منهاج الصالحين - المعاملات الجزء ٣

منهاج الصالحين - المعاملات0%

منهاج الصالحين - المعاملات مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 333

منهاج الصالحين - المعاملات

مؤلف: السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 333
المشاهدات: 67889
تحميل: 4015


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 67889 / تحميل: 4015
الحجم الحجم الحجم
منهاج الصالحين - المعاملات

منهاج الصالحين - المعاملات الجزء 3

مؤلف:
العربية

(مسألة ١٧): ينعقد والنذر اليمين والعهد من الكافر، فإن خالفها حال كفره حنث وانحلت ووجبت عليه الكفارة، لكنها لا تصح منه لانها عبادة، ولا تصح العبادة من الكافر. نعم إذا أسلم سقطت الكفارة، وإن لم يخالفها حتى أسلم لزمته، ووجب عليه العمل عليه. فإن خالفها حنث ووجبت عليه الكفارة، وصحت منه.

الفصل الثاني

فيما ينعقد به اليمين والنذر والعهد

(مسألة ١٨): تنعقد اليمين بالله تعالى سواءً كان بلفظ الجلالة، أم بغيره من أسمائه المختصة - مثل فالق الحب وبارئ النسم - أو المشتركة التي تنصرف إليه، مثل الخالق والرحمن والرحيم، بل حتى التي لا تنصرف إليه - كالجواد والكريم - مع قصده به. بل يكفي ما يدل على الذات المقدسة ولو بغير العربية من اللغات الاُخرى.

(مسألة ١٩): لا تنعقد اليمين بغير الله تعالى وإن عظم قدره، كالقرآن الشريف والكعبة المعظمة والانبياء والائمة - صلوات الله عليهم - والاولياء. نعم ينبغي رفع قدرها عن أن يحلف بها من دون وفاء، لما فيه من الامتهان لها والاستهوان بشأنه، بنحو قد يبلغ مرتبة التحريم. إلا أن ذلك ليس لانعقاد اليمين بها بنحو يلزم بالحنث بها الكفارة، الذي هو محل الكلام.

(مسألة ٢٠): لا تنعقد اليمين بمثل قدرة الله وعظمته وعلمه، بل حتى حق الله تعالى، إلا أن يقصد به اليمين بالذات المقدسة، كما هو غير بعيد في كثير من الموارد. نعم ينعقد بقول: (لعمرو الله)، لأن المقصود به الذات المقدسة.

(مسألة ٢١): لا تنعقد اليمين بمثل: أشهد بالله تعالى، أو أعزم بالله، أو

١٢١

علم الله أني أفعل كذ، أو نحو ذلك.

(مسألة ٢٢): لا يكفي في انعقاد اليمين القصد للحلف بالله تعالى ما لم ينطق باللفظ الدال عليه جل شأنه. فإذا قال مثلاً: أحلف أو اُقسم لم ينعقد اليمين، ما لم يقل: أحلف بالله، أو اُقسم بالله.

(مسألة ٢٣): يكفي في اليمين كل ما يدل عليه من فعل، مثل: اُقسم بالله وأحلف بالله. أو اسم، مثل: أيم الله وأيمن الله. أو حرف، مثل: والله وبالله وتالله.

(مسألة ٢٤): تقدم أنه تحرم اليمين بالبراءة صادقاً أو كاذب. لكن لو حلف بالبراءة من الله ورسوله - في القسم الثاني من اليمين الذي هو محل الكلام - انعقد مع بقية الشروط، فإن حنث فعليه إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين مدّ من طعام.

كما أن الأحوط استحباباً لمن حلف بالبراءة من دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) - بل بكل ما يرجع إلى البراءة من الاسلام - على أمر مرجوح - كقطيعة الرحم - أن يصوم ثلاثة أيام ويتصدق على عشرة مساكين، من دون أن تنعقد يمينه. وأما مثل: أنا يهودي أو نصراني إن فعلت كذ، فلا تنعقد به اليمين، ولا تثبت به الكفارة.

(مسألة ٢٥): لابد في انعقاد النذر من جعل الامر المنذور لله تعالى، ولا يكفي فيه جعل المكلف الشيء على نفسه من دون أن يضيفه له تعالى، فلا يكفي أن يقول: علي كذ، أو: جعلت علي كذ، أو نذرت كذ. بل لابد أن يقول مثلاً: لله تعالى علي كذ، أو: علي لله كذ، أو: علي كذا لله، أو: علي لله نذر، أو: نذرت لله علي كذ، أو نحو ذلك. نعم لا يشترط ذكر لفظ الجلالة، بل يقوم مقامه كل ما يدل على الذات المقدسة، نظير ما تقدم في اليمين.

(مسألة ٢٦): يحسن الوفاء بما جعله الانسان على نفسه من الخير من دون أن يضيفه لله تعالى، خصوصاً إذا كان الجعل في مقابل قضاء حاجة، بل يخشى

١٢٢

حينئذٍ من عدم وفاء المكلف أن يرى ما لا يحب في حاجته أو في أمر آخر.

(مسألة ٢٧): يكفي في النذر الصيغة بلفظ الخطاب معه تعالى، كما لو قال مثلاً: لك يا رب علي كذ.

(مسألة ٢٨): يكفي في العهد كل ما يدل على التعاهد مع الله تعالى، مثل: عاهدت الله، أو: علي عهد الله، أو: عاهدتك يا رب، أو نحو ذلك.

