حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ١

حياة الإمام الرضا (عليه السلام)0%

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 363

حياة الإمام الرضا (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: باقر شريف القرشي
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
تصنيف: الصفحات: 363
المشاهدات: 139909
تحميل: 6655


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 363 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 139909 / تحميل: 6655
الحجم الحجم الحجم
حياة الإمام الرضا (عليه السلام)

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء 1

مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إلى توحيد الله فيما تقدم، وما تأخّر لأنّ مشركي مكة أسلم بعضهم، وخرج بعضهم عن مكة، ومن بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد، عليه، إذا دعا الناس إليه، فصار ذنبه عند ذلك مغفورا بظهوره عليهم... ).

س 13 - لله درك يا أبا الحسن!! اخبرني عن قول الله عزّ وجل:( عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ) (1) .

ج 13 - هذا ممّا نزل، بإياك أعني واسمعي يا جارة - خاطب الله عزّ وجل بذلك نبيه، وأراد به أمّته، وكذلك قوله تعالى:( لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) (2) وقوله عزّ وجل:( لولا أن ثبتناك لقد كنت تركن إليهم شيئاً قليلاً ) (3) .

س 14 - إنّ رسول الله (ص) قصد دار زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي في أمر أراده فرأى امرأته تغتسل فقال لها: سبحان الذي خلقك وإنّما أراد بذلك تنزيه الباري عزّ وجل عن قول: من زعم أنّ الملائكة بنات الله فقال الله عزّ وجل:( أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً ) (4) فلمّا عاد زيد إلى منزله أخبرته امرأته بمجيء رسول الله (ص) وقوله لها: سبحان الذي خلقك فلم يعلم زيد ما أراد بذلك وظن أنّه قال ذلك لما أعجبته من حسنها فجاء إلى النبي (ص) وقال له: يا رسول الله إن امرأتي في خلقها وإنّي أريد طلاقها فقال له النبي: أمسك عليك زوجك واتق الله وقد كان الله عرفه عدد أزواجه وان تلك المرأة منهن فأخفى ذلك في نفسه، ولم يبده لزيد، وخشي الناس أن يقولوا: إنّ محمّداً يقول لمولاه:

____________________

(1) سورة التوبة / آية 43.

(2) سورة الزمر / آية 65.

(3) سورة الإسراء / آية 74.

(5) سورة الإسراء / آية 40.

١٦١

 إنّ امرأتك ستكون لي زوجة، يعيبونه بذلك، فأنزل الله عزّ وجل:( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ - يعني بالإسلام -وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ - يعني بالعتق -أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) ثم إنّ زيد بن حارثة طلقها واعتدت منه، فزوجها الله عزّ وجل من نبيه محمد (ص) وأنزل بذلك قرآنا، فقال عزّ وجل:( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً ) .

ثم علم الله عزّ وجل ان المنافقين سيعيبونه بتزويجها، فأنزل الله تعالى( ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له ) (1) .

وانتهت بذلك هذه المناظرة التي دللت على مدى ثروات الإمام العلمية، وإحاطته الشاملة بكتاب الله العظيم فقد نزه الإمام أنبياء الله العظام عن اقتراف المعصية وأثبت لهم العصمة بهذا المدعم بالأدلة والبراهين الحاسمة.

إشادة المأمون بمواهب الإمام:

وأشاد المأمون بمواهب الإمام، وراح يقول:

شفيت صدري يا بن رسول الله، وأوضحت ما كان ملتبساً علي، فجزاك الله عن أنبيائه، وعن الإسلام خيراً. وانصرف المأمون عن المجلس، وأخذ بيد عم الإمام محمد بن جعفر فقال له: ( كيف رأيت ابن أخيك؟ ).

وانبرى محمد يبدي إعجابه البالغ بالإمام قائلاً: ( إنّه عالم، ولم نره يختلف إلى أحد من أهل العلم!! ).

وأوقفه المأمون على حقيقة الأمر قائلاً: ( إنّ ابن أخيك من أهل بيت النبي (ص) الذين قال لهم النبي: ( إلاّ أنّ أبرار عترتي، وأطائب أرومتي، أحلم الناس صغاراً، وأعلم الناس كباراً، فلا تعلموهم، فإنّهم أعلم منكم، لا يخرجونكم عن هدى، ولا يدخلونكم في باب ضلالة ).

ونقل علي بن الجهم ثناء المأمون وإطرائه على الإمام، وما قاله فيه محمد بن

____________________

(1) سورة الأحزاب / آية 38.

١٦٢

جعفر فتبسّم الإمام وقال: ( لا يغرنّك ما سمعته منه، فإنّه سيغتالني، والله تعالى ينتقم لي منه )(1) .

وتحقق تنبؤ الإمامعليه‌السلام فقد أترعت نفس المأمون بالكراهية والحسد للإمام على ما وهبه الله من الفضل والعلم، فقدم على اقتراف أفظع جريمة في الإسلام، فدسّ السم له، واغتاله وبذلك فقد قضى على سليل النبوّة، ومعدن العلم والحكمة في الأرض.

