الحسين (عليه السلام) في الفكر المسيحي

الحسين (عليه السلام) في الفكر المسيحي23%

الحسين (عليه السلام) في الفكر المسيحي مؤلف:
الناشر: انتشارات الهاشمي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 258

الحسين (عليه السلام) في الفكر المسيحي
  • البداية
  • السابق
  • 258 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 55489 / تحميل: 10174
الحجم الحجم الحجم
الحسين (عليه السلام) في الفكر المسيحي

الحسين (عليه السلام) في الفكر المسيحي

مؤلف:
الناشر: انتشارات الهاشمي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الحسين (عليه السّلام) في الفكر المسيحي

١

٢

الحسين (عليه السّلام) في الفكر المسيحي

٣

جميع الحقوق محفوظة للمؤلِّف

ص. ب ٢٦٠٩٥ - الصفاة كويت

الطبعة الاُولى ١٣٩٨ هـ - ١٩٧٨ م - كويت

الطبعة الثانية ١٤٠٠ هـ - ١٩٨٠ م - كويت

طبعة مزيدة ومنقّحة

* * *

٤

الفصل الأوّل

٥

اسم الكتاب: الحسين (عليه السّلام) في الفكر المسيحي

المؤلّف: أنطوان بارا

عدد الصفحات: ٣٦٧ صفحة

الناشر: انتشارات الهاشمي

المطبعة: نمونه

تاريخ النشر: ١٩٨٤ م / ١٤٠٤ هـ محرّم

حقّ الطبع محفوظ

٦

مقدّمة الكتاب

ضمير الأديان إلى أبد الدهور

الدكتور أسعد علي

- ١ -

إنّ للألم سرّاً يتّصل بينبوع السّرور، بل يتدفّق منه كما ينشق (الأمل) من حروف (الألم) بقليل من حركيّة التركيب والتواصل بين الحروف (ألم = أمل). هذا على مستوى التركيب اللغويّ الواضح.

أمّا على مستوى الرّوح الواسع كالرّيح فظاهر المظاهر خفيّ السّرائر يكتشفه أهل الذّوق في سِير الأنبياء والشهداء والصّالحين.

- ٢ -

في الإنجيل - والإنجيل يعني: البشارة - صلّى السّيد المسيح (عليه السّلام) عشيّة تسليمه، وناجى الله قائلاً: «إن كان يُستطاع فَلتعبُر عنّي هذه الكأس، لكن ليس كمشيئتي بل كمشيئتك؛ أمّا الرّوح فمستعدٌّ، وأمّا الجسد فضعيف، ولكن كيف تتمّ الكتب

٧

فإنّه هكذا ينبغي أن يكون؟»(١) .

ضعفُ الجسد مصدر الألم، واستعداد الرّوح لتنفيذ المشيئة العليا، يصلها بينبوع السّرور الخالد.. فلا موت.. والنّصر الحقيقيّ لا يكون إلاّ انسجاماً مع التوجّه الينبوعي الطاهر.. وهل ينتصر مَن يخسر نفسه ولو ربح العالم(٢) ؟

بهذا المقياس الانتصاري، ماذا يقول العالَم بثورة الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام)؟ هل انسجم الحسين مع التوجّه الينبوعيّ الطّاهر، فكان منتصراً في شهادته وشهادة آل بيته؟

فطن المؤرّخون والباحثون لرمزيّة الثورة الحسينيّة، واستعذبوا تكرار السّيرة الحسينيّة؛ استلهاماً لها واستقواءً بروح صاحبها(٣)

- ٣ -

يقول الباحث الشابّ السيّد أنطون بارا في بحثه الجديد (الحسين في الفكر المسيحيّ) ما خلاصته: لم يسجّل التاريخ شبيهاً لاستشهاد الحسين في كربلاء، فاستشهاد الحسين وسيرته عنوان صريح لقيمة الثبات على المبدأ، ولعظمة المثاليّة في أخذ العقيدة وتمثّلها.

____________________

(١) متّي ٢٦ / ٤٠ - ٥٥.

(٢) المصدر نفسه ١٦ / ٢٦، فإنّه ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه؟

(٣) يلاحظ ما كتبه عباس محمود العقّاد، والشيخ عبد الله العلايلي، والشيخ محمّد مهدي شمس الدين، وكثيرون غيرهم.

٨

لذلك غدا حبّ الحسين الثائر واجباً علينا كبشر، وغدا حبّ الحسين الشهيد جزءاً من نفثات ضمائرنا.

فقد جاءت صيحة الحسين نبراساً لبني الإنسان في كلّ عصر ومصر، وتحت أيّة عقيدة انضوى؛ إذ إنّ أهداف الأديان هي المحبّة والتمسّك بالفضائل لتنظيم علاقة الفرد بربّه أوّلاً، وبأخيه ثانياً(١) .

إنّ بحث السيّد أنطون بارا بمجمل فصوله(٢) يؤكّد حقيقة تجلّت له، وجسّدها بقوله: فقد كان الحسين (عليه السّلام) شمعة الإسلام أضاءت ممثّلة ضمير الأديان إلى أبد الدهور(٣) .

