منهاج الصالحين - المعاملات الجزء ٢

منهاج الصالحين - المعاملات0%

منهاج الصالحين - المعاملات مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 344

منهاج الصالحين - المعاملات

مؤلف: السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 344
المشاهدات: 66124
تحميل: 3792


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 344 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 66124 / تحميل: 3792
الحجم الحجم الحجم
منهاج الصالحين - المعاملات

منهاج الصالحين - المعاملات الجزء 2

مؤلف:
العربية

غير جنسه ففي استحقاق المشتري على المدين من الدين ما زاد على مقدار الثمن الذي اشترى به الدين إشكال، والأحوط وجوباً التصالح بينهم.

(مسألة ٤٤) : إذا بيع الدين الذي في ذمة الغير، فإن تعذر تحصيله جرى عليه حكم تلف المبيع قبل قبضه من تلفه من مال البايع واستحقاق المشتري الثمن الذي دفعه لا غير. وإذا تعهد البايع، فإن رجع إلى اشتراط استحقاق فسخ البيع عند تعذر تحصيله لم يستحق المشتري إلا الثمن الذي دفعه، وإن رجع إلى اشتراط دفعه بدلاً عن المدين استحق المشتري تمام الدين الذي اشتراه. إلا أن رجوع البايع على المدين بما دفع موقوف على استئذانه في دفع الدين عنه للمشتري، ولا يستحق ذلك مع عدمه بعد عدم كونه مديناً له بل للمشتري. نعم إذا كان الدين معرضاً للتلف حين بيعه جاز بيعه مع الضميمة، ولا رجوع حينئذٍ.

(مسألة ٤٥) : تعارف في عصورنا تنزيل الكمبيالات، وذلك بأن يكون لشخص دين على آخر إلى أجل فيدفع له به كمبيالة عليه، فإذا أراد تعجيل المال نزل الكمبيالة المذكورة لصالح شخص ثالث بمبلغ أقل يدفعه له نقد، وهو مشكل شرع، لانه إن رجع إلى اقتراض المبلغ المذكور من الثالث على أن يستلم بدله الدين الذي تضمنته الكمبيالة في وقته كان قرضاً ربوياً محرم، وإن رجع إلى بيع الدين المذكور بالمبلغ المعجل ـ كما لعله الاظهر ـ فهو وإن لم يستلزم الربا المحرم، لان نقود هذه الايام ليست من المكيل والموزون ليلزم من الزيادة في أحد العوضين الربا المحرم، إلا أنه يجري فيه ما تقدم في المسألة (٤٣) من الاشكال في استحقاق مشتري الدين بأقل منه على المدين ما زاد على مقدار الثمن الذي اشترى به الدين، مع أنه عند عدم دفع من عليه الكمبيالة للدين يجري ما تقدم في المسألة السابقة.

(مسألة ٤٦) : تعارف في عصورنا أيضاً تنزيل كمبيالة المجاملة، وذلك

٢٢١

بأن يحتاج شخص لمقدار من المال، فيدفع له شخص آخر كمبيالة تتضمن ديناً مؤجلاً عليه من دون أن يكون مديناً له حقيقة، فيأخذ الأول الكمبيالة منه وينزلها لحساب شخص ثالث مع خصم مبلغ منها في مقابل تعجيل المال، ولا إشكال في بطلان المعاملة مع جهل الشخص الثالث بالحال، لترددها بين القرض الربوي والبيع من دون مبيع. أما مع علمه بالحال فقد توجه بأحد وجهين..

الأول: رجوعها إلى توكيل موقّع الكمبيالة الأول بأن يبيع في ذمته المبلغ المذكور في الكمبيالة بالثمن الاقل معجل، ثم يقترض الثمن المذكور منه. لكن لازم ذلك دفع موقّع الكمبيالة تمام المبلغ المذكور فيها لانه مملوك عليه، وعدم رجوعه على الشخص الأول إلا بالمقدار الذي اقترضه منه وهو الذي أخذه بعد التنزيل والخصم.

الثاني: رجوعها إلى بيع من له الكمبيالة المقدار الذي تضمنته في ذمته مؤجلاً بالثمن الاقل معجل، ويكون مرجع توقيع الكمبيالة من قبل الشخص الأول إلى كفالته للبايع كفالة عرفية التي يأتي الكلام فيها في الكفالة ـ فهو متعهد بدفع المبلغ الذي باعه عنه إن لم يدفعه هو. لكنه يشكل بالزيادة بين العوضين من دون فرق بينهما إلا بالزمان الذي تقدم في المسألة (١) من بيع الربا الاشكال في جوازه، ومن هنا يصعب تصحيح هذه المعاملة إلا بتدارك جهات الاشكال التي أشرنا إليه.

(مسألة ٤٧) : لما كانت الصكوك المصرفية حوالة بالمال الذي تتضمنه من دون أن تكون بنفسها مالاً فإن دفعها على أحد وجهين..

الأول: أن يقصد دافع الصك تمليك مبلغ له على البنك بقدر المبلغ الذي تضمنه الصك، إما ببيعه أو بجعله ثمناً في مبيع أو نحوهم، وحينئذٍ يجري عليه حكم بيع ما في ذمة الغير أو نحوه، فلا يجوز بيعه إذا لم يكن له في ذمة صاحب

٢٢٢

البنك مال، كما يتعارف كثيراً دفع الصك قبل رصد ما يقابله في البنك على أن يكون سحبه بعد ذلك أو لان دفعه على حسابه المكشوف، كما لا يجوز لدافع الصك سحب تمام رصيده في البنك حتى إذا كان من عزمه إرجاع المبلغ الذي تضمنه الصك قبل حلول وقت قبضه المتفق عليه. وإذا امتنع البنك من الدفع تبطل المعاملة ويرجع آخذ الصك بما دفعه فقط، لان كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه... إلى غير ذلك.

