حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ١

حياة الإمام الرضا (عليه السلام)21%

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 363

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 363 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156085 / تحميل: 8640
الحجم الحجم الحجم
حياة الإمام الرضا (عليه السلام)

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ١

مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

ودخل عدي بن حاتم بعد مقتل أمير المؤمنينعليه‌السلام على معاوية ، فسأله معاوية عما أبقى الدهر من حب علي. قال عدي : كله. وإذا ذكر ازداد.

قال معاوية : ما أريد بذلك إلا إخلاق ذكره.

فقال عدي : « قلوبنا ليست بيدك يامعاوية »(1) .

واجتمع عند معاوية عمرو بن العاص ، والوليد بن عقبة ، والمغيرة ، وغيرهم ، فقالوا له : « إن الحسن قد أحيا أباه وذكره ، وقال فصدِّق ، وأمر فأطيع ، وخفقت له النعال ، وإن ذلك لرافعه إلى ماهو أعظم ثم طلبوا منه إحضاره للحط منه الخ »(2) . والشواهد على ذلك كثيرة

وقد بدأت بوادر نجاح هذه السياسة تجاه أهل البيت تظهر في وقت مبكر ، ويكفي أن نشير إلى ما تقدم من أن عمر يسأل عمن يقول الناس : إنه يتولى الأمر بعده ، فلا يسمع ذكراً لعليعليه‌السلام .

هـ : عقائد جاهلية وغريبة :

ثم يأتي دور الاستفادة من بعض العقائد الجاهلية ، أو العقائد الموجودة لدى أهل الكتاب ، وذلك من أجل تكريس الحكم لصالح أولئك المستأثرين ، والقضاء على مختلف عوامل ومصادر المناوأة والمنازعة لهم. هذه العقائد التي قاومها الأئمة بكل ما لديهم من قوة وحول

__________________

1 ـ الفتوح لابن أعثم ج 3 ص 134.

2 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 6 ص 285 والاحتجاج ج 1 ص 402 والبحار ج 44 ص 70 والغدير ج 2 ص 133 عن المعتزلي وعن المفاخرات للزبير بن بكار ، وعن جمهرة الخطب ج 2 ص 12. ونقل عن شرح النهج للآملي ج 18 ص 288 وعن أعيان الشيعة ج 4 ص 67.

٨١

ونذكر من هذه العقائد على سبيل المثال :

تركيز الاعتقاد بلزوم الخضوع للحاكم ، مهما كان ظالماً ومتجبراً وعاتباً ـ وهي عقيدة مأخوذة من النصارى ، حسب نص الإنجيل(1) ـ وقد وضعوا الأحاديث الكثيرة على لسان النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله لتأييد ما يرمون إليه في هذا المجال(2) وقد أصبح ذلك من عقائدهم(3) .

ومن قبيل الإصرار على عقيدة الجبر ، التي هي من بقايا عقائد المشركين ، وأهل الكتاب(4) . الأمر الذي يعني : أن كل تحرك ضد حكام الجور لا يجدي

__________________

1 ـ راجع رسالة بولس إلى أهل رومية ، وراجع الهدى إلى دين المصطفى ج 2 ص 316.

2 ـ راجع : سنن البيهقي ج 8 ص 157 و 159 و 164 و ج 4 ص 115 و ج 6 ص 310. وصحيح مسلم ج 6 ص 17 و 20 ج 2 ص 119 و 122 وكنز العمال ج 5 ص 465 و ج 3 ص 168 و 167 و 170 والعقد الفريد ج 1 ص 8 و 9 والمصنف لعبد الرزاق ج 11 ص 329 ـ 335 و 339 ـ 344 ولباب الآداب ص 260 والدر المثور ج 2 ص 177 و178 و 176 ومقدمة ابن خلدون ص 194 والإسرائيليات في التفسير والحديث ، ونظرية الإمامة ص 417 وقبلها وبعدها ، وتاريخ بغداد ج 5 ص 274 وطبقات الحنابلة ج 3 ص 58 و ص 56 ، والإبانة للأشعري ص 9 ومقالات الإسلاميين ج 1 ص 323 ومسند أحمد ج 2 ص 28 و ج 4 ص 382 / 383 البداية والنهاية ج 4 ص 249 و 226 ومجمع الزوائد ج 5 ص 229 و 224 وحياة الصحابة ج 2 ص 68 و 69 و 72 و ج 1 ص 12 والإصابة ج 2 ص 296 والكنى والألقاب ج 1 ص 167 والاذكياء ص 142 و الغدير ج 7 ص 136 حتى ص 146 و ج 6 ص 117 و 128 و ج 9 ص 393 و ج 10 ص 46 و 302 و ج 8 ص 256 ومستدرك الحاكم ج 3 ص 513 و 290 والسنة قبل التدوين ص 467 ونهاية الإرب ج 6 ص 12 و 13 ولسان الميزان ج 3 ص 387 و ج 6 ص 226 عن أبي الدرداء رفعه : « صلوا خلف كل إمام ، وقاتلوا مع كل أمير » وراجع : المجروحون لابن حبان ج 2 ص 102.

3 ـ راجع كتابنا : الحياة السياسية للإمام الرضا (ع) ص 312 متناً وهامشاً.

4 ـ راجع : الكفاية في علم الرواية للخطيب ص 166 وجامع بيان العلم ج 2 ص 148 و 149 و 150 وضحى الإسلام ج 3 ص 81 زشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 1 ص 340 و ج 12 ص 78 / 79 وقاموس الرجال ج 6 ص 36 ، والإمامة والسياسة ج 1 ص 183 والغدير ج 9 ص 34 و 95 و 192 و ج 5 ص 365 و ج 10 ص 333 و 245 و 249 و ج 7 ص 147 و 154 و 158 و ج 8 ص132 والإخبار الدخيلة ( المستدرك )

=

٨٢

ولا ينفع ، ما دام الإنسان مجبراً على كل حركة ، ومسيراً في كل موقف

ثم هناك عقيدة : أنه لا تضر مع الإيمان معصية. وأن الإيمان اعتقاد بالقلب ، وإن أعلن الكفر

قالوا : « الإيمان عقد بالقلب ، وإن أعلن الكفر بلسانه بلا تقية ، وعبد الأوثان ، أو لزم اليهودية ، أو النصرانية في دار الإسلام ، وعبد الصليب ، وأعلن

__________________

=

ج 1 ص 193 و 197 ومقارنة الإديان ( اليهودية ) ص 271 و 249 وأنيس الأعلام ج 1 ص 279 و 257 والتوحيد وإثبات صفات الرب ص 82 و 80 و 81 ومقدمة ابن خلدون ص 143 و 144 والإغاني ج 3 ص 76 ، وتأويل مختلف الحديث ص 35 والعقد الفريد ج 1 ص 206 و ج 2 ص 112 وتاريخ الطبري ط الاستقامة ج 2 ص 445 وبحوث مع أهل السنة والسلفية من ص 43 حتى 49 عن العديد من المصادر ، والمغزي للواقدي ص 904 وربيع الأبرار ج 1 ص 821 والموطأ ج 3 ص 92 و 93 وطبقات ابن سعد ج 7 ص 417 و ج 5 ص 148 وأنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي ) ج 2 ص 265 و 83 /84 ومصابيح السنة للبغوي ج 2 ص 67 ومناقب الشافعي ج 1 ص 17 والبخاري ج 8 ص 208 وفي خطط المقريزي ج 3 ص 297 : إن جهماً انفرد بالقول بجواز الخروج عل السلطان الجائر وحياة الصحابة ج 2 ص 12 و 95 و 94 و 330 و ج 3 ص 229 و 487 و 492 و 501 و 529 عن المصادر التالية : كنز العمال ج 3 ص 138 / 139 و ج 8 ص 208 و ج 1 ص 86. وصحيح مسلم ج 2 ص 86 وأبي داود ج 2 ص 16 والترمذي ج 1 ص 202 وابن ماجة ج 1 ص 209 وسنن البيهقي ج 9 ص 50 و ج 6 ص 349 ومسند أحمد ج 5 ص 245 ومجمع الزوائد ج 6 ص 3 و ج 1 ص 135 والطبري في تاريخه مقتل برير و ج 4 ص 124 و ج 3 ص 281 والبداية والنهاية ج 7 ص 79. انتهى.

والمعتزلة ص 7 و 87 و 39 / 40 و 91 و 201 و 265 عن المصادر التالية : المنية والأمل ص 12 وعن الخطط ج 4 ص 181 / 182 و 186 والملل والنحل ج 1 ص 97 / 98 والعقائد النسفية ص 85 ووفيات الأعيان ص 494 والإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج 3 ص 45 عن الطبري ج 6 ص 33 و ج 3 ص 207 وعن الترمذي ص 508 في رسالة عمر بن عبد العزيز

والتصريح بذلك في الكتب الكلامية ، وكتب فرق أهل السنة ، لا يكاد يحصى كثرة. وكنت قد جمعت فيما مضى قسماً كبيراً من كلمات التوراة وغيرها حول هذا الموضوع ، أسأل الله التوفيق لإتمامه.

٨٣

التثليث ، في دار الإسلام ، ومات على ذلك »(1) .

وهذه العقيدة ، وإن كانت هي عقيدة المرجئة ، إلا أنها كانت عامة في الناس آنئذٍ ، حيث لم يكن المذهب العقائدي لأهل السنة قد غلب وشاع بعد.

ومعنى هذا هو أن الحكام مؤمنون مهما ارتكبوا من جرائم وعظائم.

بل إنهم ليقولون : إن يزيد بن عبد الملك أراد أن بسيرة عمر عمر بن عبد العزيز ، فشهد له أربعون شيخاً : أن ليس على الخليفة حساب ولا عذاب(2) .

وحينما دعا الوليد الحجاج ليشرب النبيذ معه ، قال له : « يا أمير المؤمنين ، الحلال ما حللت »(3) .

بل إننا لنجد الحجاج نفسه يدَّعي نزول الوحي عليه ، وأنه لا يعمل إلا بوحي من الله تعالى(4) كما يدعي نزول الوحي على الخليفة أيضاً(5)

و : قدسية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

هذا كله فضلاً عن سياستهم القاضية بتقليص نسبة الاحترام والتقديس للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتفضيل الخليفة عليه بل وسلب معنى العصنة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى لقد قالت قريش ـ في حياة الرسول ـ في محاولة منها لمنع عبد الله بن عمرو بن العاص من كتابه أقوالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنه بشر يرضى

__________________

1 ـ الفصل في الملل والأهواء والنحل ج 4 ص 204.

2 ـ البداية والنهاية ج 9 ص 232 وراجع : تاريخ الخلفاء ص 246 وراجع ص 223.

3 ـ تهذيب تاريخ دمشق ج 4 ص 70.

4 ـ تهذيب تاريخ دمشق ج 4 ص 73 وراجع الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج 1 ص 115.

5 ـ تهذيب تاريخ دمشق ج 4 ص 72.

٨٤

ويغضب(1)

بل لقد حاولوا المنع من التسمية باسمهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد نجحوا في ذلك بعض الشيء(2)

كما أن معاوية يتأسف ، لأنه يرى : أن اسم النبي المبارك يذكر في الاذان ويُقْسِم على دفن هذا الاسم(3)

إلى غير ذلك من الوقائع الكثير جداً وقد ذكرنا شطراً منها في تمهيد كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمن أراده فليراجعه.

ولعل ذلك قد كان يهدف إلى فسح المجال للمخالفات ، التي كان يمكن أن تصدر عن الحكام ، والتقليل من شأن وأثر وأهمية ما كان يصدر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أقوال ومواقف سلبية تجاه بعض أركان الهيئة الحاكمة ، أو من تؤهلهم لتولي الأمور الجليلة في المستقبل ، ثم التقليل من شأن مواقفهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الإيجابية تجاه خصوم الهيئة الحاكمة ، أو من ترى فيهم منافسين لها.