إنّ هذه النتيجة مثيرة للغاية؛ لأنّها تحكم الماضي والمستقبل، ومقياس الحُكم فيها ثورة الحسين الواقعيّة.. ثمّ مثاليّة الرّمز في شخصيّته. فكيف يخرج هذا الحكم الذي يبدو وكأنّه انخطاف بالتأثّر حتّى الغلوّ؟ هل مثّل الحسين ضمير الأديان في الماضي؟ وهل يمثّله في المستقبل؟

- ٤ -

ضمير الأديان بمقياس المسيحيّة وصيّتان:

____________________

(١) الحسين / ٦٦.

(٢) لاحظ عناوين الفصول: لمَن ثورة الحسين؟ ثورة الوحي الإلهي، فداء الحسين في الفكر المسيحي، معجزات الشهادة، في ضمير الإسلام، في المجتمع، في الزمن، حكمة اختلاف الشهادتين، أسباب ثورة الحسين، قريبة وبعيدة، في عهد يزيد، الخروج، آخر أقوال سيّد الشهداء ومواقفه، مقتله، الجزيرة التي أسقطت أميّة، المسيح هل تنبّأ بالحسين؟ كربلاء الأرض المقدّسة، ضمير الأديان أفضال وألقاب، سمو الشهادة في علم الجمال.

(٣) الحسين / ٦٥.

٩

أحبب الربّ إلهك بكل قلبك وكلّ نفسك وكلّ ذهنك. هذه هي الوصيّة العظمى والاُولى.

أحبب قريبك كنفسك. هذه هي الوصيّة الثانية التي تشبه الأولى. بهاتين الوصيّتين يتعلّق الناموس كلّه والأنبياء(١)

إنّ ضمير الأديان محبّة لله وتحابّ بين العباد، كما يُفهم من عبارة السيّد المسيح، فكيف يفهم ضمير الأديان من عبارة القرآن؟

- ٥ -

آيات المحبّة في القرآن الكريم تؤكّد ضمير الأديان هذا، فضمير الأديان: محبّة وتحابّ، ومن صيغ التعبير عن هذه الحقيقة: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (٢) .

قوم الله يحبّونه، وهو لذلك يحبّهم. فدينه المحبّة، ولا يقبل قوماً يرتدّون عن هذا الدين، أو يتقاعسون في تنفيذ أخلاقه التي أشارت إليها الآية: رحمة، وشدّة، وجهاداً، وشجاعة(٣) .

هذا ضمير الأديان في الصّيغة الإسلاميّة، وفي الصّيغة المسيحيّة السّابقة.

____________________

(١) متّي ٢٢ / ٣٨ - ٤١.

(٢) سورة المائدة / ٥٤.

(٣) تلاحظ رسالة: عبد الله خلف، حول حقيقة الحبّ في القرآن..

١٠

إنّها المحبّة والتحابّ، فكيف مثّله الحسين بن عليّ بالثورة؟

خير الأمم أمّة هَديت إلى الحقّ فَهَدت به والتزمته بالعدل(١) ، وما الحقّ الذي يجعل الاُمّة خير الاُمم؟

إنّه الإخلاص لله، والتعايش بالمعروف المطهّر من المنكر(٢) .

النّصوص القرآنيّة تؤكّد مقاييس خير الاُمم بصيغة جديدة لدين الحبّ والتحابّ، فهل كانت ثورة الحسين تمثيلاً عمليّاً لضمير الأديان هذا؟

- ٧ -

يقول الحسين (عليه السّلام): «إنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي، اُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فمَن قَبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومَن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ وهو خير الحاكمين».

حلّلت هذا النصّ مرّة أمام أصدقاء من الشّعب والعلماء في بيروت سنة ١٩٧٥، وناقشنا مبادئ الأديان المركّزة فيه، إنّما جاء تركيزها ميدانيّاً، فالحسين يقرّر واقعة خروجه للثورة، ويعلن غاية ثورته طلباً للإصلاح في اُمّة

____________________

(١) لاحظ نصوص الآيات الواضحة( وممّن خلقنا أمّة يهدون بالحقّ وبه يعدلون ) (سورة الأعراف / ١٨١).

(٢)( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ) (سورة آل عمران / ١١٠)

( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ.... * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ ) (سورة الأعراف / ١٥٦ - ١٥٧).

١١

جدّه الذي بُعث للنّاس جميعاً، كما يعلن أصول ثورته الإصلاحيّة فهي أمر بالمعروف ونهي عن المنكر. حتّى يكون انسجام الإنسان مع الحقّ، فما هي دروس الثورة المعروفة في ضمير الأديان(١) والتي أوضحها الحسين بحبر جديد من دم الشهادة المحرّرة المنقذة؟

- ٨ -

من دروس المعروف الخالدة في الثورة الحسينيّة: الحريّة، الإيثار، التطوّر، الإبداع.

ألا تمثّل هذه الدروس ضمير الأديان إلى أبد الدهور؟ ولكن كيف نفهمها في عصرنا كما أرادها الحسين بن علي في ثورته؟

أمثّل لذلك بمقاطع من (جامعة الحسين): أوّل دروس المعروف (الحريّة)، ويقابلها من مظاهر المنكر (العبوديّة)، فكلّ المظاهر التحكميّة أو التسلّطيّة أو الاستغلاليّة، إنّما هي مظاهر للعبودية وزبانيّة لها..

