الحسين (عليه السلام) في الفكر المسيحي

الحسين (عليه السلام) في الفكر المسيحي23%

الحسين (عليه السلام) في الفكر المسيحي مؤلف:
الناشر: انتشارات الهاشمي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 258

الحسين (عليه السلام) في الفكر المسيحي
  • البداية
  • السابق
  • 258 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 55503 / تحميل: 10177
الحجم الحجم الحجم
الحسين (عليه السلام) في الفكر المسيحي

الحسين (عليه السلام) في الفكر المسيحي

مؤلف:
الناشر: انتشارات الهاشمي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

(٣) كتاب الزكاة

وفصوله أربعة، الاول: تجب زكاة المال على البالغ العاقل الحر المتمكن من التصرف في الانعام الثلاثة والغلات الاربع والنقدين، وتستحب فيما تنبت الارض من المكيل والموزون، وفي مال التجارة وأوجبها ابن بابويه فيه.

وفي إناث الخيل السائمة ديناران عن العتيق ودينار عن غيره، ولا تستحب في الرقيق والبغال والحمير.

فنصب الابل اثناعشر: خمسة كل واحد خمس، في كل واحد شاة، ثم ست وعشرون بنت مخاض، ثم ست وثلاثون بنت لبون، ثم ست وأربعون حقة، ثم إحدى وستون فجذعة، ثم ست وسبعون بنتا لبون، ثم إحدى وتسعون حقتان، ثم كل خمسين حقة وكل أربعين بنت لبون.

وفي البقر نصابان: ثلاثون فتبيع أو تبيعة، وأربعون فمسنة.

وللغنم خمسة: أربعون فشاة، ثم مائة وإحدى وعشرون فشاتان، ثم مائتان وواحدة فثلاث، ثم ثلاثمائة وواحدة فأربع على الاقوى، ثم في كل مائة شاة.

وكلما نقص عن النصاب فعفو،

٤١

ويشترط فيها السوم والحول بمضي أحد عشر شهرا هلالية، وللسخال حول بانفرادها بعد غنائها بالرعي، ولو ثلم النصاب في الحول فلا شئ ولو قربه، ويجزئ الجذع من الضأن والثني من المعز، ولا تؤخذ الربى ولا ذات العور ولا المريضة ولا الهرمة، ولا تعد الاكولة ولا فحل الضراب، وتجزئ القيمة ومن العين أفضل، ولو كانت النعم مرضى فمنها، ولا يجمع بين مفترق في الملك، ولا يفرق بين مجتمع فيه.

وأما النقدان فيشترط فيهما النصاب والسكة والحول، فنصاب الذهب عشرون دينارا ثم أربعة دنانير، ونصاب الفضة مائتا درهم ثم أربعون درهما، والمخرج ربع العشر من العين وتجزئ القيمة.

وأما الغلات فيشترط فيها التملك بالزراعة أو الانتقال قبل انعقاد الثمرة والحب، ونصابها ألفان وسبعمائة رطل بالعراقي، ويجب في الزائد مطلقا، والمخرج العشر إن سقي سيحا أو بعلا أو عذيا ونصف العشر بغيره، ولو سقي بهما فالاغلب، ومع التساوي ثلاثة أرباع العشر.

الفصل الثاني: إنما تستحب زكاة التجارة مع الحول وقيام رأس المال فصاعدا ونصاب المالية، فتخرج ربع عشر القيمة، وحكم باقي أجناس الزرع حكم الواجب، ولا يجوز تأخير الدفع عن وقت الوجوب مع الامكان فيضمن ويأثم، ولا تقدم على وقت الوجوب إلا قرضا فتحتسب عند الوجوب بشرط بقاء القابض على الصفة، ولا يجوز نقلها عن بلد

٤٢

المال إلا مع إعواز المستحق فيضمن لا معه، وفي الاثم قولان، ويجزئ.

الفصل الثالث، في المستحق: وهو الفقراء والمساكين ويشملهما من لا يملك مؤونة سنة، والمروي أن المسكين أسوأ حالا، والدار والخادم من المؤنة، ويمنع ذو الصنعة والضيعة إذا نهضت بحاجته وإلا تناول التتمة لا غير، والعاملون وهم السعاة في تحصيلها، والمؤلفة قلوبهم وهم كفار يستمالون إلى الجهاد، قيل ومسلمون أيضا، وفي الرقاب وهم المكاتبون والعبيد تحت الشدة، والغارمون وهم المدينون في غير معصية، والمروي أنه لا يعطى مجهول الحال، ويقاص الفقير بها وإن مات أو كان واجب النفقة، وفي سبيل الله وهو القرب كلها، وابن السبيل وهو المنقطع به ولا يمنع غناه في بلده مع عدم تمكنه من الاعتياض عنه، ومنه الضيف.

وتشترط العدالة فيمن عدا المؤلفة، ولو كان السفر معصية منع، ويعطى الطفل ولو كان أبواه فاسقين، وقيل المعتبر تجنب الكبائر.

ويعيد المخالف الزكاة لو أعطاها مثله ولا يعيد باقي العبادات، ويشترط أن لا يكون واجب النفقة على المعطي ولا هاشميا إلا من قبيلة أو تعذر الخمس.

ويجب دفعها إلى الامام مع الطلب بنفسه أو بساعيه، قيل والفقيه في الغيبة، ودفعها إليهم إبتداء أفضل، وقيل يجب.

ويصدق المالك في الاخراج بغير يمين.

٤٣

وتستحب قسمتها على الاصناف وإعطاء جماعة من كل صنف، ويجوز للواحد والاغناء إذا كان دفعة، وأقل مايعطى استحبابا مايجب في أول النقدين، ويستحب دعاء الامام أو نائبه للمالك، ومع الغيبة لا ساعي ولا مؤلف إلا لمن يحتاج إليه، وليخص بزكاة النعم المتجمل وإيصالها إلى المستحيين من قبولها هدية.

الفصل الرابع: في الزكاة الفطرة: وتجب على البالغ العاقل الحر المالك قوت سنته عنه وعن عياله ولو تبرعا، وتجب على الكافر ولا تصح منه، والاعتبار بالشرط عند الهلال، ويستحب لو تجدد السبب ما بين الهلال إلى الزوال، وقدرها صاع من الحنطة أو الشعير أو التمر أو الزبيب أو الارز أو الاقط أو اللبن، وأفضلها التمر ثم الزبيب ثم ما يغلب على قوته، والصاع تسعة أرطال، ولو من اللبن في الاقوى، ويجوز إخراج القيمة بسعر الوقت.

وتجب النية فيها وفي المالية، ومن عزل احداهما لعذر ثم تلفت لم يضمن، ومصرفها مصرف المالية، ويستحب أن لا يقصر العطاء عن صاع إلا مع الاجتماع وضيق المال، ويستحب أن يخص بها المستحق من القرابة والجار، ولو بان الآخذ غير مستحق ارتجعت، ومع التعذر تجزئ إن اجتهد إلا أن يكون عبده.

٤٤

(٤) كتاب الخمس

ويجب في الغنيمة بعد إخراج المؤن، والمعدن، والغوص، وأرباح المكاسب، والحلال المختلط بالحرام ولا يتميز ولا يعلم صاحبه، والكنز إذا بلغ عشرين دينارا، قيل والمعدن كذلك.

وقال الشيخ في الخلاف لا نصاب له، واعتبر أبوالصلاح فيه دينارا، كالغوص، وأرض الذمي المنتقلة إليه من مسلم ولم يذكرها كثير، وأوجبه أبو الصلاح في الميراث والصدقة والهبة، وأنكره ابن إدريس والاول أحسن، واعتبر المفيد في الغنيمة والغوص والعنبر عشرين دينارا عينا أو قيمة، والمشهور أنه لا نصاب للغنيمة، ويعتبر في الارباح مؤونته ومؤونة عياله مقتصدا.

ويقسم ستة أقسام: ثلاثة للامامعليه‌السلام تصرف إليه حاضرا وإلى نوابه غائبا أو تحفظ، وثلاثة لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من الهاشميين بالاب، وقال المرتضى وبالام.

ويشترط فقر شركاء الامام، ويكفي في ابن السبيل الفقر في بلد التسليم، ولا يعتبر العدالة ويعتبر الايمان.

ونفل الامام أرض انجلى عنها أو تسلمت طوعا أو باد أهلها،

٤٥

والآجام، ورؤوس الجبال، وبطون الاودية وما يكون بها، وصوافي ملوك الحرب، وميراث فاقد الوارث، والغنيمة بغير إذنه.

أما المعادن فالناس فيها شرع.

