منهاج الصالحين - المعاملات الجزء ٣

منهاج الصالحين - المعاملات0%

منهاج الصالحين - المعاملات مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 333

منهاج الصالحين - المعاملات

مؤلف: السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 333
المشاهدات: 67925
تحميل: 4015


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 67925 / تحميل: 4015
الحجم الحجم الحجم
منهاج الصالحين - المعاملات

منهاج الصالحين - المعاملات الجزء 3

مؤلف:
العربية

ابتناء إقراره على المواطأة مع الطرف الآخر من أجل تنظيم المعاملة رسمياً وتثبيت شهادة الشهود عليها من دون أن يتحقق المقر به بعد في الواقع. ومجرد تعارف ذلك بين الناس وكثرة وقوعه لا يكفي في سماع الدعوى بعد رجوعها إلى تكذيب الاقرار.

(مسألة ١٧): الاقرار حجة في حق كل أحد، ولا تختص حجيته بالحاكم الشرعي، ولا يتوقف نفوذه في حق غيره على حكمه.

(مسألة ١٨): الاقرار حجة ظاهرية، إنما ينفذ مع احتمال الصدق، فلو علم بكذبه لم ينفذ ولم يجز ترتيب الاثر عليه. نعم هو مقدم على جميع الحجج الظاهرية.، بل لا تسمع معه الدعوى على خلافه من المقر، كما تقدم.

(مسألة ١٩): إذا أقر لشخص بشيء فإن صدقه المقر له أو قال: لا أعلم، نفذ الاقرار. وإن كذبه لم ينفذ لتعارض الاقرارين المسقط لهما عن الحجية، وحينئذٍ يرجع للحجج الاُخرى المتأخرة عن الاقرار، كالبينة واليد والاصل.

تتميم..

يقبل الاخبار من بعض الاشخاص في بعض الموارد كحجة معتبرة، وقد يطلق عليه في كلماتهم الاقرار. لكنه ليس إقراراً بالمعنى المتقدم، لعدم ابتناء قبوله على تضمنه الاعتراف بحق على المقر..

منها: إخبار الانسان عما تحت يده مما ليس ملكاً له كالامانة والمغصوب، فإنه يرجع إليه في أمره ويقبل قوله فيه، فإذا أقر بأنه ملك لانسان حكم له به، وكذا إذا أخبر بأنه وقف أو حق شرعي أو نحو ذلك. بل لو أخبر بأنه محقوق لغير المالك قبل منه، كما لو ادعى أنه رهن على دين أو مستأجر إلى أجل أو

١٤١

نحوهم. وكذا إذا ادعى أنه عارية أو وديعة إلى غير ذلك. نعم إذا كذبه المالك أو من أقر هو بأنه المالك كان قوله مقدم. كما أن حجية خبره فيه ليس كحجية الاقرار الذي سبق أنه يقدم على جميع الحجج، بل تقدم البينة عليه، كما يقدم عليه قول من ثبت سبق يده عليه.

ومنها: أن من كان له السلطنة على شيء يقبل منه إخباره به في الظاهر، كإخبار الزوج بطلاق زوجته، وإخبار الولي أو الوكيل بفعل ما له الولاية عليه أو وكل فيه، وإخبار الاجير على تفريغ ذمة الغير بإتيانه بالعمل المستأجر عليه، إلى غير ذلك. وهو المعروف عند الفقهاء«رض» بأن من ملك شيئاً ملك الاقرار به. نعم يمكن رفع اليد عنه بحجة منافية، كالبينة.

ومنها: الاقرار بالنسب، حيث يقبل في بعض الموارد على ما تقدم في فصل أحكام الاولاد من كتاب النكاح، مع أنه قد يستلزم أحكاماً ليست من سنخ الحقوق الثابتة على المقر، كميراث المقر ومن يتقرب به ممن يدعي بنوته، وميراث الولد المدعى من المقر وممن يتقرب إليه به... إلى غير ذلك من الموارد التي يقبل فيها إخبار الانسان من دون أن يكون إقراراً بالمعنى المتقدم.

والحمد لله رب العالمين

١٤٢

كتاب الغصب

وهو العدوان على ملك الغير واستلابه بدون حق شرعي، بل لمجرد القدرة عليه، وبه يخرج الانسان عن إنسانيته الفاضلة إلى حيوانيته وبهيميته، حيث يقهر القوي الضعيف من دون أن يصغي إلى وازع من ضمير ولا يرتدع برادع من دين.

وقد حرمه الله تعالى استصلاحاً للانسان، وتنظيماً للعلائق بين أفراده بما يناسب إنسانيته. بل تقدم في كتاب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر أن من الكبائر حبس الحقوق، وفي الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «من أخذ أرضاً بغير حق كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر»، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «أعظم الخطايا اقتطاع مال امرئ مسلم بغير حق». بل في آثاره في الدنيا ما يصلح أن يكون رادعاً لذي الرشد والحج، فعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «الحجر الغصب في الدار رهن على خرابه».

ويلحق به في أكثر الاحكام في محل الكلام الاستيلاء على مال الغير بغير حق لا بنية العدوان، بل خطأ أو لتخيل الاستحقاق، كالمقبوض بالعقد الفاسد ونحوه. ومن ثم يكون موضوع الكلام هنا ما يعم ذلك، وهو الاستيلاء على مال الغير من دون استحقاق واقعي، سواءً كان على وجه الظلم وبنحو العدوان أم مع العذر. وإذ اختص بعض الاحكام بصورة العدوان أشرنا إلى اختصاصه به عند التعرض له.