(مسألة ٢٩): لابد في انعقاد النذر من اللفظ ولا يكفي عقده في النفس إلا مع تعذر اللفظ لخرس ونحوه، فإن الأحوط وجوباً انعقاده مع الإشارة الدالة عليه. أما العهد ففي توقف انعقاده على اللفظ إشكال، فلا يترك الاحتياط بترتيب الاثر على عقده في النفس.

(مسألة ٣٠): لا ينعقد النذر والعهد لغير الله تعالى، كالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والائمة (عليهم السلام) والاولياء والمشاهد الشريفة، فلا يجب الوفاء به شرع، لكنه وعد يحسن الوفاء به، خصوصاً بلحاظ رفعة مقام الموعود وعظيم شأنه، حيث قد يكون عدم الوفاء به منافياً لاحترامه، ولا سيما إذا كان معلقاً على تحقيق مطلوب شفاعته عند الله تعالى أو عظيم حقه عنده، حيث قد يكون عدم الوفاء هضماً لحق عرفي له، بل يخشى من مغبة ذلك وعاقبته.

الفصل الثالث

في متعلق اليمين والنذر والعهد

(مسألة ٣١): يشترط في متعلق اليمين والنذر أن يكون طاعةلله تعالى، من فعل واجب أو مستحب وترك حرام أو مكروه، فلا ينعقدان على ترك واجب أو مستحب ولا على فعل حرام أو مكروه، كما لا ينعقدان على فعل مباح أو تركه. نعم ينعقدان على فعله لو صار راجحاً شرعاً بعنوان ثانوي، ولو لامر

١٢٣

يعود للدني، كما ينعقدان على تركه لو صار مرجوحاً شرعاً بعنوان ثانوي أيض.

وهكذا الحال في متعلق العهد، إلا أن الأحوط وجوباً انعقاده على المباح الذي لا رجحان فيه شرع.

(مسألة ٣٢): إذا انعقد النذر واليمين والعهد لتحقق الشرط المذكور في المسألة السابقة ثم طرأ ما يقتضي رجحان مخالفتها شرع، بحيث يصير متعلقها مرجوح، كان له مخالفتها ولا كفارة حينئذٍ، وإن كان ذلك الطارئ راجعاً للدني، كحفظ المال والتحبب للناس ونحوهما مما هو راجح شرع.

(مسألة ٣٣): لابد في متعلق اليمين والنذر والعهد من أن يكون مقدوراً في وقته، فإن لم يكن مقدوراً في وقته لم تنعقد. وإن اعتقد المكلف القدرة عليه ثم ظهر عدمها انكشف عدم الانعقاد من أول الامر. أما إذا تجدد العجز عنه في أثناء وقته قبل الوفاء - كما لو نذر مثلاً أن يزور الحسين (عليه السلام) في شهر رمضان، فتجدد العجز عن الزيارة من نصف شهر رمضان إلى آخره - فهو لا يمنع من انعقاد اليمين والنذر والعهد، بل يوجب انحلالها من حينه. وحينئذٍ إن ظهرت أمارات العجز قبل وقته وجبت المبادرة للاداء ما دام قادر، فإن فرّط عامداً كان حانثاً ووجبت الكفارة، وإن لم تظهر أمارات العجز حتى فاجأه كان من موارد الحنث غير المتعمد الذي لا كفارة فيه.

(مسألة ٣٤): إذا كان المتعلق أمراً مقيداً فعجز المكلف عن القيد دون المقيد، فإن كان القيد مقوماً للمتعلق عرفاً - كما لو حلف أن يعتمر عمرة رجبية، أو نذر أن يزور الحسين (عليه السلام) في عرفة - كان من موارد تعذر المتعلق الذي تقدم في المسألة السابقة. أما إذا لم يكن القيد مقوماً للمتعلق عرف، بل موجباً لخصوصية فيه زائدة فالأحوط وجوباً الإتيان بالمتعلق الفاقد للقيد، كما لو حلف أن يحج أو يزور ماشي، أو على غسل، أو راكباً سيارة خاصة، أو مع جماعة خاصة، أو نحو ذلك. بل لو أمكن التبعيض في القيد فالأحوط وجوباً الإتيان بما تيسر منه،

١٢٤

كما لو قدر على أن يمشي في بعض الطريق في المثال السابق.

(مسألة ٣٥): يستثنى مما تقدم - من اشتراط القدرة على المتعلق - ما إذا نذر صوم يوم معين، كأول خميس من الشهر، فاتفق أن سافر، أو مرض في ذلك اليوم، أو صادف ذلك اليوم عيد، أو أيام التشريق لمن كان بمنى كان عليه قضاؤه. بل هو الأحوط وجوباً في بقية الاعذار، كالحيض والنفاس. أما إذا تعذر الصوم رأساً - معيناً كان أو مطلقاً - فالأحوط وجوباً أن يتصدق عن كل يوم بمد من طعام.

(مسألة ٣٦): إذا حلف أو نذر أو عاهد على أمر يتعلق بغيره ممن لا ولاية عليه شرعاً لم ينعقد اليمين، كما إذا حلف الاب على أن يزوج ولده الكبير من فلانة، أو يشتري الولدُ الدارَ الفلانية، أو نذرت الاُم أن تزوج بنتها علوي. إلا أن يرجع ذلك إلى ما له الولاية عليه، مثل أن يحلف على أن يقوم بالزواج إذا طلبه الولد أو رضي به، أو على إقناعه بالزواج مع قدرته عليه، فينفذ ذلك منه إذا تمت الشروط الاُخرى.

