حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ١

حياة الإمام الرضا (عليه السلام)0%

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 363

حياة الإمام الرضا (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: باقر شريف القرشي
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
تصنيف: الصفحات: 363
المشاهدات: 139154
تحميل: 6611


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 363 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 139154 / تحميل: 6611
الحجم الحجم الحجم
حياة الإمام الرضا (عليه السلام)

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء 1

مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

حياة الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام

دراسة وتحليل

الجزء الأوّل

باقر شريف القرشي

منشورات سعيد بن جبير

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

( إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً * قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ) .

صدق الله العليّ العظيم

القرآن الكريم

٥

٦

تقريظ لسماحة المرجع الديني الإمام السيّد عبد الأعلى السبزواري (دامت بركاته)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين، وبعد، فإنّ الأئمّة الأطهار (سلام الله تعالى عليهم) وسائط الفيض الأقدس وأسباب الرحمة الإلهية وأُمناء الله جلّ شأنه في الأرض، وقد منحهم سبحانه وتعالى من العلوم والمعارف الربوبية ما أقاموا به أساس الدين وعمود الشريعة، وقد اختص منهم الإمام الهمام الرؤوف المعصوم على بن موسى الرضا (صلوات الله عليه) في تثبيت المعارف الربوبية بالمناظرة مع أرباب الديانات وأصحاب المقالات والأهواء الباطلة، فأقام الحق ودحض الباطل ببياناته الشريفة وصارت كلماته المقدّسة محور الدراسات وأساس الكمالات وقد انبرى جماعة من العلماء ( جزاهم الله تعالى خير الجزاء ) لجمعها وتفسيرها وشرحها، وممّن خصّه الله تعالى بهذه الكرامة العظمى علم الأعلام وشيخ المحدّثين الحجّة الشيخ باقر القرشي (دامت بركاته) الذي وهبه الله تعالى من فيوضاته الخاصة وجعله من الأدلاّء إلى الأئمة الهداةعليهم‌السلام والشارح لكلماتهم الشريفة وسِيَرهم الحسنة، فشكر الله تعالى مساعيه ووفّقه لإعلاء كلمة الحق وإظهار الحقيقة إنّه سميع مجيب

26 ج 2 / 1412      

عبد الأعلى الموسوي السبزواري

٧

الإهداء

إلى... رائد النهضة الفكرية والعلمية في الإسلام

إلى... سليل النبوّة، ومعدن العلم والحكمة

إلى... الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام أرفع لمقامه العظيم هذا المجهود المتواضع الذي بحثت فيه عن سيرة حفيده الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام ، راجياً التفضّل علي بالقبول ليكون لي ذخرا يوم ألقى الله.

المؤلِّف

٨

تقديم

- 1 -

هذه دراسة عن حياة الإمام الرضاعليه‌السلام الإمام الثامن من أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، وهو قبس من نور الله تعالى، ونفحة من رحماته، وكنز من كنوز حكمته، وله ولآبائه - قادة الفكر الإسلامي - في مدح الله تعالى غنى عن مدح المادحين ووصف الواصفين، فقد أذهب عنهم الرجس، وطهّرهم من الزيغ، قال تعالى:

( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (1) .

كما فرض تعالى مودتهم على جميع أبناء الإسلام، قال تعالى:( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (2) .

وقرنهم جدّهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بمحكم التنزيل، فقد قال: ( إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما... )(3) .

____________________

(1) سورة الأحزاب / آية 22.

(2) سورة آل حم الشورى / آية 23.

(3) صحيح الترمذي 2 / 308، أسد الغابة 2 / 12.

٩

كما جعلهمصلى‌الله‌عليه‌وآله سفن نجاة هذه الأمّة قال:

( إنّما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح مَن ركبها نجا، ومَن تخلف عنها غرق، وإنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل مَن دخله غفر له )(1) .

ووجّه المأمون سؤالاً لعبد الله بن مطر، وهو من أعلام الفكر والأدب في عمره فقال له: ( ما تقول في أهل البيت؟ ).

فأجابه عبد الله بهذه الكلمة المشرقة قائلاً:

( ما قولي: في طينة عُجنت بماء الرسالة، وغُرست بماء الوحي، هل ينفح منها إلاّ مسك الهدى، وعنبر التقى... ).

