منهاج الصالحين - المعاملات الجزء ٣

منهاج الصالحين - المعاملات0%

منهاج الصالحين - المعاملات مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 333

منهاج الصالحين - المعاملات

مؤلف: السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 333
المشاهدات: 67987
تحميل: 4016


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 67987 / تحميل: 4016
الحجم الحجم الحجم
منهاج الصالحين - المعاملات

منهاج الصالحين - المعاملات الجزء 3

مؤلف:
العربية

لتلف البناء أو نقصه على الجار. إلا أن يتدارك الاذن الضرر الحاصل، فيجوز له حينئذٍ العدول. ويجري هذا التفصيل في كل من أذن لغيره بالتصرف في ملكه، ولا يختص بالجار مع جاره.

(مسألة ٣٢): إعراض المالك عن ملكه لا يوجب زوال ملكيته له، بل هو راجع للرضا بتملك غيره له، فمن سبق إلى تملكه ملكه منه. فإن خرج المالك الاول عن السلطنة - بموت أو جنون أو غيرهما - قبل تملك الغير بقي على ملكه ولم يجز تملكه. نعم لو شك في عروض ذلك كان للغير البناء على عدمه، فله تملكه.

تتميم: في المشتركات

وهي اُمور..

الأول: الاوقاف للجهات العامة أوالخاصة، والاشتراك فيها تابع لكيفية وقفه، وقد تقدم في آخر الفصل السابع من كتاب الوقف حكم تشاح الموقوف عليهم في الانتفاع به.

الثاني: المساجد والمشاهد المعدة للزوار. وقد سبق في مبحث مكان المصلي من كتاب الصلاة حكم السبق إلى مكان فيها وفروع ذلك. نعم الظاهر استمرار حق الاختصاص إلى الليل وعدم الاستمرار إلى اليوم الثاني، حتى لو أبقى متاعه فيه. إلا أن يبقى بنفسه فيه أو يسبق إليه في اليوم الثاني فيتجدد له الحق فيه.

(مسألة ٣٣): يجوز لكل مسلم إشغال المسجد بالصلاة وسائر العبادات والتدريس وغيره حتى النوم والبيع والشراء، إلا ما كان على نحو تهتك به حرمة المسجد. ومن سبق إلى مكان فيه فهو أحق به كما أشرنا إليه آنف. نعم الظاهر

١٦١

تقدم الصلاة فيه على غيره. والمتيقن منه الصلاة في أوقات الفرائض جماعة بالوضع المتعارف عليه في ذلك المسجد، فلا يجوز مزاحمته. بل الأحوط وجوباً ذلك في الصلاة فرادى عند دخول الوقت، أما بعد ذلك فالظاهر عدم الاولوية للصلاة، إذا أمكن الإتيان بها في موضع آخر من المسجد.

(مسألة ٣٤): يجوز إشغال المشاهد المشرفة بما يجوز به إشغال المساجد، نعم الظاهر تقدم العبادات - من الصلاة وقراءة القرآن وغيرهماووظائف الزيارة على غيره، فلا يجوز مزاحمة غيرها له. والظاهر عدم تقديم وظائف الزيارة على غيرها من أنواع العبادة عند التزاحم. نعم الظاهر عدم جواز المزاحمة بنحو يقتضي تعطيل المشهد عن وظائف الزيارة بالمقدار المعتد به، إلا عند دخول وقت الصلاة فلا مانع من إشغال المشهد بها مع سبق المصلين وإن استلزم التعطيل عن وظائف الزيارة.

الثالث: الاسواق. والمراد بها الساحات الواسعة التي لا تختص بشخص أو جهة والتي تبانى الناس على عرض بضائعهم فيها للبيع والشراء على نحو العموم. ويجري في السبق إليها ما يجري في المساجد والمشاهد.

الرابع: الطرق. وهي على قسمين..

الأول: الطرق غير النافذة وهي المحاطة بالبناء من جوانبها الثلاثة.

الثاني: الطرق النافذة وهي المحاطة بالبناء من جانبين فقط.

(مسألة ٣٥): الطريق غير النافذ - وهو المسمى في عرفنا بالدريبة مختص بمن له باب مفتوح فيه وهو مشترك بينهم. نعم لا يحتاج تصرف كل منهم فيه بالعبور والجلوس وغير ذلك إلى استئذان الآخرين حتى لو كان فيهم قاصر. بل الظاهر أنه يجوز لبعضهم أن يوسع بابه أو يفتح باباً اُخرى أو نافذة إلى الطريق المذكور من دون إذنهم. إلا أن يكون التصرف بذلك أو غيره مضراً ببعضهم

١٦٢

فلابد من استئذانهم. وكذا إذا وقع الاتفاق بينهم والتصالح على أن لكل منهم نحواً خاصاً من التصرف، فإنه لا يجوز لاحدهم الخروج عنه إلا بإذن الباقين.

(مسألة ٣٦): لا يجوز إخراج الاجنحة الشاغلة للفضاء وحفر السراديب والبلاليع الشاغلة للباطن و نصب الميازيب في الطريق غير النافذ إذا كان مملوكاً بالاصل لاصحاب الدور التي فيه فاتفقوا على جعله طريقاً بينهم، إلا أن يأذنوا في ذلك. وأما إذا لم يكن مملوكاً لهم وإنما صار طريقاً بسبب إحيائهم لجوانبه فالظاهر جواز الجميع من دون إذن، إلا مع الاضرار بالمارة ومزاحمته للعبور لكون الجناح منخفضاً مثلاً فلا يجوز. بل لو كان مضراً بالطريق عرفاً من دون أن يزاحم العبور ففي جوازه إشكال، كما لو كان موجباً لظلام الطريق أو حبس الهواء عنه.

