منهاج الصالحين - العبادات الجزء ١

منهاج الصالحين - العبادات0%

منهاج الصالحين - العبادات مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 458

منهاج الصالحين - العبادات

مؤلف: السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 458
المشاهدات: 164440
تحميل: 4418


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 458 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 164440 / تحميل: 4418
الحجم الحجم الحجم
منهاج الصالحين - العبادات

منهاج الصالحين - العبادات الجزء 1

مؤلف:
العربية

المقصد الثامن

في صلاة المسافر

تقصر الصلاة الرباعية في الخوف والسفر، أما قصرها في الخوف ففيه تفصيل وكلام لامجال له في المقام بعد ندرة الابتلاء أو عدمه بذلك. والكلام هنا في السفر، وفيه فصول..

الفصل الأول

في شروط السفر الموجب للقصر

وهي اُمور:

الأول: المسافة، وهي ثمانية فراسخ.

(مسألة ٥٥١): تكفي الثمانية الملفقة من أربعة فراسخ ذهاباً وأربعة إياباً فما زاد، إذا لم يفصل بينها بأحد القواطع الاتية. ولا يكفي الملفقة مما دون أحد الامرين، كثلاثة ذهاباً وخمسة إياباً أو العكس.

(مسألة ٥٥٢): لا يشترط في وجوب القصر في المسافة الملفّقة قصدُ الرجوع ليومه، بل يجب القصر ولو مع نية المبيت في مقصده يوماً أو أكثر مالم يقصد البقاء عشرة أيام، حيث ينقطع حكم السفر كما يأتي.

(مسألة ٥٥٣): الثمانية فراسخ تقارب الستة والاربعين كيلومتر، ويحسن الاحتياط فيما نقص عن ذلك قليلاً أو زاد عليه قليل.

٣٠١

(مسألة ٥٥٤): تثبت المسافة بالعلم وبالبينة الشرعية، وهي شهادة العدلين، ومع الشك في بلوغ السفر المسافة مع تعيين المقصد يجب التمام، لكن لو ظهر بلوغه المسافة في الوقت لزمت الاعادة قصر، ولو ظهر بعد الوقت فالأحوط وجوباً القضاء قصر. أما مع الشك في بلوغ السفر المسافة لعدم تعيين المقصد فيجب التمام لعدم حصول قصد المسافة منه، كما لو خرج من النجف الاشرف وهو متردد بين السفر للكوفة والسفر للحلة.

(مسألة ٥٥٥): إذا اعتقد بلوغ السفر المسافة فقصر الصلاة فظهر الخطأ وجبت عليه الاعادة في الوقت والقضاء خارجه، وإذا اعتقد عدم بلوغ السفر المسافة فأتمّ ثم ظهر الخطأ فالأحوط وجوباً له الاعادة أو القضاء.

(مسألة ٥٥٦): إذا كان للمقصد طريقان قريب لا يبلغ المسافة وبعيد يبلغها أتمّ إذا قصد سلوك القريب وقصر إذا قصد سلوك البعيد وإن لم يحتج لسلوكه. وإذا كان الذهاب من أحدهما والرجوع من الاخر يبلغ ثمانية فراسخ فإن كان في الطريق البعيد موضع بينه وبين بلده أربعة فراسخ في ذهابه منه وفي رجوعه إليه قصّر، وإلا أتمّ.

(مسألة ٥٥٧): السير في المسافة المستديرة حول البلد إن لم يصدق عليه السفر لقرب الطريق من البلد بحيث يكون من توابعه وجب التمام وكذا إذا لم يخرج عن حدّ الترخص الذي يأتي التعرّضُ له، وإن صدق عليه السفر لبُعد الطريق من البلد وجب فيه القصر إذا بلغ مجموع الدائرة مع الخط الواصل بينها وبين البلد في الذهاب والاياب ثمانية فراسخ. كما لو كان طول الخط الفاصل نصف فرسخ ومحيط الدائرة سبعة فراسخ.

(مسألة ٥٥٨): مبدأ حساب المسافة من مبدأ صدق السفر، وهو من المنزل فيما إذا كان منفرداً في الصحراء، ومن منتهى القرية، ومن منتهى البلد.

٣٠٢

(مسألة ٥٥٩): البلدان الكبيرة التي تعارفت في عصورنا كثيراً على قسمين:

الأول: ما يكون بعضه مرتبطاً ببعض في الوضع المعاشي والحياتي بحيث لا تستقل أحياؤه ومحالّه بنفسه، بل يرتبط أحدها بالاخر أو ترتبط كلها بالمركز. وفي هذا القسم يكون مبدأ حساب المسافة طرف البلد.

الثاني: ما يستقل بعضه عن بعض، بحيث يستغني كلّ حي أو محلة بنفسه في وضعه المعاشي، ولا يحتاج بعضها الاخر إلا كما يحتاج المدن الاُخرى أو تحتاجه فهي - وإن تجاورت وشملها اسم واحد - كالمدن المتعددة، وليس تقاربها إلا كتقارب القرى أو المدن التي تتسع شيئاً فشيئاً حتى تتقارب أو تتصل. ومبدأ حساب المسافة في هذا القسم المحلة أو الحي الذي يسكنه المسافر. نعم إذا كان المسافر مرتبطاً بأكثر من حي أو محلة، كان مبدأ الحساب له من منتهى أقرب الحيين أو الاحياء إلى جهة سفره. كالشخص الذي يبيت في حي ويعمل في آخر. كما أن الشخص الذي يرتبط بجميع أحياء المدينة - لتعدد مراكز عمله أو لسعة علائقه الاجتماعية أو لغير ذلك - يكون مبدأ الحساب له أطراف المدينة.