الثاني: أن يقصد بدفع الصك الحوالة العرفية ـ التي يأتي الكلام فيها في الحوالة ـ على البنك بالمبلغ المذكور من دون تمليك لشيء في ذمة البنك، بل إذا كانت هناك معاملة تتضمن التمليك فالتمليك يكون في ذمة دافع الصك نفسه، وحينئذٍ يجري على المعاملة المذكورة حكم المعاملة على شيء في ذمة المتعامل نفسه، فيشكل بيع المبلغ بأقل منه إذا كان الفارق بينهما الزمن لا غير، كما تقدم في المسألة (١) من بيع الرب. وأما التحويل ودفع الصك فهو خارج عن صلب المعاملة، نعم قد يكون شرطاً فيها زائداً عليه، فيلحقه حكم الشرط.

(مسألة ٤٨) : الظاهر أن سندات القرض ـ بمقتضى وضعها القانوني ـ وثيقة على المال الذي تضمنته فصاحبها مالك لذلك المال، وليست هي بأنفسها مالاً بلحاظ إمكان تحصيل المال بسببها من دون أن يكون مملوكاً بنفسه قبل تحصيله به، فهي نظير الكمبيالة بمبلغ معين، لا نظير النقود ذات المالية بلحاظ تعهد الدولة بها وجعلها الرصيد له، ولا نظير الطوابع البريدية، ولا نظير الشبكة التي يمكن بها تحصيل الصيد. ودفع المال بأزاء تحصيل السندات المذكورة أو المحافظة عليها ليس لتقوّم المالية بها من دون نظر للمبلغ الذي تضمنته، بل هو نظير دفعه بأزاء الكمبيالة التي يتوثق بها للمبلغ الذي تضمنه.

٢٢٣

وعلى ذلك يكون دفع المال وتحصيل السندات المذكورة من الجهة التي جعلتها على نفسها إقراضاً للمال المدفوع لتلك الجهة، ويجري عليه حكم القرض من حرمة الزيادة فيه، لانها ربا محرم، كما أن بيعها ثانياً يجري عليه حكم بيع الدين، وإذا كان بعضه فائدة ربوية بطل البيع فيه بالنسبة، كما لايستحق المشتري الزيادة المتجددة، لانها ربا محرم. نعم لو كانت بنفسها مالاً لصح شراؤها من الجهة التي تصدرها كما يصح بيعها من المشتري لها وشراؤها منه، وإن اختلف ثمنها وزاد.

(مسألة ٤٩) : ما تقدم في أحكام المسائل الاربع يختص بما إذا كانت الجهة التي تكون طرفاً للمعاملة ويتحصل منها المال جهة مالكة، وحينئذٍ إن كانت محترمة المال لزم التوقف عن التعامل معهافي مورد بطلان المعاملة وحرم المال المأخوذ منها بسبب المعاملة المذكورة، إلاّ بتحليل خاص منها بعد الالتفات لبطلان المعاملة، أو تكون تلك الجهة مخالفة في الدين وترى صحة المعاملة فيجوز أحذ المال حينئذٍ من باب الالزام، وإن لم تكن محترمة المال أمكن استنقاذ المال منها من طريق المعاملات المذكورة وإن كانت باطلة، بل قد ترتفع بعض جهات بطلان المعاملة فيه، كالزيادة الربوية التي يحل أخذها من الكافر الحربي.

أما إذا لم تكن مالكة شرعاً وكان المال المأخوذ منها مجهول المالك، فالمعاملة معها باطلة عليكل حال. نعم يحل إيقاع صورة المعاملة ودفع المال للجهة المذكورة بداعي التسلط على المال المجهول المالك، فيؤخذ المال ويحلّ بعد إجراء وظيفة مجهول المالك عليه.

هذ، وأما إذا كانت الجهة التي يُتعامل معها مالكة محترمة المال إلاّ أنها تدفع المال بالتحويل على الجهات غيرالمالكة والتي يكون المال المأخوذ منها مجهول المالك ـ كبعض البنوك الحكومية ـ فالاحكام المذكورة سابقاً تجري على

٢٢٤

التعامل معه، لكن يمكن قبض المال بسبب التعامل معها و تحليله بعد إجراء وظيفة مجهول المالك عليه. وهكذا الحال في جميع المعاملات غير الصحيحة إذا اُجريت مع جهة مالكة محترمة وكان دفعها للمال بالتحويل على جهة غيرمالكة يكون المال المأخوذ منها مجهول المالك.

وأولى من ذلك أن تستبدل المعاملات المتقدمة ـ في مورد الاشكال فيها ـ بنحو من الصلح بين تلك الجهة والطرف الاخر، على أن يدفع الطرف المذكور لتلك الجهة المال في مقابل تسليطه ـ بدفع الكمبيالة أو الصك أو السند ـ على أخذ المال من الجهة المحوّل عليها من أجل تحليله بعدإجراء وظيفة مجهول المالك عليه. وهذا جار في جميع المعاملات ـ صحيحة كانت أوباطلة ـ التي يكون طرفها محترم المال لكن يدفع المال بالتحويل على الجهة غير المالكة التي يكون المال المأخوذ منها مجهول المالك، كما سبق في المسألة (٦٤) من مقدمة المكاسب، فراجع.