وثورة الحسين كانت وثبة شجاعة من أعماق سجون التسلّط في عصره ليخترق جدران العبوديّة مطلقاً هواء الحريّة بالفداء في فضاء الزمان؛ ليصل الهواء النقي ببعضه، من ماضٍ وحاضرٍ وآتٍ.. فالهواء حرّ من طبعه الحرّية ولا يستطيع الحياة بين جدران. الهواء الحرّ يُحيي، والهواء الحبيس يقتل.

____________________

(١) تأمّل التفاصيل في (جامعة الحسين بن علي) / ٢٣ - ٣٠ وقارن بالآيات المشار إليها (سورة الأعراف / ١٥٦، ١٥٧، ١٨١)، وسورة آل عمران / ١١٠.

١٢

حرّر الحسين، بوثبته الفدائيّة، هواء تتنفّسه النفوس الحرّة الشريفة؛ لأنّه أكّد عذوبة الموت، طلباً للإصلاح الإنسانيّ.

وإن كان الموت بهذا المستوى من العذوبة، فلماذا يستعبد الخوف الإنسان؟ لماذا لا يندفع كالسّهم الملتهب فيحترق ويخترق؟

إنّ الاحتراق الخارق حرّية فائقة المذاق. إنّه الشهادة التي تثمر الشهداء (أشهد أن لا إله إلاّ الله) عنوان جامعة الشهادة، أي الحرّية؛ لأنّ هذه العبارة تعني عدم الخضوع لغير الله والخضوع لله حرّية؛ لأنّ مَن يخضع لله يتقوّى بقوّته ويتحوّل بحوله.

والشهداء خرّيجو هذه الجامعة التي تصنع الأحرار وتدعو عشّاق الحريّة في كلّ سبيل(١) .

أمّا الدرس الثاني من دروس المعروف فهو الإيثار، ويقابل الإيثار من مظاهر المنكر الأنانيّة.

فكلّ الأعمال التي تجعل الآخرين وأشياءهم وقفاً لأنا الفرد المتسلّط، تعتبر من أشواك الأنانيّة أو من ثمارها الشائكة.

وثورة الحسين (عليه السّلام) إنّما هي خروج محبّ من أجل الجماعة، ولو كان هذا الخروج الثوريّ مودّياً بحياته وحياة أبنائه وبناته، إنّ الحسين يطلب الإصلاح في اُمّة جدّه، خير أمّة أخرجت للناس بثلاث مواقفها: الإيمان، والأمر،

____________________

(١) جامعة الحسين / ٢٦ - ٢٧ طبعة بيروت، ١٩٧٥.

١٣

والنهي(١) ، تلك المواقف المكتوبة في التوراة والإنجيل(٢) .

لقد آثر الحسين صلاح اُمّة جدّه - الإنسانيّة الهادية بالحقّ، العادلة به(٣) - على حياته، فانطلق إلى كربلاء؛ ليكون عاشوراء، وليبقى الفداء ضمير الأديان المطوّر والمبدع(٤) .

كذلك يفهم درس التطوّر في ثورة الحسين، وكذلك يفهم درس الإبداع فيها. وبمثل هذا الفهم يكون التحرّر من مظاهر المنكر جموداً وتخلّفاً وتقليداً أعمى.

- ٩ -

أليس ضمير الأديان إيقاظاً مستمرّاً وتذكيراً دائماً بهذه المبادئ التي فداها الحسين في عاشوراء؟

أليست الحرّية والإيثار - كما فهمناهما من ثورة الحسين - جوهر وصيَّتَي الإنجيل العظميين؟

- ١٠ -

لقد أثار السيّد أنطون بارا في كتابه (الحسين في الفكر المسيحيّ) إثارات تدعو الإنسانيّة المعاصرة إلى مزيد من التأمّل؛ لمعرفة الحقّ الذي يحرّر كما يقول السيّد المسيح، فهل يتأمّل المعاصرون(٥) ؟

____________________

(١) لاحظ نص الآية (١١٠) من سورة آل عمران.

(٢) لاحظ نص الآية (١٥٧) من سورة الأعراف.

(٣) لاحظ الآية (١٨١) من سورة الأعراف.

(٤) جامعة الحسين / ٢٧ - ٢٨.

(٥) لاحظ مثلاً كيف تنبّأ المسيح بالحسين / ٢٩٥ وما بعدها. إنّ هذا يثير ما يقال: في نبوءة سليمان ومن قبله نوح، فما معنى إجماع الأنبياء على هذا؟

١٤

دمشق ٢١ / ٥ / ١٩٧٩

٢٤ ج ٢ سنة ١٣٩٩ هـ

د. أسعد علي

* * *

١٥

١٦

مقدّمة الطبعة الثانية

سماحة الكاتب الإسلامي

السيّد محمّد بحر العلوم

بسم الله الرّحمن الرّحيم

أمرٌ رائع جداً أن يلتقي الفكران الإسلامي والمسيحي في قضيّة من أهمّ القضايا العقائديّة، وينتهي بهما المطاف إلى نتيجة واحدة هي الحق والعقيدة، والاستجابة لنداء الرسالة، والنضال في سبيلها بإيمان وشموخ.