ز : تولية المفضول :

ويدخل أيضاً في خيوط هذه السياسة : القول بجواز تولية المفضول مع

__________________

1 ـ راجع : سنن الدرامي ج 1 ص 125 وجامع بيان العلم ج 1 ص 85 وليراجع ج 2 ص 62 و 63 ومستدرك الحاكم ج 1 ص 104 / 105 وتلخيصه للذهبي بهامشه وليراجع أيضاً سنن أبي داود ج 3 /318 والزهد والرقائق ص 315 والغدير ج 11 ص 91 و ج 6 ص 308 و 309 والمصنف لعبد الرزاق ج 7 ص 34 و 35 و ج 11 ص 237 وإحياء علوم الدين ج 3 ص 171 وتمهيد كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى عليه وآله وسلم وغير ذلك كثير.

2 ـ الغدير ج 6 ص 309 عن عمدة القاري ج 7 ص 143 والجزء الأول من كتابنا : الصحيح في سيرة النبي (ص).

3 ـ الموفقيات ص 577 ومروج الذهب ج 3 ص 454 وشرح النهج للمعتزلي ج 5 ص 129 و 130 وقاموس الرجال ج 9 ص 20.

٨٥

وجود الفضل ، كما هو رأي أبي بكر(1) الذي صار أيضاً رأي المعتزلة فيما بعد وذلك عندما فشلت محاولاتهم التي ترمي لرفع شأن الخلفاء ، الذين ابتزوا علياً حقه في أن فشلت محاولاتهم في الحط من عليّ(2) ، ووضع الأحاديث الباطلة في ذمه والعمل على جعل الناس ينسون فضائله وكراماته حيث لم يجدهم كل ما وضعوه واختلقوه في هذا السبيل شيئاً ولا أفاد قتيلاً

ح : سياسة التجهيل :

وهناك سياسة التجهيل التي كانت تتعرض لها الأمة من قبل الحكام ، ولا سيما أهل الشام ويكفي أن نذكر : أن البعض « قال لرجل من أهل الشام ـ من زعمائهم وأهل الرأي والعقل منهم ـ : من أبو تراب هذا الذي يلعنه الأمام على المنبر؟! فقال : أراه لصاً من لصوص الفتن »(3) !!

وفي صفين يسأل هاشم المرقال بعض مقاتلي أهل الشام : عن السبب الذي دعاه للمشاركة في تلك الحرب ، فيعلل ذلك بأنهم أخبروه : أن علياًعليه‌السلام لايصلي(4) .

__________________

1 ـ الغدير ج 7 ص 131 عن السيرة الحلبية ج 3 ص 386. ونقل أيضاً عن الباقلاني في التمهيد ص 195 إشارة إلى ذلك..

2 ـ راجع على سبيل المثال : الأغاني ط ساسي ج 19 ص 59.

3 ـ مروج الذهب ج 3 ص 38.

4 ـ تاريخ الطبري ج 4 ص 30 والكامل لابن الأثير ج 3 ص 313 والفتوح لابن اعثم ج 3 ص 196 وصفين ليصر بن مزاحم ص 354 وشرح النهج للمعتزلي ج 8 ص 36 والغدير ج 10 ص 122 و 290 عن أكثر من تقدم. وأنساب الأشراف ، بتحقيق المحمودي ج 2 ص 184 وترجمة الإمام عليعليه‌السلام لابن عساكر بتحقيق المحمودي ج 3 ص 99 ونقله المحمودي عن ابن عساكر ج 38 حديث رقم 1139. وراجع : المعيار والموازنة ص 160.

٨٦

وبلغ معاوية : أن قوماً من أهل الشام يجالسون الأشتر وأصحابه ، فكتب إلى عثمان : « إنك بعثت إلي قوماً أفسدوا مصرهم وانغلوه ، ولا آمن أن يفسدوا طاعة من قِبَلي ، ويعلموهم ما لا يحسنونه ، حتى تعود سلامتهم غائلة »(1) .

قال ابن الاسكافي : « فبلغ من عنايتهم في هذا الباب : أن أخذوا معلميهم بتعليم الصبيان في الكتاتيب، لينشئوا عليه صغيرهم ، ولا يخرج من قلب كبيرهم. وجعلوا لذلك رسالة يتدارسونها بينهم. ويكتب لهم مبتدأ الأئمة : أبو بكر بن أبي قحافة ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، ومعاوية بن أبي سفيان. حتى ان أكثر العامة منهم ما يعرف علي بن أبي طالب ولا نسبه ، ولا يجري على لسان أحد منهم ذكره.

ومما يؤكد هذا ما يؤثر عن محمد بن الحنفية يوم الجمل ، قال : حملت على رجل فلما غشيته برمحي قال : أنا على دين عمر بن أبي طالب وقال : فعلمت أنه يريد علياً فأمسكت عنه(2) .

وجاء حمصي إلى عثمان بنصيحة ، وهي : « لا تكل المؤمن إلى إيمانه ، حتىتعطيه من المال ما يصلحه. أو قال : ما يعيشه ـ ولا تكل ذا الأمانة إلى أمانته حتى تطالعه في عملك ، ولا ترسل السقيم إلى البرئ ليبرئه ، فإن الله يبرئ السقيم ، وقد يسقم البرئ. قال : ما أردت إلا الخير ـ قال : فردهم ، وهم زيد بن صوحان ، وأصحابه »(3) .

وقدمنا : أنه قد حلف للسفاح جماعة من قواد أهل الشام ، وأهل الرياسة والنعم فيها : أنهم ما كانوا يعرفون أهل البيت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرثونه غير بني أمية

__________________

1 ـ أنساب الأشراف ج 5 ص 43 ، والغدير ج 9 ص 32. وليراجع البداية والنهاية ج 7 ص 165.

2 ـ المعيار والموازنة ص 19.

3 ـ المصنف ج 11ص 334.

٨٧

بل إن أهل الشام يقبلون من معاوية أن يصلي بهم ـ حين مسيرهم إلى صفين ـ صلاة الجمعة في يوم الأربعاء ، كما قيل(1) .

وفي وصية معاوية ليزيد : « وانظر أهل الشام ، وليكونوا بطانتك ، فإن رابك شيء فانتصر بهم ، فإذا أصبتهم : فاردد أهل الشام إلى بلادهم ، فإنهم إن أقاموا بها تغيرت أخلاقهم »(2) .

وحينما وقف أبو ذر في وجه طغيان معاوية ، وأثرته ، وانحرافاته ، في الشام ، قال حبيب بن مسلمة لمعاوية : « إن أبا ذر لمفسد عليكم الشام ، فتدارك أهله ، إن كان لك فيه حاجة(3) .

وحسب نص آخر : « إن أبا ذر يفسد عليك الناس بقوله : كيت وكيت. فكتب معاوية إلى عثمان بذلك. فكتب عثمان : أخرجه إلي. فلما صار إلى المدينة ، نفاه إلى الربذة »(4) .

وحينما جاء المصريون إلى المدينة يسألون عمر عن سبب عدم العمل ببعض الأحكام القرآنية ، أجابهم بقوله : « ثكلت عمر أمُّه ، أتكلفونه أن يقيم الناس على كتاب الله ، وقد علم ربنا : أن سيكون لنا سيئات؟ ، وتلا :( إن تجتنبوا كبائِر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ، وندخلكم مدخلاً كريماً ) هل علم أهل المدينة فيما قدمتم؟! قالوا : لا. قال لو علموا لوعظت بكم ».

قال لهم هذا بعد أن أخذ منهم اعترافاً بأنهم لم يحصوا القرآن لا بالبصر ، ولا في اللفظ ، ولا في الأثر(5) .

وبعد كلام جرى بين معاوية ، وعكرشة بنت الأطرش بن رواحة ، قال لها

__________________

1 ـ مروج الذهب ج 3 ص 32 والغدير ج 10 ص 196 عنه.

2 ـ الفخري في الآداب السلطانية ص 112 والعقد الفريد ج 3 ص 373 مع تفاوت يسير.

3 ـ الغدير ج 8 ص 304 عن ابن أبي الحديد.

4 ـ الأمالي للشيخ المفيد ص 122.

5 ـ حياة الصحابة ج 3 ص 260 عن كنز العمال ج 1 ص 228 عن ابن جرير.

٨٨

معاوية : « هيهات يا أهل العراق ، نبهكم علي بن أبي طالب ، فلن تطاقوا ، ثم أمر برد صدقاتهم فيهم ، وإنصافها »(1) .

والعجيب في الأمر هنا : أننا نجد عمر بن الخطاب يصر على الهمدانيين ـ إصراراً عجيباً ـ أن لا يذهبوا إلى الشام ، وإنما إلى العراق(2) !!

ونظير ذلك أيضاً قد جرى لقبيلة بجيلة ، فراجع(3) .

وقال عبد الملك بن مروان لولده سليمان ، حينما أخبره : أنه أراد أن يكتب سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومغازيه ، ورأى ما للأنصارمن المقام المحمود في العقبتين ، قال له : « وما حاجتك أن تُقدِم بكتاب ليس لنا فيه فضل ، تعرِّف أهل الشام أموراً لا نريد أن يعرفوها؟! » ، فأخبره بتخريقه ما كان نسخه فصوب رأيه(4) .

وحينما طلب البعض من معاوية : أن يكف عن لعن عليعليه‌السلام ، قال : « لا والله ، حتى يربو عليه الصغير ، ويهرم عليه الكبير ، ولا يذكر ذاكر له فضلاً »(5) .

وحينما أرسل عليعليه‌السلام إلى معاوية كتاباً فيه :

محمـد النبـي أخـي وصهـري

وحمـزة سيـد الشهـداء عمّـي

الأبيات

__________________

1 ـ العقد الفريد ج 2 ص 112 وبلاغات النساء ص 104 ط دار النهضة وليراجع صبح الأعشى أيضاً.

2 ـ المصنف لعبد الرزاق ج 11 ص 50.

3 ـ راجع : الكامل في التاريخ ج 2 ص 441.

4 ـ أخبار الموفقيات ص 332 ـ 334 وليراجع الأغاني ط ساسي ج 19 ص 59 في قضية أخرى.

5 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 4 ص 57 والإمام الحسن بن عليعليه‌السلام لآل يس ص125 ، والنصائح الكافية ص 72.

٨٩

« قال معاوية : أخفوا هذا الكتاب ، لا يقرأه أهل الشام : فيميلون إلى علي بن أبي طالب »(1) .

وليراجع كلام المدائني في هذا المجال ، فإنه مهم أيضاً(2) .

عليُّ عليه‌السلام يبثّ العلم والإيمان :

ولكن أمير المؤمنينعليه‌السلام قد حاول بكل ما أوتي من قوة وحول : أن يبث المعارف الإسلامية في الناس ، وينقذهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم ، حتى لقد قال ـ كما سيأتي ـ : « وركزت فيكم راية الإيمان ، ووقفتكم على معالم الحلال والحرام ». هذاً فضلاً عن التوعية السياسية ، التي كان هو ووُلْدُه الأماجد يتمون في بثها وتركيزها.

ط : موقفهم من حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

ثم هناك التدبير الذكي والدقيق ، الذي كان من شأنه أن يحرم الأمة من الإطلاع على كثير من توجيهات ، وأقوال ، وقرارات ، ومواقف الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، المتمثلة في المنع عن رواية الحديث النبوي مطلقاً ، أو ببينة ، والضرب ، ثم الحبس ، بل والتهديد بالقتل على ذلك.

المنع عن كتابته والاحتفاظ به ،

ثم إحراق ما كتبه الصحابة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله (3) .

__________________

1 ـ البداية والنهاية ج 8 ص 8 و9.

2 ـ النصائح الكافية ص 72 / 73 /74.

3 ـ راجع في ذلك كله وحول كل ما يشير إلى التحديد والتقليل في رواية الحديث : المصادر التالية : جامع بيان العلم ج 1 ص 42 و 65 و 77 و ج 2 ص 173 و 174 و 135 و 203 و 147 و 159 و 141 و 148 والمصنف لعبد الرزاق ج 11 ص 258 و 262 و 325 و 377 و ج 10 ص 381 وهوامش الصفحات عن مصادر كثيرة ، والسنة

٩٠

..................................................................................