مسائل ابن السكيت:

ووفد أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الدورقي المعروف بـ ( ابن السكيت )، وهو من أجلاّء علماء عصره على الإمام الرضاعليه‌السلام ، وقدم له السؤال التالي: ( لماذا بعث الله موسى بن عمران باليد البيضاء، وبعث عيسى بآية الطب، وبعث محمداً بالكلام والخطب؟ ).

فأجابه الإمام بحكمة ذلك قائلاً: إنّ الله لمّا بعث موسى كان الغالب على أهل عصره السحر فأتاهم من عند الله بما لم يكن في وسع القوم مثله، وبما أبطل به سحرهم وأثبت به الحجّة عليهم. وإنّ الله بعث عيسى في وقت قد ظهرت فيه الزمانات، واحتاج الناس إلى الطب فأتاهم من عند الله بما لم يكن عندهم مثله، وبما أحيا لهم الموتى، وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله، وأثبت به الحجّة عليهم. وإنّ الله بعث محمداً (صلى الله عليه وآله) في وقت كان الأغلب على أهل عصره الخطب والكلام(2) ، فأتاهم من عند الله من مواعظه وأحكامه ما أبطل به قولهم، وأثبت به الحجّة عليهم.

وبهر ابن السكيت بعلم الإمام وراح يقول: ( والله ما رأيت مثلك قط، فما الحجة على الخلق اليوم؟ )

فأجابه الإمام: ( العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه والكاذب على الله فيكذبه ).

وطفق ابن السكيت قائلاً:

____________________

(1) عيون أخبار الرضا / 195 - 204.

(2) قال الراوي لهذا الحديث: وأظنّه كان الشعر.

١٦٣

( هذا هو والله الجواب )(1) .

لقد خلق الله العقل فجعله الحجة على الإنسان فإذا ما أطاعه جلب الرحمة له، وإذا عصاه جلب الشقاء له، وبه يعرف الصادق من الكاذب، والمحق من المبطل، فهو الحجة من الله على عباده.

احتجاجه على رجل:

ودخل عليه رجل لم يذكر المؤرخون اسمه، فلمّا استقر به المجلس التفت إلى الإمامعليه‌السلام فقال له: ( يا بن رسول الله ما الدليل على حدوث العالم؟ ) فأجابه الإمام بالدليل الحاسم: ( إنّك لم تكن، ثم كنت وقد علمت أنك لم تكون نفسك ولا كونك من هو مثلك )(2) .

احتجاجه على اصطفاء العترة:

ومن بين احتجاجات الإمام الرضاعليه‌السلام هذا الاحتجاج الذي دلل فيه على اصطفاء العترة الطاهرة، وأقام على ذلك أوثق الأدلة، وكان ذلك بحضور المأمون وجماعة من علماء العراق وخراسان فقد سأل المأمون العلماء عن معنى هذه الآية:( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) (3) .

وبادر العلماء فقالوا: إنّ الذين اصطفاهم الله هم المسلمون كلهم، والتفت المأمون إلى الإمام فقال له: ما تقول: يا أبا الحسن؟.

( لا أقول: كما قالوا: ولكن أقول: أراد الله تبارك وتعالى العترة الطاهرةعليهم‌السلام ).

وسارع المأمون، وقد استفزّه قول الإمام، فقال: ( كيف عنى العترة دون الأمة؟ ).

____________________

(1) الاحتجاج 2 / 224 - 225.

(2) الاحتجاج (2 / 170 - 171).

(3) سورة فاطر / آية 32.

١٦٤

وانبرى الإمام فأقام الدليل القاطع على ما ذهب إليه قائلاً: ( لو أراد الأمة لكانت بأجمعها في الجنة، والله تعالى يقول:( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) (1) .

وأضاف الإمام يقول: فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم... هم الذين وصفهم الله في كتابه، فقال:( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) وهم الذين قال رسول الله (ص): ( إنّي مخلّف فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتى يردا على الحوض، انظروا كيف تخلفوني فيهما، أيها الناس لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم )(2) .

وسارع العلماء قائلين بصوت واحد: ( أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة هم الآل، أو غير الآل؟ ).

فقالعليه‌السلام : ( هم الآل... ). واعترضوا على الإمام قائلين: ( هذا رسول الله (ص) يؤثر عنه أنّه قال: أمّتي آلي، وهؤلاء أصحابه يقولون: بالخبر المستفيض الذي لا يمكن دفعه آل محمد أمته... ).

وأخذ الإمام يرد على افتعال الحديث وعدم صحته قائلاً: ( أخبروني هل تحرم الصدقة على آل محمد... ).

( نعم... ).

( هل تحرم - أي الصدقة - على الأمة؟ ).

( لا... ).

وسارع الإمام بعد إقامة الحجة عليهم قائلاً: ( هذا فرق بين الآل، وبين الأمة، ويحكم أين يذهب بكم!! ( أصرفتم عن الذكر صفحا، أم أنتم قوم مسرفون )؟ أما علمتم إنّما وقعت الرواية في الظاهر على المصطفين المهتدين دون سائرهم ).

____________________

(1) سورة فاطر / آية 29.