١٤٣

(مسألة ١): يحرم غصب المال المملوك والذي يختص بجهة معينة، كالحق الشرعي والمال الموقوف وغيره. بل يحرم غصب المال غير المملوك لمحترم المال إذا كان فيه حق الاختصاص بتحجير ونحوه. نعم لا يحرم غصب مال من لا يحترم ماله والمال المملوك لمحترم المال إذا سقطت حرمته ووجب عليه إتلافه فلم يتلفه.

(مسألة ٢): يحرم غصب الحر إذا كان محترم الدم وكان في غصبه منافاة لسلطنته إذا كان كاملاً تام السلطنة، أو لسلطنة وليه عليه إذا كان قاصراً مولى عليه. نعم لا يضمن بمجرد الغصب، بل بالاتلاف. وإنما تضمن منافعه التي يستوفيها الغاصب كما لو استخدمه. وأما التي لم يستوفها فلا ضمان لها إلا أن يكون أجيراً مملوك المنفعة لشخص آخر ففي الضمان إشكال.

(مسألة ٣): يتحقق غصب الانسان للعين باستيلائه عليه، بحيث تكون في حوزته. ولا يكفي فيه منعه للمالك من الاستيلاء عليه، كما لو منع المالك من إمساك دابته فشردت أو تلفت أو غصبت، فإنه لا يكون غاصباً بذلك ما لم يستول هو عليه. نعم يكون ضامناً لها إذا استند تلفها إليه عرف، كما لو اندفعت فأمسكها المالك ففتح يد المالك أو قطع الحبل فاسترسلت حتى تردت. وكذا لو كان المالك قد ربطها ففك الرباط أو قطع الحبل، بخلاف ما إذا فك الرباط أو قطع الحبل فلم تندفع بل وقفت ثم مشت حتى تردَّت أو تلفت بسبب آخر كغرق أو أكل سبع أو نحوهم. ويأتي في آخر كتاب القصاص والديات التعرض لاسباب الضمان. وعلى كل حال فالضمان حينئذٍ ليس للغصب، بل للاتلاف.

(مسألة ٤): لا فرق في تحقق الغصب بالاستيلاء بين الاعيان المنقولة والثابتة، كالدار والعقار والبستان وغيره.

(مسألة ٥): لا يتحقق غصب العين بمجرد التصرف فيها من دون استيلاء عليها واستقلال به، كما لو دخل الدار أو صعد في السيارة أو جلس

١٤٤

على الفراش، بل غاية الامر أنه يكون غاصباً للمنفعة، فيضمنها لو كان لها مالية، من دون أن يضمن العين ذات المنفعة.

(مسألة ٦): إذا سكن شخص مع المالك في الدار مراغماً له فلذلك صور..

الاُولى: أن يشغل موضعاً من الدار من دون أن يستقل به ولا بالدار، بل يبقى الاستقلال للمالك، بحيث يستطيع المالك نقله من موضع لآخر، نظير النزيل في الفندق. وفي ذلك لا يكون غاصباً للدار بل لمنفعتها لا غير.

الثانية: أن يستقل بالقسم الذي يسكنه بحيث يفقد المالك السيطرة عليه مع بقاء سيطرته على الباقي منه. وحينئذٍ يكون غاصباً للقسم الذي استولى عليه دون الآخر، وإذا كان هناك موضع مشترك بينهما يلحقه ما يأتي.

الثالثة: أن لا يختص كل منهما بشيء منه، بل يشتركان في الاستيلاء على تمام الدار، كالشريكين. وفي صدق الغصب هنا لعين الدار إشكال، كالاشكال في ضمانه، والمتيقن صدق الغصب بالاضافة إلى المنفعة وضمانه.

الرابعة: أن يستولي على تمام الدار ويستقل به، ويكون المالك هنا كالغاصب في الصورة الاُولى. وحينئذٍ يكون غاصباً لتمام الدار، ولما يستوفيه هو من منافعه، دون ما استوفاه المالك من منافعه.

وتجري الصور الاربع فيما إذا غصبت الدار من المالك وأشغلها أكثر من واحد، فإن ضمان كل منهم تابع لاستيلائه على ما فصل في الصورة المذكورة. وتجري أحكامها عدا الصورة الثالثة، فإن الغصب فيها يستند للمجموع لا لكل واحد، فيكون ضمان الدار عليهم بنحو التوزيع.

(مسألة ٧): لا وكالة في الغصب، فإذا باشر الوكيل الغصب كان هو الغاصب والضامن دون الموكل. إلا أن يباشر الموكل الغصب بنفسه أيض.

(مسألة ٨): العين المغصوبة مضمونة على الغاصب بمجرد وضع

١٤٥

يده عليه، سواءً كان معتدياً في ذلك أم ل. فيجب عليه ردها إلى مالكها مع وجودها وإن كان شاق. وإذا استلزم صرف مال كان عليه.

(مسألة ٩): إذا حدث في العين عيب أو نقص كان مضموناً على الغاصب فيدفع مع العين الارش، وهو فرق ما بين الصحيح والمعيب بحسب القيمة السوقية. نعم الارش الشرعي مع تلف عين الدابة هو ربع قيمته.