(مسألة ٥٠) : إذا باع الكافر شيئاً من المحرمات ـ كالخمر والخنزير ـ على كافر مثله حرم عليه ثمنه، لكن لو قبض الثمن جاز للمسلم أخذه منه وفاء عن دين له عليه، أو ثمناً في معاوضة بينهم. بل لو أسلم الكافر قبل قبض الثمن جاز له أخذه من المشتري، كما تقدم في المكاسب المحرمة.

(مسألة ٥١) : إذا اقتسم الشريكان الدين بينهما فتلفت حصة أحدهما كان التلف من المجموع وبطلت القسمة، كما تقدم في المسألة (٢٥) من كتاب الشركة.

(مسألة ٥٢) : إذا لم يقدر المدين على الوصول للدائن أو من يقوم مقامه ليوفيه دينه وجب عليه العزم على الوفاء لو قدر عليه والوصية بالدين توثقاً له والسعي للوصول إليه مع الامكان، وكفاه ذلك مهما طال الزمان، حتى مع اليأس من معرفته والوصول إليه. ولا يجب عليه حينئذٍ التصدق عنه بقدر

٢٢٥

الدين، بل لا يجزيه التصدق في براءة ذمته من الدين، وليس هو كالمال الخارجي المجهول المالك في وجوب التصدق به عن صاحبه.

وأما ما ذهب إليه جمع من فقهائنا ـ رفع الله تعالى شأنهم ـ في العصور القريبة من وجوب التصدق والاجتزاء به واشتهر بين المتشرعة باسم (رد المظالم) فإنه لم يثبت عندن، نعم لا بأس بالعمل عليه احتياطاً وبرجاء المطلوبية والوفاء، من دون بناء على براءة الذمة من الدين بذلك.

(مسألة ٥٣) : إذا غاب صاحب الدين وانقطع خبره فإن علم بموته وجب دفع الدين لورثته وإن علم بحياته جرى ما تقدم في المسألة السابقة، وإن احتمل موته في غيبته جاز بل وجب دفعه إلى ورثته بعد أربع سنين من الفحص عنه في الارض، كما يجب دفعه لهم بعد عشر سنين من غيبته وانقطاع خبره، وإن لم يفحص عنه في الارض. أما لو كان انقطاع خبر صاحب الدين والعجز عن الوصول إليه لامر طارئ على المدين نفسه ـ من غيبة أو سجن أو نحوهما ـ فلا يجوز له دفع الدين للوارث إذا لم يعلم بموت صاحب الدين أو تقوم عليه حجة شرعية مهما طال الزمان، وجرى عليه ما تقدم في المسألة السابقة.

(مسألة ٥٤) : إذا وجب دفع الدين للورثة ـ للعلم بموت صاحب الدين أو الحكم به شرعاً ـ فلا يكفي الدفع لبعضهم، أو لمن يتولى إدارة اُمورهم ما لم تثبت ولايته، أو وكالته عنهم جميع، بل يلزم مع عدم ثبوت ذلك إحراز وصول حصة كل واحد منهم من الدين له والتوثق من ذلك. وإذا ادعى بعض الورثة عدم وصول حقه له وجب على المدين تصديقه ما لم يثبت كذبه. وكذا الحال في جميع ما يجب إيصاله لورثة الميت من أمواله التي في أيدي الناس.

(مسألة ٥٥) : إذا وجب دفع الدين للوارث ولم يعرف الوارث، فإن علم بوجود وارث لصاحب الدين غير الامام (عليه السلام) إلا أنه مجهول الشخص أو المكان

٢٢٦

جرى عليه ما تقدم في المسألة (٥٢) من حكم تعذر الوصول لصاحب الدين، وإن لم يعلم بوجود وارث له غير الامام كان الدين من الانفال التي هي ملك الامام (عليه السلام) ووجب مراجعة الحاكم الشرعي فيه، والأحوط وجوباً حينئذٍ تقديم فقراء بلد الميت إذا كان له بلد معروف، فيصرف فيهم بإذن الحاكم الشرعي.

(مسألة ٥٦) : إذا حلّ الدين وجب على المدين وفاؤه في أي مكان يصل فيه المال للدائن، إلا مع تعيـين مكان التسليم في عقد لازم فيجب الاقتصار عليه.

(مسألة ٥٧) : إطلاق القرض يقتضي استحقاق المقرض على المقترض التسليم في بلد القرض، بمعنى وجوب ذلك عليه وإن استلزم ضرراً عليه أو صرف مال زائد على الدين، ولا يجب عليه التسليم في غيره إذا طالبه المقرض إلا إذا لم يستلزم شيئاً من ذلك، فالأحوط وجوباً حينئذٍ الوفاء.

(مسألة ٥٨) : يجب إنظار المعسر ولا يجوز التضييق عليه وإلزامه بالوفاء، كما يستحب ترك الحق له أو بعضه وإبراؤه منه.

(مسألة ٥٩) : يستحب الرفق في طلب الدين حتى مع يسار المدين. ويكره المداقة والاستقصاء في الاستيفاء.

(مسألة ٦٠) : يستحب قضاء دين الابوين، خصوصاً بعد وفاتهم، كما يستحب تحليل المؤمن الحي فضلاً عن الميت من الدين الذي عليه.

