مختصر المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1430

مختصر المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 14300%

مختصر المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1430 مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 59

مختصر المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1430

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: الصفحات: 59
المشاهدات: 17647
تحميل: 3852


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 59 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 17647 / تحميل: 3852
الحجم الحجم الحجم
مختصر المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1430

مختصر المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1430

مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بداية الحرب

وتقدَّمَ عمرُ بنُ سعدٍ فرمَى نحوَ عسكَرِ الحسينِعليه‌السلام بسهمٍ وقال: اشهَدُوا لي عندَ الأميرِ أنّي أوَّلُ مَنْ رمى. وأقْبلَتِ السِّهامُ مَن القومِ كأنَّها المطَر.

فقالَعليه‌السلام لأصحابِه:

«قومُوا رحِمَكُمُ اللهُ إلى الموتِ الذي لا بدَّ منه، فإنَّ هذهِ السهامَ رُسُلُ القومِ إليكم».

فلَمَّا ارْتَمَوْا بالسهامِ خرَجَ يَسارٌ مولَى زيادِ بنِ أبي سفيان، وسالِمٌ مولى عُبَيْدِ اللهِ بنِ زياد، فقالا: مَنْ يُبارِز؟ لِيخْرُجْ إلينا بعضُكُمْ!

فوثَبَ حبيبُ بنُ مُظاهِرٍ وبُريرُ بنُ خُضَيرٍ، فقالَ لهما الحسينُعليه‌السلام :

«اجلسا...».

فقامَ عبدُ اللهِ بنُ عُمَيرٍ الكلبيُّ، فقال:

«أبا عبدِ اللهْ! رَحِمَكَ الله، ائذَنْ لي فأَخْرُجَ إلَيْهِما».

فأذِنَ لهُ فشدَّ عليهِما وقتلَهما.

فأخذَتْ أمُّ وهبٍ امرأتُهُ عمُوداً ثُمَّ أقبلَتْ نحوَ زوجِها تقولُ له:

«فِدَاكَ أبي وأمي! قاتِلْ دونَ الطيِّبينَ ذريَّةِ مُحمَّد صلى الله عليه وآله وسلم ».

فأقبلَ إليها يردُّها نحوَ النساء، فأخذَتْ تُجَاذِبُ ثوبَهُ، وهي تقول:

٢١

«لن أدعَكَ دونَ أن أموتَ معَك».

فناداها الحسينُعليه‌السلام :

«جُزِيتُم منْ أهلِ بيتٍ خيراً، ارجِعِي رحِمَكِ اللهُ إلى النساء، فإنَّهُ ليسَ على النساءِ قتال».

٢٢

الحملة الأولى

وكانتِ الحملةُ الأُولى على مُعَسكرِ الإمامِ الحسينِعليه‌السلام ، فحمَلَ عمرُو بنُ الحَجَّاجِ في مَيْمَنةِ جيشِ عُمَرَ بنِ سعدٍ من نَحْوِ الفُراتِ فاضطربُوا ساعة، وما ارتفعَتِ الغَبَرَةُ إلا ومُسلِمُ بنُ عوسجةَ الأسدِيُّ صريعٌ، فمشَى إليهِ الحسينُعليه‌السلام فإذا بهِ رَمَقٌ، فقالَ له:

«رحِمَكَ اللهُ يا مُسلِم،( فمنهُمْ مَنْ قضَى نَحْبَهُ ومنْهُمْ مَنْ ينتظِرُ وما بدَّلُوا تبديلاً ) ».

ودَنا منهُ حبيبُ بنُ مظاهرٍ، فقال:

«عزَّ عليَّ مصرَعُكَ يا مُسلِم! أبشِرْ بالجنَّة!».

فقالَ لهُ مسلمٌ قولاً ضعيفاً:

«بشَّرَكَ اللهُ بخير».

فقالَ لهُ حبيب:

«لولا أنّي أعلَمُ أنّي في أثَرِكَ لاحِقٌ بكَ مَنْ ساعتي لأحببْتُ أنْ تُوصِيَني بكلِّ ما أهمَّك».

فقالَ لهُ مسلم:

«فإنّي أُوصِيكَ بهذا - وأشارَ إلى الحسينِعليه‌السلام - فقاتِلْ دونَهُ حتَّى تموت».