الثاني: القصد إلى السفر في المسافة المتقدمة، فلا يكفي السفر من دون قصد كما لو ساروا به وهو مغمىً عليه أو نائم، كما لا يكفي قصد السفر من دون قصد المسافة حتى لو تمادى به السير فبلغ المسافة من دون قصد له. نعم إذا قصد الاستمرار بعد ذلك في السير بما يبلغ ثمانية فراسخ أو أربعة مع قصد الرجوع قصر. كما أنه إذا قصد الرجوع وكان ثمانية فراسخ قصر فيه.

(مسألة ٥٦٠): يكفي في التقصير قصد الموضع الذي يبلغ المسافة وإن لم يعلم ببلوغه له، بل وإن اعتقد عدم بلوغه خط. كما لا يكفي في التقصير قصد السفر لما يعتقد بلوغه المسافة إذا لم يبلغها في الواقع.

(مسألة ٥٦١): يكفي قصد المسافة إجمال، كما إذا قصد أحد بلدين كل

٣٠٣

منهما يبلغ المسافة، أو قصد السير أربعة فراسخ مع تردّده بين أن يرجع أو يستمر في السير ثمانية فراسخ ثم ينوي الاقامة في المقصد.

(مسألة ٥٦٢): إذا خرج إلى ما دون أربعة فراسخ وهو يريد التجاوز عنها معلّقاً على أمر غير معلوم الحصول - كتحصيل نفقة له أو رفيق في طريقه، أو توثق على من خلّف من أهله - لم يقصر إلا أن يحصل له ذلك ويتجدد منه العزم فعلاً على السفر المسافة المذكورة، وحينئذٍ يكون مبدأ المسافة من حين تجدّد العزم الفعلي.

(مسألة ٥٦٣): يكفي في قصد السفر للمسافة المذكورة العزم على ذلك لوجود المقتضي وعدم العلم بالمانع، ولا يضر احتمال عروض المانع.

(مسألة ٥٦٤): لا يشترط قصد المسافة استقلال، بل يكفي قصدها تبعاً للغير، كما في قصد الزوجة تبعاً لزوجها والعيال تبعاً لمعيلهم والاجير تبعاً للمستأجر والاسير تبعاً للاسر ونحوهم.

نعم لابدّ من أمرين:

أحدهما: العزم على عدم مفارقة المتبوع، فمع عدم العزم المذكور واحتمال مفارقته لا يتحقق القصد التبعي ويتعين الاتمام.

ثانيهما: العلم بقصد المتبوع للمسافة، أما مع الجهل بقصده المسافة فلا يتحقق القصد التبعي، ويتعين الاتمام. ولا يجب على التابع الفحص، ولا على المتبوع الاخبار لو سأله التابع. نعم إذا تجدد له العزم على عدم مفارقة المتبوع أو العلم بقصد المتبوع قصّر إذا تحقق منه قصد المسافة الامتدادية أو الملفّقة من حين تحقق القصد المذكور، على نحو ما تقدم عند الكلام في اعتبار قصد المسافة.

الثالث: استمرار القصد للسفر في المسافة المذكورة، فلو عدل قبل بلوغ أربعة فراسخ فبنى على الرجوع أو تردد في الاستمرار أتمّ.

٣٠٤

(مسألة ٥٦٥): إذا صلّى قصراً أو تناول المفطر ثم تردد في الاستمرار في السفر أو عدل عن السفر قبل بلوغ المسافة فالأحوط وجوباً له إعادة الصلاة في الوقت تماماً وقضاؤها خارج الوقت كذلك. ووجب عليه الامساك بقيّة اليوم وقضاؤه.

(مسألة ٥٦٦): إذا كان عدوله أو تردده بعد بلوغ أربعة فراسخ بحيث لابد له في الرجوع من أربعة فراسخ اُخرى وكان عازماً على العود قبل إقامة عشرة أيام لم يجب عليه إعادة صلاته ولا الامساك عن المفطرات في بقيّة يومه، بل يبقى على القصر والافطار إلى أن يعود إلى منزله. وإذا كان عدوله أو تردده بعد بلوغ ثمانية فراسخ فاللازم عليه القصر والافطار وإن لم يعزم على العود، إلا أن ينوي إقامة عشرة أيام.

(مسألة ٥٦٧): يكفي في استمرار القصد للسفر البقاء على نيّة السفر ولو مع تبدل المقصد قبل بلوغ المسافة، كما إذا قصد السفر إلى مكان وقبل بلوغ المسافة عدل إلى مكان آخر. لكن لابدّ من كون ما بقي من السفر بضميمة ما حصل منه متمماً للمسافة.

(مسألة ٥٦٨): إذا تردد أو عدل عن السفر قبل بلوغ أربعة فراسخ ثم عاد لنية السفر قبل قطع شيء من المسافة رجع إلى القصر. وإن قطع شيئاً من المسافة حال التردد أو العدول ثم رجع إلى نيّة السفر، فالظاهر وجوب التمام عليه. إلا أن يشرع في سفر جديد قاصداً ثمانية فراسخ أو قاصداً أربعة وهو ينوي الرجوع فيقصر حينئذٍ.

الرابع: أن لا يكون ناوياً في أول السفر قطعه - بالمرور بالوطن أو ما يلحق به أو إقامة عشرة أيام قبل بلوغ المسافة - أو يكون متردداً في ذلك، فإنه لا يعتد بالسفر المذكور، فلا يكون مسوِّغاً للقصر، ولا يكون التلفيق منه. فلا يقصر لا في الطريق ولا في محل الاقامة ولا في الرجوع، إلا أن ينوي سفراً جديد

٣٠٥

بالمسافة المتقدمة.

