اعلام الهداية محمد المصطفى خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم)

اعلام الهداية محمد المصطفى خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم)27%

اعلام الهداية محمد المصطفى خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله
الصفحات: 215

اعلام الهداية محمد المصطفى خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم)
  • البداية
  • السابق
  • 215 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 124759 / تحميل: 9969
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية محمد المصطفى خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم)

اعلام الهداية محمد المصطفى خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أعلام الهداية

محمد المصطفى خاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

المجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام

قم المقدسة

١

اسم الكتاب: أعلام الهداية (ج١) محمد المصطفى خاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

المؤلف: لجنة التأليف.

الموضوع: كلام وتاريخ.

الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام .

الطبعة الأولى: ١٤٢٢ هـ ق.

الطبعة الثانية: ١٤٢٥ هـ ق.

الطبعة الثالثة: ١٤٢٧ هـ ق.

المطبعة: ليلى.

الكمية: ٥٠٠٠.

isbn: ٩٦٤- ٥٦٨٨-١٧-٥

www.ahl-ul-bayt-org

٢

أهل البيت في القرآن الكريم

( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )

الأحزاب: ٣٣ / ٣٣

أهل البيت في السنة النبويّة

(إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبد)

(الصحاح والمسانيد)

٣

المقدمة

الحمد لله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى، ثم الصلاة والسلام على من اختارهم هداةً لعباده، لا سيَّما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى آله الميامين النجباء.

لقد خلق الله الإنسان وزوّده بعنصري العقل والإرادة، فبالعقل يبصر ويكتشف الحقّ ويميّزه عن الباطل، وبالإرادة يختار ما يراه صالحاً له ومحقّقاً لأغراضه وأهدافه.

وقد جعل الله العقل المميِّز حجةً له على خلقه، وأعانه بما أفاض على العقول من معين هدايته ; فإنّه هو الذي علّم الإنسان ما لم يعلم، وأرشده إلى طريق كماله اللائق به، وعرّفه الغاية التي خلقه من أجلها، وجاء به إلى هذه الحياة الدنيا من أجل تحقيقها.

وأوضح القرآن الحكيم بنصوصه الصريحة معالم الهداية الربّانية وآفاقها ومستلزماتها وطرقها، كما بيّن لنا عللها وأسبابها من جهة، وأسفر عن ثمارها ونتائجها من جهة أخرى.

قال تعالى:

( قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى ) (الأنعام (٦): ٧١).

( وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (البقرة (٢): ٢١٣).

( وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ) (الأحزاب (٣٣): ٤).

( وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (آل عمران (٣): ١٠١).

( قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (يونس (١٠): ٣٥).

( وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) (سبأ (٣٤): ٦).

( ومن أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هدىً من الله ) (القصص (٢٨):٥٠).

فالله تعالى هو مصدر الهداية. وهدايته هي الهداية الحقيقية، وهو الذي يأخذ بيد الإنسان إلى الصراط المستقيم وإلى الحقّ القويم.

٤

وهذه الحقائق يؤيدها العلم ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم.

ولقد أودع الله في فطرة الإنسان النزوع إلى الكمال والجمال ثمّ مَنّ عليه بإرشاده إلى الكمال اللائق به، وأسبغ عليه نعمة التعرّف على طريق الكمال، ومن هنا قال تعالى:( وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدونِ ) (الذاريات (٥١): ٥٦). وحيث لا تتحقّق العبادة الحقيقية من دون المعرفة، كانت المعرفة والعبادة طريقاً منحصراً وهدفاً وغايةً موصلةً إلى قمّة الكمال.

وبعد أن زوّد الله الإنسان بطاقتي الغضب والشهوة ليحقّق له وقود الحركة نحو الكمال; لم يؤمَن عليه من سيطرة الغضب والشهوة; والهوى الناشئ منهما، والملازم لهما فمن هنا احتاج الإنسان ـ بالإضافة إلى عقله وسائر أدوات المعرفة ـ إلى ما يضمن له سلامة البصيرة والرؤية; كي تتمّ عليه الحجّة، وتكمل نعمة الهداية، وتتوفّر لديه كلّ الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير والسعادة، أو طريق الشرّ والشقاء بملء إرادته.

ومن هنا اقتضت سُنّة الهداية الربّانية أن يُسند عقل الإنسان عن طريق الوحي الإلهي، ومن خلال الهداة الذين اختارهم الله لتولِّي مسؤولية هداية العباد وذلك عن طريق توفير تفاصيل المعرفة وإعطاء الإرشادات اللازمة لكلّ مرافق الحياة.

وقد حمل الأنبياء وأوصياؤهم مشعل الهداية الربّانية منذ فجر التاريخ وعلى مدى العصور والقرون، ولم يترك الله عباده مهملين دون حجة هادية وعلم مرشد ونور مُضيء، كما أفصحت نصوص الوحي ـ مؤيّدةً لدلائل العقل ـ بأنّ الأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه، لئلاّ يكون للناس على الله حجّة، فالحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق، ولو لم يبق في الأرض إلاّ اثنان لكان أحدهما الحجّة، وصرّح القرآن ـ بشكل لا يقبل الريب ـ قائلاً:( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (الرعد (١٣): ٧).

ويتولّى أنبياء الله ورسله وأوصياؤهم الهداة المهديّون مهمّة الهداية بجميع مراتبها، والتي تتلخّص في:

١ ـ تلقِّي الوحي بشكل كامل واستيعاب الرسالة الإلهية بصورة دقيقة. وهذه المرحلة تتطلّب الاستعداد التام لتلقّي الرسالة، ومن هنا يكون الاصطفاء الإلهي لرسله شأناً من شؤونه، كما أفصح بذلك الذكر الحكيم قائلاً:( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) (الأنعام (٦): ١٢٤) و ( اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ) (آل عمران (٣): ١٧٩).

٥

٢ ـ إبلاغ الرسالة الإلهية إلى البشرية ولمن أرسلوا إليه، ويتوقّف الإبلاغ على الكفاءة التامّة التي تتمثّل في (الاستيعاب والإحاطة اللازمة) بتفاصيل الرسالة وأهدافها ومتطلّباتها، و (العصمة) عن الخطأ والانحراف معاً، قال تعالى:( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ) (البقرة (٢): ٢١٣).

٣ ـ تكوين اُمة مؤمنة بالرسالة الإلهية، وإعدادها لدعم القيادة الهادية من أجل تحقيق أهدافها وتطبيق قوانينها في الحياة، وقد صرّحت آيات الذكر الحكيم بهذه المهمّة مستخدمةً عنواني التزكية والتعليم، قال تعالى:( يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) (الجمعة (٦٢): ٢) والتزكية هي التربية باتجاه الكمال اللائق بالإنسان. وتتطلّب التربية القدوة الصالحة التي تتمتّع بكلّ عناصر الكمال، كما قال تعالى: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (الأحزاب (٣٣): ٢١).

٤ ـ صيانة الرسالة من الزيغ والتحريف والضياع في الفترة المقرّرة لها، وهذه المهمة أيضاً تتطلّب الكفاءة العلمية والنفسية، والتي تسمّى بالعصمة.

٥ ـ العمل لتحقيق أهداف الرسالة المعنوية وتثبيت القيم الأخلاقية في نفوس الأفراد وأركان المجتمعات البشرية وذلك بتنفيذ الأطروحة الربّانية، وتطبيق قوانين الدين الحنيف على المجتمع البشري من خلال تأسيس كيان سياسيٍّ يتولّى إدارة شؤون الأمة على أساس الرسالة الربّانية للبشرية، ويتطلّب التنفيذ قيادةً حكيمةً، وشجاعةً فائقةً، وثباتاً كبيراً، ومعرفةً تامةً بالنفوس وبطبقات المجتمع والتيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية وقوانين الإدارة والتربية وسنن الحياة، ونلخّصها في الكفاءة العلمية لإدارة دولة عالمية دينية، هذا فضلاً عن العصمة التي تعبّر عن الكفاءة النفسية التي تصون القيادة الدينية من كلّ سلوك منحرف أو عمل خاطى بإمكانه أن يؤثّر تأثيراً سلبيّاً على مسيرة القيادة وانقياد الأمة لها بحيث يتنافى مع أهداف الرسالة وأغراضها.

وقد سلك الأنبياء السابقون وأوصياؤهم المصطفون طريق الهداية الدامي، واقتحموا سبيل التربية الشاقّ، وتحمّلوا في سبيل أداء المهامّ الرسالية كلّ صعب، وقدّموا في سبيل تحقيق أهداف الرسالات الإلهية كلّ ما يمكن أن يقدّمه الإنسان المتفاني في مبدئه وعقيدته، ولم يتراجعوا لحظة، ولم يتلكّأوا طرفة عين.

٦

وقد توّج الله جهودهم وجهادهم المستمرّ على مدى العصور برسالة خاتم الأنبياء محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحمّله الأمانة الكبرى ومسؤولية الهداية بجميع مراتبها، طالباً منه تحقيق أهدافها. وقد خطا الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الطريق الوعر خطوات مدهشة، وحقّق في أقصر فترة زمنية أكبر نتاج ممكن في حساب الدعوات التغييرية والرسالات الثورية، وكانت حصيلة جهاده وكدحه ليل نهار خلال عقدين من الزمن ما يلي:

١ ـ تقديم رسالة كاملة للبشرية تحتوي على عناصر الديمومة والبقاء.