٢٣

گربت يبن ظاهر منيتي

ما وصّيك بعيالي او بيتي

إنكان نيتك مثل نيتي

بالحسين واعياله وصيتي

فقالَ لهُ حبيب:

«لأُنعِمَنَّكَ عيناً».

ثُمَّ فاضَتْ روحُهُ الطاهرةُ، رِضوانُ اللهِ عليه.

وهجَمَ شمرُ بنُ ذي الجوشَنِ في أصحابِهِ، على خِيَمِ الحسينِعليه‌السلام ، فحمَلَ عليهِم زهيرُ بنُ القينِ رحمه الله في عشَرَةٍ منْ أصحابِ الحسينِعليه‌السلام فكشَفَهُمْ عنِ الخِيَم، وقُتِلَ بعضُهُمْ وتفرَّقَ الباقون.

ثُمَّ تراجَعَ القومُ إلى الحسينِعليه‌السلام ، فحمَلَ شمرُ بنُ ذي الجوشَنِ - لعَنَهُ اللهُ - على أهلِ المَيْسَرةِ فَثَبتُوا لَهُ فطاعَنُوهُ، وأُحِيطُ بالحسينِعليه‌السلام وأصحابِهِ من كلِّ جانِب، وكانَ أصحابُ الحسينعليه‌السلام أطوادَ بصيرةٍ وهدىً وثَباتٍ، يقتُلونَ كلَّ مَنْ يَبْرُزُ إليهِمْ.

فقالَ عمرُو بنُ الحجَّاجِ - وكانَ على الميمنة - ويلَكُمْ، يا حُمَقاء.

مهلاً! أتدْرُونَ مَنْ تُقاتِلون؟ إنَّما تقاتلُونَ فرسانَ المِصرِ، وأهلَ البصائرِ وقوماً مستمِيتينَ، لا يبرُزُ لهُم منكُم أحدٌ إلاَّ قتلُوهُ على قِلَّتِهِم، واللهِ، لو لم ترْمُوهُم إلاَّ بالحجارةِ لقتَلْتُمُوهُم.

٢٤

فقالَ ابنُ سعدٍ: صدَقْت. الرَّأيُ ما رأيْت، فأرْسَلَ في العسكَرِ يعزُمُ عليهم أنْ لا يبارِزَ رجلٌ منْكُمْ، فلو خرجْتُم وُحْداناً لأَتَوا عليكُم مُبارزَة.

فأخذَتِ الخيلُ تحمِلُ، وأصحابُ الحسينِ يَثْبُتُونَ، وإنَّما هُمُ اثنانِ وثلاثونَ فارساً، ولم يكونُوا يحمِلونَ على جانبٍ من هذا الجيشِ إلا كَشفُوه.

فبَعَثَ عمر بن سعد المجَفِّفةَ - وهيَ قوةٌ كانَتْ تحتمِي معَ خُيولِها بالدُروعِ - وخمسَمِئةٍ منَ الرُّماةِ، فأقبَلُوا حتى إذا دنَوْا من الحسينعليه‌السلام وأصحابِهِ رشقُوهُم بالنَّبْلِ، فلم يَلْبَثُوا أنْ عَقَرُوا خيولَهُم وصاروا رَجَّالةً كلُّهُم.

٢٥

صلاة الظهيرة

وبقيَ القِتالُ على أَشُدِّهِ حتَّى انتصفَ النهار، فكانَ إذا قُتِلَ الرجُلُ والرجلانِ من أصحابِ الحسينِعليه‌السلام يَبِينُ ذلكَ فيهِمْ لِقلَّتِهِم، ولا يَبينُ القتْلُ في جيشِ عُمَرَ

بْنِ سعدٍ معَ كَثْرةِ مَنْ يُقتَلُ منْهُم لِكَثْرَتِهِم.

وكان قد قُتلَ منْ أنصارِ الإمامِعليه‌السلام أكثرُ منْ أربعين.