(مسألة ٣٧): إذا حلف أو نذر أو عاهد على أمر له الولاية عليه شرعاً كان النفوذ مشروطاً بكون المتعلق صلاحاً للمولى عليه على ما هو مقتضى ولايته، وإلا فلا نفوذ، وإن كان الامر راجحاً من بعض الجهات، كما إذا خطب إليه مؤمن ابنته الصغيرة فحلف أن يزوجه إياها مراعياً استحباب قضاء حاجة المؤمن ولم يكن الزواج صلاحاً للبنت. كما أنه لو كان صلاحاً للمولى عليه ثم خرج المولى عليه عن ولايته قبل التنفيذ انحل النذر أو اليمين أو العهد، ولم يجب على المولى عليه بعد أن استقل بنفسه العمل بمقتضاه، فإذا حلف الاب - مثلاً - على تزويج ابنته من شخص وهو يرى ذلك صلاحاً له، فلم يزوجها حتى كبرت أو مات الاب، لم يجب عليها العمل باليمين. وإنما ذكرنا ذلك - مع أنه عند الفقهاء من الواضحات التي لا تحتاج للبيان - لتوهم كثير من عامة الناس

١٢٥

النفوذ حينئذٍ، ووقوع بعضهم في الحرج منه ومحاولتهم المخرج منه.

(مسألة ٣٨): لا تنعقد يمين المناشدة، وهي الحلف على الغير أن يفعل، كما لو قال الرجل لآخر: والله لتفعلن كذ، أو: بالله عليك لتفعلن كذ، أو نحو ذلك، فلا يجب على المخاطب أن يفعل، ولا على الحالف أن يقنعه، ولو لم يفعل لم تجب على أحدهما الكفارة. ويجري ذلك في النذر والعهد.

(مسألة ٣٩): متعلق اليمين والنذر والعهد على قسمين..

الأول: أن يكون منجز، كما لو قال: والله أزور الحسين، أو:لله علي أن أصوم عشرة أيام، أو: عاهدت الله أن لا أفعل محرم، سواءً كان ذلك لمحض الرغبة في إلزام نفسه بالخير، أم شكراً على نعمة حاصلة، أو دفعاً لبلية مخوفة، أو تكفيراً عن خطيئة حاصلة، أو غير ذلك. من دون أن يؤخذ ذلك في اليمين أو النذر أو العهد.

الثاني: أن يكون معلقاً على أمر، مثل أن يقول: والله أزور الحسين (عليه السلام) إن رزقت ولد، أو:لله علي إن شفيت من مرضي أن أصوم عشرة أيام، أو: إن خرج ولدي من السجن فعلي عهد الله تعالى أن اُصلي صلاة الشكر.

والظاهر النفوذ في القسم الاول مطلق، كما لا إشكال في نفوذ الثاني في الجملة وما يأتي تفصيله في المسألة اللاحقة.

(مسألة ٤٠): لا ينعقد النذر واليمين والعهد مع التعليق في موردين..

الأول: إذا كان شكراً على معصية ولو مكروهة كما إذا قال: إن قتل عمرو فلله علي أن اُصلي ركعتين، وكان عمرو مؤمن. أو: والله إن أجاد ولدي الغناء ذبحت شاة وتصدقت بلحمه، ونحو ذلك. وكذا إذا قال: إن قتلت عمراً فلله علي أن أصوم، قاصداً بذلك الشكر على تيسير ذلك له. أما إذا قصد زجر نفسه بذلك والتكفير به عن خطيئته فهو خارج عن ذلك، بل يكون زجراً عن المعصية وينعقد حينئذٍ.

١٢٦

الثاني: إذا كان زجراً عن طاعة كما إذا قال: إن صليت جماعة فلله علي الصدقة بمد من طعام، أو: والله إن صليت جماعة لاتصدقن بمد من طعام، قاصداً بذلك زجر نفسه عن الصلاة جماعة. أما إذا قصدالشكر على تيسير ذلك له فهو خارج عن ذلك، بل يكون شكراً على الطاعة وينعقد حينئذٍ.

وتنعقد فيما عدا ذلك، سواءً كان زجراً عن معصية أو شكراً على طاعة، كالمثالين المتقدمين، أم شكراً على نعمة غير الطاعة، كما لو قال: إن ولد لي ولد فلله علي أن أصوم شهر، أم كان خارجاً عن ذلك ولم يقصد به إلا التوقيت، كما إذا قال: إن دخل الليل فلله علي أن أتصدق بدرهم، أو: والله لاتصدقن بدرهم إن دخل الليل، أو: علي عهد الله أن أتصدق بدرهم إن دخل الليل.

(مسألة ٤١): إذا انكشف مع التعليق حصول المعلق عليه قبل اليمين أوالنذر أوالعهد لم ينعقد شيء منه، فإذا حلف - مثلاً - أن يصوم عشرة أيام إن رزق ولد، ثم علم بعد ذلك أنه قد رزق الولد قبل زمان الحلف انكشف عدم انعقاد اليمين ولم يجب عليه شيء، إلا أن يكون المعلق عليه هو مطلق وجود الشرط وإن كان سابق.

(مسألة ٤٢): إذا علق اليمين أو النذر أو العهد على المشيئة، فقال مثلاً: والله أزور الحسين إن شاء الله تعالى، أو استثنى، فقال: أزور الحسين إلا أن يشاء الله، انحل النذر أو اليمين أو العهد، فلا حنث بمخالفتها ولا كفارة. نعم لو قصد تعليق وقوع الفعل في الخارج مع إطلاق التعهد به فلا انحلال، بل يجب الوفاء، ويقع الحنث بتركه وتجب الكفارة، كما لو قصد في المثال السابق الحلف على زيارة الحسين (عليه السلام) والتعهد بها مطلق، وإن كانت لا تقع في الخارج إلا مع المشيئة. لكن ذلك محتاج إلى عناية لا تناسب تركيب الكلام، بل الكلام بطبعه يقتضي الاول، وهو أن الامر المتعهد به هو المعلق على المشيئة، لا المطلق.