(مسألة ٥٦٩): إذا عزم في أثناء السفر على المرور بالوطن أو الاقامة، ثم عدل عن ذلك جرى فيه التفصيل المتقدم في المسألة السابقة.

(مسألة ٥٧٠): يكفي في وجوب القصر العزم على عدم المرور بالوطن وعدم نيّة الاقامة وإن احتمل عروض ما يلزمه بأحد الامرين، نظير ما تقدم في المسألة (٥٦٣).

الخامس: أن يكون السفر مباح، فلو كان محرَّماً بنفسه - كسفر العبد الابق وسفر الزوجة من بيت الزوجية بدون إذن الزوج - أو بغايته - كالسفر لقتل نفس محترمة أو للسرقة - لم يوجب القصر، بل يجب فيه التمام.

(مسألة ٥٧١): إذا كان السفر لغاية محرَّمة - كالسرقة - وجب التمام وإن لم تترتب الغاية، فعدم ترتبها لا يكشف عن وجوب القصر في ذلك السفر.

(مسألة ٥٧٢): لا يمنع من وجوب القصر ترتب الحرام على السفر - كإيذاء المؤمن - إذا لم يكن مقصوداً منه ولا غايةً له. نعم إذا علم بأنه يضطر للحرام بسبب السفر بحيث لولا السفر لم يفعله وجب التمام وإن لم يكن الحرام - بالوجه المذكور - هو الغاية من السفر.

(مسألة ٥٧٣): إذا كان السفر مباحاً في الواقع واعتقد المكلف حرمته خط، فالواجب القصر كما لو سافر للاضرار بمن يحل الاضرار به واقعاً وهو يعتقد حرمة الاضرار به، وحينئذٍ لوصلى قصراً وتيسّر له قصد القربة صحت صلاته، أما لو صلّى تماماً فالأحوط وجوباً له الاعادة في الوقت قصراً والقضاء في خارجه كذلك.

(مسألة ٥٧٤): إذا كان السفر حراماً في الواقع وكان المكلف جاهلاً

٣٠٦

بحرمته معذوراً في جهله فالظاهر وجوب القصر عليه. أمّا لو لم يكن معذوراً في جهله فالامر لا يخلو عن إشكال، والأحوط وجوباً الجمع بين القصر والتمام، فلو فعل أحدهما كان عليه الاحتياط بضم الاخر ولو بعد الوقت.

(مسألة ٥٧٥): إذا كان السفر مستلزماً لترك أداء الواجب في بلده، فإن كان الغرض منه الفرار عن الواجب وجب التمام كما لو سافر المدين فراراً عن أداء الدين مع حلوله والقدرة على وفائه. وكذا إذا لم يكن الغرض منه ذلك لكن كان المكلف بنحو يؤدي الواجب لولا السفر، على الأحوط وجوب. أما إذا لم يكن في مقام أداء الواجب سافر أو لم يسافر فالظاهر وجوب القصر.

(مسألة ٥٧٦): إذا سافر المكلف سفراً مباحاً في نفسه إلا أنه ركب على الدابة المغصوبة أو في السيارة المغصوبة أو نحوهم، فإن كان بقصد الفرار بالمغصوب وسلبه وجب عليه الاتمام، وإلا وجب القصر.

(مسألة ٥٧٧): إذا كان السفر مضراً بالنفس أو الغير ضرراً يحرم إيقاعه وجب الاتمام فيه.

(مسألة ٥٧٨): التابع للجائر في منصبه يتمّ في سفره الذي يكون من شؤون تبعيّته له سواءً كان مرسلاً من قبله أم مشيّعاً له أم غير ذلك. نعم إذا كان مكرَهاً في تبعيته له أو كان غرضه منها دفع مظلمة عن نفسه أو عن المؤمنين أو نفعهم من دون أن يلزم منها ظلم لمؤمن قصّر.

(مسألة ٥٧٩): التابع للجائر بشخصه لا بمنصبه يقصر في سفره، كما لو ارسله ليبني داراً له لا تتعلق بمنصبه، إلا أن يستلزم ترويجاً لباطل أو ضرراً على مؤمن أو نحوهما من العناوين المحرمة، فيتم حينئذٍ.

(مسألة ٥٨٠): السفر لصيد البر والبحر إن كان للقوت أو التجارة كان حلالاً ووجب فيه التقصير والافطار، وإن كان للّهو كان حراماً ووجب فيه

٣٠٧

الاتمام والصيام. وأما نفس الصيد فالظاهر أنه حلال مطلق.

(مسألة ٥٨١): إذا سافر لغايتين محلَّلة ومحرّمة - كما لو سافر للتجارةوللاضرار بمؤمن - وجب عليه الاتمام، نعم لو لم تكن الجهة المحرمة غاية للسفر، بل مما قد تتفق فيه من دون أن تكون مقصودة منه وجب القصر.

(مسألة ٥٨٢): إذا كان السفر محرماً بنفسه لابلحاظ غايته - كالسفر تبعاً للجائر، والسفر المضرّ بالبدن - فاللازم التمام فيه وإن كان إيقاعه بداعي غاية محلّلة كالنزهة.

(مسألة ٥٨٣): إذا اختلف السفر الواحد فكان بعضه حلالاً وبعضه حراماً وجب التقصير في القسم الحلال والاتمام في القسم الحرام، ولا يتوقف التقصير في القسم الحلال إلى نيّة قطع مسافة تامة جديدة. فمن سافر تبعاً للجائر ثم تركه وتوقف في بعض المواضع للعلاج قصر وإن لم يقطع مسافة. كما أن الاتمام في القسم الحرام إنما يتوقف على السير وقطع المسافة إذا كان العنوان المحرم يتوقف عليه كالسفر لتشييع الجائر.