٢ ـ تزويدها بعناصر تصونها من الزيغ والانحراف.

٣ ـ تكوين اُمة مسلمة تؤمن بالإسلام مبدأً، وبالرسول قائداً، وبالشريعة قانوناً للحياة.

٤ ـ تأسيس دولة إسلامية وكيان سياسيٍّ يحمل لواء الإسلام ويطبّق شريعة السماء.

٥ ـ تقديم الوجه المشرق للقيادة الربّانية الحكيمة المتمثّلة في قيادتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري:

أ ـ أن تستمرّ القيادة الكفوءة في تطبيق الرسالة وصيانتها من أيدي العابثين الذين يتربّصون بها الدوائر.

ب ـ أن تستمرّ عملية التربية الصحيحة باستمرار الأجيال; على يد مربٍّ كفوء علمياً ونفسياً حيث يكون قدوة حسنة في الخلق والسلوك كالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يستوعب الرسالة ويجسّدها في كل حركاته وسكناته.

ومن هنا كان التخطيط الإلهيّ يحتّم على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إعداد الصفوة من أهل بيته، والتصريح بأسمائهم وأدوارهم; لتسلّم مقاليد الحركة النبويّة العظيمة والهداية الربّانية الخالدة بأمر من الله سبحانه وصيانة للرسالة الإلهية التي كتب الله لها الخلود من تحريف الجاهلين وكيد الخائنين، وتربية للأجيال على قيم ومفاهيم الشريعة المباركة التي تولّوا تبيين معالمها وكشف أسرارها وذخائرها على مرّ العصور، وحتى يرث الله الأرض ومن عليها.

وتجلّى هذا التخطيط الربّاني في ما نصّ عليه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله:(إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) .

وكان أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم خير من عرّفهم النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر من الله تعالى لقيادة الأمة من بعده.

٧

إنّ سيرة الأئمّة الاثني عشر من أهل البيتعليهم‌السلام تمثّل المسيرة الواقعية للإسلام بعد عصر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودراسة حياتهم بشكل مستوعب تكشف لنا عن صورة مستوعبة لحركة الإسلام الأصيل الذي أخذ يشقّ طريقه إلى أعماق الأمة بعد أن أخذت طاقتها الحرارية تتضاءل بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخذ الأئمة المعصومون عليهم‌السلام يعملون على توعية الأمة وتحريك طاقتها باتجاه إيجاد وتصعيد الوعي الرساليِّ للشريعة ولحركة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثورته المباركة، غير خارجين عن مسار السنن الكونية التي تتحكّم في سلوك القيادة والأمة جمعاء.

وتبلورت حياة الأئمّة الراشدين في استمرارهم على نهج الرسول العظيم وانفتاح الأمة عليهم والتفاعل معهم كأعلام للهداية ومصابيح لإنارة الدرب للسالكين المؤمنين بقيادتهم، فكانوا هم الأدلاّء على الله وعلى مرضاته، والمستقرّين في أمر الله، والتامّين في محبّته، والذائبين في الشوق إليه، والسابقين إلى تسلّق قمم الكمال الإنسانيّ المنشود.

وقد حفلت حياتهم بأنواع الجهاد والصبر على طاعة الله وتحمّل جفاء أهل الجفاء حتّى ضربوا أعلى أمثلة الصمود لتنفيذ أحكام الله تعالى، ثم اختاروا الشهادة مع العزّ على الحياة مع الذلّ، حتى فازوا بلقاء الله سبحانه بعد كفاح عظيم وجهاد كبير.

ولا يستطيع المؤرّخون والكتّاب أن يلمّوا بجميع زوايا حياتهم العطرة ويدّعوا دراستها بشكل كامل، ومن هنا فإنّ محاولتنا هذه إنّما هي إعطاء قبسات من حياتهم، ولقطات من سيرتهم وسلوكهم ومواقفهم التي دوّنها المؤرّخون واستطعنا اكتشافها من خلال مصادر الدراسة والتحقيق، عسى الله أن ينفع بها إنّه وليّ التوفيق.

إنّ دراستنا لحركة أهل البيتعليهم‌السلام الرسالية تبدأ برسول الإسلام وخاتم الأنبياء محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتنتهي بخاتم الأوصياء، محمد بن الحسن العسكري المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه وأنار الأرض بعدله.

ويختص هذا الكتاب بدراسة حياة الرسول المصطفى محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي جسّد الإسلام بكل أبعاده، في جميع مرافق حياته: الفردية والاجتماعية، وفي ظروف اجتماعية وسياسية عصيبة فأرسى قواعد القيم الإسلامية المُثلى في واقع الفكر والعقيدة وفي أفق الخلق والسلوك وأصبح نبراساً

ـ على مدى العصور ـ يشعّ بالإيمان والطهر والبهاء للعالمين.

٨

ولا بدَّ لنا من تقديم الشكر إلى كلّ الإخوة الأعزّاء الذين بذلوا جهداً وافراً وشاركوا في إنجاز هذا المشروع المبارك وإخراجه إلى عالم النور، لا سيَّما أعضاء لجنة التأليف بإشراف سماحة السيد منذر الحكيم حفظه الله تعالى .

ولا يسعنا إلاّ أن نبتهل إلى الله تعالى بالدعاء والشكر لتوفيقه على إنجاز هذه الموسوعة المباركة فإنه حسبنا ونعم النصير.

للمجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام

قم المقدسة

٩

الباب الأول: فيه فصول:

المدخل:المنهج القرآني في عرض ودراسة التأريخ والسيرة.

الفصل الأول النبيّ الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سطور.

الفصل الثاني سنّة البشارة على مدى العصور.

الفصل الثالث مظاهر من شخصية خاتم النبيينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

المدخل: المنهج القرآني في عرض ودراسة التأريخ والسيرة

للقرآن الكريم عناية فائقة بسيرة الأنبياء الهداة وله نهج خاص في عرض سيرتهم صلوات الله عليهم أجمعين.

والمنهج القرآني يقوم على مجموعة من الأسس والأصول العلمية في كيفية عرضه لسيرة الهداة المصطفين.

إنّ القرآن الكريم ينطلق من عنصر الهداية وهو عنصر ترشيد حركة الإنسان نحو الكمال اللائق به فيختار أهدافاً واقعيةً لمجموعة من الحوادث التاريخية التي تشكّل منعطفاً مهمّاً في حياة الأفراد والأمم وتكون مفتاحاً للدخول إلى أبواب واسعة من العلوم والمعارف التي تخدم حركة الإنسان التكاملية.

والقرآن الكريم يوظّف شتى الأدوات للوصول إلى تلك الأهداف المُثلى.

فهو يخاطب العقل والعقلاء ويفتح أمام الفكر الإنساني آفاقاً جيدة حيث يقول:

١ ـ( فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) (١) .

ــــــــــــ

(١) الأعراف (٧) : ١٧٦.

١٠

٢ ـ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ) (١) .

فـ (التفكر) و (الاعتبار) في حوادث التأريخ والسيرة (تاريخ الأمم وسيرة القادة الهُداة) يشكّلان هدفين أساسيّين في المنهج القرآني في مجال للتاريخ.

ولا تقتصر الأهداف على هذين بل تتعدّاهما الى أهداف رسالية أخرى تتجلى في قوله تعالى:( مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) (٢) .

وفي قوله تعالى :( وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) (٣) .

حيث تضمّنت كلّ آية أربعة أهداف رسالية لاستعراض أنباء المرسلين والتحدّث عن قصصهم.

ويعتمد القرآن الكريم في منهجه التاريخي الذي يتفرّد به على الأصول التالية:

١ ـ الحق.

٢ ـ العلم.

٣ ـ المعاصرة للأحداث.

٤ ـ الإحاطة بها.

فلا يدع مجالاً للريب والافتراء فيما يحدّث عنه ويقصّه ويستعرضه من ظواهر تاريخية وحوادث اجتماعية سابقة أو معاصرة للتنزيل. ما دام يعتمد الحق

ــــــــــــ

(١) يوسف (١٢) : ١١١ .

(٢) يوسف (١٢) : ١١١.

(٣) هود (١١) : ١٢٠.

١١

والعلم دون الخرافة والخيال.

وقد أكّد هذين الأصلين بقوله تعالى:( إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ) (١) وبقوله أيضاً في مطلع سورة الأعراف:( فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ ) (٢) وفيه تصريح بعنصر المعاصرة للأحداث التي يقوم بعرضها .

وللقرآن الكريم بعد ذلك كله منهج علمي في التحليل والاستنتاج إلى جانب اعتماده على الاستقراء تارة وعلى الاستدلال تارة أخرى.

وحين يستعرض القرآن حياة الرسل بشكل عام يذكر خطوطاً عريضة تجعلهم في صف واحد وخندق واحد وخط واحد هو خط الإسلام العام، كما قال تعالى :( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ) (٣) .

ثم إنه يغور في أعماق سيرة كل واحد من أولي العزم من الرسل ليحيط المتلقي بأهم مفاصل سيرتهم وزواياها وليربط بينها وبين ما سبقها وما يلحقها من حوادث تتعلق بالخط الرسالي المستمر باستمرار الحياة.

إنّ من طبيعة البحث التاريخي أن تناله يد التحريف وقد يغطيه الإبهام والغموض وقد تستره سحب داكنة ريثما تتكشف الحقيقة بالتدريج وينمو الانكشاف حتى يبلغ حدّاً لا يستسيغ المجتمع الإنساني التغافل عنه وتجاوز الحقائق فيه.

