النص والاجتهاد

النص والاجتهاد0%

النص والاجتهاد مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 629

النص والاجتهاد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي
تصنيف: الصفحات: 629
المشاهدات: 148366
تحميل: 6089

توضيحات:

النص والاجتهاد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 629 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 148366 / تحميل: 6089
الحجم الحجم الحجم
النص والاجتهاد

النص والاجتهاد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الكلام هذا بل هو أعظم الفتح، قد رضي المشركون أن يدفعوكم بالبراح عن بلادهم، ويسألوكم القضية، ويرغبوا إليكم في الأمان، وقد رأوا منكم ما كرهوا، وأظفركم الله عليهم، وردكم سالمين مأجورين، فهو أعظم الفتوح أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون على أحد وأنا أدعوكم في أخراكم ؟ أنسيتم يوم الأحزاب إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الإبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا ؟ ". فقال المسلمون: صدق الله ورسوله، والله يا نبي الله ما فكرنا فيما فكرت فيه، ولانت أعلم بالله وبأوامره منا(٢٤١) .

لكن قال عمر حينئذ: يا رسول الله ألم تقل انك تدخل مكة آمنا ؟ قال: بلى، أفقلت لكم من عامي هذا ؟ قال: لا. الحديث(٢٤٢) .

وعن سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى الشعبي في قوله تعالى: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا) قال: لم يكن في الإسلام فتح قبله أعظم منه، فانه لما كانت الهدنة ووضع الحرب، وأمن الناس بعضهم بعضا ؟ والتقوا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة، لم يكلم أحد من المسلمين ذا عقل في تلك المدة

____________________

(٢٤١) راجع قصة الحديبية من السيرة النبوية الدحلانية وغيرها تجد كلما قلناه بنصه (منه قدس). معارضة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ / ١٠٥.

(٢٤٢) تجده في السيرة الحلبية وغيرها (منه قدس). صحيح البخاري، السيرة الحلبية ج ٢ / ٧١٥، السيرة النبوية لزين دحلان. وذكر صدره في: الكشاف ج ٣ / ٥٤١، تفسير القرطبي ج ١٦ / ٢٦٠، سورة الفتح آية: ١ (*).

٢٠١

بالإسلام الا دخل فيه، وقد دخل في تينك السنتين مثل من كان دخل في الإسلام قبل ذلك أو أكثر (قال): ويدلك عليه أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج إلى الحديبية في ألف وأربعمائة، ثم خرج بعد سنتين إلى فتح مكة في عشرة آلاف

(قال): ومما ظهر من مصلحة الصلح أنه كان مقدمة بين يدي الفتح الأعظم الذي دخل الناس عقبه في دين الله أفواجا فكان صلح الحديبية مقدمة الفتح، فسميت فتحا إذ مقدمة الظهور ظهور " آه(٢٤٣) .

[ الفرج الذي وعد به المستضعفون ]

مر عليك حديث أبي جندل، إذ احتال حتى خرج من السجن وتنكب الطريق يرسف في قيوده، حتى هبط على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في الحديبية مستغيثا به، وحيث لم يتمكن يومئذ من اغاثته اعتذر إليه وعزاه، وأمره بالصبر والاحتساب، فكان مما قاله له: " ان الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا و مخرجا "(٢٤٤) .

وكان في المستضعفين المعذبين في مكة رجل من أبطال المسلمين يدعى أبا بصير(٢٤٥) احتال حتى خرج من السجن ففر هاربا إلى رسول الله و

____________________

(٢٤٣) السيرة النبوية لابن كثير ج ٣ / ٣٢٤، الكامل لابن الأثير ج ٢ / ١٣٩ ط دار الكتاب العربي.

(٢٤٤) الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يعد المستضعفين بالفرج: الكامل لابن الأثير ج ٢ / ١٣٩ ط دار الكتاب، الطبقات لابن سعد ج ٢ / ٩٧، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش السيرة الحلبية ج ٢ / ١٩٢ ط البهية.

(٢٤٥) واسمه عتبة بن أسيد بن جارية بن أسيد الثقفى ترجم له أبو عمر يوسف بن عبد البر في الكنى من استيعابه وغير واحد من أصحاب المعاجم، وقصته هذه ذكرها ابن =>

٢٠٢

هو في المدينة بعد رجوعه من الحديبية، فكتبت قريش في رده، كتابا بعثت به رجلا من بني عامر يقال له خنيس ومعه مولى يهديه الطريق، فقدما على رسول الله بالكتاب فإذا فيه " قد عرفت ما شارطناك عليه من رد من قدم عليك من أبنائنا فابعث إلينا أبا بصير ".

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : " يا أبا بصير انا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت، و لا يصح الغدر منا فان الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا فانطلق راشدا ".

قال: " يا رسول الله انهم يفتنوني عن ديني ".

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " يا أبا بصير انطلق فأن الله سيجعل لك ولمن حولك من المستضعفين فرجا ومخرجا " فودع الرجل رسول الله وانطلق معهما، حتى إذا كانوا بذي الحليفة جلس إلى جدار ومعه صاحباه.