أما إذا كان العنوان المحرم منطبقاً على السفر ببقائه ولو مع عدم قطع المسافة فلا يحتاج وجوب الاتمام للسير وقطع المسافة. فمن سافر لغاية محللة، ثم بدا له التوقف في مكان لقطع الطريق أو التحق بركب الجائر وجب عليه التمام وإن لم يقطع مسافة.

(مسألة ٥٨٤): الراجع من سفر المعصية إن عُدّ رجوعه من توابع سفر المعصية وانحصر غرضه بالرجوع وجب عليه الاتمام حاله، وإن لم ينحصر غرضه به فالأحوط وجوباً له الجمع بين القصر والتمام، كما لو اختار طريقاً خاصاً في الرجوع أو عجل بالرجوع لداع محلّل. وأما لو لم يعدّ الرجوع من توابع سفر المعصية فالواجب فيه القصر، كما لو رجع على طريق بعيد لغرض

٣٠٨

محلّل، أو فصل بين الذهاب والرجوع بالمكث مدة معتداً بها بنحو لا يتعارف في سفر الذهاب.

السادس: أن لا يكون السفر كثيراً من المكلف بمقتضى طبيعة حياته أو عمله، فيجب التمام في السفر الذي يتكثر من المكلف ويتعارف بمقتضى وضعه الحياتي أو العملي، سواء كان عمله السفر - كالمكاري والملاح وسائق السيارة - أم كان عمله في السفر - كالجابي الذي يدور في جبايته والتاجر الذي يدور في تجارته والصانع الذي يدور في صنعته - أم توقف عمله على تكرر السفر - كالحطاب الذي تعوّد الخروج لاحتطاب الحطب وبيعه في البلد، ومن ابتنى عمله على جلب البضاعة في فترات متقاربة وبيعها في بلده - أم كان له غرض في تكرر السفر في فترات متقاربة للزيارة أو العلاج أو الدرس أو غيرها بنحو يكون مستمراً على ذلك، بحيث يكون مقتضى وضعه الطبيعي.

(مسألة ٥٨٥): إذا كان كثير السفر لما دون المسافة، وجب عليه القصر إذا اتفق له السفر إلى المسافة.

(مسألة ٥٨٦): إذا كان كثير السفر لجهة معينة فاتفق له السفر لغيره، فإن كان السفر الطارئ من سنخ السفر الذي تعوّده بحيث يكون مقتضى طبيعة حياته أوعمله مثله وجب عليه التمام في السفر المذكور، كالسائق على خط خاص يستأجر لخط آخر، وجالب البضاعة من مكان معين يحتاج لجلبه من مكان آخر ونحوهم.

وإن كان السفر الطارئ أجنبياً عن السفر الذي تعوّده - بحيث يخرج عن مقتضى طبيعة حياته وعمله - وجب عليه القصر، كالسائق والملاح ونحوهما إذا سافرا لزيارة إمام أو صديق أو لعلاج أو غيره، ومنه ما إذا ترك السائق سيارته في سفره، ورجع إلى أهله. إلا أن يتعوّد ذلك ويكثر منه، فيتم حينئذٍ.

٣٠٩

(مسألة ٥٨٧): من كان كثرة السفر مقتضى عمله كالتاجر الذي يدور في تجارته والملاح يكفي في إتمامه إتخاذ العمل المذكور فيتمّ في السفرة الاُولى بلا حاجة لتكرار السفر. أما من كانت كثرة سفره لداع خاص يقتضي كثرة السفر فاللازم مضي مدّة معتدٍّ بها يصدق فيها أنّ السفر مقتضى طبيعة حياته. والأحوط وجوباً الجمع بين القصر والتمام من حين حدوث الداعي المذكور والابتداء بكثرة السفر إلى مضي المدة المذكورة.

(مسألة ٥٨٨): إذا كان كثير السفر بالوجه المتقدم في فترة معينة من السنة اختص التمام عليه بتلك المدة، كالذي يسوق بالاُجرة في بعض المواسم أو يجلب الخضر في فصل الصيف. نعم لابدّ من كون المدة معتدّاً بها عرفاً بحيث يصدق عرفاً أن ذلك مقتضى وضعه الطبيعي بلحاظ حياته أو عمله.

(مسألة ٥٨٩): لابدّ في صدق كثرة السفر بالوجه المتقدم من البناء على مزاولة السفر مرة بعد اُخرى، ولا يكفي المرة والمرتان وإن طالت مدة السفر. والظاهر صدقه في السفر الطويل المتكرر قليلاً مع تقارب مدة السفر مع مدة الحضر، فضلاً عما إذا زادت مدة السفر.

وأما في السفر القصير فالظاهر صدقه مع تقارب عدد أيام السفر مع عدد أيام الحضر، فضلاً عما إذا زادت أيام السفر. وأما إذا زادت أيام الحضر بقدر معتد به فالظاهر وجوب القصر، كما في من يقضي يومين من الأسبوع في السفر. وأما إذا كان السفر قصيراً لا يتجاوز نصف نهار فالظاهر عدم كفاية الاربع سفرات في الاُسبوع.

(مسألة ٥٩٠): من كان كثير السفر بالوجه المتقدم إذا أقام في بلده أو في البلد الذي يدخله عشرة أيام قصر وأفطر في السفرة الاُولى، سواءً كانت العشرة منويّة من أول الامر أم ل.

٣١٠

(مسألة ٥٩١): السائح في الارض الذي لم يتخذ له وطناً منها يتمّ في سياحته.