وملكت هذه الكلمة الذهبية قلب المأمون، وكان الإمام الرضاعليه‌السلام حاضراً في المجلس، فأمر المأمون أن يحشى فم عبد الله لؤلؤاً(2) .

إنّ جميع القيم الرفيعة، والمبادئ الأصيلة التي يعتز بها هذا الكائن الحي من بني الإنسان كلها ماثلة في أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، فهي من عناصرهم ومن ذاتياتهم.

- 2 -

أمّا نزعات الإمام الرضاعليه‌السلام وعناصره النفسية فهي كنزعات آبائه الأئمة العظام تجرّداً عن الدنيا، وزهداً في مباهجها، وإعراضاً عن زينتها، وإقبالاً على الله، وانقطاعاً إليه، وتمسّكاً بطاعته، وعلماً بأحكام الدين، وإحاطة شاملة بشريعة سيد المرسلين، وعوناً للضعفاء، وغوثاً للمحرومين، وسعياً لقضاء حاجات المحتاجين، إلى غير ذلك من الصفات الكريمة التي جعلتهم في قمّة الشرف والمجد في دنيا العرب والإسلام. وملك الإمام الرضاعليه‌السلام هذه القيم الأصيلة بجميع صورها وألوانها، فقد تجرّد عن الدنيا تجرّداً كاملاً، وطلّقها ثلاثاً كما طلّقها جدّه الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام فلم يحفل بزينتها ومباهجها، وقد تجلّى ذلك - بوضوح – حينما

____________________

(1) مجمع الزوائد 9 / 68، الحلية 4 / 306، تاريخ بغداد 2 / 19.

(2) البحار 12 / 71.

١٠

تقلّد ولاية العهد التي هي أعظم مركز في الدولة الإسلامية، فقد كان الشخصية الثانية بعد المأمون، فقد رفض جميع مغريات الحكم والسلطان، وكره كأشد ما تكون الكراهية ما يقيمه الناس لملوكهم وحكّامهم من المهرجانات الشعبية، وصنوف العظمة والتكريم، وقد أعلن ذلك بقوله:

( إنّ مشي الرجال خلف الرجال فتنة للمتبوع، ومذلّة للتابع... )(1) .

وكان - فيما يقول الرواة - يدخل حمّام السوق، وصاحب الحمّام لا يعرفه، وقد اتفق أنّ جندياً كان في الحمّام فطلب منه أن يقوم بتدليكه وتنظيفه فانبرى مجيباً لطلبه، وحينما علم الجندي بذلك استولى عليه الفزع والرعب فهدّأ الإمام روعه، وعرّفه أنّه قام بخدمة إنسانية له.

وكان من معالي أخلاقه أنّه كان يأكل مع غلمانه، وخدمه، ويكره أن يتميّز عليهم إلى غير ذلك من سمو أخلاقه التي ورثها من جده الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

- 3 -

ولأئمّة أهل البيتعليه‌السلام سياستهم المشرقة، ومنهجهم النيّر في عالم الحكم والسياسة، فهم يرون أن الحكم يجب أن يكون وسيلة لإقامة العدل الخالص، والحق المحض، ونشر المحبة والأُلفة بين الناس، ولا بد أن يكون أداة لإنعاش الشعوب، ورفاهيتها وأمنها ورخائها، ولا قيمة للحكم عندهم إذا لم يحقق هذه الأهداف النبيلة التي تسعد بها الشعوب، استمعوا إلى ما يقوله سيد العترة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى وزيره ومستشاره عبد الله بن عباس، وقد رفع إليه نعله التي كانت من ليف، فقال له: ( يا بن عباس ما قيمة هذا النعل؟... )

وسارع ابن عباس قائلاً: ( لا قيمة له يا أمير المؤمنين... )

فانبرى الإمام قائلاً: ( إنّه خير من خلافتكم هذه إلاّ أن أقيم حقاً، وأدفع باطلاً... ).

____________________

(1) تأريخ اليعقوبي.