(مسألة ٣٧): إذا كان الطريق غير النافذ محجوباً بباب أو نحوه لم يحل لغير أهله التصرف فيه بالمرور أو الجلوس أو غيرهما إلا بإذنهم، وإن لم يكن محجوباً جاز التصرف فيه بغير إذنهم تصرفاً لا يضرّ بهم.

(مسألة ٣٨): من كان لملكه حائط مسدود في الطريق غير النافذ ليس له أن يفتح باباً له إلا بإذن أربابه وهم أصحاب الابواب المفتوحة فيه.

(مسألة ٣٩): إذا ألغى أحد أصحاب الطريق غير النافذ بابه لم يسقط حقه فيه إلا أن يصالحه بقية أرباب الطريق عن حقه، بحيث يتنازل لهم عنه ويجعله لهم.

(مسألة ٤٠): الطريق النافذ من المشتركات العامة التي لا يختص بها أحد، فيجوز لكل أحد التصرف فيه بالعبور والجلوس والنوم والبيع والشراء وغيره. ولا يجوز لاحد منعه ومزاحمته من قضاء وطره. نعم لابد في جميع ذلك من أن لا يضر بالمارة، وإلا كان معتدياً ضامناً لما يحدث من ضرر عليهم بسببه.

(مسألة ٤١): من سبق إلى مكان في الطريق كان أحق به ما دام فيه، وكذا إذا قام عنه وأشغله برحله ومتاعه، فإنه لا يجوز لغيره التصرف فيه مهما طال

١٦٣

الزمان. نعم إذا لم يشغله بشيء سقط حقه وجاز لغيره إشغاله، سواء كان حين قيامه ناوياً للعود أم ل.

(مسألة ٤٢): يجوز التصرف في الطريق النافذ - بإنشاء الابواب والنوافذ عليه وإخراج الاجنحة ونصب الميازيب وحفر البلاليع والسراديب ونحو ذلك ما لم يضر بالمارة بنحو يزاحم العبور،بل الأحوط وجوباًالترك إذاكان مضراً بالطريق عرفاً من دون أن يزاحم العبور. كما لو كان موجباً لظلامه أو حبس الهواء عنه. نظير ما تقدم في الطريق غير النافذ.

الخامس: مياه البحار والشطوط والانهار الكبار والصغار التي جرت من العيون أو السيول أو ذوبان الثلوج. وكذا مياه العيون التي تفجرت بنفسها ومياه الغدران والمستنقعات في الارض الموات.

(مسألة ٤٣): المياه المشتركة من المباحات الاصلية لا يجوز لاحد منع الناس عنه، كما لا يجوز لبعضهم بيعها قبل حيازتها وتملكه. نعم يجوز لبعضهم مصالحة الآخرين على عدم استغلاله الماء في مقابل عوض يدفعه له.

(مسألة ٤٤): من سبق إلى شيء من المياه المشتركة كان أحق بالانتفاع به بالسقي وغيره، ومن حاز شيئاً منه ملكه.

(مسألة ٤٥): من شق نهراً من المياه المشتركة في أرضه أو في أرض موات بقصد الحيازة لمائه ملك ماءه ولا يجوز لاحد مزاحمته فيه.

(مسألة ٤٦): من فجر عيناً أو حفر بئراً في أرض موات بقصد الحيازة لمائها كان الماء له، وكذا إذا تفجرت العين أو حفرت البئر في ملكه وإن لم تكن بقصد الحيازة.

(مسألة ٤٧): إذا حفر غاصب الارض بئراً فيها أو فجر عيناً فيها كان ماؤها لصاحب الارض المغصوبة فلا يجوز التصرف فيه بغير إذنه، ولا يكفي إذن

١٦٤

الغاصب. نعم إذا جرى الماء بنفسه أو بفعل الغاصب فسقى بنفسه أرض الغير من دون أن يستولي عليه صاحب الارض ولا يستند جريانه في متعرجات الارض إليه لم يكن على صاحب الارض إثم ولا ضمان، بل يكون ذلك على الغاصب وحده.

(مسألة ٤٨): من صنع على حافة الماء المشترك - الذي تقدم أنه من المباحات الاصلية - مسناة أو نحوها مما يتيسر معه الاستقاء من الماء كان أولى به، ولا يجوز لغيره مزاحمته فيها ويجوز له التنازل عنها لغيره، بل يجوز له المصالحة عن حقه فيها بعوض على كراهة. وليس له بيع الماء بنفسه لعدم كونه مملوكاً له. وهذا بخلاف ما إذا كان الماء مختصاً بشخص واحد أو أشخاص خاصين، فإنه يجوز لصاحب الماء أن يبيع لغيره الماء بنفسه، وكذا يجوز للشريك بيع حصته منه.

(مسألة ٤٩): المياه الخاصة إن كانت في أرض محجوبة لم يحل التصرف فيها بالشرب والغسل ونحوهما بغير إذن مالكه. أما إذا كانت في أرض مكشوفة فإنه يجوز التصرف فيها بذلك للعابرين والواردين من غير حاجة لاذن المالك ما لم يضروا بالماء. نعم لا يجوز سقي الزرع به ولا خزن مقدار كثير منه، ونحوه من الاستعمالات المهمة المقصودة من المياه المذكورة إلا بإذن المالك.

(مسألة ٥٠): من نصب على نهر غيره رحىً أو غرس عليه أشجاراً فإن لم يكن بإذن صاحب النهر لم يمنع ذلك صاحب النهر من نقل النهر أو تحويل مجراه أو تغويره وإماتته. وكذا إذا كان بإذنه، إلا أن يرجع إذنه في ذلك إلى تعهده بإبقاء النهر لصلاح ذلك الشيء الذي أذن فيه على تقدير إحداثه ويكون إحداثه من قبل صاحبه مبنياً على التعهد المذكور.

