الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)0%

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 304

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد عبد الكريم الحسيني القزويني
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الصفحات: 304
المشاهدات: 142436
تحميل: 4413

توضيحات:

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 304 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 142436 / تحميل: 4413
الحجم الحجم الحجم
الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

كلّ جانب. فقاتلهم مسلم وحده مقاتلة الشجعان، وكافحهم مكافحة الأبطال حتّى أكثر فيهم القتل، واستنجدوا بعبيد الله أن يبعث إليهم بالخيل والرجال فأنجدهم، وأخذوا يرمونه بالنار والحجارة من فوق الدور(1) .

وعمدوا إلى مكيدة؛ فحفروا له حفيرة ووضعوا عليها الحطب والتراب، وبينما هو يهجم عليهم وهم يفرون من بين يديه إذ سقط مسلمعليه‌السلام في تلك الحفيرة، فهجموا عليه وضربوه بالسيف على شفته العليا، وأخذوا السيف منه وكتّفوه، وأخذوه إلى عبيد الله بن زياد.

فقال مسلم: إنّا لله وإنّا إليه راجعون. ثمّ بكى، فقيل له: إنّ مَنْ يطلب مثل الذي تطلب إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك.

فقال مسلم: «إنّي والله ما لنفسي أبكي، ولا لها من القتل أرثي وإن كنت لم أحبّ لها طرفة عين تلفاً، ولكن أبكي لأهلي المقبلين إليّ؛ أبكي لحسين وآل حسين»(2) .

____________________

(1) المصدر نفسه.

(2) المصدر نفسه / 280.

١٠١

34 - رسالة شفوية من مسلم إلى الحسينعليه‌السلام

ثمّ إنّ مسلم أقبل على محمّد بن الأشعث وقال له: «هل عندك خير؟ تستطيع أن تبعث من عندك رجلاً على لساني يبلغ حسيناً؛ فإنّي لا أراه إلاّ وقد خرج إليكم اليوم مقبلاً، أو هو خارج غداً هو وأهل بيته، وإنّ ما ترى من جزعي لذلك، فيقول: إنّ ابن عقيل بعثني إليك، وهو في أيدي القوم أسير، لا يرى أن تمشي حتّى تُقتل، وهو يقول: ارجع بأهل بيتك، ولا يغرّك أهل الكوفة؛ فإنّهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنّى فراقهم بالموت أو القتل. إنّ أهل الكوفة قد كذبوك وكذبوني، وليس لمكذوب رأي(1) ؟

فقال الأشعث: لأفعلن، ولأعلمن ابن زياد. ثمّ بعث الأشعث أياس بن العثل الطائي بهذه الرسالة الشفوية إلى الحسين في منطقة الزُّبالة.

35 - محاورة بين مسلم وابن زياد، دخول مسلم على عبيد الله بن زياد

ثمّ إنّ مسلم اُدخل على عبيد الله بن زياد فلم يسلّم

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 281.

١٠٢

عليه، فقال الحرس: سلّم على الأمير.

فقال مسلم: اسكت ويحك! والله ما هو لي بأمير.

فقال عبيد الله: لا عليك، سلّمت أم لم تسلّم فإنّك مقتول.

فقال مسلم: إن قتلتني، فلقد قتل مَنْ هو شر منك مَنْ هو خير منّي.

عبيد الله: قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الإسلام.

مسلم: أمّا إنّك أحقّ مَنْ أحدث في الإسلام ما لم يكن، وإنّك لا تدع سوء القتلة، وقبح المثلة، وخبث السريرة، ولؤم الغلبة لأحد أولى بها منك.

عبيد الله: يا عاق! يا شاق! خرجت على إمامك وشققت عصا المسلمين، وألقحت الفتنة؟!

مسلم: كذبت، إنّما شقّ عصا المسلمين معاوية وابنه يزيد؛ وأمّا الفتنة فإنّما ألقحتها أنت وأبوك زياد بن عبيد ابن بني علاج من ثقيف، وأنا أرجو أن يرزقني الله الشهادة على يدي شرّ بريته.

عبيد الله: منّتك نفسك أمراً حال الله دونه وجعله لأهله.

مسلم: ومَنْ أهله يابن مرجانة إذا لم نكن نحن أهله؟

١٠٣

عبيد الله: أهلهُ أمير المؤمنين يزيد بن معاوية.

مسلم: الحمد لله على كلّ حال، رضينا بالله حكماً بيننا وبينكم.

عبيد الله: أتظنّ أنّ لك في الأمر شيئاً؟

مسلم: والله ما هو الظنّ، ولكنّه اليقين.

عبيد الله: إيه ابن عقيل! أتيت الناس وهم جمع وأمرهم ملتئم فشتت أمرهم بينهم، وفرّقت كلمتهم وحملت بعضهم على بعض.