فقال لأحدهما: " أصارم سيفك هذا يا أخا بني عامر ؟ "

قال: " نعم " قال أبو بصير: " أرنيه " فناوله إياه فاستله أبو بصير، ثم علاه فإذا هو يتشحط بدمه. ثم هم بالثاني فهرب منه حتى أتى رسول الله، فلما رآه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والحصى يطير من تحت قدميه من شدة عدوه، وأبو بصير في أثره.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " قد رأى هذا ذعرا " فلما انتهى إلى النبي قال لهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " ويحك ؟ مالك ؟ " قال " ان صاحبك قتل صاحبي وأفلت منه ولم أكد، واني لمقتول فأغثني يا محمد " فأمنه رسول الله، وإذا بأبي بصير يدخل متوشحا سيفه يقول :

____________________

=> إسحاق وغيره من أهل السير والأخبار وهى من أشهر القضايا نقلناها عن الحلبي في سيرته (منه قدس). راجع: الاستيعاب لابن عبد البر في ترجمة أبى بصير ج ٤ / ٢٠، الكامل لابن الأثير ج ٢ / ١٣٩ ط دار الكتاب العربي. (*)

٢٠٣

" بأبي أنت وأمي يا رسول الله وفيت ذمتك أسلمتني بيد القوم وقد امتنعت منهم بديني أن أفتن فيه أو يفتن بي ".

فقال له: " اذهب حيث شئت "

فقال: " يا رسول الله هذا سلب العامري الذي قتلته، رحله وسيفه فخمسه ".

فقال لهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " إذا خمسته رأوني لم أوف لهم بالذي عاهدتهم عليه ولكن شأنك بسلب صاحبك "

وعند ذلك هب أبو بصير إلى محل من طريق تمر به عيرات قريش، واجتمع إليه جمع من المسلمين المستضعفين الذين كانوا قد احتبسوا بمكة إذ بلغهم خبره، وان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في حقه: " انه مسعر حرب لو كان معه رجال "

فتسللوا حينئذ إليه، وانفلت أبو جندل بن سهيل ابن عمرو، وخرج من مكة في سبعين فارسا أسلموا فلحقوا بأبي بصير، وكرهوا ان يقدموا على رسول الله في تلك المدة - مدة المهادنة - وانضم إليهم ناس من غفار، وجهينة، وأسلم، وطوائف أخر من العرب حتى بلغوا ثلثمائة مقاتل، فقطعوا مارة قريش، لا يظفرون بأحد منها الا قتلوه، ولا مر بهم عير الا أخذوها، ومنعوا الدخول إلى مكة والخروج منها، فاضطرت قريش أن تكتب لرسول الله تسأله بالأرحام التي بينه وبينها، الا آواهم، وأرسلت أبا سفيان بن حرب في ذلك، فأبلغه أبو سفيان: " انا أسقطنا هذا الشرط من شروط الهدنة، فمن جاءك منهم فأمسكه من غير حرج "

وحينئذ كتب رسول الله إلى أبي جندل وأبي بصير ان يقدما عليه، وان يلحق من معهما من المسلمين بأهليهم، ولا يتعرضوا لأحد مر بهم من قريش ولا لعيراتهم، فقدم كتاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليهما وأبو بصيررضي‌الله‌عنه يموت، فمات والكتاب في يده، فدفنه أبو جندل مكانه، وجعل عند قبره مسجدا، وقدم أبو جندل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع ناس من أصحابه، ورجع باقيهم إلى أهليهم، وأمنت قريش على عيراتهم.

٢٠٤

وحينئذ عرف الصحابة الذين عظم عليهم رد أبي جندل إلى قريش مع أبيه - ان طاعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خير مما أحبوه، وعلموا أن الحكمة كانت في الحديبية توجب الصلح فرضا على التعيين، وأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا ينطق عن الهوى وندموا كل الندم على ما بدر منهم من هناة معترفين بالخطأ، وقدرت قريش موقفه يومئذ معها في حقن دمائها، وحسن عواقبها، وعرفوه صادق الضمير، مخلص السريرة ودودا مشفقا، والحمد لله رب العالمين(٢٤٦) .

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ١٨٦: -

[ المورد - (١٨) - صلاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله على " ابن أبى " المنافق: ]

وقد عارضهصلى‌الله‌عليه‌وآله بغلظة وعنف، وحسبك من عنفه يومئذ ما أثبته أهل الصحاح والمسانيد، وأرسله أهل الأخبار والسير إرسال المسلمات(٢٤٧) .

واليك منه ما أخرجه البخاري في كتاب اللباس من صحيحه(١) بسنده إلى عبد الله بن عمر قال لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه فقال: يا رسول الله

____________________

(٢٤٦) السيرة الحلبية ج ٢ / ٧١٨ - ٧٢١، الاستيعاب بهامش الإصابة ج ٤ / ٢٠، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش الحلبية ج ٢ / ١٩٢ - ١٩٣. وقريب منه في: الكامل لابن الأثير ج ٢ / ١٣٩، الطبقات لابن سعد ج ٤ / ١٣٤.

(٢٤٧) شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١٢ / ٨٧ ط أبو الفضل، الطرائف لابن طاوس ج ٢ / ٤٤٣ عن الجمع بين الصحيحين

(١) في ص ١٨ من جزئه الرابع، وأخرجه أيضا في باب قوله تعالى:( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ) ، من تفسير سورة التوبة ص ٩٢ من الجزء الثالث من الصحيح. ورواه الإمام أحمد وغير واحد من حديث عبد الله بن عمر وغيره في مسانيدهم فراجع (منه قدس) (*).

٢٠٥

أعطني قميصك أكفنه فيه، وصل عليه واستغفر له، فأعطاه قميصه(١) وقال له إذا فرغت منه فآذنا، فلما فرغ منه آذنه به، فجاءصلى‌الله‌عليه‌وآله ليصلي عليه، فجذبه عمر فقال له: أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين ؟ ! فقال لك( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ) .