١٢٧

وقد ورد في عدة أحاديث أن من لم يستثن في يمينه كان له أن يستثني متى ذكر ولو بعد أربعين يوم. ولا إشكال في رجحان ذلك، إلا أن في انحلال اليمين به وعدم حصول الحنث وسقوط الكفارة به إشكال، والأحوط وجوباً العدم. بل لا إشكال في عدم الانحلال بذلك في النذر والعهد.

(مسألة ٤٣): إذا نذر ولم يعين شيئاً لم ينعقد النذر ولم يجب عليه شيء، كما إذا قال: إن ولد لي ولد فلله علي نذر.

(مسألة ٤٤): إذا كان متعلق اليمين والنذر والعهد مطلق الطاعة كان له الاقتصار على أدنى البر، من صلاة أو صيام أو صدقة أو غيره.

(مسألة ٤٥): إذا كان المتعلق لهذه الاُمور مجملاً مردداً بين الاقل والاكثر اقتصر على الاقل، وإذا كان مردداً بين المتباينين وجب الجمع بينهم، إلا أن يكون فيه ضرر مهم فالأحوط وجوباً الرجوع للقرعة، وكذا الحال إذا نسي المعلق وتردد بين الاقل والاكثر أو المتباينين. نعم إذا كانت الاطراف كثيرة غير منحصرة فالظاهر الانحلال.

(مسألة ٤٦): من نذر أن يصوم حيناً كان عليه صيام ستة أشهر، ومن نذر أن يصوم زماناً كان عليه صيام خمسة أشهر، والأحوط وجوباً جريان ذلك في اليمين والعهد. نعم إذا قصد بأحدهما مقداراً معيناً كان العمل على ما قصد، حتى في النذر.

(مسألة ٤٧): من نذر شيئاً للكعبة أو المشهد، فإن أمكن الانتفاع به بعينه في مصالح الكعبة أو المشهد من سراج وفراش وتنظيف وعمارة تعيّن، وإلا بيع وصرف ثمنه في ذلك. وإن تعذر الانتفاع به في ذلك - ولو لظهور خيانة السدنة أو عجزهم عن الحفظ بوجه غير متعارف - صرف للمحتاجين من القاصدين والزائرين للكعبة والمشهد في الطعام ونفقة الطريق ونحوهم.

١٢٨

أما مع نذر المال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الامام (عليه السلام) أو الولي بشخصه فإنه ينفق في القربات والمبرات ويجعل ثوابها للمنذور له، لانه أظهر وجوه انتفاعه بالمال. إلا أن يكون الناذر قد قصد وجهاً آخر من الانفاق، فيتبع قصده. نعم نفوذ النذر في جميع ذلك مشروط بجعله لله تعالى، وإلا كان من النذر لغيره الذي يجري فيه ما سبق.

(مسألة ٤٨): ورد في الحديث الصحيح أن من مرض فاشترى نفسه من الله تعالى بمال إن هو عافاه من مرضه فعوفي أن المال يكون لله تعالى، ومنه للامام (عليه السلام) ، وحينئذٍ يلحقه حكم سهم الامام (عليه السلام) ويراجع به الحاكم الشرعي. والأحوط وجوباً صرفه في الفقراء والمساكين وابن السبيل.

(مسألة ٤٩): كفارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن عجز صام ثلاثة أيام متتابعة، وكذا كفارة النذر حتى نذر الصوم، على ما تقدم في كتاب الصوم. وكفارة العهد عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكين، لكل مسكين مد من طعام. وقد تقدم في كتاب الصوم كثير من الفروع المتعلقة بالتتابع في الصوم، وبالاطعام، وهي تجري هن. فراجع.

(مسألة ٥٠): الكسوة ثوب تام، والافضل بل الأحوط استحباباً ثوبان.

(مسألة ٥١): إنما تجب الكفارة بتعمد الحنث، وهو المخالفة، ولا تجب مع المخالفة لا عن عمد، نعم هي موجبة لانحلال اليمين والنذر والعهد مع إطلاق متعلقها على ما تقدم. كما لا تشرع الكفارة قبل المخالفة من أجل أن ينحل اليمين والنذر والعهد، وتسوغ مخالفته، بل هي لا تنحل بدفع الكفارة من دون مخالفة.

والحمد لله رب العالمين

١٢٩

كتاب الكفارات

وفيه فصلان..

الفصل الأول

في تعداد الكفارات

ذكرنا جملة من الكفارات في مواضعها المناسبة، فقد تقدمت كفارة إفطار شهر رمضان وكفارة قضائه في كتاب الصوم، وكفارة الجماع حال الاعتكاف في كتاب الاعتكاف، وكفارة الظهار والايلاء في مبحثهم، وتقدمت في كتاب اليمين والنذر والعهد كفاراته. وذكرنا في مناسك الحج والعمرة كفارات الاحرام على كثرته. وذكرنا في المواضع المذكورة الفروع المناسبة له، فلا نطيل بإعادته.