واقتربَ وقتُ زَوالِ الشمسِ، فقالَ أبو ثُمامةَ الصائدِيّ:

«يا أبا عبدِ الله! نفسِي لكَ الفِداء، إنّي أرَى هؤلاءِ قدِ اقتربوا منك، لا واللهِ، لا تُقْتَلُ حتَّى أُقتلَ دونَكَ إنْ شاءَ الله، وأُحِبُّ أنْ ألقَى ربِّيَ وقد صلَّيْتُ هذهِ الصلاةَ التي

قد دَنا وقتُها».

فرفَعَ الحسينُعليه‌السلام رأسَهَ ثم قال:

«ذَكرْتَ الصلاةَ، جعلَكَ اللهُ من المُصلِّينَ الذاكرين، نعَمْ هذا أوَّلُ وقتِها».

ثُمَّ قالَعليه‌السلام :

«سَلُوهُم أنْ يَكُفُّوا عنَّا حتّى نصلّي».

ففعلوا.

فقالَ لهُمُ الحُصَينُ بنُ تميم: إنَّها لا تُقْبَل.

فردَّ عليهِ حبيبُ بنُ مُظاهِر:

٢٦

«زعمْتَ الصلاةَ منْ آلِ الرسولِ صلَّى اللهُ عليهِمْ لا تُقْبَلُ، وتُقْبَلُ منكَ يا خَمَّار!».

فحمَلَ عليهِ الحصينُ بنُ تميمٍ فخرَجَ إليهِ حبيبُ بنُ مُظاهِرٍ فضرَبَ وجْهَ فرسِهِ بالسيفِ، فشَبَّ ووقَعَ عنه، وحمَلَهُ أصحابُهُ فاستنقذُوه.

وقاتلَ حبيب قتالاً شديداً حتّى استُشْهِدَ، فهدَّ ذلكَ الحسينَعليه‌السلام ، وقال:

«عندَ اللهِ أَحتسِبُ نفسي وحُماةَ أصحابي».

ولما قُتِلَ حبيبٌ أخَذَ الحرُّ يقاتِلُ راجلاً، فحمَلَ على القومِ معَ زهيرِ بنِ القَيْن، فكانَ إذا شَدَّ أحدُهُما فاستلْحَمَ شدَّ الآخرُ واستنقذَه، ففعَلا ذلكَ ساعة.

فبَيْنا الناسُ يتجاوَلُونَ ويقْتتِلُونَ والحُرُّ يَحْمِلُ على القومِ مُقْدِماً، فبرَزَ لهُ يزيدُ بنُ سُفيان، فما لَبِثَ الحرُّ أنْ قتلَهُ(..).

واستبسَلَ يضربُهُم بسيفِهِ وتكاثَرُوا عليهِ حتَّى استُشهِدَ رِضوانُ اللهِ عليه، فحمَلَهُ أصحابُهُ ووضعُوهُ بينْ يدَيْ الإمامِ الحسينِعليه‌السلام وبهِ رَمَقٌ، فجعَلَ الحسينُعليه‌السلام يمسَحُ وجهَهُ ويقول:

«أنتَ الحرُّ كما سمَّتْكَ أمُّك، وأنتَ الحرُّ في الدنيا وأنتَ الحرُّ في الآخرة».

وصلَّى الحسينُعليه‌السلام بأصحابِهِ صلاةَ الظُّهر.

٢٧

فوصَلَ إلى الحسينِعليه‌السلام سهمٌ فتقدَّمَ سعيدُ بنُ عبدِ اللهِ الحنَفِيُّ ووقَاه بنفسِهِ ما زالَ ولا تخَطَّى حتَّى سقَطَ إلى الأرضِ وهُوَ يقول:

«أللهُمَّ العنْهُمْ لعنَ عادٍ وثمود، اللهمَ أَبْلِغْ نبيَّكَ عنّي السلامَ وأبْلِغْهُ ما لَقِيتُ من ألَمِ الجِراحِ فإنّي أردْتُ ثوابَكَ في نَصْرِ ذريَّةِ نبيِّك».

ثُمَّ التفتَ إلى الحسينِعليه‌السلام ، فقالَ لهْ:

«أَوفَّيْتُ يا ابنَ رسولِ الله؟».

فقالَ الإمامُعليه‌السلام :

«نعمْ، أنتَ أمامي في الجنَّة».

