النص والاجتهاد

النص والاجتهاد0%

النص والاجتهاد مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 629

النص والاجتهاد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي
تصنيف: الصفحات: 629
المشاهدات: 148402
تحميل: 6089

توضيحات:

النص والاجتهاد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 629 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 148402 / تحميل: 6089
الحجم الحجم الحجم
النص والاجتهاد

النص والاجتهاد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والأخبار متواترة في منعه الناس عن تدوين العلم، وردعه إياهم عن جمع السنن والآثار، وربما حظر عليهم الحديث عن رسول الله مطلقا، وحبس أعلامهم في المدينة الطيبة لكيلا يذيعوا الأحاديث في الآفاق(١٩٢) .

ولا يخفى ما قد ترتب على هذا من المفاسد التي لا تتلافى أبدا، فليت الخليفتين

____________________

=> المجلد الثالث من شرح النهج. وقد كان الواجب هنا من حق هذه الكتب وحق الأمة أن يأمر الخليفة بتمحيصها فيخص بالتمزيق مالا فائدة به أما ذو الفائدة كعلم الطب والعلوم الرياضية وعلم طبقات الأرض - الجلوجيا - والجغرافيا والعلم بأخبار الماضين من الأمم الماضية والقرون الخالية وما أشبه ذلك مما يبيحه الإسلام فلا وجه لتمزيقه. وقد قال أمير المؤمنينعليه‌السلام العلم ضالة المؤمن فخذوه ولو من المشركين. (الحديث). وقال: الحكمة ضالة المؤمن يطلبها ولو من أيدى الشرط. روى هذين القولين عن علىعليه‌السلام أبو عمر ابن عبد البر في باب الحال التي تنال به العلم من كتابه - جامع بيان العلم وفضله - فراجع ص ٥١ من مختصره (منه قدس). وراجع: الغدير للأميني ج ٦ / ٢٩٧ - ٢٩٨، كنز العمال ج ١٠ / ٢٩٢ ح ٢٩٤٧٩، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١٢ / ١٠١ ط أبو الفضل.

(١٩٢) فمنهم عبد الرحمن بن عوف. قال: والله ما مات عمر حتى بعث إلى أصحاب رسول الله فجمعهم من الآفاق: عبد الله بن حذيفة وأبى الدرداء وأبى ذر وعقبة بن عامر فقال: ما هذه الأحاديث التي قد أفشيتم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الآفاق، قالوا: تنهانا ! قال: لا. أقيموا عندي، لا والله لا تفارقوني ما عشت. (الحديث)، أخرجه ابن إسحاق وهو الحديث ٤٨٦٥ ص ٢٣٩ من الجزء الخامس من الكنز (منه قدس). وراجع: الغدير للأميني ج ٦ / ٢٩٤ - ٢٩٧، سنن الدرامي ج ١ /، سنن ابن ماجة ج ١، مستدرك الحاكم ج ١ / ١٠٢ و ١١٠، جامع بيان العلم ج ٢ / ١٤٧ وما بعدها تذكرة الحفاظ للذهبي ج ١ / ٤ و ٧، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٤ / ٦١، مقدمة مرآة العقول ج ١ / ٢٩، تاريخ ابن كثير ج ٨ / ١٠٧، تذكرة الحفاظ للذهبي ج ١ / ٣، تاريخ التشريع الإسلامي للخضري ج ١ / ٧ و ١٢٣، تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية ص ١٦١، أضواء على السنة المحمدية ص ٥٣ (*).

١٦١

صبرا نفسيهما مع علي بن أبي طالب(١٩٣) وسائر الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله والخيرة من أصحابه فيحبساهم على جمع السنن والآثار النبوية وتدوينها في كتاب خاص يرثه عنهم من جاء بعدهم من التابعين فتابعيهم في كل خلف من هذه الأمة، شأن الذكر الحكيم والفرقان العظيم، فان في السنة ما يوضح متشابه القرآن، ويبين مجمله، ويخصص عامه ويقيد مطلقه، ويوقف أولي الألباب على كهنه، فيحفظها حفظه، وبضياعها ضياع لكثير من أحكامه، فما كان أولاها بعناية الخليفتين واستفراغ وسعهما في ضبطها وتدوينها، ولو فعلا ذلك لعصما الأمة والسنة من معرة الكاذبين بما افتأتوه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ لو كانت السنن مدونة من ذلك العصر في كتاب تقدسه الأمة لارتج على الكذابين باب الوضع، وحيث فاتهما ذلك كثرت الكذابة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولعبت في الحديث أيدي السياسة، وعاثت به السنة الدعاية الكاذبة، ولاسيما على عهد معاوية وفئته الباغية، حيث سادت فوضى الدجاجيل، وراج سوق الأباطيل(١٩٤) .

____________________

(١٩٣) تقدم أمير المؤمنين على بن أبى طالبعليه‌السلام وشيعته في تدوين علوم الإسلام راجع: كتاب تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام للسيد حسن الصدر ط في العراق، الشيعة وفنون الإسلام للصدر أيضا، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج ٤ / ٥٤٦ - ٥٥٥، المراجعات ص ٣٣٥، سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (٩٧٠ و ٩٧٣ إلى ١٠٢٨) طبع ملحقا بالمراجعات، جامع أحاديث الشيعة ج ١ / ٧ - ١١.