(مسألة ١): كفارة قتل المسلم عمداً كفارة جمع - حتى لو كان عبداً للقاتل الأحوط وجوباً - وهي عتق رقبة مؤمنة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكيناً لكل مسكين مد. وإذا كان القتل فى حرم مكة المعظمة أو في الاشهر الحرم - وهي شهر رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم - لزم الصوم في الاشهر الحرم، وإنما تجب الكفارة بقتل العمد على القاتل إذا لم يقتص منه ورضي أولياء المقتول بالدية.

(مسألة ٢): كفارة قتل المسلم خطأً مرتبة، وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن عجز صام شهرين متتابعين، فإن عجز أطعم ستين مسكيناً لكل مسكين مد. لكن إذا كان القتل في حرم مكة المعظمة أو في الاشهر الحرم فكفارته صوم شهرين متتابعين

١٣٠

من اشهر الحرم، فإن عجز أعتق رقبة مؤمنة، فإن عجز أطعم ستين مسكين.

(مسألة ٣): إنما تجب الكفارة في قتل الخطأ إذا صح نسبة القتل للشخص عرف، دون بقية أسباب الضمان المذكورة في الديات، كما لو حفر بئراً في الطريق غفلة عما يترتب على ذلك فوقع فيها شخص فمات.

(مسألة ٤): لابد في كفارة قتل العمد والخطأ في الحرم أو في الاشهر الحرم من أن يكون الصوم في الاشهر الحرم، وأن يكون التتابع فيه في تمام الشهرين، ولا يكفي التتابع في شهر ويوم ثم تفريق الصوم. ولازم ذلك صوم يوم عيد الاضحى، ولا بأس به، كما تقدم في كتاب الصوم.

(مسألة ٥): إذا اشترك جماعة في قتل شخص واحد،فعلى كل منهم كفارة على الأحوط وجوب.

(مسألة ٦): تثبت كفارة العمد والخطأ في قتل الجنين بعد ولوج الروح فيه، بل مطلقاً على الاظهر.

(مسألة ٧): إذا كان المقتول مهدور الدم بحيث يحل للقاتل قتله - كسابّ الله تعالى وسابّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والائمة (عليهم السلام) - فلا كفارة لقتله. نعم إذا كان مهدور الدم بحد يوكل للامام - كالزاني المحصن واللائط - فلا يجوز لغير الامام قتله إلا بإذن الامام، فإن قتله شخص بغير إذن الامام ثبتت عليه الكفارة.

(مسألة ٨): يحرم على المرأة في المصاب جزّ شعرها - وهو قصّه ونتفه - وخدش وجهها حتى تدميه، وفيها الكفارة. وأما اللطم على الخد فلا كفارة فيه. ويستحب له الاستغفار والتوبة.

(مسألة ٩): كفارة جز الشعر من المرأة في المصاب عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكين، لكل مسكين مد. ويكفي في وجوبها جز بعضه بمقدار معتد به، ويلحق به الحلق.

١٣١

(مسألة ١٠): كفارة نتف المرأة شعرها في المصاب وخدش وجهها حتى تدميه كفارة يمين.

(مسألة ١١): يحرم على الرجل أن يشق ثوبه في مصابه بولده أو زوجته. ولا يحرم الشق في غير ذلك، كشق الاخ على أخيه وشق المرأة على زوجها والاُم على ولدها والاُخت على أخيها وغير ذلك. وإن كان الاولى ترك ذلك والتجمل بالصبر.

(مسألة ١٢): كفارة شق الرجل ثوبه على ولده أو زوجته كفارة يمين.

(مسألة ١٣): من تزوج امرأة ذات زوج أو في عدتها جاهلاً استحب له التكفير بخمسة أصوع من الدقيق، بل هو الأحوط استحباب. والصاع أربعة أمداد يقارب ثلاث كيلوات وأربعمائة وثمانين غرام، كما تقدم في زكاة الفطرة.

(مسألة ١٤): من نام عن صلاة العشاء حتى انتصف الليل استحب له التكفير بأن يصوم اليوم اللاحق، بل هو الأحوط استحباب.

(مسألة ١٥): ورد أن كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الاخوان، وحمل على الاستحباب. لكن تقدم في كتاب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حرمة العمل للجائر مع عدم الاكراه إلا أن يكون الغرض نفع المؤمنين.

(مسألة ١٦): ورد أن من اغتاب مؤمناً فكفارته أن يستغفر له، وحمل على الاستحباب. لكن تقدم في كتاب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لزوم الاستغفار له مع تعذر الاستحلال منه.

(مسألة ١٧): ورد في بعض الكفارات المستحبة أن كفارة الطيرة التوكل، وكفارة الضحك أن تقول: اللهم لا تمقتني، وكفارة المجالس أن تقول عند قيامك منها: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين).

١٣٢

الفصل الثاني

في أحكام الكفارات

(مسألة ١٨): لا تثبت الكفارة بفعل شيء من أسبابها إلا إذا كان الفاعل مكلفاً بعدم فعل السبب بأن يكون بالغاً عاقلاً غير مكره إكراهاً رافعاً للتكليف، فإذا قتل الصبي مثلاً مسلماً عمداً أو خطأً فلا كفارة عليه. وكذا إذا اُكره البالغ على الحنث بيمينه.

نعم إذا لم يكن الإكراه رافعاً للتكليف فلا أثر له، بل تجب معه الكفارة، كما إذا اُكره على قتل مسلم، فإن الإكراه لا يسوّغ القتل ولا يسقط كفارته.

(مسألة ١٩): لا تثبت الكفارة بفعل شيء من أسبابها لا عن عمد، بل خطأ أو نسياناً أو جهلاً بالحكم أو الموضوع. إلا كفارة قتل المسلم خطأ على ما تقدم، وكفارة الصيد في الاحرام على ما يذكر في محله.