(قال ابن عمر) فنزلت (بعد ذلك)( وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ ) (قال): فترك الصلاة عليهم بعد نزولها(٢٤٨) .

كأن عمر فهم النهي عن الصلاة على المنافقين من قوله تعالى:( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ) (الآية) - وهذا خطأ في فهمها كما سنوضحه - وكأن هذه الآية نزلت قبل الصلاة على هذا المنافق، فلما رأى عمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واقفا ليصلي عليه، توهم انه خالف النهي، فلم يتمالك من غضبه وإنكاره، فجذبه من موقفه منكرا عليه ما توهمه من المخالفة.

حاشاه، وحاشا لله، ومعاذ الله ونعوذ بالله. فان قوله تعالى:( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ) ليس من النهي في شئ ما اصلا، وانما هو مجرد أخبار بعدم انتفاعهم باستغفاره لهم، وان استغفاره لهم وان كثر، وعدم استغفاره لهم بالمرة على حد سواء في عدم المغفرة لهم.

____________________

(١) وقد قيل له لم أعطيته قميصك ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " ان قميصي لم تغن عنه من الله شيئا، وأنى أرجوا أن يدخل به في الإسلام خلق كثير ". قلت: وقد حقق الله بذلك رجاءه (منه قدس).

(٢٤٨) صحيح البخاري ك اللباس، صحيح البخاري أيضا ك التفسير باب تفسير سورة التوبة، مسند أحمد عن عبد الله بن عمر، صحيح مسلم ك صفات المنافقين ج ٨ / ١٢٠، الكامل لابن الأثير ج ٢ / ١٩٩ ط دار الكتاب العربي. (*)

٢٠٦

والأمة مجمعة على ان النهي عن الصلاة على المنافقين انما كان بقوله تعالى:( وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ ) ، وان ذلك انما نزل بعد هذه الواقعة بالاجماع على ان الحديث - حديث ابن عمر الذي تلوناه عليك الآن - بمجرده صريح في ذلك، فتدبر آخره تجده نصا في تأخره عن هذه الواقعة.

لذلك لم يأبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لهذه المعارضة، لكنه وسعها بحلمه العظيم، وحكمته البالغة جريا على عادته المستمرة، فلما أكثر عمر عليه واقفا إزاء صدره يمنعه من الصلاة بكلام كنا نربأ بمثله ان يواجه به رسول الله قالصلى‌الله‌عليه‌وآله - من حديث صحيح -: أخر عني يا عمر إني خبرت، قيل لي:( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ) فلو أعلم أني ان زدت على السبعين غفر الله له لزدت، ثم صلى عليه، ومشى خلفه وقام على قبره. (الحديث)(٢٤٩) .

قلت: جرىصلى‌الله‌عليه‌وآله في صلاته على " ابن أبي ". حسبما اقتضاه يومئذ تكليفه من المعاملة على مقتضى الظاهر، ولم يكن " ابن أبي " في عداد الكافرين الذين أبوا الدعوة إلى الإسلام فردوها وانما كان ممن أجاب الدعوة في ظاهر حاله، ونطق بالشهادتين ولم يتظاهر بالردة.

وانما نافق، ولم يكن حينئذ نهى عن الصلاة على المنافقين كما سمعت فصلى عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله جريا على ظاهر حكم

____________________

(٢٤٩) أخرجه بالإسناد إلى عمر كل من البخاري ومسلم والترمذي والإمام أحمد وابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه وغيرهم فيما نقله المتقى الهندي عنهم جميعا في أول ص ٢٤٧ من الجزء الأول من كنز العمال. وهو الحديث ٤٤٠٣ من أحاديث الكنز (منه قدس). وراجع: الكامل في التاريخ ج ٢ / ١٩٩ ط بيروت. (*)

٢٠٧

الإسلام، واستئلافا لقومه الخزرج، وقد أسلم بذلك منهم ألف رجل، فكان قميص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وصلاته هذه مما فتح الله به على المسلمين فتحا مبينا والحمد لله رب العالمين(٢٥٠) .

وحينئذ ندم عمر على تسرعه، وكان بعد ذلك يقول - من حديث له -: أصبت في الإسلام هفوة ما أصبت مثلها قط، أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يصلي على عبد الله بن أبي فأخذت بثوبه فقلت له: والله ما أمرك الله بهذا لقد قال الله لك:( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ) (قال) فقال رسول الله: خيرني ربي فقال: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم فاخترت. (الحديث)(٢٥١) .

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ١٨٩: -

[ المورد - (١٩) صلاته على بعض المؤمنين. ]

وذلك فيما أورد ابن حجر العسقلاني في ترجمة أبي عطية من الجزء الرابع من إصابته، إذ قال: أخرج البغوي، وأبو أحمد الحاكم من طريق اسماعيل بن عياش، وروى الطبراني من طريق بقية، كلاهما عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن أبي عطية: " ان رجلا توفى على عهد رسول الله فقال بعضهم - يعني عمر -: يا رسول الله لا تصل عليه. فقال رسول الله: هل رآه أحد منهم على شئ من أعمال الخير ؟. فقال رجل حرس معنا ليلة كذا وكذا. فصلى عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(٢٥٠) وأما الشيعة الإمامية فيرون ان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله دعا عليه وهى صلاة صورية كما في صحيحة الحلبي عن أبى عبد اللهعليه‌السلام راجع وسائل الشيعة ج ٢ ص ٧٧٠، الجواهر ج ١٣ ص ٥٠.