فالمصدر لهذين الخطّين واحد، ومسارهما التاريخي لن يختلف، فمن الله تلك الرسالة السماويّة قد بعثت لمكارم الأخلاق تهدي الاُمّة وتنقذها من الجهالة والظلم.

فكانت رسالة المسيح (عليه السّلام)، وكانت رسالة محمد (صلّى الله عليه وآله) رسالتين هزّتا ضمير العالم، وأجّجتا فيه كلّ مشاعل الأمل، وأثّرتا فيه العطاء.

ولابدّ أن تكونا كذلك؛ لأنّهما رسالة السماء لإنقاذ البشريّة، فقد كان المجتمع في حينه ولا يزال بحاجة إلى هذا النبع الصافي لتزهر التربة بكلّ أنواع الخير: خلقاً، فضيلةً، كرامةً، وعيشاً رغيداً من أجل رفعة الإنسان وإبراز طاقاته الخلاّقة في بناء مجتمع صالح.

١٧

ولم يكن الإمام الحسين (عليه السّلام) إلاّ ذلك الامتداد الثرّ لرسالة جدّه رسول الإنسانيّة محمّد (صلّى الله عليه وآله)، ومن أجل تقويم تلك الرسالة نهض بموقفه المضحّي لتصحيح مسار الاُمّة، الذي انحرف نتيجة تحرّك الفئة الضّالة لاجتثاث تلك القيم الإنسانيّة التي جاء بها محمّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

وكان تماماً ذلك الموقف الذي برز بقيادة المسيح (عليه السّلام) من قبل؛ لأجل تدعيم كلمة الحق في مجتمع تغلغل فيه الجهل، وانتشر فيه الظلام، فكان ما كان من تعنّت وتطاول على كرامة الرسالة السماويّة. فكادوا أن يغتالوا الشمس والحق، ولكنّ الله رفعه إلى سمائه حماية لإنسانه الخالد. هذا هو المسيح.

والحسين (عليه السّلام) بمسيرته الفدائيّة قد صافح السّيف، وعانق الرّماح، وأعطى القرابين تلو القرابين من أجل عقيدته، وبذلك يكون قد نال القسط الأوفر من الفداء والتضحية من يوم إسماعيل حتّى عهد المسيح؛ لذلك لم تحظِ ملحمة إنسانيّة في التاريخين القديم والحديث بمثل ما حظيت به ملحمة الاستشهاد في كربلاء من إعجاب ودرس وتعاطف. هكذا يقول الكاتب الفاضل (أنطون بارا) في كتابه (الحسين في الفكر المسيحي)، ويصفها بأنّها الاُولى والرائدة والوحيدة والخالدة في تاريخ الإنسانيّة مذ وجدت وحتّى تنقضي الدّهور، إذ هي خالدة خلود الإنسان الذي قامت من أجله.

إنّ العقيدة تصهر الإنسان لدرجة تجعله وحدة متلاحمة مع معاني الكمال والسمو، بحيث لا يمكن الفصل بينهما ولو بحدود شعرة.

وليس كبيراً على الحسين بن علي (عليه السّلام) رائد الإنسانيّة ومَثَلها الأعلى، أن يكون صاحب ثورة أُولى ورائدة ووحيدة وخالدة، بعد محمّد وعلي (عليهما الصّلاة والسّلام).

١٨

والحسين من محمّد كالرّوح من الجسد، والحسين من علي ولده الذي حمل كلّ خصائصه ومقوّماته الرائعة منذ أول يوم لامست عيناه نور الوجود، فالعقيدة مصبّ زاخر يبدأ من محمّد لعلي ثمّ الحسين، فإذا كان في هذا الامتداد، فهو من الرسالة الإسلاميّة ذلك اللبّ الأصيل، وإذا كان ذلك اللّب الرسالي الإسلامي الأصيل، فهو لا يختلف عن اللبّ الرسالي المسيحي، المسيح.

إنّها حلقة واحدة وإن تطاولت العصور، فهي من الله دعوة لهداية البشر.

ويمرّ زمان، ويأتي مَن تهمّه هذه الحقيقة ليشبك الروافد الرساليّة في مصبّ واحد. فإذا كان الاُستاذ جورج جرداق قد كتب بالأمس عن النبعة الصافية الإمام علي لعقيدة السّماء، ليؤكّد على هذا الارتباط بين المسيحيّة والإسلام، جاء اليوم الكاتب الأديب (أنطون بارا) ليمدّ الشراع ويسير نحو هذا المصبّ، ويكتب في ثورة الحسين من خلال مظلّة الفكر المسيحي، فشكراً وألف شكر لمَن يقوم بتوثيق الأواصر، وتدعيم المحبّة والاُلفة بين أنصار السّماء.