(مسألة ٥٩٢): من خرج معرضاً عن وطنه عازماً على التوطن في غيره يقصر في الطريق. وأما إن كان عازماً على عدم التوطن في غيره، وعدم اتخاذ مقر له بل يبقى متجولاً في الارض فإنه يتمّ. وكذا إذا كان متردداً في ذلك. وإن كان الأحوط استحباباً له الجمع بين القصر والتمام إلى أن تطول عليه المدة فيتمّ.

السابع: أن يصل إلى حدّ الترخص، ويعرف بأحد أمرين:

أولهما: أن يتوارى عن البيوت، بحيث يخفى شخصه على أهلها لبُعده عنهم، ويعلم ذلك بأن يبعد بحيث يخفى عليه من كان واقفاً أو ماشياً عنده.

ثانيهما: أن يبعد بحيث لا يسمع أذان أهل البلد. وان حصل أحدهما ولم يعلم بحصول الاخر قصر. أما إذا حصل أحدهما وعلم بعدم حصول الاخر فاللازم الاحتياط ولو بتأخير الصلاة.

(مسألة ٥٩٣): المدار في السماع على المتعارف من حيث السامع والصوت المسموع وموانع السمع. ومع اختلاف المتعارف يلزم الاحتياط ولا عبرة بالسماع بسبب مكبر الصوت أو بسبب سمّاعة لاقطة له. كما أن المدار في التواري على ما يستند للبعد دون ما يستند للحاجب الخارجي. وكذا على ما يكون في الوجه المتعارف في النظر بالعين المجردة، ولا عبرة بما يخرج عن المتعارف في قوة النظر أو ضعفه، كما لا عبرة بالنظر بالواسطة.

(مسألة ٥٩٤): الوصول إلى حدّ الترخص مبدأ التقصير عند خروج المسافر من بلده، ومنتهى التقصير عند رجوعه لبلده.

(مسألة ٥٩٥): الأحوط وجوباً عدم التقصير عند الخروج من محل الاقامة أو المكان الذي يبقى فيه ثلاثين يوماً إلا بعد الوصول إلى حدّ الترخص،

٣١١

وإذا أراد الصلاة قبله جمَع بين القصر والتمام. وأما عند إرادة الدخول لمكان يريد المقام فيه عشرة أيام فلا يكفي في التمام الوصول إلى حدّ الترخص، بل لابدّ من الوصول إلى مكان الاقامة بنفسه.

(مسألة ٥٩٦): إذا شكّ في الوصول إلى حدّ الترخص بنى على عدمه، فيبقى على التمام في الذهاب وعلى القصر في الاياب. إلا أن يصلي صلاتين يعلم إجمالاً ببطلان إحداهم، فيجب الاحتياط بإعادتهم. نعم إذا رجع ذلك لاجمال الحد الشرعي - كما إذا شك في المراد بحدود البلد أو بالتواري عن البلد - فاللازم الاحتياط أو الرجوع للمقلد.

(مسألة ٥٩٧): إذا اعتقد الوصول إلى حد الترخص عند الخروج فصلى قصراً أو عند الرجوع فصلى تماماً ثم تبيّن الخطأ وجب التدارك بالاعادة أو القضاء في الأول، بل في الثاني على الأحوط وجوب.

الفصل الثاني

في قواطع السفر

وهي اُمور..

الأول: المرور بالوطن. وهو المكان الذي يتّخذه الإنسان مقرّاً له على الدوام لو خلّي ونفسه، بحيث يعزم على البقاء فيه وعدم الخروج منه إلا لسبب طارئ. سواء كان مسقط رأسه أم استجده. ويكفي فيه التبعية للغير كالزوج والاب ونحوهم، فوطن المتبوع وطن للتابع ما لم يُعرض عنه ويخرج منه.

(مسألة ٥٩٨): يكفي في الوطن المستجد السكني فيه بالنيّة المتقدمة، ولا يتوقف مع ذلك على قضاء مدّة معتدّ به، فلا يحتاج في المدة المذكورة لنيّة الاقامة أو الاحتياط بالجمع بين القصر والتمام، وإن كان أحوط استحباب.

٣١٢

(مسألة ٥٩٩): يمكن تعدد الوطن، بأن يتخذ الإنسان بلدين مثلاً مقرّاً له يقضي في كل منهما قسماً من أوقاته ولا يخرج منهما لغيرهما إلا لسبب طارئ.

وحينئذٍ لابدّ في التقصير عند السفر بين الوطنين من أمرين:

الأول: بلوغ المسافة الامتدادية، وهي ثمانية فراسخ، ولا يكفي الملفقة لانقطاع السفر بدخول كل منهم.

الثاني: أن لا يكون كثير السفر بينهم، وإلا وجب عليه التمام في الطريق ولم يقصّر إلا في السفرة الاُولى إذا بقي في أحدهما عشرة أيام، على ما تقدم في كثير السفر.

(مسألة ٦٠٠): إذا اتخذ الإنسان مسكناً يبيت فيه في مدينته، ومحل عمل يعمل فيه في مدينة اُخرى وكان كل منهما مبنيّاً على الدوام والاستمرار، كان كل منهما وطناً له، فيجري عليه حكم ذي الوطنين.

(مسألة ٦٠١): الظاهر عدم ثبوت الوطن الشرعي، فلا تجري أحكام الوطن على المكان الذي يملك فيه الإنسان منزلاً قد أقام فيه ستة أشهر إذا أعرض عنه، بل يجب فيه القصر كما يجب في الوطن الذي أعرض عنه.

(مسألة ٦٠٢): الظاهر عدم خروج الوطن عن كونه وطناً إلا بالعدول عن جعله وطناً مع الخروج عنه، ولا يكفي العدول عنه مع البقاء فيه وعدم الخروج منه، كما لا يكفي التردد في البقاء على كونه وطناً ولو مع الخروج عنه.