(٢٥١) أخرجه ابن أبى حاتم من طريق الشعبى عن عمر وهو الحديث ٤٤٠٤ من أحاديث الكنز فراجع هذا والذي قبله في كل من الكنز ومنتخبه المطبوع في هامش مسند الإمام أحمد (منه قدس) (*).

٢٠٨

ثم مشى معه إلى قبره، ثم حثا عليه وهو يقول: ان أصحابك يظنون انك من أهل النار، وأنا أشهد أنك من أهل الجنة، ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعمر: انك لا تسأل عن أعمال الناس، وانما تسأل عن الغيبة. (الحديث)(٢٥٢) .

وأورده أيضا في ترجمة أبي المنذر من الإصابة، إذ قال: أخرج مطين عن محمد بن حرب الواسطي عن حماد بن خالد عن هشام بن سعد، عن يزيد بن ثعلب عن أبي المنذر: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حثا في قبره ثلاث حثيات.

(قال): وأخرجه الطبراني مطولا عن عمرو بن أبي الطاهر بن السرح عن أبيه عن عبد الله بن نافع عن هشام بن سعد: ان رجلا جاء إلى النبي فقال: يا رسول الله ان فلانا هلك فصل عليه. فقال عمر: انه فاجر فلا تصل عليه فقال الرجل: يا رسول الله أرأيت الليلة التي أصبحت فيها في الحرس فانه كان فيهم فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم اتبعه حتى إذا فرغ منه، حثا عليه ثلاث حثيات، وقال: يثني الناس عليه شرا، وأثني عليه خيرا، فقال عمر: وما ذاك يا رسول الله ؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : دعنا منك يا عمر من جاهد في سبيل الله وجبت له الجنة

(قال): أبو موسى في الذيل تقدم هذا المتن من حديث أبي عطية: " قال ابن حجر في أبي المنذر " قلت: وحديث أبي المنذر أخرجه أبو داود في كتاب المراسيل عن أحمد بن منيع عن حماد بن خالد كرواية ابن نافع، ولم يذكره أبو أحمد في الكني

(قال) وأما حديث أبي عطية فقد تقدم كما قال أبو موسى في ترجمته

(قال) وذكره الحاكم أبو أحمد وقال: أخلق بهذا أن يكون صحابيا، لكن مخرج الحديثين مختلف وان تقاربا في سياق المتن. انتهى بلفظ الإصابة في ترجمة أبي المنذر(٢٥٣) .

____________________

(٢٥٢) الإصابة لابن حجر ج ٤ / ١٣٤ ط ١ بمصر.

(٢٥٣) الإصابة لابن حجر ج ٤ / ١٨٥ ط ١ بمصر ترجمة أبى المنذر. (*)

٢٠٩

[ المورد (٢٠) - تبشيرهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالجنة لكل من لقي الله عزوجل بالتوحيد، مطمئنا به قلبه]

وذلك حيث اقتضت حكمة الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يؤذن في الناس بهذه البشرى، تبيانا للحقيقة من عاقبة الموحدين، وكشفا عن الواقع من أمرهم، وتنشيطا لأهل الإيمان، وترغيبا فيه، وقد أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا هريرة بذلك فقال له: اذهب فمن لقيته يشهد أن لا اله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة. فكان أول من لقيه عمر فسأله عن شأنه، فأخبره بما أمره به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال أبو هريرة - فيما أخرجه بالإسناد إليه مسلم في صحيحه(١) -.

فضرب عمر بيده بين ثديي فخررت لاستي، فقال: ارجع يا أبا هريرة، فرجعت إلى رسول الله فأجهشت بكاء، وركبني عمر وإذا هو على أثري. فقال لي رسول الله: مالك يا أبا هريرة ؟ فقلت: لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به فضرب بين ثديي ضربة فخررت لاستي فقال ارجع.

فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عمر ما حملك على ما فعلت ؟ قال يا رسول الله أبعثت أبا هريرة بان من لقى الله يشهد أن لا اله إلا الله مستيقنا بها قلبه يبشره بالجنة ؟ قال رسول الله: نعم. قال: لا تفعل فاني أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون قال رسول الله: فخلهم. آه(٢٥٤) .

____________________

(١) راجع باب (من لقى الله تعالى بالإيمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة وحرم على النار) من أوائل جزئه الأول (منه قدس).

(٢٥٤) راجع: صحيح مسلم ج ١ / ٤٤، الغدير ج ٦ / ١٧٦، سيرة عمر لابن الجوزي ص ٣٨، شرح ابن أبى الحديد ج ٣ / ١٠٨ و ١١٦ ط ١، فتح الباري ج ١ / ١٨٤، الطرائف لابن طاوس ج ٢ / ٤٣٧ عن الجمع بين الصحيحين. (*)

٢١٠

وللنووي هنا عذر عن هذه المعارضة، نقله عن القاضي عياض وغيره، حاصله: ان عمر لم يكن في هذه الواقعة معترضا على رسول الله، أو رادا عليه فيما بعث به أبا هريرة من تبشير المؤمنين بالجنة، ولكنه خشي أن يتكل المؤمنون على البشرى إذا بلغتهم، ويتركوا العمل، فرأى ان كتمها عنهم أصلح لهم، وأعود عليهم بالخبر من إبلاغهم إياها، وهذا ما دعاه إلى ضرب أبي هريرة وإرجاعه على حافرته، وهو الذي حمله على القول لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا تفعل، نهيا له عما كان قد أصدر أمره به من تبشير المؤمنين بالجنة(٢٥٥) .