٢٢٧

تتميم : في المقاصة

من كان له عند غيره مال ـ عيناً كان أو ديناً ـ بنحو يمتنع من دفعه إليه ثم قدر صاحب المال على مال للشخص الذي أخذ ماله كان له أن يقاصه من دون أن يعلمه، بأن يأخذ من ماله الذي قدر عليه بمقدار ما أخذ هو منه، سواء كان امتناع آخذ المال الأول من إرجاعه لتعمد غصبه، أم لجهله باستحقاق صاحبه له.

نعم هو مكروه، خصوصاً في موارد:

الأول: إذا كان مال الممتنع قد وقع بيد صاحب الحق الأول على وجه الامانة.

الثاني: إذا كان صاحب المال الأول قد احتسب المال المأخوذ منه عند الله تعالى.

الثالث: إذا حلف آخذ المال الأول على عدم استحقاقه عليه. بل الأحوط وجوباً ترك المقاصة إذا كان حلفه بطلب من صاحب المال الأول، بأن استحلفه فحلف.

(مسألة ٦١) : يستحب لمن يريد أخذ المقاصة أن يقول حين أخذه: «اللهم إني آخذ هذا المال مكان مالي الذي أخذه مني، وإني لم آخذ الذي أخذته خيانة ولا ظلم» وروي الدعاء بوجوه اُخر لا يسعنا استقصاؤه.

(مسألة ٦٢) : الأحوط وجوباً عدم المقاصة مع عدم امتناع آخذ المال الأول، بل كان أخذه جهلاً به مع تعذر مراجعته، نعم لو تعذرت مراجعته في المال الثاني أيضاً وهو المال الذي له عند صاحب المال الأول فقد يتسنى أخذ المال المذكور مقاصة، لكن بعد مراجعة الحاكم الشرعي، فإنه قد يرى بمقتضى ولايته على الغائب تفريغ ذمته من الحق الذي عليه بذلك المال.

والحمد لله رب العالمين.

٢٢٨

كتاب الرهن والكفالة

والضمان والحوالة

وفيه أربعة فصول..

الفصل الأول

في الرهــن

وهو اتفاق يتضمن جعل مال وثيقة على دين ليستوفي منه صاحب الدين دينه، فهو يتضمن جعل حق لصاحب الدين في الوثيقة المذكورة يقتضي حجرها لذلك. والشيء المجعول وثيقة هو المرهون وقد يطلق عليه لفظ الرهن أيض، والمدين هو الراهن، وصاحب الدين هو المرتهن.

والكلام في ذلك يقع في ضمن مباحث..

المبحث الأول

في إنشاء الرهن

لابدّ في تحقّق الرهن من التزام الراهن بمضمونه وقبول المرتهن به. ويكفي فيه كل ما يدلّ على ذلك من قول أو فعل، ويقع على وجهين..

الأول: أن يلتزم به استقلال، إمّا ابتداءً أو جرياً على اشتراطه في ضمن

٢٢٩

عقد لازم، كعقد القرض فيقول المدين للدائن مثلاً: رهنتك هذا الثوب على دينك، فيقبل الدائن بذلك.

الثاني: أن يلتزم به في ضمن عقد لازم، كعقد القرض أو غيره، فيقول المقرض مثلاً: أقرضتك هذه المائة دينار على أن يكون هذا الثوب رهناً عليه، فيقبل المقترض بذلك، أو يقول الدائن: بعتك هذا الدفتر بهذا الدينار على أن يكون ثوبك هذا رهناً على دينك، فيقبل المدين.

(مسألة ١) : الرهن من الانشاءات اللازمة بالاصل، ولا يجوز الرجوع فيها لاحد الطرفين إلا بالتقايل أو بطروء أحد أسباب الخيار العامة، كتخلّف الشرط الصريح أو الضمني. نعم يجوز للمرتهن إسقاط حقه من المال المرهون متى شاء، فينفذ عليه، ولا يجوز له الرجوع فيه بعد ذلك، لكنّه ليس فسخاً للرهن، بل هو نظير الابراء من الدين لا يكون فسخاً للعقد الذي أوجبه.

(مسألة ٢) : يصح الرهن ويلزم بمجرّد اتّفاق الطرفين عليه، ولا يتوقّف صحّته ولا لزومه على قبض المرتهن للمال المرهون.

(مسألة ٣) : يسقط حقّ الرهن ببراءة ذمّة من عليه الدين من الدين الذي وقع الرهن له بتمامه، ولا يكفي براءته من بعضه في سقوط حقّ الرهن عن بعض المال بنسبته، فضلاً عن سقوطه عنه بتمامه.

(مسألة ٤) : إذا كان للمرتهن على الراهن دينان وكان الرهن على أحدهما دون الاخر، فإذا برئت ذمة الراهن من الدين الذي عليه الرهن لم يكن للمرتهن إمساك المال المرهون ليكون رهناً على الدين الاخر، بل يجب تسليمه للراهن مع مطالبته به.

(مسألة ٥) : إذا تلف المال المرهون أو سقط عن قابلية استيفاء الحق منه، فإن كان بوجه مضمون قام بدله مقامه في كونه رهناً على الحق، وإن لم يكن مضموناً بطل الرهن، ولا يجب على الراهن إبداله بغيره إلا إذا سبق اشتراط

٢٣٠

ذلك عليه في الرهن أو في عقد آخر.