مسلم: كلاّ لست لذلك أتيت، ولكنّكم أظهرتم المنكر، ودفعتم المعروف، وتأمّرتم على الناس بغير رضاً منهم، وحملتموهم على غير ما أمركم الله به، وعملتم فيهم بأعمال كسرى وقيصر، فأتيناهم لنأمر فيهم بالمعروف، وننهى عن المنكر، وندعوهم إلى حكم الكتاب والسنّة، وكنّا أهلاً لذلك.

عبيد الله: وما أنت وذلك يا فاسق؟! لِم لم تعمل بذلك إذ أنت بالمدينة تشرب الخمر؟!

مسلم: أنا أشرب الخمر! أما والله إنّ الله ليعلم أنّك تعلم غير صادق، وإنّ أحقّ بشرب الخمر منّي وأولى بها مَنْ يلغ في دماء المسلمين ولغاً، فيقتل النفس التي حرّم الله قتلها،

١٠٤

ويسفك الدم الذي حرّم الله على الغضب، والعداوة وسوء الظن، وهو يلهو ويلعب كأن لم يصنع شيئاً(1) .

عبيد الله: فأخذ يشتمه ويشتم علياً، والحسن والحسين، وعقيلاً.

مسلم: أنت وأبوك أحقّ بالشتيمة، فاقض ما أنت قاض يا عدوّ الله.

عبيد الله: أين بكر بن حمران فليصعد به إلى أعلى القصر ويضرب عنقه، ويرمي بجثمانه من أعلى القصر(2) .

مسلم: يُصعد به إلى أعلى القصر وهو يكبّر ويستغفر الله ويسبّحه، ويصلّي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويقول: اللّهمّ احكم بيننا وبين قوم غرّونا وكذّبونا وخذلونا. ثم صلّى ركعتين وضُرب عنقه، ورمي بجسده من أعلى القصر(3) . وكان خروج مسلم بن عقيل يوم الإثنين، وقُتل عليه‌السلام يوم الثلاثاء لثماني ليال مضين من ذي الحجّة من يوم عرفة

____________________

(1) الكامل في التاريخ - ابن الأثير 3 / 274، تاريخ الطبري 4 / 283.

(2) انظر تفصيل ذلك في تاريخ الطبري 4 / 266 - 283، مقتل الحسين - محسن الأمين / 57 - 59.

(3) المصدر نفسه.

١٠٥

سنة 60 هجرية، وهو اليوم الذي خرج فيه الحسين من مكّة قاصداً العراق.

ثمّ أخرج هاني إلى سوق الجزارين وهو يقول: «وا مذحجاه! ولا مذحج لي اليوم، إلى الله المعاد. اللّهمّ إلى رحمتك ورضوانك». ثمّ ضرب عنقه تركي مولى لعبيد الله بن زياد. وربط رجليهما بحبل، وسحبوهما في السوق.

فرثاهما الشاعر بقوله:

إذا كنتِ لا تدرين ما الموتُ فانظري

إلى هانئٍ في السوقِ وابنِ عقيلِ

إلـى بطـلٍ قد هشّمَ السيفُ وجهَه

وآخـر يـهوي مـن طمارِ قتيلِ(1)

36 - كتاب ابن زياد إلى يزيد بن معاوية

ولمّا قتل هاني بن عروة ومسلم بن عقيل، حزّ رأسيهما وبعثهما إلى يزيد بن معاوية مع هاني بن أبي حيّة الوداعي، والزبير بن الأروح التميمي، وزوّدهما بكتاب، وهذا نصّه(2) : «أمّا بعد، فالحمد لله الذي أخذ لأمير المؤمنين بحقّه، وكفاه

____________________

(1) انظر تفصيل ذلك في تاريخ الطبري 4 / 284 - 285، ومقتل الحسين - محسن الأمين / 57 - 59.

(2) المصدران نفساهما.

١٠٦

مؤونة عدوّه، أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله أنّ مسلم بن عقيل لجأ إلى دار هاني بن عروة المرادي، وإنّي جعلت عليهما العيون، ودسست إليهما الرجال، وكدتهما حتّى استخرجتهما وأمكن الله منهما، فقدّمتهما فضربت أعناقهما، وقد بعثت إليك برأسيهما مع هاني بن أبي حيّة الهمداني والزبير بن الأروح التميمي، وهما من أهل السمع والطاعة والنصيحة، فليسألهما أمير المؤمنين عمّا أحبّ من أمر؛ فإنّ عندهما علماً وصدقاً، وفهماً وورعاً، والسّلام»(1) .