وأنت تعلم أن عذرهم هذا لا يعدو ما قلناه من اجتهاده في مقابل النص، وتقديمه الرأي الاجتهادي في مقام العمل على التعبد بالنصوص. على أنه في هذه الواقعة لم يقتصر على نفسه في مقابلة النص، حتى حمل عليها أبا هريرة بالعنف مهانة وضربا خر به لاسته، ولم يقف على هذا الحد حتى كلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالعدول عما كان قد أصدر به أمره إذ قال بكل جرأة وصراحة: لا تفعل. لكنهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسعه بحلمه وطول أناته، وكان كما قال الله تعالى:( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) (٢٥٦) .

لم يكن لهذه المعارضة عندهصلى‌الله‌عليه‌وآله أي أثر، وقد بلغ تلك البشرى للأمة بنفسه متوكلا على الله، فسمعها منه عمر نفسه، وعثمان بن عفان، ومعاذ بن جبل

____________________

(٢٥٥) شرح النووي على صحيح مسلم ج ١ ص.

(٢٥٦) سورة آل عمران: ١٥٩ (*).

٢١١

وعبادة بن الصامت. وعتبان بن مالك(١) وغيرهم حتى تجاوزت حد التواتر، فكانت من الضروريات بين المسلمين على اختلافهم في المذاهب و المشارب(٢٥٧) .

وان مما يدهش العقلاء، قول هؤلاء العلماء الأجلاء - العلامة النووي و القاضي عياض وأمثالهما -: ان الصواب في هذه الواقعة انما كان في جانب عمر وادعوا ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صوبه حين عرض عليه رأيه، فحق لنا بهذا، ان نعوذ بالله من كل محال، ونبرأ إليه من كل باطل.

واليك كلام النووي قال(٢) : وفي هذا الحديث - أي حديث أبي هريرة في هذه الواقعة - دليل على أن الإمام والكبير مطلقا إذا رأى شيئا ورأى بعض أتباعه خلافه، ينبغي للتابع أن يعرضه على المتبوع لينظر فيه، فان ظهر له ما قاله التابع هو الصواب، رجع المتبوع إليه، وإلا بين للتابع جواب الشبهة التي عرضت له.

قلت: انما يصغى بهذا الكلام إذا لم يكن المتبوع نبيا بحق، أما إذا كان نبيا فليس لأحد من الأمة كافة إلا السمع والطاعة والإيمان الخالص من كل شبهة( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ

____________________

(١) وحديث هؤلاء موجود في باب (من لقي الله بالإيمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة) من أوائل صحيح مسلم (منه قدس).

(٢٥٧) صحيح مسلم ج ١ / ٤١ ط مشكول. وراجع أيضا: الغدير ج ٦ / ١٧٦.

(٢) في ص ٤٠٤ من الجزء الأول من شرحه لصحيح مسلم المطبوع في هامش شرحي البخاري - إرشاد الساري، وتحفة الباري - (منه قدس) (*).

٢١٢

إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) (٢٥٨)

( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ ) (٢٥٩)

( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ) (٢٦٠)

( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) (٢٦١)

( فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ * لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (٢٦٢) .

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ١٩٤: -

[ المورد - (٢١) - متعة الحج إذ نهى عنها عمر بن الخطاب: ]

وقد عملها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمر بها عن الله عزوجل، وهي مما نص الذكر الحكيم [ عليها ظ ] بقوله عز من قائل في سورة البقرة:( فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (١) فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ (٢)

____________________

(٢٥٨) سورة الحشر آية: ٧ - ٨.

(٢٥٩) سورة التكوير آية: ١٩ - ٢٢.

(٢٦٠) سورة الحاقة آية: ٤٠ - ٤٣.

(٢٦١) سورة النجم آية: ٢ - ٦.

(١) أي فعليه ما تيسر له على الهدى (منه قدس).

(٢) أي فمن لم يجد الهدى ولا ثمنه فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج هي يوم السابع من ذي الحجة ويوم الثامن منه وهو يوم التروية ويوم التاسع وهو يوم عرفة، وان صام أول العشرة جاز له ذلك رخصة، وان صام يوم التروية ويوم عرفة قضى يوما آخر بعد انقضاء أيام التشريق، وان فاته صوم يوم عرفة أيضا صام الأيام الثلاثة بعد أيام التشريق متتابعات (منه قدس) (*).

٢١٣

وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ (١) تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) (٢٦٣) .

[ صفة هذا التمتع ]

أما صفة التمتع بالعمرة إلى الحج، فهي أن ينشئ المتمتع بها أحرامه في أشهر الحج(٢) من الميقات فيأتي مكة ويطوف بالبيت ثم يسعى بين الصفا والمروة: ثم يقصر ويحل من أحرامه فيقيم بعد ذلك حلالا، حتى ينشئ في تلك السنة نفسها احراما آخر للحج من مكة، والأفضل من المسجد، ويخرج إلى عرفات، ثم يفيض إلى المشعر الحرام، ثم يأتي بأفعال الحج على ما هو مفصل في محله. هذا هو التمتع بالعمرة إلى الحج(٢٦٤) .