والكتاب حاز على إعجابي من خلال قراءتي له - وإن كنت أقف منه في بعض النقاط موقف الملاحظ - ولكن لا أرى المجال لذكرها؛ نظراً لعدم تأثيرها على شعوري بقيمة الكتاب اُسلوباً ومضموناً.

وأخيراً، أرجو للكاتب كلّ الخير والموفّقيّة في محاولته المبدعة، مبتهلاً إلى الله أن يدفع لنا بالنتاج تلو النتاج في هذا المضمار، وهو ولي التوفيق.

محمّد بحر العلوم - الكويت

٢٣ / شوال - ١٣٩٩ هـ - ١٤ / ٩ / ١٩٧٩ م

١٩

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وقبضك إِليه باختياره.

اللَّهُم فاجعل نفسي مطمئنة بقدرك، راضية بقضائك، مولعة بذكرك ودعائك، مُحبَّة لصفوة أوليائك... ).

فالملاحَظ هنا أن النصّ ارتكن إلى ( الإيقاع ) في قراري ( الراء ) و( الهمزة )، كما أن ( توازن ) الجُمل ساهم في تجلية الإيقاع المذكور ؛ ممّا يجعل النصّ ليس مجرد تعبير عادي، بل يجسّد تعبيراً له جماليته التي ابتعثها ( الإيقاع ) على النحو المذكور.

وهذا فيما يتصل بعنصر ( الإيقاع ).

أما فيما يتصل بعنصر ( الصورة )، فيمكننا ملاحظته في:

نموذج رقم (٣):

من زيارة للحسين (ع):

( أشهد أنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة، والأرحام المطهّرة. لم تنجّسك الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسك من مدلهمّات ثيابها. وأشهد أنك من دعائم الدين، وأركان المؤمنين... ).

هذا المقطع من ( الزيارة ) يتضمّن - كما هو بيّنٌ - حشداً متتابعاً من ( الصور )، أي التعبير غير المباشر، بحيث لم يتخلّلها نثرٌ غير صُوَري.. ومنها: صورتا ( لم تنجّسك الجاهلية بأنجاسها )، و( لم تلبسك من مدلهمَّات ثيابها )، فهذه الأخيرة - على سبيل المثال - تعتمد أطرافها على ( خبرة مألوفة )، هي: المدلهمّة من الثياب، أي المكثّفة أو شديدة السواد، حيث لم يكتف النص بخلع سمة ( السواد ) على الثياب تعبيراً رمزياً عن مجرد وساخة السلوك الجاهلي، بل تجاوزه إلى ( السواد المكثّف )، أي شديد السواد، معبّراً بذلك عن أشد أشكال الوساخة الجاهلية.

فالنص استطاع بهذا النمط من التركيب الصوري أن يستثير القارئ وينقله إلى تجارب الفكر الجاهلي في أشد أشكالها مفارقةً، مبيّناً أن الإمام الحسين (ع) وُلِدَ نقيّاً لم تعْلَق به أيَّة وراثة طارئة من بيئة الجاهليّة، التي تسلّلت، أو احتفظت بعناصرها، في أصلاب كثيرٍ من الأشخاص الذي تمرّدوا على قيم الإسلام وأطلقوا لشهواتهم العنان في ممارسة السلوك العدواني.

مضافاً إلى ذلك فإن البناء الهندسي لهذا المقطع من ( الصور ) المتلاحقة، التي بدأت بالحديث عن ( الأصلاب الشامخة )، و( الأرحام

١٨١

المطهَّرة )، ثم وصلها بما لم ( ينجّس ) بما هو جاهلي، ولم ( يُلبس بما هو مدلهمّ ) منها، ثم وصلها - بعد ذلك - بصورتي ( الدعائم ) و( الأركان)...

أقول: إن هذا الحشد من ( الصور الفنية )، قد صيغ وفق بناء هندسي مُتلاحمٍ متآزرٍ متواشجٍ، ينتقل بنموٍّ وتطويرٍ فنيّين: مِن الأرحام، إلى الثياب، مروراً بعدم التلوّث بالمفارقات، بحيث تُستكمل - من خلالها - ( صورة ) استمرارية، متواصلة الأجزاء بعضها بالآخر، تماماً كما هو الحال في بناء العمارة التي تتناسب طوابقها بعضاً مع الآخر.

المهم، أن كلاًّ من عنصر ( الصورة ) و( البناء الهندسي )، لها في هذا النص - فضلاً عمّا لحظناه من عنصر ( الإيقاع ) في النصّ الأسبق - ما يدلّنا على أن ( الزيارة )، بصفتها نمطاً واحداً من أشكال التعبير، تظلّ مثل سائر الأجناس الأدبية المأثورة عن ( التشريع)، شكلاً تعبيريّاً له خصائصه الفنِّية على اختلاف عناصرها.

١٨٢

الحديث الفنّي

نقصد ب- ( الحديث الفني ): الأحاديث التي تعتمد عنصر ( الصورة ) بخاصة شكلاً لها - علماً بأنَّ عنصر ( الإيقاع ) ينتظم بدوره كثيراً من الأحاديث - بالقياس إلى غالبيّة الأحاديث التي تعتمد التعبير المباشر شكلاً خارجيّاً لها.