١١

ولم يحفل قاموس السياسة في تقييم الحكم بكلمة أجلّ، ولا أسمى من هذه الكلمة التي أدلى بها عملاق الفكر الإسلامي الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام فلا قيمة للسلطة ما لم يقم في ظلّها الحق والعدل، ويقصي فيها الباطل والجور.

إنّ هذا هو منهج الله تعالى الذي يريده لعباده لتستقيم حياتهم، وينعمون في ظل حكم لا خداع فيه، ولا تضليل، ولا تلاعب بما تملكه الأمة من مقدّرات.

- 4 -

وبرز الإمام الرضاعليه‌السلام على مسرح الحياة السياسية في الإسلام كألمع سياسي عرفه التاريخ الإسلامي، فقد كان صلباً في مواقفه السياسية، فلم تخدعه الأساليب البرّاقة، ولا الأماني المزيّفة التي قدّمها له الملك العباسي المأمون من تنازله عن العرش، وترشيحه له، فلم يكن هذا العرض واقعياً، ولا صادقاً بحال من الأحوال، وإنّما كان لأغراض سياسية، لعلّ كان من أهمّها القضاء على الثورات الملتهبة التي كادت أن تحرق الحكم العباسي، وتلف لواءه، والتي منها ثورة أبي السرايا، فقد كان قائداً عسكرياً ملهماً، فهو كأبي مسلم الخراساني الذي أطاح بالحكم الأموي، ومضافاً لذلك جلب عواطف الإيرانيين وسائر القوى الموالية لأهل البيتعليهم‌السلام الذين جهدت الحكومات العباسية المتعاقبة على ظلمهم، والتنكيل بهم، وحرمانهم من حقوقهم الطبيعية.

ولم تخف على الإمام الرضاعليه‌السلام دوافع المأمون السياسية بتنازله عن رئاسة الدولة، وتقديمها بسخاء له، فامتنععليه‌السلام امتناعاً شديداً من قبولها. ولمّا يئس منه عرض عليه ثانياً ولاية العهد فامتنع كذلك، إلاّ أنّه تهدّده، وتوعّده بالقتل إن لم يستجب لذلك، فاستجاب على كره، وقد شرط عليه شروطاً ألقت الأضواء على كراهيته وعدم رضاه، وهي:

أ - لا يأمر، ولا ينهي.

ب - لا يعزل أحداً عن منصبه.

ج - لا ينصّب أحداً في أي منصب من مناصب الدولة.

ومعنى هذه الشروط أن يكون له مجرّد الشكل الظاهري من أنّه ولي عهد المأمون، كما أنّ معناه أنّ حكومة المأمون ليست شرعية، ولو كانت شرعية لما شرط عليه هذه الشروط.

١٢

ولم تمض الأيام حتى استبان للجميع عمق ما ذهب إليه الامام، وزيف ما عرضه المأمون على الامام، وانه انما عمد لذلك للعبة سياسية فلما انتهت قام باغتيال الامام، لأنه لا يمكنه عزله، وسنوضح جميع هذه البحوث في غضون هذا الكتاب.

- 5 -

ومن بين بحوث هذا الكتاب التدليل على مدى الثروات العلمية الهائلة التي يملكها الإمام الرضاعليه‌السلام ، فقد شملت جميع ألوان العلوم والمعارف من الفلسفة، وعلم الكلام، والطب، والفقه، وغيرها، وقد دلّت على ذلك بصورة موضوعية، وواضحة، مناظراته مع كبار الفلاسفة والعلماء الذين جلبهم المأمون من مختلف أقطار الدنيا وأمصارها إلى خراسان لامتحان الإمام، وقد عقد مع كل وفد منهم اجتماعاً خاصاً وسرّيّاً، ووعدهم بالثراء العريض إن أفحموا الإمام، وأعجزوه عن إجابتهم ليتخذ من ذلك وسيلة للطعن والتشهير بما تذهب إليه الشيعة من أنّ أئمة أهل البيتعليهم‌السلام أعلم الأمة وأنّ الله آتاهم من العلم والفضل كما آتى أنبياءهم، وأوصياءهم.