٤٦

(٥) كتاب الصوم

وهو الكف عن الاكل والشرب مطلقا، والجماع كله والاستمناء وإيصال الغبار المتعدي والبقاء على الجنابة، ومعاودة النوم جنبا بعد انتباهتين فيكفر، ويقضي لوتعمد الاخلال، ويقضي لو عاد بعد انتباهة أو احتقن بالمائع أو ارتمس متعمدا، أو تناول من دون مراعاة ممكنة فأخطأ سواء كان مستصحب الليل أو النهار، وقيل لو أفطر لظلمة موهمة ظانا فلا قضاء، أو تعمد القئ أو أخبر بدخول الليل فأفطر أو ببقائه فتناول وظهر الخلاف، أو نظر إلى امرأة أو غلام فأمنى، ولو قصد فالاقرب الكفارة وخصوصا مع الاعتياد إذ لا ينقص عن الاستمناء بيد أو ملاعبة.

وتتكرر الكفارة بتكرر الوطء أو تغاير الجنس أو تخلل التكفير أو اختلاف الايام وإلا فواحدة، ويتحمل عن الزوجة المكرهة الكفارة، والتعزير بخمسة وعشرين سوطا فيعزر خمسين، ولو طاوعته فعليها.

القول في شروطه: ويعتبر في الوجوب البلوغ والعقل والخلو من الحيض

٤٧

والنفاس والسفر، وفي الصحة التمييز والخلو منها ومن الكفر، ويصح من المستحاضة إذا فعلت الواجب من الغسل، ومن المسافر في دم المتعة وبدل البدنة والنذر المقيد به، قيل وجزاء الصيد.

ويمرن الصبي لسبع وقال ابنا بابويه والشيخ في النهاية لتسع.

والمريض يتبع ظنه فلو تكلفه مع ظن الضرر قضي.

وتجب فيه النية المشتملة على الوجه والقربة لكل ليلة والمقارنة مجزئة، والناسي يجددها إلى الزوال، والمشهور بين القدماء الاكتفاء بنية واحدة للشهر، وادعى المرتضى في الوسيلة فيه الاجماع، والاول أولى، ويشترط فيما عدا رمضان التعيين.

ويعلم برؤية الهلال أو شهادة عدلين أو شياع أو مضي ثلاثين من شعبان لا الواحد في أوله، ولا تشترط الخمسون مع الصحو، ولا عبرة بالجدول والعدد والعلو والانتفاخ والتطوق والخفاء ليلتين.

والمحبوس يتوخى فإن ظهر التقدم أعاده.

والكف من طلوع الفجر الثاني إلى ذهاب المشرقية، ولو قدم المسافر أو برأ المريض قبل الزوال ولم يتناولا أجزأهما الصوم بخلاف الصبي والكافر والحائض والنفساء والمجنون والمغمى عليه فإنه يعتبر زوال العذر قبل الفجر ويقضيه كل تارك له عمدا أوسهوا أو لعذر إلا الصبي والمجنون والمغمى عليه والكافر الاصلي، وتستحب المتابعة في القضاء، ورواية عمار عن الصادقعليه‌السلام تتضمن استحباب التفريق.

مسائل: من نسي غسل الجنابة قضى الصلاة والصوم في

٤٨

الاشهر، ويتخير قاضي رمضان ما بينه وبين الزوال، فإن أفطر بعده أطعم عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام.

الثانية: الكفارة في شهر رمضان والنذر المعين والعهد عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، ولو أفطر على محرم مطلقا فثلاث.

الثالثة: لو استمر المريض إلى رمضان آخر فلاقضاء، ويفدى عن كل يوم بمد، ولو برأ وتهاون فدى وقضى، ولو لم يتهاون قضى لا غير.

الرابعة: إذا تمكن من القضاء ثم القضاء ثم مات قضى عنه أكبر ولده الذكور، وقيل الولي مطلقا.

وفي القضاء عن المسافر خلاف أقربه مراعاة تمكنه من المقام والقضاء، ويقضى عن المرأة والعبد، والانثى لا تقضي وتتصدق من التركة عن اليوم بمد، ويجوز في الشهرين المتتابعين صوم شهر والصدقة عن آخر.

الخامسة: لو صام المسافر عالما أعاد، ولو كان جاهلا فلا، والناسي يلحق بالعامد، وكلما قصرت الصلاة قصر الصوم، إلا أنه يشترط الخروج قبل الزوال.

السادسة: الشيخان إذا عجزا فديا بمد ولا قضاء، وذو العطاش المأيوس من برئه كذلك ولو برئ قضى.

السابعة: الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن يفطران ويفديان، ولا يجب صوم النافلة بشروعه فيه، نعم يكره نقضه بعد الزوال إلا لمن يدعى إلى طعام.

٤٩

الثامنة: يجب تتابع الصوم إلا أربعة: النذر المطلق وما في معناه وقضاء الواجب، وجزاء الصيد، والسبعة في بدل الهدي.

وكلما أخل بالمتابعة لعذر بنى ولا له يستأنف إلا في الشهرين المتتابعين بعد شهر ويوم من الثاني، وفي الشهر بعد خمسة عشر يوما، وفي ثلاثة المتعة بعد يومين ثالثهما العيد.

التاسعة: لا يفسد الصيام بمص الخاتم وزق الطائر ومضغ الطعام.

ويكره مباشرة النساء والاكتحال بما فيه مسك وإخراج الدم المضعف ودخول الحمام وشم الرياحين وخصوصا النرجس والاحتقان بالجامد وجلوس المرأة والخنثى في الماء والظاهر أن الخصي الممسوح كذلك، وبل الثوب على الجسد والهذر.

العاشرة: يستحب من الصوم أول خميس من الشهر وآخر خميس منه، وأول أربعة من العشر الاوسط، وأيام البيض ومولد النبيعليه‌السلام ، ومبعثه ويوم الغدير، والدحو، وعرفة لمن لا يضعفه عن الدعاء مع تحقق الهلال، والمباهلة والخميس، والجمعة، وستة أيام بعد عيد الفطر، وأول ذي الحجة ورجب كله، وشعبان.

الحادية عشرة: يستحب الامساك في المسافر والمريض بزوال عذرهما بعد التناول أو بعد الزوال، ومن سلف من ذوي الاعذار التي تزول في أثناء النهار.

الثانية عشرة: لا يصوم الضيف بدون إذن مضيفه، وقيل بالعكس أيضا، ولا المرأة والعبد بدون إذن الزوج والمالك، ولا الولد

٥٠

بدون إذن الوالد، والاولى عدم انعقاده مع النهي.

الثالثة عشرة: يحرم صوم العيدين وأيام التشريق لمن كان بمنى، وقيده بعض الاصحاب بالناسك، وصوم يوم الشك بنية الفرض ولو صامه بنية النفل أجزأ إن ظهر كونه من رمضان، ولو ردد فقولان أقربها الاجزاء.

ويحرم نذر المعصية وصومه، والصمت، والوصال، وصوم الواجب سفرا سوى مامر.

الرابعة عشرة: يعزر من أفطر في شهر رمضان عامدا عالما لا لعذر، فإن عاد عزر، فإن عاد قتل، ولو كان مستحلا قتل إن كان ولد على الفطرة، واستتيب إن كان عن غيرها.

الخامسة عشرة: البلوغ الذي يجب معه العبادة الاحتلام أو الانبات أو بلوغ خمس عشرة سنة في الذكر وتسع في الانثى، وقال في المبسوط وتبعه ابن حمزة بلوغها بعشر، وقال ابن إدريس الاجماع على التسع.

٥١

كتاب الاعتكاف

ويلحق بذلك الاعتكاف وهو مستحب خصوصا في العشر الاواخر من شهر رمضان.

ويشترط الصوم، فلا يصح إلا من مكلف يصح منه الصوم في زمان يصح صومه وأقله ثلاثة أيام، والمسجد الجامع، والحصر في الاربعة أو الخمسة ضعيف، والاقامة بمعتكفه فيبطل بخروجه إلا لضرورة أو طاعة كعيادة مريض أو شهادة أو تشييع مؤمن، ثم لا يجلس لو خرج ولا يمشي تحت ظل اختيارا، ولا يصلي إلا بمعتكفه إلا في مكة، ويجب بالنذر وشبهه وبمضي يومين على الاشهر، وفي المبسوط يجب بالشروع.

ويستحب الاشتراط كالمحرم فإن شرط وخرج فلا قضاء، ولو لم يشترط ومضى يومان أتم، ويحرم عليه نهارا ما يحرم على الصائم، وليلا ونهارا الجماع وشم الطيب والاستمتاع بالنساء، ويفسده ما يفسد الصوم، ويكفر إن فسد الثالث أو كان واجبا، ويجب بالجماع في الواجب نهارا كفارتان إن كان في شهر رمضان، وقيل مطلقا، وليلا واحدة فإن أكره المعتكفة فأربع على الاقوى.