(مسألة ٥١): إذا اجتمع جماعة على ماء مباح من أجل استغلاله والانتفاع به لم يكن لبعضهم الاستئثار به ومنع الآخرين منه، ولو بتحويل مجراه لصالحه وحده. وحينئذٍ إن كفاهم فلا إشكال، وإن لم يكفهم فلذلك صورتان..

١٦٥

الاُولى: أن يتعاقبوا على الماء بأن يكون بعضهم أسبق من بعض، كما إذا أحيى جماعة على التعاقب الاراضي المحيطة بالماء لزراعتها مثل، وحينئذٍ يكون الحق للاسبق فالاسبق في أخذ مقدار حاجته لسقي الارض التي سبق منه إحياؤه. أما الارض التي يريد إحياءها لاحقاً بعد إحياء غيره فلا يكون له الحق في أخذ ما تحتاج إليه إلا بعد أن تكتفي الاراضي المحياة قبلها من قبل غيره. فإذا أحيى زيد دونماً من الارض ثم أحيى عمرو دونماً ثم أحيى بكر دونم، ثم أراد زيد أن يحيي دونماً آخر، كان زيد مقدماً على الباقين في سقي دونمه الاول، وليس له سقي دونمه الآخر إلا بعد اكتفاء دونم عمرو ودونم بكر.

هذا كله مع شحة الماء من أول الامر، وأما لو كان وافياً بحاجتهم من أول الامر ثم شح بعد ذلك ففي ترجيح الاسبق منهم إشكال.

الثانية: أن يجتمعوا على الماء دفعة واحدة وحينئذٍ لا ترجيح لبعضهم، بل يجب عليهم تقاسم الماء بالسوية ويقتصر كل منهم على سهمه منه. نعم في الصورتين معاً لو صالح بعضهم بعضاً على التنازل عن حقه من الماء بعوض كان له حقه منه.

(مسألة ٥٢): مع شحة الماء واحتياج المتشاحين لقسمته، فقسمته بأحد وجهين..

الأول: قسمته بالاجزاء بأن يستقي كل منهم مقداراً من الدلاء أو يفتح كل منهم نهراً ضيقاً بمقدار حصته من الماء.

الثاني: المهاياة بأن يتفقوا بينهم على أن لكل منهم على التعاقب أن يستقل بالماء كله مدة معينة، كساعة أو يوم أو اسبوع. والوجه الاول هو الاصل، ولا ينفذ عليهم الثاني إلا برضاهم، فإن اتفقوا عليه إلى مدة معينة لزمهم العمل عليه في تلك المدة، ولا يجوز لبعضهم الخروج عنه إلا برضا الباقين. وإن اتفقوا مؤقتاً

١٦٦

من دون تحديد مدة كان لهم العدول عنه إلى الاول. نعم لا يجوز لمن استوفى نوبته العدول عنه إلا بعد استيفاء الباقين لنوبتهم.

ولا يفرق في الوجهين بين الماء المشترك بنحو العموم الذي يتشاح عليه المستفيدون منه والماء المملوك المشترك بين جماعة خاصين.

(مسألة ٥٣): تنقية النهر المشترك بين جماعة خاصين عليهم كلهم إن أرادوا ذلك، وإن اختلفوا فإن كانت التنقية ضرورية للنهر بأن كان ينقص نقصاً معتداً به بدونها اُلزم المخالف بالاشتراك في نفقة التنقية أو ببيع حصته من النهر أو نحو ذلك مما يجمع بين الحقوق، ولو بالرجوع للحاكم الشرعي مع التشاح والتخاصم - نظير سائر موارد الشركة - لو احتاج الامر المشترك للنفقة. وإن لم تكن التنقية ضرورية، بل كانت فائدتها تحسين النهر لا غير لم يلزم المخالف بشيء. وفي كلا الحالين لو أقدم بعضهم على التنقية من دون مراجعة الآخرين تحمل هو نفقتها كاملاً وليس له إلزام الآخرين بدفع ما يناسب حصتهم منه. إلا أن يكون مفوضاً من قبلهم.

السادس: المراعي في الارض الموات غير مملوكة لاحد. فلكل أحد الانتفاع بها وليس لاحد أن يحميها ويمنع غيره منه. أما المراعي في الارض المملوكة لو اتخذها مالكها مرعىً لانعامه فهي تختص به وليس لاحد الرعي فيها إلا بإذنه.

السابع: ما في الارض الموات غير المملوكة لاحد من المعادن وغيرها كالحصى والرمل والحجر والحطب وغيره، فلكل واحد ما سبق إليه منها ولا يجوز لاحد أن يحميها ويمنع غيره منه. نعم يثبت في المعدن الخمس بالشروط المتقدمة في كتاب الخمس.

والحمد لله رب العالمين

١٦٧

كتاب اللقطة

المراد باللقطة هنا كل ضائع عمن يختص به. وهو إما إنسان أو حيوان أو غيرهما من الاموال. والاول يسمى لقيط، والثاني يمسى ضالة، والثالث يسمى لقطة بالمعنى الاخص، وإليه ينصرف إطلاق لفظ اللقطة. فيقع الكلام في فصول ثلاثة.