(مسألة ٢٠): تجب المبادرة إلى أداء الكفارة عقلاً لانها بمنزلة التوبة من الذنب.

(مسألة ٢١): وجوب الكفارات المذكورة تكليف محض، فيجب على المكلف القيام بها من دون أن تكون من سنخ الديون التي تخرج من تركته بعد وفاته. نعم لو أوصى بها خرجت من ثلثه.

(مسألة ٢٢): الكفارات المتقدمة عبادات لابد فيها من نية القربة، فيجري فيها الفروع المناسبة لذلك، المذكورة في محلها كمباحث الوضوء.

(مسألة ٢٣): لما كانت الكفارات من العبادات فهي لا تصح من الكافر

١٣٣

لو تحقق سببها منه وإن وجبت عليه. كما أنه لو أسلم تسقط عنه. وكذا لا تصح من غير المؤمن. لكنه لو استبصر أجزأته كما يجتزئ بسائر عباداته. أما إذا لم يأت بها حتى استبصر فإنها لا تسقط عنه، بل يجب عليه أداؤه. نعم إذا لم يتحقق في حقه شرط ثبوتها فلا شيء عليه، كما إذا أقدم على السبب معتقداً حليته.

(مسألة ٢٤): يكفي في عدم كون المكلف واجداً للرقبة عدم وجدانه من المال ما يفضل عن حاجته وحاجة عياله فعلاً ولا قوة، لعدم قدرته على التكسب بما يزيد على ذلك. وإن كان عدم تيسر العثور على الرقبة في زماننا غالباً يغني عن الكلام في ذلك وفي جميع الفروع المتعلقة به.

(مسألة ٢٥): يكفي في العجز عن الصيام المرض أو الحرج المعتد به إذا لم يرج زوالهما قريب.

(مسألة ٢٦): يكفي في التتابع صوم شهر ويوم، كما تقدم في كتاب الصوم وتقدمت بعض الفروع المتعلقة به. نعم لابد من التتابع التام في صوم كفارة القتل في الحرم أو في الاشهر الحرم عمداً كان أو خط، كما تقدم في الفصل الاول.

(مسألة ٢٧): المراد بإطعام المسكين في الكفارة هو أن يشبعه أو يتصدق عليه بمد من طعام. وقد تقدم في كتاب الصوم الفروع المناسبة لذلك.

(مسألة ٢٨): لا يجوز في إطعام الفقير في الكفارة الدفع لمن تجب نفقته على صاحب الكفارة إلا أن تكون عليه نفقات لا تجب على صاحب الكفارة نظير ما تقدم في الزكاة.

(مسألة ٢٩): المدار في العجز في الكفارة المرتبة على العجز حين إرادة التكفير، فإذا عجز عن المرتبة السابقة فأتى باللاحقة وأتمها ثم قدر على السابقة أجزأه ما أتى به ولا يحتاج للتكفير مرة اُخرى بما قدر عليه من المرتبة السابقة. نعم إذا قدر على المرتبة السابقة قبل إكمال التكفير بالمرتبة اللاحقة فالأحوط

١٣٤

وجوباً عدم الاجتزاء بما أتى به، بل يستأنف التكفير بالمرتبة السابقة، فإذا عجز عن العتق مثلاً فشرع في الصوم ثم قدر على العتق قبل إكمال الصوم أعتق ولم يجتزئ بالصوم الذي وقع منه. نعم تقدم في كفارة الظهار الاجتزاء بالصوم في بعض الصور.

(مسألة ٣٠): من عجز عن بعض الخصال في كفارة الجمع أتى بالباقي، واستغفر بدلاً عما عجز عنه، والأحوط استحباباً أن يتصدق أيضاً بدلاً عنه بما يطيق. بل الأحوط وجوباً مع العجز عن الاطعام فيها أن يصوم ثمانية عشر يوم.

(مسألة ٣١): من عجز في الكفارة المرتبة عن الخصال الثلاث وآخرها إطعام ستين مسكيناً صام ثمانية عشر يوماً عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام. فإن عجز عنها أيضاً لحقه حكم من عجز عن الكفارة من الاجتزاء بالاستغفار بدلاً عنه. والأحوط استحباباً أن يتصدق أيضاً بما يطيق. هذا في غير كفارة الظهار، فقد تقدم الكلام فيها في محله.

(مسألة ٣٢): من كان عليه كفارات متعددة فعجز عن القيام بها كلها أتى بما يقدر عليه منها وجرى على الباقي حكم العجز عن الكفارة. ولا يجري حكم العجز عن الكفارة بالاضافة إلى الجميع، إلا إذا لم يقدر على شيء منه.

(مسألة ٣٣): من عجز عن الكفارة فأتى بالبدل من الاستغفار أو غيره سقطت عن ذمته، فإذا قدر عليها بعد ذلك لم يجب عليه تداركه.

والحمد لله رب العالمين

١٣٥

كتاب الإقرار

وهو إخبار عن حق ثابت على المخبر أو نفي حق له على غيره. وينفذ في حق المقر على نحو لا تسمع منه الدعوى على خلافه، ويقدم على جميع الحجج حتى البينة. ويقع الكلام في شروط نفوذه وأحكامه.