____________

=

قبل التدوين ص 97 / 98 و 91 و 103 و 113 و 92 و 104 وتذكرة الحفاظ ج 1 ص 5 و 7 و 6 و 8 و 3 / 4 وشرف أصحاب الحديث ص 88 و 89 و 91 و 92 و 87 و 93 وتاريخ الطبري ج 3 ص 273 وكنز العمال ج 5 ص 406 عن التيهقي و ج 10 ص 179 و 174 و 180 ومجمع الزوائد ج 1 ص 149 وتأويل مختلف الحديث ص 48 والتراتيب الإدارية ج 2 ص 248 و 427 حتى 432 وطبقات ابن سعد ج 6 ص 2 و ج 4 قسم 1 ص 13 ـ 14 و ج 3 قسم 1 ص 306 و ج 5 ص 140 و 70 و 173 ، و ج 2 قسم 2 ص 274 ومكاتيب الرسول ج 1 ص 61 وأضواء على السنة المحمدية ص 47 و54 و 55 ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 4 ص 64 و 61 وكشف الأستار عن مسند البزار ج 2 ص 196 وحياة الصحابة ج 2 ص 82 و 569 و 570 و ج 3 ص 257 و 258 و 259 و 272 و 273 و 252 و 630 عن مصادر عديدة ، والبداية والنهاية ج 8 ص 106 و 107 وتقييد العلم ص 50 و 51 و 52 و 53 ومستدرك الحاكم ج 1 ص 102 و 110 وتاريخ الخلفاء ص 138 عن السلفي في الطيورات بسند صحيح ، ومسكل الآثار ج 1 ص 499 حتى 501 ومسند أحمد ص 157 و ج 4 ص 370 و 99 و ج 3 ص 19 والدر المنثور ج 4 ص 159 ووفاء الوفاء ج 1 ص 488 و 483 وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج 6 ص 114 وحلية الأولياء ج 1 ص 160 ومآثر الإناقة. وراجع أيضاً : تاريخ الخلفاء ص 138 والمجروحون ج 1 ص 35 / 36.

ونقل أيضاً في الغدير ج 6 ص 294 حتى 302 و 265 و 263 و 158 و ج 10 ص 351 و 352 عن المصادر التالية : الكامل لابن الاثير ج 2 ص 227 وابن الشحنة بهامشه ج 7 ص 176 وفتوح البلدان ص 53 وصحيح البخاري ط الهند ج 3 ص 837 وسنن أبي داود ج 2 ص 340 وصحيح مسلم ج 2 ص 234 كتاب الأدب انتهى.

ونقله في النص والاجتهاد ص 151 عن المصادر التالية : كنز العمال ج 5 ص 239 رقم 4845 و 4860 و 4865 و 4861 و 4862 والأم للشافعي ، وشرح النهج للمعتزلي ج 3 ص 120 والمعتصر من المختصر ج 1 ص 459 وابن كثير في مسند الصديق وصفين ص 248 والتاج المكلل ص 265 وشرح صحيح مسلم للنووي ج 7 ص 127.

ونقل أيضاً عن المصادر التالية : قبول الأخبار للبلخي ص 29 ، والمحدث الفاصل ص 133 والبخاري بحاشية السندي ج 4 ص 88 وصحيح مسلم ج 3 ص 1311 و 1694 والموطأ ج 2 ص 964 ورسالة الشافعي ص 435 ومختصر جامع بيان العلم

٩١

ي ـ تشجيع القصاصين ورواية الإسرائيليات :

مع تشجيعهم للقصاصين ، ولرواية الإسرائيليات.

وقد وضعوا الأحاديث المؤيدة لذلك(1) .

ثم السماح بالرواية لأشخاص معينين ، دون من عداهم(2) حتى إن أبا

__________________

=

ص 32 و 33. وثمة مصادر أخرى لامجال لتتبعها..

1 ـ راجع فيما تقدم حول رواية الاسرائيليات وتشجيع القصاصين ، المصادر التالية : التراتيب الإدارية ج 2 ص 224 حتى 227 و 238 و 338 و 345 و 325 و 326 و 327 وأضواء على السنة المحمدية ص 124. حتى 126 و 145 حتى 192 وشرف أصحاب الحديث ص 14 و 15 و 16 و 17 وفجر الإسلام ص 158 حتى 162 وبحوث في تاريخ السنة المشرفة ص 34 حتى 37 والزهد والرقائق ص 17 و 508 وتقييد العلم ص 34 وفي هامشه عن حسن التنبيه ص 192 وعن مسند أحمد ج 3 ص 12 و 13 و 56. وراجع أيضاً : جامع بيان العلم ج 2 ص 50 و 53 ، ومجمع الزوائد ج 1 ص 150 و151 و 191 و 192 و 189 والمصنف لعبد الرزاق ج 6 ص 109 و 110 وهوامشه ومشكل الآثار ج 1 ص 40 و 41 والبداية والنهاية ج 1 ص 6 و ج 2 ص 132 و 134 وكشف الأستار ج 1 ص 120 و 122 و 108 و 109 وحياة الصحابة ج 3 ص 286.

2 ـ راجع : الصحيح من سيرة النبي ج 1 ص 26.

بل لم يسمحوا بالفتوى إلا للأمراء ، راجع : جامع بيان العلم ج 2 ص 175 203 وراجع ص 194 و 174 ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 4 ص 62 وسنن الدرامي ج 1 ص 61 والتراتيب اللإدارية ج 2 ص 367 و 368 وطبقات ابن سعد ج 6 ص 179 ط ليدن و 258 ط صادر وكنز العمال ج 10 ص 185 عن غير واحد وعن الدينوري في المجالسة ، وعن ابن عساكر. والمصنف لعبد الرزاق ج 8 ص 301 وفي هامشه عن أخبار القضاة لوكيع ج 1 ص 83.

بل إن عثمان يتوعد رجلاً بالقتل ، إن كان قد استفتى أحداً غيره ، راجع تهذيب تاريخ دمشق ج 1 ص 54 وحياة الصحابة ج 2 ص 390 / 391 عنه

٩٢

موسى ليمسك عن الحديث ، حتى يعلم ما أحدثه عمر(1) .

أضف إلى ذلك كله : حبسهم لكبار الصحابة بالمدينة ، وعدم توليتهم الأعمال الجليلة ، خوفاً من نشر الحديث ، ومن استقلالهم بالأمر(2) : وذلك بعد أن قرروا عدم السماح بالفتوى إلا للأمراء كما أوضحناه في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ك : لا خير في الإمارة لمؤمن :

وإذا كان الأمراء هم الذين ينفذون هذه السياسات ، وقد يتردد المؤمنون منهم في تنفيذها على النحو الأفضل والأكمل ، فقد اتجه العلم نحو الفجار ليكونوا هم أعوانه وأركانه.

وقد رووا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : لا خير في الإمارة لرجل مؤمن(3) .

__________________

1 ـ مسند أحمد ج 4 ص 393 وفي ص 372 يمتنع أنس عن الحديث.

2 ـ راجع : تاريخ الطبري حوادث سنة 35 ج 3 ص 426 ومروج الذهب ج 2 ص 321 و 322 وراجع مستدرك الحاكم ج 3 ص 120 و ج 1 ص 110 وكنز العمال ج 10 ص 180 وتذكرة الحفاظ ج 1 ص 7 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 20 ص 20 وسيرة الأئمة الإثني عشر ج 1 ص 317 و 334 و 365 وراجع : التاريخ الإسلامي والمذهب المادي في التفسير ص 208 و 209 والفتنة الكبرى ص 17 و 46 و 77 وشرف أصحاب الحديث ص 87 ومجمع الزوائد ج 1 ص 149 وطبقات ابن سعد ج 4 ص 135 و ج 2 قسم 2 ص 100 و 112 وحياة الصحابة ج 2 ص 40 و 41 و ج 3 ص 272 و 273 عن الطبري ج 5 ص 134 وعن كنز العمال ج 7 ص 139 و ج 5 ص 239.

وفي هذا الأخير عن ابن عساكر : أن عمر بن الخطاب جمع الصحابة من الآفاق ووبخهم على إفشائهم الحديث.

3 ـ البداية والنهاية ج 5 ص 83 ومجمع الزوائد ج 5 ص 204 عن الطبراني. وحياة الصحابة ج 1 ص 198 / 199 عنهما وعن كنز العمال ج 7 ص 38 وعن البغوي وابن

=

٩٣

وقد قال حذيفة لعمر : إنك تستعين بالرجل الفاجر. فقال : إني أستعمله لأستعين بقوته ، ثم أكون على قفائه.

وذكر أيضاً : أن عمر قال غلبني أهل الكوفة ، استعمل عليهم المؤمن فيضعف ، واستعمل الفاجر ، فيفجر(1) .

ل : أينعت الثمار واخضرّ الجناب :

وبعد ذلك كله فقد تهيأت الفرصة لمن سمح لهم بالرواية عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعن بني إسرائيل ، لأن يمدّوا الأمة بما يريدون ، ويتوافق مع أهدافهم ومراميهم ، من أفكار ومعارف ، وأقوال ومواقف ، حقيقية ، أو مزيفة

ثم تحريف ، بل وطمس الكثير من الحقائق التي رأوا أنها لا تتناسب مع أهدافهم ، ولا تخدم مصالحهم.

بل لقد طمست معظم معالم الدين ، ومحقت أحكام الشريعة ، كما أكدته نصوص كثيرة(2) .

بل يذكرون : أنه لم يصل إلى الأمة سوى خمس مئة حديث في أصول

__________________

= عساكر وغيرهما.

1 ـ الفائق للزمخشري ج 3 ص 215 و ج 2 ص 445 والنصائح الكافية ص 175 ولسان العرب ج 13 ص 346 و ج 11 ص 452. والاشتقاق ص 179.

2 ـ راجع الصحيح من سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ج 1 ص 27 ـ 30 بالإضافة إلى : المصنف ج 2 ص 63و مسند أبي عوانة ج 2 ص 105 والبحر الزخار ج 2 ص 254 وكشف الأستار عن مسند البزار ج 1 ص 260 ومسند أحمد ج 4 ص 428 و 429 و 432 و 441 و 444 والغدير ج 8 ص 166 ، وراجع أيضاً مروج الذهب 3 ص 85 ومكاتيب الرسول ج 1 ص 62.

٩٤

لأحكام ومثلها من أصول السنن(1) الأمر ، الذي يلقي ضلالاً ثقيلة من الشك والريب في عشرات بل مئات الألوف ، بل في الملايين(2) من الأحاديث ، التي يذكرون : أنها كانت عند الحفاظ ، أو لاتزال محفوظة في بطون الكتب إلى الأن. ولأجل ذلك ، فإننا نجدهم يحكمون بالكذب والوضع على عشرات بل مئات الألوف منها(3) .

وقد بلغ الجهل بالناس : أننا نجد جيشاً بكامله ، لايدري : أن من لم يُحْدِث ، فلا وضوء عليه ، « فأمر ( أبو موسى ) مناديه : ألا ، لا وضوء إلا على من أحدث. قال : أوشك العلم أن يذهب ويظهر الجهل ، حتى يضرب الرجل أمه بالسيف من الجهل »(4) .

بل لقد رأينا : أنه : « قد أطبقت الصحابة إطباقاً واحداً على ترك كثير من النصوص ، لما رأوا المصلحة في ذلك »(5) .

ويقول المعتزلي الشافعي عن عليعليه‌السلام : « وإنما قال أعداؤه : لا رأي له ؛ لأنه كان متقيداً بالشريعة لا يرى خلافها ولا يعمل بما يقتضي الدين

__________________

1 ـ مناقب الشافعي ج 1 ص 419 وعن الوحي المحمدي لمحمد رشيد رضا ص 243.

2 ـ راجع على سبيل المثال : الكنى والألقاب ج 1 ص 414 ، ولسان الميزان ج 3 ص 405 وتذكرة الحفاظ ج 2 ص 641 و 430 و 434 و ج 1 ص 254 و 276.