(2) حديث الثقلين: متواتر، قطعي الصدور روته الصحاح والسنن.

١٦٥

وقالوا جميعاً: ( من أين قلت: يا أبا الحسن؟... ).

وأخذ الإمام يتلو عليهم فضل العترة الطاهرة قائلاً: ( من قول الله:( لقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ) (1)، فصارت وراثة النبوّة والكتاب في المهتدين دون الفاسقين، أما علمتم أنّ نوحاً سأل ربّه فقال:( رب إنّ ابني من أهلي وان وعدك الحق ) (2)؛ وذلك أنّ الله وعده أن ينجيه وأهله، فقال له تبارك وتعالى:( إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) (3)

وتميز المأمون غضباً وغيظا قائلاً: ( هل فضل الله العترة على سائر الناس؟... ).

وبادر الإمام قائلاً: ( إنّ الله العزيز الجبّار فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه... ).

وراح المأمون يقول: ( أين ذلك من كتاب الله ).

وانبرى الإمام يتلو عليه كوكبة من الآيات الكريمة التي أشادت بفضل أهل البيتعليهم‌السلام قائلاً:( إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرّيّة بعضها من بعض ) (4) .

وقال الله في موضع آخر:( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً ) (5) .

ثم رد المخاطبة في أثر هذا إلى سائر المسلمين فقال:( يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) (6) يعني الذين أورثهم الكتاب والحكمة،

____________________

(1) سورة الحديد / آية 26.

(2) سورة هود / آية 40.

(3) سورة هود / آية 46.

(4) سورة آل عمران / آية 32.

(5) سورة النساء / آية 57.

(6) سورة النساء / 59.

١٦٦

وحسدوا عليهما بقوله:( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ) يعني الطاعة للمصطفين الطاهرين، والملك ها هنا الطاعة لهم... ).

وانبرى العلماء قائلين: ( هل فسّر الله تعالى الاصطفاء في الكتاب؟... ).

وأجابهم الإمام: فسّر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موضعاً:

فأوّل ذلك قول الله: ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) (1) - ورهطك المخلصين - هكذا في قراءة أبي بن كعب، وهي ثابتة في مصحف عبد الله بن مسعود، فلما أمر عثمان زيد بن ثابت أن يجمع القرآن خنس هذه الآية(2) وهذه منزلة رفيعة، وفضل عظيم وشرف عال حين عنى الله عز وجل بذلك الآل فهذه واحدة.

والآية الثانية: في الاصطفاء قول الله:( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) وهذا الفضل الذي لا يجحده معاند لأنه فضل بين.

الآية الثالثة: حين ميز الله الطاهرين من خلقه أمر نبيه في آية الابتهال فقال:( قل - يا محمد -تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) (3) فأبرز النبي (ص) عليّاً والحسن والحسين وفاطمةعليهم‌السلام فقرن أنفسهم بنفسه.

ثم التفت الإمام إلى العلماء فقال لهم: ( هل تدرون ما معنى قوله:( وأنفسنا وأنفسكم ) ؟ ).

وأجاب العلماء: ( عنى به نفسه ). فقالعليه‌السلام : ( غلطتم إنّما عنى به عليّاً(4) وممّا يدل على ذلك قول النبي (ص): حين قال:

____________________

(1) سورة الشعراء / آية 214.

(2) خنس: اي ستر.

(3) سورة آل عمران / آية 58 وليس في القرآن كلمة يا محمد، وإنّما هو توضيح منه.

(4) وبالإضافة إلى ما ذكره الإمامعليه‌السلام من الدليل فإنّه لا معنى لأن يدعو الإنسان نفسه فلا بد أن يكون المراد به عليّاًعليه‌السلام .

١٦٧

لينتهي؟؟ بنو وليعة(1) لأبعثن إليهم رجلاً كنفسي يعني عليّاًعليه‌السلام (2) فهذه خصوصية لا يتقدمها أحد، فضل لا يختلف فيه بشر، وشرف لا يسبقه إليه خلق، إذ جعل نفس علي كنفسه، فهذه الثالثة:

وأمّا الرابعة: فإخراجه الناس من مسجده ما خلا العترة، حين تكلّم الناس في ذلك، وتكلّم العباس فقال: يا رسول الله تركت عليّاً، وأخرجتنا، فقال رسول الله (ص): ما أنا تركته وأخرجتكم، ولكنّ الله تركه، وأخرجكم وفي هذا بيان قوله لعليعليه‌السلام : ( أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ).

وقال العلماء: ( فأين هذا من القرآن؟ ).

فأجابهم الإمام: إنّ ذلك موجود في القرآن الكريم، فقالوا له: هات، فتلا عليهم قول الله تعالى:( وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلة ) (3) ، ففي هذه الآية منزلة هارون من موسى، وفيها أيضاً منزلة عليعليه‌السلام من رسول الله (ص) ومع هذا دليل ظاهر في قول رسول الله (ص): ( إنّ هذا المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض إلاّ لمحمد وآل محمد ).

وأنكرت العلماء معرفة ذلك، وقالوا للإمام: ( هذا الشرح، وهذا البيان لا يوجد، أعندكم معشر أهل بيت رسول الله (ص)؟ ).