37 - كتاب يزيد إلى عبيد الله

ولمّا وصل الكتاب إلى يزيد بن معاوية وقرأه، كتب إليه جواباً: «أمّا بعد، فإنّك لم تعد إن كنت كما أحبّ، عملت عمل الحازم، وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش، فقد أغنيت وكفيت، وصدقت ظنّي بك، ورأيي فيك. وقد دعوت رسوليك فسألتهما وناجيتهما فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت، فاستوص بهما خيراً.

وإنّه قد بلغني أنّ الحسين بن علي قد

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 285.

١٠٧

توجّه نحو العراق، فضع المناظر والمسالح، واحترس على الظنّ، وخذ على التهمة، غير أن لا تقتل إلاّ مَنْ قاتلك، واكتب إليّ في كلّ ما يحدث من الخبر، والسلام عليك ورحمة الله»(1) .

38 - خطبة الإمام الحسينعليه‌السلام في مكة

اُخبر الإمام الحسينعليه‌السلام بأنّ يزيد بن معاوية قد زوّد عمرو بن سعيد بن العاص بخيل ورجال، وأمره أن يقبض على الحسين، ولو أبى لناجزه. ودس أيضاً ثلاثين رجلاً من شياطين بني اُميّة مع الحاج أن يغتالوا الحسين على أيّ حال اتفق ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة.

فخافعليه‌السلام أن يُغتال في الحرم فتهتك حرمة المسجد، وحرمة الشهر الحرام، فقال: «والله لئن اُقتل خارجاً منها بشبر أحبّ إليّ من أن اُقتل داخلاً فيها بشبر. وأيم الله، لو كنت في ثقب هامّة من هذه الهوام لاستخرجوني حتّى يقضوا فيّ حاجتهم، ووالله ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود في السبت»(2) .

____________________

(1) المصدر نفسه / 286.

(2) المصدر نفسه / 289.

١٠٨

فعجّلعليه‌السلام بالخروج من مكّة لهذا السبب قاصداً العراق، وخصوصاً بعد أن وصلته كتبهم، فعندما عزم تهيّأ للخروج، ثمّ قام فخطب قائلاً: «الحمد لله، وما شاء الله، ولا قوّة إلاّ بالله، وصلّى الله على رسوله، خُطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني(1) إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف. وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات(2) بين النواويس وكربلاء، فيملأنّ منّي أكراشاً جوفاً، وأجربةً سغباً، لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين.

لن تشذّ عن رسول الله لحمته، بل هي مجموعة له في حضيرة القدس، تقرّ بهم عينه، وينجز بهم وعده. ألا ومَنْ كان فينا باذلاً مهجته، موطّناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا؛ فإنّي راحل مصبحاً إن شاء الله تعالى»(3) .

وكانعليه‌السلام قد أحرم للحج، وأراد الإحلال من إحرامه،

____________________

(1) الوله: الحنين.

(2) عسلان الفلاة: الذئاب، والعسلان: الرماح.

(3) مقتل الحسين - محسن الأمين / 63.

١٠٩

فجعلها عمرة مفردة؛ لأنّه لم يتمكن من إكمال حجّه، مخافة أن يُقبض عليه، فطاف بالبيت وصلّى، وسعى بين الصفا والمروة، وقصّر من شعره، وأحلّ إحرامه.

39 - الحسينعليه‌السلام مع رجالات مكة

عندما علم الناس بعزم الحسينعليه‌السلام على الخروج من مكّة قاصداً العراق، جاءه نفر من إخوته وأبناء عمومته وأقربائه، ومن الصحابة وأبنائهم يشيرون عليه بعدم الذهاب إلى العراق، ويرجونه البقاء بالحجاز؛ لأنّه سيدهم وزعيمهم، كعمر بن عبد الرحمان المخزومي، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن جعفر الطيار، وعبد الله بن عمر، ومحمّد بن الحنفية وغيرهم(1) .

وكانعليه‌السلام يجيب كلاً من هؤلاء بجواب، مثل: «استخير الله وانظر ما يكون»(2) . وقال لآخر: «إنّ أبي حدّثني أنّ بها كبشاً يستحلّ حرمتها، فما أحبّ أن أكون أنا ذلك الكبش»(3) . أو مثل

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 288.

(2) مقتل الحسين - محسن الأمين / 63 - 64.

(3) المصدر نفسه.

١١٠

قوله لآخر: «أتاني رسول الله بعد مفارقتك، فقال: يا حسين، اخرج؛ فإنّ الله قد شاء أن يراك قتيلاً»(1) .

قيل له: فما حملك هذه النسوة معك؟ فقالعليه‌السلام : «إنّ الله شاء أن يراهن سبايا»(2) . وقالعليه‌السلام لبعضهم: «وأيم الله، لو كنت في ثقب هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتّى يقتلوني. والله ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود في يوم السبت. والله لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي، فإذا فعلوا ذلك سلّط الله عليهم مَنْ يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من فرام(3) المرأة».