وهذا الكتاب مملوء بهذه الأرقام العالية ، فمن أراد فليراجعه.

والتراتيب الإدارية ج 2 ص 202 حتى ص 208 و 407 و 408.

3 ـ راجع لسان الميزان ج 3 ص 405 و ج 5 ص 228 والفوائد المجموعة ص 246 و 427 وتاريخ الخلفاء ص 293 وأنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي ) ج 3 ص 96 وميزان الاعتدال ج 1 ص 572 و 406 و 509 و 316 و 321 و 12 و 17 و 108 و 148 والكفاية للخطيب ص 36 و سائر الكتب التي تتحدث عن الموضوعات في الأخبار. وراجع : المجرمون لابن حبان ج 1 ص 156 و 185 و 155 و 142 و 96 و 63 و 62 و ص 65 حول وضع الحديث للملوك وراجع أيضاً ج 2 ص 189 و 163 و 138 و ج 3 ص 39 و 63.

4 ـ حياة الصحابة ج 1 ص 505 عن كنز العمال ج 5 ص 114 وعن معاني الآثار للطحاوي ج 1 ص 27.

5 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 12 ص 83.

٩٥

تحريمه. وقد قالعليه‌السلام لولا الدين والتقى لكنت أدهى العرب. وغيره من الخلفاء كان يعمل بمقتضى ما يستصلحه ويستوقفه ، سواء أكان مطابقاً للشرع أم لم يكن. ولا ريب أن من يعمل بما يؤدي إليه اجتهاده ولا يقف مع ضوابط وقيود يمنتع لأجلها مما يرى الصلاح فيه ، تكون أحواله الدنيوية إلى الانتثار أقرب »(1) انتهى.

ولعل ما تقدم من موقف عمر من المصريين المعترضين يشير إلى ذلك أيضاً.

كما أن الفقهاء ، قد « رجح كثير منهم القياس على النص ، حتى استحالت الشريعة ، وصار أصحاب القياس أصحاب شريعة جديدة »(2) .

كما أن أبا أيوب الأنصاري لا يجرؤ على العمل بسنة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في زمن عمر ، لأن عمر كان يضرب من عمل بها(3) .

ويصرح مالك بن أنس ، بالنسبة لغير أهل المدينة من المسلمين بـ : « أن غيرهم إنما العمل فيهم بأمر الملوك »(4) .

وسيأتي المزيد مما يدل على إصرار الخلفاء ، وغير الخلفاء منهم ، على مخالفة أحكام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى من أمثال مروان بن الحكم ، والحجاج بن يوسف.

ماذا بعد أن تمهد السبيل :

وبعد هذا فإن الحكام والأمراء الذين مُنِحُوا ـ دون غيرهم ـ حق

__________________

1 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 1 ص 28.

2 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 12 ص 84.

3 ـ المصنف ج 2 ص 433.

4 ـ جامع بيان العلم ج 2 ص 194.

٩٦

الفتوى! ، من قبل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب قد أصبح بإمكانهم أن يفتوا بغير علم. بل أن يفتوا بما يعلمون مخالفته لما ورد عن سيد الخلق أجمعين ، محمد رسول الله صلى عليه وآله وسلم ، ما داموا قد أمنوا غائلة اعتراض من يعلمون الحق ، ولم يعد يخشى من انكشاف ذلك للملأ من غيرهم الأمر الذي ربما يؤدي ـ لو انكشف ـ إلى التقليل من شأنهم ، وإضعاف مراكزهم ، ويقلل ويحد من فعالية القرارات والأحكام التي يصدرونها.

كما أن ذلك قد هيأ الفرصة لكل أحد : أن يدعي ما يريد ، وضع له الحديث الذي يناسبه ، بأييداً ، أو نفياً وتفنيداً.

كما أنهم قد أمنوا غائلة ظهور كثير من الأقوال ، والأفعال ، والمواقف النبوية ، والوقائع الثابتة ، التي تم مركز وشخصية من يهتمون بالتنويه باسمه ، وإعلاء قدره وشأنه ، أو ترفع من شأن ومكانة الفريق الآخر : أهل البيتعليهم‌السلام ، ولا سيما سيدهم وعظيمهم أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، وكل من يمت إليه وإليهم بأية صلة أو رابطة ، أو له فيهم هوى ، أو نظرة إيجابية وواقعية ، انطلاقاً مما يملكه من فكر واع ، ووجدان حي.

أضف إلى ذلك كله : أن سياستهم هذه تجاه الحديث ، وسنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تنسجم مع رأي بعض الفرق اليهودية ، التي كان لأتباعها نفوذ كبير لدى الحكام آنئذ(1) .

ولسنا هنا في صدد شرح ذلك.

وعلي عليه‌السلام ماذا يقول :

هذا ولكننا نجد أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وشيعته ، والواعين من رجال هذه الأمة ، قد تصدوا لهذه الخطة بصلابة وحزم ، حتى لقد رفضعليه‌السلام في الشورى عرض الخلافة في مقابل اشتراط العمل بسنة الشيخين. وقد

__________________

1 ـ راجع كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ج 1 ص 26 / 27 متناً وهامشاً.

٩٧

طردعليه‌السلام القصاصين من المساجد ، ورفع الحظر المفروض على رواية الحديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (1) .

وقد رووا عنه : أنهعليه‌السلام قال : « قيدوا العلم ، قيدوا العلم » مرتين. ونحوه غيره(2) .

كما أنهعليه‌السلام يقول :

« من يشتري منا علماً بدرهم؟ قال الحارث الأعور : فذهبت فاشتريت صحفاً بدرهم ، ثم جئت بها ».

وفي بعض النصوص : « فاشترى الحارث صحفاً بدرهم ، ثم جاء بها علياً ، فكتب له علماً كثيراً »(3) .

وعن عليعليه‌السلام قال تزاوروا ، وتذاكروا الحديث ، ولا تتركوه يدرس(4) .

وعنهعليه‌السلام : « إذا كتبتم الحديث فاكتبوه بإسناده ، فإن يك حقاً كنتم شركاء في الأجر ، وإن يك باطلاً كان وزره عليه »(5) . ومثل ذلك كثير

__________________

1 ـ سرگذشت حديث ( فارسي ) هامش ص 28 وراجع كنز العمال ج 10 ص 171 و 172 و122.

2 ـ تقييد العلم ص 89 و 90 وبهامشه قال : « وفي حض عليّ على الكتابة انظر : معادن الجوهر للأمين العاملي 1 : 3 ».

3 ـ التراتيب الإدارية ج 2 ص 259 وطبقات ابن سعد ج 6 ص 116 ط ليدن و ص 68 ط صادر وتاريخ بغداد ج 8 ص 357 وكنز العمال ج 10 ص 156 وتقييد العلم ص 90 وفي هامشه عمن تقدم وعن كتاب العلم لابن أبي خيثمة 10 والمحدث الفاصل ج 4 ص 3.

4 ـ كنز العمال ج 10 ص 189.

5 ـ كنز العمال ج 10 ص 129 ورمز له بـ ( ك ، وأبو نعيم ، وابن عساكر ).

٩٨

عنهعليه‌السلام (1) .

والإمام الحسن عليه‌السلام أيضاً :

وفي مجال العمل على إفشال هذه الخطة تجاه العلم والحديث ، وكتابته ، وكسر الطوق المفروض ، نجد النص التاريخي يقول : « دعا الحسن بن علي بنيه ، وبني أخيه ، فقال : « يا بني ، وبني أخي ، إنكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار آخرين ، فتعلموا العلم ، فمن لم يستطع منكم أن يرويه ، فليكتبه ، وليضعه في بيته »(2) .

ثم روى الخطيب ما يقرب من ذلك عن الحسين بن عليعليه‌السلام ، ثم قال : « كذا قال : جمع الحسين بن علي. والصواب : الحسن ، كما ذكرناه أولاً ، والله أعلم »(3) .

ولسنا هنا في صدد تفصيل ذلك ، ونسأل الله أن يوفقنا للتوفر على دراسة هذه الناحية في فرصة أخرى إن شاء الله تعالى.

مشرعون جدد ، أو أنبياء صغار :

وطبيعي بعد ذلك كله وبعد أن كانت السياسة تقضي بتقليص نسبة

__________________

1 ـ راجع على سبيل المثال كنز العمال ج 10 كتاب العلم

2 ـ تقييد العلم ص 91 ونور الأبصار ص 122 وكنز العمال ج 10 ص 153 وسنن الدرامي ج 1 ص 130 وجامع بيان العلم ج1 ص 99 ، والعلل ومعرفة الرجال ج 1 ص 412 وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 227 وفي هامش تقييد العلم عن بعض من تقدم ، وعن تاريخ بغداد ج 6 ص 399 ، ولم أجده ، وعن ربيع الأبرار 12 عن عليعليه‌السلام وراجع أيضاً التراتيب الإدارية ج 2 ص 246 / 247 عن ابن عساكر ، وعن البيهقي في المدخل.

3 ـ تقييد العلم ص 91.

٩٩

الاحترام للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والعمل على علو نجم قوم ، ورفعة شأنهم ، وأقول نجم آخرين ، والحط منهم وبعد أن مست الحاجة إلى المزيد من الأحكام الإسلامية ، والتعاليم الدينية ـ كان من الطبيعي ـ أن تعتبر أقوال الصحابة ، ولا سيما الخليفتين الأول ، والثاني ـ سنة كسنة النبي ، بل وفوق سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد ساعد الحكام أنفسهم ـ لمقاصد مختلفة ـ على هذا الامر. وكنموذج مما يدل على ذلك ، وعلى خطط الحكام في هذا المجال ، نشير إلى قول البعض : « أنا زميل محمد » بالإضافة إلى ما يلي :

1 ـ « قال الشهاب الهيثمي في شرح الهمزية على قول البوصيري عن الصحابة : « كلهم في أحكامه ذو اجتهاد : أي صواب »(1) .

2 ـ وقال الشافعي : « لا يكون لك أن تقول إلا عن أصل ، أو قياس على أصل. والأصل كتاب ، أو سنة ، أو قول بعض أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو إجماع الناس »(2) .

3 ـ وقال البعض عن الشافعية : « والعجب! منهم من يستجيز مخالفة الشافعي لنص له آخر في مسألة بخلافه ، ثم لا يرون مخالفته لأجل نص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(3) .

4 ـ ويقول أبو زهرة بالنسبة لفتاوى الصحابة : « وجدنا مالكاً يأخذ بفتواهم على أنها من السنة ، ويوازن بينها وبين الأخبار المروية ، إن تعارض الخبر مع فتوى صحابي. وهذا ينسحب على كل حديث عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى ولو كان صحيحاً »(4) .

ولا بأس بمراجعة كلمات الشوكاني في هذا المجال أيضاً(5) .

__________________

1 ـ التراتيب الإدارية ج 2 ص 366.

2 ـ مناقب الشافعي ج 1 ص 367 ، وراجع ص 450.

3 ـ مجموعة المسائل المنيرية ص 32.

4 ـ ابن حنبل لأبي زهرة ص 251 / 255 ومالك ، لأبي زهرة ص 290.

5 ـ ابن حنبل لأبي زهرة ص 254 / 255 عن إرشاد الفحول للشوكاني ص 214.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

ذلك الجرب، وإن شئت فكل من الطياهيج(١) إذا احتجمت، واشرب عليه من الشراب المزكّى الذي ذكرته أولاً، وادهن بدهن الخيري أو شيء من المسك وماء الورد، وصب منه على هامتك ساعة فراغك من الحجامة.

وأمّا في الصيف فإذا احتجمت فكل السكباج(٢) والهلام(٣) والمصوص(٤) والحامض، وصبّ على هامتك دهن البنفسج بماء الورد، وشيئاً من الكافور، واشرب من ذلك الشراب الذي وصفته لك بعد طعامك، وإيّاك وكثرة الحركة والغضب، ومجامعة النساء ليومك... ).