(مسألة ١): يشترط في المقر البلوغ والعقل بالنحو المناسب للرشد في الجهة التي أقر بها من مال أو غيره، فإذا كان رشيداً في جهة دون اُخرى نفذ إقراره في الجهة التي هو رشيد فيها دون الجهة التي ليس رشيداً فيه. فإذا كان رشيداً في الماليات إلا أنه سفيه فيما يتعلق ببدنه لقصور في إدراكه، فلا يهمه مثلاً إتلاف عضو من أعضائه، فأقر بأنه قد قطع يد رجل، لم ينفذ إقراره بنحو يستحق عليه القصاص، بل تثبت الدية لا غير. وقد تقدم في كتاب الحجر تحديد السفه في الماليات بنحو يجري نظيره في غيره. فراجع.

(مسألة ٢): يشترط في المقر أيضاً القصد، فلا ينفذ إقرار النائم والسكران، والساهي والغالط. نعم لما كان السهو والغلط على خلاف الاصل فلابد له من إثباتهم، فإذا لم يثبتهما يحكم بعدمهما ظاهراً فينفذ الاقرار في حق الشاك في تحقق أحدهم، ولا ينفذ في حق العالم بوجوده.

(مسألة ٣): يشترط في المقر أيضاً الاختيار فلا ينفذ الاقرارمن المكره، ولا من المضطر، كما إذا عطش وخاف على نفسه التلف فطلب ماء فامتنع صاحب الماء من أن يعطيه حتى يقر له بأنه قد باعه الدار، فأقر له به، فإن إقراره حينئذٍ لا

١٣٦

ينفذ. نعم لما كان الاكراه والاضطرار على خلاف الاصل فلابد له من إثباتهم، على نحو ما تقدم في المسألة السابقة.

(مسألة ٤): لا يشترط في الاقرار صيغة خاصة، بل يكفي كل ما يدل على ثبوت الحق على المقر للمقر له، أو نفي حقه عليه، ولا يشترط صراحته فيه، بل يكفي ظهوره فيه عرف. بل يكفي الاعتراف بلازم ذلك في ثبوت الملزوم، فإذا ادعى رجل على آخر مال، فادعى الآخر الوفاء، كانت دعواه الوفاء إقراراً منه بسبق استحقاق المدعي للمال عليه، فيلزم بأدائه ما لم يثبت الوفاء. وكذا إذا ادعى الرجل زوجية امرأة فادعت الطلاق، فإن دعواها الطلاق منه إقرار منها بسبق زوجيته له، وهكذ.

(مسألة ٥): إذا لم يتضمن الكلام الاخبار بثبوت الحق أو بلازمه، بل تضمن طلب تصرف يلازم ثبوته، فالظاهر عدم صدق الاقرار عليه بمجرد ذلك، كما إذا رأى في يد زيد عيناً فقال: بعنيه، فإن البيع وإن كان لا يتحقق إلا من المالك إلا أن طلب البيع قد يبتني على كونه صاحب يد محكوم بأنه المالك ظاهر، فلا يقتضي الاقرار بملكيته واقعاً بحيث ليس له بعد ذلك دعوى ملكيته تكذيباً لليد. نعم إذا قامت القرينة على ابتناء طلب البيع على تصديقه في ملكيته مع قطع النظر عن اليد كان ذلك إقرار. بل يجري ذلك حتى في الاخبار بملكية صاحب اليد، فإنه لا يكون إقراراً إلا إذا قامت القرينة على رجوعه إلى الاخبار بالملكية واقعاً مع قطع النظر عن اليد.

(مسألة ٦): لا يشترط في الاقرار اللفظ، بل يكفي كل ما يدل على الاخبار بثبوت الحق أو نفيه من إشارة أو كتابة أو غيرهم.

(مسألة ٧): يشترط في المقر به أن يكون حقاً للمقر له، بحيث له مطالبة المقر وإلزامه به، كالاعيان والمنافع الخارجية والذمية المملوكة والحقوق كحق

١٣٧

الخيار والاستمتاع والانفاق ونحوه. فلو لم يكن كذلك فلا أثر للاقرار به، كما لو أقر أنه قد حلف أن يدفع لزيد عشرة دنانير أو نذر أن يكسوه كسوة الشتاء، لأن اليمين والنذر إنما يجب الوفاء بهما لله تعالى، من دون أن يثبت بهما حق للشخص الذي ينتفع بمضمونهم. وكذا إذا أقر أن عليه حقاً شرعي، فإن ذلك لا يصحح للفقير المطالبة به، لأن الحق ليس ملكاً للفقير، بل هو مصرف له، فليس له المطالبة به إذا لم يدفع له. نعم لو تمت ولاية الحاكم الشرعي على الحق كان له المطالبة به نيابة عن صاحبه.

(مسألة ٨): إذا أقر بثبوت الحق عليه بسبب باطل لم يثبت شيء، كما لو قال: لزيد عليّ ألف دينار من ثمن خمر أو خنزير أو دين ربوي أو نحو ذلك. نعم لو أطلق الاقرار بثبوت الحق، ثم ادعى أن ثبوته كان بسبب باطل، ثبت الحق كما أقر، ولم تسمع منه دعوى بطلان السبب. وهكذا الحال في الاقرار بنفي حقه، كما لو قال: ليس لي عليه شيء بسبب إبرائي لذمته من الدين قبل بلوغي.

(مسألة ٩): لو أقر بدين مؤجل ثبت ما أقر به، ولم يستحق المقر له المطالبة قبل الأجل، إلا أن يثبت المقر له عدم التأجيل في الدين. بخلاف ما لو أقر بالدين وأطلق ثم ادعى التعجيل، فإن مقتضى الاصل في الحق التعجيل إلا أن يثبت من عليه الحق تأجيله.