وتشير الآية المباركة (١١١) من سورة يوسف إلى إمكان الافتراء والتلاعب بحقائق التاريخ أو المبالغة والبحث عن غير علم وسدل الستار على الحق الذي لابدّ أن يظهر في ظرف ما.

ــــــــــــ

(١) آل عمران (٣) : ٦٢.

(٢) الأعراف (٧) : ٧.

(٣) آل عمران (٣):١٩ .

١٢

ومن هنا; كان على المدرسة القرآنية أن تسلّح الباحث عن الحقيقة بسلاح موضوعي قادر على اكتشاف الحقيقة بشكل كامل.

لقد طرح القرآن الكريم نظرية الثوابت التي لا يمكن للفكر الإنساني أن يتجاوزها في حال من الأحوال وسمّاها بالمحكمات وأم الكتاب. وهي الحقائق الثابتة والبينة للفكر الإنساني، وهي لا تقبل الريب أو الترديد أو التشكيك بحال من الأحوال.

والثوابت دائماً تشكّل الخطوط العريضة والمعالم الأساسية للفكر الإنساني الذي يستوعب ما لا يستوعبه عالم المادة، ولكنه لا يستسيغ أن يقف مكتوف اليدين أمام المبهمات وما يختلف فيه أبناء آدمعليه‌السلام .

ويسوق القرآن الكريم للقارئ الواعي موقفين وأسلوبين من التعامل مع المبهمات أو ما يختلف فيه بنو آدم، ويحاكم هذين الأسلوبين ليخرج إلى نتيجة بيّنة تصبح معياراً وتقدم قاعدة عامة للتعامل مع كل خبر يرد على الفكر الإنساني.

ويعود كل نوع من أنواع التعامل إلى جذور نفسية واضحة تنسحب على نوع التعامل وتنعكس في أسلوب المواجهة مع كل حديث ينقل إلى الإنسان ويراد من الفكر الإنساني أن يتخذ منه الموقف المناسب والجدير به.

قال تعالى بعد أن أشار إلى أن القرآن هو الفرقان الذي نزله الله على رسوله الأمين:( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ * رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) (١) .

إن سلامة النفس من الزيغ تحول بين الإنسان وبين ابتغاء الفتنة. ومن هنا يتوقف الإنسان الذي يتحرّى الحقيقة عن اتّباع المتشابه من الآيات، بل يُرجع الأمر إلى ربه.

ــــــــــــ

(١) آل عمران (٣) : ٧ ـ ٨ .

١٣

فالعقل يقف حائلاً بينه وبين أي تفسير غير علمي أو غير مستند إلى دليل صحيح وحقائق ثابتة، بل العقل هو الذي يرشده إلى الركون إلى المحكمات والالتزام بأم الكتاب حيث يشكّل ذلك الإطار العام والخطوط الثابتة التي لا يمكن تجاوزها بحال من الأحوال، وحينئذ من الطبيعي أن نلاحظ الآيات الأخرى في ظل هذه الثوابت وهذه المعالم التي لا يمكن تجاوزها.

وهنا تتفتح آفاق النفس لآفاق الفكر لتتأمل فيما لا يكون صريحاً أو واضحاً في بداية الأمر، وبهذا سوف يضمن العاقل الذي آمن بربّه عدم الزيغ وعدم التسرّع في تفسير وتحليل ما يشاهده من الآيات المتشابهة، بل يقف منها موقف اللبيب الحكيم، وإن لم يفلح في اكتشاف الحقيقة فإنه لا ينكرها ولا يستنكرها، وإنّما يرجع الأمر إلى مصدره ويوكل الأمر إلى ربه الذي نزّل الآيات هذه ويستفهم منه ما يبتغيه، طالباً منه استمرار الهداية ونزول الرحمة.

إنه الموقف السليم الذي يمثل النضج والتعامل المنطقي مع النصوص إذ لا يتسرع العاقل في التوجيه والتحليل.

ومن هنا: قد نفهم الوجه في قوله تعالى في مطلع سورة هود: ( الر* كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) (١) فإن التفصيل إنما يكون بعد الإحكام وبعد أن تتعين الآيات التي هي أُم الكتاب، والتي تعدّ هي الأسس والخطوط الثابتة

ــــــــــــ

(١) هود (١١) : ١.

١٤

كما أفصحت بذلك الآية السابعة من سورة آل عمران( مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ) (١) .

والآية (٣٩) من سورة الرعد تلقي بظلالها على هذه النقطة أيضاً إذ تقول:( يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) فإن ما لا يتعرض للمحو والتغيير هو أم الكتاب. وما دونه قد يتعرض للمحو والتغيير تبعاً لاختلاف الظروف والحالات والطوارىء.

وتكفي هذه الآيات لرسم المنهج العام الذي يسير عليه القرآن الكريم في تعامله مع وقائع التاريخ، فإن الاختلاف في التفاصيل لا يسمح لنا بإنكار الأصل والتغافل عنه وإدانة ما ثبت لدينا وتحققنا من وجوده.

وفي ضوء هذا يمكن تقويم كل ما ورد في كتب السيرة النبوية أو التاريخ الإسلامي أو تأريخ ما قبل الإسلام مما يرتبط بالأنبياء وأممهم ; فإنّ الثوابت التاريخية هي محطّات الإشعاع وهي المحكمات التي لا يمكن تجاوزها بحال من الأحوال واليها نحتكم في تفسير أو قبول أو ردّ ما أثبتته كتب التأريخ من نصوص تحتوي على الصحيح والخطأ .

إذن; حقل التاريخ ـ وهو حقل اختلاط الحقائق بالأباطيل ـ يتطلب منا استعمال أدوات تسعفنا لكشف تمام الحقيقة الثابتة.

وثوابت التاريخ ـ التي أيّدتها محكمات العقل والنقل ـ هي المنطلق لأي تفسير أو تأويل أو محاكمة أو إدانة.

وقد طبّق القرآن الكريم هذا المنهج على سيرة الأنبياء وأممهم بالذات حينما رسم لنا صورة واضحة يشترك فيها كل الأنبياء واعتبر النبوّة والاصطفاء

ــــــــــــ

(١) آل عمران (٣) : ٧ .

١٥

ناشئين من مواصفات أساسية في شخصية كل نبيّ، أهّلته لأن يختاره الله نبيّاً لِهداية الخلق على يديه، وهذه المواصفات هي : اكتمال العقل والوعي والصلاح والصبر والعبودية التامّة لله القائمة على الوعي والبصيرة، قال تعالى مخاطباً نبيّه:( قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ... ) (١) ، كما قاله له:( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ... ) (٢) .

هذا هو المنطق القرآني الذي يمثّل الإحكام والثبات... فكيف يبعث الله نبيّاً لا يعي ولا يدرك أنه مبعوث أو مرسَل من ربه ولا يطمئن إلى ما يراه من آيات ربه إلاّ أن يطمئنه الآخرون؟! فلا يعقل أن يُبعث ويهيّأ للنبوة وهو لا يعلم أنه نبي ومبعوث من الله إلى الخلق، أو يتردد أو يشك في مهمّته، فضلاً عن تصوّره أنه يستلهم الحقيقة ممّن يراد منه هدايته. قال تعالى مُشيراً إلى هذه الحقيقة :

( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٣) .

إن الصورة الواضحة التي يرسمها القرآن الكريم عن شخصية أنبياء الله والتي تؤيّدها محكمات العقل هي التي تصبح موئلاً ومرجعاً محكماً وثابتاً لمحاكمة كل صورة تسرّبت من التوراة والإنجيل أو جاءت فيما سمّي بالصحاح أو عامّة كتب التاريخ التي وردت فيها بعض القصص عن أنبياء الله، سواء كان ذلك النبي هو إبراهيمعليه‌السلام أو موسى عليه‌السلام أو عيسى عليه‌السلام أو محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسواء كان الناقل لهذه الصورة بعض أمهات المؤمنين أو بعض الصحابة أو من يَمُتُّ إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصلة من قريب أو بعيد.

ــــــــــــ

(١) الأنعام (٦) : ٥٧.

(٢) يوسف (١٢) : ١٠٨.

(٣) يونس (١٠): ٣٥.

١٦

الفصل الأول: النبيّ الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سطور

ولد خاتم النبيين وسيّد المرسلين محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلبصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في السابع عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل بعد أن فقد أباه، ثم استرضع في بني سعد ، ورُدّ إلى اُمّه وهو في الرابعة أو الخامسة من عمره. وقد توفّيت أُمّه حين بلغ السادسة من عمره فكفله جدّه واختص به وبقي معه سنتين ثمّ ودّع الحياة بعد أن أوكل أمر رعايته إلى عمّه الحنون أبي طالب حيث بقي مع عمّه إلى حين زواجه.

وسافر مع عمّه إلى الشام وهو في الثانية عشرة من عمره والتقى ببحيرا الراهب في الطريق فعرفه بحيرى وحذّر أبا طالب من التفريط به وكشف له عن تربص اليهود به الدوائر.

وحضر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلف الفضول بعد العشرين من عمره وكان يفتخر بذلك فيما بعد، وسافر إلى الشام مضارباً بأموال خديجة وتزوجها وهو في الخامسة والعشرين وفي ريعان شبابه ، بعد أن كان قد عُرف بالصادق الأمين، وقد ارتضته القبائل المتنازعة لنصب الحجر الأسود لحل نزاعها فأبدى حنكةً وإبداعاً رائعاً أرضى به جميع المتنازعين.

