الحسين (عليه السلام) في الفكر المسيحي

الحسين (عليه السلام) في الفكر المسيحي23%

الحسين (عليه السلام) في الفكر المسيحي مؤلف:
الناشر: انتشارات الهاشمي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 258

الحسين (عليه السلام) في الفكر المسيحي
  • البداية
  • السابق
  • 258 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 55502 / تحميل: 10177
الحجم الحجم الحجم
الحسين (عليه السلام) في الفكر المسيحي

الحسين (عليه السلام) في الفكر المسيحي

مؤلف:
الناشر: انتشارات الهاشمي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

بن نصير، قال حدثنا محمد بن عيسى، عن أبي الحسن العرني(1) عن غياث الهمداني عن بشير بن عمرو الهمداني قال مر بنا أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال:

___________________________________________________________

أبو عمرو الكشي بواسطة أبي النضر العياشى كثيرا، ويروي عنه أيضا تارات من غير واسطة كما ذكره الشيخ في كتاب الرجال. وهذا الحديث روياه جميعا عنه وحدثهما اياه معا، فسياق القول أن محمد بن مسعود العياشي وأبا عمرو الكشي رحمهما الله تعالى قالا جميعا حدثنا محمد بن نصيررحمه‌الله .

فالطريق عالي الاسناد في الطبقة الاولى.

قال العلامة في الخلاصة محمد بن نصير بالياء بعد الصاد المهملة من أهل كش ثقة جليل القدر كثير العلم وروى عنه ابو عمرو الكشي(1) .

وهو حكاية قول الشيخ بعبارته.

وقال الحسن بن داود في كتابه: محمد بن نصير بضم النون والصاد المهملة المفتوحة من أهل كش لم جخ ثقة جليل القدر كثير العلم(2) .

وما في بعض النسخ وأبو عمر بن عبد العزيز من غير واو، فاما ايهام من النساخ واما بناء على تسويغ اسقاط واو عمرو في الكنية المضافة الى المضمر أو المظهر وفي الاسم عند النسبة اليه، وكذلك اثبات واوي داود في الكنية بالاضافة وفي الاسم بالنسبة اليه، كما ربما يدعى ويظهر من شرح النووي لصحيح مسلم.

قولهرحمه‌الله : عن أبى الحسن العرنى‌

ويقال بالتصغير من أصحاب أبي الحسن الثاني الرضاعليه‌السلام ، اسمه محمد بن القاسم. ذكره الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال في أصحاب أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام في باب من لم يسم عنه فقال: أبو الحسين محمد بن القاسم العرني عن‌

__________________

(1) الخلاصة: 73 ط الحجرى‌

(2) رجال ابن داود ص 338‌

٢١

___________________________________________________________

رجل من جعفي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام (1) .

ونسخ كتاب الرجال مختلفة فيه باهمال العين المضمومة والراء المفتوحة قبل النون واعجامه الغين والزاء، كما نسخ هذا الكتاب مختلفة كذلك، ولعل الاختلاف مبناه أن محمد بن القاسم من أصحاب الرضاعليه‌السلام مشترك بين رجلين ذكرهم الشيخ في كتاب الرجال في اصحاب أبي الحسن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام أحدهما محمد بن القاسم النوشجاني(2) بالنون قبل الواو والمعجمة قبل الجيم والنون بعد الالف نسبة الى قبيلة.

وفي القاموس: النوشجان قبيلة أو بلد(3) .

وهو أبو الحسين محمد بن القاسم العرني بالعين المهملة والراء الاددي بضم الهمزة ودالين مهملتين، أو الادي بالهمزة المضمومة واهمال الدال المشددة. وأدد كعمر مصروفا بمنزلة ثقب وبضمتين أبو قبيلة من اليمن من بجيلة، وادّ بن طابخة بن الياس بن مضر أبو قبيلة أخرى.

والاخر محمد بن القاسم البوسنجي بالموحدة قبل الواو والنون بين السين المهملة والجيم، أبو الحسن الغزني باعجام الغين والزاء نسبة الى غزنة بالتحريك(4) .

قال في القاموس: بوسنج معرب بوشنك بلد من هراة(5) .

وقال الفاضل البرجندي: فوشنج بضم الفاء وسكون الواو وكسر الشين المعجمة وسكون النون ثم جيم من بلاد خراسان كان معمورا فخرب وهو اليوم غير عامر.

__________________

(1) رجال الشيخ ص 341 وفيه الغرلى.

(2) رجال الشيخ ص 387‌

(3) القاموس: 1 / 209‌

(4) رجال الشيخ ص 393 وفيه البوشنجى.

(5) القاموس: 1 / 179‌

٢٢

اكتتبوا في هذه الشرطة فو الله لا غناء لمن بعدهم الا شرطة النار الا من عمل بمثل أعمالهم.

___________________________________________________________

وفي بعض نسخ الكتاب الغزلي(1) باللام بعد الزاء.

قولهعليه‌السلام : اكتتبوا‌

على الافتعال من الكتيبة، وفي نسخة اكتبوا من الكتب بمعنى الجمع، أي اجمعوا شتاتكم واجتمعوا في هذه الكتيبة، فو الله لا غنى بعدهم بالكسر مقصورا أو لا غناء بعدهم بالفتح ممدودا، أي لا مغني ولا مجزأ ولا معدي ولا منصرف عنهم ينصرف اليه ويقام فيه الاشرطة النار، كما قال عز من قائل( فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ ) (2) اما من غني عنهم أي استغنى عنهم، أو من غني فيهم يغني أي أقام فيهم وعاش، كلاهما من باب رضي.

قال في الصحاح: غني به غنية، وغنيت المرأة بزوجها غنيانا اي استغنت، وغني بالمكان أي أقام به، وغني أي عاش، واغنيت عنك مغني فلان ومغناة فلان ومغني فلان ومغناة فلان أي أجزأت عنك مجزأه، ويقال: ما يغني عنك هذا أي ما يجدي عنك وما ينفعك(3) .

وفي القاموس: وما له عنه غنى ولا مغني ولا غنية ولا غنيان مضمومتين بد، وأغنى عنه غناء فلان ومغناه ومغناته ويضمن ناب عنه وأجزأ مجزأه، وما فيه غناء ذاك أي اقامته والاضطلاع به وكرضي أقام وعاش وبقي، والمغني المنزل الذي غني به أهله ثم ظعنوا أو عام، وغنيت لك مني بالمودة بقيت(4) .

وفي طائفة من النسخ لا غناء لمن بعدهم.

__________________

(1) كما في المطبوع منه بجامعة مشهد.

(2) سورة يونس: 32‌

(3) الصحاح: 6 / 2449‌

(4) القاموس: 4 / 371 - 372‌

٢٣

10 - وروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، انه قال لعبد الله بن يحيى الحضرمي يوم الجمل: أبشر يا ابن يحيى فانك وأبوك من شرطة الخميس حقا، لقد أخبرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله باسمك واسم أبيك في شرطة الخميس، والله سماكم شرطة الخميس على لسان نبيهعليه‌السلام .

___________________________________________________________

قولهرحمه‌الله : لعبد الله بن يحيى الحضرمى‌

كنيته أبو الرضا وهو من أولياء أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ذكره البرقي في كتاب الرجال(1) أعني أحمد بن أبي عبد الله البرقي على ما في فهرست الشيخ وكتاب النجاشي، لا عمه الحسن بن خالد البرقي كما تو همه بعض المتوهمين.

وذكره الشيخرحمه‌الله في كتاب الرجال في أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام (2) .

والعلامة في الخلاصة ذكره في الاسماء في باب العين وروى هذا الحديث مزيدا فيه في السماء في قوله: والله سماكم في السماء شرطة الخميس(3) ، ثم في باب الكنى أورد جماعة من أوليائهعليه‌السلام منهم أبو الرضا عبد الله بن يحيى الحضرمي(4) .

قولهعليه‌السلام : أبشر يا بن يحيى فانك‌

في أكثر النسخ فانت(5) وأبوك، وفي طائفة منها فانك واباك عطفا على مدخول أن وهو ضمير الخطاب، وفي بعضها فانك وأبوك عطفا على المحل لا على المدخول، كما في( فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصّالِحِينَ ) (6) بالجزم للعطف على موضع الفاء وما بعده لا على مدخولها.

__________________

(1) رجال البرقى ص 3‌

(2) رجال الشيخ: 47 وفيه عبد الله بن بحر الحضرمى يكنى ابا الرضا‌

(3) الخلاصة: 51 ط الحجرى‌

(4) الخلاصة: 93‌

(5) كما في المطبوع منه‌

(6) سورة المنافقين: 10‌

٢٤

وذكر أن شرطة الخميس كانوا ستة آلاف رجل أو خمسة آلاف.

11 - وذكر هشام، عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كان علي‌

___________________________________________________________

وأبشر بفتح الهمزة على القطع يقال بشره وأبشره وبشره فبشر وأبشر وتبشر واستبشر ثلاثة في المتعدي وأربعة في اللازم، وربما تضم الهمزة على الوصل.

قال في المغرب: بشره من باب طلب بمعنى بشره وهو متعد، وقد روي لازما الا انه غير معروف، وعلى هذا قوله أبشر فقد أتاك الغوث بضم الهمزة وانما الصحيح أبشر بقطع الهمزة.

قولهرحمه‌الله : وذكر أن شرطة الخميس‌

على ما لم يسم فاعله عطفا على وروي على صيغة المجهول، واللفظتان لأبي عمرو الكشي.

في القاموس في خ س: الخميس الجيش لأنه خمس فرق المقدمة والقلب والميمنة والميسرة والساقة. وفي ش ط: والشرطة بالضم ما اشترطت، يقال: خذ شرطتك، وواحد الشرط كصرد وهم أول كتيبة تشهد الحرب وتتهيأ للموت، وطائفة من أعوان الولاة معروف، وهو شرطي وشرطي كتركي وجهني، سموا بذلك لأنهم أعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها(1) .

وقد أدريناك أن قوله وشرطي كجهني خطأ والصواب شرطي بضمتين نسبة الى الشرطة(2) على لغة من يضم فيها الشين والراء جميعا.

