير.

٣٨٠