وبُعث وهو في الأربعين وأخذ يدعو إلى الله وهو على بصيرة من أمره ويجمع الأتباع والأنصار من المؤمنين السابقين.

وبعد مضي ثلاث أو خمس سنوات من بداية الدعوة إلى الله، أمره الله بإنذار عشيرته الأقربين ثم أمره بأن يصدع بالرسالة ويدعو إلى الإسلام علانية ليدخل من أحبّ الإسلام في سلك المسلمين والمؤمنين.

ومن ذلك الحين أخذت قريش تزرع الموانع أمام حركة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتحاول أن تمنع من انتشار الرسالة صادّة بذلك عن سبيل الله وعمل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى فتح نافذة جديدة للدعوة خارج مكة فأرسل عدّة مجاميع من المسلمين إلى الحبشة بعد أن حظوا باستقبال ملكها (النجاشي) وترحيبه بقدومهم فاستقروا فيها بقيادة جعفر بن أبي طالب ولم يتركها جعفر إلاَّ في السنة السابعة بعد الهجرة.

١٧

ولم تفلح قريش في تأليب النجاشي على المسلمين ، فبدأت بخطّة جديدة تمثّلت في فرض الحصار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والذي استمرّ لمدة ثلاث سنوات ـ فلمّا أيست من إخضاع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي طالب وسائر بني هاشم لأغراضها فكّت الحصار ولكن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعشيرته بعد أن خرجوا من الحصار منتصرين امتحنوا بوفاة أبي طالب وخديجة ـ سلام الله عليهما ـ في السنة العاشرة من البعثة وكان وقع الحادثين ثقيلاً على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّه فقد بذلك أقوى ناصرين في عام واحد.

وهنا رجّح بعض المؤرّخين تحقق حادثة الإسراء والمعراج والنبيّ في أوج هذا الحزن والضغط النفسي على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يرى صدود قريش ووقوفها بكل ثقلها أمام رسالته ففتح الله له آفاق المستقبل بما أراه من آياته الكبرى فكانت بركات (المعراج) عظيمة للنبي وللمؤمنين جميعاً.

وهاجر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الطائف ليبحث عن قاعدة جديدة ولكنه لم يكسب فتحاً جديداً من هذه البلدة المجاورة لمكة والمتأثرة بأجوائها، فرجع إلى مكة بعد أن اختار جوار مطعم بن عدي فدخلها، وبدأ نشاطاً جديداً لنشر الرسالة وفي مواسم الحج حيث أخذ يعرض نفسه على القبائل القاصدة للبيت الحرام لأداء مناسك الحج وللاتجار في سوق عكاظ ففتح الله له أبواب النصر بعد التقائه بأهل يثرب، واستمرّت دعوته إلى الله وانتشر الإسلام في يثرب حتى قرّر الهجرة اليها بنفسه بعد أن أخبره الله تعالى بكيد قريش حين أجمعت بطونها على قتله والتخلّص منه نهائيّاً، فأمر عليّاًعليه‌السلام بالمبيت في فراشه وهاجر هو إلى يثرب بكل حيطة وحذر، ودخلها وأهل يثرب على أتمّ الاستعداد لاستقباله، فوصل (قبا) في غرّة ربيع الأول وأصبحت هجرته المباركة مبدأ للتأريخ الإسلامي بأمر منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وأسّس النبيّ الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوّل دولة إسلامية فأرسى قواعدها طيلة السنة الأولى بعد الهجرة بدءاً بكسر الأصنام وبناء المسجد النبوي الذي أعدّه مركزاً لنشاطه ودعوته وحكومته وبالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ليقيم بذلك قاعدة شعبية صلبة يقوم عليها بناء الدولة الجديدة، هذا مضافاً إلى كتابة الصحيفة التي نظم فيها علاقة القبائل بعضها مع بعض والمعاهدة التي أمضاها مع بطون اليهود حيث كانت تشتمل على الخطوط العامة لأوّل نظام إداري وحكومي إسلامي.

١٨

ولقد واجهت الدولة الإسلامية الفتية وكذا الدعوة الإسلامية مواجهة شرسة من جانب قريش التي عزمت على اكتساح الدعوة والدولة الإسلاميتين فشنّت الحرب بعد الحرب على المسلمين وكان لابدّ للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين من الدفاع.

وبدأت سنوات الدفاع عن هذه الدولة الفتية وقد افتتحها بأوّل سريّة بقيادة عمّه حمزة في الشهر السابع بعد الهجرة وجهّز ثلاث سرايا إلى نهاية العام الأوّل من الهجرة. ونزلت في هذا العام آيات كثيرة من سورة البقرة لترسم للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودولته وأمّته أحكاماً خالدة وتفضح خطط المنافقين وتكشف مؤامرات اليهود ضدّ خاتم المرسلين ودولته العالمية الجديدة.

لقد استهدفت قريش النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودولته من خارج المدينة، واستهدف اليهود هذه الدولة من داخل المدينة فرصد النبيّ تحركاتهم جميعاً، وتتابعت ثمان غزوات وسريّتان طيلة العام الثاني بما فيها غزوة بدر الكبرى في رمضان المبارك حيث افترضت فريضة الصيام وتمّ تحويل القبلة الذي أعطى لاستقلال الأمة المسلمة والدولة الإسلامية بُعداً جديداً.

وحفل العام الثاني بمزيد من الانتصارات العسكرية من جانب ونزول التشريعات السياسية والاجتماعية من جانب آخر ومنيت قريش واليهود بأوّل هزيمة فاضحة كما تمّ إجلاء بني قينقاع وهم أول طوائف اليهود التي اتّخذت المدينة وطناً بعد أن نكثوا عهدهم مع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقيب انتصار المسلمين في بدر الكبرى.

واستمرت محاولات قريش العسكريّة ضد الإسلام والمسلمين من خارج المدينة ونكثت قبائل اليهود عهودها مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدّة مرّات خلال ثلاث سنوات متتابعة، فكانت خمس غزوات ـ وهي : اُحد وبني النضير والأحزاب وبني قريظة وبني المصطلق ـ ذات ثقل باهض على عاتق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين جميعاً خلال هذه السنين الثلاث.

وردّ الله كيد الأحزاب واليهود معاً في العام الخامس بعد أن أبلى المسلمون بلاءاً حسناً ومهّد الله بذلك للفتح المبين بعد أن أيست قريش من القضاء على شوكة المسلمين وانطلق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد صلح الحديبية يتحالف مع القبائل المحيطة به ويستقطبها ليجعل منها قوة واحدة أمام قوى الشرك والإلحاد جميعاً حتى فتح الله له مكّة في العام الثامن ومكّنه من تصفية قواعد الشرك في شبه الجزيرة بعد أن أخضع عتاة قريش لدولته وسياسته المباركة.

١٩

ثمّ كانت السنة التاسعة عامرة بوفود القبائل التي أخذت تدخل في دين الله أفواجاً.

وكان العام العاشر عام حجة الوداع وآخر سنة قضاها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع أمته وهو يمهّد لدولته العالمية ولاُمّته الشاهدة على سائر الأُمم.

وتوفّي النبيّ القائدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الثامن والعشرين من صفر المظفر سنة إحدى عشرة هجرية بعد أن أحكم دعائم دولته الإسلامية حيث عيّن لها القيادة المعصومة التي تخلفه وتترسّم خطاه متمثّلة في شخص علي بن أبي طالبعليه‌السلام ذلك الإنسان الكامل الذي ربّاه الرسول الكريم بيديه الكريمتين منذ أن ولد ورعاه أحسن رعاية طيلة حياته، وجسّد الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام كل قيم الإسلام في فكره وسلوكه وخلقه وضرب مثلاً أعلى في الانقياد لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولأوامره ونواهيه فكان جديراً بوسام الولاية الكبرى والوصاية النبوية والخلافة الإلهية حيث رشّحه عمق وجوده في كيان الرسالة الإسلامية والثورة الإلهيّة والدولة النبوية ليكون النائب الأوّل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين غيابه عن مسرح الحياة بأمر من الله سبحانه وتعالى.

وقد لبّى الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نداء ربّه بعد أن أتمَّ تبليغ الرسالة بنصب عليّعليه‌السلام هادياً وإماماً للمسلمين على الرغم من حراجة الظروف وصعوبتها. وهكذا ضرب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المثل الأعلى لطاعة الله والانقياد لأوامره حيث بلّغ أمر الله أحسن تبليغ وأتمّ الحجة بأبلغ بيان.

تلك نظرة سريعة إلى شخصية وحياة خاتم الأنبياء محمّد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهلمّ معنا بعد هذه النظرة إلى دراسة تفصيلية في هذا المجال.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

هو عبدا اخر بمثلها لما رواه محمد بن الحسن الصفار عن ابى طالب عن عثمان بن عيسى عن على بن سالم قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول قال الله تبارك وتعالى وعزتي وجلالى لا اجيب دعوة مظلوم في مظلمة ظلمها ولاحد عنده مثل تلك المظلمة.

ومن صفات الداعي ان يجتنب الذنوب بعد دعائه لئلا تمنعه ذنوبه من بلوغ رجائه.