٥٢

(٦) كتاب الحج

وفيه فصول، الاول: يجب الحج على المستطيع من الرجال والنساء والخناثي على الفور مرة بأصل الشرع، وقد يجب بالنذر وشبهه والاستئجار والافساد، ويستحب تكراره، ولفاقد الشرائط ولا يجزئ كالفقير والعبد بإذن مولاه.

وشرط وجوبه البلوغ والعقل والحرية والزاد والراحلة والتمكن من المسير، وشرط صحته الاسلام، وشرط مباشرته مع الاسلام التمييز.

ويحرم الولي عن غير المميز ندبا، ويشترط صحته من العبد إذن المولى، وشرط صحة الندب من المرأة إذن الزوج، ولو أعتق العبد أو بلغ الصبي أو أفاق المجنون قبل أحد الموقفين صح وأجزأه عن حجة الاسلام، ويكفي البذل في تحقق الوجوب ولا يشترط صيغة خاصة.

ولو حج به بعض إخوانه أجزأه عن الفرض، ويشترط وجود ما يمون به عياله الواجبي النفقة إلى حين رجوعه، وفي استنابة الممنوع بكبر أو مرض أو عدو قولان، والمروي عن عليعليه‌السلام ذلك، ولو زال العذر حج ثانيا.

ولا يشترط الرجوع إلى كفاية على

٥٣

الاقوى، ولا في المرأة المحرم، ويكفي ظن السلامة، والمستطيع يجزئه الحج متسكعا.

والحج ما شيا أفضل إلا مع الضعف عن العبادة فالركوب أفضل، فقد حج الحسنعليه‌السلام ما شيا مرارا، وقيل إنها خمسة وعشرين حجة، والمحامل تساق بين يديه.

ومن مات بعد الاحرام ودخول الحرم أجزأه، ولو مات قبل ذلك وكان قد استقر في ذمته قضي عنه من بلده في ظاهر الرواية، فلو ضاقت التركة فمن حيث بلغت ولو من الميقات.

ولو حج ثم ارتد ثم عاد لم يعد على الاقرب، فلو حج مخالفا ثم استبصر لم يعد إلا أن يخل بركن، نعم يستحب الاعادة.

القول في حج الاسباب: لو نذر الحج وأطلق كفت المرة ولا تجزئ عن حجة الاسلام، وقيل إن نوى حجة النذر أجزأت وإلا فلا.

ولو قيد نذره بحجة الاسلام فهي واحدة ولو قيد غيرها فهما اثنتان، وكذا العهد واليمين، ولو نذر الحج ما شيا وجب ويقوم في المعبر، فلو ركب طريقة أو بعضه قضى ماشيا، ولو عجز عن المشي ركب وساق بدنة.

ويشترط في النائب البلوغ والعقل والخلو من حج واجب مع التمكن منه ولو مشيا والاسلام وإسلام المنوب عنه واعتقاده الحق إلا أن يكون أبا النائب.

ويشترط نية النيابة منه وتعين المنوب عنه قصدا، ويستحب لفظا عند الافعال، وتبرأ ذمته لو مات محرما بعد دخول الحرم وإن

٥٤

خرج منه بعد، ولو مات قبل ذلك استعيد من الاجرة بالنسبة، ويجب الاتيان بما شرط عليه حتى الطريق مع الفرض، وليس له الاستنابة إلا مع الاذن صريحا أو إيقاع العقد مقيدا بالاطلاق، ولا يحج عن اثنين في عام، ولو استأجراه لعام فسبق أحدهما صح وإن اقترنا بطلا، وتجوز النيابة في أبعاض الحج، كالطواف والسعي والرمي مع العجز، ولو أمكن حمله في الطواف والسعي وجب ويحتسب لهما.

وكفارة الاحرام في مال الاجير، ولو أفسد حجه قضى في القابل، والاقرب الاجزاء ويملك الاجرة.

ويستحب إعادة فاضل الاجرة، والاتمام له لو أعوز وترك نيابة المرأة الصرورة والخنثى الصرورة.

ويشترط علم الاجير بالمناسك وقدرته عليها وعدالته، فلا يستأجر فاسق ولو حج أجزأه.

والوصية بالحج تنصرف إلى أجرة المثل، ويكفي المرة إلا مع إرادة التكرار.

ولو عين القدر والنائب تعينا، ولو عين لكل سنة قدرا وقصر كمل من الثانية فالثالثة، ولو زاد حج في عام مرتين من اثنين.

والودعي العالم بامتناع الوارث يستأجر عنه من يحج أو بنفسه، ولو كان عليه حجتان إحداهما نذر فكذلك إذ الاصح أنهما من الاصل، ولو تعددوا وزعت، وقيل يفتقر إلى إذن الحاكم، وهو بعيد.

الفصل الثاني: في أنواع الحج: وهي ثلاثة : تمتع: وهو فرض من بعد عن مكة بثمانية وأربعين ميلا من كل جانب على الاصح، ويقدم عمرته على حجه ناويا بها التمتع.

٥٥

وقران، وإفراد: وهو فرض من نقص عن ذلك، ولو أطلق الناذر تخير في الثلاثة وكذا يتخير من حج ندبا، وليس لمن تعين عليه نوع العدول إلى غيره على الاصح إلا لضرورة، ولا يقع الاحرام بالحج.

وعمرة التمتع إلا في شوال وذي القعدة وذي الحجة.

ويشترط في التمتع جمع الحج والعمرة لعام واحد، والاحرام بالحج له من مكة وأفضلها المسجد، ثم المقام أو تحت الميزاب، ولو أحرم بغيرها لم يجز إلا مع التعذر، ولو ضاق الوقت عن إتمام العمرة بحيض أو نفاس أو عذر أو عدو عدل إلى الافراد وأتى بالعمرة من بعد.

ويشترط في الافراد النية وإحرامه من الميقات أو من دويرة أهله إن كانت أقرب إلى عرفات، وفي القران ذلك وعقده بسياق الهدي وإشعاره إن كان بدنة، ويقلده إن كان غيرها بأن يعلق في رقبته نعلا قد صلى فيه ولو نافلة، ولو قلد الابل جاز.

مسائل: يجوز لمن حج ندبا مفردا العدول إلى التمتع لكن لا يلبي بعد طوافه وسعيه، فلو لبى بطلت متعته، وبقى على حجه، وقيل لا اعتبار إلا بالنية.

ولا يجوز العدول للقارن، وقيل يجوز العدول عن الحج الواجب أيضا، كما أمربه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من لم يسق من الصحابة، وهو قوي.

الثانية: يجوز للقارن والمفرد إذا دخلا مكة الطواف والسعي إما الواجب أو الندب لكن يجددان التلبية عقيب صلاة الطواف، فلو تركاها احلا على الاشهر.

٥٦

الثالثة: لو بعد المكي ثم حج على ميقات أحرم منه وجوبا، ولو غلبت إقامته في الآفاق تمتع، ولو تساويا تخير، والمجاور بمكة ينتقل في الثالثة إلى الافراد والقران وقبلها يتمتع، ولا يجب الهدي على غير المتمتع وهو نسك لا جبران.

الرابعة: لا يجوز الجمع بين النسكين بينة واحدة فيبطل، ولا إدخال أحدهما على الآخر قبل تحلله من الاول فيبطل الثاني إن كان عمرة أو حجا قبل السعي، ولو كان قبل التقصير وتعمد ذلك فالمروي أنه يبقى على حجة مفردة.

ولو كان ناسيا صح إحرامه الثاني ويستحب جبره بشاة.

الفصل الثالث، في المواقيت : لا يصح الاحرام قبل الميقات، إلا بالنذر وشبهه إذا وقع الاحرام في أشهر الحج، ولو كان عمرة مفردة لم يشترط، ولو خاف مريد الاعتمار في رجب تقضيه جاز له الاحرام قبل الميقات ولا يجب إعادته فيه.

ولا يتجاوز الميقات بغير إحرام، فيجب الرجوع إليه فلو تعذر بطل ان تعمده والا أحرم من حيث امكن ولو دخل مكة خرج إلى ادنى الحل فان تعذر فمن موضعه، ولو أمكنه الرجوع إلى الميقات وجب.

والمواقيت ستة: ذو الحليفة للمدينة، والجحفة للشام، ويلملم لليمن، وقرن المنازل للطائف، والعقيق للعراقي وأفضله المسلخ، ثم

٥٧

غمرة ثم ذات عرق.

وميقات حج التمتع مكة، وحج الافراد منزله كما سبق، وكل من حج على ميقات فهو له، ولو حج على غير ميقات كفته المحاذاة، ولو لم يحاذ أحرم من قدر تشترك فيه المواقيت.

الفصل الرابع، في أفعال العمرة : وهي الاحرام والطواف والسعي والتقصير.

ويزيد في عمرة الافراد بعد التقصير طواف النساء ويجوز فيها الحلق لا في عمرة التمتع.