(مسألة ٦٠٣): يلحق بالوطن المكان الذي يتّخذه الإنسان مقرّاً له مدة طويلة يسكن فيه سكناه في وطنه بمنزل وأثاث ونحوهم، بحيث يصدق عرفاً أنه مسكنه في المدة المذكورة، كالبلد الذي يسكنه طالب العلم في مدة دراسته، والموظف في مدة وظيفته وصاحب العمل في مدة عمله ونحوهم، فإنه وإن لم يكن وطناً له - كما يظهر مما سبق في معنى الوطن - إلا أنه يجري عليه حكم الوطن، فإذا كان فيه كان حاضراً يتمّ وإن لم ينوِ الاقامة فيه، وإذا خرج منه صار

٣١٣

مسافراً ولابدّ في وجوب القصر عليه من العزم على قطع المسافة الامتدادية أو الملفّقة، وإذا مرّ به في سفره انقطع سفره إلى غير ذلك. لكن لابدّ فيه من أن لايُكثر الخروج منه، وإلا لم يكن مقرّاً له. نعم يتمّ فيه لكونه كثير السفر حينئذٍ.

(مسألة ٦٠٤): لما كان السفر ينقطع بالمرور بالوطن وبالمقر، فلا بدّ في التقصير عند السفر بينهما من بلوغ المسافة الامتدادية وهي ثمانية فراسخ.

(مسألة ٦٠٥): إذا اتخذ المكان مقرّاً له في وقت معين من السنة لم يجر عليه حكم الوطن في غير ذلك الوقت. فطلاب العلم الذين يتخذون محل دراستهم مقرّاً في أيام الدراسة ويتركونه ويرجعون إلى أوطانهم في أيام العطلة إذا ذهبوا إليه في العطلة الدراسية كانوا مسافرين وجرى عليهم حكم السفر. إلا أن تكون العطلة قصيرة لا تنافي الارتباط بالمكان عرف.

الثاني: العزم من المسافر على الاقامة عشرة أيام متوالية في مكان واحد أو العلم ببقائه في المدة المذكورة وإن لم يكن باختياره. ويكفي تلفيق اليوم المنكسر من يوم آخر، فإذا نوى الاقامة مثلاً من زوال يوم إلى زوال اليوم الحادي عشر من ذلك اليوم كان عليه التمام.

ومبدأ اليوم طلوع الفجر، فاذا نوى الاقامة من طلوع الشمس فلابدّ من نيّتها إلى طلوع الشمس من اليوم الحادي عشر، كما أن الليالي المتوسطة داخلة دون الليلة المتطرفة، وأبعاض الليلتين المتطرّفتين بنحو يتمّ به ليلة ملفقة، وإن كان الأحوط استحباباً ضمها للاقامة.

(مسألة ٦٠٦): يشترط وحدة محل الاقامة عرف، فلا تصح الاقامة في أكثر من قرية أو بلد واحد. نعم لا يضر التنقل في أبعاض القرية أو البلد الواحد، ونحو ذلك مما من شأن أهل المكان - الذي يقيم فيه - التنقل فيه بما أنهم أهل ذلك المكان، بحيث لا يكون تنقلهم فيه مبنيّاً على العناية والخروج عن مقتضى إقامتهم

٣١٤

فيه، كمسجده وحمّامه ومتنزهاته ومقبرته، دون غير ذلك مما يكون ذهاب أهل ذلك المكان له خروجاً عن مقتضى إقامتهم في مكانهم عرف، نظير ذهاب غيرهم له من المسافرين. وإن كان ذهابهم له أيسر من ذهاب غيرهم لقربهم منه.

(مسألة ٦٠٧): تصح نيّة الاقامة في الصحراء، على أن ينوى المقام في مكان منها وعدم الوصول إلى ما لا يتعارف وصول أهل ذلك المكان إليه من المواضع.

(مسألة ٦٠٨): يكفي في نيّة الاقامة النية التبعية، كنية الزوجة تبعاً للزوج والولد تبعاً لابيه. لكن لابدّ من العلم بتحقق نيّة الاقامة من المتبوع، ولا يكفي تحققها منه من دون أن يعلم التابع بها وإن كان بانياً على المتابعة.

(مسألة ٦٠٩): الظاهر عدم تحقق نيّة الاقامة في المكان مع نيّة الخروج منه إلى ما دون المسافة مما لا يعدّ من توابعه بحيث يعدّ ذهاب أهل المكان له سفراً منهم، وإن كان زمان الخروج قليل، بل يتعين القصر مع ذلك حتى في المحل الذي نوى فيه الاقامة. نعم إذا انعقدت الاقامة بحيث لا يضر فيها العدول - بأن نوى الاقامة من دون نية الخروج للمكان المذكور وصلى فريضة رباعية تماماً - لا يكون الخروج لما دون المسافة - فضلاً عن نيته - مبطلاً له.

(مسألة ٦١٠): إذا نوى المقام إلى حادث لا يعلم أمده - كورود مسافر أو قضاء حاجة - فصادف أمده عشرة أيام أو أكثر لم تنعقد له إقامة وكان الواجب عليه القصر.

(مسألة ٦١): إذا نوى الاقامة إلى يوم معين وكان في الواقع عشرة أيام من دون أن يعلم ذلك تمت إقامته وكان من الواجب عليه التمام، كما لو نوى ظهر الاربعاء الاقامة إلى ظهر يوم الجمعة الثانية، وإن اعتقد خطأ أن نيّته للاقامة كانت في ظهر يوم الخميس. ولو انعكس الامر لم تنعقد له إقامة وكان الواجب عليه القصر.