والرواية معناها: أن شرطة الخميس في جيش أمير المؤمنينعليه‌السلام الذين سماهم الله على لسان نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا ستة أو خمسة آلاف رجل.

قولهرحمه‌الله : عن أبى خالد الكابلى‌

أي الذي اسمه وردان ولقبه كنكر وهو أبو خالد الكابلي الاكبر.

__________________

(1) القاموس: 2 / 211 و 368‌

(2) وفي « ن »: الشرط‌

٢٥

ابن أبي طالبعليه‌السلام عندكم بالعراق يقاتل عدوه وعنده أصحابه وما كان منهم خمسون رجلا يعرفونه حق معرفته، وحق معرفته امامته.

سلمان الفارسى‌

12 - أبو الحسن وأبو اسحاق حمدويه وابراهيم ابنا نصير، قالا حدثنا محمد ابن عثمان، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال كان الناس أهل‌

___________________________________________________________

قال الشيخ في كتاب الرجال في اصحاب أبي جعفر محمد بن علي بن الحسينعليه‌السلام : وردان أبو خالد الكابلي الاصغر روى عنه وعن أبي عبد اللهعليهما‌السلام والكبير اسمه كنكر(1) .

وقال في أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليهما‌السلام : وردان أبو خالد الكابلي الاصغر روى عنهماعليهما‌السلام والاكبر كنكر(2) .

وقال في أصحاب أبي محمد علي بن الحسينعليهما‌السلام : كنكر يكنى أبا خالد الكابلي وقيل ان اسمه وردان.

قلت: وما يقال ان الاكبر والاصغر يشتر كان في وردان وكنكر اسما ولقبا وهم من غير مستند.

قولهعليه‌السلام : وحق معرفته امامته‌

أي بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من غير فصل بينهما صلى الله عليهما بأحد أصلا على حق اليقين.

قولهرحمه‌الله : أبو الحسن وأبو اسحاق‌

الطريق موثق بحنان بالمهملة المفتوحة ونونين من حاشيتي الالف وبالتخفيف وعالي الاسناد في الطبقة الاولى.(3)

__________________

(1) رجال الشيخ: 139‌

(2) رجال الشيخ: 328‌

(3) رجال الشيخ: 100‌

٢٦

ردة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الا ثلاثة. فقلت: ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الاسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي، ثم عرف الناس بعد يسير، قال: هؤلاء الذين دارت‌

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : وأبو ذر الغفارى‌

بفتح المعجمة وتشديد الراء المعجمه وتخفيف الفاء.

قال في المغرب: أصل الغفر الستر، وغفار حي من العرب اليهم ينسب أبو ذر الغفاري وأبو بصرة الغفاري.

وقد صح عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند العامة والخاصة: ما اظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق من أبي ذر لهجة. وفي رواية: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجه أصدق ولا أوفى من أبي ذر(1) .

وفي طريق العامة من الصحاح في مصابيحهم ومشكاتهم أن أبا سفيان أتى على سلمان وأبي ذر وصهيب وبلال في نفر فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش(2) وسيدهم، فأتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره فقال: يا أبا بكر لعلك اغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك، فأتاهم فقال: يا اخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لا يغفر الله لك.

قولهعليه‌السلام : ثم عرف الناس بعد يسير‌

أي تنبهوا وتعرفوا واستيقنوا الامر واتبعوا الحق ورجعوا الى أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد زمان يسير، وازاحوا عن صدورهم وساوس تشكيكات المشككين، وعن ذلك التعبير في كتب الرجال بالرجوع الى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، كما يقولون مثلا أبو سعيد الخدري مشكور من السابقين الذين رجعوا الى أمير المؤمنينعليه‌السلام .

__________________

(1) راجع الطرائف: 405 المطبوع أخيرا بقم بتحقيقنا وتعاليقنا عليه.

(2) وفي « س »: أتقولون هذا الشيخ قريشهم الخ‌

٢٧

عليهم الرحا

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا‌

فيه وجهان: الاول: أن يكون كناية عن شدة الملمة بهم وصعوبة الداهية عليهم، يعني أنهم كانوا في مضيق اعتداء المعتدين كأن الرحا تدور عليهم وتطحنهم، ومع ذلك فقد لازموا اتباع سبيل الحق ولم يبايعوا أمير الجور والعدوان.

الثاني: أن يرام أن هؤلاء هم الذين كانوا لملة الإسلام كالقطب والمدار عليهم تدور رحاها وبهم يستقيم أمرها، اتبعوا سبيل الحق ولم يبايعوا أهل الضلال. يقال: دارت رحى الامر اذا قام عموده واستقام نظامه. ومنه في حديث نعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : تدور رحى الإسلام من مهاجرك فتلبث بذلك عشرا، ثم تدور رحى الإسلام على رأس خمسة وثلاثين من مهاجرك فتلبث بذلك خمسا. على ما حققناه في المعلقات على زبور آل محمد الصحيفة الكريمة السجادية(1) .

فدوران الرحا عليهم على هذا السبيل معناه دورانها حولهم كما يكون دوران الرحا والفلك على القطب والمحور. وما يقال: ان دوران الرحا اذا استعمل باللام كان للتنسيق والتنظيم، واذا استعمل بعلى كان للتهويش والتهويل خارج عن هذا الاستعمال.

فاذن ما قاله السيد المكرم الرضي أخ السيد المعظم المرتضى رضي الله عنهما في كتاب مجازات الحديث: دور الرحا يكون عبارة عن حالين مختلفين: احداهما مذمومة والاخرى محمودة: فالمذمومة هي الحال التي بني عليها الاخبار عن از عاج الامر عن مناطه واز حافه عن قراره، واما الحال المحمودة فهي أن يكون دور الرحا عبارة عن تحرك جد القوم وقوة أمرهم وعلو نجمهم يقال: دارت رحا بني فلان اذا اتفقت لهم هذه الاحوال المحمودة، فهذه حال كان دور الرحا فيهما محمودا لمن دارت له ومذموما لمن دارت عليه، وانما قالوا: دارت رحا الحرب لجولان الابطال‌

__________________

(1) راجع التعليقة على الصحيفة السجادية المطبوع على هامش نور الأنوار للجزائرى: ص 22. وهذه التعليقة قد صححناه وحققناه ولكن لم يطبع.

٢٨

وأبوا أن يبايعوا لأبي بكر حتى جاءوا بأمير المؤمنينعليه‌السلام

___________________________________________________________

فيها وحركات الخيل تحتها(1) .

غير مستقيم على اطلاقه.

قولهعليه‌السلام : وأبوا أن يبايعوا‌

من الصحيح الثابت في الاخبار أن قيس بن سعد بن عبادة الصحابي الانصاري من خلّص أنصار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن العشرة الذين نصروهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن أصفياء أولياء أمير المؤمنينعليه‌السلام أيضا ممن لم يرتد ولم ينزعج ولم يبايع.

قال الشيخ في كتاب الرجال في أسماء من روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : قيس بن سعد بن عبادة وهو ممن لم يبايع أبا بكر(2) .

وقال العلامة في الخلاصة: قيس بن سعد بن عبادة من السابقين الذين رجعوا الى أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو مشكور لم يبايع أبا بكر(3) .

وسيجي‌ء في الكتاب ما رواه أبو عمرو الكشي: أن أنس بن مالك قال: كان قيس بن سعد من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بمنزلة صاحب الشرطة من الامير، وما رواه في مصالحة أبي محمد الحسنعليه‌السلام ومعاوية لم يبايع قيس بن سعد بن عبادة الانصاري صاحب شرطة الخميس معاوية قال له معاوية: قم يا قيس فبايع فالتفت الى الحسينعليه‌السلام ينظر ما يأمره فقال: يا قيس انه امامي يعني الحسنعليه‌السلام .

وكان قيس وأبوه سعد طولهما عشرة أشبار باشبارهما، وقد كانا من جملة من كان طولهم عشرة أشبار بأشبار أنفسهم، وكان شبر الرجل منهم يقال انه مثل ذراع أحدنا، وسعد لم يزل سيد في الجاهلية والإسلام، وأبوه وأجداده لم يزل فيهم الشريف‌

__________________

(1) المجازات النبوية: 156‌

(2) رجال الشيخ: 54‌

(3) الخلاصة: 136‌

٢٩

مكرها فبايع وذلك قول الله عز وجل( وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ

___________________________________________________________

وكان قيس ابنه مثله بعده(1) .

ومن المتفق عليه أن سعد بن عبادة أيضا لم يبايع أبا بكر أبدا، فاذن حصر من لم يرتد ولم يبايع في ثلاثة أو في سبعة محمول على أنهم قصوى الغاية في الاستيقان والاستقامة والانكار على متقمص(2) الخلافة ولص الامامة.

قولهعليه‌السلام : مكرها فبايع‌

يعني أظهر البيعة كرها، أو أنه وقعت في البين شبهة البيعة فانه جي‌ء بهعليه‌السلام مكرها فكثر اللفظ واضجت الاقوال وارتفعت الاصوات فقال الناس: انه بايع لا أنه قد وقعت منهعليه‌السلام المبايعة، فان ذلك خلاف ما أطبق عليه المحدثون من العامة والخاصة، على ما بسطنا تحقيقه في كتاب نبراس الضياء وفي شرح تقدمة كتاب تقويم الايمان.

أليس قد اتفقت أصول أحاديث العامة فضلا من الخاصة على أنهعليه‌السلام كان يقول: أنتم بالبيعة لي أحق مني بالبيعة لكم واني أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الانصار، وأنا أول من يحثو للخصومة بين يدي الله عز وجل(3) .

وانما رواية البيعة في صحيحهم البخاري على هذه الصورة باسناده: عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة: أن فاطمة بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أرسلت الى أبي بكر تسأله ميراثها عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر: ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لا نورث ما تركناه صدقة، فأبى أبو بكر أن يدفع الى فاطمة منها شيئا، فغضبت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ولم‌

__________________

(1) راجع رجال الكشى: 110 ط جامعة مشهد‌

(2) وفي « ن »: متغمص‌

(3) روى نحوه العلامة المجلسى في البحار: 8 / 172‌

٣٠

أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) الاية.