(١٩٤) وضع الأحاديث كذبا على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : راجع: الغدير للأميني ج ٥ / ٢٩٧ - ٣٧٥ وج ٧ / ٨٧ - ١١٤ و ٢٣٧ - ٣٢٩ وج ٨ / ٣٠ - ٩٦ وج ٩ / ٢١٨ - ٣٩٦ وج ١٠ / ٦٧ - ١٣٧ وج ١١ / ٧٤ - ١٩٥، كتاب أبو هريرة للسيد شرف الدين، شيخ المضيرة أبو هريرة للشيخ أبى رية، أضواء =>

١٦٢

وقد كان في وسع الخليفتين وأوليائهما أن يكفوا الأمة شر هؤلاء بتدوين السنن على نحو ما ذكرناه، وما كان ليخفى عليهم رجحان ذلك، ولعلك تعلم أنهم كانوا أعرف منا بلزومه، لكن مطامعهم التي تأهبوا وأعدوا وتعبأوا لها، لا تتفق مع كثير من النصوص الصريحة المتوافرة التي لابد من تدوينها لو أبيح التدوين لكونها مما لا يجحد صدوره ولا يكابر في معناه(١٩٥) ومن هاهنا أتينا فانا لله وإنا إليه راجعون.

أما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد استودع كلا من الكتاب والسنة ومواريث الأنبياء وصيه ووليه علي بن أبي طالب، وبذلك أحصاها في إمام مبين لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وعهد إليه أن يحصيها فيمن بعدة من الأئمة(١٩٦) وهكذا يكون إحصاؤها في أئمة العترة إماما بعد إمام ثقل رسول الله واعدال كتاب الله لن يفترقا حتى يردا الحوض على رسول الله. وقد صحح عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله: " علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض "(١٩٧) .

____________________

=> على السنة المحمدية لابي رية، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ٤ / ٦٣ و ٦٤ و ٦٧ و ٦٩ و ٧٣ وج ١١ / ٤٤ وج ١٣ / ٢١٩ و ٢٢٣ ط أبو الفضل، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص ١٧٣ تحت رقم (٦١٤ و ٧٠١) ط بيروت.

(١٩٥) مثل حديث الغدير المتواتر وغيره من الأحاديث راجع: كتاب المراجعات لشرف الدين، سبيل النجاة في تتمة المراجعات طبع مع المراجعات في بغداد وبيروت عبقات الأنوار ط الهند وإيران وبيروت، دلائل الصدق للمظفر، الغدير للأميني.

(١٩٦) جامع أحاديث الشيعة ج ١ / ١٢٦ - ٣١٩، وراجع ما تقدم من حديث الثقلين تحت رقم (١٥) وحديث السفينة وغيره تحت رقم (١٦ و ١٧ و ١٨ و ١٩).

(١٩٧) أخرجه الحاكم بالإسناد الصحيح إلى أم سلمة عن رسول الله في باب مع القرآن على من كتاب معرفة الصحابة ص ١٢٤ من الجزء الثالث من المستدرك ثم قال: = (*)

١٦٣

..

____________________

=> هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه قلت: وأورده الذهبي في تلخيصه معترفا بصحته ومما يجدر بنا أن نلفت القراء هنا إلى هذه المعية المقدسة المتبادلة بين القرآن وعلى سبيل الدوام والاستمرار في كل لحظة حتى يردا على الحوض.

والى نفى الافتراق بينهما بلن دون لا وغيرها من أدوات النفي، والى موت على قبل وروده مع القرآن على الحوض بمئات من السنين فكيف والحال هذه يتحقق عدم افتراقهما.( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ) (منه قدس).

راجع مصادر الحديث أيضا في: تلخيص المستدرك للذهبي ج ٣ / ١٢٤ بذيل المستدرك وصححه، المناقب للخوارزمي ص ١١٠، المعجم الصغير للطبراني ج ١ / ٥٥، كفاية الطالب ص ٣٩٩ ط الحيدرية وص ٢٥٤ ط الغرى، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٣٤، الصواعق ص ١٢٢ و ١٢٤ ط المحمدية وص ٧٤ و ٧٥ ط الميمنية، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٧٣، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١٥٧ ط السعيدية و ١٤٣ ط العثمانية، نور الأبصار ص ٧٣، الغدير للأميني ج ٣ / ١٨٠، ينابيع المودة للقندوزى ص ٤٠ و ٩٠ و ١٨٥ و ٢٣٧ و ٢٨٣ و ٢٨٥ ط اسلامبول وص ٤٤ و ١٠٣ و ٢١٩ و ٢٨١ و ٣٣٩ و ٣٤٢ ط الحيدرية وج ١ / ٣٨ و ٨٨ وج ٢ / ١٠ و ٦١ و ١٠٨ و ١١٠ ط صيدا، غاية المرام ص ٥٤٠ (باب) ٤٥ ط إيران، فيض القدير للشوكاني ج ٤ / ٣٥٨، الجامع الصغير للسيوطي ج ٢ / ٥٦، إحقاق الحق ج ٥ / ٦٤٠، فرائد السمطين ج ١ / ١٧٧ ح ١٤٠، ترجمة الإمام على بن أبى طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٣ / ١٢٣ بالهامش، الفتح الكبير للنبهاني ج ٢ / ٢٤٢، أسنى المطالب للحوت ص ٢٠١ ح ٨٩٨، المناقب لابن مردويه كما في الطرائف لابن طاوس ج ١ / ١٠٣، ولأجل المزيد من المصادر لهذا الحديث راجع: سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (٧١٦) طبع ملحقا بالمراجعات في بيروت وبغداد. (*)