لما رواه محمد بن الحسن بن احمد عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين بن ابى الخطاب عن الحسن بن محبوب عن ابى ايوب عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السلام قال ان العبد يسئل الله تبارك وتعالى الحاجة من حوائج الدنيا قال فيكون من شأن الله قضاؤها إلى اجل قريب أو وقت بطى قال فيذنب العبد عند ذلك الوقت ذنبا قال فيقول الله للمالك الموكل بحاجته لا تنجز له حاجته واحرمه اياها فانه قد تعرض لسخطى واستوجب الحرمان منى.

ومن صفات الداعي ان يكون عند دعائه آئبا تائبا صالحا صادقا لما رواه محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن احمد بن محمد بن عيسى عن موسى بن القاسم عن عثمان بن عيسى عن بعض اصحابنا عن ابى عبد الله عليه السلام قال قلت له آيتان في كتاب الله لاادرى ما تأويلهما فقال وماهما قال قلت قوله تعالى ادعوني استجب لكم ثم ادعو فلا ارى الاجابة قال فقال لى افترى الله تبارك وتعالى اخلف وعده قال قلت لا فقال الاية الاخرى قال قوله تعالى وما انفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين فانفق فلا ارى خلفا قال افترى الله اخلف وعده قال قلت لا قال فمه قلت لا ادرى لكنى اخبرك ان شاء الله تعالى

٤١

ما انكم لو اطعتموه فيما امركم به ثم دعوتموه لاجابكم ولكن تخالفونه وتعصونه فلا يجيبكم.

واما قولك تنفقون فلا ترون خلفا اما انكم لو كسبتم المال من حله ثم انفقتموه في حقه لم ينفق رجل درهما الا اخلفه الله عليه ولو دعتموه من جهة الدعاء لاجابكم وان كنتم عاصين قال قلت وما جهة الدعاء قال إذا اديت الفريضة مجدت الله وعظمته وتمدحه بكل ما تقدر عليه وتصلى على النبي صلى الله عليه وآله وتجتهد في الصلوة عليه وتشهد له بتبليغ الرسالة وتصلى على ائمة الهدى عليهم السلام ثم تذكر بعد التحميد لله والثناء عليه والصلوة على النبي صلى الله عليه وآله ما ابلاك واولاك وتذكر نعمه عندك وعليك وما صنع بك فتحمده وتشكره على ذلك ثم تعترف بذنوبك ذنب ذنب وتقر بها أو بما ذكرت منها وتجمل ما خفى عليك منها فتتوب إلى الله من جميع معاصيك وانت تنوى ان لاتعود وتستغفر منها بندامة وصدق نية وخوف ورجاء ويكون من قولك اللهم انى اعتذر اليك من ذنوبي واستغفرك واتوب اليك فاعنى على طاعتك ووفقني لما اوجبت على من كل ما يرضيك فانى لم ار احدا بلغ شيئا من طاعتك الا بنعمتك عليه قبل طاعتك فانعم على بنعمة انال بها رضوانك والجنة ثم تسئل بعد ذلك حاجتك فانى ارجو ان لا يخيبك انشاء الله تعالى.

يقول السيد الامام العالم العامل الفقيه العلامة رضى الدين ركن الاسلام أبو القاسم على بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس وفقه الله لما يريد منه ويرضى به عنه.

وبيان قول مولينا الصادق صلوات الله عليه إذا دعى الله جل جلاله وهو عاص له وتتاخر اجابة دعائه فان الله جل جلاله يطالبه بالتوبه وترك

٤٢

المعاصي والعبد يطلب من الله ما يدعوه وإذا كان الامركك فان لسان الحال يقول للعبد عن الله جل جلاله انا اطالبك بما هو لى وهو التوبة وانت تطالبني بما ليس لك في دعائك فإذا كان ما تعطيني ما اطلب منك وهو لى فكيف تتعجب إذا منعتك ما تطلبه منى في دعائك مما ليس لك عقوبة على منعك ما طلبته منك.

وبيان قول الصادق عليه السلام عن قول الله جل جلاله لو كسبتم من حله وانفقتم في حقه لاخلفه عليكم لان العبد إذا كسب لاجل شهوة نفسه ولم يكن قصد ذلك معاملة الله جل جلاله بالكسب ولا الانفاق فليس العبد خلص من عقوبة ذلك وانما لو كان قد كسب لله جل جلاله وانفق لله جل جلاله كان ضمانه على الله جل جلاله.

الفصل الثامن

فيما نذكره من الفوائد بالمحافظة على الاكثار من المناجاة

وفضيلة الدعاء للاخوان بظهر الغيب ولائمة النجاة

يقول السيد العالم العامل الفقيه العلامة الورع رضى الدين ركن الاسلام جمال العارفين أبو القاسم على بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس وفقه الله لما يريد منه ويرضى به عنه. انى رأيت من فوائد المحافظة على المناجاة ان ذكر الله جل جلاله يصير اغلب على العقل فيصير سببا لانس العبد بالرب ويشتغل به عن الخواطر الدنيوية والاسباب الردية فيكون ذلك داعيا إلى المراقبة لمولاه والسلامة من المجانبة والظفر برضاه.

ورأيت من فوائد المحافظة على المناجاة ان العبد يستدل بها

٤٣

على منزلة ربه من قلبه فانه ان رأى نفسه راغبا إلى تكرار الاذكار عرف ان لله جل جلاله عنده منزلة تكون وسيلة إلى السلامة من الاخطار فمن احب شيئا اكثر من ذكره.

ورأيت من فوائد المحافظة على المناجاة ان الله جل جلاله يقول اذكروني اذكركم ومن المعلوم انه لو قال بعض ملوك الدنيا الفانية لاحد مماليكه الذين يعرفون قدر منزلته العالية اذكرني حتى اذكرك وكان في حضرة الملك كما هو في حضرة الله جل جلاله فانه كان يجتهد في دوام ذكره غاية الاجتهاد ليذكره مولاه ويشرفه بذكره في الدنيا والمعاد.

الا ترى معنى قول الشاعر :

يود بان يمسى مريضا لعلها

إذا سمعت عنه بشكوى تراسله

ويهتز للمعروف في طلب العلى

لتذكر يوما عند سلمى شمائله

فالعبيد العارفون المؤدبون يجتهدون في الاكثار من ذكر مولاهم الذى يراهم ليذكرهم أو لعله بفضله يرضى عنهم أو يرضاهم.

ووجدت من فوائد المحافظة على المناجاة بالمنقول عدة فوائد شريفة المأمول.

منها ان الالهام للدعاء يدل على قصر البلاء كما رواه محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن يعقوب بن يزيد عن ابن ابى عمير عن هشام بن سالم قال قال أبو عبد الله عليه السلام تعرفون طول البلاء من قصره قلنا لا قال إذا الهمتم أو الهم احدكم بالدعاء فليعلم ان البلاء قصير.

ومنها ان تقديم الدعاء قبل الابتلاء دافع للابتلاء وبعد البلاء قد لا يحصل به بلوغ الرجاء كما رواه محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن

٤٤

الحسن الصفار عن احمد بن محمد بن عيسى عن احمد بن محمد بن ابى نصر عن ابى الحسن عليه السلام قال كان على بن الحسين عليه السلام يقول من تقدم في الدعاء قبل ان ينزل به البلاء ثم دعا استجيب له ومن لم يتقدم في الدعاء ثم نزل به البلاء لم يستجب له.

ومنها ان الملائكة تحجب دعاء العبد إذا دعى في البلاء ولم يكن ممن يدعو في الرخاء كما رواه محمد بن الحسن بن الوليد عن احمد بن ادريس عن سلمة بن الخطاب عن محمد بن بكر عن زكريا عن سلام النخاس عن ابي عبد الله عليه السلام قال إذا دعى العبد في البلاء ولم يدع في الرخاء حجبت الملائكة صوته وقالوا هذا صوت غريب اين انت كنت قبل اليوم.

ومنها ان الدعاء على الالحاح مفتاح النجاة كما رواه محمد بن الحسن احمد عن محمد بن الحسن بن الصفار عن احمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن مروان عن الوليد بن عقبة الهجرى قال سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول والله لا يلح عبد مؤمن على الله في حاجة الا قضاها له.

وعن الحسين بن سعيد عن ابن ابى عمير عن الحسين بن عثمان عن غير واحد من اصحابه عن ابى عبد الله وابي جعفر عليهما السلام انهما قالا والله لا يلح عبد مؤمن على الله الا استجاب له.

يقول السيد الامام العالم العامل الفقيه العلامة الورع رضى الدين ركن الاسلام أبو القاسم على بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس وقد تقدم صفات الداعي بالمعقول والمنقول فينبغي ان يكون الالحاح في الدعاء مبنيا على تلك الاصول واذ قد ذكرنا شروطا من مهمات قبول الدعوات فلنذكر الان فضيلة الدعاء للاخوان بظهر الغيب ببعض ما

٤٥

وقفنا عليه ورويناه من الرويات.

ذكر ما نريد ايراده من فضل الدعاء للاخوان بظهر الغيب. فمن ذلك ما نرويه باسنادنا إلى جدى ابى جعفر الطوسى مما يرويه باسناده إلى محمد بن الحسن بن احمد بن الوليد عن احمد بن ادريس عن محمد بن على بن محبوب عن احمد بن الحسين بن سعيد عن على بن مهزيار عن سليمان بن جعفر عن ابيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من قال اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن خلقه الله مند خلق الله آدم إلى ان تقوم الساعة حسنة ومحى عنه سيئة ورفع له درجة.