فأجابهم الإمام: ( ومَن ينكر لنا ذلك؟ ورسول الله (ص) يقول: ( أنتَ مدينة العلم وعلي بابها، فمَن أراد مدينة العلم فليأتها من بابها ) ففيما أوضحنا وشرحنا من الفضل والشرف والتقدمة والاصطفاء والطهارة ما لا ينكره إلاّ معاند، ولله عزّ وجل الحمد على ذلك، فهذه الرابعة.

____________________

(1) بنو وليعة: حي من كنده.

(2) في العيون: عنى بأنفسنا عليّاً وعنى بالأبناء الحسن والحسين وعنى بالنساء فاطمةعليهم‌السلام ، وقد اتفق جمهور المفسّرين على ذلك.

(3) سورة يونس / آية 87.

١٦٨

وأمّا الخامسة: فقول الله عز وجل:( وآت ذا القربى حقّه ) (1) ، خصوصية خصّهم الله العزيز الجبار بها، واصطفاهم على الأمّة، فلمّا نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: أدعو لي فاطمة، فدعوها له، فقال: يا فاطمة، فقالت: لبيك يا رسول الله، فقال: إن فدكا لم يوجف عليها بخيل، ولا ركاب، وهي لي خاصة دون المسلمين، وقد جعلتها لك، لما أمرني الله به، فخذيها لك ولولدك. فهذه الخامسة.

وأمّا السادسة: فقول الله عزّ وجل:( قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى ) (2) .

فهذه خصوصية للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دون الأنبياء، وخصوصية للآل دون غيرهم، وذلك أنّ الله حكى عن الأنبياء، في ذكر نوحعليه‌السلام : ( ويا قوم! لا أسألكم عليه مالا، إن أجرى إلا على الله، وما أنا بطارد الذين آمنوا، إنّهم ملاقو ربهم، ولكنّي أراكم قوماً تجهلون )(3) .

وحكى عن هود، قال: ( لا أسألكم عليه أجرا، إن أجري إلا على الذي فطرني، أفلا تعقلون )(4) .

وقال لنبيه:( قل لا أسألكم عليه أجرا، إلا المودة في القربى ) ، ولم يفرض الله مودّتهم، إلاّ وقد علم أنّهم لا يرتدون عن الدين أبداً، ولا يرجعون إلى ضلالة أبداً.

وأخرى: أن يكون الرجل وادّاً للرجل، فيكون بعض أهل بيته عدواً له، فلا يسلم قلب، فأحب الله أن لا يكون في قلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على المؤمنين شيء، إذ فرض عليهم مودة ذوي القربى، فمَن أخذ بها، وأحب رسول الله (ص) وأحب أهل بيتهعليهم‌السلام لم يستطع رسول الله (ص) أن يبغضه.

ومَن تركها، ولم يأخذ بها، وأبغض أهل بيت نبيه (ص)، فعلى رسول الله (ص) أن يبغضه؛ لأنّه قد ترك فريضة من فرائض الله، وأي فضيلة، وأي شرف يتقدم هذا؟

ولمّا أنزل الله على نبيّه (ص):( قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى ) قام رسول الله (ص) في أصحابه، فحمد الله، وأثنى عليه وقال: ( أيها الناس إنّ الله قد فرض عليكم فرضاً، فهل أنتم مؤدوه؟ فلم يجبه أحد فقام فيهم

____________________

(1) سورة الإسراء / آية 28.

(2) سورة الشورى / آية 22.

(3) سورة هود / آية 31.

(4) سورة هود / آية 53.

١٦٩

يوماً ثانياً، فقال مثل ذلك، فلم يجبه أحد فقام فيهم اليوم الثالث، فقال: ( أيّها الناس! إنّ الله قد فرض عليكم فرضاً، فهل أنتم مؤدّوه؟ فلم يجبه أحد. فقال: ( أيّها الناس إنّه ليس ذهباً ولا فضة، ولا مأكولاً ولا مشروباً، قالوا: فهات إذاً؛ فتلا عليهم هذه الآية فقالوا: أمّا هذا فنعم، فما وفى به أكثرهم.

وأضاف الإمام قائلاً: حدثني أبي عن جدّي عن آبائه عن الحسين بن عليعليهم‌السلام قال: اجتمع المهاجرون والأنصار إلى رسول الله (ص) قالوا: إنّ لك يا رسول الله مؤونة في نفقتك، وفيمَن يأتيك من الوفود، وهذه أموالنا مع دمائنا فاحكم فيها بارّاً مأجورا، اعط ما شئت، وامسك ما شئت من غير حرج، فأنزل الله عزّ وجل عليه الروح الأمين، فقال: يا محمد( قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى ) لا تؤذوا قرابتي من بعدي، فخرجوا فقال أناس منهم: ما حمل رسول الله على ترك ما عرضنا عليه إلاّ ليحثنا على قرابته من بعده، إن هو إلاّ شيء افتراه في مجلسه، وكان ذلك من قولهم عظيماً، فأنزل الله هذه الآية( أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئاً هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيداً بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم ) (1) فبعث إليهم النبي (ص) فقال: هل من حدث؟ فقالوا: أي والله يا رسول الله، لقد تكلّم بعضنا كلاماً عظيماً فكرهناه، فتلا عليهم رسول الله (ص) فبكوا واشتد بكاؤهم فأنزل الله تعالى:( وهو الذي يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ) (2) . فهذه السادسة.