١٦٤

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ١٤٦: -

[ المورد - (١٥) -: مجئ أناس من المشركين إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مهمة لهم فأحالهم فيها على صاحبيه ليعتذرا إليهم فكانا شافعين لا معتذرين ]

وذلك أن أناسا من المشركين جاؤا إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقولون " يا محمد انا جيرانك وحلفاؤك، وان ناسا من عبيدنا قد أتوك ليس بهم رغبة في الدين، ولا رغبة في الفقه، وانما فروا من ضياعنا وأموالنا فارددهم إلينا. فلم يجبهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ما أرادوا مخافة أن يفتنوهم عن دينهم، لكنهصلى‌الله‌عليه‌وآله كره أن يكاشفهم فقال لأبي بكر: ما تقول يا أبا بكر. أملا بأن يرد، طلبهم. فقال أبو بكر: صدقوا يا رسول الله فتغير وجه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ لم يكن جوابه موافقا لما يريده الله ورسوله فسأل عمر أملا بأن يكاشفهم فقال: ما تقول يا عمر فقال: صدقوا يا رسول الله انهم لجيرانك وحلفاؤك فتغير وجه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله . الحديث أخرجه أحمد من حديث علي (ع) في ص ١٥٥ من الجزء الأول من مسنده وأخرجه النسائي في ص ١١ من الخصائص العلوية.

واليك تمام هذا الحديث بلفظ النسائي، قال: فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا معشر قريش والله ليبعثن الله عليكم رجلا منكم امتحن الله قلبه للإيمان فيضربكم على الدين قال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله. قال: لا. ولكن ذلك الذي يخصف النعل. وقد كان أعطى عليا نعلا يخصفها. انتهى بلفظ النسائي في خصائصه العلوية(١٩٨) .

____________________

(١٩٨) الرجل الذي أمتحن الله قلبه بالإيمان: هو الإمام أمير المؤمنين على بن أبى طالبعليه‌السلام . وبما ان السيد قد نقل الحديث بغير ما هو موجود في النسخة التي هي بين أيدينا فاليك نص الحديث بلفظ النسائي: عن علىعليه‌السلام : قال جاء النبي أناس من قريش فقالوا يا محمد انا جيرانك وحلفائك وان أناسا من عبيدنا قد أتوك ليس بهم رغبة في الدين ولا رغبة في الفقه انما فروا من ضياعنا وأموالنا فارددهم إلينا، فقال لأبي بكر: ما تقول ؟ قال: صدقوا انهم جيرانك وحلفائك. قال: فتغير وجه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال لعمر: ما تقول ؟ قال: صدقوا انهم لجيرانك وحلفائك، فتغير وجه النبي صلى الله عليه (وآله) =>

١٦٥

..

____________________

=> وسلم. فقال: يا معشر قريش، والله ليبعثن الله عليكم رجلا قد امتحن الله قلبه بالإيمان فيضربكم على الدين، فقال أبو بكر: أنا يا رسول الله قال: لا. قال عمر: أنا يا رسول الله، قال: لا، ولكن الذي يخصف النعل، وكان قد أعطى عليا نعله يخصفها ". خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ١١ ط التقدم وص ٦٨ ط الحيدرية وص ١٩ ط بيروت، مسند أحمد بن حنبل ج ٢ / ٣٣٨ ح ١٣٣٥ بسند صحيح. مع حذف الأخر ط دار المعارف بمصر، كنز العمال ج ١٥ / ١١٢ ح ٣١٧ و ٤٣٤ ط ٢. وقريب منه في: ترجمة الإمام على بن أبى طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ / ٣٦٦ ح ٨٦٦. راجع: بقية اجتهاداته مقابل النص. في مقدمة مرآة العقول ج ١ / ٦٠ (*).

١٦٦

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ١٤٨: -

[ الفصل الثاني ] [ تأول عمر وأتباعه ] [ المورد - (١٦) -: رزية يوم الخميس.]

وقد كانت سنة ١١ للهجرة في مرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبيل وفاته(١) (بأبي هو وأمي) بيسير.

[ الحقيقة الثابتة في هذه الرزية ]

والحقيقة هنا على سبيل التفصيل: ما قد أخرجه أصحاب الصحاح وسائر أهل المسانيد، وأرسله أهل السير والأخبار إرسال المسلمات.

واليك الآن بعض ما أخرجه البخاري(٢) بسنده إلى عبيد الله بن عبد الله بن مسعود عن ابن عباس. قال: لما حضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفي البيت رجال فيهم عمر

____________________

(١) وكانت وفاته (بأبي وأمي) يوم الاثنين بعد هذه الرزية بأربعة أيام (منه قدس).

(٢) راجع باب قول المريض: (قوموا عنى) من كتاب المرضى من الجزء الرابع من صحيحه وكتاب العلم من الجزء الأول من الصحيح (منه قدس) (*).

١٦٧

ابن الخطاب. قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : " هلم اكتب لكم كتابا لا تضلوا(١) بعده. فقال عمر: ان النبي قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول: ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي قال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قوموا (عني خ ل) - قال عبيد الله بن عبد الله بن مسعود -: فكان ابن عباس يقول: ان الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم. أه‍ بنصه(١٩٩) .

وهذا الحديث أخرجه مسلم في آخر الوصايا أوائل الجزء الثاني من صحيحه.

ورواه أحمد بن حنبل في مسنده من حديث ابن عباس(٢) وسائر

____________________

(١) بحذف النون مجزوما لكونه جوابا ثانيا لقوله (هلم) (منه قدس).