(مسألة ٦) : يعتبر في الراهن والمرتهن الكمال والبلوغ والعقل وعدم الاكراه، كما يعتبر في الراهن ملك المال المرهون وعدم الحجر بسفه أو فلس، ولا يعتبر ذلك في المرتهن، لعدم كون الرهن تصرفاً في ماله. وإذا كان أحد الطرفين قاصراً قام وليه مقامه، كما يقوم الوكيل مقام الاصيل في ذلك.

(مسألة ٧) : إذا وقع الرهن مع قصور سلطنة أحد الطرفين كان فضولياً وتوقف نفوذه على إجازة من له السلطنة وجرت فيه فروع الفضولي، ويتّضح كثير منها ممّا تقدم في البيع.

المبحث الثاني

في المال المرهون

ولابدّ من كونه مالاً قابلاً لان يستوفى منه الحق أو بعضه بلحاظ ماليّته، إمّا بنفسه ـ كما لو كان من سنخ الحق المرهون عليه ـ أو ببدله، كالاعيان القابلة لان تباع، فلا يصح رهن ما لا مالية له، كبعض الحشرات، ولا ما له ماليّة عرفيّة إلا أنّه لا يقابل بالمال شرع، كالخمر والخنزير، أو ما له ماليّة إلا أنّه لا يمكن استيفاء الحق منه، مثل ما يسرع له الفساد إذا ابتنى الرهن على أن لا يباع بل يبقى بعينه إلى حين حلول الدين.

(مسألة ٨) : لا يصح رهن الخمر والخنزير مع كون الراهن أو المرتهن مسلم، وإن كان الاخركافر.

(مسألة ٩) : لا إشكال في صحّة رهن الاعيان الخارجية. وأمّا منافع الاعيان قبل استيفائها والديون غير المقبوضة فيشكل صحّة رهنه، نعم لا بأس

٢٣١

بجعلها وثيقة على الحق تبعاً لشرط في ضمن عقد لازم، نظير ما تقدّم في الوجه الثاني لانشاء الرهن وذلك بأحد وجهين..

الأول: أن يشترط في العقد اللازم كونها بنفسها وثيقة على الدين، فيقول المقرض مثلاً للمقترض: أقرضتك هذه المائة دينار إلى سنة على أن تكون منفعة دارك أو الدين الذي لك على زيد وثيقة لديني هذ، فيقبل المقترض ذلك.

الثاني: أن يشترط في العقد اللازم جعل الوثيقة من دون تعيين، فيقول المقرض مثلاً للمقترض: أقرضتك هذه المائة دينار إلى سنة على أن تجعل لي وثيقة على ديني هذ، فيقبل المقترض، ثم يتفقان اتفاقاً آخر على أنّ الدين الخاص أو المنفعة الخاصّة هي الوثيقة على ذلك الدين عملاً بمقتضى الشرط. وعلى كلا الوجهين يكون للمقرض في المنفعة أو الدين المذكورين حق نظير حقه في الرهن يقتضي حجرهما له واستحقاقه استيفاء دينه منهم، ولا يصح الالتزام بكونهما وثيقة على نحو الاستقلال من دون شرط سابق، نظير ما تقدّم في الوجه الأول لانشاء الرهن، فإن ذلك يختص برهن الاعيان. وبلحاظ مشروعيّة الوجه السابق يصح تعميم الرهن للمنافع والديون.

(مسألة ١٠) : رهن المنافع بالوجه المتقدّم يبتني..

تارة: على التعجيل باستيفائها بالاجر ثم حفظ الاجر ليستوفى منه الدين عند حلوله.

واُخرى: على عدم استيفائها إلا عند حلول الدين، فيستوفي منها حينئذٍ صاحب الدين بنفسه ما يقابل دينه، أو تُستأجر العين ويستوفى الدين من اُجرته.

وكذلك الديون حيث يبتني رهنه..

تارة: على التعجيل باستيفائها وحفظ المال ليستوفى منه الدين عند حلوله.

٢٣٢

واُخرى: على عدم استيفائها إلا عند حلول الدين.

وتعيين أحد هذه الوجوه تابع لاتفاق الطرفين.

(مسألة ١١) : تعارف في عصورنا أن يشترط الدائن على المدين استيفاء دينه من راتبه الشهري الذي يستحقه بعمله بقدر معين أو بنسبة معينة في كلّ شهر.

وذلك إن ابتنى على التزام المدين للدائن بالعمل الذي يستحصل به الراتب ـ بحيث ليس له التفرّغ وترك العمل ـ كان مبتنياً على ما سبق من رهن المنافع، لانّ الاعمال من جملة المنافع، وإن لم يبتن على ذلك بأن لم يكن ملزماً من قبله بالعمل، فهو أجنبي عن الرهن، وراجع إلى اشتراط الوفاء من مال خاص، وهو شرط نافذ، وإن لم يكن ذلك المال مستحقاً بعمل، بل كان من سنخ التبرع، كما لو اشترط الدائن على المدين أن يوفي دينه مّما يصل له من حقوق شرعية أو عادات على الناس أو هبات مبتدأة خاصة، أو نحو ذلك.

ومنه الرواتب التي تبذل في عصورنا للمشتغلين بطلب العلوم الدينية. ويترتّب على ذلك أنه لابدّ في صحّة العقد على الوجه الاوّل من كون العمل الذي يستحق به الراتب محلّلاً والاستئجار عليه صحيح. أما الثاني فيكفي في صحّته ملكيّة المدين للراتب ولو بعد حصوله في يده، لكونه مباحاً أصلياً أو مالاً مجهول المالك يصح له تملّكه بوجه شرعي.