عرض الإمامعليه‌السلام في هذا المقطع للحجامة التي تعود على البدن بأعظم الفوائد، وتعيد له نشاطه، وتنفي عنه الأسقام والأمراض، فهي أعظم وصفة، وأكثرها نجاحاً للمصابين بارتفاع الضغط الدموي، فالدم الذي يخرج إنّما يخرج من صغار العروق المبثوثة في اللحم - على حد تعبير الإمام - وهو لا يوجب ضعفاً في البدن، وقد ذكر الإمام بعض الأمراض التي تعالج بالحجامة وهي:

أ - احتقان الأسنان واللثة.

ب - أمراض الكلى المزمنة والمثانة والرحم.

ج - قلّة الحيض.

د - البثور والدمامل. وقد وصف الإمام عملية الحجامة، وأحاط بجميع جوانبها، وما ينبغي أن يستعمله الإنسان بعدها، وما ينبغي له تركه من الأطعمة والأشربة.

كما عرض الإمام إلى الفصد، وذكر الأوردة التي تفصد كحبل الذراع والقيفال، وذكر أيضاً ما ينبغي استعماله بعد الفصد من شرب بعض المشروبات المنعشة، كما منع من بعض الأطعمة التي تسبّب بعض المخاطر.

قالعليه‌السلام : ( واحذر يا أمير المؤمنين أن تجمع بين البيض والسمك في المعدة في وقت واحد

____________________

(١) الطباهيج: نوع من الطيور.

(٢) السكباج: حساء مع الخل.

(٣) الهلام: هو السكباج المصفى من الدهن، أو لحم البقر والعجل والمعز يسلق بماء الملح، ثم يؤخذ اللحم المسلوق، ويوضع على البقول المسلوقة مع الخل.

(٤) المصوص: لحم يطبخ ويوضع في الخل أو لحم الطير خاصة.

٢٢١

فإنّهما متى اجتمعا في جوف الإنسان ولّدا عليه النقرس والقولنج والبواسير، ووجع الأضراس.

واللبن والنبيذ الذي يشربه أهله إذا اجتمعا ولّدا النقرس والبرص، ومداومة أكل البصل(١) يعرض منه الكلف(٢) في الوجه وأكل الملوحة، واللحمان المملوحة، وأكل السمك المملوح بعد الفصد والحجامة يعرض منه البهق والجرب، وأكل كلية الغنم وأجواف الغنم يعكّر المثانة.

ودخول الحمّام على البطنة يولد القولنج، والاغتسال بالماء البارد بعد أكل السمك يورث الفالج، وأكل الأترج في الليل يقلب العين، ويوجب الحول، وإتيان المرأة الحائض يورث الجذام في الولد. والجماع من غير إهراق الماء على إثره(٣) يوجب الحصاة، والجماع بعد الجماع من غير فصل بينهما بغسل يورث الولد الجنون، وكثرة أكل البيض(٤) وإدمانه يولد الطحال، ورياحاً في رأس المعدة والامتلاء من البيض المسلوق يورث الربو والانبهار(٥) ، واكل اللحم النيئ يولد الدود في البطن، وأكل التين يقل منه الجسد إذا أدمن عليه.

وشرب الماء البارد عقيب الشيء الحار والحلاوة يذهب بالأسنان، والإكثار من أكل لحوم الوحش والبقر يورث تغيير العقل، وتحيّر الفهم، وتبلّد الذهن، وكثرة النسيان ).

حذّر الإمامعليه‌السلام - في هذا المقطع - من الجمع بين ألوان من الأطعمة في الأكل، وذلك لما تورثه من الأمراض، وكان من بين ما حذّر منه الجمع بين أكل السمك والبيض؛ وذلك لما يعقبه من الأمراض التالية:

١ - داء النقرس.

٢ - القولنج.

٣ - البواسير.

____________________

(١) في نسخة البيض.

(٢) الكلف: مرض يعلو الوجه.

(٣) إهراق الماء: أراد به عدم البول بعد العملية الجنسية.

(٤) في نسخة البصل.

(٥) الانبهار: ضيق النفس.

٢٢٢

٤ - وجع الأضراس.

كما حذّر من تناول الطعام المالح؛ لأنّه يؤدّي إلى تصلّب الشرايين، وارتفاع ضغط الدم. وكان من بين ما حذّر منه الإمام شرب الماء البارد عقيب الشيء الحار أو عقيب أكل الحلويات، فإنّه يوجب تدمير الأسنان كما أكّد ذلك أطبّاء الأسنان، فقد ذكروا أنّ ذلك ممّا يوجب تدمير الأسنان.

لقد حوى المقطع على فوائد صحيّة في غاية الأهمية لو أخذ بها الناس لأصبح الطب وقائياً، وما احتاجوا إلى عيادة الأطباء.

قالعليه‌السلام : ( وإذا أردت دخول الحمّام، وأن لا تجد في رأسك ما يؤذيك فابدأ عند دخول الحمّام بخمس أكف ماء حار تصبها على رأسك فإنّك تسلم إن شاء الله تعالى من وجع الرأس والشقيقة.

واعلم يا أمير المؤمنين أنّ الحمام ركب على تركيب الجسد، للحمّام أربعة بيوت مثل طبايع الجسد، البيت الأول: - وهو المسلخ الذي ينزع فيه الثياب - بارد يابس، والثاني: بارد رطب، والثالث: حار رطب، والرابع: حار يابس، ومنفعة الحمّام عظيمة يؤدّي إلى الاعتدال، وينقي الدرن، ويلين العصب والعروق، ويقوّي الأعضاء الكبار، ويذيب الفضول، ويذهب العفن.

فإذا أردت أن لا يظهر في بدنك بثرة ولا غيرها فابدأ عند دخول الحمام بدهن بدنك بدهن البنفسج، وإذا أردت استعمال النورة، ولا يصيبك قرح، ولا شقاق ولا سواء فاغتسل بالماء البارد قبل أن تتنور، ومَن أراد دخول الحمّام للنورة، فليجتنب الجماع قبل ذلك باثنتي عشرة ساعة، وهو تمام يوم، وليطرح في النورة شيئاً من الصبر والأقاقيا(١) والحضض، أو يجمع ذلك ويأخذ منه اليسير إذا كان مجتمعا أو متفرقا، ولا يلقي في النورة شيئا من ذلك حتى تماث النورة بالماء الحار الذي طبخ فيه بابونج ومرزنجوش أو ورد بنفسج يابس أو جميع ذلك اجزاء يسيرة مجموعة أو متفرقة بقدر ما يشرب الماء رائحته، وليكن الزرنيخ مثل سدس النورة، ويدلك الجسد بعد الخروج منها بشئ يقلع رائحتها كورق الخوج، وثجير العصفر، والحناء والورد، والسنبل

____________________

(١) الأقاقيا: الشوكة المصرية.

٢٢٣

مفردة أو مجتمعة.

ومَن أراد أن يأمن من إحراق النورة فليقلل من تقليبها، وليبادر إذا عمل في غسلها، وأن يمسح البدن بشيء من دهن الورد، فإن أحرقت البدن - والعياذ بالله - يؤخذ عدس مقشّر، ويسحق ويداف في ماء ورد وخل ويطلى به الموضع الذي أثرّت فيه النورة، فإنّه يبرأ بإذن الله تعالى... والذي يمنع من آثار النورة في الجسد هو أن يدلك الموضع بخل العنب الثقيف، ودهن الورد دلكا جيّداً... ).

الحمّام ضرورة ملحّة للإنسان لا غنى له عنه، فيه نظافته، وسلامة بدنه من الأوساخ، والأقذار، التي تسبّب الأمراض الجلدية، وقد تحدّث عنه سليل النبوّة، ومعدن العلم والحكمة عن جميع نواحيه ووجوهه، ومنافعه التي منها اعتدال البدن، ونقايته من الدرن وذهاب العفن.

إنّ حديث الإمامعليه‌السلام عن الحمّام كان حديثاً مفصّلاً؛ لأنّه من الوسائل الصحيّة، ومن مصادر الطهارة والنظافة التي تزيل ما ران على الجسد من الأوساخ الخارجية، وإفرازات الدهن السطحية، كما تحدّثعليه‌السلام بصورة شاملة عن النورة التي يزال بها الشعر المتراكم في البدن، والتي يؤدّي إزالته إلى إنعاش البدن، ونظافته.

قالعليه‌السلام : ( ومَن أراد أن لا يشتكي مثانته فلا يحبس البول، ولو على ظهر دابته. ومَن أراد أن لا تؤذيه معدته فلا يشرب بين طعامه ماء حتى يفرغ، ومَن فعل ذلك رطب بدنه، وضعفت معدته، ولم تأخذ العروق قوّة الطعام فإنّه يصير في المعدة فجّاً إذا صب الماء على الطعام أولاً فأولاً.

ومَن أراد أن لا يجد الحصاة وحصر البول فلا يحبس المني عند نزول الشهوة، ولا يطل المكث عند النساء.

ومَن أراد أن يأمن من وجع السفل، ولا يظهر به وجع البواسير فليأكل كل ليلة سبع ثمرات برني بسمن البقر، ويدهن بين أنثييه بدهن زنبق خالص.

ومَن أراد أن يزيد حافظته فليأكل سبع مثاقيل زبيب على الريق، ومَن أراد أن يقل نسيانه ويكون حافظاً فليأكل كل يوم ثلاث قطع زنجبيل مربى بالعسل،

٢٢٤

ويصطبغ(١) بالخردل مع طعامه في كل يوم، ومَن أراد أن يزيد في عقله يتناول كل يوم ثلاث هيليجا بسكر أبلوج(٢) ومَن أراد أن لا ينشق ظفره، ولا يميل إلى الصفرة، ولا يسود حول ظفره فلا يقلم ظفره إلاّ يوم الخميس، ومَن أراد أن لا تؤلمه أذنه فليجعل فيها عند النوم قطنة. ومَن أراد ردع الزكام مدة أيام الشتاء فليأكل كل يوم ثلاث لقم من الشهد... ).

عرض الإمامعليه‌السلام في هذا المقطع إلى وصايا صحية بالغة الأهمية، فقد أعطى وصفات صحية للسلامة والوقاية من كثير من الأمراض، كان منها:

١ - سلامة الجهاز البولي.

٢ - سلامة المعدة.

٣ - الوقاية من الحصاة.

٤ - الوقاية من البواسير. إلى غير ذلك من الوصايا التي تتضمّن سلامة البدن من الإصابة بالأمراض.

قالعليه‌السلام : ( واعلم يا أمير المؤمنين أنّ للعسل دلائل يعرف بها نافعه من ضاره، وذلك أنّ منه شيئاً إذا أدركه الشم عطس، ومنه شيء يسكر، وله عند الذوق حرقة شديدة فهذه الأنواع من العسل قاتلة.

ولا يؤخر شم النرجس فإنه يمنع الزكام في مدة أيام الشتاء، وكذلك الحبة السوداء، وإذا خاف الإنسان الزكام في أيام الصيف فليأكل كل يوم خيارة، وليحذر الجلوس في الشمس.

ومَن خشي الشقيقة(٣) والشوصة(٤) فلا يؤخّر أكل السمك الطري صيفاً أو شتاء، ومَن أراد أن يكون صالحاً خفيف الجسم واللحم فليقلّل من عشائه بالليل، ومَن أرد أن لا يشتكي سرته فليدهنها متى دهن رأسه، ومَن أراد أن لا تشقق شفتاه،

____________________

(١) مصطبخ: أي يجعله صبغاً وإداماً.

(٢) سكر ابلوج: نبات.

(٣) الشقيقة: وجع يصيب نصف الرأس والوجه.

(٤) الشوصة: وجع في البطن أو ريح تعقب في الأضلاع.