ثُمَّ قَضى نحبَهُ رِضوانُ اللهِ عليهِ، فوُجِدَ بهِ ثلاثَةَ عشَرَ سَهْماً سوَى ما بهِ منْ ضَرْبِ السيوفِ وطَعْنِ الرِماح.

٢٨

الحملة الثانية

ثمَّ قالَعليه‌السلام لبقيَّةِ أصحابِه:

«يا كِرام، هذهِ الجنَّةُ فُتحَتْ أبوابُها واتَّصلَتْ أنهارُها وأينعَتْ ثِمارُها، وهذا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم والشهداءُ الذينَ قُتلِوا في سبيلِ اللهِ يتوقَّعُونَ

قدومَكُم، ويتباشَرُونَ بكُمْ، فحامُوا عن دينِ اللهِ ودينِ نبيِّهِ، وذُبُّوا عن حُرَمِ رسولِ الله».

وجعلَ أصحابُ الحسينِعليه‌السلام يسارِعونَ إلى القِتالِ بينَ يديهِ، وكانَ كلُّ مَنْ أرادَ القِتالَ يأتي إلى الحسينِعليه‌السلام يودِّعُهُ، ويقول:

«السلامُ عليكَ يا ابنَ رسولِ الله».

فيجيبُهُ الحسينُعليه‌السلام :

«وعليكَ السلامُ، ونحنُ خلفَك، ويقرأ:( فمنهُمْ منْ قضى نحبَهُ ومنهُمْ من ينتظِرُ وما بدَّلوا تبديلاً ) ».

واستأذنَ الصحابيُّ الجليلُ أَنَسُ بنُ الحارِثِ الكاهليُّ الإمامَ الحسينَعليه‌السلام بالمبارَزةِ فأذِنَ لهُ، فنزَلَ إلى الميدانِ شادّاً وسَطَهُ بالعِمامةِ، رافعاً حاجبَيْهِ بالعِصَابةِ لِكِبَرِ سِنِّه، فلمّا رآهُ الحسينُعليه‌السلام بهذهِ الهيئةِ، بكى، وقالَ له:

«شكَرَ اللهُ لكَ يا شيخ».

٢٩

وكانَ هذا الصحابيُّ ممَّنْ سمعَ حديثَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، عن شهادةِ الحسينِعليه‌السلام ، والحثِّ على نصرتِه، وقد قاتَلَ رضوانُ اللهِ عليهِ قتالَ الأبطالِ حتَّى نالَ الفوزَ بالشهادة.

ثُمَّ تقدَّمَ زهيرُ بنُ القَيْنِ واستأذنَ بالقِتالِ، ووضَعَ يدَهُ على مَنْكِبِ الحسينِعليه‌السلام وهوَ يقول:

أقدِمْ فُدِيتَ هادياً مَهْديَّاً

فاليومَ تَلْقَى جدَّكَ النبيّا

وحَسَناً والمرُتضَى عليَّا

وذا الجناحيْنِ الفتى الكَمِيّا

وأسَدَ اللهِ الشهيدَ الحيّا

ثُمَّ برَزَ وقاتلَ قتالاً شديداً حتى استُشْهِد.

فقالَ الحسينُعليه‌السلام : «لا يُبْعِدَنَّكَ اللهُ يا زهير، ولعَنَ اللهُ قاتلِيك!».

ثم برَزَ بُريرُ بنُ خضيرٍ الهَمَدانيُّ إلى الميدانِ وهوَ يقول:

«اقترِبوا منِّي يا قتَلَةَ المؤمنين، إِقترِبُوا منِّي يا قتلَةَ أولادِ البدْريّين، اقتربُوا منّي يا قتلَةَ أولادِ رسولِ ربِّ العالمينَ وذُرّيَّتِهِ الباقين».

فقاتلَ حتّى استُشْهِدَ رضوانُ اللهِ عليه.

واشتدَّ القتالُ والتحمَ وكثُرَ القتلُ والجراحُ في أصحابِ أبي عبدِ اللهِ الحسينِعليه‌السلام .

وتقدَّمَ حنظلةُ بنُ أسعدَ الشَّبامِيُّ بينَ يدَي الحسينِعليه‌السلام فنادى

٣٠

أهلَ الكوفة:

«يا قومُ، إنّي أخافُ عليكُم مثلَ يومِ الأحزاب، يا قومُ، إنّي أخافُ عليكُم يومَ التنادْ، يا قومُ، لا تقتلُوا حُسَيْناً فيُسْحِتَكُمُ اللهُ بعذابٍ وقد خابَ منِ افترَى».