(مسألة ١٢) : ما سبق في رهن الدين والمنفعة جار في رهن الحق إذا كان مقابَلاً بالمال، كحق السرقفلّية الذي تقدّم الكلام فيه في ذيل كتاب الإجارة، وحق الأولويّة للمزارع في الاراضي الخراجية الذي تقدّم الكلام فيه في فصل شروط العوضين من كتاب البيع.

(مسألة ١٣) : في جواز رهن الكليّ على إطلاقه ـ كثوب أو بقرة ـ أو الكليّ في المعيّن ـ كثوب من رزمة معينة ـ إشكال. نعم يجوز التوثّق بهما للدين بالالتزام

٢٣٣

به في ضمن عقد لازم، نظير ما سبق في المنافع والديون، وحينئذٍ يكون على من عليه الدين دفع فرد من الكلىّ ليكون هو الوثيقة.

(مسألة ١٤) : لا يجوز رهن الاعيان غير المملوكة كالاوقاف والاراضي الخراجيّة، إلا أن يرجع رهن الوقف إلى رهن منفعته إذا كانت ملكاً للموقوف عليهم، ورهن الارض الخراجيّة إلى رهن حق الأولويّة فيه، فيصح بالوجه الذي تقدم في المسألة (٩).

(مسألة ١٥) : المال المرهون على دين يجوز رهنه على دين آخر إمّا بنحو يزاحم مقتضى الرهن الأول، كما لو اقتضى كون الاستيفاء للدينين في عرض واحد أو ابتنى على شرط مخالف لمقتضى الأول، وإمّا بنحو لا يزاحمه، كما لو اقتضى الاستيفاء للدين الثاني بعد استيفاء الدين الأول من دون أن يبتني على شرط مناف لمقتضى الرهن الأول، ولا فرق بين كون الدينين لشخص واحد وكونهما لشخصين. نعم لابدّ في الصورة الثانية من رضا المرتهن الأول إذا كان الرهن الثاني مزاحماً للرهن الأول، أما إذا لم يزاحمه فلا يعتبر رضاه. كما يمكن في المقام فسخ الرهن الأول بالتقايل من الطرفين ثمّ رهن المال على الدينين مع.

(مسألة ١٦) : يجوز تعدّد الرهن على الدين الواحد، فللمرتهن استيفاء دينه من كل من الرهنين مخيراً بينهما أو مع تقديم أحدهم، حسب ما يتفق عليه الطرفان.

(مسألة ١٧) : لا يعتبر في المال المرهون أن يكون ملكاً للمدين بل يجوز رهن ما لا يملكه المدين، سواءً كان ملكاً لغيره أم لم يكن مملوكاً لاحد كالصدقات العامة. نعم لابدّ من إذن من له الولاية على المال المرهون من مالك أوولي، وإذا وقع الرهن بغير إذنه كان فضوليّاً وتوقّف نفوذه على إذنه.

بل يصح التبرّع لغير المدين برهن ماله على دين غيره، فإذا كان زيد مديناً لعمرو جاز لبكر أن يرهن ماله على الدين المذكور، وحينئذٍ لا يعتبر إذن زيد،

٢٣٤

بل يكفي اتفاق بكر وعمرو على ذلك، والراهن في الحقيقة في جميع ذلك هو صاحب المال المرهون.

(مسألة ١٨) : من رهن ماله على دين غيره، فإن لم يكن الرهن بطلب من المدين ولا بإذنه فلا يستحق الرجوع على المدين إذا استوفى المرتهن دينه من المال المرهون، وإن كان بإذن المدين أو بطلب منه كان لصاحب المال المرهون الرجوع عليه إذا استوفى المرتهن دينه من المال، إلا أن يكون إذنه في الرهن أو طلبه له مبنيّاً على التبرع وعدم الضمان، فلابدّ حينئذٍ من قيام القرينة على ذلك.

(مسألة ١٩) : لا يعتبر العلم بمقدار المال المرهون ولا بصفاته ولا بمقدار ماليته.

المبحث الثالث

في الدين الذي يرهن له

يصح الرهن على كلّ عين ثابتة في الذمّة، كالدراهم والدنانير والطعام ونحوها ممّا يكون ديناً في ذمّة الغير. وفي عمومه للمنافع إشكال، كما لو استأجر إنسان على عمل لم تؤخذ فيه المباشرة، فأراد المستأجر أن يستوثق لنفسه فيأخذ رهن، ليكون له أن يستوفي منه العمل المستأجر عليه إذالم يؤدّه الاجير، فيبيع الرهن المذكور ويستأجر بثمنه من يقوم بذلك العمل. نعم يجوز له التوثّق لذلك بالالتزام في ضمن عقد لازم بجعل شيء وثيقة للعمل المطلوب، نظير ما تقدّم في رهن الديون والمنافع.

(مسألة ٢٠) : لا يصح الرهن على ما يتوقّع ثبوته في الذمّة قبل أن يثبت فعل، سواءً تحقّق مقتضي ثبوته كالجعل في الجعالة قبل الاتيان بالعمل، وبدل المغصوب قبل التلف لانّ يد الغاصب سبب للضمان، أم لم يتحقق المقتضي،

٢٣٥

كبدل الامانات غير المضمونة إذا أراد صاحبها التوثّق بأخذ الرهن حذراً من التفريط فيه، وبدل المبيع الذي يقبضه المشتري إذا أراد البايع التوثّق بأخذ الرهن حذراً من حصول أحد أسباب الفسخ أو البطلان من دون أن يستطيع استرجاع المبيع كي يستطيع استيفاء بدله من الرهن، ونظيره بدل الثمن الذي يقبضه البايع إذا أراد المشتري التوثق بأخذ الرهن حذراً من حصول أحد أسباب الفسخ أو البطلان من دون أن يستطيع استرجاع الثمن.