و( الحديث ) هو: مجرد تقريرٍ أو توصيةٍ فقهيّة أو أخلاقية أو فكريّة، يُتناوَل من خلال كلماتٍ محدودة، إِلاّ أن الكثير منه يتّجه إلى التعبير غير المباشر عن المضمونات التي يستهدف المشرّع توصيلها إلى القارئ.

ويُلاحظ أن ( العنصر الصوري ) الذي ينتظم قسماً من الأحاديث التي نتناولها بالدراسة، يجد مستوياته الثلاثة من التركيب الفنّي، ونعني بها: ( الصورة البسيطة )، ( الصورة المركّبة )، ( الصورة الاستمرارية ).

ولنتقدم ببعض النماذج، ونبدأ ب-:

الصورة الاستمرارية:

قال (ع):

( إنما المرء في الدنيا غرضٌ تنتضل فيه المنايا، ونهبٌ تبادره المصائب.. ومع كلّ جرعة شَرْق، وفي كلّ أكلة غُصَص.. ولا ينال العبدُ نعمةً إِلاّ بفراق أخرى، ولا يستقبل يوماً من عمره إلاَّ بفراق آخر من أجَلِه. فنحن أعوان المنون، وأنفسنا نصب الحتوف. فمن أين نرجو البقاء وهذا الليل والنهار لم يرفعا من شيءٍ إلاّ أسرعا الكرة في هدم ما بنيا، وتفريق ما جمعا ؟! ).

إن هذه ( الصورة الاستمرارية ) حافلة بأشدّ الأطراف إثارة من حيث تفريعها وتشابكها. إنها تريد أن تقول لنا بأنّ كلاًّ من ( الموت ) و( شدائد الحياة ) هما نصيب الدنيا، وإلى أننا - بذواتنا نحن - نساعد الموتَ على تحقيق هدفه حيالنا، لكن كيف ذلك ؟

١٨٣

هذا ما تضطلع به ( الصورة الاستمرارية ) التي تثري تجاربنا وتدفع بنا إلى استجابة فاعلة في عملية ( التعديل ) للسلوك. ويعنينا منها معالجة أطراف الصورة، ممّا نبدأ بتفكيكها أوّلاً:

المرء في هذه الدنيا مثل ( الهدف ) الذي تتّجه المنايا إلى إصابته.. هذا من حيث الموت.

وحتى من حيث ( الحياة ) ذاتها، فإن المرء فيها فريسة للشدائد، فما أن يَتناول جرعةً من الماء حتى يغصّ بها فمه، وما تناول طعاماً إلاّ غصّ به ( الماء والطعام هنا ( رمزان ) للذائد الحياة، بصفة أن التغذية منحصرة بهما ) ممّا يعني أن النصّ يريد أن يقول لنا: ( إن اللذائذ مشفوعة بالشدائد ).

والآن: إذا كانت الحياة مرشَّحة للانطفاء، واللذائذ مشفوعة بالشدائد، حينئذٍ: كيف يتحرّك الإنسان حيالهما ؟ انطفاء كلٍّ من الحياة واللذائذ يسير جنباً إلى جنب مع استمراريتهما أيضاً ؛ إذ لا يتاح للإنسان أن يظفر بنعمة إلاّ ويفارق أُخرى، ولا يستقبل يوماً من عمره إِلاّ بفراق آخر من أجَلِه.

ولنقف مليّاً عند هذه ( المعادلة ) المدهشة التي يتغافلها الإنسان إننا بقدر ما نفرح بمرور يومٍ جديدٍ علينا، ينبغي أن نحزن على اليوم السابق عليه أيضاً، لأنَّ مضيّ ( السابق ) مؤشرٌ إلى ( نقصٍ ) من العمر. إِذن: نحن أعوان ( الموت ) عِبْر فرحنا باستقبال اليوم الجديد. وإذن - أيضاً - فيم التفكير باستمرارية الحياة !!

إن أدنى تأمل لهذه الصورة الاستمرارية، كافٍ بأن يغيّر استجابة الإنسان، وينقله من ظاهرة تغافله عن ( الحياة ) إلى الوعي الحادّ بها.

والمهم، أن الصورة الفنيّة - على النحو الذي حلّلناه - ساهمت من خلال الاستعارات والرموز المختلفة، بتعميق الدلالة المتنوعة التي استهدفها الحديث في هذا الصدد، وهو أمرٌ لم يتح للتعبير - إذا كان مباشراً - أن يتوفّر عليه بهذا النحو من الإثارة التي لحظناها في الصورة الفنيّة التي قدّمها (ع).

الصورة المركّبة:

قال (ع):

( مثل الدنيا مثل ماء البحر: كلَّما شرب منه العطشان ازداد عطشاً حتى يقتله ).

إن هذه الصورة المركَّبة من عمليتين: ( الدنيا وماء البحر )، و( الشرب والقتل )، تجسّد

١٨٤

بوضوح هدفَ مثل هذه الأداة الفنيّة بدلاً من التعبير المباشر.