(مسألة ١٠): إذا زادت العين عند الغاصب زيادة متصلة - كالسمن - أو منفصلة - كالبيض واللبن - كانت للمالك مضمونة على الغاصب فيجب عليه ردها مع العين أو رد بدلها لو كانت قد تلفت. نعم لو لم يستول الغاصب على الزيادة ولم تصر تحت يده لم يضمنه، كما لو طار الطائر المغصوب من الغاصب، فتكونت فيه بيضة وباضها ثم رجع للغاصب. بل يكون الضمان على من يستولي على الزيادة المذكورة.

(مسألة ١١): إذا استحالت العين المغصوبة في يد الغاصب كالبيضة تصير فرخاً والحب يصير زرع، فالامر المستحال إليه للمالك، فإن نقصت قيمته عن الاصل كان على الغاصب الارش. وكذا الحال لو انقلب الخل خمراً ثم انقلبت الخمر خل.

(مسألة ١٢): إذا ارتفعت قيمة العين بأمر أحدثه الغاصب فيه، و كانت الزيادة بسبب إضافة عين - كما لو وضع للثوب أزراراً - كان له انتزاعها ما لم يضر بالعين المغصوبة، فإن كان مضراً بها فالأحوط وجوباً حينئذٍ التصالح مع المالك والاتفاق معه إما على أخذ المالك الزيادة بقيمته، أو إبقائها في العين بانتظار بيعها ودفع ما يقابل الزيادة من الثمن لمالكه، أو انتزاع الغاصب عينه وضمان نقص العين المغصوبة أو غير ذلك.

(مسألة ١٣): إذا ارتفعت قيمة العين بأمر أحدثه الغاصب وكانت

١٤٦

زيادتها مسببة عن حدوث صفة - كصبغ الثوب أو غسله وتجفيف الطعام أو طبخه وصياغة الذهب - فلا شيء للغاصب، بل يجب عليه دفع العين للمالك، وكذا إذا كان مسبباً عن عين لا تميز لها في مقابل العين المغصوبة، بل تعد عرفاً تالفة فيها كالدهن في الطعام. نعم إذا لم يكن الغاصب معتدياً بل أخذ العين وتصرف فيها بتخيل الاستحقاق، فالظاهر أنه يملك نتيجة عمله ولا يجوز لمالك العين تفويته عليه، فإذا بيعت العين كان له من الثمن ما يقابل الصفة ونحوها بالنسبة. فإذا كانت قيمة الذهب مثلاً عشرة وقيمة الصياغة خمسة، فبيعت العين مع الحفاظ على النسبة كان له من الثمن الثلث.

(مسألة ١٤): إذا زرع الغاصب الارض المغصوبة أو بنى فيها كان عليه اُجرة الارض في المدة المذكورة وله زرعه وبناؤه وللمالك أمره بقلعه وإن تضرر بذلك، وعليه الارش للمالك لو تضررت الارض بحفر أو أملاح أو نحوهم. نعم إذا لم يكن الغاصب معتدي، بل تصرف في العين بتخيل الاستحقاق كان له إلزام صاحب الارض بإبقاء ما جعله فيها بالاُجرة، إلا أن يتضرر صاحب الارض فله قلعه حينئذٍ، أو يصطلحان على وجه آخر.

(مسألة ١٥): إذا امتزجت العين المغصوبة عند الغاصب بمال للغاصب امتزاجاً رافعاً للتمييز بينهما عرف، جرى على المالين حكم الشركة، كما يظهر مما تقدم في كتاب الشركة. والظاهر أن حصة كل منهما من المجموع بنسبة قيمة كل من المالين لقيمة المجموع، لا بنسبة مقدار ماله لمقدار المجموع، فإذا تساوى المالان قدراً وكانت قيمة مال أحدهما ضعف قيمة مال الآخر كان لصاحب الاول الثلثان ولصاحب الثاني الثلث. وإن اشتبهت القيمة لزم الرجوع للصلح. وحينئذٍ إن نقصت قيمة المال المغصوب بسبب الامتزاج كان الغاصب ضامناً للنقص. كما أنه إن أمكن الفصل بين المالين كان للمالك مطالبة الغاصب به فيجب عليه القيام به، وإن استلزم صرف مال كان عليه، وإن تعذر فالظاهر

١٤٧

عدم استحقاق المالك إلزام الغاصب بدفع البدل، خصوصاً إذا رفع الغاصب يده عن ماله وأباحه له.

هذا كله إذا كان الغاصب معتدي، أما بدون ذلك فليس للمالك إلزامه بتمييز المالين إذا استلزم صرف مال، نعم له القيام بذلك بنفسه.

(مسألة ١٦): إذا نزلت قيمة العين السوقية من دون نقص فيها لم يكن على الغاصب شيء، بل يكفيه دفع العين.

(مسألة ١٧): لما كانت العين المغصوبة مضمونة على الغاصب فاللازم عليه مع تلفها رد بدلها على المالك.

(مسألة ١٨): إذا كانت العين قيمية فبدلها عند تلفها قيمته، فإن اختلفت باختلاف الاوقات كان على الغاصب قيمة يوم الغصب. هذا إذا كان الاختلاف في القيمة لاختلاف مالية العين المضمونة بسبب عزة وجودها في وقت وكثرته في وقت آخر أو نحو ذلك.

أما إذا كان بسبب اختلاف قيمة النقد الذي يكون التعويض به - كما شاع في عصورنا - فاللازم مراعاة مقدار مالية العين حين الغصب ودفع ما يقابلها من النقد حين التعويض.