(١٩٩) الرزية كل الرزية: راجع: صحيح البخاري ك المرضى ب قول المريض قوموا عنى ج ٧ / ٩ أفست دار الفكر على ط استانبول وج ٧ / ١٥٦ ط محمد على صبيح بمصر وطبع مطابع الشعب وج ٤ / ٧ ط دار احياء الكتب وج ٤ / ٥ ط المعاهد وج ٤ / ٥ ط الميمنية وج ٦ / ٩٧ ط بمبى وج ٤ / ٦ ط الخيرية. وتوجد عين هذه الرواية في مواضع أخر من صحيح البخاري. منها: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ب كراهية الخلاف ج ٨ / ١٦١ ط دار الفكر وج ٨ / ٦٤ ط بمبى وج ٤ / ١٩٤ ط الخيرية. ومنها: كتاب النبي إلى كسرى وقيصر ب مرض النبي ووفاته، صحيح مسلم في آخر كتاب الوصية ج ٥ / ٧٥ ط محمد على صبيح وط المكتبة التجارية وج ٢ / ١٦ ط عيسى الحلبي وج ١١ / ٩٥ ط مصر بشرح النووي، مسند أحمد ج ٤ / ٣٥٦ ح ٢٩٩٢ بسند صحيح ط دار المعارف بمصر.

(٢) ص ٣٢٥ من جزئه الأول (منه قدس) (*).

١٦٨

أصحاب السنن والأخبار، وقد تصرفوا فيه فنقلوه بالمعنى، لان لفظه الثابت: " ان النبي يهجر " لكنهم ذكروا أنه قال: " ان النبي قد غلب عليه الوجع " تهذيبا للعبارة، واتقاء فظاعتها.

ويدل على ذلك ما أخرجه أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة(١) بالإسناد إلى ابن عباس، قال: لما حضرت رسول الله الوفاة وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال رسول الله: " ائتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده قال: فقال عمر كلمة معناها أن الوجع قد غلب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال: عندنا القرآن حسبنا كتاب الله. فاختلف من في البيت واختصموا فمن قائل يقول: القول ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن قائل يقول: القول ما قال عمر فلما، أكثروا اللغط واللغوا والاختلاف غضبصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: قوموا. " (الحديث)(٢٠٠) .

وتراه صريحا بأنهم انما نقلوا معارضة عمر بالمعنى لا بعين لفظه. ويدلك على هذا أيضا أن المحدثين حيث لم يصرحوا باسم المعارض يومئذ نقلوا المعارضة بعين لفظها.

قال البخاري - في باب جوائز الوفد من كتاب الجهاد والسير من صحيحه(٢) -: حدثنا قبيصة حدثنا ابن عيينة عن سلمان الاحول عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: " يوم الخميس وما يوم الخميس " ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء، فقال: اشتد برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وجعه يوم

____________________

(١) كما في ص ٢٠ من المجلد الثاني من شرح النهج للعلامة المعتزلي (منه قدس).

(٢٠٠) ادعاء ان النبي يهجر: شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ٦ / ٥١ ط أبو الفضل وج ٢ / ٢٩٤ ط دار مكتبة الحياة وج ٢ / ٣٠ ط دار الفكر.

(٢) ص ١١٨ من جزئه الثاني (منه قدس) (*).

١٦٩

الخميس، فقال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع. فقالوا: " هجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله " قالصلى‌الله‌عليه‌وآله دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني(١) إليه. وأوصى عند موته بثلاث: " أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم (قال): ونسيت الثالثة " آه.(٢٠١) .

وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضا في آخر كتاب الوصية من صحيحه، وأحمد من حديث ابن عباس في مسنده(٢) ورواه سائر المحدثين.

وأخرج مسلم في كتاب الوصية من الصحيح عن سعيد بن جبير من طريق آخر عن ابن عباس، قال: " يوم الخميس وما يوم الخميس " ثم جعل تسيل

____________________

(١) تدعوني بالتشديد لأنها مرفوعة بثبوت النون فادغمت نون الرفع بنون الوقاية (منه قدس).

(٢٠١) ليست الثالثة إلا الأمر الذي أراد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يكتبه حفظا لهم من الضلال لكن السياسة اضطرت المحدثين إلى ادعاء نسيانه كما نبه إليه مفتى الحنفية في (صور) الشيخ أبو سليمان الحاج داود الدادا (منه قدس).

رزية يوم الخميس وتناسي الوصية: راجع: صحيح البخاري ك الجهاد والسير ب جوائز الوفد ج ٤ / ٣١ ط دار الفكر وج ٤ / ٨٥ ط مطابع الشعب وج ٢ / ١٧٨ ط دار احياء الكتب وج ٢ / ١٢٠ ط المعاهد وج ٢ / ١٢٥ ط الشرفية وج ٥ / ٨٥ ط محمد على صبيح وج ٤ / ٥٥ ط الفجالة وج ٢ / ١١١ ط الميمنية وج ٣ / ١١٥ ط بمبى.

صحيح مسلم ك الوصية ب ترك الوصية ج ٢ / ١٦ ط عيسى الحلبي وج ٥ / ٧٥ ط محمد على صبيح والمكتبة التجارية وج ١١ / ٨٩ - ٩٤ ط مصر بشرح النووي.

مسند أحمد ج ١ / ٢٢٢ ط الميمنية وج ٣ / ٢٨٦ ح ١٩٣٥ بسند صحيح وج ٥ / ٤٥ ح ٣١١١ ط دار المعارف بمصر.