فبدلاً من أن تقول التوصية: إن الدنيا تجرُّ صاحبها إلى ( الإحباط ) بدلاً من ( الإشباع ).. أقول: بدلاً من أن يتمّ تقرير هذه الحقيقة بلغة عادية، لا تحمل القارئ على مزيدٍ من الاستثارة والتأمّل، تتجه إلى عنصر ( الصورة ) بغية حمل القارئ على التنبّه لدقائق السلوك وتفصيلاته، التي تفضي - من خلال الطموح الدنيوي - إلى حرمان الشخصية في نهاية المطاف من تحقيق إشباعه. فإذا كان ( الهدف ) من وراء اللهاث نحو الحياة هو ( الإشباع)، حينئذٍ فإن ( عدم الإشباع ) هو الذي سيتوِّج سلوك الشخصية، أي على العكس تماماً من هدفها.

وهذه الحقيقة لا يتاح لها أن تتبلور بهذا النحو من الوضوح إلاّ من خلال ( صورة )، أو تقديم ( مَثَل )، أو ( تشبيه ) بين الطموح الدنيوي وبين نتائجه، فكان ( المثل ) هو:

أولاً: تقديم ظاهرة حسّية مألوفة في حقل التجربة اليومية، وهي: ( ماء البحر ).

ثم: تقديم ممارسة مألوفة أيضاً، هي: الشرب.

ثم: استخلاص ظاهرة جديدة لم تذكرها الصورة، وهي: ملوحة الماء.

ثم: استخلاص الظاهرة المطلوبة من الصورة بشكل عام، وهي: ازدياد العطش.

ثم: استكمال الظاهرة المذكورة، وهي: القتل.

إِذن: نحن أمام خمسة عناصر من ( الأطراف ) التي تنتظم الصورة المتقدِّمة: حيث اختُزِل البعضُ منها ( الملوحة ) واستُخلِص منها أكثر من نتيجة ( ازدياد العطش، القتل )، فضلاً عن الاستخلاص العام الذي أدركه القارئ بوضوح: حينما عرف بأنّ اللهاث وراء الحياة الدنيا يؤدِّي إلى حرمان الشخصية من الإمتاع الذي تنشده.

* * *

ويمكننا ملاحظة الكثير من نصوص الحديث التي تتضمّن ( الصورة المركبة )، فيما تتميز عن ( الصورة الاستمرارية ) و(الصورة المفردة ) بأنها تتناول ظاهرة سريعة، وليس ( موقفاً ) يتطلّب بعض التفصيل الذي نلحظه في الصورة الاستمرارية.

كما أنها تتميز عن ( الصورة المفردة ) - التي سنتحدّث عنها - بكون هذه الأخيرة مجرد تركيبٍ لظاهرة مفردة، تتَّسم بالبساطة ولا تتطلّب أدنى تفصيل. بينا نجد ( الصورة المركبة ) تقف وسطاً بين نمطي الصورتين الاستمرارية والمفردة، بحيث تأخذ قسطاً من التفصيل، لا التفصيل الكامل، كما لا تكتفي بمجرد التركيب العابر.

١٨٥

ولعل غالبية ( الأمثال ) التي نلحظها في ( الحديث )، أي الصور التي تعتمد أداة الشبه (مثل)، تظلّ منتسبةً إلى الصورة المركّبة.

وإليك نماذج من ( الأمثال ) التي صاغها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الصدد.

( مَثل أهل بيتي مثل سفينة نوحٍ: مَن ركب فيها نجى، ومَن تخلّف عنها غرق )، ( مثل القلب مثل ريشةٍ بأرضٍ تقلّبها الرياح )، ( مثل المؤمن كمثل العطَّار: إنْ جالسته نفعك، وإنْ ماشيته نفعك، وإنْ شاركته نفعك ).

فالمُلاحظ في ( الأمثال ) المتقدّمة أن ( التفصيل ) يأخذ مساحة محددة، هي: الركوب والنجاة، والتخلّف والغرق ( في الصورة الأولى)، والريشة وقد قلّبتها الرياح ( في الصورة الثانية)، ونفع ( العطر ) في المجالسة والمشي والمشاركة.

ومن الممكن أن تتضمّن ( الأمثال ) صوراً استمرارية متداخلة كما ورد عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً، إلاّ أن ذلك نادرٌ بالقياس إلى ( المثل ) الذي يتناول عادةً صورة مركبة من طرفين متداخلين على النحو الذي لحظناه.

الصورة المفردة:

وهذا النمط من التركيب يشكّل الصورة المعروفة، التي طالما نواجهها في غالبية ( الأحاديث ) التي تتناول ظاهرة سريعة تتصل بسلوكٍ مفرد، أي بسمة أخلاقية أو عبادية بشكل عام، حيث لا يتطلّب الموقف أكثر من ( تقريب ) السمة أو السلوك بصورة حيّة، تعمّق من دلالتها لدى القارئ.

وإليك بعض النماذج:

قال الإمام عليّ: ( القناعة مالٌ لا ينفد ).

وقال الإمام العسكري: ( الغضب مفتاح كلّ شر ).

وقال الإمام الهادي: ( الدنيا سوق رَبَحَ فيها قوم وخَسِرَ آخرون ).