___________________________________________________________

يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها.

وكان لعلي من الناس وجهة حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر على وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الاشهر فأرسل الى أبي بكر ان ائتنا ولا يأتنا أحد معك، كراهية ليحضر عمر، فقال عمر: لا والله لا تدخل عليهم وحدك، وقال أبو بكر: وما عسيتهم أن يفعلوا بي فدخل عليهم أبو بكر، فتشهد علي فقال: انا لن ننفس عليك خيرا ساقه الله عليك، ولكنك استبددت علينا بالامر وكنا نرى لقرابتنا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نصيبا حتى فاضت عينا أبي بكر فقال علي لا بي بكر: موعدك العشية للبيعة.

فلما صلّى أبو بكر الظهر رقى على المنبر فتشهّد وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة، وتشهّد وتشهّد علي وقال: لا يحملني على التخلف عن البيعة نفاسة على أبي بكر ولا انكارا للذي فضّله الله به، ولكنا كنا نرى لنا في هذا الامر حقا، فاستبد علينا به فوجدنا في أنفسنا، فسر بذلك المسلمون وقالوا: أصبت وكان المسلمون الى علي قريبا حين رجع الامر الى المعروف انتهى ما في صحيح البخاري(1) . فلينظر على جبلة الانصاف هل ذلك اذعان لا بي بكر بالامامة واتيان له بالبيعة أو اعلان بأن أبا بكر متغلب بالخلافة ومستبد بالحق على أهله.

وقوله سبحانه: انقلبتم على أعقابكم‌

أي ارتددتم عن دينكم ورجعتم القهقرى، كما فعل بنو اسرائيل بعد موت موسى على نبينا وعليه السلام.

__________________

(1) ورواه مسلم في صحيحه: 3 / 1380. وهنا تحقيقات ونكات حول هذه الرواية عن السيد بن طاوس في كتاب الطرائف ص 258 فراجع تغتنم.

٣١

13 - جبريل بن أحمد الفاريابي البرناني، قال حدثني الحسن بن خرزاذ قال‌

___________________________________________________________

قولهرحمه‌الله : جبريل بن احمد الفاريابى البرنانى‌

وربما يقال الفريابي. قال الفاضل البرجندي: فارياب بفاء بعدها ألف وسكون الراء المهملة ومثناة من تحت بعدها ألف ثم باء موحدة بلد صغير قريب بلخ بينهما اثنان وعشرون فرسخا.

وفي القاموس: فرياب كجريال بلد ببلخ أو هو فيرياب ككيمياء أو فارياب كقاصعاء وكساباط ناحية وراء نهر سيحون(1) .

والبرناني بنونين من حاشيتي الالف نسبة الى البرني أو الى البرنية، وبياء مثناة من تحت قبل الف ثم النون على اختلاف النسخ نسبة الى قرية بمرو أو الى برين بن عبد الله الانصاري.

قال في القاموس: يبرين أو أبرين موضع بحذاء الاحساء، وأبرينة وتكسر قرية بمرو، وبرين بالضم ابن عبد الله أبو هند الداري الصحابي(2) .

قال الشيخ في كتاب الرجال في باب لم: جبرئيل بن أحمد الفاريابي أبو محمد كان مقيما بكش كثير الرواية عن العلماء بالعراق وقم وخراسان(3) .

وأورده الحسن بن داود كذلك في قسم الممدوحين من كتابه(4) .

ومن ديدن الاصحاب أن المشيخة المذكورين في باب « لم » لا يعتبرون فيهم صريح التوثيق اليه، بل يكتفون فيهم بالمدح، واذا لم يكن في أحدهم مطعن وغميزة كان حديثه معدودا من الصحاح عندهم.

قولهرحمه‌الله : الحسن بن خرزاذ‌

يشترك في هذا الاسم رجلان قمي وكشي، ذكر الشيخ في كتاب الرجال‌

__________________

(1) القاموس: 1 / 112‌

(2) القاموس: 4 / 201‌

(3) رجال الشيخ: 458‌

(4) رجال ابن داود: 80‌

٣٢

حدثني ابن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، عن أبيه عن جده علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، قال: ضاقت الارض بسبعة بهم ترزقون وبهم‌

___________________________________________________________

أحدهما في أصحاب أبي الحسن الهاديعليه‌السلام قال: الحسن بن خرزاذ قمي(1) .

وربما يدعى أنه قد قيل فيه الرمي بالغلو ولست أعرف كذلك مستندا.

والاخر ذكره في باب لم: الحسن بن خرزاد من أهل كش(2) . وهو هذا الرجل.

قولهرحمه‌الله : ابن فضال‌

هو علي بن الحسن الفضال الفطحى الثقة الجليل القدر المختلط بأصحابنا جدا. والطريق به موثق.

قولهعليه‌السلام : ضاقت الارض بسبعة‌

أي عجزت عن كفاية أمرهم والتوسعة عليهم، مع أن نزول مطر الرحمة ومدد النصرة من السماء على أهل الارض بهم ولا جلهم، ومن جهة دعائهم للخلق ودعوتهم اياهم الى الحق، منهم هؤلاء الخمسة الذين هم أركان الاربعة على اختلاف القولين.

قال الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال في باب الجيم من أسماء من روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : جندب بن جنادة ويقال جندب بن السكن يكنى أبا ذر أحد الاركان الاربعة(3) .

وقال في باب السين: سلمان الفارسي مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يكنى أبا عبد الله أول الاركان الاربعة(4) .

وقال في باب العين: عمار بن ياسر يكنى أبا اليقظان حليف بني مخزوم‌

__________________

(1) رجال الشيخ: 413‌

(2) رجال الشيخ: 463‌

(3) رجال الشيخ: 36‌

(4) المصدر: 43‌

٣٣

تنصرون وبهم تمطرون، منهم سلمان الفارسي والمقداد وأبو ذر وعمار وحذيفة ( رحمة الله عليهم ) وكان عليعليه‌السلام يقول: وأنا امامهم، وهم الذين صلوا على فاطمةعليها‌السلام .

14 - محمد بن مسعود، قال حدثني علي بن الحسن بن فضال، قال حدثني العباس ابن عامر، وجعفر بن محمد بن حكيم، عن أبان بن عثمان، عن الحارث النصري بن المغيرة، قال سمعت عبد الملك بن أعين، يسأل أبا عبد اللهعليه‌السلام قال فلم يزل يسأله حتى قال له: فهلك الناس اذا؟ قال: أي والله يا ابن أعين هلك الناس أجمعون. قلت: من في الشرق ومن في الغرب؟ قال، فقال: انها فتحت على الضلال أي والله‌

___________________________________________________________

وينسب الى عبس بن مالك وهو مذحج بن أدد رابع الاركان(1) .

وقال في باب الميم: المقداد بن الاسود الكندي وكان اسم أبيه عمرو البهرائي، وكان الاسود بن عبد اليغوث قد تبناه فنسب اليه يكنى أبا معبد ثاني الاركان الاربعة(2) .

ومنهم من جعل حذيفة بن اليمان الانصاري رابع الاركان مكان عمار، والشيخ رحمه الله تعالى قد نقل هذا القول في ترجمة حذيفة(3) واختاره العلامةرحمه‌الله في الخلاصة(4) والاشهر عند المتقدمين هو الاول.

قولهرحمه‌الله : عن الحارث النضري ابن المغيرة‌

باهمال الصاد بعد النون المفتوحة من بني نصر بن معاوية، بصري روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسنعليهم‌السلام ، وروى عن زيد بن علي، وهو مستقيم ثقة ثقة.

وسيرد عليك في الكتاب ما رواه الكشي في مدحه وفي ذمه والتعويل على روايات المدح.

__________________

(1) المصدر: 46‌

(2) المصدر: 57 وفي النسخ « قد بيناه ».

(3) المصدر: 37‌

(4) الخلاصة: 60.

٣٤

هلكوا الا ثلاثة ثم لحق أبو ساسان وعمار وشتيرة وأبو عمرة فصاروا سبعة.

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : ولكن الا ثلاثة‌

وفي نسخ عدة: هلكوا مكان ولكن.

قولهعليه‌السلام : ثم لحق أبو ساسان‌

أبو ساسان الانصاري اسمه الحصين بن المنذر.

قال الشيخ في كتاب الرجال في أسماء من روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : حصين بن المنذر يكنى أبا ساسان اليرقاشي صاحب رايتهعليه‌السلام (1) .

وفي طائفة من النسخ « أبو سنان » مكانه وهو الانصاري. وذكره الشيخ أيضا في كتاب الرجال(2) وهو من الاصفياء من أصحابهعليه‌السلام .

و « أبو عمرة الانصاري » اسمه ثعلبة بن عمرو قاله الشيخ في كتاب الرجال في باب من روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من الصحابة(3) وذكره بكنيته في أسماء من روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام (4) .

و « شتيرة » وفي بعض النسخ « شتير » من دون الهاء باعجام الشين المضمومة وفتح التاء المثناة من فوق واسكان الياء المثناة من تحت ثم الراء، على ما ضبطه ابن الاثير في جامع الاصول حيث.

قال في ترجمة شكل: هو شكل بن حميد العبسي من بني عبس بن بغيض روى عنه ابنه شتير بن شكل لم يرو عنه غيره وعداده في الكوفيين، شكل بفتح الشين وفتح الكاف واللام وشتير بضم المعجمة وفتح التاء فوقها نقطتان، وبغيض بفتح الباء الموحدة وكسر الغين وبالضاد المعجمتين.

__________________

(1) رجال الشيخ: 39‌

(2) المصدر: 63‌

(3) المصدر: 12‌

(4) المصدر: 63‌

٣٥

___________________________________________________________

وقال في القاموس: شتير كزبير ابن شكل وابن نهار تابعيان(1) .

وما قاله العلامة في الخلاصة: ومن خواص أمير المؤمنينعليه‌السلام من مضر شبير بضم الشين المعجمة أو لا والباء المنقطة تحتها نقطة والياء المنقطة تحتها نقطتين بعدها والراء أخيرا ابن شكل العبسي بالباء المنقطة تحتها نقطة أبو عبد الرحمن(2) . ضبط من غير مأخوذ من أصل.