الفصل الأول

في اللقيط

وهو الطفل الضائع الذي لا يعرف أهله، سواء علم بأنه منبوذ من أهله قد تعمدوا تركه لعجز عن تربيته أو لخوف العار والفضيحة أو لغير ذلك، أم علم بأنه قد ضاع على أهله أو نهب منهم ثم نبذ، أم علم بأن أهله قد هلكوا من دون أن يعرفوا فبقي وحده، أم جهل حاله. وهو محكوم بالحرية، إلا أن يعلم برقيته، فيلحقه حكم الضالة الاتي.

(مسألة ١): يجب التقاط الطفل الضائع، إذا خيف عليه التلف لولا الالتقاط، وكان محكوماً عليه بأنه محترم الدم، كما لو علم بأنه من مسلم أو ذمي، أو كان في بلد يغلب عليه المسلمون أو أهل الذمة أو هما مع. أما لو لم يخش عليه التلف فلا يجب التقاطه، ولو لم يحكم بأنه محترم الدم وخشي عليه التلف ففي

١٦٨

جواز تضييعه وعدم التقاطه إشكال.

(مسألة ٢): إذا التقط الطفل الضائع ملتقط كانت ولايته له، فيجب عليه رعايته وحضانته إلى أن يجد أهله أو من له الولاية عليه فيدفعه إليهم. ويجب عليه الفحص عنهم بالنحو المتعارف حتى يتحقق اليأس من العثور عليهم. إلا أن يعلم بكونه منبوذاً من قبلهم قد أعرضوا عن القيام فيه بمقتضى ولايتهم عليه.

(مسألة ٣): إنما تثبت الولاية للملتقط إذا كان بالغاً عاقلاً حر، فلا أثر لالتقاط الصبي والمجنون ولا لالتقاط العبد إلا إذا كان بإذن مولاه.

(مسألة ٤): إذا كان اللقيط محكوماً بالاسلام - كما إذا علم بإسلام أحد أبويه أو كان في بلد يغلب عليه المسلمون - فلابد في ولاية الملتقط عليه من أن يكون مسلم، وإلا وجب عليه حفظه وتكون ولايته للمسلمين. والأحوط وجوباً مراجعة الحاكم الشرعي في أمره.

(مسألة ٥): إذا كان مع اللقيط مال حكم بأنه ملك له، لكن كثيراً ما تقوم القرينة على خلاف ذلك، مثل كون المال مجعولاً معه ممن ينبذه ويتركه لأجل أن ينفقه عليه الملتقط، أو كون المال لغيره قد تركه قسراً عليه، كالطفل الذي ضاع من أهله ومعه مال لهم لا يناسب كونه ملكاً له. ويجري على الاول حكم المال المأذون في إنفاقه عليه، وعلى الثاني حكم مجهول المالك.

(مسألة ٦): إذا وجد متبرع ينفق على اللقيط أنفق عليه، ومنه ما إذا كان معه مال قامت القرينة على إذن صاحبه في إنفاقه عليه، كما أشرنا إليه في المسألة السابقة، وكذا إذا تهيأ الانفاق عليه من الاموال المعدة للفقراء كالحقوق الشرعية ونحوها إذا كان مصرفاً له. ومع عدم الامرين فإن كان له مال أنفق عليه منه، وكذا إن أمكن اكتسابه بعمله وتعيشه من كسبه. ومع تعذر ذلك أيضاً ينفق عليه الملتقط من ماله، وحينئذٍ إن أنفق عليه بقصد التبرع المحض فلا رجوع، وإن لم يقصد التبرع حين الانفاق، بل كان الانفاق بقصد الرجوع

١٦٩

كان له الرجوع عليه إذا كبر إن كان له مال، وإن لم يكن له مال فلا رجوع، بل يحسب له ما أنفقه صدقة.

(مسألة ٧): إذا أنفق الملتقط من ماله على اللقيط برجاء أن يكون ولاؤه له لم يلزم ذلك اللقيط، بل له أن يوال - بعد أن يكبر - من يشاء. وحينئذٍ فإن والى الملتقط لم يرجع الملتقط عليه بما أنفق حتى لو كان اللقيط موسر. وإن والى غيره وجب عليه مع يساره أن يؤدي للملتقط ما أنفقه، وإن لم يكن موسراً لم يجب عليه شيء، وحسب للملتقط ما أنفقه صدقة. والظاهر عدم وجوب مراجعة الحاكم الشرعي في جميع ذلك، بل ينفذ تصرف الملتقط مع مراعاته لمصلحة اللقيط.

(مسألة ٨): اللقيط إن عرف أهله فذاك، وإلا كان ميراثه للامام (عليه السلام) وعليه ضمان جريرته. إلا أن يكبر فيوالي الملتقط أو غيره، فيكون ميراثه لمن يواليه وجريرته عليه.

(مسألة ٩): المراد بالولاء أن يوالي شخصاً آخر على أن يضمن جريرته، بأن يتحمل عنه دية الخط. ويأتي توضيح ذلك في كتاب الميراث إن شاء الله تعالى.

(مسألة ١٠): لا يجوز للملتقط تبني اللقيط بحيث ينتسب له، ولا يترتب الاثر على التبني المذكور ولو حصل، كما هو الحال في غير اللقيط على ما سبق التعرض لذلك في فصل أحكام الاولاد من كتاب النكاح.

(مسألة ١١): إذا كان الضائع كبيراً لا يستقل بنفسه كالمجنون والمريض الفاقد لم يكن لقيطاً بالمعنى المتقدم، ولا تجري عليه أحكامه. بل تجري عليه أحكام المجنون الذي ليس له ولي خاص. وقد تقدم التعرض لذلك في ذيل مبحث أولياء العقد من كتاب البيع. نعم يجب حفظه مع خوف التلف عليه واحترام دمه، نظير ما تقدم في اللقيط.