(مسألة ١٩): إذاكانت العين مثلية فبدلها عند تلفها مثلها وإن توقف تحصيل الغاصب له على شرائه بأكثر من قيمته وجب عليه ذلك. وإن تعذر عليه تحصيله وجب عليه دفع قيمته حين الدفع.

(مسألة ٢٠): القيمي هو الذي تنسب القيمة فيه لشخصه، فيقال: هذا قيمته كذ، كما في كثير من المصنوعات اليدوية والحيوانات والاشياء المستعملة، والمثلي هو الذي تنسب القيمة فيه لنوعه من دون خصوصية للفرد الخاص، فيقال: هذا النوع قيمته كذ، كما في الذهب والفضة والحبوب والقطن

١٤٨

ومنتوجات المعامل الحديثة ذات الماركات الخاصة. وقد تقدم نظير ذلك في الفصل الخامس من كتاب الاجارة.

(مسألة ٢١): كما يجب على الغاصب دفع بدل العين المغصوبة عند تلفها كذلك يجب عليه دفع بدلها إذا لم تتلف لكن تعذر دفعها لغرق أو سرقة أو ضياع أو نحوه، إذا طالب المالك بالبدل ولم يرض بالانتظار. والأحوط وجوباً له حينئذٍ إن كانت قيمية مراعاة أكثر الامرين من ماليتها يوم الغصب وماليتها يوم الاداء. وحينئذٍ إن دفع البدل ورضي المالك به صارت العين للغاصب، فلو قدر عليها بعد ذلك لم يجب عليه تسليمها للمالك.

(مسألة ٢٢): كما يضمن الغاصب العين المغصوبة يضمن ما استوفاه من منافعه، كما لو سكن الدار أو ركب السيارة أو الدابة أو لبس الثوب أو غير ذلك. إلا في الوقف فقد تقدم عدم ضمان المنافع المستوفاة في بعض أقسامه. فراجع.

(مسألة ٢٣): لا يضمن الغاصب المنافع المستوفاة من قبل غيره، بل يضمنها المستوفي له، سواءً كان استيفاؤه لها بإذن الغاصب أم بدونه. إلا أن يكون المستوفي غير مستقل بالادراك بحيث يكون عرفاً كالالة بيد الغاصب ولا ينسب الاستيفاء له، بل للغاصب، كالطفل غير المميز.

(مسألة ٢٤): لا يضمن الغاصب المنافع غير المستوفاة، كما لو كانت العين المغصوبة ذات منافع لها مالية وقد عطلها الغاصب.

(مسألة ٢٥): إذا تعاقبت الايدي على العين المغصوبة - كما لو باع الغاصب العين على غيره، أو غصبها منه غاصب - وجرت هكذا على أيدي كثيرة كان الكل ضامن، وكان للمالك الرجوع عليهم جميع، كما لو كانت العين لعلي فغصبها منه زيد فصارت منه لعمرو، ومن عمرو لبكر، ومن بكر لخالد، ومن خالد لعباس وهكذ. ويجوز له أيضاً الرجوع على متلف العين بالمباشرة أو

١٤٩

بالتسبيب وإن لم يكن غاصب، لعدم وضع يده على العين. ويأتي الكلام في تحديد المتلف بالمباشرة والتسبيب عند الكلام في أسباب الضمان من كتاب القصاص والديات إن شاء الله تعالى.

(مسألة ٢٦): مع تعاقب الايدي على العين المغصوبة إن رجع المالك على السابق - كزيد في المثال السابق - كان على السابق انتزاع العين ممن بعده ودفعها للمالك، فإن تعذر ذلك أو كانت العين تالفة كان عليه دفع البدل للمالك على ما تقدم.

وأما حكمه مع مَن بعده ممن غصب العين أو أتلفها من دون أن يغصبها فله صور..

الاُولى: أن يكون من بعده قد أخذ العين منه مضمونة عليه بعقد، كما لو كان قد باعها منه. وحينئذٍ يتعين بطلان العقد ورجوع البدل لصاحبه ورجوع الذي ضمن العين للمالك على الشخص المذكور بالعين مع وجوده، وببدلها مع فقده، حتى لو زاد البدل عن البدل الذي تضمنه العقد الباطل، إلا أن يكون ذلك الشخص مغروراً أو مخدوعاً من قبله بأن كان هو يعلم بالحال وأخفاه عليه، فله حينئذٍ أن يرجع بالزيادة عليه، ويقتصر على مقدار الثمن.

الثانية: أن يكون ذلك الشخص قد أخذ العين بدون إذنه. وحينئذٍ يتعين رجوعه عليه بالعين مع وجودها وببدلها مع فقده.

الثالثة: أن يكون ذلك الشخص قد أخذ العين منه مجاناً بنحو غير مضمن، كما لو وهبه إياها أو أودعها عنده. وحينئذٍ يرجع الذي ضمن للمالك عليه بالعين مع وجوده، وفي رجوعه ببدلها مع تلفها إشكال، إلا أن يكون قد أخذها على وجه الامانة وفرط فيه، فيرجع حينئذٍ ببدله.