قال الإمام ابن عبد البر القرطبي: لا خلاف بين العلماء أن التمتع المراد بقوله تعالى:( فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي ) هو الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج(٢٦٥) قلت: وهو فرض من نأى عن

____________________

(١) أي رجعتم إلى بلادكم (منه قدس)

(٢٦٣) أي ذلك الذي تقدم ذكره حول التمتع بالعمرة إلى الحج ليس لأهل مكة ومن يجرى مجراهم في القرب إليها كما بيناه في الأصل (منه قدس). سورة البقرة آية: ١٩٦ وراجع: مقدمة مرآة العقول ج ١ / ٢٠٥، تفسير القرطبي ج ٢ / ٣٨٨.

(٢) وهى شوال وذو القعدة وذو الحجة (منه قدس).

(٢٦٤) راجع: العروة الوثقى للسيد كاظم اليزدي ج ٢ / ٥٤٠، اللمعة الدمشقية ج ٢ / ٣٠٤، جواهر الكلام للشيخ محمد حسن النجفي ج ١٨ / ٢ - ٥، مجمع البيان ج ٢ / ٢٩١.

(٢٦٥) نقل الفاضل النووي هذا القول عن ابن عبد البر في بعض بحثه عن حج =>

٢١٤

مكة بثمانية وأربعين ميلا من كل جانب على الأصح(٢٦٦) .

وانما أضيف الحج بهذه الكيفية إلى التمتع، أو قيل عنه: التمتع بالحج، لما فيه من المتعة: أي اللذة بإباحة محظورات الإحرام في المدة المتخللة بين الاحرامين وهذا ما كرهه عمر وبعض أتباعه، فقال قائلهم - كما أخرجه أبو داود في سننه(١) . -: أننطلق إلى منى وذكورنا تقطر ؟(٢٦٧) .

____________________

=> التمتع من شرحه لصحيح مسلم، وشرح مسلم مطبوع على هامش شرحي البخاري فراجع منه ما هو في هامش ص ٤٦ من الجزء السابع من الشرحين (منه قدس). تفسير القرطبي ج ٢ / ٣٩١.

(٢٦٦) للأخبار الصحيحة الدالة عليه، وقيل يعتبر بعده عن مكة باثني عشر ميلا من كل جانب حملا للثمانية والأربعين على كونها موزعة على الجهات الأربع (منه قدس). لصحيحة زرارة عن أبى جعفرعليه‌السلام وغيرها. راجع: وسائل الشيعة ج ٨ / ١٨٧ ك الحج ب ٦ من أبواب أقسام الحج، العروة الوثقى ج ٢ / ٥٣٥، جواهر الكلام ج ١٨ / ٦، اللمعة الدمشقية ج ٢ / ٢٠٤، جامع أحاديث الشيعة ج ١٠ / ٣٤٥.

(١) سنن أبى داود مطبوعة في هامش شرح الزرقاني لموطئ مالك وهذا الحديث تجده بعين لفظه في هامش ص ١٠٣ من الجزء الثاني من شرح الزرقاني فراجع (منه قدس).

(٢٦٧) سنن أبى داود ج ٢ / ٢١٣ ح ١٧٨٩ تحقيق محمد عبد الحميد، تفسير القرطبي ج ٢ / ٣٩٥، صحيح مسلم ك الحج باب وجوه الإحرام ج ٤ / ٣٧ ط العامرة، صحيح البخاري ك التمنى باب لو استقبلت من أمري ما استدبرت ج ١ / ٢١٣ وج ٤ / ١٦٦، مسند أحمد ج ٣ / ٣٠٥ ط ١، سنن البيهقي ج ٥ / ٣ باب من اختار الأفراد وج ٤ / ٣٣٨ زاد المعاد ج ١ / ٢٤٦ فصل في احلال من لم يكن ساق الهدى، مقدمة مرآة العقول ج ١ / ٢١٤. وفى لفظ عمر: تقطر رؤسهم. راجع: صحيح مسلم ج ٤ / ٤٦ (*).

٢١٥

وفي مجمع البيان. ان رجلا قال: أنخرج حجاجا ورؤوسنا تقطر ؟ وان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له: انك لن تؤمن بها أبدا(٢٦٨) .

وعن أبي موسى الأشعري. أنه كان يفتي بالمتعة، فقال له رجل. رويدك ببعض فتياك فانك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين - عمر - في النسك بعدك، حتى لقيه أبو موسى بعد فسأله عن ذلك، فقال عمر: قد علمت ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد فعله هو وأصحابه، ولكن كرهت ان يظلوا بهن معرسين في الاراك ثم يروحون بالحج تقطر رؤوسهم(٢٦٩) .

وعن أبي موسى من طريق آخر أن عمر قال: هي سنة رسول الله - يعني المتعة - لكني أخشى أن يعرسوا بهن تحت الاراك ثم يروحون بهن حجاجا(٢٧٠) .

____________________

(٢٦٨) راجع تفسير الآية ١٩٥ من سورة البقرة من المجمع " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج " (منه قدس). مجمع البيان ج ٢ / ٢٩١، وسائل الشيعة ج ٨ / ١٥١ ك الحج أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٤ و ١٤، جامع أحاديث الشيعة ج ١٠ / ٣٣٢، جواهر الكلام ج ١٨ / ٣.