وكذا الحال في الاعيان المملوكة إذا كانت في يد الغير ـ كالامانة والمبيع الذي يشترط تأجيل تسليمه ـ وأراد صاحبها التوثّق لنفسه بأخذ مال ممن هي في يده ليكون ملزماً بتسليمها بأعيانه.

نعم يمكن اشتراط التوثّق في جميع ذلك في ضمن عقد لازم، نظير ما تقدّم في رهن المنافع والديون، كما لو اشترى عمرو سيارة زيد نقداً واشترط عليه أن تكون داره وثيقة للثمن الذي دفعه ليستوفيه منها لو ظهرت السيارة معيبة أو مغصوبة ثم وقع تسليم الثمن مبنياً على الشرط المذكور، بأن يكون دفعه مع احتمال بطلان البيع مبنياً على جعل الدار وثيقة له، وكما لواشترى زيد دار عمرو على أن تسلّم إليه الدار بعد سنة واشترط على عمرو أن يدفع له سيارته لتكون وثيقة للدار من أجل أن يسلّمها بعد السنة وهكذ، فإن الشرط المذكور نافذ، كما تقدّم نظيره.

٢٣٦

المبحث الرابع

في أحكام الرهن

(مسألة ٢١) : إطلاق الرهن يقتضي استحقاق المرتهن أخذ المال المرهون، فيجب على الراهن تسليمه له وإذا امتنع اُجبر على ذلك، ولا يجوز له استرجاعه منه بعد أخذه له. وقد يتأكّد مقتضى الاطلاق بالشرط، كما قد يُخرج عنه باشتراط بقاء المال المرهون عند الراهن أو عند شخص ثالث، ويجب العمل بالشرط حينئذٍ.

(مسألة ٢٢) : المال المرهون وإن كان باقياً على ملك الراهن إلا أن مقتضى الرهن ثبوت حق للمرتهن فيه، وهو حق استيفاء دينه منه، وقد سبق أن مقتضى إطلاقه أنّه يستحق وضع يده عليه وجعله في حوزته، وحينئذٍ يتعيّن منع الراهن من كل تصرف ينافي أحد هذين الحقين ـ ولو لكونه دخيلاً في كيفيّة إعمالهما ـ إلا بإذن المرتهن، فلا يجوز له إتلافه، أو إخراجه عن ملكه ببيع أو وقف أو عتق أو نحوه، أو تغيير حاله بصبغ أو كسر أو نحوهما ممّا قد يعرضّه لقلّة الرغبة فيه، ولا إجارته أو إعارته أو نحوهما ممّا يوجب خروجه عن حوزة المرتهن أو يجعله معرضاً للتلف والضرر، ولا أن يحدث فيه ما يصعب معه حفظه على المرتهن وجعله في حوزته، كحلّ شدّه الموجب لانفراط أجزائه وتفرّقه، وإحبال الدابة الموجب لزيادة الكلفة في حفظها مع ولده، أو نحو ذلك. وإذا فعل الراهن شيئاً من ذلك من دون إذن المرتهن، فإن كان تصرفاً خارجياً ـ كالاتلاف والصبغ ـ كان حراماً ومعصية، وإن كان تصرفاً اعتبارياً ـ كالبيع والإجارة ـ لم ينفذ إلا أن يجيزه المرتهن، كالعقد الفضولي.

٢٣٧

(مسألة ٢٣) : يجوز للراهن التصرّف في المال المرهون من غير إذن المرتهن إذا لم يكن منافياً لحقّه بالوجه المتقدم، ومن ذلك بيعه على أن يبقى بعينه مرهوناً مستحقاً للمرتهن، بحيث لا يستقل المشتري به إلا بعد وفاء الحق المرهون عليه، نظير ما لو كان المال المرهون ملكاً لغير من عليه الحق.

(مسألة ٢٤) : إذا أذن المرتهن في بيع المال المرهون أو أجاز بيعه بعد وقوعه قام الثمن مقام المبيع في كونه رهناً على الدين، إلا أن يبتني الاذن أوالاجازة على إسقاط حق الرهن، فحينئذٍ يستقلّ الراهن بالثمن.

(مسألة ٢٥) : المال المرهون إذا صار ـ بمقتضى إطلاق عقد الرهن أو بمقتضى الشرط تحت يد الراهن ـ فهو أمانة بيده لا يضمنه إلا بالتعدي أو التفريط، على النحو المتقدّم في أوائل الفصل السادس من كتاب الإجارة.

(مسألة ٢٦) : لا يجوز للمرتهن التصرّف في المال المرهون إلا بوجهين:

الأول: التصرّف الذي هو مقتضى أمانته، كإطعام الحيوان ونشر الثوب أو الطعام لو خيف عليهما من التلف.

الثاني: ما يأذن به المالك صريح، أو يفهم من ظاهر حاله ولو بسبب التعارف.