(مسألة ٢٧): حكم الشخص الذي يضمن للسابق مع من بعده ممن صارت العين عنده أو أتلفها حكم السابق الذي ضمن للمالك معه، فلذلك

١٥٠

الشخص مع ضمانه للسابق الرجوع على من بعده. وهكذا كل من رجع إليه من قبله له أن يرجع على من بعده. ففي المثال السابق إذا رجع زيد بعد الضمان للمالك على عمرو أو بكر كان لعمرو أو بكر الرجوع على خالد مثلاً فإذا ضمن خالد كان له الرجوع على عباس وهكذ، وتجري في اللاحق الصور الثلاث المتقدمة.

(مسألة ٢٨): مع تعاقب الايدي على العين المغصوبة إن رجع المالك على من عدا الاول فدفع له العين مع وجودها وبدلها مع تلفها كان له الرجوع على من بعده - كما تقدم - ولم يكن له الرجوع على من قبله، إلا أن يكون قد أخذها منه بعوض فله الرجوع بالعوض لبطلان المعاوضة. وكذا إذا كان مغروراً مخدوعاً من قبله، فإنه يرجع عليه بما غرم للمالك من قيمة العين والمنافع التي استوفاه. وكذا يرجع بما أنفقه على العين من طعام أو حراسة أو غيرهم. أما لو لم يكن مغروراً من قبله - لجهل المأخوذ منه بالغصبية أو لعلم الاخذ بها وإقدامه معها - فلا يرجع عليه بشيء غير العوض.

(مسألة ٢٩): من أخذ العين المغصوبة من الغاصب - مجاناً أو بعوض ليس له إرجاعها له ولا تبرأ ذمته بذلك، بل لابد من إرجاعها لمالكه، فإن جهل المالك جرى عليها حكم مجهول المالك، الذي أشرنا إليه في مقامات متعددة ويأتي في آخر كتاب اللقطة.

(مسألة ٣٠): لا يجوز شراء المغصوب من الغاصب ولا التصرف فيه إلا بإذن المالك أو من يقوم مقامه - كالوكيل والولي - ولا يسوغ الدخول فيه بغير إذنه صلة للرحم أو لشراء بضاعة لا توجد إلا فيه أو للتداوي أو غير ذلك من موارد الحاجة العرفية، إلا أن يبلغ الامر حدّ الاضطرار المسوّغ للحرام. نعم لا بأس بالدخول في الاراضي المكشوفة غير المسورة وإن كانت مغصوبة.

(مسألة ٣١): يجوز للمالك انتزاع العين المغصوبة من الغاصب، وإذا

١٥١

امتنع لدعواه استحقاق المغصوب كان له رفعه للحاكم الشرعي، وإذا امتنع من الترافع له كان له انتزاعها منه قهراً عليه وإن استلزم التصرف في ماله - بمثل دخول الدار وفتح القفل - أو الترافع لحاكم الجور بل له التصرف بإتلاف ماله إذا توقف عليه تحصيل العين المغصوبة بمثل كسر القفل ونقب الجدار ووطء الزرع وقتل كلب الحراسة، مع الاقتصار على ما هو الاقل خسارة فالاقل، ولا ضمان حينئذٍ. نعم إذا توقف ذلك على بذل مال من مالك العين المغصوبة أو غيره لم يكن لباذله مطالبة الغاصب به.

(مسألة ٣٢): إذا تعمد الغاصب الغصب فوقع له مال عند مالك العين المغصوبة كان لمالك العين المغصوبة أن يأخذ من ذلك المال بمقدار حقه من باب المقاصة، التي تقدم الكلام فيها وفي شروطها في آخر كتاب الدين، وعليه رد الزائد له. وإذا توقف استيفاء الحق على بيع المال الذي وقع في يد المغصوب منه فالأحوط وجوباً استئذان الحاكم الشرعي فيه.

والحمد لله رب العالمين

١٥٢

كتاب إحياء الموات

الأرض على قسمين..

الأول: الارض العامرة ببناء أو زرع، فإن كانت مملوكة لشخص بالاحياء أو الشراء فهو، وإن لم تكن مملوكة - كالغابات - فهي تملك بالسبق إليها وحيازتها بقصد التملك، كسائر المباحات الاصلية.

الثاني: الأرض الميتة، وهي الخالية من البناء والزرع. وهي محل الكلام في المقام.

(مسألة ١): يجوز إحياء الارض الميتة بالاصل ويجري عليها بالاحياء حكم الملك سواءً كان المحيي لها مسلماً - مؤمناً أو مخالفاً - أم كافر.

(مسألة ٢): لا تملك الارض الميتة بغير الاحياء كالتسجيل في الطابو هبة من الدولة أو شراء منه، بل تبقى على إباحتها الاصلية، فيجوز لكل أحد تملكها بالاحياء وليس لمن سجلت الارض باسمه حق منعه منه، فضلاً عن إزالة بنائها ونحوه مما يتحقق به الاحياء، نعم لا يجب عليه أن يتنازل للمحيي في دائرة الطابو، بل له الامتناع منه وأخذ مال في مقابله. وعلى ذلك لا يجوز لمن سجلت الارض باسمه من دون إحياء بيع الارض ما دامت ميتة، إذ لابد في المبيع من كونه مملوكاً للبائع. نعم له أن يأخذ المال في مقابل التنازل لدافعه في دائرة الطابو.