واستجاب العلماء لدعوة المأمون فسألوا الإمام عن أعقد المسائل، وأكثرها غموضاً ويقول المؤرّخون: إنّهم سألوه عن أكثر من عشرين ألف مسألة في أبواب متفرقة فأجابهم عنها جواب العالم الخبير المتخصص، فبهر العلماء من سعة علومه، ودان الكثيرون منهم بإمامته، ممّا اضطرّ المأمون إلى حجب الإمام عن العلماء وغيرهم، وفرض الرقابة الشديدة عليه لئلاّ يفتتن الناس به.

ومن الجدير بالذكر أنّ تلك المناظرات قد دوّنها بعض تلامذة الإمامعليه‌السلام إلاّ إنّا لم نعثر عليها، ولعلّها من جملة المخطوطات التي خسرها العالم العربي والإسلامي.

وعلى أيّ حال فقد نقل مؤرّخو الشيعة طائفة يسيرة من تلك المناظرات وهي ذات أثر مهم للغاية، فإنّها على قلّتها تكشف عن مدى ثروات الإمام العلمية، وتدلل على أنّه من عمالقة الفكر والعلم في دنيا الإسلام.

- 6 -

وأثرت عن الإمام الرضاعليه‌السلام كوكبة من الكتب نصّ عليها المعنيّون بتدوين أسماء الكتب كابن النديم، والطوسي وغيرهما، كما نصّ عليها المترجمون للإمام وهي:

١٣

أ - طب الإمام الرضاعليه‌السلام :

وهي رسالة جليلة، كتبها الإمام للمأمون بطلب منه، وسُمّيت بـ‍ (الرسالة الذهبية ) لنفاستها، وقد عرضت بصورة موضوعية وشاملة إلى برامج الأغذية الصحية التي تعتبر الأساس للصحّة العامة، كما عرضت إلى ما يصلح بدن الإنسان، ويقيه من الإصابة بكثير من الأمراض، وكان من جملة تلك الوصفات عدم الإسراف في تناول الطعام، فإنّ الإسراف فيه يعرّض الإنسان للإصابة بارتفاع الضغط الدموي، والإصابة بداء السكر، وتصلّب شرايين القلب، وغير ذلك من الأمراض الخطرة، ومن المؤكّد أنّ وصايا الإمام الصحية لو طُبّقت على مسرح الحياة لجعلت الطب وقائياً.

ونظرا لأهمية هذه الرسالة فقد انبرى جمع من الفضلاء إلى شرحها فكان منهم الدكتور السيد صاحب زيني، فقد شرحها بما يتفق والطب الحديث.

ب - مسند الإمام الرضا:

أو صحيفة الإمام الرضا، وقد احتوت على طائفة من الاخبار يروي الإمامعليه‌السلام بعضها بسنده عن جده الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد طبعت في القاهرة، طبعها، وعلق عليها العلامة عبد الواسع بن يحيى الواسمي.

ج - جوامع الشريعة:

وقد جمعت غرر الأحكام الشرعية، وأُمّهات المسائل الفقهية، وقد أملاها الإمامعليه‌السلام على الفضل بن سهل رئيس وزراء المأمون، وذلك بطلب منه، وذكرت هذه الرسالة في ( تحف العقول ) وغيره من مؤلّفات الشيعة، وقد نقلناها عنهم، وأثبتناها في غضون هذا الكتاب، وهذه الكتب إنّما هي من بعض ثروات الإمام العلمية.

أمّا فقه الإمام الرضا، فقد دللنا على أنّه ليس من مؤلّفاته، وإنّما هو لغيره ومنسوب إليه. وعلى أي حال، فقد ذكر الرواة للإمام طائفة كبيرة من غرر الحكم والآداب هي برنامج للحياة المتطوّرة التي يريدها الإسلام لأبنائه.

- 7 -

وحفل هذا الكتاب بترجمة طائفة من كبار العلماء والرواة ممّن تتلمذ وأشرف على

١٤

يد الإمامعليه‌السلام ، ورووا حديثه، وقد ألّف بعضهم نسخاً من أحاديثه وحكمه... ومن المؤكّد أنّ عرض ذلك يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالبحث عن حياته فإنّه يكشف عن مدى اهتمام الأوساط العلمية في ذلك العصر بتلقّي العلوم والمعارف عنه، فقد كان بإجماع الرواة والمؤرّخين عملاق الفكر الإسلامي، وكانت علومه امتداداً ذاتياً لعلوم آبائه الأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام الذين هم خزنة علوم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وورثة حكمته.