١٧٠

الفصل الثاني

في الضالة

وهي الحيوان المملوك للغير الضائع منه. أما غير المملوك كحيوانات البر الوحشية فهو ليس ضالة، بل هو من المباحات الاصلية التي يملكها من سبق إليه. ولو احتمل سبق ملك مسلم أو ذمي عليه وضياعه منه حكم بعدمه، فيجوز تملكه ولا يجري عليه حكم الضالة. نعم إذا علم بسبق مسلم أو ذمي عليه جرى عليه حكم الضالة.

(مسألة ١٢): يجوز أخذ الضالة من غير أرض الاسلام أو الذمة - وهي الارض التي يغلب عليها المسلمون أو الذميون - من دون حاجة للتعريف، ولا فرق بين العمران وغيره، ولا بين أقسام الحيوان. إلا أن يكون في أخذها مخالفة لقوانين تلك البلاد أو أعرافها بالوجه الذي يكون الخروج عليه موجباً للضرر على المسلمين أو تشويهاً لصورة الاسلام فيحرم حينئذٍ. هذا إذا لم تكن هناك أمارة على ملكية المسلم له، وإلا جرى عليه حكم ما يوجد في أرض الاسلام الذي هو موضوع الكلام الاتي.

(مسألة ١٣): من وجد حيواناً في غير العمران - كالصحاري والجبال ونحوها من المواضع الخالية من السكان - فإن لم يكن الحيوان معرضاً للتلف حرم أخذه، وذلك إنما يكون بأمرين..

الأول: أن يكون في كلأ وماء، أو يكون بحيث يمكنه الوصول إليهما لكونه صحيحاً وقريباً منهما أو بعيداً عنهما مع طاقته على الصبر عنهما مدة طويلة كالبعير، بخلاف ما لو كان مريضاً أو مجهوداً لا يستطيع السعي إليهم، أو كان صحيحاً

١٧١

مع بعدهما عنه من دون أن يطيق الصبر عنهما مدة طويلة، كالحمار والبقرة.

الثاني: أن لا يتعرض للسباع ونحوها مما يفتك به، إما لعدم كون الارض مسبعة، أو لامتناعه عن السباع لقوته أو سرعة عدوه، كالبعير والفرس والثور والجاموس، بخلاف ما لو كانت الارض مسبعة ولم يكن ممتنعاً عن السباع بالذات - كالشاة - أو لصغر أو مرض أو جهد.

وإن كان الحيوان معرضاً للتلف لاحد الاُمور المتقدمة حل أخذه والاستيلاء عليه. نعم هو مكروه. إلا أن يعلم بتلفه على تقدير عدم أخذه، فلا كراهة حينئذٍ، بل قد يرجح أخذه. كما أنه تشكل الكراهة لو اطمأن الواجد له بتمكنه من إيصاله لصاحبه، بل قد يحسن أخذه حينئذٍ بقصد ذلك.

(مسألة ١٤): إذا أخذ الواجد الحيوان في الصورة الاُولى - من الصورتين المذكورتين في المسألة السابقة والتي تقدم حرمة الاخذ فيها - كان ضامناً له، ووجب عليه الانفاق عليه حفظاً له، من دون أن يرجع بنفقته على المالك لو وجده، كما لا يجوز له - مع عدم وجدان المالك - استيفاء النفقة من الحيوان نفسه - بتملكه لحصة منه أو من ثمنه - ولا من نمائه - كلبنه وصوفه وفرخه - ولا من منفعته كالركوب عليه وتحميله، بل يكون ضامناً للنماء والمنفعة أيضاً لو استوفاه، ويحرم عليه التصرف في النماء واستيفاء المنفعة مجان، بل يجب عليه حفظ النماء، أو بيعه بإذن الحاكم الشرعي وحفظ ثمنه للمالك، كما لا يجوز له استيفاء المنفعة بالضمان أو إيجار العين إلا بمراجعة الحاكم الشرعي، كما هو الحال في كل مغصوب لا يعرف صاحبه.

(مسألة ١٥): إذا أخذ الحيوان في الصورة الاُولى المذكورة وجب عليه الفحص عن مالكه وبذل الجهد في العثور عليه لتسليمه له هو ونماؤه واُجرة منفعته لو كانت، فإن يئس منه وجب عليه التصدق به عنه، كما هو الحال في كل

١٧٢

مال مجهول المالك. نعم الأحوط وجوباً هنا مراجعة الحاكم الشرعي في ذلك بعد أن كان متعدياً في أخذه والاستيلاء عليه.

(مسألة ١٦): إذا أخذ الواجد الحيوان في الصورة الثانية - من الصورتين المذكورتين في المسألة (١٣) والتي تقدم جواز الاخذ فيها - عرّفه حيث وجده، كما لو كان هناك أعراب قاطنين أو رحّل أو قرى قريبة، فإن عرفه صاحبه رده عليه، وإن لم يعرفه أخذه وأجرى عليه حكم ملكه ثم هو ضامن له لو وجد صاحبه، فيرده عليه أو يرد ثمنه.