١٥٣

(مسألة ٣): الارض المملوكة إذا ترك المالك عمارتها حتى خربت جاز لغيره عمارته، سواء لم يكن لها مالك عرفاً - كأراضي الاُمم السالفة التي لا بقية لها معروفة - أم كان لها مالك معلوم أو مجهول، وسواء كان المالك الاول قد تملكها بالاحياء أم بغيره، كالارث والشراء ونحوهم، وسواء كان الترك للاعراض عن نفس الارض أو عن عمارتها أم للعجز عن العمارة أم لدواع اُخر، كالانشغال بما هو أهم. نعم لابد من مضي مدة معتد به، بحيث يصدق بأنه أخربه.

(مسألة ٤): إذا كان ترك المالك عمارتها حتى خربت بسبب منع ظالم من عمارتها فالظاهر عدم جواز إحيائها بغير إذن المالك. إلا أن يستمر الخراب بعد ارتفاع المنع، بحيث يصير بوسعه أن يحييه، فيترك إحياءه، فيجوز حينئذٍ لغيره إحياؤه. وأولى بالجواز ما إذا صار ذلك سبباً في الاعراض عن الارض.

(مسألة ٥): الأحوط وجوباً عدم مزاحمة المالك الاول إذا أراد السبق لاحياء الارض التي تركها حتى خربت، فلا يسابقه غيره في الاحياء. نعم إذا أحياها غيره فليس له المطالبة بها ليحييها هو، بل الحق للثاني وحده.

(مسألة ٦): الأحوط وجوباً عدم إحياء الارض إذا كان عدم إحياء المالك الاول لحاجة له في الارض غير الاحياء، كما لو أراد أن ينتفع بحشيشها أو قصبها أو يجعلها مرعى لانعامه أو نحو ذلك مما لا يصدق معه أنه ترك الارض.

(مسألة ٧): ما في الارض الخربة من الاخشاب والاحجار والحديد واُصول الشجر وغير ذلك إن اُحرز إعراض مالكه عنه جاز تملكه، وكذا إذا كان تابعاً لارض خربة قد باد أهلها أو انجلوا عنه. وفي غير ذلك لا يجوز تملكه، بل لابد من مراجعة مالكه مع معرفته والفحص عنه مع الجهل به، ومع اليأس من العثور عليه يجري عليه حكم مجهول المالك الذي يأتي في آخر كتاب اللقطة.

(مسألة ٨): الاوقاف إن كانت في القرى القديمة التي خربت وباد أهله

١٥٤

أو انجلوا عنها تملك بالاحياء. أما في غير ذلك فهي باقية على الوقفية، ومع الجهل بوجه الوقفية يجري ما تقدم في كتاب الوقف.

(مسألة ٩): يشكل ملكية الارض بالاحياء إذا كان الاحياء لا بقصد حيازة الارض وتملكه، بل كان لمجرد قضاء وطر منه، كما لو زرع الخارج للنزهة أيام الربيع في الارض زرعاً ليأكل منه في وقت نزهته، أو بنى فيها بناء لينتفع به موقت. نعم لا إشكال في تملكه لها بعد الاحياء بمجرد الحيازة بقصد التملك، نظير ما تقدم في الغابات.

(مسألة ١٠): لا يشترط في حصول الملك بالاحياء المباشرة، بل يكفي التوكيل فيه، فإذا أحيى الوكيل الارض للموكل مجاناً أو بثمن ملكها الموكل. وكذا الحال للولي بالاضافة للمولى عليه، نعم في كفاية التبرع عن الغير في الاحياء ابتداءً من دون توكيل في ملكية المتبرع عنه إشكال، بل منع. وحينئذٍ يشكل ملكية المحيي لها أيض، لانه لم يقصد التملك، كما يظهر مما تقدم.

(مسألة ١١): إحياء الارض عبارة عن فعل ما يصدق معه إعمارها عرفاً كجعلها مزرعة أو داراً أو محلاً تجارياً أو مخزناً للحبوب أو حظيرة للحيوانات أو غير ذلك، ومع عدم حصول شيء من ذلك لا إحياء. نعم قد يتحقق التحجير الذي يأتي الكلام فيه.

(مسألة ١٢): من ملك أرضاً بالاحياء أو غيره يثبت له الحق في حريمها كالطريق والنهر والمرعى ونحو ذلك مما يتوقف عليه الانتفاع بها بالوجه المعدة له على ما يأتي تحديده، فلا يجوز لغيره تملكه بالاحياء ولا بالتصرف تصرفاً ينافي الوجه المطلوب من الحريم.

(مسألة ١٣): حد الطريق المبتكر مع التشاح خمسة أذرع - تقارب المترين ونصفاً - ويستحب سبعة أذرع - تقارب الثلاثة أمتار ونصفاً - بمعنى: أن من

١٥٥

كانت له أرض، وأراد الآخر أن يحيي أرضاً في الجهة المقابلة فلابد أن يتباعد عنه من أجل فسح المجال بالمقدار المذكور. وكذا إذا أحيى أرضاً تبعد عن الطريق العام فإن له الطريق إليها بالمقدار المذكور. أما إذا اتفقوا على الاكثر أو الاقل فلهم ذلك، إلا أن يكون مضراً بالمارة فلابد من سعة الطريق بما يناسبهم.

(مسألة ١٤): إذا اتفق الطرفان عند إحياء الجانبين على جعل الطريق دون الحد ولم يكن مضراً بالمارة، ثم بعد ذلك كثر المارة واحتاجوا لسعة الطريق لم يجب على الطرفين توسيعه من ملكهم. كما أنه إذا اتفق الطرفان على جعل الطريق أكثر من الحد وجرى عليه المارة مدة من الزمان لم يكن لاحد الطرفين أو كليهما تضييقه وإن لم يضر بالمارة

(مسألة ١٥): إذا كان الطريق مطروقاً بمرور القوافل أو السيارات في الارض الموات قبل إحياء جانبيه لا يجوز تضييقه بإحياء جانبيه مهما كان واسع، والحد المتقدم إنما هو للطريق المبتكر عند إحياء الجانبين.