- 8 -

وتناول هذا الكتاب دراسة عصر الإمام الرضاعليه‌السلام ، وعرض ما فيه من الأحداث السياسية، والاجتماعية والعلمية، والاقتصادية، وغير ذلك ممّا يمس حياة الناس في ذلك العصر.

إنّ دراسة مثل هذه الأمور أصبحت من البحوث النهضية التي لا غنى للباحث عنها؛ لأنّ مجريات الأحداث في كل عصر لها الدخل المباشر في التأثير على حياة الإنسان، وعلى مكوّناته الفكرية، كما أكدت ذلك بحوث علم النفس، وعلم الاجتماع.

وقد حفل عصر الإمامعليه‌السلام بكثير من الأحداث الجسام، كان من بينها الصراع المسلّح بين الأمين والمأمون، والذي كان سببه الرشيد، وهو المسؤول عنه، وقد أدى ذلك الصراع إلى خراب بغداد التي كانت زينة الشرق، والى قتل طائفة كبيرة من الناس ومن بين تلك الأحداث ثورة القائد الملهم أبي السرايا، وغيرها من الثورات الكبرى التي كادت تقضي على الدولة العباسية، وتلف لواءها إلاّ أنّ المأمون قد استطاع بدهائه، وحنكته السياسية أن يتغلّب على جميع الأحداث التي ألمّت به، فأجبر الإمام الرضاعليه‌السلام ، الذي هو أمل الأمة الإسلامية، على قبول ولاية العهد الأمر الذي أدّى إلى فشل تلك الثورات، وإخماد نارها، بالإضافة إلى انشغال الرأي العام بهذا الحادث الخطير.

ومن بين الأحداث المهمة في ذلك العصر فتنة ( خلق القرآن ) وهي مسألة كلامية كانت خفية أو مهملة فأثارها المأمون، وقد أدّت إلى سفك الدماء بغير حق، وشيوع الاضطراب والفتنة بين المسلمين.

١٥

- 9 -

ودرسنا بعمق وشمول سيرة ملوك بني العباس الذين عاصرهم الإمام الرضاعليه‌السلام ، فقد كانت سيرتهم شبيهة إلى حد بعيد بسيرة ملوك الأمويين الذين اتخذوا مال الله دولاً، وعباد الله خولاً، وليس في سيرتهم بعد الدراسة الجادة أي جد أو نشاط للعمل الصالح، وما ينفع المسلمين، وإنّما كانت سيرهم غنية بالملذّات، وثرية بالشهوات، فقد أنفقوا علي لياليهم الحمراء، في بغداد، الملايين من أموال المسلمين، وقد حظي بالثراء من قِبلهم المغنّون والعابثون والماجنون، في حين أنّ الفقر والبؤس قد أخذا بخناق الناس.

وكان من مظاهر حكمهم أن شرعت سياطهم، وشهرت سيوفهم، وفتحت أبواب سجونهم للأحرار، وفي طليعتهم السادة العلويون الذين كانوا يطالبون بتحقيق العدالة الاجتماعية، وقد لاقى الزرّاع، وذوو الحرف، وأرباب الصناعات ضروباً قاسية ومرهقة من المحن والخطوب من الجباة الذين كانوا يجلبون الخراج وسائر الضرائب، فكانوا يأخذونها بمنتهى الشدة، والقسوة، إذ قد ألهبت سياطهم أبدان الناس، وأمعنوا في ظلمهم إلى حدٍّ بعيد.

- 10 -

أمّا دراسة التأريخ الإسلامي فيجب أن تكون موضوعية ونزيهة وبعيدة عن التيارات المذهبية، والعواطف التقليدية، فقد خلط التأريخ بكثير من الموضوعات أوجبت خفاء الحق، وستر الحقائق، فمن الواجب بذل المزيد من الجهد لمعرفة الصحيح من السقيم، والحق من الباطل.