(مسألة ١٠): المتبع في تحديد الحق المقر به ظاهر كلام المقر المستفاد من إطلاقه أومن القرائن الحالية والمقالية المحيطة بكلامه، فإن ادعى خلاف ذلك لم يسمع منه. إلا أن يقر المقر له بما يشهد بمخالفة ظاهر كلام المقر الاول للواقع. كما لو أقر زيد لعمرو بألف دينار، فإنه يحمل على عملة البلد عملاً بظاهر الكلام ما لم يقر عمرو بأن سبب الاستحقاق عقد قد تضمن التقييد بعملة اُخرى غير عملة البلد، وكذا إذا ادعى وجود القرينة الصارفة عن مقتضى الظهور الاولي،

١٣٨

فإن الدعوى المذكورة تسمع منه ويطالب بإثباته.

(مسألة ١١): إذا أقر بعين تحت يده محكومة بأنها ملكه لشخصين في كلامين لا تعلق لاحدهما بالآخر حكم بأنها لمن أقر له أول. وحينئذٍ إن كذبه الثاني في إقراره بها للاول كان له أن يقيم الدعوى على الاول وإثبات أنها له فينتزعها من الاول إن تيسر له ذلك، وإن لم يتيسر له ذلك كان له أن يقيم الدعوى على المقر بأنه قد تعمد حرمانه منها بإقراره بها للاول، بنحو يكون مفرطاً فيه، فيضمنها له وكذا إذا كان المقر قد سلمها للاول اختيار، حيث يضمنها بعدم تسليمها للثاني الذي هو مالكها بمقتضى إقراره له. أما إذا لم يتيسر له أحد الامرين فلا شيء له على المقر، كما إذا كان إقراره الاول عن خطأ منه أو ادعى هو ذلك من دون أن يتيسر للثاني تكذيبه فيه، وكان دفع العين للاول بإلزام من الحاكم الشرعي أو كان الاول قد انتزعها منه إرغاماً من دون أن يكون هو قد فرط بتسليمها له.

(مسألة ١٢): إذا أقر بعين تحت يده لشخصين في كلام واحد، فإن كان بنحو يظهر في العدول من الاقرار بها للاول إلى الاقرار بها للثاني كان بحكم المسألة السابقة، كما إذا قال: هذا الثوب لزيد، كلا قد نسيت هذا لعمرو. وإن كان بنحو الاضراب الظاهر في الغلط وسبق اللسان حكم بها لمن أقر له بها ثاني، كما إذا قال: هذه الدنانير لزيد، بل لعمرو. وحينئذٍ إن كذبه الاول في إقراره بها للثاني كان له أن يقيم الدعوى على الثاني وإثبات أنها له فينتزعها منه إن تيسر له ذلك، وإن لم يتيسر له كان له أن يقيم الدعوى على أن المقر قد تعمد الاقرار بها له أولاً حقيقة ثم عدل للاقرار بها للثاني ليحرمه منه، وليس ما صدر منه من الخطأ وسبق اللسان، كما هو ظاهر الكلام، فإن تم له إثبات ذلك حكم بها للمقر له أولاً وجرى حكم المسألة السابقة، وإن لم يتم له إثبات ذلك أيضاً فلا شيء له.

١٣٩

(مسألة ١٣): لو أقر بما يتردد بين الاقل والاكثر ثبت الاقل واُلزم به، دون الاكثر.

(مسألة ١٤): لو أقر لشخص بأمر مبهم كلف الخروج عنه بدفع ما يصلح تفسيراً له، فإذا قال: له علي مائة، وترددت المائة بين اُمور، كلف بدفع مائة مما يصلح لأن يملك ويفسر به إقراره.

(مسألة ١٥): لو أقر لشخص مبهم فإن كان مردداً بين أشخاص بعضهم لا يصلح للمطالبة بالحق لغيبة أو لكونه تحت ولاية المقر أو غير ذلك، فلا يلزم بإقراره. وإن كان مردداً بين أشخاص كلهم يصلح للمطالبة بالحق فإن فسر المبهم وعينه قبل منه، وإن لم يفسره لم يكن لكل منهم المطالبة بالامر المقر به ولا بالتفسير. نعم لهم أن يوكلوا شخصاً واحداً - منهم أو من غيرهم - بالمطالبة بإيصال الامر المقر به لصاحبه الواقعي، فله أن يلزمه بذلك، ولا يتسنى له ذلك إلا بتفسير المبهم وتعيين صاحب الحق.

ثم إن فسر صاحب الحق وعينه بشخص خاص حينئذٍ أو من أول الامر، فإن لم يعترض غيره أخذ ذلك الشخص الامر المقر به، وإن اعترض غيره كان خصماً له لا للمقر، فإن أقام البينة على أنه صاحبه انتزعه منه، وإلا كان له على ذلك الشخص اليمين، فله أن يحلف اعتماداً على الاقرار، إلا أن يعلم بخطأ الاقرار أو كذبه فلا يحق له التعويل عليه في أخذ الامر المقر به فضلاً عن اليمين عليه.

(مسألة ١٦): إذا أقر إقراراً يلزم شرعاً بظاهر الحال ثم ادعى أن إقراره لم يكن بداعي بيان الواقع، فإن رجع ذلك إلى خلل في شروط الاقرار، كما لو ادعى الاكراه أو الاضطرار أو الغلط، سمعت دعواه وكان عليه الاثبات، فإن لم يثبت نفذ الاقرار في حقه. وإن رجع إلى كذب الاقرار من دون خلل في شروطه لم تسمع دعواه، كما إذا أقر بالبيع أو بقبض الثمن وأشهد على إقراره، ثم ادعى

١٤٠