ومن ذلك باسنادى المشار إليه عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن يعقوب بن يزيد عن ابن ابى عمير عن زكريا صاحب السابرى عن رجل عن ابي عبد الله عليه السلام قال إذا قال الرجل اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الاحياء منهم وجميع الاموات رد الله عليه بعدد من مضى ومن بقى من كل انسان دعوة.

ومن ذلك رواية عبد الله بن جندب العبد الصالح رضوان الله عليه عن مولينا الصادق عليه السلام ارويه باسنادى إلى الشيخ الصدوق هرون بن موسى التلعكبرى قدس الله روحه ونور الله ضريحه عن محمد بن محمد بن محمد الحسينى قال حدثنا محمد بن احمد الصفوانى قال حدثنا ابى عن ابيه عن جده عن عبد الله بن سنان قال مررت بعبد الله بن جندب فرأيته قائما على الصفا وكان شيخا كبيرا فرأيته يدعو ويقول في دعائه اللهم فلان بن فلان اللهم فلان بن فلان اللهم فلان بن فلان ما لم احصهم كثرة فلما سلم قلت له يا عبد الله لم ار قط موقفا احسن من موقفك

٤٦

الا انى نقمت عليك خلة واحدة فقال لى ما الذي نقمت على فقلت له تدعو للكثير من اخوانك ولم اسمعك تدعو لنفسك شيئا فقال لى يا عبد الله سمعت مولينا الصادق عليه السلام يقول من دعا لاخيه المؤمن بظهر الغيب نودى من اعنان السماء لك يا هذا مثل ما سئلت في اخيك ولك مائة الف ضعف مثله فلم احب ان ترك مائة الف ضعف مضمونة بواحدة لاادرى تستجاب ام لا.

ومن ذلك رواية هذا العبد الصالح عبد الله بن جندب رضوان الله عليه ارويه باسنادى إلى الشيخ الصدوق ابى محمد هرون بن موسى التلعكبرى قدس الله روحه قال حدثنا محمد بن يعقوب قال حدثنا على بن ابراهيم بن هاشم قال حدثنا ابى قال رأيت عبد الله بن جندب بالموقف فلم ار موقفا كان احسن من موقفه ما زال مادا يده إلى السماء ودموعه تسيل على خديه حتى بلغ الارض فلما انصرف الناس قلت له يابا محمد ما رأيت موقفا قط احسن من موقفك قال والله ما دعوت فيه الا لاخواني وذلك ان ابا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام اخبرني انه من دعا لاخيه بظهر الغيب نودى من العرش ولك مائة الف ضعف مثله فكرهت ان ادع مائة الف ضعف مضمونة لواحدة لاادرى تستجاب ام لا.

يقول السيد الامام العالم العامل رضى الدين ركن الاسلام أبو القاسم على بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس وسنذكر عند ركعة الوتر من صلوة الليل اخبارا جليلة في الدعاء بظهر الغيب للاخوان لانني وجدت اصحابنا اكثر دعائهم لمن يدعون له في ذلك المكان.

فاقول إذا كان هذا كله فضل الدعاء لاخوانك فكيف فضل الدعاء

٤٧

لسلطانك الذى كان سبب امكانك وانت تعتقد ان لولاه ما خلق الله نفسك ولا احدا من المكلفين في زمانه وزمانك وان اللطف بوجوده صلوات الله عليه سبب لكل ما انت وغيرك فيه وسبب لكل خير تبلغون إليه فاياك ثم اياك ان تقدم نفسك أو احدا من الخلايق في الولاء والدعاء له بابلغ الامكان واحضر قلبك ولسانك في الدعاء لذلك المولى العظيم الشأن واياك ان تعتقد اننى قلت هذا لانه محتاج إلى دعائك هيهات هيهات ان اعتقدت هذا فانت مريض في اعتقادك وولائك بل انما قلت هذا لما عرفتك من حقه العظيم عليك واحسانه الجسيم اليك ولانك إذا دعوت له قبل الدعاء لنفسك ولمن يعز عليك كان اقرب إلى ان يفتح الله جل جلاله ابواب الاجابة بين يديك لان ابواب قبول الدعوات قد غلقتها ايها العبد باغلاق الجنايات فإذا دعوت لهذا المولى الخاص عند مالك الاحياء والاموات يوشك ان يفتح ابواب الاجابة لاجله فتدخل انت في الدعاء لنفسك ولمن تدعو له في زمرة فضله وتتسع رحمة الله جل جلاله لك وكرمه وعنايته بك لتعلقك في الدعاء بحبله.

ولا تقل فما رأيت فلانا وفلانا من الذين تقتدي بهم من شيوخك بما اقول يعملون وما وجدتهم الا وهم عن مولينا الذى اشرت إليه صلوات الله عليه غافلون وله مهملون فاقول لك اعمل بما قلت لك فهو الحق الواضح ومن اهمل مولانا وغفل عما ذكرت عنه فهو والله الغلط الفاضح.

وينبه على ما ذكرناه من طريق ما رويناه ما ذكره جدى أبو جعفر الطوسى رضوان الله عليه في كتاب المصباح وذكره محمد بن ابى قرة في كتاب عمل شهر رمضان ورواية ابن ابى قرة اطول دعاء وانما نذكره

٤٨

برواية جدى ابى جعفر الطوسى.

قال ما هذا لفظه محمد بن عيسى باسناده عن الصالحين عليهم السلام قال تكرر في ليلة ثلث وعشرين من شهر رمضان هذا الدعاء ساجدا وقائما وقاعدا وعلى كل حال وفى الشهر كله وكيف امكنك ومتى حضرك من دهرك.

تقول بعد تحميد الله تعالى والصلوة على النبي محمد صلى الله عليه وآله اللهم كن لوليك فلان بن فلان في هذه الساعة وفى كل ساعة وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه ارضك طوعا وتمتعه فيها طويلا.

اقول فكيف ترى هذا الامر منهم عليهم افضل السلام هل هو كما انت عليه من التهوين بشرف هذا المقام ولا تتوقف عن الاكثار من الدعاء له صلوات الله عليه ولمن يجوز الدعاء له في المفروضات ففى ما رويناه باسنادنا من صحة الروايات عن محمد بن على بن محبوب شيخ القميين في زمانه في كتاب المصنف عن ابي عبد الله عليه السلام قال كلما كلمت الله تعالى في صلوة الفريضة فليس بكلام.

اقول فلا عذر لك اذن في ترك الاهتمام.

الفصل التاسع

في صفة مقدمات الطهارة وصفة الماء الذى يصلح لطهارة الصلوة

اما المقدمات قبل الطهارات فمنها ما يحتاج إليه الانسان لدخول الخلاء والبول والغايط وتلك الضرورات. فاقول عند هذا يا عبد السوء يا مهين ما الذى جراك على سلطان العالمين ومالك الاولين والاخرين وما الذى اخرجك عن مقام عبد

٤٩

مسكين مستكين إلى الاهمال والتبسط والاشتغال بغير العبودية والخدمة والمعاملة لمالك يوم الدين ويلك اما ترى انك كنيف بيت العذرات وحمال ارذال القاذورات ونزاح بيت طهارة جسدك لعلك تفعل ذلك كل يوم وليلة مرارا بيدك ولا مخلص لك من هذه الصنعة الخسيسة إلى ان تموت ويحك كيف رفعت رأسك من شعار الذلة والقلة لصاحب الجبروت ومالك الملك والملكوت اما تعلم ان بدايتك من نحو ابيك من نطفة مدرة وانها خرجت من محل الابوال القذرة ثم انت بعد ذلك حمال وغسال العذرة ثم تكون بعد الموت جيفة نكرة طأطئ رأسك ذلا وحياء وخجلا واخفض صوتك خوفا ووجلا واعرف خساسة قدرك وانظر في تدبير امرك واسع لمولاك في فكاك رقبتك من اسر العبودية وفى اخراجك من ذل هذه الخسايس الردية وتوصل وتوسل في عتقك من رق الاسار وان يجعلك من الاحرار ويؤهلك للمقام في دار القرار ويرفعك بذلك عن هذه الصنعة الخسيسة التى انت فيها نزاح بيوت الطهارات وغسال العذرات ويهدم هذا الجسد السخيف ويعمره على بناء شريف منزه عن هذه الاقذار يصلح للمقام فيما ذكرناه من دار دوام المسار فهذا التوصل والتوسل قد جعل في الدنيا فان قنعت بالدون فانت المغبون والذنب لك والمصيبة عايدة عليك وإذا اراد العبد المبتلى بهذه الاشياء في دار الفناء الدخول إلى بيت الخلاء فيحتاج ان يعرف امورا قبل الدخول ليكون على علم مما يفعل أو يقول.

فمن تلك الامور إذا كان على الاختيار في المأثور ان يغطى رأسه قبل الدخول ان كان مكشوفا وان يكون موضع قضاء حاجته مصونا عن من ينظر إلى عورته وإذا اراد الجلوس لذلك فلا يكون مستقبل القبلة

٥٠

ولا مستدبرها ولا يستقبل الهواء بالبول فلعله يرده الهواء عليه ولا يستقبل الشمس ولا القمر ولا يبول في ثقوب الحيوان فلعله يخرج منه ما يؤذيه ويجتنب المواضع التى يتاذى بها الناس ولا يبول ولا يتغوط في ماء جار ولا راكد فانه اشد كراهية وإذا كان الماء الراكد دون الكر افسده ونجسه ولا يأكل ولا يشرب في حال الاشتغال بقضاء هذه الحاجة ولا يستاك وهو كذلك ولا يتكلم الا بذكر الله جل جلاله أو تدعوه ضرورة إلى الكلام.