فالملاحظ في هذه ( الصور ) أنها تتناول ( تركيباً مفرداً )، هو: المال الذي لا ينفد، والمفتاح للشرّ، والربح أو الخسار في السوق. وقد ساهمت هذه الصور بتعميق الدلالة التي يستهدفها الأئمة ( ع ). فالقناعة، وهي سمة نفسية يتطلّب توضيحها شرحاً مفصّلاً يضطلع به عالم النفس أو عالم الأخلاق ؛ ليدلّل من خلال ذلك على أهمية القناعة وانعكاساتها على سلوك الشخصية من حيث تطلّعاتها إلى إشباع الحاجات، بينا اكتفى الإمام عليّ (ع)

١٨٦

بتركيب ( صورة )، هي: المال الذي لا ينفد. فترك القارئ يستخلص بنفسه أهمية القناعة بمجرد استحضاره لظاهرة المال الذي لا ينفد، حيث يتوفّر لديه بأن المال الذي لا حدود له يحقق أعلى مستويات الإشباع، وهذا يعني أن القناعة تحقّق المستويات المذكورة من الإشباع.

وإِذن، بهذا النمط من التركيب الصوري، أمكن للإمام (ع) أن يحدِّد مفهوم القناعة، دون الركون إلى الملاحظات والتحليلات النفسية التي يتطلّبها مثل هذا المفهوم.

والأمر ذاته حينما نتّجه إلى الصورتين اللتين قدّمهما الإمامان الهادي (ع) والعسكري (ع) في ملاحظتهما للدنيا وللغضب. فالدنيا وطريقة التعامل معها تتطلّب شرحاً مفصّلاً بدوره، إِلاّ أن الإمام الهادي (ع) اختزل كل ذلك من خلال صورة ( السوق ) التي تدرّ الربح أو الخسار، بقدر ما يستخدمه التاجر من ذكاءٍ اجتماعي في تصرفاته. و( الغضب ) - وهو سمة نفسية ذات انعكاسات متنوعة على السلوك - طالما تصاحبه انفعالات جسمية يعرض علماء النفس لآثارها تفصيلاً، كما يعرضون لانعكاساتها النفسية: من توتّر وصراع وما إليهما، فيما اختزل الإمام العسكري (ع) كلّ ذلك، وأوضحه من خلال صورة ( المفتاح ) الذي يجعل أبواب الشّرّ بكلّ مستوياتها مفتوحة حيال الغاضب، بحيث يستخلص القارئ كلّ الشرور الجسمية والنفسية التي يمكن أن تترتّب على ظاهرة ( الغضب ).

١٨٧

١٨٨

الفهرس

الإسلام والفن الدكتور محمود البستاني ١

الإسلامُ والفَن ٣

( كلمةُ المَجمع ) المقدمة: ٥

ما هو الفنّ ؟ ٧

الفنّ والالتزام ٩

الفنّ وعناصره: العنصر التخيُّلي ١٥

التخيّلُ والصورة ١٨

العنصرُ العاطفي ٢٢

العنصرُ الإيقاعي ٢٦

العنصرُ البنائي ٢٩

الفنّ وأشكاله الشِّعر: ٣١

الشِعرُ والأُغنية ٣٥

الشِعرُ والتجربة الجنسية ٣٩

القصّة والمسرحية ٤٢

الشخصية في العمل القصصي: ٤٧

الخطبة، الخاطرة، المقالة ٥٠

النحت والرسم ٥١

الفنّ واتجاهاته: الاتجاه التقليدي: ٥٤

الاتجاه الرومانسي ٥٥

الاتجاه الرمزي الاتجاه السريالي ٥٦

اتجاهات فكرية ٥٧

١٨٩

الفنّ ودراسته نظرية الفنّ: ٥٩

النقد الأدبي أو الفنّي ٦١

لغة النقد ٦٣

النقد واتجاهاته الاتجاه العقائدي: ٦٦

الاتجاه الجمالي: ٦٩

الاتجاه الاجتماعي: ٧١

الاتجاه النفسي: ٧٥

البلاغة والنقد ٨٠

تاريخ الأدب والفنّ ٨٤

الأدب التشريعي ٩٠

النصّ القرآني ٩٢

بناء القصة القرآنية قصة طالوت: ١٠٢

المباغتة والمماطلة والتشويق: ١٠٦

الزمان النفسي: ١١٠

الأبطال في القصة: ١١٥

عنصر الحوار في القصة: ١٢٢

[ أنماط الصور القرآنية: ] ١٣٦

العنصر الإيقاعي: ١٤٣

[ أدب السُّنَّة ] الخطبة: ١٤٥

( الكتاب... ) ١٥٢

( المقال... ): ١٦٢

الخاطرة...: ١٦٥

الدعاء ١ - السمات العامة: ١٧٠

١٩٠

٢ - السمة الموضوعية والفردية: ١٧٤

٣ - السمات الفنية: ١٧٥

الزيارة ١٧٩

الحديث الفنّي الصورة الاستمرارية: ١٨٣

الصورة المركّبة: ١٨٤

الصورة المفردة: ١٨٦

الفهرس ١٨٩

١٩١

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258