(٢٦٩) أخرجه الإمام أحمد من حديث عمر في ص ٥٠ من الجزء الأول من مسنده (منه قدس). وراجع: مسند أحمد ج ١ / ٥٠، سنن ابن ماجة ج ٢ / ٢٢٩ وفى طبع محمد فؤاد عبدا لباقي ج ٢ / ٩٩٢ ح ٢٩٧٩، صحيح مسلم ج ١ / ٤٧٢، سنن البيهقي ج ٥ / ٢٠، سنن النسائي ج ٥ / ١٥٣، تيسير الوصول ج ١ / ٢٨٨، شرح الموطأ للزرقاني ج ٢ / ١٧٩، الغدير ج ٦ / ٢٠٠.

(٢٧٠) أخرجه الإمام أحمد من حديث عمر في ص ٤٩ من الجزء الأول من مسنده (منه قدس). مسند أحمد ج ١ / ٤٩، الغدير ج ٦ / ٢٠٢ عن المسند. وعن ابن عباس قال =>

٢١٦

وعن أبي نضرة قال: كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنها قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله فقال: على يدي دار الحديث، تمتعنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلما قام عمر - أي بأمر الخلافة - قال: ان الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، وان القرآن قد نزل منازله، فأتموا الحج والعمرة كما أمركم الله(١) وأبتوا نكاح هذه النساء، فلن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل الا رجمته بالحجارة(٢٧١) .

____________________

=> " سمعت عمر يقول: والله إني لأنهاكم عن المتعة وانها لفي كتاب الله ولقد فعلتها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعنى العمرة في الحج ". راجع: سنن النسائي ج ٢ / ١٦، تاريخ ابن كثير ج ٥ / ١٠٩.

اعتراف عمر ان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فعل متعة الحج وهى في كتاب الله: صحيح مسلم ص ٨٩٦ ح ١٥٧، مسند الطيالسي ج ٢ / ٧٠ ح ٥١٦، مسند أحمد ج ١ / ٤٩ و ٥٠ ط ١، سنن ابن ماجة ص ٦٩٢ ح ٢٩٧٩، كنز العمال ج ٥ / ٨٦ ط ١، مقدمة مرآة العقول ج ١ / ٢٢٥، حلية الأولياء ج ٥ / ٢٠٥.

(١) ما أدرى والله ما المراد بهذا الكلام فهل كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتم الحج والعمرة على خلاف ما أمر الله ؟ !. وهل كان هو ومخاطبوه أعرف منهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأوامر الله ونواهيه ؟ ! (منه).

(٢٧١) راجع من صحيح مسلم الباب في المتعة بالحج ص ٤٦٧ من جزئه الأول تجد هذا الحديث وتجد بعده بلا فصل حديثا آخر هو أصرح في زجره عن التمتع بالعمرة إلى الحج (منه قدس). وراجع: صحيح مسلم باب المتعة في الحج ج ١ / ٤٦٧ وفى طبع العامرة ج ٤ / ٣٨، سنن البيهقي ج ٥ / ٢١ وفى ج ٧ / ٢٠٦ بتفصيل أكثر، أحكام القرآن للجصاص ج ٢ / ١٧٨، تفسير الرازي ج ٣ / ٢٦، كنز العمال ج ٨ / ٢٩٣، الدر المنثور ج ١ / ٢١٦، الغدير ج ٦ / ٢١٠، البيان للخوئي ص ٣١٩ عن مسلمو البيهقي، مسند الطيالسي ص ٢٤٧ ح ١٧٩٢، الدر المنثور ج ١ / ٢١٦ (*).

٢١٧

وقد خطب الناس ذات يوم فقال وهو على المنبر بكل حرية وكل صراحة " متعتان كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما: متعة الحج ومتعة النساء "(٢٧٢) .

وفي رواية أخرى(١) أنه قال: أيها الناس ثلاث كن على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهن، وأحرمهن، وأعاقب عليهن: متعة الحج، ومتعة النساء، وحي على خير العمل "(٢٧٣) .

____________________

(٢٧٢) هذا القول مستفيض عنه (وقد نقله الإمام الرازي حول تفسير قوله تعالى: فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ. من سورة البقرة. ونقله أيضا في تفسير قوله عز من قائل:( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) . من سورة النساء فراجع (منه قدس). راجع: تفسير الرازي ج ٢ / ١٦٧ وج ٣ / ٢٠١ و ٢٠٢ ط ١، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١٢ / ٢٥١ و ٢٥٢ وج ١ / ١٨٢، البيان والتبيان للجاحظ ج ٢ / ٢٢٣، أحكام القرآن للجصاص ج ١ / ٣٤٢ و ٣٤٥ وج ٢ / ١٨٤، تفسير القرطبي ج ٢ / ٢٧٠ وفى طبع آخر ج ٢ / ٣٩، المبسوط للسرخسي الحنفي باب القرآن من كتاب الحج وصححه ج، زاد المعاد لابن القيم ج ١ / ٤٤٤ فقال ثبت عن عمر وفى طبع آخر ج ٢ / ٢٠٥ فصل إباحة متعة النساء، كنز العمال ج ٨ / ٢٩٣ و ٢٩٤ ط ١، ضوء الشمس ج ٢ / ٩٤، سنن البيهقي ج ٧ / ٢٠٦، الغدير للأميني ج ٦ / ٢١١، المغنى لابن قدامة ج ٧ / ٥٢٧، المحلى لابن حزم ج ٧ / ١٠٧، شرح معاني الاثار باب مناسك الحج للطحاوي ص ٣٧٤، مقدمة مرآة العقول ج ١ / ٢٠٠. وفى رواية أخرى قال عمر: " متعتان كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى عهد أبى بكررضي‌الله‌عنه وأنا أنهى عنهما ". راجع: وفيات الأعيان لابن خلكان ج ٢ / ٣٥٩ ط إيران، الغدير ج ٦ / ٢١١.