ثمَّ تقدَّمَ فقاتلَ حتَّى قُتِلَ رحمه الله.

وتقدَّمَ بعدَهُ شَوْذَبٌ مولى شاكرٍ فقال:

«السلامُ عليكَ يا أبا عبدِ اللهِ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، أستودِعُكَ اللهَ وأسترْعِيك».

ثمَّ قاتلَ حتى قُتِلَ رحمه الله.

ثُمَّ برَزَ إلى الميدانِ عابِسُ بنُ أبي شَبيبٍ الشاكريُّ فسلَّمَ على الحسينِعليه‌السلام وقال:

«يا أبا عبدِ الله: واللهِ، ما أمسَى على وَجْهِ الأرضِ قريبٌ ولا بعيدٌ أعزُّ عليَّ ولا أحبُّ إليَّ منك، ولو قدِرْتُ على أنْ أدفعَ عنكَ الضَّيْمَ أو القتلَ بشيءٍ أعزَّ علَيَّ منْ نفسي ودمِي لَفعَلْت، السلامُ عليكَ يا أبا عبدِ اللهْ، أشهدُ أنّي على هَداكَ وهدى أبيك».

ثمَّ مضى بالسيفِ نحوَهُمْ، فقاتلَ حتّى استُشهِد.

٣١

شهادة أهل البيتعليهم‌السلام

ولمَّا لم يبقَ مع الحسينعليه‌السلام إلا أهلَ بيتِه عَزَمُوا على الحربِ ومُلاقاةِ الحتوفِ وأقبلَ بعضُهم يُودِّعُ بَعضَاً:

هذا يشبك ابهذا أويحبه

او هذا ابقلب هذا ايحط قلبه

او هذا دمعه الهذا يصبه

او هذا يشم خد هذا او يصفر

مصرع عليّ الأكبرعليه‌السلام

وأوّلُ من تقدَّمَ عليٌّ الأكبرُ بنُ الحسينِعليه‌السلام وكانَ مِنْ أصْبَحِ الناسِ وَجْهاً وأحسنِهِم خُلُقاً فاستأذنَ أباهُ في القِتالِ فأذِنَ لَه، ثُمَّ نظَرَ إليهِ نظْرةَ آيِسٍ منهُ وأرخىعليه‌السلام عينَيْهِ وبكَى، محترِقاً قلبُهُ، مُظْهِراً حزنَهُ إلى اللهِ تعالَى، (ورفَعَ سبَّابتَيْهِ نحوَ السماءِ وقال):

«اللهمَّ اشهَدْ على هؤلاءِ، فقَدْ برَزَ إليهِم أشْبَهُ الناسِ خَلْقاً وخُلُقاً ومَنْطِقاً برسولِكَ محمَّدِ صلى الله عليه وآله وسلم، وكنّا إذا اشتقْنا إلى رؤيةِ نبيِّكَ نظَرْنا إليه، اللهمَّ امنعْ عنهم بركاتِ الأرضِ، وفرِّقْهُمْ تفريقاً، ومزِّقْهُم تمزيقاً، واجعَلْهُم طرائقَ قِدَداً ولا تُرْضِ الولاةَ عنْهُم أبداً، فإنَّهُم دَعَوْنا لِيَنْصُرُونا فعَدَوْا علينا يُقاتِلُوننا».

وصاحَعليه‌السلام بعُمرَ بنِ سعد:

«ما لكَ يا ابنَ سعد، قطَعَ اللهُ رحِمَكَ كما قطَعْتَ رَحِمي، ولم تحفَظْ

٣٢

قرابتي من رسولِ الله».

ثمَّ رفَعَ الحسينُعليه‌السلام صوتَهُ وتلا قولَهُ تعالى:

( إنَّ اللهَ اصطفى آدمَ ونوحاً وآلَ إبراهيمَ وآلَ عِمرانَ على العالمينَ ذُرَّيةً بعضُها منْ بعضٍ واللهُ سميعٌ عليم ) .