فاما مؤاخذة الحسن بن داود عليه بقوله: وبعض المصنفين أثبت ستير بالسين المهملة. وهو وهم، وقد اثبته الشيخ أبو جعفر في باب الشين المجمعة(3) . فزور واختلاق.

والشيخ في باب الشين المعجمة من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: شرحبيل وهبيرة وكريب وبريد وشمير ويقال شتير هؤلاء اخوة بني شريح قتلوا بصفين، كل واحد يأخذ الراية بعد الاخر حتى قتلوا(4) ، وقد نقله بالفاظه في الخلاصة(5) .

وأما « ستير » باهمال السين المضمومة من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام من الاصفياء، فقد ذكره البرقي(6) ولم يذكره الشيخ، وقد أورده في الخلاصة ناقلا عن البرقي(7) .

__________________

(1) القاموس: 2 / 55‌

(2) الخلاصة: 193‌

(3) رجال ابن داود: 183‌

(4) رجال الشيخ: 45 وفيه سمير مكان شمير.

(5) الخلاصة: 87‌

(6) رجال البرقى: 3 والموجود في المتن هو « شبير » ولكن قال في الهامش وفي نسخة « ستير ».

(7) الخلاصة: 192 قال ناقلا عن البرقى: ستير بضم السين المهملة والتاء المنقطة فوقها نقطتين والياء المنقطة تحتها نقطتين والراء.

٣٦

15 - حمدويه، قال حدثنا أيوب عن محمد بن الفضل وصفوان، عن أبي خالد القماط، عن حمران، قال: قلت لا بي جعفرعليه‌السلام ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها! قال، فقال: الا اخبرك باعجب من ذلك؟ قال، فقلت: بلى. قال: المهاجرون والانصار ذهبوا ( وأشار بيده ) الا ثلاثة.

16 - علي بن محمد القتيبي النيسابوري، قال حدثني أبو عبد الله جعفر بن محمد الرازي الخواري من قرية أسترآباد قال حدثني أبو الحسين عن عمرو بن عثمان الخزاز عن رجل، عن أبي حمزة، قال سمعت أبا جعفر (ع) يقول: لما مروا بأمير المؤمنينعليه‌السلام وفي رقبته حبل آل زريق، ضرب أبو ذر بيده على الاخرى، ثم قال: ليت السيوف‌

___________________________________________________________

و « عمار » منسوب الى مذحج - بفتح الميم واسكان الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة والجيم أخيرا - من قبائل الانصار، ذكره المطرزي في المغرب في ذ - ج وهو الصواب، والجوهري في الصحاح أخطأ فأورده في م - ج، وكأنه ظن الميم أصلية.

وبالجملة مذحج أكمة ولد بها أبو هذه القبيلة فسمى باسمها.

قال الفيروزآبادي في القاموس في ذ - ج: ومذحج كمجلس أكمة ولدت مالكا وطيبا أمهما عندها فسموا مذحجا، وذكر الجوهري اياه في الميم غلط وان أحاله على سيبويه(1) .

قولهرحمه‌الله : حدثنا أيوب‌

هو أبو الحسين أيوب بن نوح، والطريق صحيح وعالي الاسناد في الطبقة الثالثة.

قولهعليه‌السلام : في رقبته حبل آل زريق‌

الزرق باسكان الراء بين الزاء المفتوحة والقاف معروف.

قال في المغرب: وبتصغيره سمي من اضيف اليه بنو زريق وهم بطن من‌

__________________

(1) القاموس: 1 / 190‌

٣٧

قد عادت بأيدينا ثانية، وقال مقداد: لو شاء لدعا عليه ربّه عز وجل، وقال سلمان: مولانا أعلم بما هو فيه.

17 - محمد بن اسماعيل، قال حدثني الفصل بن شاذان، عن ابن أبي عمير عن ابراهيم بن عبد الحميد، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام ارتد الناس الا ثلاثة أبو ذر وسلمان والمقداد قال: فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : فأين أبو ساسان وأبو عمرة الانصارى؟

18 - محمد بن اسماعيل، قال حدثني الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: جاء المهاجرون والانصار وغيرهم بعد ذلك الى عليعليه‌السلام فقالوا له: أنت والله أمير المؤمنين وأنت والله أحق الناس وأولاهم بالنبيعليه‌السلام هلم يدك نبايعك فو الله لنموتن قدامك! فقال‌

___________________________________________________________

الانصار، اليهم ينسب أبو عياش الزرقي بضم الزاء وفتح الراء، وحبل آل زريق يتخذ مما ينبت من الارض كلحاء شجر القنب وغير ذلك وهو من أخشن الحبل وأغلظها.

قولهرحمه‌الله : محمد بن اسماعيل‌

هو الذي يروي عنه ابو جعفر الكليني رضوان الله تعالى عليه أيضا في الكافي، وكثيرا ما يجعله صدر السند في الطبقة الاولى، كما يروي عنه أبو عمرو الكشي رحمه الله تعالى ويصدر به الاسناد يكنى أبا الحسين نيسابوري فاضل.

وهو وعلي بن محمد القتيبي النيسابوري تلميذا الفضل بن شاذان، وحديث كل منهما يعد صحيحا، كما استمر عليه هجير العلامة في المختلف والمنتهى وشيخنا الشهيد في الذكرى وشرح الارشاد.

ولقد أوضحت الحال وحققنا المقال في الرواشح السماوية(1) وفي المعلقات على الاستبصار(2) بما لا مزيد عليه.

__________________

(1) الرواشح السماوية: 70‌

(2) التعليقة على الاستبصار: 4. المطبوع في الاثنى عشر رسالة للمؤلف.

٣٨

عليعليه‌السلام : ان كنتم صادقين فاغدوا غدا عليّ محلقين فحلق عليعليه‌السلام وحلق سلمان وحلق مقداد وحلق أبو ذر ولم يحلق غيرهم.

ثم انصرفوا فجاءوا مرة أخرى بعد ذلك، فقالوا له أنت والله أمير المؤمنين وأنت أحق الناس وأولاهم بالنبيعليه‌السلام هلمّ يدك نبايعك فحلفوا فقال: ان كنتم صادقين فاغدوا علي محلقين فما حلق الا هؤلاء الثلاثة قلت: فما كان فيهم عمار؟ فقال: لا. قلت: فعمار من أهل الردة؟ فقال: ان عمارا قد قاتل مع عليعليه‌السلام بعد.

19 - وروى جعفر غلام عبد الله بن بكير، عن عبد الله بن محمد بن نهيك، عن النصيبي، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال امير المؤمنينعليه‌السلام : يا سلمان اذهب الى فاطمةعليها‌السلام فقل لها تتحفك من تحف الجنة؟ فذهب اليها سلمان فاذا بين يديها ثلاث سلال، فقال لها يا بنت رسول الله أتحفيني؟ قالت: هذه ثلاث سلال جاءتنى بها ثلاث وصائف، فسألتهن عن أسمائهن فقالت واحدة: أنا سلمى لسلمان، وقالت الاخرى: أنا ذرة لا بي ذر، وقالت الاخرى: أنا مقدودة للمقداد، ثم قبضت فناولتني، فما مررت بملاء الا ملئوا طيبا لريحها.

20 - محمد بن قولويه، قال حدثني سعد بن عبد الله بن أبي خلف، قال حدثني‌

___________________________________________________________

قوله رحمه الله تعالى: عن النصيبى‌

هو محمد بن سلمة البناني، ذكره الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام وقال: نزل نصيبين أصله كوفي أسند عنه(1) .

وليس في رجالنا من أهل نصيبين الا هذا الرجل يروي عنه عبد الله بن محمد بن نهيك وعبيد الله بن أحمد بن نهيك، وهما شيخان صدوقان ثقتان جليلا القدر.

وآل نهيك - بفتح النون وكسر الهاء - بيت من أصحابنا بالكوفة، ويرويان أيضا عن درست بن أبي منصور الواسطي.

__________________

(1) رجال الشيخ: 288‌

٣٩

علي بن سليمان بن داود الرازي، قال حدثنا علي بن أسباط، عن أبيه أسباط بن سالم‌

___________________________________________________________

قوله رحمه الله تعالى: على بن سليمان بن داود الرازى‌

نسبة الى الري روى عنه سعد بن عبد الله، وكأنه كان رقي الاصل.

ذكره الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أبي محمد العسكريعليه‌السلام وقال: علي بن سليمان بن داود الرقي(1) .

وفي بعض النسخ « الروياني » نسبة الى رويان - بضم الراء قبل الواو الساكنة والياء المثناة من تحت قبل الالف والنون بعدها - بلد من طبرستان.

قال الفاضل البرجندي: بينه وبين قزوين ستة عشر فرسخا.

وفي القاموس: محلة بالري وقرية بحلب وبلد بطبرستان ومنه الامام أبو المحاسن عبد الواحد بن اسماعيل وغيره(2) .

وربما يظن أن الرجل هذا من بني أعين، وكان له اتصال بصاحب الامرعليه‌السلام وخرج(3) اليه توقيعات وكانت له منزلة في أصحابنا، وكان ورعا ثقة وفقيها لا يطعن عليه في شي‌ء.

ويقال: انه فاسد، فان الذي من بني أعين هو علي بن سليمان بن الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين أبو الحسن الرازي، على ما في كتاب النجاشي وغيره مكتوبا بخط السيد المكرم جمال الدين أحمد بن طاوس. وتبعه العلامة في الخلاصة(4) .

والحسن بن داود حسبه وهما وزعم أن الصحيح أبو الحسن الزراري بالزاي‌

__________________

(1) رجال الشيخ: 433‌

(2) القاموس: 4 / 230‌

(3) وفي « س »: وخرجت‌

(4) الخلاصة: 100‌

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

رفعها الاُمويّون فوق الرؤوس لإيهام الناس وإخافتهم.