القول في الاحرام: يستحب توفير شعر الرأس لمن أراد الحج من أول ذي القعدة وآكد منه هلال ذي الحجة، واستكمال التنظيف بقص الاظفار وأخذ الشارب والاطلاء، ولو سبق أجزأ مالم يمض خمسة عشر يوما.

والغسل، وصلاة سنة الاحرام، والاحرام عقيب الظهر أو فريضة وتكفي النافلة عند عدم وقت الفريضة.

وتجب فبه النية المشتملة على مشخصاته مع القربة، ويقارن بها: لبيك اللهم لبيك لبيك، إن الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك لبيك. ولبس ثوبي الاحرام من جنس ما يصلي فيه.

والقارن يعقد إحرامه بالتلبية أو بالاشعار والتقليد، ويجوز الحرير والمخيط للنساء، ويجزئ القباء مقلوبا لو فقد الرداء،

٥٨

والسراويل لو فقد الازار.

ويستحب للرجل رفع الصوت بالتلبية، ولتجدد عند مختلف الاحوال ويضاف إليها التلبيات المستحبة ويقطعها المتمتع إذا شاهد بيوت مكة، والحاج إلى زوال عرفة، والمعتمر منفردا إذا دخل الحرم والاشتراط ويكره الاحرام في السود والمعصفرة وشبههما، والنوم عليها، والوسخة، والمعلمة، ودخول الحمام، وتلبية المنادي.

وأما التروك المحرمة فثلاثون: صيد البر ولو دلالة وإشارة، ولا يحرم صيد البحر وهو مايبيض ويفرخ فيه، والنساء بكل استمتاع حتى العقد، والاستمناء، ولبس المخيط، وشبهه وعقد الرداء، ومطلق الطيب، والقبض من كريه الرائحة، والاكتحال بالسواد والمطيب، والادهان ويجوز أكل الدهن غير المطيب، والجدال وهو قول لا والله وبلى والله، والفسوق وهو الكذب، والسباب، والنظر في المرآة، وإخراج الدم اختيارا، وقلع الضرس وقص الظفر وإزالة الشعر، وتغطية الرأس للرجل والوجه للمرأة ويجوز لها سدل القناع إلى طرف أنفها بغير إصابة وجهها، والنقاب، والحناء للزينة والتختم للزينة ولبس المرأة مالم تعتده من الحلي، وإظهار المعتاد للزوج، ولبس الخفين للرجل وما يستر ظهر قدميه، والتظليل للرجل الصحيح سائرا، ولبس السلاح اختيارا، وقطع شجر الحرم وحشيشه إلا الاذخر، وما ينبت في ملكه، وعودي المحالة، وشجر الفواكه، وقتل هوام الجسد، ويجوز نقله.

٥٩

القول في الطواف: ويشترط فيه رفع الحدث والخبث، والختيان في الرجل، وستر العورة.

وواجبه: النية، والبدأة بالحجر الاسود، والختم به، وجعل البيت على اليساره والطواف بينه وبين المقام، وإدخال الحجر، وخروجه بجميع بدنه عن البيت، وإكمال السبع، وعدم الزيادة عليها فيبطل إن تعمده، والركعتان خلف المقام، وتواصل أربعة أشواط فلو قطع لدونها بطل وإن كان لضرورة أو دخول البيت، ولو ذكر في أثناء السعي ترتب صحته وبطلانه على الطواف، ولو شك في العدد بعده لم يلتفت وفي الاثناء يبطل ان شك في النقيصة، ويبني على الاقل إن شك في الزيادة على السبع، وأما نفل الطواف فيبني على الاقل مطلقا.

وسننه: الغسل من بئر ميمون أو فخ أو غيرهما، ومضغ الاذخر، ودخول مكة من أعلاها حافيا بسكينة ووقار، والدخول من باب بني شيبة، والدعاء بالمأثور، والوقوف عند الحجر، والدعاء فيه وفي حالات الطواف، وقراء‌ة القرآن، وذكر الله تعالى، والسكينة في المشي، والرمل ثلاثا والمشي أربعا على قول، واستلام الحجر، وتقبيله أو الاشارة إليه، واستلام الاركان والمستجار في السابع، وإلصاق البطن والخد به، والدعاء وعد ذنوبه عنده والتداني من البيت، ويكره الكلام في أثنائه بغير الذكر والقرآن.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ثورةُ المختار الثقفي

ولعلّها أقوى الثورات وأعنفها وأمضاها نتائج، إذ استطاعت أن تطيح بمعظم الرؤوس التي شاركت فعليّاً في قتل الحسين، ولقد جعل لها شعاراً بهذا المعنى (يا لثارات الحسين) وربطها بمحمّد بن الحنفية ابن علي بن أبي طالب، وهذا ما جعل الثائرين يلتفّون حوله، وقد اطمأنّوا إلى عدل ثورته وتمامها.

ولقد وقع عبد الله بن مطيع عامل ابن الزبير بالكوفة في خطأ قاتل حينما أقدم على محاربة الثائرين مع المختار بنفس الرجال الذين تولّوا قتل الحسين، بعمر بن الحَجّاج، وشمر بن ذي الجوشن، وشبث بن ربعي وغيرهم، ممّا أثار في نفوس الثائرين كوامن الانتقام، وذكّرهم بالجريمة النكراء التي اقترفها هؤلاء في كربلاء، فكان هذا كافياً لإثارة عنفهم الذي تبدّى فيما بعد.

وكما وقع ابن مطيع بمقتل، أنصف المختار بتوليه الحكم في طبقة (الموالي) وهم المسلمون غير العرب الذين كان عليهم واجبات المسلمين ولم تكن لهم حقوقهم، وكان الاُمويّون يضطهدونهم. وقد أثار إنصاف المختار لهم حفيظة الأشراف وسادة القبائل فتكتّلوا ضدّه وأجمعوا على حربه(١) .

وكان تكتّلهم سبباً حفّز المختار للتعجيل في تتبّع قتلة الحسين وآله في كربلاء، فتعقّبهم وأعمل فيهم القتل، ولم يترك منهم مَن أحصى عليه ضربة أو كلمة في كربلاء وما قبلها وما بعدها(٢) .

وكان عنيفاً مع اُولئك الذين شاركوا في مجزرة كربلاء، فلم يترك ضارباً أو متكلّماً أو

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤ / ٥١٧.

(٢) ذكرت عدّة مصادر ومنها الطبري: أنّ المختار قتل في يوم واحد مئتين وثمانين رجلاً.

١٨١

ناهباً إلاّ وأوقع عليه عنفه، فقتل عبيد الله وأحرقه، وقتل شمر بن ذي الجوشن وألقى أشلاءه للكلاب، وطارد المئات والاُلوف من جندهم وأتباعهم، فأغرقهم بالنهر، ولم ينجَ من غضبه عمرو بن الحجّاج وشبث بن ربعي وغيرهم.

وكانت هذه القسوة التي تبدّت في ثأر المختار إحدى حكم معجزات الشهادة التي أدّاها سيّد الشهداء، فكانت العدل الكامل في ثوب الإبادة، وكانت قصاصاً بآثمي العاشر من محرّم استحقّت الثناء والمباركة.

وكان قصاصاً اتّخذ له من اُولئك الآثمين في محرّم وقوداً، وجعل من جوف الكلاب قبراً للكلب الأبقع شمر الذي رآه الحسين في منامه يشدّ عليه أكثر من غيره. فسبحان القادر مسيّر الأحوال، وموحي القصاص، ومدبّر العدل.

ثورةُ مطرف بن المغيرة

ولم تنقضِ سنوات معدودة على ثورة المختار حتّى كان مطرف بن المغيرة بن شعبة يثور على الحَجّاج بن يوسف ويخلع عبد الملك بن مروان والي الحَجّاج على المدائن.

وقد كتب إلى أنصاره يدعوهم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه وإلى جهاد مَن عَنَدَ عن الحقّ، واستأثر بالفيء، وترك حُكم الكتاب؛ وذلك ليظهر الحقّ ويمنع الباطل. ولا بدّ للمتبصّر في دعوة مطرف من ملاحظة استمدادها روح كربلاء.

ثورةُ ابن الأشعث

وتستمرّ روح كربلاء في التفاعل بين المجتمعات، وتمتدّ نارها إلى تحت

١٨٢

العروش، فلا تستكين الجماعات حيث تصلها هذه الروح، ولا تبقى عروش حيث تصلها النار.

فبعد أن قمعت المدينة وانتفاضة الكوفة، تأجّجت في سنة ٨١ للهجرة ثورة بقيادة ابن الأشعث هزّت الحكم الاُموي الذي كان على رأسه الحَجّاج، ودامت حتّى عام ٨٣ بعد أن أحرزت انتصارات ضخمة قبل أن يقضي عليها الحَجّاج بجيوش سوريّة(١) .