(مسألة ١٧): إذا ترك الانسان حيواناً له في الطريق لجماحه أو لعجزه عن نفقته أو لأنه قد مرض أو كلّ وجهد، فإن تركه في موضع يقدر الحيوان على التعيش فيه، لأنه ذو ماء وكلأ وأمن، حرم على من يجده أخذه، بل يتركه في مكانه بانتظار رجوع صاحبه إليه، وإن أخذه ضمنه، نظير ما سبق في المسألة(١٤). إلا أن تقوم القرينة على أنه قد أعرض عنه غير ناو الرجوع إليه، كما قد يحصل في الطرق البعيدة التي يصعب الرجوع فيه، حيث قد يعلم بعدم نية المالك الرجوع حينئذٍ من أجل حيوان واحد. وإن تركه في موضع لا يقدر الحيوان على التعيش فيه - كالأرض المسبعة أو الخالية عن الماء والكلأ - جاز لواجده أخذه، ولا سبيل لصاحبه عليه بعد ذلك. إلا أن يعلم بأن المالك قد تركه ناوياً الرجوع إليه سريعاً قبل تعرضه للتلف. وكذا يجوز الأخذ إذا أعرض أهل الحيوان عنه في المدن ونحوه، لعجزهم عن نفقته أو لمرضه أو لغير ذلك.

(مسألة ١٨): إذا وجد الحيوان في العمران - وهو المكان العامر بالناس - فإن احتمل عدم ضياعه من صاحبه، وأنه قد تعود الخروج عنه لالتقاط العلف أو نحوه ثم الرجوع إليه، حرم أخذه، فإن أخذه ضمنه وجرى عليه ما تقدم في المسألتين (١٤)و(١٥). وإن علم بضياعه من صاحبه جاز أخذه وكان لقطة،

١٧٣

فيجري عليه حكمها الاتي في الفصل الثالث، ومنه التعريف به سنة.

(مسألة ١٩): لا فرق في الاحكام المتقدمة بين كون آخذ الحيوان كبيراً وصغيراً وعاقلاً ومجنون، إلا أن الولي في الصغير والمجنون هو يقوم مقامهما في التعريف ويتصدق أو يتملك عنهم.

(مسألة ٢٠): إذا استغنى الحيوان الملتقط في مدة التعريف عن النفقة، بمثل التقمم في المزابل أو دفع فضلات الدار له، أو كان هناك متبرع بها فذاك، وإلا أنفق عليه من نمائه أو مقابل منفعته إن كان له نماء أو منفعة مراعياً في ذلك القيمة، فإن زاد من النماء أو قيمة المنفعة المستوفاة شيء بقي للمالك تبعاً للحيوان الملتقط. وإن لم يكن للحيوان نماء ولا منفعة أو لم يكفيها لما يحتاج إليه من النفقة كان له الانفاق عليه بنية الرجوع على المالك، فإن لم يجده استوفاه من الحيوان نفسه إذا انتهت مدة التعريف.

(مسألة ٢١): إذا رأى الملتقط صلاح المالك في بيع الحيوان قبل التعريف لدفع النفقة عنه باعه وقام ثمنه مقامه في التعريف وغيره، وذلك إذا لم يكن هناك غرض عقلائي معتد به في الحيوان بشخصه، بل كان مطلوباً لماليته، لكن يلزم استئذان الحاكم الشرعي في البيع مع تيسر الوصول إليه، ومع تعذره فالأحوط وجوباً الاستعانة بمؤمن عدل ذي خبرة بذلك وإشراكه معه في الرأي.

(مسألة ٢٢): يستثنى مما تقدم في المسائل السابقة الشاة، فإن من وجدها في العمران كفاه أن يعرفها ثلاثة أيام، فإن وجد صاحبها وإلا باعها وتصدق بثمنه، فإن جاء صاحبها ولم يرض بالصدقة ضمن له الثمن. وله أن ينتظر بها أكثر من ذلك. لكن تكون نفقتها عليه، لا على المالك.

(مسألة ٢٣): إذا دخل الحيوان دار الإنسان أو نحوها من الأماكن المحجوبة لم يصدق بذلك أنه أخذه له ولا يكون في ضمانه، وله إخراجه منه، بل

١٧٤

يجب عليه ذلك إن احتمل عدم ضياعه من صاحبه. وإن علم ضياعه منه جاز له أخذه وجرى عليه ما تقدم في المسألة (١٨).

(مسألة ٢٤): إذا ملك الطائر جناحيه وخرج عن حوزة مالكه حل لكل أحد أخذه، فإن عرف صاحبه رده عليه، وكذا إذا جاء من يطلبه مدعياً ملكيته إذا كان ثقة غير متهم. ومع عدم الامرين يجوز لآخذه تملكه ولا حاجة للتعريف به، من دون فرق في ذلك بين كون الآخذ كبيراً وصغير، بل حتى المجنون إذا تأتى منه قصد التملك.

الفصل الثالث

في اللقطة

وهي المال المنقول الضائع غير الحيوان. ومحل الكلام منه ما يوجد في أرض الاسلام أو الذمة أو كان هناك أمارة على ملك المسلم أو الذمي له. أما ما عدا ذلك فيجري فيه ما تقدم في أول الكلام في الضالة.

(مسألة ٢٥): يجوز أخذ اللقطة لمن وجدها على كراهة، خصوصاً في لقطة حرم مكة المعظمة، وخصوصاً لمن لم يحرز من نفسه القيام بالتعريف الواجب فيه، كما هو الحال في أكثر الناس لصعوبة التعريف كما يظهر مما يأتي، بل قد يحرم عقلاً بلحاظ ذلك.

(مسألة ٢٦): إذا كان المال غير منقول كالعقار والاشجار لا يكون لقطة مع الجهل بمالكه وأخذ غيره له بل يجري عليه حكم مجهول المالك الآتي في ختام هذا الفصل.

(مسألة ٢٧): إذا كانت اللقطة دون الدرهم جاز تملكها بدون تعريف.

١٧٥

نعم الأحوط وجوباً السؤال ممن له خصوصية تقتضي احتمال كونها له مع معرفته، كالواقف بجنبه، ومن سبق له الحضور في موضعه، وأهل الدار لو وجدت على باب دارهم أو قريباً منه، ونحو ذلك.