(٢) ص ٢٢٢ من جزئه الأول (منه قدس) (*).

١٧٠

دموعه حتى رؤيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ قال: " قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ائتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا فقالوا: ان رسول الله يهجر " آه.(٢٠٢) .

ومن ألم بما حول هذه الرزية من الصحاح(٢٠٣) يعلم ان أول من قال

____________________

(٢٠٢) وأخرج هذا الحديث بهذه الالفاظ أحمد في مسنده ج ١ ص ٣٥٥ وغير واحد من اثبات السنن (منه قدس). التطاول على الساحة المقدسة بدعواهم ان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يهجر: صحيح مسلم ك الوصية ب ترك الوصية لمن ليس عنده شئ ج ٢ / ١٦ ط الحلبي وج ٥ / ٧٥ ط صبيح وج ١١ / ٩٤ ط مصر بشرح النووي. مسند أحمد ج ٥ / ١١٦ ح ٣٣٣٦ بسند صحيح ط دار المعارف بمصر، تاريخ الطبري ج ٣ / ١٩٣، الكامل لابن الأثير ج ٢ / ٣٢٠.

(٢٠٣) رزية يوم الخميس لها مصادر كثيرة غير ما تقدم راجع منها :

أ - صحيح البخاري ك العلم ب كتابة العلم ج ١ / ٣٧ ط دار الفكر وج ١ / ٣٩ ط مطابع الشعب وج ١ / ١٤ ط بمبى وج ١ / ٣٢ ط دار احياء الكتب وج ١ / ٢٢ ط المعاهد وج ١ / ٢٢ ط الشرفية وج ١ / ٣٨ ط صبيح وج ١ / ٢٨ ط الفجالة وج ١ / ٢٠ ط الميمنية.

ب - صحيح البخاري أيضا كتاب النبي إلى كسرى وقيصر ب مرض النبي ووفاته ج ٦ / ١١ ط مطابع الشعب وج ٥ / ٤٠ ط بمبى وج ٣ / ٦٦ ط الخيرية.

ج - صحيح البخاري أيضا ك الجزية ب اخراج اليهود من جزيرة العرب ج ٤ / ٦٥ ط دار الفكر وج ٤ / ١٢ ط بمبى وج ٢ / ١٣٢ ط آخر.

تاريخ الطبري ج ٣ / ١٩٢ - ١٩٣، عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ / ٧٩، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ١٣٣ ط ١، الملل والنحل للشهرستاني ج ١ / ٢٢، الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ / ٢٤٢ - ٢٤٤. فالمتتبع إذا راجع هذه المصادر مع ما تقدم يحصل له القطع ان القائل بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يهجر انما هو عمر. فانا لله وإنا إليه راجعون. (*)

١٧١

يومئذ: " هجر رسول الله " انما هو عمر(٢٠٤) .

ثم نسج على منواله من الحاضرين من كانوا على رأيه. وقد سمعت قول ابن عباس - في الحديث الأول(١) -: فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر(٢٠٥) - أي يقول: هجر رسول الله - وفي رواية أخرجها الطبراني في الأوسط عن عمر(٢) قال: لما مرض النبي قال: ائتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا. فقال النسوة من وراء الستر: ألا تسمعون ما يقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال عمر: فقلت: انكن صواحبات يوسف إذا مرض عصرتن أعينكن وإذا صح ركبتن عنقه ؟ قال: فقال رسول الله: " دعوهن فانهن خير منكم ". آه(٢٠٦) .

وأنت ترى انهم لم يتعبدوا هنا بنصه الذي لو تعبدوا به لآمنوا من الضلال وليتهم اكتفوا بعدم الامتثال ولم يردوا قوله إذ قالوا: " حسبنا كتاب الله " حتى كأنه لا يعلم بمكان كتاب الله منهم، أو أنهم أعلم منه بخواص الكتاب وفوائده.

وليتهم اكتفوا بهذا كله ولم يفاجئوه بكلمتهم تلك " هجر رسول الله " وهو محتضر بينهم وأي كلمة كانت وداعا منهم لهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكأنهم - حيث لم

____________________

(٢٠٤) قول عمر ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ليهجر صرح به كل من: السبط بن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص ص ٦٢ ط الحيدرية، وأبى حامد الغزالي في كتابه سر العالمين وكشف ما في الدارين ص ٢١ ط النعمان.

(١) الذي أخرجه البخاري عن عبيد الله بن عبد الله بن مسعود عن ابن عباس، وأخرجه مسلم أيضا وغيره (منه قدس).

(٢٠٥) تقدمت مصادر الحديث تحت رقمي (١٩٩ و ٢٠٣) فراجع.

(٢) كما في ص ١٣٨ من الجزء الثالث من كنز العمال (منه قدس).

(٢٠٦) النساء خير من الرجال: راجع: عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ / ٧٩، الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ / ٢٤٣ (*).

١٧٢

يأخذوا بهذا النص اكتفاء منهم بكتاب الله على ما زعموا - لم يسمعوا هتاف الكتاب آناء الليل وأطراف النهار في أنديتهم( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٢٠٧) وكأنهم " حيث قالوا: هجر " لم يقرأوا قوله تعالى:( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ) (٢٠٨)

وقوله عز من قائل:( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ) (٢٠٩)

وقوله جل وعلا:( مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) (٢١٠) .