فإذا فرغ من قضاء حاجته استنجى فغسل الموضع من البول والغايط بالماء وان تعذر الماء لغسل الغايط فيمسح موضع الغايط بثلثة احجار طاهرة أو ما يقوم مقامها مما جعله الشرع عوضا عنها فان زالت عين الغايط قبل تمام الثلثة فلابد من ثلثة وان لم تزل العين بثلثة فيزيد على ثلثة حتى تزول عين الغايط ويجوز الاقتصار على الاحجار كما ذكرناه مع وجود الماء في الغايط فان جمع بين الاحجار والماء كان افضل فإذا فرغ من طهارة موضع الغايط مسح من عند مخرجه إلى اصل ذكره ثلث مرات مسحا لطيفا ثم يمسح كذلك من اصل ذكره إلى عند رأسه ثلث مرات ثم يغسله ولا يجزى في غسل البول غير الماء مع التمكن منه.

وان كانت امرئة فحكمها في غسل الغايط بالماء كالرجال واما البول فما تحتاج فيه إلى مسح ويجزيها غسل البول.

ذكر بعض ما رويناه من آداب ودعوات عند دخول الخلاء إلى ان يخرج منه ينبغى للعارف الا يغفل عنه.

فمن ذلك انه يقدم عند دخوله إليه رجله اليسرى قبل اليمنى

٥١

وليقل ما رويناه باسنادنا عن الشيخ الصدوق ابى محمد هرون بن موسى التلعكبرى رضوان الله عليه قال حدثنا احمد بن محمد بن سعيد قال حدثنا يحيى بن زكريا بن شيبان قال حدثنا الحسن بن على بن ابى حمزة البطايني قال حدثنا ابى عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه السلام قال إذا دخلت إلى المخرج وانت تريد الغايط فقل بسم الله وبالله اعوذ بالله من الخبيث المخبث الرجس النجس الشيطان الرجيم ان الله هو السميع البصير العليم.

اقول وان كنت تريد رواية باقل من هذه الالفاظ فقل ما رويناه باسنادنا إلى احمد ومحمد ابني احمد بن على بن سعيد الكوفيين قالا حدثنا احمد بن محمد بن سعيد قال حدثنى يحيى بن زكريا بن شيبان من كتابه من المحرم سنة سبع وستين ومائتين قال حدثنا الحسن بن على بن ابى حمزة قال حدثنى ابى وحسين بن ابى العلا جميعا عن ابى عبد الله عليه السلام قال إذا دخلت إلى المخرج وانت تريد الغايط فقل بسم الله وبالله اعوذ بالله من الرجس النجس الشيطان الرجيم ان الله هو السميع العليم.

اقول وان كنت تريد اخف من هذه الالفاظ ايضا فقل ما رواه على بن محمد بن يوسف قال حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور قال حدثنا ابى قال حدثنا محمد بن ابى القاسم عن محمد بن على عن عبد الرحمن بن ابى هاشم عن ابى خديجة عن ابى عبد الله عليه السلام قال ان عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وبشير الرحال سئلوا ابى عليه السلام عن حد الخلاء إذا دخله الرجل فقال إذا دخل الخلاء قال بسم الله فإذا جلس يقضى حاجته قال اللهم اذهب عنى الاذى وهنئنى طعامي فإذا قضى حاجته قال الحمد لله

٥٢

الذى اماط عنى الاذى وهنأنى طعامي ثم قال ان ملكا موكلا بالعباد إذا قضى احدهم الحاجة قلب عنقه فيقول يابن آدم الا تنظر إلى ما خرج من جوفك فلا تدخله الا طيبا وفرجك لا تدخله في حرام.

اقول انا فإذا اراد الاستنجاء فليقل ما رويناه عن جدى ابي جعفر الطوسى رضوان الله عليه باسناده قال يقول إذا استنجى اللهم حصن فرجى واستر عورتى وحرمهما على النار ووفقني لما يرضيك عنى يا ذا الجلال والاكرام.

اقول فإذا فرغت من الغايط فقل ما رواه احمد ومحمد ابنا احمد بن على بن سعيد الكوفيان قالا حدثنا احمد بن محمد بن سعيد الكوفى قال حدثنا يحيى بن زكريا بن شيبان من كتابه سنة سبع وستين ومائتين في المحرم قال حدثنا الحسن بن على بن ابى حمزة قال حدثنا ابى والحسين بن ابى الطلا الرندجى جميعا عن ابي بصير عن ابى عبد الله عليه السلام قال إذا فرغت يعنى من الغائط فقل الحمد لله الذى اماط عنى الاذى واذهب عنى الغايط وهنانى وعافانى والحمد لله الذى يسر المساغ وسهل المخرج وامضى الاذى.

اقول فإذا اردت الخروج من بيت الخلاء فامسح على بطنك ثم قل مارويناه باسنادنا عن جدى ابي جعفر الطوسى رضوان الله عليه الحمد لله الذى هناني طعامي وشرابي وعافانى من البلوى ثم يخرج رجله اليمنى قبل اليسرى ويقول الحمد لله الذى عرفني لذته وابقى في جسدي قوته واخرج عنى اذاه يالها نعمة يالها نعمة يالها نعمة لا يقدر القادرون قدرها. ذكر ما نقول في صفة ماء الطهارة الماء الذى يصلح للطهارة هو ما يكون ماء مطلقا طاهرا من النجاسات مأذونا شرعا استعماله للطهارة

٥٣

فإذا وجد ذلك يطهر به وان وجد ذلك الماء كان قليلا ينقص عن الكر فاصل الماء انها طاهرة على اليقين فلا يمتنع من التطهر به لاجل كونه قليلا ويقول قد تنجس بظن أو تخمين فيكون في امتناعه واهماله لهذه الطهارة والصلوت قد رمى نفسه في الهلكات واستخف بصاحب الشريعة بل اقدم على من ارسله جل جلاله بامور فظيعة لانه إذا كان يريد العبادة لاجله سبحانه فلا يخالفه في تدبيره وقوله واياه وما قد دخل فيه كثير من الناس من اهمال الطهارة والصلوة بالتوهمات لنجاسة الماء على سبيل الوسواس فان ذلك مرض في الابدان أو سقم في العقايد والاديان وقصور في معرفتهم بالرحمن.

الفصل العاشر

في صفة الطهارة بالمعقول من مراد الرسول لكمال في القبول

يقول السيد الامام العالم العامل الفقيه العلامة الورع رضى الدين ركن الاسلام أبو القاسم على بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس اكمل الله سعده واورى بكل منقبة زنده المهم لمن يريد الطهارة بالماء ان يبدء بتطهير الاعضاء من وسخ الذنوب ودنس العيوب قبل غسلها بالماء فانه إذا غسلها وهو غافل عن تطهيرها مما يكرهه مولاه الذى يريد وقوفه بين يديه وكان في حال غسلها بالماء غايبا عن الله جل جلاله في سفر غفلته وجرئته عليه كان كالمستهزئ حيث ترك الاهم واشتغل بالدون ولا يامن ان يتناوله تهديد قوله جل جلاله الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون اما بلغك ان مولانا زين العابدين على بن الحسين صلوات الله عليهما كان إذا شرع في طهارة الصلوات اصفر وجهه وظهر

٥٤

عليه الخوف من تلك المقامات فهل يجوز في ميزان العقل ان يخاف هو عليه السلام وهو مستقيم وتامن انت وانت سقيم فان كل من يريد الدخول إلى حضرة ملك لمناجاته يتأهب باصلاح كل ما يقع نظر الملك عليه وبكلما يكون اقرب إليه وهو المعلوم ان نظر الله جل جلاله المنزه واعتباره بطهارة القلوب من الذنوب والجوارح من الجرائح ولانه إذا اهتم بتطهيرها من دنس استعمالها في غير ما خلقت له من عبادته اما بان يطلب العفو من مالك رحمته أو بتوبة خالصة بصادق نيته فيكون اهتمامه بذلك الاهم لطفا له وادعى إلى تطهيرها بالماء على التمام وإذا طهرها بالماء بعد تطهيرها من الاثام كان اقرب إلى ان يدخل حضرة المناجاة بسلام ويجد روح ارج ذلك المقام.

الفصل الحادي عشر

في صفة الطهارة بالماء بحسب المنقول

روى محمد بن الحسن بن الوليد قال حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن على بن حسان الواسطي عن عمه عبد الرحمن بن كثير الهاشمي مولى محمد بن على عن ابى عبد الله عليه السلام قال بينا امير المؤمنين عليه السلام ذات يوم جالسا مع ابن الحنفية وقال يا محمد اتنى باناء من ماء اتوضأ للصلوة فاتاه محمد بالماء فالقا بيده اليسرى على يده اليمنى ثم قال بسم الله الحمد لله الذى جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا قال ثم استنجى فقال اللهم حصن فرجى واعفه واستر عورتى وحرمني على النار قال ثم تمضمض فقال اللهم لقنى حجتى يوم القاك واطلق لساني بذكرك ثم استنشق فقال اللهم لا تحرم على ريح الجنة واجعلني ممن يشم ريحها وروحها

٥٥

وريحانها وطيبها قال ثم غسل وجهه فقال اللهم بيض وجهى يوم تسود فيه الوجوه ثم غسل يده اليمنى فقال اللهم اعطني كتابي بيمينى والخلد في الجنان بيساري وحاسبني حسابا يسيرا ثم غسل يده اليسرى فقال اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي واعوذ بك من مقطعات النيران ثم مسح رأسه فقال اللهم غشنى برحمتك وبركاتك وعفوك ثم مسح رجليه فقال اللهم ثبتنى على الصراط يوم تزل فيه الاقدام واجعل سعيى فيما يرضيك عنى ثم رفع رأسه فنظر إلى محمد فقال يا محمد من توضأ مثل وضوئي وقال مثل قولى خلق الله عزوجل من كل قطرة ملكا يقدسه ويسبحه ويكبره فيكتب الله له ثواب ذلك إلى يوم القيمة.