ثورةُ زيد بن علي بن الحسين

وقد بدأها في سنة ١٢٢ هـ على هَدي ثورة جدّه، مقتبساً روحها في كربلاء، وقد رفع لها شعاراً(يا أهل الكوفة، اخرجوا من الذلّ إلى العزّ، ومن الدنيا إلى الدِّين) (٢) .

وقد استجابت لدعوة حفيد الشهيد الحسين جماهير عريضة في طول البلاد الإسلاميّة وعرضها، فبويع على الثورة في الكوفة والبصرة وواسط والموصل وخراسان والرَي وجرجان، وكان مقدّراً لهذه الثورة أن تكون أكبر الثورات المتفجّرة من شرارات كربلاء لولا أن تمّ إعلانها قبل موعد استكمال تجهيزها، وفي توقيت مختلف عن التوقيت المتّفق عليه بين زيد وبين أهل الأمصار التي لبّت دعوته.

وقد تعرّضت هذه الثورة لأخطار عدّة؛ بسبب الجيش الاُموي السوريّ الذي كانت قواعده في العراق، إذ ما لبث هذا الجيش أن قضى عليها قبل أن تبدأ فاعليتها.

____________________

(١) حلّل هذه الثورة المؤرّخ ولها وزن في كتابه (الدولة العربيّة) / ١٨٩ - ٢٠٣ وذكرها الطبري في (ثورة ابن الأشعث).

(٢) مقاتل الطالبيّين / ١٣٩ والدولة العربيّة / ٢٧١.

١٨٣

وكان من نتيجة هذه الحركة أن تولّدت منها طائفة تُدعى (الزيديّة) برهنت على استعدادها للاشتراك في كلّ ثورة ضدّ السلطة الغاشمة.

واستمرّت الثورات هنا وهناك آخذة شرارات اشتعالها من شرارات كربلاء المتّقدة أبداً، ولم يعد للحكم الاُموي من شاغل إلا ّالتصدّي لها واستنباط الوسائل للقضاء عليها.

وجاءت ثورة العبّاسيين لتضع الخاتمة النهائيّة لتفجّر الثورات التي استهدفت الحكم الاُموي الذي كان مثالاً لفساد الحكم والعروش. واستطاعت بما رفعته من شعارات وتزوّدت به من مبادئ الكفاح الحسيني أن تنتصر في النهاية وتطيح بحكم بني اُميّة، فإذا بالدولة الاُمويّة العريضة ذات العدد والعدّة تذهب بلا وناء في وقت أقلّ من عمر رجل مثل معاوية.

ورغم أنّ ثورة العبّاسيين لم يكن لها ذلك الدَور الجذري في تبديل واقع الشعب المسلم، فيما عدا تبديلها للحاكمين فوق العروش، فإنّ بنجاحها هذا لم تتوقّف الثورات بعدها، بل استمرّت مشتعلة أبداً، إذ قد توفّر للعروش دوماً أشباه ليزيد، بينما ثمّة حسين واحد كان لعِظَم وخلود مبادئه أن كانت تلد في كلّ يوم ولكلّ جيل ثائرين جدداً يتصدّون للعمل بنورها العلوي، ورفع راية الجهاد الحسيني الذي أضحى سِمة لكلّ جهاد في كلّ زمان ومكان نبت فيهما يزيد جديد.

وهكذا تمّت معجزات الشهادة التي أقدم عليها الحسين (عليه السّلام) وآله وصحبه الأطهار، وبلغت مداها - وإن لم تتوقّف عنده - بالثورات الزمنيّة التي هدّت عروش الظلم وأطاحت بحكم كان من المستحيل الإطاحة به لولا ما قدّمته شهادة الطفّ من معجزات كان لها فعل السحر في النفوس والضمائر والمجتمعات.

١٨٤

وإذا كانت معجزات استشهاد عيسى (عليه السّلام) قد تشابهت مع معجزات شهادة الحسين (عليه السّلام) في فعلها داخل الضمائر والأخلاق والمجتمع، فإنّها لم تتشابه معها في المعجزة الزمنيّة التي تمثّلت في سقوط الحاكمين، إذ انتهت شهادة المسيح عند حدود الضمائر والأخلاق ومناطق العقيدة، بينما تجاوزتها شهادة الحسين إلى إتمامها بمعجزات زمنيّة؛ وذلك لحكمة إلهيّة تدبّر وتسيّر.

فمن عجائب هذه الحكمة أن تجري هذه الحوادث والثورات التي تلت الشهادة كَلِماً على لسان مَن وقعت بجريرة قتله، وذلك قبل وقوعها بعشرات السنين بنفس الشكل الذي صوّره الشهيد وكأنّه يقرؤها في لوح مكشوف أمام عينيه.

فبعد أن أنزل الله تعالى المذلّة على مَن أهانوا وقتلوا شهيده الحسين (عليه السّلام)، فغدوا أذلّ من قوم سبأ، تذكّر المسلمون نبوءة شهيدهم التي قالها ببني اُميّة في الرهيمة: «إنّ بني اُميّة شتموا عرضي فصبرت، وأخذوا مالي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت. وايم الله لَيقتلوني فيلبسهم الله ذلاً شاملاً، وسيفاً قاطعاً، ويسلّط عليهم مَن يذلّهم(١) حتّى يكونوا أذلّ من قوم سبأ؛ إذ ملكتهم امرأة فحكمت في أموالهم ودمائهم»(٢) .

تذكّر المسلمون هذه النبوءة واسترجعوا صور الذلّ التي ألبسها الله لبني اُميّة، وكيف أهينوا وشرّدوا وولّوا هاربين متعقّبين وقُتلوا بأعداد هائلة ومُثّل بهم، وأُنزلت بهم فظاعات من التنكيل لم تكن لتخطر ببال بني اُميّة ولا ببني هاشم يوم صُرع الحسين(٣) .

____________________

(١) أمالي الصدوق / ٩٣، المجلس الثلاثون.

(٢) روي الحديث بتمامه في مقتل الخوارزمي ١ / ٢٢٦ ومثير الأحزان - لابن نما.

(٣)( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ) (سورة النساء / ٩٣).

١٨٥

وفي المواقف المتشابهة تبرز الكلمات التي قيلت، سيّما إذا كانت تحمل استشفافاً بعيداً للمستقبل، فقد تذكّر المسلمون قولة شهيدهم أمام ولده وأخواته وأهل بيته يوم نزل بكربلاء قال وهو يبكي: «اللّهمّ إنّا عترة نبيّك محمّد قد اُخرجنا وطُردنا وأُزعجنا عن حرم جدّنا، وتعدّت بنو اُميّة علينا، اللّهمّ فخذ لنا بحقّنا وانصرنا على القوم الظالمين»(١) .

وأخذ الله تعالى بحقّ المكروب والمبتلى بكربلاء، وكانت أيّما أخذة بالحقّ، تطايرت بها رؤوس بني اُميّة التي تعدّت على عترة النبي وأخرجتها وأزعجتها، فلم يرَ مظلوم أخذ حقّه بمثل ما أخذ حقّ المظلوم الحسين من القوم الذين ظلموه(٢) .

وقد روى الحاكم في مستدركه قولاً للخطيب عن ابن عباس فقال: أوحى الله تعالى إلى محمّد: إنّي قتلت بيحيى بن زكريّا سبعين ألفاً، وأنا قاتل بابن بنتك سبعين ألفاً وسبعين ألفاً.

وكأنّ سبحانه وتعالى لمّا رأى عِظَم عذاب الحسين أعطاه سلطة وضع نهايات ظالميه بالشكل الذي يتصوّره ويصرّح به، وهذا ما يفسّره وقوع كلّ ما تنبّأ به وحذّر منه اُولئك الذين لطّخوا أيديهم بدمه ودماء أهل بيته.

وما قاله للذين يحيطون به من جند الأعداء في صحراء كربلاء قبل بدء المعركة، ليدخل في عِداد المعجزات التي ما اُوتيت إلاّ لعيسى (عليه السّلام)، فكأنّ الزمن

____________________

(١) (لاَ يَنْهَاكُمْ اللهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ)(سورة الممتحنة / ٨ - ٩).

(٢) (... وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً...) راجع نصّ الآية (سورة الإسراء / ٣٣).

١٨٦

تصرّم واختزل، وكأنّ عشرات السنين ليست بذي بال حيال ما قاله الشهيد للذين وقفوا يسمعونه، فكان من أمرهم بعد ذلك لا يختلف مقدار شعرة عمّا رسمه لهم من مصائر ونهايات.