على أن العقل بمجرده مستقل بعصمته، لكنهم علموا أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله انما أراد توثيق العهد بالخلافة، وتأكيد النص بها على عليعليه‌السلام خاصة، وعلى الأئمة من عترته عامة فصدوه عن ذلك، كما اعترف به الخليفة الثاني في كلام دار بينه وبين ابن عباس(٢١١) .

وأنت إذا تأملت في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده وقوله في حديث الثقلين: " اني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي "(٢١٢)

تعلم ان المرمى في الحديثين واحد، وانهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما أراد

____________________

(٢٠٧) سورة الحشر آية: ٧.

(٢٠٨) سورة التكوير آية: ١٩ - ٢٢.

(٢٠٩) سورة الحاقة آية: ٤٠ - ٤٣.

(٢١٠) سورة النجم آية: ٢ - ٦.

(٢١١) راجع شرح النهج الحديدي ج ٣ / ١١٤ س ٢٧ طبع مصر (منه قدس). شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١٢ / ٧٩ بتحقيق أبو الفضل وج ٣ / ٨٠٣ ط دار مكتبة الحياة وج ٣ / ١٦٧ ط دار الفكر.

(٢١٢) حديث الثقلين تقدم مع مصادره تحت رقم (١٥) فراجع. (*)

١٧٣

في مرضه أن يكتب لهم تفصيل ما أوجبه عليهم في حديث الثقلين. وانما عدل عن ذلك، لان كلمتهم تلك التي فاجؤه بها اضطرته إلى العدول إذ لم يبق بعدها أثر لكتابة الكتاب سوى الفتنة والاختلاف من بعده في انه هل هجر فيما كتبه " والعياذ بالله " أو لم يهجر. كما اختلفوا في ذلك فاختصموا وأكثروا اللغو واللغط نصب عينيه فلم يتسن له يومئذ أكثر من قوله لهم: قوموا كما سمعت، ولو أصر. فكتب الكتاب للجوا في قولهم هجر، ولاوغل أشياعهم في اثبات هجره " والعياذ بالله " فسطروا به أساطيرهم، وملاوا طواميرهم ردا على ذلك الكتاب، وعلى من يحتج به.

لهذا اقتضت الحكمة البالغة أن يضربصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك الكتاب صفحا، لئلا يفتح هؤلاء وأولياؤهم بابا إلى الطعن في النبوة " نعوذ بالله وبه نستجير " وقد رأى ان عليا وأولياءه خاضعون لمضمون ذلك الكتاب، سواء عليهم، أكتب أم لم يكتب، وغيرهم لا يعمل به، ولا يعتبره لو كتب، فالحكمة - والحال هذه - توجب تركه، إذ لا أثر له بعد تلك المعارضة سوى الفتنة كما لا يخفى.

[ أعذار المعارضين وتزييفها ]

وقد اعتذر شيخنا الشيخ سليم البشري المالكي(٢١٣) شيخ الجامع

____________________

(٢١٣) البشري شيخ الجامع الأزهر: ولد سنة ١٢٤٨ ه‍ وتوفى ١٣٣٥ ه‍ وكان الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين (قدس الله روحه) في أواخر سنة ١٣٢٩ ه‍ قد سافر إلى مصر واجتمع بالشيخ النحرير الشيح سليم وكان في ذلك الوقت شيخ الأزهر وقد دارت بين هذين العلمين مناظرات ومباحثات علمية موضوعية وكان من نتائجها كتاب (المراجعات) الذي هو فريد في نوعه وقد طبع أكثر من عشرين طبعة وترجم إلى عدة لغات وقد قام الأقل الحقير بتحقيقه =>

١٧٤

الأزهر في بعض " مراجعات " كانت بيني وبينه في مصر سنة ١٣٢٩ والتي بعدها. فقالرحمه‌الله : لعل النبيعليه‌السلام حين أمرهم بإحضار الدواة والبياض لم يكن قاصدا لكتابة شئ من الأشياء، وانما أراد بكلامه مجرد اختبارهم لا غير، فهدى الله عمر الفاروق لذلك دون غيره من الصحابة فمنعهم من احظارهما، فيجب - على هذا - عد تلك الممانعة في جملة موافقاته لربه تعالى وتكون من كراماتهرضي‌الله‌عنه .

قالرحمه‌الله : هكذا أجاب بعض الأعلام (ثم قال): لكن الإنصاف ان قولهعليه‌السلام : لا تضلوا بعده يأبى ذلك، لأنه جواب ثان للأمر، فمعناه انكم ان أتيتم بالدواة والبياض وكتبت لكم ذلك الكتاب لا تضلوا بعده، ولا يخفى ان الأخبار بمثل هذا الخبر لمجرد الاختبار انما هو من نوع الكذب الواضح الذي يجب تنزيه كلام الأنبياء عنه، ولا سيما في موضع يكون ترك إحضار الدواة والبياض أولى من احضارهما.