(مسألة ٢٧) : إذا تعرّض المال المرهون للفساد بنحو يُسقط قيمته، أو يُنقصها نقصاً معتداً به وجب مراجعة مالكه، فإن أذن ببيعه فذاك، وإلا فإن بلغ الضرر حدّاً يمنع من استيفاء الدين من الرهن كان للمرتهن بيعه بعد الاستئذان من الحاكم، وكذا إذا تعذّرت مراجعة المالك. ويجري ذلك فيما لو تعرّض المال المرهون للخطر من غير جهة الفساد، كما لو كان معرّضاً للسرقة أو نحوه.

(مسألة ٢٨) : منافع المال المرهون ـ كركوب الدابة وسكنى الدار ـ ونماءاته ـ كالبيض والحليب ـ ملك للراهن، وليس للمرتهن استيفاؤها وأخذها إلا بإذنه الصريح أو المستفاد من ظاهر الحال، فإن ابتنى إذنه على المجانية فهو، وإلا كان

٢٣٨

عليه بدلها ونقص مقداره من دينه. وكذا الحال إذا استوفاها من غير إذنه.

(مسألة ٢٩) : إذا اشترط المرتهن أن تكون منافع المال المرهون أو نماءاته له، أو أنّ له استيفاءها وأخذها مجاناً فلذلك صور..

الاُولى: أن يشترط ذلك في عقد القرض، كما إذا أقرض المال برهن واشترط حين القرض أن تكون منافع المال المرهون أو نماءاته له، أو أقرض المال واشترط على المقترض أن يجعل عليه رهناً تكون منافعه ونماءاته له.

الثانية: أن يشترط ذلك في نفس الرهن ـ فيما إذا اُنشئ استقلالاً ـ كما لو طالب الدائن المدين بالرهن، فلمّا أراد أن يرهن عنده شيئاً اشترط عليه في الرهن أن تكون منافعه ونماءاته له فقبل الراهن الشرط.

الثالثة: أن يشترط ذلك في عقد ثالث، كما إذا باع شيئاً بثمن مؤجّل برهن واشترط في عقد البيع أن تكون منافع المال المرهون أو نماءاته له، أو رهن المدين شيئاً على دينه ثم أوقع مع المرتهن عقداً ـ كالبيع ـ وشرط أن تكون منافع ذلك الشيء المرهون أو نماءاته له.

أما في الصورة الاُولى فيبطل الشرط المذكور، لانه من الربا المحرم، فإذا استوفى المرتهن المنافع والنماءات كان ضامناً لها ونقص من دينه بقدره، وأما في الصورتين الاخيرتين فالظاهر جواز الشرط المذكور ونفوذه، فيملك به المرتهن منافع المال المرهون ونماءاته، فإذا استوفاها وأخذها لم يكن ضامناً لبدلها ولم تنقص من دينه.

(مسألة ٣٠) : تجري الصورتان السابقتان أيضاً فيما إذا كان المشروط هو استيفاء الراهن المنافع وأخذه النماء بعوض.

(مسألة ٣١) : إذا أراد الطرفان استيفاء الراهن منافع العين المرهونة ونماءاتها مجاناً أمكنهما الاستعاضة عن الدين والرهن ببيع الشرط الذي تقدّم

٢٣٩

التعرّض له في الخيار الثالث من الفصل الرابع من كتاب البيع، فمثلاً إذا أراد زيد أن يقترض من عمرو ألف دينار إلى سنة ويرهن عليها داره، فبدلاً من ذلك يبيع زيد داره من عمرو بألف دينار ويجعل له خيار ردّ الثمن إلى سنة، فإذا أرجع زيد لعمرو الالف دينار في آخر السنة يفسخ البيع ويسترجع داره، فإن الدار ومنافعها في تلك السنة تكون ملكاً لعمرو حينئذٍ، وله أن يستوفيها مجان. نعم لو تلفت الدار يكون تلفها عليه، بخلاف ما لو كانت مرهونة فإن تلفها يكون على زيد ولا يضمنه عمرو إلا مع التفريط، كما أنه إذا لم يأت زيد بالثمن في الاجل المحدد فليس له الفسخ إلا أن يرضى عمرو.

(مسألة ٣٢) : حق الرهانة يورث، فإذا مات المرتهن انتقل حق الرهن في المال المرهون لورثته، ولا يسقط حق كلّ منهم إلا بإسقاطه، أو ببراءة ذمة المدين من حصّته من الدين الذي عليه الرهن.

(مسألة ٣٣) : لا يبطل الرهن بموت الراهن، بل يبقى المال المرهون معه مورداً لحق الرهن وإن صار للوارث.

(مسألة ٣٤) : إذا حلّ وقت استيفاء الدين لم يستقلّ المرتهن باستيفائه من المال المرهون، بل لابدّ من مراجعة الراهن ليقوم بأدائه من عنده، أو من المال المرهون ـ إن كان من سنخ الدين ـ أو ببيع المال المرهون على المرتهن أو غيره ويوفي الدين بثمنه. وإن امتنع جاز إجباره على أحد الامرين، وإن تعذر ذلك جاز للمرتهن أن يتولى البيع بنفسه.

والأحوط وجوباً مراجعة الحاكم الشرعي مع الامكان. ويجري ذلك فيما إذا تعذّرت مراجعة المالك لغيبة أو جهالة أو نحوهم.

(مسألة ٣٥) : إذا اشترط المرتهن على الراهن في عقد الرهن أو في عقد آخر أن يكون له بيع الرهن لاستيفاء الدين من دون مراجعته نفذ الشرط المذكور. وكذا إذا جعله الراهن وكيلاً عنه في البيع وشرط عليه المرتهن في

٢٤٠