(مسألة ١٦): حريم البئر التي تحفر في الموات لسقي الابل ونحوها أربعون ذراعاً - تقارب العشرين متراً - من جوانبها الاربعة، ليكون ذلك المكان مجمعاً للابل حين السقي. أما إذا حفرت لسقي الزرع فحريمها ستون ذراعاً تقارب الثلاثين متراً - من جوانبها الاربعة ليكون ذلك مجمعاً للحيوانات التي تنقل الماء لسقي الزرع.

(مسألة ١٧): لا يجوز لأحد أن يحفر بئراً تضر ببئر سابقة على بئره لغيره، ولا عيناً تضر بعين سابقة لغيره إذا كان الضرر معتداً به.

(مسألة ١٨): حريم النهر العام والمستحدث لشخص خاص الموضع الذي يجعل فيه ترابه عند حفره وتنظيفه والطريق الذي يعبر عليه المارة من جانبيه.

١٥٦

(مسألة ١٩): حريم الدار الطريق إليها من جهة بابه، بالمقدار المتقدم في تحديد الطريق. وأما ما زاد عليه مما قد يحتاج إليه لالقاء القمامة ونحوها فالظاهر عدم ثبوت الحريم فيه، إلا أن يتخذ صاحب الدار مكاناً لذلك ويستغله مدة من الزمن ففي جواز مزاحمته حينئذٍ في ذلك المكان إشكال.

(مسألة ٢٠): ما يخصص في بعض البلاد من المواضع العامة كالمنتزهات والساحات والمراعي والبيادر والغابات والمقابر - لا يتعين بمجرد تعيين الموضع رسمياً أو باتفاق أهل البلد، بل لابد مع ذلك من استغلالهم له فيما اُعد له وجريهم على ذلك مدة معتداً به.

(مسألة ٢١): كما يملك الانسان الارض بالاحياء ويـثبت له الحق في حريمه، كذلك يثبت له الحق فيها وفي حريمها بالتحجير مقدمة للاحياء، كتحديد الحدود وحفر الاُسس مقدمة لبنائها بل وكذا بناء الاُسس إذا لم يبلغ مرتبة يتحقق به الاحياء عرف، فإن ذلك يوجب الحق في الارض وفي الحريم المناسب لما يراد بالاحياء، وأمد الحق المذكور هو الزمن الذي يتعارف بين التحجير بالوجه الحاصل والاحياء، فإن طالت المدة سقط حق التحجير، وكان للغير المبادرة للاحياء. نعم إذا كان التحجير بشيء مملوك للمحجر، كبناء الاُسس أشكل التصرف فيه ما لم يثبت إعراضه عنه وكذا اذا صدق عرفاً تعطيله للارض.لكن الأحوط وجوباً حينئذٍ مراجعة الحاكم الشرعي. نعم لو تصرف فيه من دون ذلك فأزاله كان ضامناً وصح منه الاحياء وملك الارض به.

(مسألة ٢٢): من حفر بئراً أو استنبط عيناً أو شق نهراً للزرع ثبت له حق التحجير في الارض التي من شأنها أن تزرع بتلك البئر أو العين أو ذلك النهر، بل يثبت له الحق بالشروع في حفر البئر أو استنباط العين أو حفر النهرعلى النحو المتقدم في المسألة السابقة.

١٥٧

(مسألة ٢٣): التحجير وإن لم يوجب ملكية الارض المحجورة - فلا يجوز بيعها - إلا أنه يوجب حقاً فيها يمكن المصالحة عليه بعوض.

(مسألة ٢٤): لا أثر لتحجير ما لا يراد إحياؤه أو ما يعجز المحجر عن إحيائه، فلا يثبت به حق مانع من إحياء غيره، ليمكن المصالحة عليه بعوض. نعم يجري في المواد التي يحجر بها - من بناء أو نحوه - ما تقدم في المسألة(٢١).

(مسألة ٢٥): من بنى حائطاً حول قطعة من الارض، فإن عدّ ذلك إحياء لهاملكه، كما لو جعلها حظيرة للحيوانات أو موضعاً لجمع الحبوب أو نحو ذلك، وإلا كان محجراً لها وجرى حكم التحجير المتقدم، كما لو بناه مثلاً من جوانبها الاربعة من دون باب يفضي منه للخارج.

(مسألة ٢٦): الاراضي المنسوبة للقبائل لمجاورتها لمساكنهم إذا لم تكن مملوكة لهم بالاحياء فإن كانت مخصصة منهم للانتفاع بها بمثل الرعي والنزهة ونحوهما كانت من حريم أملاكهم، نظير ما تقدم في المسألة (٢٠) ولا يسوغ لغيرهم إحياؤها ومزاحمتهم فيه، بل لا يجوز ذلك لبعضهم من دون رضا الباقين، وإن لم تكن مخصصة منهم لذلك فلا حق لهم فيها وجاز لبعضهم ولغيرهم الانتفاع به، وتملكها بالاحياء من دون إذنهم، ويحرم عليهم المنع من ذلك أو أخذ العوض عليه. كما أنها لو قسمت بينهم بالتراضي من دون إحياء فلا أثر للقسمة، فهي نظير الصحاري المجاورة للمدن التي يجوز لكل أحد إحياؤه، وبه تتسع المدن.