وكان لا بدّ للفرد المسلم من المقارنة بين هذا المبدأ الحسيني وذلك المبدأ الاٍُموي، وما كان من نتيجتهما؛ كي يخلص إلى نتيجة واحدة لا مزاحم لها في النهاية ألا وهي: أنّ الحُكم الاُموي حُكم مارق كافر يلعب بالسُنَن، ويسرق الخلافة، ويغتصب البيعة اغتصاباً. فكيف إذا كان على رأس هذا الحُكم خليفة مثل يزيد يجاهر بفسقه، ويتحدّى الله ورسوله، ويزاحم آل بيته على حقّ الخلافة، فذلك معناه موافقة ضمنيّة على فسقه، ومساعدة غير مباشرة على تحدّيه الله.

وعندما يعلن إمامٌ كالحسين (عليه السّلام) منحدر من معدن النبوّة أنّ «يزيد رجل فاسق، شارب الخمر، وقاتل النفس المحرّمة(١) ، معلن بالفسق...». فمعنى ذلك أنّه إفتاء للاُمّة الإسلاميّة بجواز إسقاط هذا الخليفة المزيّف والثورة عليه؛ لأنّ معنى المبايعة هو بيع النفس للخليفة الذي يرمز إلى الشريعة وجوهر الدين، وحامي القرآن الكريم، وولي عهد الرسول المصطفى (صلّى الله عليه وآله) على المسلمين، وفي مبايعته إقرار ضمني بالاستماتة في سبيله عملاً بقوله تعالى:( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) ، فألزم على المسلم طاعة الخليفة؛ لأنّها تدخل في طاعته عزّ وجلّ.

وعندما يكتشف الإنسان المسلم أنّ بيعه نفسه لخليفة فاحش قد كلّفه التفريط بعقيدته، وبيع نفسه للظلم والفحش الذي يمثّله هذا الخليفة، وبالتالي كسب غضبة الله جرّاء عصيانه، فإنّه يحتقر نفسه، ويزدري قلّة تعقّله حينما بايع خليفةً مزيّفاً، فيتحرّك ضميره ويتفاعل إحساسه بازدراء نفسه ولومها مع مخافة الله

____________________

(١)( ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلاّ بالحقّ ) ، راجع النصّ الكامل للآية ٣٣ من سورة الإسراء.

١٤١

وعدله، فيثور ويحطّم أصنامه ويموت دون مبدئه راضياً مؤمناً.

وبدءاً من فرضيّة الندم ثمّ مراجعة النفس والوقوف على حقيقتها وحقيقة الاُمور، والظروف التي دوّمتها في دوّامتها، وتبيان الحقيقة الساطعة، مروراً بفترة المراجعة وكمون الأفكار والانفعالات، ونجاحها في تحويل صاحبها من إنسان خامل بلا عقيدة إلى إنسان ديناميكي معبّأ بالمبادئ، فضلاً عن تحرّك الظروف خارج نفس الإنسان وتفاعلها في نواحٍ اُخرى بما يدعم مبدأه الجديد وعقيدته المستيقظة، ممّا يزيد من تصميمه على استمرار الاستسلام لهتافه الداخلي الذي يقوده إلى دروب لم يكن يحلم بالمسير بها، ويفتح أمام بصيرته مغاليق كانت كالسدّ في وجهه، فيندفع بإيحاء من فقدان ثقته بما كان، وانسجاماً مع هتافه الداخلي، ورغبةً منه في تغيير الأوضاع إلى الثورة والتحطيم واقتلاع كلّ زيفٍ من جذوره.

وشهادة الحسين (عليه السّلام) في كربلاء وما تلاها من حوادث السبي نجحت في إيصال الإنسان المسلم إلى بدء رحلة الألف ميل نحو تحرّره وتمكين جذور عقيدته في نفسه بخطوة واحدة، إذ ما كاد ركب السبي يدير ظهره إلى دمشق عائداً إلى الأرض التي تضمّ الجسوم الطاهرة حتّى بدأ الندم يستشري في ضمير اُمّة الإسلام، وبدأت معه عمليّة مراجعة النفس التي ستشكّل محور ما سيأتي بعدها من تغيّرات وانتفاضات تعمّ هذه الاُمّة التي ابتلاها الله بالضعف من بعد قوّة، فيتنادى للتغيير والثورة أقصاها وأدناها(١) .

____________________

(١) شهادة الحسين (عليه السّلام) في كربلاء بحاجة إلى دراسة علميّة ونفسيّة وروحيّة وزمنيّة وافية على أعلى المستويات. إنّ في طوايا هذه الملحمة تكمن اُسس أخلاقيّة لو اُظهرت للبشريّة بشكل علمي مدروس لتغيّرت نظريّات كثيرة، ولأُعطيت أجوبة شافية للعديد من المسائل الروحيّة والزمنيّة، وكيفيّة الربط بينهما.

إنّ نهضة الحسين (عليه السّلام) على الرغم ممّا قدّمته حتّى زمننا هذا لم تزل تطوي في جوهرها كنوزاً من الكيفيّات والدساتير والأساليب والنتائج ذات الصلة الماسّة بمختلف الأصعدة الإنسانيّة بشكل عام، وبالعديد من قضايا الإنسان المعاصر بشكل خاص. فهل تلقى دعوتنا لهذه الدراسة تقبّلاً واقتناعاً؟

١٤٢

معجزاتُ الشهادة الاجتماعيّة

ما أن غادر موكب السبي دمشق حتّى كانت مرحلة الندم والبكاء وقرع الصدور؛ حزناً وتأسّياً وإحساساً بالذنب المتأتّي عن التقصير قد بلغت مداها، وفرّخت مرحلة مراجعة النفس، والوقوف على حقيقتها وحقيقة الاُمور والظروف التي دوّمتها في دوّامتها.

وكان لا بدّ لها من نموذج للأخلاق أسمى؛ إذ من المسلّمات التي تعقب عمليّة اهتزاز القيم والمعايير السائدة أن يبدأ الفرد الذي هو ركن المجموع بالبحث عمّا ينقصه، فتبلبله حيرة لا يعرف معها أيّ شكل من أشكال الاختيار التي تفتّح عليها عقله، وعرضت أمام بصيرته المتيقّظة لتوّها، فيبدأ في البحث عن نموذج أخلاقي يلائم نظرته الجديدة إلى نفسه وإلى الآخرين، وإلى مخارف الدنيا وزخرفها وزهدها ومختلف عناصرها.

وبعد ثورة الحسين (عليه السّلام) مباشرة كان النموذج الأخلاقي للمجتمع الإسلامي هو ذاته الذي كان قبلها، نموذج فيه من المثالب ما لا حصر له، فلم يكن غريباً على المسلمين آنذاك السكوت على البغي، والخضوع للطغي، بل والمشاركة فيه، ولم يكن مستهجناً مبدأ المساومة على المبدأ وبيع النفس، والرضى بخنوع مُذل إذا رافقه

١٤٣

استمرار تدفّق المنافع الدنيويّة، وكان يزيد وحاشيته هم المرآة التي تعكس كلّ هذا للمسلمين، بما يغريهم لأن يكونوا على شاكلتهم ومثالهم سواء أكان ذلك بالترغيب أم بالتّرهيب.

وما كان ممقوتاً مرذولاً في صدر الإسلام؛ من تكالب على المنافع، وحبّ الذات، وإيثار السلامة والدعة، غدا شيئاً مألوفاً، بل ومُطالب به كهدف وغاية يسعى إليها المسلم على قدمَيه، مع علمه بأنّ هذا المطلب الذي قدّسه كغاية بحدّ ذاته يحمل في طيّاته هجر القِيَم الإسلاميّة، والرنو إلى الأخلاق الجاهليّة التي جاءت رسالة محمّد (صلّى الله عليه وآله) فبدّدتها، ووطّدت مكانها قِيَماً سماويّة.

وبعد الهزّة الحسينيّة صار يطيب للفرد المسلم أن يعيد تذكّر مبادئ الحسين التي أعلنها مراراً وتناقلتها الألسن فيما سبق، دون أن تحرّك في الضمائر أيّة إشارة لتقبّلها، حينما كان مدّ الأطماع والغيّ في أقصى حدوده.

أمّا بعد الهزّة فصار لهذه المبادئ وَقْع كوَقْع السحر، تذكّر المسلمون معها مقولة الإمام الشهيد (عليه السّلام) حينما اُحيطت به النوازل وقيل له بالنزول على حُكم بني اُميّة: «لا والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ إقرار العبيد. ألا وإنّ الدعيّ بن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة! يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وجدود طابت وحجور طهرت، واُنوف حميّة ونفوس أبيّة لا تؤثّر طاعة اللئام على مصارع الكرام»(١) .

وفي التذكّر عبرة سيّما إذا كان الدأب هو البحث عن نموذج جديد للأخلاق يلائم المرحلة الجديدة - ما بعد الثورة - فوعى المسلم لأوّل مرّة هذا الخُلق الاجتماعي

____________________

(١) تليها أبيات أنشدها الشهيد لفروة بن مسيك المرادي، ورواها ابن عساكر في تاريخ دمشق ٤ / ٣٣٣.

١٤٤

السليم، وتشرّب معنى الأنفة في الاُنوف، والإباء في النفوس الذي معه يفضّل المَصَارِع على طاعة اللئام.

وبعد أن كان الفرد المسلم يصمت أمام تغيّر الدنيا وتنكّرها وإدبار معروفها، ويرضى بالصبابة كصبابة الإناء التي بقيت منها، ويسرّ بخسيس العيش كالمرعى الوبيل، ويرى الحقّ لا يُعمل به، والباطل لا يُتناهى عنه، فلا يرى في هذه الحياة إلاّ سعادة، والبقاء مع الظالمين إلاّ سلوى.

صار - بعد تفجّر أخلاقيّة الثورة - يرى في كلّ ما كان يرضى به من هذا إنكاراً لدوره كمسلم، وإهداراً لكرامته كإنسان في هذا المجتمع. وما لبث أن صار يردّد مع إمام الثوّار:موتٌ في عزّ خيرٌ من حياة في ذلّ . وصار يحسّ مدى خواره وذهاب نخوته عندما بدأت أخبار المعركة تتناهى إلى علمه فيلُمَّ بتفاصيلها، ليحسّ بعدها برعدة الإحساس بالذنب، ويقدّر مدى تكالبه على الدنيا، ورضاه بالزيف، وبيعه لكرامته التي هي أثمن ما لدى الإنسان بحيث يفقد بفقدانها معنى وجوده.