قال لأعدائه: «أمَا والله لا تلبثون بعدها إلاّ كريثما يركب الفرس، حتّى تدور بكم دور الرحى، وتقلق بكم قلق المحور؛ عهدٌ عَهده إليَّ أبي عن جدّي رسول الله. فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة، ثمّ اقضوا إليَّ ولا تنظرون، إنّي توكّلت على الله ربّي وربّكم، ما من دابّة إلاّ هو آخذ بناصيتها إنّ ربّي على صراط مستقيم(١) . والله لا يدع أحداً منهم إلاّ انتقم لي منه؛ قتلة بقتلة وضربة بضربة، وإنّه لينتصر لي ولأهل بيتي وأشياعي»(٢) .

فماذا يمكن أن نسمّي هذا القول؟ نبوءة، رؤيا، سلطة علويّة خاصّة بالشهداء الأبرار، نفحة من السرّ الإلهيّ للمختارين؟ وإلاّ فكيف دالت الاُمور بعد سنوات معدودة من قول هذه الكلمات إلى نفس الشكل الذي حدّدته، وبنفس الكيفيّة التي جاهرت بها، فكانت القتلة بقتلة والضربة بضربة؟

ولنسمع الشهيد يكمل استقراء مستقبل الأيّام فيقول (عليه السّلام): «اللّهمّ احبس عنهم قطر السماء، وابعث عليهم سنين كسنيّ يوسف، وسلّط

____________________

(١) مقتل الحسين - المقرّم / ٢٨٧ عن تاريخ ابن عساكر ٤ / ٣٣٤ واللهوف / ٥٤.

(٢) مقتل العوالم / ٨٤.

١٨٧

عليهم غلام ثقيف(١) يسقيهم كأساً مصبّرة».

فكانت السنوات التي وقعت بين تاريخ مقتله وتاريخ سقوط آخر أمير اُموي ألعن من سني يوسف؛ تسلّط خلالها عليهم مَن هم أقسى من غلام ثقيف، فأذاقهم (زقاً) مصبرة، ولم يكتف بكأس واحدة، فتبدّد شملهم واندثر ذكرهم.

وكانت صرخته التي راحت شعاراً للثورة والمظلومين: «أمَا من مغيثٍ يغيثنا! أمَا من مجيرٍ يجيرنا! أمَا من طالب حقّ ينصرنا! أمَا من خائفٍ من النار فيذبّ عنّا!». قد أضحت أمراً لكثيرين كي يهبّوا لإغاثة مبادئه، فازداد المجيرون، وكثر طلاّب الحقّ المناصرين لحقّه، وصار عدد الخائفين من النار أكثر من عدد رمل البحر؛ يذبّون عن العقيدة التي تكلّم باسمها وعنى بها قوله (يذبّ عنّا)، فانقلبت الموازين، وغدا شعار إغاثة الحسين وإجارته ونصرته والذبّ عنه ناموساً وشريعة لدى كلّ المؤمنين؛ سواء أكانوا مسلمين، أو تحت أيّ دين أو عقيدة انضووا، وفي كلّ عصر ومصر، وغدا الحسين رمزاً وشعاراً واستلهاماً واُسلوباً.

ولئن تحدّثنا عن نبوءات الحسين التي تحقّقت بعد ردح من الزمن، فإنّنا لن نغفل ما ألهمته هذه النبوءات للعقيلة زينب (عليها السّلام)، من استقراء للمستقبل القريب وهي التي كانت قريبة على الدوام من أخيها تسمع كلّ ما يلفظه فوه من كلام، وكانت تحفظ في قلبها استلهام أخيها الشهيد، فيوحي لها هذا الاستلهام بكلّ ما تلفّظت به كاستقراء للمستقبل.

فها هي في واحدة من هذه الاستقراءات، حينما وقفت أمام يزيد وقالت له:

____________________

(١) هو المختار بن أبي عبيدة الثقفي.

١٨٨

اللّهمّ خذ لنا بحقّنا، وانتقم ممَّن ظلمنا، واحلل غضبك بمَن سفك دماءنا، وقتل حماتنا.

وإذا كان في قولتها هذه دعاء عامّ لكلّ مَن ظلمهم وقتل حماتهم، فإنّها هنا في هذه القولة تحدّد أكثر فتقول موجّهة كلامها ليزيد: فوالله ما فريت إلاّ جلدك ولا حززت إلاّ لحمك، ولتَرِدَنّ على رسول الله وآله بما تحمّلت من سفك دماء ذريّته وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته، حيث يجتمع شملهم، ويلمّ شعثهم، ويأخذ بحقّهم.

وهكذا أيضاً لم تشذّ الاُمور في ما تلا من أيّام عن هذا الاستلهام قيد أنملة، فكان يزيد ممَّن حزّ لحمه وفري جلده بيده، ودلّت ميتته وما تلاها على بعض ما ينتظره في الآخرة عندما يُحشر يوم القيامة ويُسأل عمّا تحمّله من سفك دماء عترة النبي (صلّى الله عليه وآله).

ولعلّ الإلهام المستقرّئ للمستقبل كان في عبارة العقيلة ليزيد واضحاً محدّد المعالم بشكل غريب إذ قالت له: فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك إلاّ فند، وأيّامك إلاّ عدد، وجمعك إلاّ بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين.

وقالت وهي مسبيّة: المستقبل لذكرنا، والعظمة لرجالنا، والحياة لآثارنا، والعلوّ لأعتابنا، والولاء لنا وحدنا.

وقالت لابن أخيها السجّاد قبل أن يترك ركب السبي أرض كربلاء: فوالله إنّ هذا لعهد من الله إلى جدّك وأبيك، إنّ قبر أبيك سيكون علماً لا يُدرس أثره، ولا يُمحى رسمه على كرور الأيّام والليالي، وليجتهد أئمّة الكفر وأشياع الضلال في محوه

١٨٩

وتطميسه، فلا يزداد أثره إلاّ علوّاً(١) .

وقد برهنت الأيّام وتكرار القرون على صدق هذا الاستقراء، فلم يرحض عار الجريمة عن يزيد حتّى فتكت به وراح بجريرتها، فكانت أيّامه عدداً وجمعه بدداً.

وكان المستقبل لذكر آل البيت (عليهم السّلام) مرهوناً، والعظمة لرجاله موقوفة، والحياة لآثارهم ناصعة، والعلوّ لأعتابهم يزداد، والولاء لهم وحدهم يتعمّق.

واحتلّ قبر الحسين الشهيد كعلم لا يُدرس أثره في الضمائر قبل الأرض، ولم يزده كرور الليالي والأيّام إلاّ رسوخ رسمه، وما زادته اجتهادات أئمّة الكفر وأشياع الضَلال إلاّ بروزاً وتثبيتاً، فازداد أثره علوّاً.

ولنَجِل عيوننا الآن إذا كنّا في شكّ من تمام هذه المعجزات التي اجترحتها شهادة سيّد الشهداء، لنَجِلها في كلّ البقاع والأصقاع باحثين عن أيّ أثر ليزيد أو معاوية أو شمر أو ابن زياد، فلا يمكن أن نعثر على أيّ أثر لهؤلاء، فقد اندرست آثارهم، وانمحى ذكرهم، وإذا ذكروا فلأجل لعنهم والدعاء لهم بنارٍ حامية لا تنطفئ.

ولنَجِل أبصارنا بالمقابل إلى أيّ مكان فوق هذا الكوكب، فيطالعنا خلود الحسين ونسمع اللهج بذكراه. ففوق كلّ مكان الحسين منارة هَدي، وفوق كلّ يمّ الحسين طوق نجاة، وفي كلّ مظلمة الحسين قبس من نور وحكمة، وأمام كلّ طاغية الحسين ثورة لا تبقي ولا تذر.

هو (عليه السّلام) ملء الأبصار والأسماع، أمل للحائرين والمظلومين، وبلسم

____________________

(١) كامل الزيارات / ٢٦١.

١٩٠

للمجروحين المحزونين، وشفاء لكلّ علّة اجتماعيّة وأخلاقيّة.

ولنرى الآن أين اُولئك الظالمون؟ وأين قبورهم؟ وكيف يُذكرون؟(١) لنقتنع بعظمة أقوال السبط العظيم، وبخلود مبادئه خلود الإنسان الذي كانت لأجله.

ويكفي يزيد مهانة أن يعلن ابنه معاوية الثاني أمام حشدٍ كبير براءته ممّا جنت أيدي أبيه وجدّه، ورفضه الجلوس على عرش ملوّث بدماء الحسين. ويكفي الحسين خلوداً وتكريماً أن يعلن ابن قاتله عن حمل شعلة ثورته والعمل بوحي من مبادئه.