(مسألة ٦١٢): إذا نوى إقامة عشرة أيام في المكان ثم عدل عن إقامته قبل مضي عشرة أيام فعزم على الخروج قبل إكمالها أو تردد فإن كان قد صلّى فريضة

٣١٥

رباعية تماماً بقي على التمام إلى أن يسافر.

وإن لم يكن قد صلّى فريضة تماماً رجع إلى القصر، سواء لم يصلّ أصلاً ولو عصياناً - أم صلّى صلاة غير رباعية أم شرع في صلاة رباعية ولم يتمها وإن دخل في ركوع الركعة الثالثة، وسواء فعل غير الصلاة الرباعية مما لا يجوز للمسافر كالصوم، والنوافل النهارية أم ل. بل حتى لو صلّى رباعية، ثم تبيّن بطلانه، فإنه حينئذٍ يكون بحكم من لم يصل.

(مسألة ٦١٣): إذا عدل عن نيّة الاقامة وهو في الرباعية قبل أن يتمها وجب عليه قصره، وإن دخل في الركعة الثالثة قبل الركوع هدم وأتمّها قصر. وإن كان بعد الركوع بطلت، نعم لو كان في مواضع التخيير كان عليه إتمامها أربع، لكن لا تكفي في البقاء على التمام.

(مسألة ٦١٤): إذا نوى الاقامة فصام وعدل عن نيّة الاقامة قبل أن يصلي تماماً وقبل الزوال بطل صومه، وإن كان عدوله بعد الزوال صح صوم ذلك اليوم، دون مابعده، ووجب عليه القصر. وأما إن كان عدوله بعد الصلاة تماماً فيصح صوم ذلك اليوم مطلق، كما يصح الصوم بعده ما دام لم يخرج.

(مسألة ٦١٥): إذا عدل عن نيّة الاقامة وشكّ في أنه صلّى تماماً أم لم يصلّ بنى على أنه لم يصل ووجب عليه القصر. نعم إذا كان بعد الفراغ من الصلاة الرباعية وقد شكّ في صحته، أو بعد خروج وقتها وقد شكّ في الإتيان بها فالظاهر البناء على الإتيان بها والبقاء على التمام، وإن كان الأحوط استحباباً ضمّ القصر إليه.

(مسألة ٦١٦): إذا صلّى بعد نيّة الاقامة فريضةً تماماً نسياناً أو غفلة عن إقامته أو لشرف البقعة - كما في مواضع التخيير - كفى ذلك في انعقاد الاقامة وعدم الرجوع للقصر مع العدول عنه. أما إذا فاتته الصلاة أداء فقضاها تماماً ثم عدل عن

٣١٦

نية الاقامة فالامر لا يخلو من إشكال، والأحوط وجوباً الجمع بين القصر والتمام.

(مسألة ٦١٧): إذا عدل عن نيّة الاقامة قبل أن يصلي فريضة تماماً بطلت الاقامة من حين العدول لا من أول الامر، فلو كان قد صام قبل العدول صح صومه، ولو فاتته صلاة رباعية قبل العدول قضاها تماماً بعد العدول.

(مسألة ٦١٨): إذا تمت مدة الاقامة لم يحتج في البقاء على التمام إلى إقامة جديدة، بل يبقى على التمام إلى أن يسافر وإن لم يصلّ في مدة الاقامة فريضة تمام.

(مسألة ٦١٩): لا يشترط في انعقاد نيّة الاقامة كونه مكلَّفاً حين النية، فلو نوى وهو غير بالغ كان حكمه التمام، على التفصيل المتقدم. وكذا لو نوت المرأة وهي حائض أو نفساء.

(مسألة ٦٢٠): إذا استقرت الاقامة - ولو بالصلاة تماماً - ثم بدا للمقيم الخروج إلى ما دون المسافة ثم السفر منه بما تتم به، فإن لم يكن عازماً على الرجوع إلى محل الاقامة وجب عليه القصر بالخروج من محل إقامته. وإن كان عازماً على الرجوع إلى محل الاقامة - ولو مع المكث فيه من دون نيّة إقامة جديدة - لم يجب عليه القصر بالخروج من محل الاقامة، وإنما يجب عليه القصر بمفارقة محل الاقامة ثاني. فمثلاً من استقرت له الاقامة في النجف الاشرف إذا خرج إلى الكوفة وأراد الرجوع إلى النجف ثم الخروج منه إلى كربلاء لم يقصر بخروجه من النجف إلى الكوفة ولا بخروجه من الكوفة إلى النجف، بل بخروجه ثانياً من النجف في طريقه إلى كربلاء.

الثالث: أن يقيم في مكان واحد ثلاثين يوماً من دون عزم على إقامة عشرة أيام، سواء عزم على إقامة ما دون العشرة مرة بعد اُخرى حتى أتمّ الثلاثين، أم لم يعزم على إقامة أصل، فيجب بعدها الاتمام حتى يسافر وإن لم يصلّ بعدها إلا صلاة واحدة. ولا يكفي الشهر الهلالي إذا كان تسعة وعشرين يوم، والظاهر

٣١٧

هنا تبعية الليالي للايام، فلابدّ من إكمال ثلاثين ليلة مع الايام. ويكفي التلفيق من اليوم أو الليلة المنكسرين.

(مسألة ٦٢١): لابدّ في إتمام المتردد ثلاثين يوماً من وحدة المكان الذي هو فيه هذه المدة، على نحو ما تقدم في نيّة الاقامة. وإذا خرج إلى ما دون المسافة مما لا يعد من توابع البلد بقي على التقصير.

(مسألة ٦٢٢): إذا انتقل من المكان قبل إتمام المدة بقليل لم يجب التمام وإن تكرر ذلك منه في أمكنة متعددة.