٢٢٥

ولا يخرج فيها باسور(١) فليدهن حاجته من دهن رأسه، ومَن أراد أن لا تسقط أذناه(٢) ولهاتاه فلا يأكل حلوا حتى يتغرغر بعده بخل، ومَن أراد أن لا يصيبه اليرقان فلا يدخل بيتاً في الصيف أوّل ما يفتح بابه، ولا يخرج منه أوّل ما يفتح بابه في الشتاء غدوة، ومَن أراد أن لا يصيبه ريح في بدنه فليأكل الثوم كل سبعة أيام مرة، ومَن أراد أن لا تفسد أسنانه فلا يأكل حلواً إلاّ بعد كسرة خبز، ومَن أراد أن يستمري طعامه فليتكئ بعد الأكل على شقّه الأيمن، ثم ينقلب بعد ذلك على شقّه الأيسر حتى ينام، ومَن أراد أن يذهب البلغم من بدنه، وينقصه، فليأكل كل يوم بكرة شيئاً من الجوارش(٣) الحريف، ويكثر دخول الحمّام ومضاجعة النساء، والجلوس في الشمس، ويجتنب كل بارد من الأغذية فإنّه يذهب البلغم ويحرقه، ومَن أراد أن يطفئ لهب الصفراء فليأكل كل يوم شيئاً رطباً بارداً ويروح بدنه، ويقل الحركة، ويكثر النظر إلى مَن يحب.

ومَن أراد أن يحرق السوداء فعليه بكثرة القيء وفصد العروق، ومداومة النورة، ومَن أراد أن يذهب بالريح البارد فعليه بالحقنة، والأدهان الليّنة على الجسد وعليه بالتكميد بالماء الحار بالأبزن(٤) ومَن أراد أن يذهب عنه البلغم فليتناول بكرة كل يوم من الأطريفل الصغير مثقالاً واحداً... ).

عرض الإمامعليه‌السلام في أكثر فصول هذا المقطع إلى صحّة أعضاء الإنسان، فوضع الوصفات الصحية لسلامتها ووقايتها من الإصابة بالأمراض، فقد وضع الأسس الكفيلة للوقاية من الزكام الذي هو فاتحة الأمراض وقد أعطى الوصفة في الشتاء، ووصفة أخرى في أيام الصيف.

لقد أبدى الإمامعليه‌السلام نصائحه الطبية لسلامة أجهزة بدن الإنسان، ووضع لها الوصفات الناجحة التي تحسم الداء.

قالعليه‌السلام : ( واعلم يا أمير المؤمنين أن المسافر ينبغي له أن يتحرز من الحر إذا سافر وهو ممتلئ من الطعام، ولا خالي الجوف، وليكن على حد الاعتدال، وليتناول من الأغذية

____________________

(١) في نسخة باثور وهو الأصح.

(٢) سقوط الأذن واللهاة تراخيهما ولعلّه يريد بالأذن اللوزيتين.

(٣) الجوارش الحريف: كالكمون والفلافل وأشباههما.

(٤) الأبزن: ظرف فيه ماء حار توضع فيه الأدوية الخاصة لجلوس المريض فيه.

٢٢٦

الباردة مثل الغريض(١) والهلام، والخل والزيت وماء الحصرم، ونحو ذلك من الأطعمة الباردة.

واعلم يا أمير المؤمنين أنّ السير الشديد في الحر الشديد ضار بالأبدان المنهوكة إذا كانت خالية من الطعام، وهو نافع بالأبدان الخصبة، وأمّا صلاح المياه للمسافر، ودفع الأذى عنه فهو أن لا يشرب من ماء كل منزل يرده إلاّ بعد أن يمزجه بماء المنزل الذي قبله أو بشراب واحد غير مختلف يشوبه بالمياه على اختلافها، والواجب أن يتزوّد المسافر من تربة وطنه التي ربي عليها، وكل ما ورد إلى منزل طرح في إنائه الذي يشرب منه الماء شيئاً من الطين الذي تزوّده من بلده، ويشوب الماء بالطين في الآنية بالتحريك، ويؤخر قبل شربه حتى يصفو صفاءً جيداً، وخير الماء شرباً لـمَن هو مقيم أو مسافر ما كان ينبوعه من الجهة الشرقية من الخفيف الأبيض، وأفضل المياه ما كان مخرجها من مشرق الشمس الصيفي، وأصحّها وأفضلها ما كان بهذا الوصف الذي نبع منه، وكان مجراه في جبال الطين؛ وذلك لأنّها تكون في الشتاء باردة، وفي الصيف مليّنة للبطن نافعة لأصحاب الحرارات. وما الماء المالح والمياه الثقيلة فإنّها تيبس البطن، ومياه الثلوج والجليد ردية لساير الأجساد، وهي كثيرة الضرر جداً. وأمّا مياه السحب فإنّها خفيفة عذبة صافية نافعة للأجسام إذا لم يطل خزنها وحبسها في الأرض. وأمّا مياه الجب فإنّها عذبة نافعة إن دام جريها، ولم يدم حبسها في الأرض، وأمّا البطايح والسباخ فإنّها حارة غليظة في الصيف لركودها، ودوام طلوع الشمس عليها، وقد يتولّد من دوام شربها المرة الصفراوية، وتعظم به أطلحتهم... ).

ووضع الإمامعليه‌السلام البرامج الحيّة لسلامة المسافر ووقايته من الأمراض، فقد أوصى بعدم السفر إذا كان الشخص ممتلئ البطن فإنّ ذلك لا يساعده على جهد السفر وعنائه، كما ينبغي أن لا يكون خالي الجوف فإنّه لا يقوى على السفر، ونهى الإمام عن السفر في الحر الشديد فإنّ ذلك يعرض المسافر للخطر.

كما عرض الإمامعليه‌السلام إلى المياه فذكر أنواعها، وما ينبغي أن يشرب

____________________

(١) الغريض: اللحم الطري.

٢٢٧

منها، وما ينبغي أن لا يشرب لأنه مما يضر بالصحة العامة لقد كان وصف الامام للمياه وصفا دقيقا، لم يسبق أن عرض لها بهذه الكيفية غيره.

قالعليه‌السلام : ( وقد وصفت لك يا أمير المؤمنين فيما تقدّم من كتابي هذا ما فيه كفاية لـمَن أخذ به، وإنّما أذكر أمر الجماع، فلا تدخل النساء من أول الليل صيفاً، ولا شتاء؛ وذلك لأنّ المعدة والعروق تكون ممتلية، وهو غير محمود، ويتولّد منه القولنج والفالج واللقوة، والنقرس، والحصاة والتقطير، والفتق، وضعف البصر، ورقنه، فإذا أردت ذلك فليكن في آخر الليل فإنّه أصلح للبدن، وأرجى للولد وأزكى للعقل في الولد، الذي يقضي الله بينهما.

ولا تجامع امرأة حتى تلاعبها، وتكثر ملاعبتها، وتغمز ثدييها فإنّك إذا فعلت ذلك غلبت شهوتها، واجتمع ماؤها لأنّ ماءها يخرج من ثدييها، والشهوة تظهر من وجهها وعينيها، واشتهت منك مثل الذي تشتهيه منها، ولا تجامع النساء إلاّ وهي طاهرة، فإذا فعلت ذلك، فلا تقم قائماً ولا تميل جالساً، ولكن تميل على يمينك، ثم انهض للبول إذا فرغت من ساعتك شيئاً، فإنّك تأمن من الحصاة بإذن الله تعالى. ثم اغتسل واشرب من ساعتك شيئاً من الموميائي بشراب العسل أو بعسل منزوع الرغوة، فإنّه يرد من الماء مثل الذي خرج منك. واعلم يا أمير المؤمنين أنّ جماعهن، والقمر في برج الحمل أو الدلو من البروج أفضل، وخير من ذلك أن يكون في برج الثور لكونه شرف القمر(١) .

ومَن عمل فيما وصفت في كتابي هذا، ودبر به جسده أمن بإذن الله تعالى من كل داء، وصحّ جسمه بحول الله وقوّته، فإنّ الله يعطي العافية لـمَن يشاء ويمنحها إيّاه والحمد لله أوّلاً وآخراً، وظاهراً وباطناً... ).

وتناول الإمامعليه‌السلام - في هذا المقطع - الحياة الجنسية، وقد أدلى بكثير من الجوانب المهمّة التي يجهلها الناس، فقد حذّر من إتيانها في أوّل الليل، وذلك لما يترتّب عليها من الأضرار التي منها الإصابة بما يلي:

أ - بالقولنج.

____________________

(١) قال المجلسي: ولعلّ ذكر هذه الأمور - إن كان منه - لبعض المصالح موافقة لما اشتهر في ذلك الزمان عند المأمون وأصحابه من العمل بآراء الحكماء.

٢٢٨

ب - الفالج.

ج - اللقوة.

د - النقرس.

ه‍ـ - الحصاة.

و - الفتق.

ز - ضعف البصر.

ودعا إلى استعمالها في الهزيع الأخير من الليل، كما نبّه على كثير من الفوائد.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن هذه الرسالة الذهبية التي هي من ذخائر كتب الطب.

٣ - صحيفة الرضاعليه‌السلام :

من مؤلّفات الإمام الرضاعليه‌السلام هذه الرسالة الغرّاء التي سُمّيت بـ‍ (صحيفة الرضا ) وسمّاها فريق من الرواة بـ (مسند الإمام الرضا ) وهذه التسمية أقرب إلى وضع الكتاب؛ لأنّه حوى بعض ما يرويه من الأخبار عن جدّه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعن آبائه الأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام ، وقد نصّ جمهرة من المحققين على أنّ هذه الرسالة من مؤلّفات الإمامعليه‌السلام (١) .

وعلى أيّ حال فإنّ هذه الرسالة من ذخائر النبوّة، وكنوز أهل البيت ومواريث الأئمّة التي بلغت من علوّ الإسناد ذروة الشرف، وكاهل العِزّ - كما يقول الدكتور حسين علي محفوظ(٢) .

ونحن ننقل بعض هذه الرسالة عن نسخة طُبعت في القاهرة بمطبعة المعاهد بجوار الأزهر سنة (١٣٤٠ ه‍)، وقد طبعها العلاّمة عبد الواسع بن يحيى الواسمي، ورتّبها على عشرة أبواب، وهي:

____________________

(١) كشف الظنون ٢ / ١٠٧٦، هداية العارفين ١ / ٦٦٨، معجم المؤلفين ٧ / ٢٥٠، الذريعة ١٥ / ١٧ - ١٨، كشف الحجب والأستار (ص ٣٦٦ - ٣٦٧) البحار ١ / ١١، مستدرك الوسائل ٣ / ٣٤٤ النجاشي (ص ١٥٩) الأمالي، التوحيد، العيون وغيرها.

(٢) صحيفة الرضا (ص ٢).

٢٢٩

الباب الأوّل

في الذكر

وبعد مقدّمة ذكرها الشيخ عبد الواسع تتعلّق بضرورة ذكر السند، قال: أروي هذه الصحيفة بالسند الصحيح المتصل إلى الإمام القاسم بن محمدعليه‌السلام ، عن شيخه السيد أمير الدين بن عبد الله، عن السيد أحمد بن عبد الله الوزير، عن الإمام المطهر بن محمد بن سليمان، عن الإمام المهدي أحمد بن يحيى، عن سليمان بن إبراهيم بن عمر العلوي، عن أبيه إبراهيم، عن رضاء الدين إبراهيم بن محمد الطبري، عن الإمام نجم الدين التبريزي، عن (الحافظ ابن عساكر)، عن زاهر السنحاني عن (الحافظ البيهقي):

١ - عن أبي القاسم المفسّر، عن إبراهيم بن جعدة، عن أبي القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي بالبصرة، قال: حدثني علي بن موسى الرضاعليه‌السلام سنة (١٩٤ ه‍) قال: حدثني أبي موسى بن جعفر قال: حدثني أبي جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي محمد بن علي، قال حدثني أبي علي بن الحسين، قال حدثني أبي الحسين بن علي، قال حدثني أبي علي بن أبي طالب سلام الله عليهم أجمعين آمين إلى يوم الدين، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( يقول الله تعالى: لا إله إلاّ الله حصني، فمَن دخل حصني أمن من عذابي... ).(١) .

إنّ هذه الكلمة المشرقة هي سرّ الوجود، ومصباح المتقين، ودليل العارفين فمَن قالها عن معرفة وإيمان دخل حصن الله الذي من دخله فاز برضوان الله تعالى وأمن من عذابه.