(١) أرسلها الإمام القوشجي إرسال المسلمات فراجعها في أواخر مباحث الإمامة من كتابه (شرح التجريد) وهو من أئمة المتكلمين من الأشاعرة، وقد اعتذر بأن هذا القول انما كان من عمر عن اجتهاد (منه قدس).

(٢٧٣) راجع: شرح التجريد للقوشجى ط ايران ص ٤٨٤، الغدير ج ٦ / ٢١٣ =>

٢١٨

[ فصل ]

وقد أنكر عليه في هذا أهل البيت كافة، وتبعهم في ذلك أولياؤهم جميعا(٢٧٤) . ولم يقره عليه كثير من أعلام الصحابة وأخبارهم في ذلك متواترة(٢٧٥) .

وحسبك منها ما أخرجه مسلم في باب جواز التمتع من كتاب الحج من

____________________

=> عن المستبين للطبري، كنز العرفان ج ٢ / ١٥٨. السبب في المنع عن عمرة التمتع: عن الأسود بن يزيد قال: " بينما أنا واقف مع عمر بن الخطاب بعرفة عشية عرفة فإذا هو برجل مرجل شعره يفوح منه ريح الطيب فقال له عمر: أمحرم أنت ؟ قال: نعم. فقال عمر: ما هيئتك بهيئة محرم انما المحرم الأشعث الأغبر الاذفر قال: اني قدمت متمتعا وكان معي أهلي وانما أحرمت اليوم فقال عمر عند ذلك لا تتمتعوا في هذه الأيام فاني لو رخصت في المتعة لهم لعرسوا بهن في الاراك، ثم راحوا بهن حجاجا ". راجع: زاد المعاد ج ١ / ٢٥٨ و ٢٥٩ وقال ابن القيم بعد هذه الرواية: وهذا يبين ان هذا من عمر رأى رآه، قال ابن حزم: وكان ماذا وحبذا ذلك وقد طاف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على نسائه ثم أصبح محرما ولا خلاف ان الوطئ مباح قبل الإحرام بطرفة عين. وراجع أيضا: كنز العمال ج ٥ / ٨٦ ط ١، حلية الأولياء ج ٥ / ٢٠٥.

(٢٧٤) راجع: جامع أحاديث الشيعة ج ١٠ / ٣٢٩ - ٣٤٣، وسائل الشيعة ج ٨ / ١٥١ ك الحج ب ٢ من أبواب أقسام الحج ح ٤ و ١٤، مجمع البيان ج ٢ / ٢٩١.

(٢٧٥) كما سوف يأتي جملة منها. وقد أنكر عليه أيضا النظام استاد الجاحظ وأحد رؤساء المعتزلة كما في الملل والنحل ج ١ / ٧٨ ط مصر ١٣٦٨ ه. (*)

٢١٩

صحيحه(١) فان فيه عن شقيق، قال: كان عثمان ينهى عن المتعة، وكان علي يأمر بها، فقال عثمان لعلي كلمة. ثم قال علي: لقد علمت - يا عثمان - انا تمتعنا على عهد رسول الله. فقال عثمان: أجل ولكنا كنا خائفين !(٢٧٦) .

وفيه عن سعيد بن المسيب، قال: اجتمع علي وعثمان بعسفان، فكان عثمان ينهى عن المتعة والعمرة. فقال له علي: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله تنهى عنه ؟ فقال عثمان: دعنا منك. فقال علي: اني لا أستطيع أن أدعك. (الحديث)(٢٧٧) .

وفيه عن غنيم بن قيس، قال: سألت سعد بن أبي وقاص عن المتعة ،

____________________

(١) ص ٤٧٢ وما بعدها إلى ص ٤٧٥ من جزئه الأول فراجع (منه قدس).

(٢٧٦) صحيح مسلم ك الحج ج ١ / ٤٧٢ وفى طبع العامرة ج ٤ / ٤٦ أنا قد تمتعنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال أجل، كنز العمال ج ٣ / ٣٣ ط ١، مسند أحمد ج ١ / ٩٧ ح ٧٥٦ وص ٦٠ ح ٤٣١ و ٤٣٢ ط ٢، سنن البيهقي ج ٥ / ٢٢، المنتقى ح ٢٣٨٢، مقدمة مرآة العقول ج ١ / ٢٢٩.

(٢٧٧) صحيح مسلم ج ١ / ٣٤٩ وفى طبع العامرة ج ٤ / ٤٦ فكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة. وقريب منه في: صحيح البخاري ج ٣ / ٦٩ و ٧١، سنن النسائي ج ٥ / ١٤٨ و ١٥٢، مستدرك الحاكم ج ١ / ٤٧٢، سنن البيهقي ج ٥ / ٢٢ وج ٤ / ٣٥٢، تيسير الوصول ج ١ / ٢٨٢، الغدير ج ٦ / ٢١٩، مسند الطيالسي ج ١ / ١٦، مسند أحمد ج ١ / ١٣٦ ح ١١٤٦، منحة المعبود ج ١ / ٢١٠ باب ما جاء في القرآن ح ١٠٠٥، مقدمة مرآة العقول ج ١ / ٢٣١ (*).

٢٢٠