وأمّا السابعة: فيقول الله:( إنّ الله وملائكته يصلّون على النبي يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً ) (3) وقد علم المعاندون منهم أنّه لمّا نزلت هذه الآية، قالوا: يا رسول الله قد عرفنا التسليم عليك، فكيف الصلاة عليك؟

فقال: تقولون: اللّهمّ صلِّ على محمد وآل محمد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد. والتفت الإمام إلى العلماء فقال لهم: ( هل في هذا اختلاف؟ ).

فقالوا جميعاً بصوت واحد.

____________________

(1) سورة الأحقاف / آية 7.

(2) سورة الشورى / آية 24.

(3) سورة الأحزاب / آية 56.

١٧٠

( لا... ).

وانبرى المأمون، فقال: ( هذا ما لا اختلاف فيه، وعليه الإجماع، فهل عندك في الآل شيء أوضح من هذا في القرآن ).

وأخذ الإمام يدلي بمزيد من الأدلة الحاسمة على فضل آل البيتعليهم‌السلام قائلاً: ( أخبروني عن قول الله:( يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) فمَن عنى بقوله:( يس ) ؟ ).

فقالت العلماء: ( عنى بذلك محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ما في ذلك شك ).

والتفت الإمام للحاضرين فقال لهم: ( أعطى الله محمداً وآل محمد من ذلك فضلاً لم يبلغ أحد كنه وصفه، لمن عقله؛ وذلك أنّ الله لم يسلّم على أحد إلاّ على الأنبياء صلوات الله عليهم فقال تبارك وتعالى:( سلام على نوح في العالمين ) (1)، وقال:( سلام على إبراهيم ) (2)، وقال:( سلام على موسى وهارون ) (3) ولم يقل: سلام على آل نوح، ولم يقل: سلام على آل إبراهيم، ولا قال: سلام على آل موسى وهارون، وقال عزّ وجل:( سلام على آل يس ) (4) . يعني آل محمد.

والتفت المأمون إلى الإمام فقال له: ( لقد علمت أنّ في معدن النبوّة شرح هذا وبيانه ).

وأمّا الثامنة: فقول الله عزّ وجل:( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) (5) فقرن سهم ذي القربى مع سهمه وسهم رسول الله (ص) فهذا فصل بين الآل والأمّة؛ لأنّ الله جعلهم في حيّز وجعل الناس كلّهم في حيّز

____________________

(1) سورة الصافات / آية 77.

(2) سورة الصافات / آية 109.

(3) سورة الصافات / آية 120.

(4) سورة الصافات / آية 130.

(5) سورة الأنفال / آية 42.

١٧١

دون ذلك، ورضي لهم ما رضي لنفسه، واصطفاهم فيه وابتدأ بنفسه، ثم ثنى برسوله، ثم بذي القربى في كل ما كان من الفيء والغنيمة، وغير ذلك ممّا رضيه عزّ وجل لنفسه، ورضيه لهم، فقال: - وقوله الحق -( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) فهذا توكيد مؤكّد وأمر دائم لهم إلى يوم القيامة في كتاب الله الناطق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) وأمّا قوله:( واليتامى والمساكين ) فإنّ اليتيم إذا انقطع يتمه خرج من المغانم، ولم يكن له نصيب في المغنم، ولا يحل له أخذه، وسهم ذي القربى إلى يوم القيامة قائم، للغني والفقير؛ لأنّه لا أحد أغنى من الله، ولا من رسوله (ص) فجعل لنفسه منها سهماً، ولرسوله سهماً، فما رضي له ولرسوله رضيه لهم وكذلك الفيء ما رضيه لنفسه ولنبيّه (ص) رضيه لذي القربى، كما جاز لهم في الغنيمة فبدأ بنفسه، ثم برسوله (ص) ثم بهم وقرن سهمهم بسهم الله وسهم رسوله (ص) وكذلك في الطاعة قال عزّ وجل:( يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم ) (1) فبدأ بنفسه ثم برسوله ثم بأهل بيته وكذلك آية الولاية( إنّما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ) (2) فجعل ولايتهم مع طاعة الرسول مقرونة بطاعته، كما جعل سهمه مع سهم الرسول مقروناً بأسهمهم في هذا البيت، فلمّا جاءت قصة الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله )(3). فهل تجد في شيء من ذلك أنّه جعل لنفسه سهماً أو لرسوله (ص) أو لذي القربى لأنّه لمّا نزّههم عن الصدقة نزّه نفسه، ونزّه رسوله، ونزّه أهل بيته لا بل حرّم عليهم؛ لأنّ الصدقة محرمة على محمد وأهل بيته، وهي أوساخ الناس لا تحل لهم؛ لأنّهم طُهّروا من كل دنس ووسخ، فلمّا طهّرهم واصطفاهم رضي لهم ما رضي لنفسه، وكره لهم ما كره لنفسه.