ثُمَّ حمَلَ عليُّ بنُ الحسينِعليه‌السلام على القومِ، وهو يقول:

أنا عليُّ بْنُ الحسينِ بْنِ علي

نحنُ وبيتُ اللهِ أوْلى بالنبي

تاللهِ لا يحكُمُ فينا ابنُ الدَّعي

أطعنُكُمْ بالرُّمحِ حتى ينثني

أضرِبُكُمْ بالسيفِ أحمي عن أبي

ضرْبَ غُلامٍ هاشميٍّ علوي

فلَمْ يزَلْ يقاتلُ حتَّى ضجَّ الناسُ منْ كَثْرةِ مَنْ قتَلَ منهُم (...).

ثُمَّ رَجَعَ إلى أبيهِ وقدْ أصابتْهُ جراحاتٌ كثيرةٌ فقال:

«يا أبه! ألْعطشُ قد قتَلني وثِقْلُ الحديدِ أجْهَدَني، فهلْ إلى شُربةٍ ماء منْ سبيلٌ أتقوَّى بها على الأعداء؟».

فبكَى الحسينُعليه‌السلام ودفَعَ إليهِ خاتَمَهُ وقال:

«خُذْ هذا الخاتَمَ في فيكَ وارجِعْ إلى قِتالِ عدوِّكَ، فإنّي أرجُو أنَّكَ لا تُمْسي حتَّى يَسْقِيَكَ جدُّكَ بكأسِهِ الأوفى شَرْبةً لا تظمأُ بعدَها أبداً».

يبويه شربة اميه الكبدي اتقوى ورد للميدان وحدي

يبويه انفطر قلبي وحق جدي العطش والشمس والميدان والحر

٣٣

فرجَعَ إلى موقِفِ النِّزالِ وقاتلَ أعظمَ القِتالِ، فاعترضَهُ مُرَّةُ بْنُ منقِذٍ فطَعَنهُ فصُرِعَ، واحتواهُ القومُ فأثخَنُوهُ طَعْنَا، فنادى بأعلى صوتِه:

«يا أبتاه! هذا جدِّي رسولُ اللهِ قد سقاني بكأسِهِ الأوفَى شَرْبةً لا أظمأُ بعدَها أبداً، وهوَ يقولُ لك: العَجَلَ! فإنَّ لكَ كأساً مَذْخورَة».

فصاحَ الحسينُعليه‌السلام :

«وا ولداه...».

وأقبلعليه‌السلام إلى ولدِهِ، وكانَ في طريقِهِ يلهَجُ بذِكْرِهِ ويُكْثِرُ من قولِه:

«ولدي علِيّ.. ولدي عليّ».

حتَّى وصَلَ إليهِ، فأرخَى رِجلَيْهِ معاً منَ الرِّكابِ، ورمَى بنفسِهِ على جسَدِ ولدِهِ، وأخَذَ رأسَهُ فوضَعَهُ في حِجْرِهِ، وجعَلَ يمسَحُ الدَّمَ والترابَ عن وجهِه، وانكَبَّ عليهِ واضِعاً خدَّهُ على خدِّهِ، وجعَلَ يقول:

«قتَلَ اللهُ قوماً قتلُوكَ يا بُنَيّ! ما أجرأَهُم على اللهِ وعلى انتهاكِ حُرمةِ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم ».

وانهملَتْ عيناهُ بالدموعِ ثُمَّ قال:

«على الدنيا بعدَكَ العفا».

قعد عنده اوشافه امغمض العين

ابدمه سابح امترّب الخدين

متواصل ضرب والراس نصّين

حنه ظهره على ابنيّه او تحسر

٣٤

ثم طلَبَ الحسينعليه‌السلام من فتيانِهِ منْ بني هاشمٍ وقالَ لهُم:

يـبويه گول منهو الضرب راسك

يـنور الـعين مـن خمّد انفاسك

يـعقلي من نهب درعك اوطاسك

يـروحي اشـلون أشوفنّك امطبّر

يـبويه مـن عدل راسك ورجليك

او من غمّض عيونك واسبل ايديك

ينور العين كل سيف الوصل ليك

قـطع قـلبي او لعند احشاي سدّر

«احْمِلُوا أخاكُم».