(قال): على أن في هذا الجواب نظرا من جهات أخر، فلابد هنا من اعتذار آخر. قال: وحاصل ما يمكن أن يقال: ان الأمر لم يكن أمر عزيمة وإيجاب حتى لا تجوز مراجعته ويصير المراجع عاصيا، بل كان أمر مشورة، وكانوا يراجعونهعليه‌السلام في بعض تلك الأوامر ولاسيما عمر فانه كان يعلم من

____________________

=> والتعليق عليه وقد طبع مع التعليق في بغداد وذلك برعاية وأمر السيد الأستاذ الشهيد الإمام السيد محمد باقر الصدر (قدس) وطبع أخيرا في بيروت. فمن أراد الاطلاع على الحقيقة الناصعة فعليه بمراجعة الكتاب مع تعليقته (سبيل النجاة في تتمة المراجعات)

١٧٥

نفسه أنه موفق للصواب في ادراك المصالح، وكان صاحب الهام من الله تعالى وقد أراد التخفيف عن النبي إشفاقا عليه من التعب الذي يلحقه بسبب إملاء الكتاب في حال المرض والوجع وقد رأىرضي‌الله‌عنه أن ترك إحضار الدواة والبياض أولى.

وربما خشي أن يكتب النبيعليه‌السلام أمورا يعجز عنها الناس فيستحقون العقوبة بسبب ذلك، لانها تكون منصوصة لا سبيل إلى الاجتهاد فيها. ولعله خاف من المنافقين أن يقدحوا في صحة ذلك الكتاب. لكونه في حال المرض فيصير سببا للفتنة، فقال: حسبنا كتاب الله لقوله تعالى:( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) (٢١٤) وقوله:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (٢١٥) وكأنهرضي‌الله‌عنه أمن من ضلال الأمة، حيث أكمل الله لها الدين وأتم عليها النعمة.

قالرحمه‌الله : هذا جوابهم وهو كما ترى، لان قولهعليه‌السلام : لا تضلوا يفيد ان الأمر أمر عزيمة وإيجاب، لان السعي فيما يوجب الأمن من الضلال واجب مع القدرة بلا ارتياب، واستياؤهصلى‌الله‌عليه‌وآله منهم، وقوله لهم قوموا حين لم يمتثلوا أمره دليل آخر على أن الأمر انما كان للإيجاب لا للمشورة.

قال: [ فان قلت: ] لو كان واجبا ما تركه النبيعليه‌السلام بمجرد مخالفتهم، كما انه لم يترك التبليغ بسبب مخالفة الكافرين.

فالجواب: أن هذا الكلام لو تم فانما يفيد كون كتابة ذلك الكتاب لم تكن واجبة على النبي بعد معارضتهم لهعليه‌السلام ، وهذا لا ينافي وجوب الإتيان بالدواة والبياض عليهم حين أمرهم النبي به، وبين لهم أن فائدته الأمن من الضلال إذ الأصل في الأمر انما هو الوجوب

____________________

(٢١٤) سورة الأنعام: ٣٨.

(٢١٥) سورة المائدة آية: ٣ (*).

١٧٦

على المأمور لا على الأمر، ولاسيما إذا كانت فائدته عائدة إلى المأمور خاصة والوجوب عليهم هو محل الكلام، لا الوجوب عليه. قال: على انه يمكن أن يكون واجبا عليه أيضا، ثم سقط الوجوب عنه بعدم امتثالهم وبقولهم هجر، حيث لم يبق لذلك الكتاب أثر سوى الفتنة كما قلت حرسك الله.

قالرحمه‌الله : وربما اعتذر بعضهم بأن عمررضي‌الله‌عنه ومن قالوا يومئذ بقوله لم يفهموا من الحديث ان ذلك الكتاب سيكون سببا لحفظ كل فرد من أفراد الأمة من الضلال على سبيل الاستقصاء، بحيث لا يضل بعده منهم أحد أصلا، وانما فهموا من قوله لا تضلوا أنكم لا تجتمعون على الضلال بقضكم وقضيضكم، ولا تتسرى الضلالة بعد كتابة الكتاب إلى كل فرد من أفرادكم، وكانوا رضي ‌الله‌ عنهم يعلمون ان اجتماعهم بأسرهم على الضلال مما لا يكون أبدا وبسبب ذلك لم يجدوا أثرا لكتابته، وظنوا ان مراد النبي ليس الا زيادة الاحتياط في الأمر لما جبل عليه من وفور الرحمة، فعارضوه تلك المعارضة، بناء منهم أن الأمر ليس للإيجاب وأنه انما هو أمر عطف ومرحمة ليس الا، فأرادوا التخفيف عن النبي بتركه. إشفاقا منهم عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال: هذا كل ما قيل في الاعتذار عن هذه البادرة، لكن من أمعن النظر فيه جزم ببعده عن الصواب لان قولهعليه‌السلام : لا تضلوا يفيد أن الأمر للإيجاب كما ذكرنا واستياؤه منهم دليل على أنهم تركوا أمرا من الواجبات عليهم، وأمره إياهم بالقيام مع سعة ذرعه وعظيم تحمله، دليل على أنهم انما تركوا من الواجبات ما هو أوجبها وأشدها نفعا، كما هو معلوم من خلقه العظيم.

قال: فالأولى ان يقال في الجواب: هذه قضية في واقعة كانت منهم على

١٧٧

خلاف سيرتهم كفرطة سبقت، وفلتة ندرت، لا نعرف وجه الصحة فيها على سبيل التفصيل، والله الهادي إلى سواء السبيل(٢١٦) .

قلت: قد استفرغ شيخنا وسعه في الاعتذار عن هذه المعارضة، وفي حمل المعارضين فيها على الصحة، فلم يجد إلى ذلك سبيلا، لكن علمه واعتداله وإنصافه وكل ذلك أبى عليه الا أن يصدع برد تلك الترهات، ولم يقتصر في تزييفها على وجه واحد حتى استقصى مالديه من الوجوه، شكر الله حسن بلائه في ذلك.