٢ - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَن أنعم الله عليه بنعمة فليحمد الله عليها، ومَن استبطأ الرزق فليستغفر الله، ومَن أحزنه أمر فليقل لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم... ).

إنّ ذكر الله تعالى، والانقطاع إليه يستوجب المزيد من نعمه، وألطافه، ومَن قال هذه الكلمات في هذه المواضع شملته رحمة الله، وظفر بالخير العميم.

____________________

(١) في رواية الطبرسي بشرطها وشروطها وأنا من شروطها. وسنتكلّم عن هذا الحديث الشريف في بعض غضون هذا الكتاب.

٢٣٠

٣ - وباسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الإيمان إقرار باللسان، ومعرفة بالقلب، وعمل بالأركان... ).

الايمان شعلة من النور تضئ القلب، وتسري سريان الحياة في نفوس المتقين والعارفين، وتستولي على عواطفهم ومشاعرهم.

٤ - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يقول الله: ( ما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني إلاّ قطعت أسباب السماوات والأرض من دونه، فإن سألني لم أعطه، وإن دعاني لم أجبه، وما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي إلاّ ضمنت السماوات والأرض برزقه فإن سألني أعطيته، وإن دعاني أجبته، وإن استغفرني غفرت له... ).

لقد خاب، وباء بالفشل والخسران، مَن يرجو غير الله تعالى الذي بيده مجريات الأحداث يقول بعض الشعراء:

تربت يد سألت سواك وأجدبت

أرض بغير سحاب جودك توسمُ

فالعِزّ إلاّ من لديك محرم

والمال إلاّ من يديك محرّمُ

إنّ العبد إذا انقطع إلى الله، واعتصم به، فقد ظفر بالخير، وفاز بالنعم في دنياه وآخرته.

٥ - وبإسناده قال:... ( حدثني علي بن الحسينعليه‌السلام ، أنّ يهودياً سأل علي ابن أبي طالبعليه‌السلام قال: اخبرني عمّا ليس لله وعمّا ليس عند الله وعمّا لا يعلمه الله؟ فقال عليعليه‌السلام : أمّا مالا يعلمه الله فذلك قولكم يا معشر اليهود عزير ابن الله، والله لا يعلم له ولداً، وأمّا ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعبيد، وأمّا ما ليس لله فليس لله شريك، قال اليهودي، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله... ).

إنّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام هو باب مدينة علم النبي (صلى الله عليه وآله) وهو عملاق هذه الأمّة، ورائد نهضتها الفكرية والعلمية، ومن المقطوع به أنّه لو ثنيت له الوسادة، وتسلّم قيادة الحكم بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لما بقي يهودي، ولا نصراني، ولا مجوسي، إلاّ ودخلوا في حظيرة الإسلام، وانتهلوا من نميره العذب.

٦ - وبإسناده قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أفضل الأعمال عند الله إيمان لا شكّ فيه، وغزو لا غلول فيه، وحج مبرور، وأوّل مَن يدخل الجنة

٢٣١

شهيد، وعبد مملوك أحسن عبادة ربّه، ونصح لسيّده، ورجل عفيف متعفّف ذو عيال، وأوّل مَن يدخل النار إمام مسلط لم يعدل، وذو ثروة من المال لم يقض حقّه، وفقير فخور... ).

وألمّ هذا الحديث الشريف بأفضل الأعمال، وأكثرها مثوبة وأجراً عند الله تعالى، وهو الإيمان بالله تعالى الذي لا يخامره شك، والغزو الذي لا غلول فيه وإنّما يقصد فيه نشر كلمة الله في الأرض، وحج بيت الله الحرام.

كما حكى هذا الحديث الشريف أفضل الرجال عند الله تعالى، وأكرمهم عليه، وهم: الشهداء في سبيل الله لا في سبيل مغنم أو شيء من متع الحياة، والعبد المملوك المؤمن بربّه والناصح لسيّده، والرجل العفيف ذو العيال الذي يسعى لإعاشة عياله.

وحكى هذا الحديث أيضاً أبغض الرجال إلى الله، والذين يستحقون نار جهنّم، وأوّل مَن يدخلونها من العصاة والمجرمين: الحاكم الذي يظلم عباد الله، ولا يسير بين الناس بالحق والعدل، وصاحب الثراء العريض الذي يبخل بحقوق الله ولا يسعف الفقير، والفقير الفخور الذي يفخر بنفسه وأُسرته، ويتجبّر ويتكبّر على خلق الله.

٧ - وبإسناده قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من حفظ على أمّتي أربعين حديثاً، ينتفعون بها؛ بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً... ).

إنّ الأحاديث النبوية شعلة من النور تهدي الحائر، وترشد الضال وتنير الطريق؛ لأنّها من ينابيع الحكمة، فمَن أذاعها بين المسلمين فقد ساهم في بناء الفكر الإسلامي، وقد وعده الرسول (صلى الله عليه وآله) أن يبعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً.

٨ - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( مَن أفتى الناس بغير علم لعنته السماوات والأرض... ).

إنّ من أكثر الجرائم بشاعة، وأكثرها إثماً فتوى الناس بغير علم؛ فإنّه تضليل للناس، وإشاعة للكذب، وافتراء على الله.

٩ - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( التوكّل، والتوحيد نصف الدين، واستنزلوا الرزق من عند الله بالصدقة... ).

٢٣٢

إنّ التوكّل على الله، والإقرار له بالتوحيد إنّما هو من صميم الدين، وعنصر أساس في كيانه... وحثّ الإمام على الصدقة؛ لأنّ بها إسعافاً للفقراء والمحرومين، ووعد المتصدّق بأنّ الله تعالى يمنحه الرزق والعطاء.

١٠ - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّ موسى بن عمران سأل ربّه فقال: بعيد أنت يا رب فأُناديك أم قريب فأُناجيك، فأوحى الله إليه يا موسى أنا جليس مَن ذكرني... ).

إنّ الله تعالى قريب لكل مَن يناجيه، ويدعوه، وينيب إليه، فيشمله برحمته ولطفه.

١١ - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( دعاء أطفال أُمّتي مستجاب، ما لم يقارفوا الذنوب... ).

إنّ دعاء أطفال المؤمنين مستجاب، فلا يرد الله لهم دعوة، ولكن إذا لم يقترفوا الجرائم والذنوب.

١٢ - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَن مرّ على المقابر، وقرأ قل هو الله إحدى عشرة مرّة، ثمّ وهب أجره للأموات؛ أُعطي له من الأجر بعدد الأموات... ).

إنّ قراءة سورة التوحيد للأموات المسلمين له الأجر المضاعف عند الله، والثواب الجزيل.

١٣ - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( الدعاء سلاح المؤمن، وعماد الدين، ونور السماوات والأرض فعليكم بالدعاء، وأخلصوا النيّة... ).

وحكى هذا الحديث أهمّية الدعاء، فهو سلاح المؤمن، وعماد الدين، ونور السماوات والأرض، وقد حاز بذلك أسمى مكانة عند الله تعالى.

١٤ - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إذا أراد أحدكم حاجة فليباكر في طلبها يوم الخميس، وليقرأ إذا خرج من منزله آخر آل عمران، وآية الكرسي، وإنّا أنزلناه في ليلة القدر، وأُمّ الكتاب، فإنّ فيها قضاء حوائج الدنيا والآخرة... ).

وحوى هذا الحديث المنهاج لقضاء الحوائج، فقد حدّد الزمان، وحدّد ما يقرأ.

٢٣٣

فيه من الآيات والسور من كتاب الله العزيز.

١٥ - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ستة من المروءة: ثلاثة منها في الحضر: وثلاثة في السفر: أمّا التي في الحضر: فتلاوة القرآن، وعمارة المساجد، واتخاذ الإخوان في الله، وأمّا التي في السفر فبذل الزاد، وحسن الخلق، والمزاح في غير معاصي الله... ).

إنّ هذه الخصال الستة تحكي شرف الإنسان، ومروءته، وحسن طويته.

١٦ - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( اللّهمّ ارحم خلفائي ثلاث مرات: قيل: يا رسول الله مَن خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون من بعدي، ويروون أحاديثي وسنّتي، ويعلّمونها الناس من بعدي... ).

إنّ الذين يروون أحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ويذيعونها بين الناس، ويعلمّونهم معالم الدين، وأحكام الشريعة هم خلفاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأقرب الناس إليه.

١٧ - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( إنّ هذا العلم خزائن الله، ومفاتيحه السؤال فاسألوا يرحمكم الله فإنّه يؤجر فيه أربعة: السائل، والمعلّم، والمستمع، والمجيب... ).

حثّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الجاهل على السؤال عمّا لا يعلمه من شؤون دينه وغيره فإنّ في ذلك إذاعة للعلم، ونشراً له.

١٨ - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَن قرأ إذا زُلزلت الأرض أربع مرّات كان كمَن قرأ القرآن كلّه... ).

إنّ قراءة هذه السورة الكريمة أربع مرات يترتّب عليها هذا الأثر العظيم، وهو قراءة القرآن كلّه.

١٩ - وبإسناده قال، حدثني أبي محمد بن عليعليهما‌السلام قال: قالعليه‌السلام : خمسة لو دخلتم فيهن ما قدرتم على مثلهن لا يخاف عبد إلاّ ذنبه، ولا يرجو إلاّ ربّه، ولا يستحي الجاهل إذا سُئل عمّا لم يعلم أن يقول: الله ورسوله أعلم، ولا يستحي الذي لا يعلم أن يتعلّم، والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لـمَن لا صبر له... ).

وتجسّدت الحكمة في هذه الأمور، التي يسمو بها الإنسان لو أخذ بها، ويكون

٢٣٤

مثلاً أعلى للفضيلة والأدب.

١٩ - وبإسناده قال:... حدثني الحسين بن عليعليهما‌السلام ، قال: ( وجد لوح تحت حائط مدينة من المدائن مكتوب فيه أنا الله لا إله إلاّ أنا، ومحمد نبيي، عجبت لـمَن أيقن بالموت كيف يفرح؟ وعجبت لـمَن أيقن بالقدر كيف يحزن؟! وعجبت لـمَن اختبر الدنيا كيف يطمئن إليها؟! وعجبت لـمَن أيقن بالحساب كيف يذنب؟! وحوى هذا اللوح موعظة جليلة لو تأمّلها الإنسان لابتعد عن كل ذنب، وعمل كل ما يقرّبه إلى الله زلفى ).

٢٠ - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أتاني ملك، فقال: يا محمد إنّ ربّك يقرئك السلام، ويقول لك: إن شئت جعلت لك بطحاء مكة ذهباً، قال فرفع رأسه إلى السماء، فقال: يا رب أشبع يوماً فأحمدك، وأجوع يوماً فأسألك... ).

لقد زهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الدنيا، وأعرض عن زخارفها، واتجه صوب الله تعالى، وكان ذلك من خصائصه التي امتاز بها على سائر النبيين.

الباب الثاني

في الأذان

٢١ - وبإسناده قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام : لمّا بدأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بتعليم الأذان أتى جبريل بالبراق فاستصعب عليه، ثم أتاه بدابة يقال لها براقة فاستصعبت عليه فقال لها جبريل اسكني فما ركبك أحد أكرم على الله منه فسكنت، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فركبتها حتى انتهت إلى الحجاب الذي يلي الرحمن تبارك وتعالى فخرج ملك من وراء الحجاب فقال: الله أكبر، الله أكبر، قال: فقلت: يا جبريل مَن هذا الملك، قال: والله الذي أكرمك بالنبوّة ما رأيت هذا الملك قبل ساعتي هذه، فقال: الله أكبر، الله أكبر، فنودي من وراء الحجاب صدق عبدي أنا أكبر، أنا أكبر، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فقال الملك أشهد أن لا إله إلاّ الله، أشهد أن لا إله إلاّ الله، فنودي من وراء الحجاب صدق عبدي أنا الله لا إله إلاّ أنا، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فقال الملك: أشهد أنّ محمداً رسول الله، أشهد أنّ محمداً رسول الله فنودي من وراء الحجاب

٢٣٥

صدق عبدي أنا أرسلت محمداً رسولاً، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فقال الملك: حيّ على الصلاة، حيّ على الصلاة، فنودي من وراء الحجاب صدق عبدي، ودعا إلى عبادتي، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال الملك: حيّ على الفلاح، حيّ على الفلاح، فنودي من وراء الحجاب صدق عبدي، ودعا إلى عبادتي، وقد أفلح مَن واظب عليها(١) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أكمل الله لي الشرف على الأوّلين والآخرين... ).