فحملُوهُ منْ مَصْرَعِهِ، وجاؤوا بهِ إلى الفُسطاطِ الذي يُقاتِلُونَ أمامَه.

٣٥

مقاتل آل عقيلعليهم‌السلام

ثُمَّ برَزَ أبناءُ عقيلِ بنِ أبي طالِبٍ، وأبناءُ مُسْلمٍ وأبناءُ جعفرِ بنِ عقيلٍ وجعَلُوا يقاتلونَ قتالاً شديداً والحسينُعليه‌السلام يقولُ لهُم:

«صَبْراً على الموتِ يا بَنِي عمومتي، لا رأيتُم هواناً بعدَ هذا اليوم».

فجعلُوا يَسْتَبْسلِونَ في الدِّفاعِ عنِ ابنِ رسولِ اللهِ حتى استُشْهِدُوا رحِمَهُمُ الله.

وتقدَّمَ القاسمُ بنُ الإمامِ الحسنِعليه‌السلام ، يستأذُنِ عمَّهُ للقتال - وكأنَّ الإمامَ الحسَنَعليه‌السلام أبى إلاَّ أنْ يكونَ حاضراً في كربلاءَ بخمسةٍ من أولادِهِ، وهوَ القائل: لا يومَ كيومِكَ يا أبا عبدِ الله - فخرَجَ القاسمُ وهُوَ يرتجُزِ ويقول:

إنْ تُنْكِروني فأنا فَرْعُ الحسَن

سِبْطِ النبيِّ المصطفى والمؤتمَن

هذا حسينٌ كالأسيرِ الـمُرْتهَن

بينَ أناسٍ لا سُقُوا صَوْبَ الـمُزُن

وفيما كانَ يجُولُ في الـمَيْدانِ ويصُولُ، انقطعَ شِسْعُ نعلِهِ، فانحنى ليُصْلِحَه.

قالَ من شهِدَ الواقعة: فقالَ لي عمرُو بنُ سعدٍ بنِ نفيلٍ الأزْدِيّ: واللهِ، لأَشُدَّنَّ عليهْ. فقْلُت لهُ: سبحانَ اللهِ، وما تُرِيدُ إلى ذلك؟ يكفيكَ قتلَهُ

٣٦

هؤلاءِ الذينَ تَراهُم قدِ احتَوَشُوهْ، فقالَ: واللهِ، لأشُدَّنَّ علَيْه. فما ولَّى حتَّى ضرَبَ رأسَهُ بالسيفِ، فوقَعَ الغلامُ لوجهِهِ، فصاح:

«يا عمَّاه!».

فجَلّى الحسينُعليه‌السلام كما يجلِّي الصقرُ، وانجلَتِ الغَبَرَةُ، فإذا بالحسينِعليه‌السلام قائمٌ على رأسِ الغُلامِ والغلامُ يفْحَصُ برجلَيْهِ، والحسينُعليه‌السلام يقول:

«بُعْداً لقومٍ قتلوكَ ومَنْ خصْمُهُم يومَ القيامةِ فيكَ جدُّك».

ثُمَّ قالَ:

«عزَّ - واللهِ - على عمِّكَ أنْ تَدْعُوَهُ فلا يُجيبُك، أو يُجيبَكَ ثُمَّ لا يَنْفعُكَ، صوتٌ واللهِ كثُرَ واترُهُ وقلَّ ناصرُهُ».

بكى او نادى يجاسم اشبيدي

يريت السيف قبلك حزّ وريدي

هان الكم تخلوني اوحيدي

على اخيمّي يعمّي الخيل تفتر

قالَ الراوي: ثُمَّ احتملَهُ، فكأنّي أنظُرُ إلى رِجلَي الغُلامِ يخُطّانِ في الأرضِ وقدْ وضَعَ الحسينُعليه‌السلام صدرَهُ على صدرِهِ، قالَ: فقلتُ في نفسي: ما يصنَعُ بهِ؟ فجاءَ بهِ حتَّى ألقاهُ معَ ابنِهِ عليِّ بنِ الحسينِ وقَتْلى قدْ قُتِلَتْ حولَهُ منْ أهلِ بيتِهِ، فسألْتُ عنِ الغُلامِ، فقِيلَ: هوَ القاسِمُ بنُ

٣٧

الحسَنِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالبٍعليهم‌السلام .