وأمّا التاسعة: فنحن أهل الذكر الذين قال الله في محكم كتابه:( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) (4) .

____________________

(1) سورة النساء / آية 64.

(2) سورة المائدة / آية 60.

(3) سورة التوبة / آية 60.

(4) سورة النحل / آية 45.

١٧٢

واعترض العلماء على الإمام فقالوا له: ( إنّما عنى بذلك اليهود والنصارى ).

وأبطل الإمام ما ذهبوا إليه فقال: ( وهل يجوز ذلك إذا يدعونا إلى دينهم؟ ويقولون: إنّه أفضل من دين الإسلام؟ ).

والتفت المأمون إلى الإمام يطلب منه المزيد من الإيضاح فيما قاله قائلاً: ( هل عندك في ذلك شرح يخالف ما قالوا؟ ) ونعم: الذكر رسول الله (ص) ونحن أهله، وذلك يبين في سورة الطلاق. ( فاتَّقُوا اللهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللهِ مُبَيِّنَاتٍ )

فالذكر رسول الله ونحن أهله، فهذه التاسعة.

وأمّا العاشرة: فقول الله عزّ وجل في آية التحريم:( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ ) (1) .

وخاطب الإمام العلماء فقال لهم: ( أخبروني هل تصلح ابنتي أو ابنة ابني أو ما تناسل من صلبي لرسول الله (ص) أن يتزوجها لو كان حيّاً؟ ).

فقالوا مجمعين: ( لا... ).

وسألهم الإمام ثانيا فقال لهم: ( أخبروني هل كانت ابنة أحدكم تصلح له أن يتزوجها؟ ).

( بلى... ).

( ففي هذا بيان أنّا من آله، ولستم من آله، ولو كنتم من آله لحرمت عليه بناتكم، كما حرمت عليه بناتي؛ لأنّا من آله، وأنتم من أمّته فهذا فرق بين الآل والأمّة؛ لأنّ الآل منه، والأمّة إذا لم تكن الآل فليست منه، فهذه العاشرة.

وأمّا الحادية عشرة: فقوله في سورة المؤمن حكاية عن قول رجل:( وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلاً يقول ربّي الله وقد جاءكم بالبينات من ربّكم ) (2) وكان ابن خال فرعون فنسبه إلى فرعون بنسبه، ولم يضيفه إليه بدينه،

____________________

(1) سورة النساء / آية 22.

(2) سورة المؤمن / آية 28.

١٧٣

وكذلك خصصنا نحن إذ كنا من آل رسول الله (ص) بولادتنا منه، وعممنا الناس بدينه، فهذا فرق بين الآل والأمّة، فهذه الحادية عشرة.

وأمّا الثانية عشرة فقوله: ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ) (1) فخصّنا بهذه الخصوصية إذ أمرنا مع أمره، ثم خصنا دون الأمّة، فكان رسول الله (ص) يجئ إلى باب علي وفاطمةعليهما‌السلام بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر في كل يوم عند حضور كل صلاة خمس مرات: فيقول: الصلاة يرحمكم الله، وما أكرم الله أحداً من ذراري الأنبياء بهذه الكرامة التي أكرمنا بها وخصّنا من جميع أهل بيته، فهذا فرق ما بين الآل والأمّة، والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد نبيّه )(2) .

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض احتجاجات الإمام الرضاعليه‌السلام وهي تمثّل جانباً من حياته العلمية، ونضاله في الدفاع عن الإسلام.

____________________

(1) سورة طه / آية 132.

(2) تحف العقول 425 - 436، عيون أخبار الرضا، المجالس.

١٧٤

١٧٥

مؤلّفاته

ونقل المؤرّخون والرواة أنّ الإمام الرضاعليه‌السلام ألّف مجموعة من الكتب كان بعضها بطلب من المأمون، وقد خاض في بعضها في بيان أحكام الشريعة، ومهمّات مسائل الفقه، كما دون في بعضها ما أثر عن جدّه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) من الأحاديث، وقد سُمّي هذا بمسند الإمام الرضاعليه‌السلام ، ومن بين مؤلّفاته الرسالة الذهبية في الطب ذكر فيها الإمامعليه‌السلام ما يصلح بدن الإنسان ومزاجه، وما يفسده، وهي من أمّهات الكتب الموجزة في هذا الفن...