اقول وفيما روى عن الائمة عليهم السلام في تفصيل احكام في هذه الطهارة ان يبدء في غسل وجهه من اول شعر مقدم رأسه إلى اخر ذقنه ويبدء بغسل يديه على ظاهرهما من المرفق إلى اطراف اصابعهما ويمسح رأسه في مقدم رأسه مقدار ثلث اصابع ويجزى دون ذلك ويبدء في مسح ظاهر قدميه من اطراف اصابعهما إلى الموضع المسمى بالكعبين العاليين في ظاهر القدمين وان كان غسل وجهه وذراعيه كل واحد مرتين جايزا وجامعا بين فضل الروايتين وهذه الطهارة ينقضها الجنابة ومس الميت بعد برده وقبل تطهيره وينقضها النوم الغالب على السمع والبصر وكلما ازال العقل والبول والغايط وخروج الريح المتيقن ويزيد في نواقضها للنساء الحيض والنفاس والاستحاضة.

٥٦

الفصل الثاني

عشر في صفة التراب أو ما يقوم مقامه والطهارة الصغرى به بعد تعذر الطهارة بالماء

هذه الطهارة تسمى في عرف الشريعة تيمما وكانت رحمة من الله جل جلاله لمن فقد الطهارة بالماء وانعاما عليه وتكرما وصفة التراب الذى يتمم به ان يكون طاهرا ماذونا له شرعا في استعماله فان فقد التراب فيتيمم من لبد سرجه وكلما كان له غبار يجوز تصرفه فيه بالتيمم عند عدم الماء والتراب وحصول الاضطرار وهذا التيمم انما يصح المصير إليه إذا تضيق وقت الصلوة عليه بمقدار ما يحتاج المتيمم إليه وفقد الماء للطهارة بالكلية أو تعذر عليه استعماله لمرض أو تعذر ثمن أو بعض الاعذار المبيحة للتيمم في الشريعة المحمدية صلى الله عليه وآله فان كان تعذر الطهارة بالماء لانه غير موجود عنده وكان الفاقد له في الفلوات فيطلبه عند مضايقة اوقات الصلوة في الارض السهلة مقدار رمية سهمين وفى الارض الصلبة مقدار رمية سهم واحد والطلب امر مهم ممن يقدر عليه واكد فإذا لم يجده مع هذا الطلب وكان في الفلات أو كان عذره في ترك الطهارة بالماء للصلوة لبعض ما اشرنا إليه من الاعذار فصفة التيمم للطهارة الصغرى ان يضرب بباطن يديه على التراب ثم ينفضهما ويمسح بباطنهما جبينه من اصل مقدم رأسه إلى طرف انفه اعني بطرف انفه الذى يلى رأس انفه ويمسح بباطن كفه اليسرى ظاهر كفه اليمنى من اول الكف المذكورة إلى اطراف اصابعها ويمسح بباطن كفه اليمنى ظاهر كفه اليسرى من اول الكف المذكورة إلى اطراف اصابعها فإذا

٥٧

فعل ذلك فقد استباح الدخول في الصلوة والعبادات التى تحتاج إلى الطهارة ولا ينقض هذا التيمم الا ما ينقض الطهارة بالماء وينقضه ايضا التمكن من الطهارة بالماء.

الفصل الثالث عشر

في صفة الطهارة بالماء للغسل عقلا ونقلا

يقول السيد الامام العالم العامل الفقيه العلامة رضى الدين ركن الاسلام أبو القاسم على بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس اكمل الله لديه فضله واسمى محله المهم عند العارفين في الاغتسال قبل الشروع تقديم غسل القلوب من الذنوب بماء الخشوع وغسل الجوارع من العيوب بماء الدموع ونية غسل التوبة بوسيلة الاخلاص والدخول عند الغسل إلى مقام الاختصاص والاغسال منها واجب ومنها مندوب فالواجب على الاحياء المكلفين غسل الجنابة وغسل ملامسة الميت من الناس بعد برده بالموت وقبل تغسيله وعلى النساء غسل الجنابة ايضا وغسل الحيض والنفاس والاستحاضة والاغسال المندوبة ثمانية وعشرون غسلا بل اكثر من هذا العدد تضمنت الروايات لكل غسل منها فضلا وثوابا ثم غسل الاموات من الذين يجب تغسيلهم في شريعة سيد المرسلين وسوف نذكر ما نختاره من تفصيل ما اجملناه ليقف من يريد العمل على معناه.

ذكر غسل الجنابة إذا صار الانسان جنبا اما بجماع التقى فيه الختانان بان يحاذي موضع ختان الرجل موضع ختان المرئة أو بانزال الماء الدافق المعلوم كونه جنابة سواء كان في نوم أو يقظة بشهوة

٥٨

أو بغير شهوة فإذا صار جنبا فلا يجوز له دخول شئ من المساجد الا عابر سبيل عند ضرورة ولا يضع فيها شيئا مع الاختيار الا المسجد الحرام والمسجد بالمدينة الشريفة فانه لا يجتاز بهما ولا يمس كتابة المصحف الشريف ولا اسما من اسماء الله جل جلاله واسماء انبيائه وائمته صلوات الله جل جلاله عليهم.

ويجوز له قراءة القرآن الا العزائم الاربع فانه لايقرء منها شيئا ما دام جنبا وهى سجدة لقمان وحم السجدة وسورة والنجم وسورة اقرء باسم ربك.

ويكره له ان يأكل أو يشرب وهو جنب فان احتاج إلى ذلك فيتمضمض ويستنشق ثم يأكل ويشرب ويكره له النوم بعد الجنابة الا بعد الوضوء ويكره له الخضاب.

فإذا اراد الغسل من الجنابة فالواجب ان كان غسله من انزال ماء دافق ان يستبرئ نفسه بالبول أو ما يجرى مجراه ولا يجب ذلك على النساء.

ثم يغسل كل موضع اصابته نجاسة في جسده ثم يغسل يده ثلث مرات مندوبا ويقول عند الغسل اللهم طهرني وطهر قلبى واشرح صدري واجر على لساني ذكرك ومدحتك والثناء عليك اللهم اجعله لى طهورا وشفاء ونورا انك على كل شئ قدير ويقدم المضمضة والاستنشاق وينوى نية الغسل ان اراد عند المضمضة وان اراد عند ابتداء به في الغسل ونيته انه يغتسل غسل الجنابة لوجه (1) وجوبه ليرفع به الحدث ويستبيح به ما يستبيح به يعبد الله جل جلاله بذلك لانه سبحانه اهل للعبادة.

__________________

(1) قصد وجه العبادة ليس بواجب على التحقيق.

٥٩

فان كان اغتساله بالارتماس يكفيه ارتماسة واحدة تشتمل جميع جسده.

وان كان غسله بغير ارتماس فيبدء بغسل رأسه إلى اصل عنقه ويوصل الماء إلى اصول شعر رأسه وان كان له لحية فيوصل الماء إلى اصول شعرها ثم يغسل جانبه الايمن من اعلى منكبه الايمن إلى اسفل قدمه الايمن ثم يغسل جانبه الايسر من اعلى منكبه الايسر إلى اسفل قدمه الايسر ويجزيه من الماء للغسل اقل ما يجرى على جسده كما شرحناه مما يسمى غسلا شرعا والترتيب كما ذكرناه واجب والموالاة غير واجبة.

فكل غسل يغتسله سواء كان واجبا أو مندوبا فهذه صفته من حين وصفناه من المضمضة إلى اخر فراغه من الغسل وكذلك هذا صفة غسل المرئة من الحيض والاستحاضة المخصوصة والنفاس ولا تحتاج المرئة إلى الاستبراء عند الاغتسال مثل الرجال.

واما حكم حيضهن واستحاضتهن ونفاسهن فكتب الفقه متضمنة لكثير من التفصيل.

ولكني اذكر جملة من ذلك لئلا يخلو الكتاب من الاشارة إلى ذلك على وجه جميل.

فاقول ان الدم الذى يحكم الشرع انه حيض هو الدم الذى تجده المرئة بعد بلوغها غير مشتبه بدم قرح ولا جرح ولا دم عذرة ولا غيرها ويكون اقل مدته ثلثة ايام واكثرها عشرة فان اشتبه بدم قرح أو جرح في باطن فرجها فتدخل قطنة فان خرج عليها الدم من الجانب الايسر فهو دم حيض وان كان من غير الجانب الايسر فليس بدم حيض وان اشتبه بدم العذرة فتدخل فان خرجت متطوقة بالدم فهو دم عذرة والا فهو

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215