شعر بالضعة حينما علم بموقف زهير بن القين عندما طالَب الإمام الشهيد صحبه بالانصراف وتركه لمواجهة مصيره وحده، وكيف أجابه: سمعنا يابن رسول الله مقالتك، ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنّا فيها مخلّدين لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها.

شعر بالخجل حيال مقولة بدير بن حضير: يابن رسول الله، لقد منّ الله بك علينا أن نقاتل بين يديك؛ تُقطّع فيك أعضاؤنا، ثمّ يكون جدّك شفيعنا يوم القيامة. أحسّ بتخاذله وتواكله حيال قول نافع بن هلال للشهيد: سِر بنا راشداً معافى، مشرّقاً إن شئت أو مغرّباً، فوالله ما أشفقنا من قدر الله، ولا كرهنا لقاء

١٤٥

ربّنا، وإنّا على نيّاتنا وبصائرنا نوالي مَن والاك، ونعادي مَن عاداك.

ما عادت نفس هذا المسلم تملك إلاّ أن تصغر في عين ذاته حينما يقارن بين موقفه وبين موقف زهير بن القين في ميدان الطفّ حيث لا شيء إلاّ الموت: والله لوددت أنّي قُتلت ثمّ نشرت ثمّ قُتلت، حتّى اُقتل كذا ألف قتلة، وأنّ الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك.

هذا المسلم المدجّن - اُمويّاً - شعر بعدم حفظه غيبة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وآله بالشهيد الحسين، عندما نُميَ إليه ما قاله سعد بن عبد الله الحنفي لسيّد الشهداء: والله لا نخلّيك حتّى يعلم الله أنّا قد حفظنا غيبة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وآله فيك، والله لو علمت أنّي اُقتل ثمّ اُحيا ثمّ اُحرق حيّاً ثمّ اُذرّ - يُفعل ذلك بي سبعين مرّة - ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة؟!

وحيال مقولة مسلم بن عوسجة أحسّ هذا المسلم بالنقص الغيري، أنحن نخلّي عنك؟! ولما نعذر إلى الله في أداء حقّك؟ أمَا والله لا اُفارقك حتّى أطعن في صدورهم برمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي سلاح اُقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتّى أموت معك.

ويتساءل المسلم ما الذي منعه من الوقوف كمثل وقفة بني عقيل لمّا أذن لهم الشهيد بالذهاب والاكتفاء من القتل بمسلم إذ قالوا: فما يقول الناس وما نقول لهم؟ أنّا تركنا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام، ولم نرمِ معهم بسهم، ولم نطعن برمح، ولم نضرب بسيف، ولا ندري ما صنعوا. لا والله لا نفعل، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا، نقاتل معك حتّى

١٤٦

نرد موردك، فقبّح الله العيش بعدك(١) .

الأخلاقُ معدن الثورات

وأخلاق الثوّار هي المعدن الأصيل في كلّ حركة، ومثل هذه الأخلاق هي التي منعت العبّاس (عليه السّلام) من الشرب حينما تذكّر عطش الحسين ومَن معه، فقذف بالماء وهو يقول:

يا نفسُ من بعدِ الحسينِ هوني

وبعدهُ لا كُنتِ أن تكوني

هذا الحسينُ واردُالمنونِ

وتشربينَ باردَ المعينِ

تالله ما هذا فعالُ ديني(٢)

وهي الأخلاق التي دفعت بالحسين الشهيد وهو مطوّق بألف فارس وعلى رأسهم الحر الرياحي، وقد جاؤوا لمناجزته وإقصائه إلى المدينة أو للقدوم به إلى الكوفة؛ كي يأمر أصحابه باسقاء أعدائه وترشيف خيلهم، عبّتين أو ثلاثاً أو أكثر(٣) .

هي أخلاق الثوّار التي لا يسمو فوقها أخلاق، والتي دفعت بالشهيد العظيم لأن

____________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٣٨، والكامل ٤ / ٢٤، والإرشاد للمفيد، وإعلام الورى / ١٤١، وسِيَر أعلام النبلاء للذهبي / ٢٠٢.

(٢) رياض المصائب / ٣١٣.

(٣) تاريخ الطبري ٦ / ٢٢٦.

١٤٧

يحني السّقاء بيده ليروي علي بن الطعان ويسقي فرسه، وهو المحارب الذي جاء مع الحر لمقاتلته.

وإذا كان للأخلاق مجاذب مغناطيسيّة قويّة فإنّها تبلغ لدى الثوّار الذين يباركونها بالدم مجاذب أقوى لا يقدر مطلق إنسان على الوقوف حيال قوّة جذبها، وهذا ما دفع بالحرّ الرياحي لأن يترك قيادة الألف فارس وينضمّ إلى جيش الحسين قليل العدد وهو يعلن توبته له، ويطالب بالشهادة دفاعاً عنه وعن مبادئه.

وجذب الأخلاق ما استطاع جون مولى أبي ذرّ الغفاري مقاومته، فتقدّم مستأذناً الحسين للقتال، وهو المولى الأسود الذي ما تبعهم إلاّ طلباً للعافية بينهم، ولمّا رفض الحسين وقع العبد الأسود على قدَمَيه يقبّلهما ويقول: أنا في الرخاء ألحس قصاعكم، وفي الشدّة أخذلكم! إنّ ريحي لنتن وحسبي للئيم، ولوني لأسود، فتنفّس عليّ بالجنّة؛ ليطيب ريحي، ويشرف حسبي، ويبيضّ لوني. لا والله لا اُفارقكم حتّى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم.

فأذن له الحسين (عليه السّلام)، فتقدّم وقاتل، فقتل خمسة وعشرين قبل أن يُقتل(١)

بين مبادئ وأخلاق

فمسلم ما بعد ثورة الحسين (عليه السّلام) غدا صفحة بيضاء مفتوحة تنتظر مَن يخطّ عليها سطراً جديداً، وفي بحثه عن النموذج الأخلاقي لم يكن أمامه مناص من المقارنة بين خُلقَي الحسين ويزيد، وبين تلك المبادئ التي لقّنها أبو كلّ منهما لابنه. وفي مرحلة

____________________

(١) مثير الأحزان - لابن نما / ٣٣، وتاريخ الطبري / ٢٣٩.

١٤٨

تفهّم الحقيقة التي دوّمته في دوّامتها، صار يسأل ويسمع ويتحدّث ويتذكّر، تذكّر مبادئ الطرفَين من المتقاتلين، وعاود تذكّر مبادئ جيل الآباء الذي سبقهم، وفي غمرة التذكّر وعودة الوعي، تذكّر وصيّة علي (عليه السّلام) لابنه الحسين (عليه السّلام)، في التقوى والأخلاق ومخافة الله والناس فيه، حيث قال له: «يا بُنَي، اُوصيك بتقوى الله (عزّ وجلّ) في الغيب والشهادة، وكلمة الحقّ في الرضى والغضب، والقصد في الغنى والفقر، والعدل في الصديق والعدوّ، والعمل في النشاط والكسل، والرضى عن الله تعالى في الشدّة والرخاء.

يا بُني، ما شرٌّ بعده الجنّة بِشَرٍّ، ولا خيرٌ بعده النار بخير. وكلّ نعيم دون الجنّة محقور، وكلّ بلاء دون النار عافية.

اعلم يا بني، أنّ مَن أبصر عيب نفسه شغل عن غيره، ومَن رضي بقسم الله تعالى لم يحزن على ما فاته، ومَن سلّ سيف البغي قُتل به، ومَن حفر حفرة لأخيه وقع فيها، ومَن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته، ومَن نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره، ومَن كابد الاُمور عطب، ومَن اقتحم البحر غرق، ومَن أعجب برأيه خلّ، ومَن استغنى بعقله زلّ، ومَن تكبّر على الناس ذلّ، ومَن سفه عليهم شُتم، ومَن دخل مداخل السوء اتّهم، ومَن خالط الأنذال حُقّر، ومَن جالس العلماء وُقّر، ومَن مزح استُخفّ به، ومَن اعتزل سَلِم، ومَن ترك الشهوات كان حرّاً، ومَن ترك الحسد كان له المحبّة من الناس.

يا بُني، عزّ المؤمن غناه عن الناس، والقناعة مال لا ينفد، ومَن أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير، ومَن علِم أنّ كلامه من عمله قلّ كلامه.

يا بُني، الطمأنينة قبل الخبرة ضدّ الحزم إعجاب المرء بنفسه، وهو دليل على ضعف عقله. يا بُني، كم من نظرة جلبت حسرة، وكم من كلمة جلبت نقمة.

١٤٩

لا شرف أعلى من الإسلام، ولا كرم أعلى من التقوى، ولا معقل أحرز من الورع، ولا شفيع أنجع من التوبة، ولا مال أذهب للفاقة من الرضى بالقوت. ومَن اقتصر على بلغة الكفاف تعجّل الراحة وتبوّأ حفظ الدعة.

الحرص مفتاح التعب، ومطيّة النَّصَب، وداع إلى التقحّم في الذنوب. والشرّ جامع لمساوئ العيوب. وكفى أدباً لنفسك ما كرهته من غيرك، ومَن تورّط في الاُمور من غير نظر في الصواب فقد تعرّض لمفاجأة النوائب. التدبير قبل العمل يؤمنك الندم. مَن استقبل وجوه العمل والآراء عرف مواقع الخطأ. الصبر جُنّة من الفاقة. في خلاف النفس رشدها.

يا بُني، ربّك للباغين من أحكم الحاكمين، وعالم بضمير المضمرين. بئس الزاد للمعاد العدوان على العباد! في كلّ جرعة شرق، وفي كلّ كلمة غصص. لا تنال نعمة إلاّ بفراق اُخرى. ما أقرب الراحة من التعب، والبؤس من النعيم، والموت من الحياة؛ فطوبى لمَن أخلص لله تعالى علمه وعمله وحبّه وبغضه. الويل الويل لمَن بلي بحرمان وخذلان وعصيان! لا تتمّ مروءة الرجل حتّى لا يبالي أيّ ثوبَيه لبس، ولا أيّ طعاميه أكل»(١) .