لقد أجمعت الشيعة على أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي شرع الأذان بهذه الكيفية التي ذكرت في هذا الحديث أو بما يقرب منها في حين أنّ أبناء السنّة والجماعة ذكروا أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لما قدم المدينة صعب على الناس معرفة أوقات صلاته فتشاوروا في أن ينصبوا علامة يعرفون وقت صلاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كيلا تفوتهم الجماعة، فأشار بعضهم بالناقوس فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : هو للنصارى، وأشار بعضهم بالبوق فقال: هو لليهود، وأشار بعضهم بالدف فقال: هو للروم، وأشار بعضهم بإيقاد النار، فقال: ذلك للمجوس، وأشار بعضهم بنصب راية، فإذا رآها الناس أعلم بعضهم بعضاً فلم يعجبهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك، فقامصلى‌الله‌عليه‌وآله مهتمّاً، فبات عبد الله بن زيد مهتمّاً باهتمام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فرأى في نومه مَلَكاً علّمه الأذان والإقامة، فأخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك، وقد وافقت الرؤيا الوحي، فأمر بهما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) وهذا بعيد جداً لأنّ الأذان والإقامة من مقدّمات الصلاة، شأنهما شأن بقية المقدمات من الطهارة واستقبال القبلة وإباحة المكان، وجميع هذه المقدمات، مع بيان الصلاة قد نزل بها الوحي، ثم لماذا رأى عبد الله بن زيد الملك، ولم يره بقية الصحابة ممن هم أجل شأنا منه.

الباب لثالث

في الحثّ على الصلوات الخمس وصفة صلاة الجنائز

٢٢ - وبإسناده قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا يزال الشيطان

____________________

(١) أورد الحديث في تأريخ الخميس بلفظه مع زيادة (حيّ على خير العمل) ونصّت مصادر الحديث والفقه عند الشيعة على ذلك.

(٢) الفقه على المذاهب الأربعة ١ / ٣١١.

٢٣٦

ذاعراً(١) من ابن آدم ما حافظ على الصلوات الخمس، فإذا ضيّعهن تجرأ عليه، وأوقعه في العظائم... ).

إنّ الله تعالى شرف الإنسان وكرمه، بالصلاة والمثول بين يديه في الصلوات الخمس، وإنّ الشيطان الرجيم ليعبث بالإنسان، ويجهد على أن يحرمه من هذه الفضيلة والمنزلة الكريمة.

٢٣ - وبإسناده قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَن أدّى فريضة فله عند الله دعوة مستجابة... ).

إنّ أداء الفريضة سواء أكانت صلاة أم صوماً أم حجّاً أم غيرها، فإنّ لها من الأجر عند الله تعالى أن يستجيب له دعوة.

٢٤ - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا تزال أُمّتي بخير ما تحابوا، وأدّوا الأمانة واجتنبوا الحرام، وأقروا الضيف، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، فإن لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالسنين والقحط... ).

دعا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمّته إلى المحافظة على هذه الخصال الكريمة، ووعدهم أن يكونوا بخير ما داموا يؤدّونها، فإذا أهملوها فان الله تعالى يصيبهم ببلاء عظيم.

٢٥ - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إذا لم يستطع الرجل أن يصلّي قائماً صلّى جالساً، فإن لم يستطع أن يصلّي جالساً فليصلّ مستلقياً على قفاه رجليه حيال القبلة يومي إيماء... ).

من أهم الفرائض الإسلامية الصلاة، ولا تسقط عن المكلّف بحال من الأحوال، فإذا كان قادراً صلّى من قيام، وإذا كان عاجزاً صلى من جلوس، وهكذا حيث ما ذكر في الرواية.

٢٦ - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( حافظوا على الصلوات الخمس، فإنّ الله عزّ وجل إذا كان يوم القيامة يدعو العبد فأوّل شيء يسأل عنه الصلاة، فإذا جاء بها تامة، وإلاّ زجّ في النار... ).

إنّ أوّل ما يسأل عنه المكلّف في حشره ونشره هي الصلاة فإذا جاء بها تامة فقد

____________________

(١) ذاعراً: أي فزعاً.

٢٣٧

سلم من عقاب الله تعالى، وإذا لم يأت بها أو كانت فاقدة لبعض شروطها فإنّه يُزجّ في النار.

٢٧ - وبإسناده قالعليه‌السلام قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأصحابه: ( لا تضيعوا صلاتكم فإنّ مَن ضيّع صلاته حُشر مع قارون وفرعون وهامان، وكان حقّاً على الله أن يدخله النار مع المنافقين، والويل لـمَن لم يحافظ على صلاته وأداء سنّة نبيّه... ).

لقد اهتمّ الإسلام بالصلاة اهتماماً بالغاً، وميّزها على بقيّة العبادات فمَن أدّاها كان مسلماً، ومَن أنكرها مات ميتة جاهلية، وحشر مع الظالمين والكافرين.

٢٧ - وبإسناده قال: قال علي صلوات الله عليه: صلّى بنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة السفر فقرأ في الأُولى الحمد، وقل يا أيّها الكافرون، وفي الأخرى الحمد، وقل هو الله أحد، ثم قال: قرأت لكم ثلث القرآن وربعه... ).

وتقصر الصلاة الرباعية في السفر، وقد قرأ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الركعة الأُولى بعد الفاتحة سورة( قل يا أيّها الكافرون ) وفي الركعة الثانية قرأ بعد الفاتحة سورة التوحيد، وبيّنصلى‌الله‌عليه‌وآله ثواب ذلك بأنّه قد قرأ ثلث القرآن في الركعة الأُولى، وربع القرآن الكريم في الركعة الثانية.

٢٨ - وبإسناده قال: سُئل محمد بن عليعليه‌السلام عن الصلاة فزعم أنّ أباه كان يقصر الصلاة في السفر... ).

أمّا تقصير الصلاة في السفر فإنّها من ضروريات مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، وقد دلّ على ذلك الكتاب والسنّة.

٢٩ - وبإسناده قال:... ( رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كبّر على عمّه حمزةعليه‌السلام خمس تكبيرات، وكبّر على الشهداء بعده خمس تكبيرات، فلحق بحمزة سبعون تكبيرة... ).

أمّا الصلاة على الأموات فهي من الواجبات الكفائية فإذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، أمّا كيفيتها فهي: أن يأتي بخمس تكبيرات يأتي بالشهادتين بعد الأُولى، والصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد الثانية، والدعاء للمؤمنين

٢٣٨

والمؤمنات بعد الثالثة، والدعاء للميت بعد الرابعة، ثم يكبر الخامسة وينصرف(١) وقد تضافرت بذلك الاخبار عن أئمة الهدىعليهم‌السلام (٢) أما أهل السنة فإنهم ذهبوا إلى أن التكبيرات أربع، وينصرف المصلي بعد الرابعة(٣) .

٣٠ - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( يا علي إذا صلّيت على جنازة فقل: اللّهمّ إنّ هذا عبدك، وابن أمتك ماض في حكمك، ولم يكن شيئاً مذكوراً، زارك، وأنت خير مزور، اللّهمّ لقّنه حجّته، وألحقه بنبيّك، ونوّر له في قبره، ووسع عليه في مدخله، وثبّته في القول الثابت، فإنّه افتقر إليك، واستغنيت عنه، وكان يشهد أن لا إله إلاّ أنت فاغفر له، اللّهمّ لا تحرمنا أجره ولا تفتنّا بعده.

يا علي إذا صلّيت على امرأة فقل: اللّهمّ أنت خلقتها، وأنت أحييتها، وأنت أمتّها، وأنت أعلم بسرّها وعلانيتها جئناك شفعاء لها، فاغفر لها، اللّهمّ لا تحرمنا أجرها، ولا تفتنّا بعدها.

يا علي إذا صليت على طفل، فقل اللّهمّ اجعله لأبويه سلفاً وذخراً واجعله فرطاً، واجعله لهما نوراً ورشداً، وأعقب والديه الجنّة، إنّك على كل شيءٍ قدير... ).

أمّا كيفية الصلاة على الأموات فقد ذكرناها.

وأمّا هذا الدعاء فهو بعد التكبيرة الرابعة، وأمّا الصلاة على الطفل فإن كان قد توفّي وسنّه ست سنين فيصلّى عليه صلاة الجنائز، وجوباً وإذا لم يبلغ هذه السن فيستحب عليه الصلاة.

الباب الرابع

في فضل أهل البيت

وهو على ثلاثة أقسام

القسم الأوّل: في فضل علي بن أبي طالبعليه‌السلام :

٣١ - وبإسناده قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( يا علي أنا سيّد المرسلين، وأنت يعسوب المؤمنين، وإمام المتقين، وقائد الغرّ المحجّلين... ).

أمّا الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام فهو رائد الفكر والحكمة في الإسلام،

____________________

(١) العروة الوثقى ١ / ١٧٠

(٢) وسائل الشيعة أبواب صلاة الجنازة.

(٣) الفقه على المذاهب الأربعة ١ / ٥١٩.

٢٣٩

وهو نفس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وباب مدينة علمه، ووصيّه من بعده، وقد أشاد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بسموّ منزلته، وعظيم مكانته، ولم يؤثر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه أشاد بأحد من أصحابه كما أشاد بالإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام والغرض من ذلك هو التدليل على خلافته من بعده.

٣٢ - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لمّا أُسري بي إلى السماء أخذ جبرئيل بيدي، وأقعدني على درنوك(١) من درانيك الجنّة، ثم ناولني سفرجلة منها، وهي معدّة بما فيها للإمام عليعليه‌السلام ).

إنّ الله تعالى أعدّ لعليعليه‌السلام في الدار الآخرة جميع ما فيها من نعم، وبوّأه الفردوس الأعلى يتبوّأ منه حيثما يشاء.

٣٣ - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( يا علي إنّي سألت ربّي فيك خمس خصال فأعطاني، أمّا أوّلهنّ فسألت ربّي أن تنشق عنّي الأرض، وانفض التراب عن رأسي وأنت معي، فأعطاني، وأمّا الثانية فسألت ربّي أن يوقفني عند كفّة الميزان وأنت معي فأعطاني، وأمّا الثالثة فسألت ربّي أن يجعلك حامل اللواء، وهو لواء الله الأكبر، تحته المفلحون الفائزون في الجنة فأعطاني، وأمّا الرابعة فسألت ربّي أن تسقي أمتي من حوضي فأعطاني، وأمّا الخامسة فسألت ربّي أن يجعلك قائد أمتي إلى الجنة فأعطاني، ربي، والحمد لله الذي من علي بذلك... ).

لقد خصّ الله الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بكل مكرمة وحباه بكل فضيلة، وقد استجاب دعاء نبيه فيه أن يمنحه هذه الخصال الكريمة.

٣٤ - وبإسناده قالعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة الله، وأخذت أنت بحجزتي، وأخذ ولدك بحجزتك، وأخذت شيعة ولدك بحجزتهم(٢) فترى أين يؤم بنا... ).

إنّ للإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام منزلة كريمة عند الله تعالى يسمو بها على

____________________

(١) الدرنوك: بساط من بسط الجنة.

(٢) قال أبو القاسم الطائي: سألت أبا العباس ابن ثعلب عن الحجزة؟ قال: هي السبب، وسألت ابن نفطويه النحوي فقال هي السبب.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363