[ تزييف الأعذار من نواحي أخر ]

وحيث كان لدينا في رد تلك الأعذار وجوه أخر، أحببت يومئذ عرضها عليه، وجعلت الحكم فيها موكولا إليه. فقلت: قالوا في الجواب الأول: لعلهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين أمرهم بإحضار الدواة لم يكن قاصدا لكتابة شئ من الأشياء، وانما أراد مجرد اختبارهم لا غير.

فنقول - مضافا إلى ما أفدتم -: ان هذه الواقعة انما كانت حال احتضاره - بأبي وأمي - كما هو صريح الحديث، فالوقت لم يكن وقت اختبار، وانما كان وقت أعذار وإنذار، ونصح تام للأمة، والمحتضر بعيد عن الهزل والمفاكهة مشغول بنفسه ومهماته ومهمات ذويه ولاسيما إذا كان نبيا.

وإذا كانت صحته مدة حياته كلها لم تسع اختبارهم، فكيف يسعها وقت احتضاره. على أن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله - حين أكثروا اللغو واللغط والاختلاف عنده - :

____________________

(٢١٦) كتاب المراجعات لشرف الدين مراجعة - ٨٧ - وص ٣٥٧ - ٣٦٠ ط بيروت. (*)

١٧٨

" قوموا " ظاهر في استيائه منهم، ولو كان الممانعون مصيبين لاستحسن ممانعتهم وأظهر الارتياح إليها. ومن ألم بأطراف هذا الحديث، ولاسيما قولهم: " هجر رسول الله " يقطع بأنهم كانوا عالمين أنه انما يريد أمرا يكرهونه، ولذا فاجؤوه بتلك الكلمة وأكثروا عنده اللغو واللغط والاختلاف كما لا يخفى.

وبكاء ابن عباس بعد ذلك لهذه الحادثة وعدها رزية دليل على بطلان هذا الجواب.

قال المعتذرون: ان عمر كان موفقا للصواب في أدراك المصالح، وكان صاحب الهام من الله تعالى. وهذا مما لا يصغى إليه في مقامنا هذا لأنه يرمي إلى ان الصواب في هذه الواقعة انما كان في جانبه، لا في جانب النبي، وأما الهامه يومئذ كان أصدق من الوحي الذي نطق عنه الصادق الأمينصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقالوا: بأنه أراد التخفيف عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله إشفاقا عليه من التعب الذي يلحقه بسبب إملاء الكتاب في حال المرض، وأنت تعلم ان في كتابة ذلك الكتاب راحة قلب النبي، وبرد فؤاده وقرة عينه، وأمنه على أمتهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الضلال.

على ان الأمر المطاع، والإرادة المقدسة مع وجوده الشريف انما هما له، وقد أراد - بأبي وأمي - إحضار الدواة والبياض، وأمر به فليس لأحد أن يرد أمره أو يخالف إرادته( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ) (٢١٧) .

على ان مخالفتهم لأمره في تلك المهمة العظيمة، ولغوهم ولغطهم واختلافهم عنده كان أثقل عليه وأشق من املاء ذلك الكتاب الذي يحفظ أمته من الضلال

____________________

(٢١٧) سورة الأحزاب آية: ٣٦ (*).

١٧٩

وإذا كان خائفا من المنافقين ان يقدحوا في صحة ذلك الكتاب، فلماذا بذر لهم بذرة القدح، حيث عارض ومانع وقال: " هجر " ؟ ! وأما قولهم في تفسير قوله: " حسبنا كتاب الله ": انه تعالى قال:( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) وقال عز من قائل:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) فغير صحيح، لان الآيتين لا تفيدان الأمن من الضلال، ولا تضمنان الهداية للناس، فكيف يجوز ترك السعي في ذلك الكتاب اعتمادا عليهما ؟ ولو كان وجود القرآن العزيز موجبا للامن من الضلال، لما وقع في هذه الأمة من الضلال والتفرق ما لا يرجى زواله(١) .

وقالوا في الجواب الأخير: ان عمر لم يفهم من الحديث ان ذلك الكتاب سيكون سببا لحفظ كل فرد من امته من الضلال، وانما فهم انه سيكون سببا لعدم اجتماعهم - بعد كتابته - على الضلال.

(قالوا): وقد علمرضي‌الله‌عنه ان اجتماعهم على الضلال مما لا يكون أبدا، كتب ذلك الكتاب أو لم يكتب ولهذا عارض يومئذ تلك المعارضة. وفيه مضافا إلى ما أشرتم إليه: ان عمر لم يكن بهذا المقدار من البعد

____________________

(١) وأنت تعلم ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقل: ان مرادي أن اكتب الأحكام، حتى يقال في جوابه: حسبنا في فهمها كتاب الله تعالى ولو فرض ان مراده كان كتابة الأحكام، فلعل النص عليها منه كان سببا للأمن من الضلال، فلا وجه لترك السعي في ذلك النص اكتفاء بالقرآن، بل لو لم يكن لذلك الكتاب الا الأمن من الضلال بمجرده لما صح تركه والاعراض عنه اعتمادا على ان كتاب الله جامع لكل شئ. وأنت تعلم اضطرار الأمة إلى السنة المقدسة وعدم استغنائها عنها بكتاب الله وان كان جامعا مانعا، لان الاستنباط منه غير مقدور لكل أحد، ولو كان الكتاب مغنيا عن بيان الرسول لما أمر الله تعالى ببيانه للناس، إذ قال عز من قائل:( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) (منه قدس) (*).

١٨٠