ولنرى الآن كيف يكرّم المؤمنون على اختلاف أديانهم الحسين (عليه السّلام)، وكيف يستلهمون ثورته في قيامهم وقعودهم(٢) ، في صغائر اُمورهم الدنيويّة وكبائرها؟

فلنمجّد لله الذي كان رفوقاً بعباده إذ أعدّ لهم طوق خلاصهم، ورفع أمام بصائرهم الكليلة منارة الفضيلة والحقّ بشخص الحسين الشهيد. وإنّها لعبرة ودرس علوي لبني البشر؛ كي لا يعموا بصائرهم ويصمّوا آذانهم عن دعوات الحقّ التي يرسل لها تعالى أربابها لحكمة فوق مستوى إدراكهم.

قالت عزّته: وكما عَلَت السماوات عن الأرض كذلك طُرقي عَلَت على طُرقكم، وأفكاري على أفكاركم(٣) .

ونهضة الحسين (عليه السّلام) هي السفينة التي عناها الرسول الكريم، فمَن يركبها ينجو، ومَن يتخلّف عن ركوبها يغرق.

____________________

(١) قيل: إنّ يزيد مات أثناء تلهّيه بالصيد في (حوّارين) من بلاد الشام. ولم يعثر من جثّته إلاّ على فخذه، فنقلت إلى دمشق ودفنت قرب الباب الصغير اليوم في غرفة مهجورة ليس لها سقف، يرميها المارّون بالحجارة ويبصقون على العظام التي تضمّها، تبرّؤوا من يزيد ومن أفعاله المنكرة.

(٢) ذكرى عاشوراء تجديد لهذا الاستلهام، وإعادة لذكرى الفداء العظيم الذي أنقذ دين الإسلام من الفناء.

(٣) أشعيا ٥٥ / ٩ - ١٠.

١٩١

فما أجدر بالبشريّة وهي تجتاز في هذا العصر المظلم أخلاقيّاً واجتماعيّاً وسلطويّاً درب آلامها لأن تتوجّه نحو منارة الحسين كي لا تضلّ، وتتمسّك بأطواق مبادئه كي لا تغرق، وتسترشد بصرخته كي تبعد عنها وحوش الضلالة وثعابين الظلم والإذلال.

وما أحرانا الآن أكثر من أيّ وقت مضى لأن نستدفئ بحرارة قتل الحسين المنبعثة من قلوبنا حارّة لا تبرد أبداً. وهي حارة تستوطن قلوبنا، ولا داعي للبحث عنها بعيداً عن صدورنا، فهي جزء من حرارة قلوبنا، إذا كنّا مؤمنين.

ولنا في قولة الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله): «إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً» دافعاً لإدراك حقيقة جوهريّة لطالما تغافلنا عنها، وهي أنّ حرارة قتل الحسين قد احتلّت قلوبنا وامتزجت في دمائنا وصارت خليّة من خلايانا، ولو لم تكن حرارته كذلك لَما أعطاها الرسول الكريم صفة الحتميّة التي لا تتحمّل تأويلاً.

فصلوات الله عليه لم يقُل: ستظلّ حرارة قتل الحسين حارّة فيعطيها صفة المرحليّة، ولم يقُل: اجعلوها حارّة في قلوبكم فيعطيها صفة البدء، ويعطينا خاصيّة الاختيار والتقرير بين جعلها حارّة أو تركها باردة، ولم يقُل: يجب أن يكون لقتل الحسين حرارة فيربطها بإرادة الإنسان، فتخضع لمبدأ الوجوب أو عدمه، بل كان في قولته (صلّى الله عليه وآله) تضمين حتمي بأنّ لقتل الحسين حرارة لا تبرد أبداً، وهو تضمين لا يحمل صفة التعمية أو اللبس، بل هو تأكيد مجزوم بأنّ قلب المؤمن هو مقرّ ومستقرّ حرارة استشهاد الحسين؛ لأنّ سدى هذا الاستشهاد من لحمة إيمان قلب المؤمن، فهو إذاً لا يحيا إلاّ بهذه الحرارة، وهذه الحرارة لا تتأجّج حيث لا تبرد

١٩٢

أبداً إلاّ في هذا القلب(١) .

قولة نبويّة فيها من إعجاز الحكمة الشيء الكثير لو عملنا بمقتضاها لتبدّلت حياتنا، وما أظنّ إلاّ أنّا عاملون بهذا المقتضى ملتفتون إلى ما فيه من جوهر، فحتمية اندفاعتنا العصريّة وما يحيق بها من مظالم وقهر ستؤول بنا في النهاية إلى حظيرة الحسين، حيث نجد فيها العدل والرحمة والطمأنينة، وننفض عن ذاتيّتنا كلّ وهنٍ وخوفٍ وشكٍّ.

فمَن أحقّ من المؤمن في الاستفادة من نتائج شهادة الحسين، ومَن أحقّ منه في الدفء المنبعث من هذه الشهادة، حيث يذوب أمامه صقيع أوهامه؟ فهلاّ كنّا من المؤمنين الذين كرّمهم تعالى بأن جعل لقتل الحسين في قلوبهم حرارة لا تبرد أبداً؟ وهل نحن أهلٌ لهذه التكرمة؟ وجديرون حقّاً بهذه الحرارة؟

قبل الإجابة لنسأل أوّلاً: هل وعَينا هذه الحرارة؟ وهل تأكّدنا من وجودها في قلوبنا(٢) ؟

____________________

(١) حرارة المشاعر في القلوب هي المُلهم للفكر والمحرّك لإرادة الفعل. وفي استيلاء حرارة الحبّ في القلب المُحبّ دافعاً له لإظهار مودّته وعطفه نحو محبوبه بقدر كبير من الجزل والحبور. وحرارة قتل الحسين (عليه السّلام) المستوطنة في قلوبنا تؤجّج في أفكارنا إلهامات إنسانيّة خيّرة. وفي قلوبنا التماعات قدمية عذبة، فننحو نحوها بجوارحنا لنذوب في نداء مجهولها، فتخضوضر مناطق اليبوسة في حنايانا. وفي هذا سرّ الحرارة والتأجّج.

(٢) التأكّد يكون بعدّة مظاهر أوّلها القدرة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصرة المظلوم.

١٩٣

١٩٤

الأسبابُ البعيدة للثورة

بواعث الثورة لدى الحسين لم تبدأ في عصره وعصر خصمه يزيد، بل كان لها جذور تاريخيّة بدأت منذ عهد قروم عبد مناف، ثمّ إلى قريش. فالهاشميّون والاُمويّون من اُرومة واحدة، إلاّ أنّهم يختلفون عن بعضهم بالأخلاق والمُثُل؛ إذ كان بنو هاشم أخلاقيّين أريحيّين، بينما بنو اُميّة نفعيّون دهاة سيّما مَن كان منهم في أصل عبد شمس من الآباء.

ولعلّ خير وصف للأُسْرَتَين ذلك الذي قاله نفيل بن عدي لمّا تنافر له عبد المطّلب وحرب بن اُميّة، فقال لحرب:

أبوك مُعاهرٌ وأبوه عفٌّ

وذادَ الفيلَ عن بلدٍ حرامِ

وكان نفيل يشير إلى فيل أبرهة الذي أغار به على مكّة، ويعني عن اُميّة بـ(معاهر) لِما عُرف عنه من تعرّضه للنساء، وما أشيع من أنّه ضُرب مرّة بالسيف لتعرّضه لامرأة من بني زهرة.

١٩٥

ولعلّ اختلاف الأمزجة والأخلاق هو الذي حدّد مسار أجيال أبناء هاشم وأبناء عبد شمس، فقد عُرف عن بني هاشم تعلّقهم وعملهم في القيادة الدينيّة، وعُرف عن عبد شمس عملهم في التجارة والسياسة.

وإذا اختلفت الأمزجة والطبائع بين البشر فلا بدّ من اختلاف النظرة إلى الاُمور، وإلى كيفيّة أخذها تبعاً لذلك؛ لذا كان من المحتّم أن تقوم المواجهة السافرة حيناً، والمبطّنة حيناً آخر بين فروع العائلتَين المنحدرتَين من عبد مناف.

وطبيعي إذا ما تفجّرت مثل هذه المواجهة وتفاقم بين الأُسْرَتَين الخلاف أن يعرف المطّلع - وقد خَبُر فارق الطبائع والأمزجة - مَن سيكون المعتدي، ومَن سيكون المعتدى عليه، ومَن يأخذ جانب الباطل، ومَن يأخذ جانب الحقّ.

ولو عرضنا هذا الأمر على مطلق إنسان لأجاب: بأنّ النفعي هو ممثّل الباطل، والأريحي هو ممثّل الحقّ. وعلى نفس المقياس يجيب أيضاً: بأنّ التاجر والسياسي هو مشعل فتيل الخلاف، على القائد الديني وداعية الأخلاق.