ونعرض فيما يلي لبعض مؤلفاته:

1 - رسالته في جوامع الشريعة:

وأوعز المأمون إلى وزيره الفضل بن سهل أن يتشرّف بمقابلة الإمام الرضاعليه‌السلام ، ويقول له: إنّي أحب أن تجمع لي من الحلال والحرام والفرائض والسنن، فإنّك حجّة الله على خلقه، ومعدن العلم، وأجاب الإمام طلب المأمون، وأمر بدواة وقرطاس فأحضرتا له، وأمر الفضل أن يكتب فأملى عليه بعد البسملة هذه الرسالة الجامعة لغرر أحكام الشريعة، وفيما يلي نصّها:

( حسبنا شهادة أن لا إله إلاّ الله، أحداً، صمداً، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، قيوماً، سميعاً، بصيراً، قوياً، قائماً، باقياً، نوراً، عالماً لا يجهل، قادراً لا يعجز، غنياً لا يحتاج، عدلاً لا يجور خلق كل شيء، ليس كمثله شيء، لا شبه له، ولا ضد، ولا ند، ولا كفو... إنّ محمداً عبده ورسوله، وأمينه وصفوته من خلقه، سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وأفضل العالمين، لا نبي بعده، ولا تبديل لمثله، ولا تغيير، وأنّ جميع ما جاء به محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه هو الحق المبين، نصدّق به وبجميع من مضى قبله من رسل الله وأنبيائه وحججه،

١٧٦

ونصدق بكتابه الصادق،( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) وأنّه كتابه المهيمن على الكتب كلّها، وأنّه حق من فاتحته إلى خاتمته، نؤمن بمحكمه ومتشابهه، وخاصه وعامه، ووعده ووعيده، وناسخه ومنسوخه، وأخباره لا يقدر واحد من المخلوقين أن يأتي بمثله، وأنّ الدليل والحجة من بعده أمير المؤمنين والقائم بأمور المسلمين، والناطق عن القرآن، والعالم بأحكامه أخوه، وخليفته ووصيّه، والذي كان منه بمنزلة هارون من موسى، علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وإمام المتقين وقائد الغرّ المحجّلين، يعسوب المؤمنين، وأفضل الوصيين بعد النبيين، وبعده الحسن والحسينعليهما‌السلام ، واحداً بعد واحد إلى يومنا هذا، عترة الرسول، وأعلمهم بالكتاب والسنّة، وأعدلهم بالقضية، وأولاهم بالإمامة في كل عصر وزمان، وأنّهم العروة الوثقى، وأئمة الهدى والحجّة على أهل الدنيا حتى يرث الله الأرض ومَن عليها، وهو خير الوارثين، وأنّ كل من خالفهم ضال مضل، تارك للحق والهدى وأنّهم المعبرون عن القرآن، الناطقون عن الرسول بالبيان من مات لا يعرفهم بأسمائهم، وأسماء آبائهم مات ميتة جاهلية وان من دينهم الورع والعفة، والصدق والصلاح، والاجتهاد وأداء الأمانة إلى البر والفاجر، وطول السجود والقيام بالليل واجتناب المحارم، وانتظار الفرج بالصبر، وحسن الصحبة، وحسن الجوار، وبذل المعروف، وكفّ الأذى، وبسط الوجه والنصيحة والرحمة للمؤمنين ).

وحكى هذا المقطع الثناء على الله تعالى وتمجيده، وذكر بعض صفاته، كما حفل بالثناء على الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّه الملهم الأول لفكر الإنسان بالخير والفضل، وأنّه هو الذي اختاره الله تعالى لرسالته، وإنقاذ عباده من حضيض الجهل، وقد أتحفه تعالى بالمعجزة الخالدة، وهي القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهو الدستور لإصلاح الإنسان، ومعالجة جميع قضاياه ومشاكله.

كما عرض الإمامعليه‌السلام إلى رائد الحق والعدالة في الإسلام وصي الرسول وخليفته من بعده الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وإمام المتقين وأفضل الوصيين، وأشادعليه‌السلام بالأئمّة الطاهرين الذين هم على الخير أدلة هذه الأمة إلى الجنة ومسالكها، الناطقون عن الرسول (ص) والمعبرون عن القرآن فقد أدوا أمانة الله وأوضحوا أحكامه وبلغوا رسالته...

وبعد هذا العرض شرع الإمامعليه‌السلام في بيان جوامع الشريعة الغراء قال:

١٧٧

( الوضوء كما أمر الله في كتابه غسل الوجه واليدين، ومسح الرأس والرجلين، واحد فريضة، واثنان إسباغ، ومَن زاد أثم، ولم يؤجر، ولا ينقض الوضوء إلاّ الريح والبول والغائط، والنوم، والجنابة.

ومَن مسح على الخفين فقد خالف الله ورسوله وكتابه، ولم يجز عنه وضوءه، وذلك أن عليّاًعليه‌السلام خالف في المسح على الخفّين فقال له عمر: رأيت النبي (ص) يمسح، فقال علي: قبل نزول سورة المائدة أو بعدها؟ قال: لا أدري، قال علي: ولكنّي أدري أنّ رسول الله (ص) لم يمسح على خفّيه مذ نزلت سورة المائدة ).

إنّ أوّل ما عرض له الإمامعليه‌السلام من مناهج الشريعة الغراء هو الوضوء الذي هو نور وطهارة للإنسان، وهو من ألمع مقدمات الصلاة التي يسمو بها الإنسان، ويتشرف بالاتصال بخالقه العظيم... وقد تناول عرض الإمام للوضوء ما يلي:

1 - أفعال الوضوء:

أما أفعال الوضوء فهي كما يلي:

أ - غسل الوجه من قصاص شعر الرأس إلى طرف الذقن طولا وما دارت عليه الابهام والوسطى عرضا.

ب - غسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع.