جـابه اومـدّده مـا بين اخوته

بـكى عـدهم يويلي وهم موته

بـس ما سمعن النسوان صوته

إجـت امّـه تـصيح الله أكبر

ردتـك مـا ردت دنيه ولا مال

تحضرني لو وقع حملي ولا مال

يـبني خـابت اظنوني والامال

مـحل الضيق يبني اقطعت بيّه

٣٨

مقاتل إخوة العباسعليه‌السلام

ثُمَّ إنَّ أبا الفضلِ العبَّاسَعليه‌السلام ، قالَ لإخوتِهِ منْ أبيهِ وأمِّهِ أمِّ البنينَ - وهُمْ عبدُ اللهِ وجعفرٌ وعُثمانُ -.

«تقدَّمُوا حتَّى أراكُم قد نصحْتُم للهِ ولرسولِه، تقدَّموا، بنفسي أنتُم، فحامُوا عن سيِّدِكُم حتى (تُقْتَلُوا) دونَه».

فتقدَّمُوا جميعاً. فصارُوا أمامَ الحسينِعليه‌السلام ، يَقُونَهُ بوُجوهِهِم ونُحُورِهِم، حتى استُشهِدوا بِأَجمَعِهم.

شهادة العباسعليه‌السلام

ولمّا استُشْهِدَ إِخوةُ العبَّاسِعليهم‌السلام ، ورآهُم صرعَى على وجهِ الصعيدِ، لم يستطِعْ صبراً، فجاءَ إلى أخيهِ الحسينِعليه‌السلام يستأذِنُهُ القِتالَ، فبكَى الحسينُعليه‌السلام بكاءً شديداً، وقال:

«يا أخي، أنتَ صاحبُ لوائي، وإذا مضيتَ تفرَّقَ عسكري».

فلم يأذَنْ له.

فقالَ العباسُعليه‌السلام :

«قد ضاقَ صَدْري وسئِمْتُ منَ الحياةِ، وأريدُ أنْ أطلُبَ ثأري من هؤلاءِ المُنافقِين».

٣٩

فقالَ الحسينُعليه‌السلام :

«فاطلُبْ لهؤلاءِ الأطفالِ قليلاً منَ الماء».

فذهَبَ العباسُعليه‌السلام إلى عسكَرِ عُمَرَ بنِ سعدٍ ووعَظَهُم وحذَّرَهُم فلم ينفعْهُم، فرجَعَ إلى أخيهِ فأخبرَه، (وسمعَ أبو الفضلِعليه‌السلام الأطفالَ ينادُون:

«العطَشَ العطشَ». فخرَجَ يطلُبُ الماءَ ليوصِلَهُ إليهِم).

وركِبَ فرَسَهُ وأخذَ رمحَهُ وسيفَهُ والقِربةَ، فأحاطَ بهِ الذينَ كانوا مُوكَلِينَ بالفُراتِ، وأخَذُوا يرْمُونَهُ بالنَّبالِ، فلَمْ يعبَأ بجَمْعِهِم، ولا راعتْهُ كثْرَتُهُم. فكشَفَهُم عن وجهِهِ، ودخَلَ الفراتَ مطمئنّاً غيرَ هيَّاب لذلكَ الجَمْعِ الغفير.

ثُمَّ اغتَرفَ منَ الماءِ غُرْفةً وأدناها من فمِهِ ليشرَبَ، فتذكَّرَ عطَشَ أخيهِ الحسينِعليه‌السلام وعَطاشى أهلِ بيتِهِ وأطفالِهِعليهم‌السلام ، فرمى الماءَ مِنْ يدِهِ وقال:

يا نفسُ من بعدِ الحسينِ هوني

وبـعدَهُ لا كـنتِ أن تكوني

هـذا حـسينٌ وارِدُ الـمَنُونِ

وتـشـربينَ بـارِدَ الـمعِينِ

تاللهِ مـا هـذا فِـعَالُ ديـني

ولا فِـعَالُ صـادقِ الـيقين

اشلون اشرب واخوي احسين عطشان

وسـكنه والـحرم واطـفال رضعان

اظـن قـلب الـعليل الـتهب نيران

يـريت الـماي بـعده لا حلى او مرّ

٤٠