وكان من بين ما مُني به التأريخ من الخلط والخبط إضفاء النعوت الكريمة، والألقاب العظيمة على الكثيرين من ملوك بني أمية وبني العباس، فقد لُقّبوا بخلفاء الله في الأرض، وهذا اللقب الكريم يمثّل الحق، والعدل، والقانون، وأعوذ بالله أن يتصف به أمثال يزيد ومروان والوليد، وأمثالهم من ملوك بني العباس الذين حوّلوا حياة الناس إلى جحيم لا يطاق.

إنّ بعض المؤرّخين والكتّاب يرون أنّ المقياس في سمو الشخص وعظيم مكانته استيلاؤه على كرسي الحكم، وتسلّمه لزمام السلطة العامة في البلاد، وهذا ليس بصحيح إطلاقاً، فإنّ المقياس في الفكر الإسلامي هو ما يسديه الحاكم من

١٦

الخدمات للأمة في عالم الاقتصاد، والثقافة، والأمن والرخاء... ولو جرّد المؤرّخون، والكتّاب لقب الخليفة، وغيره من الألقاب العظيمة، من هؤلاء الملوك، وأضفوها على الذين خدموا القضايا العظيمة للأمة، لأدّوا بذلك خدمة كبرى إلى التأريخ الإسلامي، فقد تعرّض الإسلام لكثير من النقود من المستشرقين وغيرهم من الحاقدين على الإسلام بسبب ما صدر عن بعض هؤلاء الملوك من الأعمال المجافية لروح العدالة والقانون، معتقدين بأنّهم يمثّلون الإسلام في تصرّفاتهم وأعمالهم، ولو أنّ الناقدين راجعوا أحكام الإسلام لوجدوها نَديّة خلاّقة تساير العدل، وتواكب الفطرة، وليس فيها - والحمد لله - ما يساير الظلم بل فيها ما يناهضه ويناجزه، فالتصرفات الشاذة من بعض ملوك المسلمين لا تمتّ إلى الإسلام بصلة، ولا يؤاخذ بشيء منها.

- 11 -

وليس هذا أوّل كتاب صدر عن حياة الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام ، فقد صدرت عن حياته عدة دراسات باللغة العربية وغيرها، ومن أهمّها - فيما أحسب - ( حياة الإمام الرضاعليه‌السلام ) للسيد جعفر مرتضى، فقد كان ثرياً مع تحقيقاته وبحوثه.

ولا يحكي ما أُلف عن هذا الإمام العظيم واقع شخصيته، فذاك أمر بعيد المنال، فقد كانعليه‌السلام يحمل ثراء فكرياً لا حدود له، فهو من أئمة الهدىعليهم‌السلام ، سدنة الإصلاح الاجتماعي، وورثة علوم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

- 12 -

وقبل أن أفعل هذا التقديم، وأُنهي هذا العرض الموجز لما في هذا الكتاب من بحوث أرى من الحق عليّ أن أرفع آيات الشكر والامتنان إلى سماحة أستاذنا المعظّم حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ حسين الخليفة على ما أولاني من الرعاية واللطف والمساعدات في طبع بعض كتبي....

كما أنّ من الحق والوفاء أن أشيد بالجهد الخلاق الذي أسداه إلي سماحة الحجّة العلاّمة الكبير أخي الشيخ هادي شريف القرشي من ملاحظاته القيّمة على هذا الكتاب، ومراجعاته لبعض الموسوعات التي استفدت منها

١٧

بالإضافة إلى تشجيعه لي في خدمة أهل البيتعليهم‌السلام آملاً من الله تعالى أن يجازيه على ذلك كما يجازي الصالحين من عباده، إنّه تعالى ولي القصد والتوفيق.

النجف الأشرف - باقر شريف القرشي

سنة 1411 هـ 14 شوال

١٨

الوليد العظيم

وقبل الحديث عن ولادة الإمام الزكي أبي محمدعليه‌السلام ، وما رافقها من شؤون، نعرض إلى نسبه الوضّاح، ذلك النسب الرفيع المتصل برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي هو مصدر الفيض والعطاء، ومصدر الخير والرحمة إلى الناس، فأيّ نسب أسمى وأجل من نسب الإمام الرضاعليه‌السلام ، فهو ثمرة من ثمرات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفرع مشرق من فروعه... وهذه لمحة موجزة عن أصوله الكريمة.

الأب:

أمّا أبو الإمام الرضا فهو الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالبعليهم‌السلام .