ج - مسح الرأس، وهو مقدمه مما يلي الجبهة، ولا بد أن يكون المسح على البشرة أو على الشعر المختص بالمقدم بشرط أن يخرج بمده عن حده.

د - مسح ظاهر القدمين من رؤوس الأصابع إلى الكعبين، وهما قبّتا القدمين، ويجب أن يكون المسح على البشرة، ولا يجوز المسح على الحائل كالخف والجورب، ومن مسح عليهما فقد خالف كتاب الله، وسنّة رسوله ولم يجز عنه وضوءه حسب ما أعلن الإمامعليه‌السلام ، وتواترت بذلك النصوص عن أئمة أهل البيتعليهم‌السلام .

2 - نواقض الوضوء:

وذكر الإمامعليه‌السلام نواقضاً للوضوء، ومبطلاته وهي:

1 - الريح الذي يخرج من الدبر.

2 - البول.

3 - الغائط.

١٧٨

4 - النوم الغالب على العقل.

5 - الجنابة.

هذه الأمور من نواقض الوضوء، ومن مبطلاته قالعليه‌السلام :

( والاغتسال من الجنابة، والاحتلام، والحيض، والغسل من غسل الميت فرض.

والغسل يوم الجمعة، والعيدين، ودخول مكة والمدينة، وغسل الزيارة، وغسل الإحرام، ويوم عرفة، وأول ليلة من شهر رمضان وليلة تسع عشرة منه، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين منه سنة ).

من روائع التشريع الإسلامي وبدائع حكمه وسننه تشريعه للغسل الذي يقي الأبدان من الإصابة بكثير من الأمراض، وفي نفس الوقت فإنّه موجب لنظافة البدن، وإزالة الأوساخ عنه، وهو على قسمين واجب ومندوب، وقد عرض الإمامعليه‌السلام إلى كل منهما.

1 - الأغسال الواجبة:

ويجب الغسل في الأمور التالية وهي:

أ - غسل الجنابة:

أمّا سبب الجنابة فأمران: الأول: خروج المادة المنوية، التي تتوفّر فيها الشهوة، والدفق، وفتور الجسد، فمَن احتلم وخرجت منه هذه المادة، فهو جنب ويجب عليه الغسل. (الثاني) الجماع، ولو لم ينزل، ويتحقق بإدخال الحشفة في القبل أو الدبر من غير فرق بين الواطئ والموطوء.

ب - غسل الحيض:

الحيض دم تعتاده النساء خلقه الله تعالى في الرحم لمصالح، وهو في الغالب دم أسود أو أحمر له دفع وحدة وحرقة، فإذا عرض للمرأة، وانتهت منه وجب عليها الغسل، ويحرم عليها في أثناء الحيض مسّ اسم الله تعالى وأسماء الأنبياء والأئمة الطاهرين ومسّ كتابة القرآن، واللبث في المساجد، والدخول فيها بغير الاجتياز وغير ذلك.

ج - غسل مسّ الميت:

يجب الغسل بمسّ بدن الإنسان الميت بعد برده، وقبل غسله، أمّا غير الإنسان من الحيوانات فإنّ مسها بعد الموت لا يجب فيه الغسل.

١٧٩

هذه بعض الأغسال الواجبة التي أدلى بها الإمامعليه‌السلام وبقي منها غسل الأموات وغسل المستحاضة، وقد ذكرها الفقهاء بالتفصيل. الأغسال المندوبة:

أمّا الأغسال المندوبة فهي أنواع ثلاثة: زمانية، ومكانية، وفعلية.

أمّا الزمانية فهي:

أ - غسل الجمعة: وهو من أهمّها، ووقته من طلوع الفجر الثاني من يوم الجمعة إلى الزوال.

ب - غسل يوم العيدين: عيد الأضحى، وعيد الفطر، ويستحب أيضاً الغسل يوم الغدير وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، وهو اليوم الخالد الذي نصب فيه النبي (ص) سيد عترته، وباب مدينة علمه الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام خليفة من بعده.

ج - غسل يوم عرفة.

د - الغسل لأوّل ليلة من شهر رمضان المبارك.

ه‍ـ - الغسل لليلة التاسع عشر من رمضان، وليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين منه، وهي الليالي المباركة التي يظن أن تكون فيها ليلة القدر.

وأمّا الأغسال المكانية فهي:

أ - الغسل لدخول مكة المكرّمة.

ب - الغسل لدخول المدينة المنورة.

ج - الغسل لزيارة الأضرحة المقدسة.

وأمّا الأغسال الفعلية فهي:

كالغسل للإحرام، أو الطواف، وغير ذلك حسبما ذكره الفقهاء.

قالعليه‌السلام : ( وصلاة الفريضة: الظهر أربع ركعات، والعصر أربع ركعات، والمغرب ثلاث ركعات، والعشاء الآخرة أربع ركعات، والفجر ركعتان، فذلك سبع عشرة ركعة ).

( والسنة أربع وثلاثون ركعة: منها ثمان قبل الظهر، وثمان بعدها، وأربع بعد المغرب، وركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة، تعد بواحدة، وثمان في السحر،

١٨٠