هذه الوصيّة التي تضمّنت كل هذه المبادئ الحياتيّة، من خلقية واجتماعيّة ودينيّة، كانت بمثابة الهَدي الذي قاد خطوات الحسين فيما بعد على طرق الحقّ والخير ونصرة المظلوم. وإذا تذكّرها مسلم وطافت فوق مكنونات سويدائه فبماذا ستذكّره؟ وإذا ذكّرته كيف ستكون مقارنته بينها وبين وصيّة معاوية لابنه يزيد حينما حضرته الهلكة فدعاه ليقول له: يا بُني، إنّي كفيتك الرحلة والترحال، ووطّأت لك الأشياء، وذلّلت لك الأعداء، وأخضعت لك أعناق العرب، وجمعت لك من جمع واحد، وإنّي لا

____________________

(١) راجع كتاب الإعجاز والإيجاز - لأبي منصور الثعالبي / ٣٣، وكتاب ينابيع المودّة / ٥١٩.

١٥٠

أتخوّف أن ينازعك هذا الأمر الذي استتبّ لك إلاّ أربعة نفر من قريش: الحسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر؛ فأمّا عبد الله بن عمر فرجل قد وقذته العبادة، وإذا لم يبقَ أحد غيره بايعك.

وأمّا الحسين بن علي فإنّ أهل العراق لن يدعوه حتّى يخرجوه، فإن خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه فإنّ له رحماً ماسّة وحقّاً عظيماً؛ وأمّا ابن أبي بكر فرجل إن رأى أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثلهم، ليس له همّة إلاّ في النساء واللهو؛ وأمّا الذي يجثم لك جثوم الأسد، ويراوغك مراوغة الثعلب فإذا أمكنته فرصة وثب، فذاك ابن الزبير، فإن هو فعلها بك فقدرت عليه فقطّعه إرباً إرباً.

وصيّتان الفرق بينهما شاسع كالفرق بين الظلمة والضياء، فرجل يوصي ابنه بالقناعة وذكر الله، وآخر يوصيه بالطمع والتكالب على الدنيا. ورجل يوصي ابنه باستقبال وجوه العمل والآراء تفادياً للوقوع في الخطأ، وآخر يبلغه بالاسترخاء بعد أن كفاه الرحلة والترحال.

وصيّة رحومة عطوفة أخلاقية تدعو إلى خشية الله تقبّلها شاب من أبيه فغدت له نبراساً ينير طريقه فمشى على هديها حتّى غالبته الحتوف وضيّقت عليه النوازل. ووصيّة مغرورة متراخية تقطر لؤماً ولا أخلاقيّة قدّمها طاغية مريض لابنٍ فاسق ينبئه فيها بصفاقة ما بعدها صفاقة، بأنّه ذلّل له الأعداء، وأخضع له أعناق العرب.

فشتّان بين وصيتَين، إحداهما تنطق بالرحمة، والاُخرى بالظلم، وشتّان بين كلمة علي (عليه السّلام): «ربّك للباغين من أحكم الحاكمين». وبين كلمة معاوية: وذلّلت لك الأعداء، وأخضعت لك أعناق العرب.

شتّان بين مقولة رجل لابنه: «ومَن سلّ سيف البغي قُتل به». وبين قولة آخر لابنه: إن هو فعلها بك فقدرت عليه فقطّعه إرباً إرباً.

١٥١

هذان الشّتان هما الفارق الذي عناه علي (عليه السّلام) لابنه الحسين حينما ردّد على مسمعه: «ما أقرب الراحة من التعب، والبؤس من النعيم(١) ، والموت من الحياة». فالراحة قريبة من التعب، ولكنّهما على طرفَي نقيض. والبؤس قريب من النعيم، ولكن أين هما من بعضهما. والموت قريب من الحياة، ولكنّ الموت هو النقيض الصارخ للحياة.

إنّها حِكَم إعجازيّة قيلت في كلمات إيجازيّة مكثّفة، وهي لا تخرج على ما أثبته علم النفس من أنّ كلّ أمر قريب من نقيضه لا يفصله عنه إلاّ شعرة، هذه الشعرة هي موقف الشخص من الأمرين الّلذين يوجّهانه، تماماً كموقف شخصَين عرضت أمامهما كأس مملوءة لنصفها ماء، فيرى أحدهما أنّها فارغة حتّى النصف، بينما يراها الآخر ملآنة حتّى النصف. وقد أكّدت نظريّات الفلسفة أنّ العقل البشري يتشرّب المبادئ في فترة الطفولة، ثمّ خلال فترة الكمون التي تعقب فترة الطفولة، ثمّ في فترة الشباب المبكّر.

فالطفولة أشبه بالإسفنجة الماصّة التي تخزن كلّ تجارب ومبادئ الإنسان في عقله الباطن، وتأتي فترة الكمون وهي الفترة التي يعرّفها علم النفس بفترة تناسي كلّ المخزونات في العقل الباطن، فلا تلبث هذه المخزونات أن تعلن عن نفسها بلا حسّ إرادي من صاحبها، وتكوّن مجمل أفكار ومبادئ وتصرّفات الشخص في فترة شبابه وما يليها حيث توضع هذه الأفكار والمبادئ موضع التنفيذ من وحي عقله الباطن، أي من منطقة الغريزة التي لا سلطة للإنسان عليها، والتي لا يمكن له من تفهّم دوافعها وبواعثها، فيتصرّف بإيحاء منها، وكثيراً ما يقف ليسأل نفسه

____________________

(١) في كتابه (العالم كإرادة وتصوّر) يكشف الفيلسوف (أرثر شبنهاور) عن هذا التقارب النفسي والحسّي بين الراحة والتعب، والبؤس والنعيم. في عرضه لعلم الأخلاق القائم على الإنسانيّة الرؤوفة الشفوقة.

١٥٢

بعدها: لِمَ فعلت هذا وذاك من الاُمور؟(١)

والحسين (عليه السّلام) لا يختلف عن غيره في مروره خلال أدوار هذه المرحلة وكذلك يزيد، وقد تشرّبا كلاهما أفكار ومبادئ والديهما واتخذاهما قدوة في مقبل الأيّام، كذلك كان للبيئة أثرها في تكوين نفسيّتيهما، فمضى الحسين (عليه السّلام) في كلّ مراحل حياته يعمل بوحي من بيئته الأدبيّة الإسلاميّة التي رضع أخلاقيّاتها مع حليب طفولته، فلم يسمع أيّ إنسان عن الحسين طيلة حياته كلمة، أو يعاين له موقفاً يدلّ على عكس السمّو والنبل والأخلاق والحرص على الدِّين.

وفي المقابل لم يسمع أيّ إنسان عن يزيد طيلة حياته كلمة، أو يعاين له موقفاً يدلّ على عكس الخسّة والعبث والظّلم والحرص على الدنيا.

وفي ميزان المقارنة الذي نصبه الإنسان المسلم بعد ثورة الحسين (عليه السّلام) وضع في كفّتَيه كلّ ما يتّصل بشخصي الحسين ويزيد، ثمّ ابتعد قليلاً وألقى نظرة فاحصة مقارنة حياديّة تبغي الحقّ الذي أخذ يلحّ في ضميره.

رأى في كفّة الحسين شمائل النبوّة ومواقف الرجال الأفذاذ، وسمع من جانبها مبادئ الحقّ والعدل، ورأى في كفته (عليه السّلام) ميراثاً فكريّاً محمّدياً، لا قبليّاً ولا إقليميّاً، خال من التعصّب إلاّ فيما يتعلّق منه في مسائل العقيدة، ورأى في كفّته سرّ النبوّة، سرّ الجدّ والسّبط في آنٍ معاً، وتخيّل الرسول يقبّل سبطه في شفتَيه ويردّد: «حسين منّي وأنا من حسين».

____________________

(١) وهذا ما يسمّى في علم النفس بـ(الأفعال اللاإراديّة).

١٥٣

ثمّ رأى هذا الطفل رجلاً يرفع راية الإسلام فوق رأسه، وتخيّله يعلن بملء فيه: «مَن قَبِلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ».

ورآه متخيّلاً يبتعد عن مجلس أبيه علي (عليه السّلام) ونفسه مترعة بقولة أبيه التي كان يسرّها في أذنه كوصيّة: «مَن تكبّر على الناس ذلّ». ثمّ رآه في مكان آخر يقول لبعض الناس: «أنا الحسين بن علي، وابن فاطمة بنت رسول الله، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، فلكم فيّ أسوة». رآه في مواقع العمل في المبدأ، فأعجب كيف عمل به بهذه الأمانة، ووضع نفسه اُسوة مع غيره. رآه كأسد جائع إلى إحقاق الحقّ، وقد قرّر الزحف باُسرته الصغيرة، قليلة العدد والعدّة في وجه كثرة العدو، وخذلان الناصر، وسمعه يردّد:

فإنْ نُهزَم فهزّامون قدماً

وإنْ نُغلَب فغيرُ مغلّبينا

وما إن طبّنا جبنٌولكنْ

منايانا ودولة آخرينا

إذا ما الموتُ رُفّع عن اُناسٍ

كلاكلَهُ أناخ بآخرينا

فأفنى ذلكمْ سرواتِ قومي

كما أفنى القرونَ الغابرينا

فلو خَلُدَ الملوكُ إذاًخلدنا

ولو بقي الكرامُ إذاً بقينا

١٥٤

فقُل للشامتينَ بنا أفيقوا

سيلقى الشامتونَ كما لقينا(١)

ورأى في كفّة الشهيد كيف تحرّك في وجه معاوية حينما كان يعدّ ابنه للخلافة، وتخيّله جالساً فوق الرمال جلسة متواضعة زاهدة وهو يخطّ رسالة لمعاوية يطالبه فيها بأخذ يزيد فيما أخذ فيه من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش، والحمام السبق لأترابهن، والقيان ذوات المعازف، وضرب الملاهي وترك ما يحاول من إيهام الناس فيه، كمَن يقدح باطلاً في جَور وحنقاً في ظلم.