وليس في دنيا الأنساب أرفع ولا أزكى من هذا النسب، ومن المؤكّد أنّ هؤلاء الأئمة الطاهرين هم خلفاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأوصياؤه، وسنذكر في البحوث الآتية لمحة عن حياة أبيه الإمام موسىعليه‌السلام .

الأُم:

أمّا أُم الإمام الرضاعليه‌السلام فقد تحلّت بجميع مزايا الشرف والفضيلة التي تسمو بها المرأة المسلمة من العفّة والطهارة، وسمو الذات وهي من السيّدات الماجدات في الإسلام، وكانت أمَةً، وهذا لا ينقص مكانتها؛ لأنّ الإسلام جعل المقياس في تفاوت الناس بالتقوى والعمل الصالح، ولا أثر لغير ذلك.

ونقل الرواة عدة أقوال في كيفية زواج الإمام الكاظمعليه‌السلام بهذه السيدة الماجدة، وهذه بعضها:

١٩

1 - إنّها كانت من أشراف العجم، وكانت مِلكاً للسيدة حميدة أُم الإمام موسىعليه‌السلام ، وهي من أفضل النساء في عقلها، ودينها وإعظامها لمولاتها السيدة حميدة، حتى أنّها ما جلست بين يديها من ملكتها إجلالاً، وإعظاماً لها، وقد قالت حميدة لابنها الإمام موسى: يا بني إن تكتم جارية، ما رأيت جارية قط أفضل منها، ولست أشك أنّ الله تعالى سيظهر نسلها، وقد وهبتها لك فاستوص بها خيراً(1) .

2 - روى هشام بن أحمد قال: أبو الحسن الأول - هو الإمام موسى - هل علمت أحداً من أهل المغرب قدم؟

قلت: لا، فقالعليه‌السلام : بلى قد قدم رجل، فانطلق بنا إليه، فركب وركبنا معه، حتى انتهينا إلى الرجل، فإذا رجل من أهل المغرب معه رقيق. فقال له: اعرض علينا، فعرض علينا تسع جوار، كل ذلك يقول أبو الحسن: لا حاجة لي فيها، ثم قال له: اعرض علينا، فقال: ما عندي شيء، فقال له: بلى اعرض علينا قال: لا والله ما عندي إلاّ جارية مريضة، فقال له: ما عليك أن تعرضها، فأبى، ثم انصرفعليه‌السلام ثم إنّه أرسلني من الغد إليه، فقال لي: قل له: كم غايتك فيها؟ فإذا قال: كذا وكذا - يعني من المال - فقل: قد أخذتها، فأتيته، فقال له: ما أريد أن أنقصها من كذا - وعين مبلغاً خاصاً - فقلت: قد أخذتها، وهو لك، فقال: هي لك، ولكن مَن الرجل الذي كان معك بالأمس؟ فقلت: رجل من بني هاشم فقال: من أيّ بني هاشم؟ فقلت: من نقبائهم، فقال: أريد أكثر من هذا، فقلت: ما عندي أكثر من هذا.

فقال: أخبرك عن هذه، إنّي اشتريتها من أقصى المغرب، فلقيتني امرأة من أهل الكتاب، فقالت: مَن هذه الوصيفة معك؟ فقلت: اشتريتها لنفسي، فقالت: ما ينبغي أن تكون عند مثلك، إنّ هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض، فلا تلبث عنده إلاّ قليلاً حتى تلد منه غلاماً يدين له شرق الأرض وغربها قال: فأتيته بها، فلم تلبث عنده إلاّ قليلاً حتى ولدت له عليّاً(2) .

3 - روي: أنّ الإمام الكاظمعليه‌السلام قال: لأصحابه والله ما اشتريت هذه الجارية إلاّ بأمرٍ من الله ووحيه، وسئُل عن ذلك، فقال: بينما أنا نائم إذ أتاني جدّي وأبي، ومعهما قطعة حرير، فنشراها، فإذا قميص فيه صورة هذه الجارية،

____________________

(1) عيون أخبار الرضا 1 / 14 - 15.

(2) عيون أخبار الرضا 1 / 17 - 18، أصول الكافي 1 / 487، كشف الغمّة 3 / 102.

٢٠