(مسألة ٢٨): إذا أخذ اللقطة التي هي دون الدرهم وتملكها ثم وجد صاحبها وجب ردها إليه مع بقاء عينها مهما طال الزمان، ولا يجب دفع بدلها مع تلفه. أما مع انتقالها عن ملك الواجد وبقاء عينها وإمكان الوصول إليها فالأحوط وجوباً التصالح بين مالكها الاول والواجد ومن انتقلت إليه.

(مسألة ٢٩): الدرهم عبارة عن ثلاثة غرامات فضة إلا ربع عشر الغرام تقريب.

(مسألة ٣٠): المدار في تحديد القيمة على مكان الالتقاط وزمانه، فإذا كانت اللقطة دون الدرهم في مكان الالتقاط حين الالتقاط لم يجب التعريف بها حتى لو زادت قيمتها بعد ذلك أو في مكان آخر، والعكس بالعكس.

(مسألة ٣١): إذا بلغت اللقطة الدرهم فما زاد وجب على واجدها التعريف بها سنة، ثم هو مخير بين إبقائها عنده بانتظار صاحبه، وتملكها والصدقة به. إلا في لقطة حرم مكة المعظمة، فإن الأحوط وجوباً عدم تملكه، والاقتصار على إبقائها عنده لمالكها أو الصدقة به.

(مسألة ٣٢): لابد في المتصدق عليه في المقام من أن يكون فقير، كما هو الحال في سائر موارد الصدقة.

(مسألة ٣٣): لو عثر الملتقط على المالك بعد السنة فإن كانت اللقطة موجودة عنده ردها عليه، وإن كانت تالفة بتفريط منه ضمنها له، وإن لم يكن تلفها بتفريط منه ففي الضمان إشكال، والأحوط وجوباً الصلح بينهم. وإن كان قد تصدق بها تخير المالك بين الرضا بالصدقة ويكون أجرها له، والرجوع ببدله

١٧٦

على الملتقط ويكون أجر الصدقة للملتقط.

(مسألة ٣٤): يكفي التعريف سنة حتى لو احتمل العثور على المالك بالاستمرار بالتعريف. نعم لو علم بالعثور على المالك مع الاستمرار في التعريف فالظاهر وجوبه، ولو قصّر حينئذٍ وجب التعريف حتى ييأس من العثور على المالك، ولم يجز له التملك، بل يتعين عليه إبقاء العين عنده بانتظار العثور على المالك أو التصدق به.

(مسألة ٣٥): إنما يجب التعريف مع احتمال العثور به على المالك، فإذا تعذر العثور به على المالك لم يجب، كما إذا لم تكن في اللقطة علامة يمكن بها معرفة المالك، أو علم بسفر المالك للبلاد البعيدة عن موضع اللقطة بحيث لا يصله التعريف به، أو علم بأنه ليس من شأنه الاهتمام بتحصيلها والبحث عنها ولو ليأسه من وجدانه. وحينئذٍ إن احتمل بوجه معتد به العثور على المالك صدفة وجب الانتظار باللقطة سنة وإلا جازت المبادرة لتملكها أو التصدق به.

(مسألة ٣٦): يحرم الالتقاط على الواجد إذا عرف من نفسه تعذر التعريف عليه أو خشي ذلك،كما لو كان محبوساً أو منتظراً الحبس مثلاً أو كان مضطراً للخروج من بلد اللقطة، أو خشي من التعريف الضرر أو الخطر على نفسه أو على اللقطة أو نحو ذلك، إلا أن يحرز رضا المالك بالالتقاط فيما إذا كان المال ضائعاً عليه على كل حال، أو يعلم برضا الشارع الاقدس بالاخذ حينئذٍ.

وعلى كل حال إذا التقط الواجد اللقطة مع تعذر التعريف عليه وجب عليه الانتظار بها حتى ييأس من العثور على المالك، ثم له أن يتصدق به، ولا يجوز له تملكه. وهكذا الحال لو التقطها بنية التعريف ثم طرأ ما يمنع منه أو انكشف تعذره من أول الامر بالوجه المذكور.

(مسألة ٣٧): تجب على الملتقط المبادرة للتعريف بعد الالتقاط بالوجه

١٧٧

المتعارف، وإن لم يبادر - عصياناً أو لعذر - لم يكتف بالسنة بل يجب عليه الفحص عن المالك بعد السنة حتى ييأس منه، ثم له أن يتصدق بالعين، ولا يجوز له تملكه. وكذا الحال إذا بادر للتعريف ثم قطعه قبل إكمال السنة مدة طويلة على خلاف المتعارف.

(مسألة ٣٨): لا تجب مباشرة الملتقط للتعريف، فيجوز له الاستنابة فيه بل يجزئ التعريف من المتبرع.

(مسألة ٣٩): إذا احتاج التعريف لبذل مال كان على الملتقط لا على المالك، وكذا إذا احتاج حفظ اللقطة - عن السرقة أو التلف أو الضرر - لبذل مال. نعم إذا كان الالتقاط بطلب من الحاكم الشرعي لمصلحة المالك بمقتضى ولايته كان له جعل النفقة على المالك.

(مسألة ٤٠): إذا ضاعت اللقطة من الملتقط فالتقطها آخر وجب عليه التعريف به، فإن وجد صاحبها دفعها إليه، وإن وجد الملتقط الاول دفعها إليه وكان على الملتقط الاول إكمال التعريف حتى تتم السنة ولو بضميمة تعريف الملتقط الثاني.