رآه يرفض البيعة ليزيد بكلمته الشهيرة: «ومثلي لا يبايع مثله». ورآه يتمرّد على طاعة إمام مزيّف. رآه وهو يخرج من المدينة إلى الكوفة، ورأى مواقفه الشجاعة في مواقع الخطر، وسمع أقواله وكلماته الأخيرة أمام أشداق الموت، فلم يجد فيها أدنى اختلاف عن تلك التي عرفها منه وهو آمن مطمئن في المدينة بعيداً عن منازل حتفه.

ثمّ رآه فوق ثرى الطفِّ رابط الجأش قويّاً، يشعّ وجهه بنور سماوي بينما يتساقط حوله خلّص صحبه وأهل بيته، وتنتهك حرمه على مرأى منه.

رآه يقف كالأسد الهصور وحيداً يصيح في وجه أعداء الدِّين يدعوهم للبراز وهو يردّد:

____________________

(١) اختلفت المصادر في نسبة هذه الأبيات، فنسبها ابن هشام في السيرة لغروة بن مسيك المرادي، ونسبها الفرزدق إلى خاله العلاء بن قرظة. أمّا المرتضى في الأمالي فقد نسبها إلى ذي الإصبع العدواني، وفي عيون الأخبار لابن قتيبة، وفي شرح الحماسة للتبريزي أنّها للفرزدق.

١٥٥

أنا الحسينُ بنُ علي

آليتُ ألاّ أنثني

أحمي عيالاتِ أبي

أمضي على دينِ النبي(١)

ورآه وهو يقبّل ولده الرضيع ويودّعه قبل أن يلقى حمامه، ثمّ وهو يرفعه فوق يديه على مرأى من وحوش بشريّة تحجّرت قلوبها، ورأى حرملة بن كاهل الأسدي يرمي الرضيع بسهم فيذبحه وهو بين يدي أبيه.

رآه، ورآه، ورآه، في كلّ موقف وفي كلّ ميدان، رآه كما يرى الإنسان البرق فلا يلحقه ببصره، رآه في الميدان ممدّداً وشمر بن ذي الجوشن الكلب الأبقع ينيخ على صدره ويقبض على شيبته المقدّسة ويضربه بالسيف اثنتَي عشرة ضربة، ثمّ يحتزّ رأسه الشريف.

وتتوالى المشاهد بعد ذلك أمام ناظري المسلم، منبعثة من كفّة الحسين (عليه السّلام)، فيرى رأسه فوق رمح، ويرى موكب السبي الذي يفتّت القلوب، ويعبر في مجاز خياله منظر الرأس الشريف في طبق عند أقدام طاغية، وقضيب ينكت شفتَيه. ومع ما كان يراه، كان يسمع صوت العقيلة زينب يذكّره ببيعة نفسه لشيطان أطماعه الدنيويّة ليشتري بثمنها مكاناً مقيماً في الجحيم.

وحينما يصل هذا المسلم إلى هذا الحدّ من الرؤى المنبعثة من كفّة الشهيد (عليه السّلام)، ينفطر قلبه توجّعاً وتدمع عيناه ندماً، فيقرع صدره ويضرب خدّيه، وما يلبث أن يلتفت نحو الكفّة الثانية، فماذا يرى؟

____________________

(١) مناقب ابن شهر آشوب ٢ / ٢٢٣.

١٥٦

في كفّة يزيد

يرى يزيد جالساً بين ندمائه يعاقر الخمرة، ويعابث النساء، وأمامه كلاب مسرجة بحللٍ من ذهب، وبعض الجواري ممَّن تحلّين باللآلئ يرحن ويغدون بصوان من ذهب خالص. وأمام يزيد صينيّة ملأى باللؤلؤ الناصع، وعند رجلَيه شاعر معروق يقول فيه قصيدة ركيكة المعنى والمبنى، وهو منصرف عنه يقهقه بصوت ماجن، وأصابعه المحشوّة بالخواتم تعبث بصدر جارية رومية. وينتهي الشاعر من قصيدته فيتنبه يزيد لذلك، فيعتدل لينشد بدوره:

أقولُ لصحبٍ ضمّت الكأسُ شملَهمْ

وداعي صباباتِ الهوى يترنّمُ

خذوا بنصيبٍ من نعيمٍولَذةٍ

فكلّ وإن طال المدى يتصرّم (١)

وهو في مجلس شرابه وندمه، إذ بأحد الخدم يقتحم عليه قصفه ويسرّ باُذنه ببضع كلمات يتغيّر على أثرها لون وجهه، ويهبّ لا مبالي، وقبل أن يغادر يطلب من وكيل جلسته أن يحشو فم الشاعر المعروق لؤلؤاً تكريماً له، ثمّ يختفي عن الأنظار ليظهر أمام أبيه المحتضر.

____________________

(١) راجع حياة الحيوان - الدميري ٢ / ٢٧٠.

١٥٧

وفي صمت يتقبّل منه وصيّته الأخيرة لينطلق بعدها في عمليّات لا حدّ لها من التهوّر، مخالفاً بذلك وصيّة والده في بعض فقراتها.

رأى المسلم يزيد خلال ثلاث سنين ونصف قاتلاً مفضحاً، بدأ ولايته بقتل الحسين، وفي سنته الثانية أباح المدينة ثلاثة أيّام بعد أن نهبها، وقتل فيها سبعمئة من المهاجرين والأنصار، وعشرة آلاف من الموالي والعرب والتابعين، وافتضّ ألف عذراء(١) .

رآه يداعب قرده (أبا قيس) ويلبسه الحرير ويطرّزه بالذهب واللآلئ ويركبه أتاناً في السباق ويجهد كي يجعله سبّاقاً على الجياد، ويقول فيه:

تمسّك أبا قيسٍ بفضلِ عنانِها

فليس عليها إنْ سقطتَ ضمانُ

ألا مَن رأى القردَ الذي سبقت بهِ

جيادَ أمير المؤمنينأتان ُ(٢)

ورآه متثاقلاً متمارضاً، بينما جيش أبيه يتّجه إلى القسطنطينيّة، وسمعه حينما ضرب الجوع والمرض هذا الجيش في منتصف الطريق، ينشد هذه الأبيات التي تدلّ على ختله وخداعه:

ما إنْ اُبالي بما لاقتْ جموعُهُمُ

بـ (الفرقدونة) من حمّى ومن مومِ

____________________

(١) الذهبي في سير أعلام النبلاء، ورسالة الجاحظ / ٢٩٨ الرسالة الحادية عشرة في بني اُميّة، عن المقتل المقرّم.

(٢) أمالي الزجاجي / ٤٥.

١٥٨

إذا اتّكأت على الأنماطِ مرتفقاً

بدَير مرّان عندي اُمّ كلثومِ(١)

ورأى معاوية حينما بلغه هذان البيتان يقسم ليلحقنّ ابنه أمير المؤمنين المزمع بالجيش تفادياً للفضيحة ودرءاً لشماتة المسلمين، بعد شيوع هذا القول في مختلف الأوساط.

ورأى يزيد يطلب من ابن زياد بثّ عيونه خلف الحسين خلال توجّهه إلى العراق، وحبس الناس على الظنّة وقتلهم على التّهمة. ورآه في حضن اُمّه ميسون بنت عبد الرحمن بن بجدل الكلبي، بعد أن ولدته بالحرام من عبدٍ لأبيها مكّنته من نفسها فحملت به.

ورآه على شاكلة جدّه أبي سفيان عدوّ الله والإسلام الذي قاد الحرب ضدّ القرآن في بدر واُحد والأحزاب. ورآه على شاكلة جدّته هند المغرمة بحبّ السود، والتي أنجبت والده معاوية بعد زواجها من جدّه بثلاثة أشهر، والتي أكلت كبد حمزة عمّ الرسول، ولقّبت بآكلة الأكباد.

رآه على شاكلة أبيه معاوية الذي حارب علياً في صفين، وقتل عمّار بن ياسر، وسمّ الحسن، ومالك الأشتر، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد. رآه ينشد (ليت أشياخي ببدر شهدوا) حينما رأى رأس الحسين على سنّ رمح، وسمع قهقهته وهو ينكث ثنايا الرأس الشريف بالقضيب.

____________________

(١٢) الكامل لابن الأثير ٣ / ١٩٧.

١٥٩

رآه يشرف من قصره على موكب السبي المشدود بالحبال على أقتاب الجمال، ورأى الإمام زين العابدين وفي عنقه الأغلال، ورأى رؤوس شهداء الطفّ فوق أسنّة الرماح.

رآه يأمر فيتحوّل أمره إلى إبادة لذريّة الرسول، ويأمر فيحتزّ رأس ريحانة الرسول، ويأمر فيوطأ جثمانه الطاهر بحوافر الخيل. رأى، ورأى، ورأى، حتّى كادت المشاهد تختلط ببعضها مع ما فاض في مآقيه من دمع، وبين كفّتي الحسين ويزيد أخذ بصره يتابع بحدّة وسرعة كثافة الرؤى والأحداث، فغدت هذه الرؤى كشريط ذكرى وتذكّر يُعرض أمام ناظريه بما لا يجعله يقف طويلاً عندها بعد أن بلغت روحه التراقي، ولم يعد بإمكان مشاعره المثلومة أن تركّز على ما يعرض أمامه، وما يراه بصره خلال تنقّله بين كفّتي الخصمين.

رأى الحسين، ورأى يزيد، ورأى معاوية، ورأى علياً، ورأى زينب، وها هو الشريط يتسارع أمام عينيه، وها هو الحسين طفلاً بين يدي جدّه، وجدّه يقول: «اللّهمّ أحبّه فإنّي اُحبّه». علي يقول لابنه الحسين: «مَن سلّ سيف البغي قُتل به».

يزيد يرقّص القرد كقرّاد، والحسين يهتف: «قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لا بدّ منه». ويزيد يهتف:أسقني شربة تروي مشاشي. ومعاوية يأخذ البيعة بحدّ السيف.

زينب تصرخ: يا جدّاه، يا رسول الله! أنا ناعية إليك ولدك أخي الحسين.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258