(مسألة ٢٧): المواضع العامة التابعة للمدن - كالطرق والساحات والمنتزهات - إن صارت من الموات عرفاً جاز لكل أحد إحياؤها وتملكه، كما لو ماتت تبعاً لموت المدينة أو المحلة التابعة له، وكما لو هجر المنتزه أو الطريق حتى صار مزبلة أو مستنقع. وإن لم تصر من الموات عرفاً فمع احتياج الناس

١٥٨

إليها لا يجوز مزاحمتهم فيها إلا مع الضرورة فلابد من مراجعة الحاكم الشرعي لتشخيص مرتبة الضرورة التي يقطع معها برضا الشارع الاقدس بالتصرف. ومع استغناء الناس عنها يجوز الاستيلاء عليها وأخذها بالعوض أو جعلها لمنفعة عامة بدلاً عما كانت عليه. وكل ذلك بإذن الحاكم الشرعي.

(مسألة ٢٨): يحرم على الانسان أن يتصرف في ملكه تصرفاً يسري إلى ملك جاره بنحو يضر به ضرراً لا يتعارف بين الجيران، كما لو أجرى الماء بنحو يسري هو أو رطوبته لحائط الجار فيضر به، سواءً كان ترك التصرف المذكور مضراً به أم لم يكن، ولو فعل كان ضامناً لما يحدثه من الضرر. أما إذا كان التصرف مضراً بالجار من دون أن يسري إلى ملك الجار، كما إذا رفع حائطه فمنع الهواء أو الشمس عنه فهو جائز، إلا أن يكون ضرر الجار كثيراً جداً ففي الجواز إشكال. هذا في غير البئر والعين، أما فيهما فلا يجوز الاضرار، كما تقدم في المسألة (١٧).

(مسألة ٢٩): قد حث الشارع الأقدس على حسن الجوار والاحسان للجار، ففي وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «والله الله في جيرانكم، فإنهم وصية نبيكم ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم»، وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «الجار كالنفس... وحرمة الجار على الجار كحرمة اُمه». وقد استفاضت الاخبار بأن حسن الجوار معمر الديار ويزيد في الرزق والاعمار. كما أكد الشارع الاقدس أيضاً في الزجر عن أذى الجار، ففي الحديث عن الامام الصادق (عليه السلام): «من كف أذاه عن جاره أقاله الله عثرته يوم القيامة»، وفي حديث آخر: «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره»، وفي حديث ثالث: «من آذى جاره حرَّم الله عليه الجنة، ومأواه جهنم وبئس المصير، ومن ضيَّع حقَّ جاره فليس من».

(مسألة ٣٠): يستحب للانسان أن يعين جاره - بل كل مؤمن - فيما يقدر

١٥٩

عليه، ومن ذلك إعانته في مسكنه إن احتاج إلى شيء منه.

(مسألة ٣١): إذا أذن الجار لجاره بالتصرف في منزله واستغلاله، كما إذا أذن له في أن يضع فرسه في حظيرته، أو يضع سقف غرفته على حائطه، أو يجري ماءه في بالوعته فلذلك صورتان..

الاُولى: أن يرجع إلى تعهد الآذن باستحقاق الجار للأمر المأذون فيه على تقدير فعل المقدمة من قبله ويفعل الجار المقدمة بناء على التعهد المذكور فيكون مرجع الإذن في الاُمور المتقدمة مثلاً إلى تعهد الآذن لجاره بأنه إن اشترى فرساً كان له أن يضعه في حظيرته، وإن أقام بقية حيطان الغرفة وهيأ السقف كان له أن يضعه على حائطه، وإن شق المجرى للبالوعة كان له أن يجري ماءه فيه حتى يستقر فيه، ويفعل الجار المقدمات المذكورة اعتماداً على التعهد المذكور، وحينئذٍ لا يجوز للآذن العدول عن إذنه ولا يترتب الأثر على عدوله بعد فعل المقدمات المذكورة قبل فعل الأمر المأذون فيه، فضلاً عما لو باشر بفعله.

الثانية: أن لا يرجع الآذن إلى التعهد بالنحو المذكور، وحينئذٍ إن كان الأمر المأذون فيه مبنياً على التكرار - كوضع الفرس في الحظيرة وإجراء الماء في البالوعة - كان للآذن العدول عن الإذن بعد الشروع في العمل المأذون فيه فضلاً عما قبله. وإن لم يكن الأمر المأذون فيه مبنياً على التكرار، بل كان من شأنه البقاء بنفسه - كوضع سقف الغرفة على حائطه - فلا إشكال في أن له العدول عن الإذن قبل فعل الأمر المأذون فيه، وكذا بعده إذا لم يبتن الإذن على استمرار الأمر المأذون فيه، بل على فعله موقت، فله أن يأمره حينئذٍ برفع سقف الغرفة مثلاً متى شاء، سواء أضر ذلك بالجار أم ل. وأما إذا ابتنى الإذن على استمرار الأمر المأذون فيه فإنما يجوز العدول عن الإذن إذا لم يكن العدول عن التصرف مضراً بالجار، أما مع إضراره به فلا يجوز، كما لو كان رفع السقف مثلاً موجب

١٦٠