هذا إذا لم يظهر من الملتقط الاول البناء على الخيانة والتقصير في أمره، وإلا حرم على الملتقط الثاني دفعها إليه لو وجده، بل يجب عليه إكمال التعريف بنفسه حتى يجد المالك. والأحوط وجوباً حينئذٍ أن لا يجتزئ بتعريف الاول، بل يعرفها سنة من حين وجدانه له، كما هو المتعين لو لم يعلم بأنها لقطة قد ضاعت من الملتقط. فإذا تمت السنة كان مخيراً بين الاُمور الثلاثة كالملتقط الاول.

(مسألة ٤١): لابد في التعريف باللقطة من تجنب ما يوجب إيهام المالك وانصراف ذهنه عنه، فإذا كانت نسيجاً مخيطاً لم يكف أن يقول: من ضاع له نسيج، إذا كان النسيج ينصرف لغير المخيط، وإذا مرت على اللقطة مدة

١٧٨

طويلة لم يكف التعريف بما يوهم قرب ضياعه. بل إذا كان في اللقطة بعض الخصوصيات التي يكون ذكرها منبهاً للمالك عليها ومثيراً لاحتماله إرادتها من التعريف ومحفزاً على طلبها وجب ذكره، ككونها ذهباً أو فضة أو مصوغاً أو مخيطاً أو غير ذلك. نعم لابد من الابهام من بعض الجهات بالنحو الذي يحتاج معه إلى ذكر العلامة التي يختص بمعرفتها المالك.

(مسألة ٤٢): يجب في التعريف تحري المواضع التي يتوقع من التعريف فيها اطلاع المالك عليه إما لبحثه عن اللقطة فيها أو لحضوره فيها أو لوصول نبأ التعريف منها إليه، وهو يختلف باختلاف الامكنة والاحوال والازمنة، ففي اللقطة في المدينة يكون التعريف في المواضع القريبة من مكان اللقطة التي يتعارف فحص المالك عن اللقطة فيها وفي الاماكن والمجامع العامة التي يتوقع حضور المالك فيها أو شيوع التعريف فيها بين أهل المدينة حتى يطلع المالك عليه. وفي لقطة الصحراء يكون التعريف للنازلين في موضع اللقطة وفي الاماكن القريبة منه. وفي اللقطة في منازل المسافرين يكون التعريف في موضع الالتقاط وفي المنازل المتأخرة عنه حتى ينتهي إلى بلد المسافرين. وفي اللقطة في أيام المواسم التي يجتمع فيها الناس من مختلف البلدان - كالحج والزيارات - يكون التعريف في المشاهد وفي البلدان التي يجتمع فيها الناس ويرجعون إليها بعد انقضاء الموسم لو تيسر الوصول إليه... إلى غير ذلك.

(مسألة ٤٣): يجب تتابع التعريف في ضمن السنة بحيث يصدق عرفاً استمرار التعريف فيها وعدم انقطاعه وذلك يختلف باختلاف كيفية التعريف وباختلاف الاعراف والعادات التي تجري عليها الناس في ذلك.

(مسألة ٤٤): إذا ادعى اللقطة مدع وعلم صدقه - إما لوثاقته في نفسه أو لذكره علامات لا يطلع عليها غير المالك عادة، أو لغير ذلك - فلا إشكال،

١٧٩

وكذا إن قامت البينة على ملكيته له. وبدونهما لابد من الاطمئنان بصدقه بذكره علامات للقطة يبعد اطلاع غير المالك عليه. ولا يكفي مجرد ذكره للعلامات إذا احتمل بوجه معتد به اطلاعه عليهامن المالك أو نحوه، بل لا يكفي ذلك وإن أوجب الظن إذا لم يوجب الاطمئنان.

(مسألة ٤٥): لا يشترط العلم أو البينة أو الاطمئنان بكون الشخص هو المالك الواقعي في جواز دفع اللقطة إليه، بل يكفي العلم أو البينة أو الاطمئنان بكونه صاحب اليد عليها قبل الضياع وإن احتمل عدم ملكيته لها واقع، بل وإن علم ذلك إذا ادعى كونه وكيلاً من قبل المالك أو ولياً عليه أو نحو ذلك ممن يحق له الاستيلاء على العين والمطالبة به. نعم مع العلم بأن يده عادية - كالسارق لها والذي يأخذها بعقد فاسد ونحوهما - لا يجوز دفعها إليه، بل لابد من الفحص عن المالك - الواقعي أو الظاهري - أو من يقوم مقامه، ومع عدم العثور عليه يجري ما سبق. وكذا إذا ادعى الوكالة أو الولاية أو نحوهما ولم يثبت سبق يده على اللقطة، فإنه لا يجوز دفعها إليه ما لم تثبت دعواه بوجه شرعي.

(مسألة ٤٦): إذا عرف المالك وتعذر إيصال اللقطة إليه أو إلى وكيله أو وليّه، فإن كانت مما يصرف بعينه كالطعام واللباس وعلم رضا المالك بصرفها بعينها في بعض الوجوه - كبذلها للفقراء ليأكلوها أو يلبسوها - حلَّ ذلك. ولا يكفي ذلك في جواز بيعها وإنفاق ثمنه. وفي غير ذلك إن أمكن الرجوع له في كيفية التصرف فيها وجب، وإن تعذر وجب حفظها للمالك مهما طال الزمان. نعم مع اليأس من الوصول له أو لوارثه لابد من الرجوع للحاكم الشرعي في كيفية التصرف فيها بدلاً عن المالك.

(مسألة ٤٧): لا يجوز دفع اللقطة للحاكم الشرعي ليستقل بإجراء حكمها ولا تبرأ الذمة بذلك. إلا أن يكون الدفع إليه راجعاً إلى توكيل الملتقط

١٨٠