وإذا كان من غير المناسب أن نخوض في الأسباب التاريخيّة لخلاف بني هاشم وبني اُميّة في متن كتابنا التحليلي هذا، تاركين هذه المهمّة لكتب التاريخ الصرفة التي تهتمّ بسرد الحوادث دونما تحليلها وإبداء الرأي حولها، فإنّ ذلك لن يمنعنا من تقديم نبذة بسيطة عن هذا الخلاف مذ تفجّر حتّى وصلت نتائجه إلى عهد الحسين ويزيد، وما كان من الحوادث التي تلت.

وما دمنا لا نبغي التركيز على تلك الفترات التاريخيّة إلاّ فيما ينفعنا لمادّة هذا الكتاب الذي نتوجّه به للفكر المسيحي العربي والغربي أوّلاً، وللفكر الإسلامي ثانياً، فإنّ في تعريجنا السريع على تلك الفترة من شأنه إكمال الصورة المجزّأة لملحمة كربلاء، وما سبقها من أسباب وبواعث وأحداث، ما دمنا قد أكملنا الأجزاء التي تلتها، فصار

١٩٦

لزاماً علينا وضع الأجزاء التي سبقتها لإكمال صورتها النهائيّة.

صراعُ موروث

جذور الخلاف الاُولى تمتدّ إلى صراع موروث وتخاصم حاد منذ عهد الجاهليّة الاُولى بشرارة بدأت بين هاشم واُميّة، وامتدّت بين محمّد (صلّى الله عليه وآله) وأبي سفيان، واستمرّت إلى عهد علي ومعاوية، وانتهت بعهد الحسين ويزيد.

وقد جاءت وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) لتكشف عن استمراريّة تمكّن روح القبليّة بين المسلمين، إذ لم تمضِ ساعات على وفاة الرسول الأعظم حتّى بدأت المداولات هنا وهناك بمعزل عن جموع اُمّة الإسلام العريضة، وكلّها تبحث في مسألة الخلافة بعد النبي (صلّى الله عليه وآله).

فرأى الأنصار بأنّ الخلافة من حقّهم، ونازعهم فريق قريشي هذا المنطق. وكان عامل الذهول الذي أصاب المسلمين بوفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) قد جعلهم يتناسون عهد النبي إلى علي بن أبي طالب (عليه السّلام). وكانت هذه الروح القبليّة التي تأجّجت يوم السقيفة هي البذرة الاُولى للفتنة التي نشبت بين المسلمين.

وحينما تولّى عمر الخلافة فرض العطاء على مبدأ التفضيل، ففضّل السابقين على غيرهم، وفضّل المهاجرين على الأنصار، والعرب على العجم، والصريح على المولى، ومضر على ربيعة، والأوس على الخزرج(١) .

____________________

(١) شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد ٨ / ١١١، وتاريخ اليعقوبي ٢ / ١٠٦، وفتوح البلدان / ٤٣٧.

١٩٧

ولكن عمر ما كاد يدرك أخطار مبدئه هذا، السياسيّة منها والاجتماعيّة والدينيّة، ويرغب في تغييره، حتّى اغتيل(١) ، وخلفه عثمان وسار على نفس نهجه السابق.

وما عتمت الأحداث أن تطوّرت، وانقسمت الاُمّة الإسلاميّة إلى صفَّين؛ فكانت قريش - عدا بني هاشم - مع عثمان، والأنصار مع علي. ولعلّ أصدق موقفَين يصوّران حالة الجدل التي تفشّت وقتذاك هذان الموقفان: فقد قال عبد الله بن سعد بن أبي سرح الاُموي: أيّها الملأ إذا أردتم ألاّ تختلف قريش فيما بينها فبايعوا عثمان(٢) .

وقال عمّار بن ياسر: إن أردتم ألاّ يختلف المسلمون فيما بينهم فبايعوا عليّاً(٣) . ولمّا كان علي (عليه السّلام) مرشّح الأكثريّة المسلمة، وعثمان مرشّح الأرستقراطيّة القرشيّة، فقد فاز عثمان بالبيعة دون علي.

ومنذ ذلك اليوم دخل الاُمويّون في الحكم، وكان من نتيجة فوز عثمان أن صار أي مرشّح يرجو الخلافة لنفسه بعد أن رشّحه لها عمر. وقد وصف هذه النتيجة علي (عليه السّلام) بقوله: «لأسلمن ما سلمت اُمور المسلمين، ولم يكن فيها جَور إلاّ عليَّ خاصّة»(٤) .

وقد تفاعلت هذه الأحداث مع سياسة عثمان الفاسدة في المال والإدارة والحكم

____________________

(١) في تاريخ اليعقوبي، وشرح نهج البلاغة قال عمر: إن عشتُ هذه السنة ساويتُ بين الناس، فَلَم أفضّل أحمر على أسود ولا عربياً على عجمي، وصنعتُ كما صنع رسول الله وأبو بكر.

(٢) و (٣) شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد ٩ / ٥٩، وتاريخ الطبري ٤ / ٢٣٢ - ٢٣٣.

(٤) نهج البلاغة ١ / ١٥١.

١٩٨

فبدأ الانحراف الصريح في العقيدة ومبادئ الإسلام من يومها.

وقد ازداد الفساد في عهده فضرب كلّ الولايات الإسلاميّة، ممّا ألّب جموع المسلمين عليه فتنادوا إلى الثورة ضدّه بعد أن ضيق بأعمالهم، وبعثهم إلى أرض العدو كجنود - وجمّرهم - أي جمّدهم هناك، وحرم أعطياتهم ليطيعوه، ولكن هذه الأحداث انتهت بمقتل عثمان(١) .

ولايةُ علي (عليه السّلام)

بعد مقتل عثمان جاءت الجموع تطالب علياً بتولّي الحكم، لكنّه أبى عليهم ذلك؛ لأنّ للحكم تبعات سيّئة بعد ولاية عثمان، لذا قال لهم: «دَعُونِي وَالْتَمِسُوا غَيْرِي؛ فَإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَهُ وُجُوهٌ وَأَلْوَانٌ، لا تَقُومُ لَهُ الْقُلُوبُ وَلا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْعُقُولُ، وَإِنَّ الآفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ وَالْمَحَجَّةَ قَدْ تَنَكَّرَتْ. وَاعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ، وَلَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ وَعَتْبِ الْعَاتِبِ، وَإِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ، وَلَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وَأَطْوَعُكُمْ لِمَنْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ، وَأَنَا لَكُمْ وَزِيراً خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً»(٢) .

ولكنّ المسلمين أبوا عليه هذا الرفض، فاستجاب لهم وبويع بالحكم، وقد بدأ (عليه السّلام) بإصلاح الإدارة التي أفسدها عثمان، ونجح في ذلك. وقد قال بهذا الصدد:

____________________

(١) مروج الذهب - المسعودي

(٢) نهج البلاغة ١ / ٢١٧.

١٩٩

«وَلَكِنَّنِي آسَى أَنْ يَلِيَ أَمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ سُفَهَاؤُهَا وَفُجَّارُهَا؛ فَيَتَّخِذُوا مَالَ اللَّهِ دُوَلاً، وَعِبَادَهُ خَوَلاً، وَالصَّالِحِينَ حَرْباً، وَالْفَاسِقِينَ حِزْباً».

وقضى الإمام على الفروق الجاهليّة، وكان مبدؤه بهذا الصدد: «الذليل عندي عزيز حتّى آخذ الحقّ له، والقويّ عندي ضعيف حتّى آخذ الحقّ منه»(١) .

ولم يمضِ بعض الوقت حتّى وضع الإمام علي الاُمور بنصابها وأحقّ الحقّ وقضى على التفاوت الطبقي، ممّا أثار حفيظة قريش فأرسلوا له الوليد بن عقبة بن أبي معيط يفاوضه؛ كي يضع عنهم ما أصابوه من مال أيّام عثمان على أن يبايعوه، ولكنّ الإمام رفض، فبدأت الدسائس والمؤامرات، وكان أوّلها حركة تمرّد في البصرة تحت شعار (الثأر لعثمان)، فقمعها الإمام، وفرّ مَن بقي من أنصارها إلى الشام، حيث قامت حكومة برئاسة معاوية بن أبي سفيان انضوى تحت لوائها كلّ الموتورين الذين ساءهم إصلاح حال الاُمّة الإسلاميّة على يد علي (عليه السّلام).

ولم تدُم الأيّام طويلاً فولدت حركة تمرّد اُخرى تحت شعار (الثأر لعثمان)، وكانت بزعامة معاوية فكانت معركة صفّين وكانت خدعة التحكيم، ثمّ النهروان، ثمّ مقتل علي (عليه السّلام)، ومبايعة ابنه الحسن، واضطراره للتخلّي عن الحكم تحت ضغط الأحداث وتوالي المؤامرات والدسائس.

انتقامُ معاوية من شيعة علي

وصارت الاُمور إلى معاوية وسيطر على الاُمّة الإسلاميّة كلّها، يسوسها

____________________

(١) نهج البلاغة ١ / ٢١٨.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258