(مسألة ٦٢٣): يظهر منهم أن الاقامة ثلاثين يوماً تمنع من تلفيق المسافة وتتميم ما بعدها لما قبله، فلا بدّ في القصر من سفر جديد وتام المسافة كما سبق. وينكشف بها عدم مشروعية القصر منه إذا كانت المسافة السابقة منه دون الثمانية. وفي هذا الاخير إشكال، فالأحوط وجوباً قضاء ما صلاه قصراً والإتيان به تماماً غير مقصور.

الفصل الثالث

في أحكام المسافر

والمراد به المسافر بالشروط المتقدمة، وله أحكام:

الأول: حرمة الصوم منه وعدم صحته، عدا ما استثني مما يأتي التعرض له في كتاب الصوم إن شاء الله تعالى.

(مسألة ٦٢٤): يصح الصوم من الجاهل بحرمته وعدم مشروعيته ولو للجهل بتحقق السفر المرخِّص، كما إذا اعتقد خطأ عدم بلوغ مقصده المسافة، أو للجهل بكون السفر مرخص، كما لو اعتقد عدم وجوب الافطار مع قصد

٣١٨

المسافة الملفقة. ولا يصحّ من الناسي على الأحوط وجوب.

الثاني: سقوط نافلة الصلاة المقصورة النهارية، دون غيرها حتى الوتيرة على الاقوى.

(مسألة ٦٢٥): إذا سافر بعد الوقت ولم يكن قد صلّى لم تشرع له نافلة تلك الصلاة. نعم لو صلاها قبل السفر صحت وإن لم يصلّ الفريضة إلا في السفر قصر.

(مسألة ٦٢٦): لا تشرع نافلة المقصورة في السفر حتى لمن يؤخر الفريضة ويأتي بها تماماً في الحضر. نعم إذا رجع من سفره قبل خروج وقتها شرعت له في الحضر.

الثالث: وجوب القصر في الفرائض الرباعية، وهي صلوات الظهرين والعشاء، ولا تشرع تماماً إلا في مواضع التخيير الاتية.

(مسألة ٦٢٧): إذا صلّى المسافر الرباعية تماماً عالماً عامداً بطلت صلاته وعليه الاعادة أو القضاء. وإن صلاها جاهلاً بأصل وجوب القصر في السفر لم تجب الاعادة، فضلاً عن القضاء. وإن كان للجهل بتحقق السفر المرخص - كما لو اعتقد خطأ عدم بلوغ مقصده المسافة - فالأحوط وجوباً الاعادة والقضاء وكذا إذا كان عالماً بأصل وجوب القصر في السفر لكن جهل خصوصياته، كما لو جهل أن كثير السفر لو أقام ببلده عشرة أيام وجب عليه القصر في السفرة الاُولى، أو أن العاصي بسفره يقصر إذا رجع إلى الطاعة أو نحو ذلك من الفروع.

نعم إذا قلد في الخصوصيات تقليداً صحيحاً فأفتى مقلَّده بالتمام ثم عدل مقلده إلى القصر أو عدل هو عن تقليده لشخص آخر يفتي بالقصر فالظاهر الاجزاء، كما تقدم في مبحث التقليد.

(مسألة ٦٢٨): إذا سها المسافر في صلاته بأن أراد أن يصلي ركعتين فصلى أربعاً فالأحوط وجوباً له الاعادة أو القضاء.

٣١٩

(مسألة ٦٢٩): إذا نسي المسافر فصلى تمام، فإن ذكر في الوقت فعليه الاعادة أو القضاء، وإن ذكر بعد خروج الوقت فلا قضاء عليه. من دون فرق بين نسيان السفر ونسيان وجوب القصر في السفر.

(مسألة ٦٣٠): لا تقصر المغرب في السفر، ومن قصَرها جاهلاً فالأحوط وجوباً له التدارك بالاعادة أو القضاء. بل هو الواجب في غيره من موارد القصر في موضع الاتمام. نعم من قصر مع نيّة الاقامة جهلاً بوجوب التمام أجزأته صلاته ولا إعادة عليه. كما أنه إذا ابتنى تقصيره للصلاة على تقليد صحيح ثم عدل مقلده أو عدل هو عن تقليده أجزأه، نظير ما تقدم في المسألة (٦٢٧).

(مسألة ٦٣١): العبرة في التمام والقصر بحال أداء الصلاة لابحال دخول وقتها والتكليف به، فمن دخل عليه الوقت وهو حاضر أو بحكمه - ولو لعدم تجاوزه حدّ الترخص - فلم يصلّ حتى سافر - بشروط السفر السابقة - كان عليه قصر الصلاة، ومن دخل عليه الوقت وهو مسافر فلم يصلّ حتى صار حاضراً كان عليه إتمام الصلاة.

(مسألة ٦٣٢): إذا فاتته الصلاة في الحضر قضى تماماً ولو كان مسافراً حين القضاء، وإذا فاتته الصلاة في السفر قضى قصراً ولو كان حاضراً حين القضاء. والمعيار في الفوت آخر الوقت، فمن خرج عليه الوقت وهو حاضر قضى تمام، ومن خرج عليه الوقت وهو مسافر قضى قصر.

(مسألة ٦٣٣): يتخير المسافر بين القصر والتمام في الاماكن الاربعة الشريفة، وهي: مكة المكرمة، والمدينة المشرفة، والكوفة - ولا يلحق بها النجف الاشرف - وحرم الحسين (عليه السلام)، والأحوط وجوباً الاقتصار فيه في زماننا على البناء الذي فيه القبة الشريفة دون المسجد الملحق به من جانب الشمال.

(مسألة ٦٣٤): لا يلحق الصوم بالصلاة في التخيير المذكور، بل المواضع

٣٢٠