ثم جاءه عبد الله بن عمر وأشار عليه بصلح أهل الضلال، وحذّره من القتل والقتال، فقال له الحسينعليه‌السلام : «هيهات يابن عمر! إنّ القوم لا يتركوني وإن أصابوني، وإن لم يصيبوني فلا يزالون حتّى اُبايع وأنا كاره أو يقتلوني. أما تعلم يا عبد الله أنّ من هوان الدنيا على الله تعالى أنّه اُتي برأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل؟! أما تعلم يا أبا عبد الرحمان أنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع

____________________

(1) المصدر نفسه.

(2) المصدر نفسه.

(3) الفارم: خرقة الحيض.

١١١

الشمس سبعين نبيّاً ثمّ يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كلّهم كأنّهم لم يصنعوا شيئاً، فلم يعجّل الله عليهم، بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر؟! اتق الله يا أبا عبد الرحمان ولا تدعن نصرتي»(1) .

ثمّ إنّهعليه‌السلام أمر إخوته وأولاده وبني أعمامه وأصحابه أن يسيروا بالظعائن والحريم، وذلك في يوم الثلاثاء أو الأربعاء، يوم التروية لثمان مضين من ذي الحجّة سنة 60 هـ، فاعترضته رسل عمرو بن سعيد أمير الحجاز من قبل يزيد ليردّوه ويمنعونه من المسير إلى العراق، فتدافع الفريقان وتضاربا بالسياط، وامتنع الحسين وأصحابه فنادوه: يا حسين، ألا تتقي الله تخرج من الجماعة وتفرّق بين هذه الأمّة؟

فتلا الحسينعليه‌السلام قول الله تعالى: «لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ »(2) . ثمّ سار الحسينعليه‌السلام ومعه ركبه، وهو يذكر يحيى بن زكريا وقتله،

____________________

(1) أعيان الشيعة 4 / 212، القسم الأول، كتاب الفتوح 5 / 38، 42، حياة الإمام الحسينعليه‌السلام / 320.

(2) سورة يونس / 41.

١١٢

ويقول: «من هوان الدنيا على الله أنّ رأس يحيى بن زكريا اُهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل».

حتّى مرّ بالتنعيم، فوجد فيها عيراً تحمل هدايا من الورس والحلل إلى يزيد بن معاوية، بعث بها عامله على اليمن، فأخذها وقال لأصحاب الجمال: «مَنْ أحبّ أن ينطلق معنا وفّيناه كراه وأحسنّا صحبته، ومَنْ أحبّ أن يفارقنا أعطيناه كراه». فبقي بعضهم مع الحسينعليه‌السلام وذهب آخرون(1) .

40 - الحسينعليه‌السلام والفرزدق

ثمّ أقبل الحسينعليه‌السلام حتّى انتهى إلى منطقة الصفاح، فلقيه الفرزدق بن غالب الشاعر، فواقف حسيناً وقال له: أعطاك الله سؤلك، وأملك فيما تحبّ، بأبي أنت وأمّي يابن رسول الله!

فقال له الحسينعليه‌السلام : «ما خلفت الناس؟».

فقال له الفرزدق: من خبير سألت؛ قلوبهم معك، وسيوفهم مع بني اُميّة، والقضاء ينزل من السماء، والله يفعل ما يشاء.

فقال له الحسينعليه‌السلام : «صدقت، لله الأمر، والله يفعل ما يشاء، وكلّ يوم ربّنا في شأن. إن نزل القضاء بما نحبّ فنحمد الله على

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 290.

١١٣

نعمائه، وهو المستعان على أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجاء، فلم يعتد مَنْ كان الحق نيّته، والتقوى سريرته، والسلام عليك»(1) . ثمّ حرّك دابته وسار.

41 - كتاب عبد الله بن جعفر الطيار إلى الحسينعليه‌السلام

ولمّا وصل نبأ خروج الحسينعليه‌السلام من مكّة إلى عبد الله بن جعفر الطيار، كتب كتاباً للحسينعليه‌السلام ، وبعثه مع ابنيه عون ومحمّد، جاء فيه: «أمّا بعد، فإنّي أسألك بالله لما انصرفت حتّى تنظر في كتابي؛ فإني مشفق عليك من الوجه الذي توجّهت له أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك. إن هلكت اليوم طفئ نور الأرض؛ فإنّك علم المهتدين، ورجاء المؤمنين، فلا تعجل بالسير؛ فإنّي في أثر الكتاب، والسّلام»(2) .

42 - جواب الحسينعليه‌السلام له

فأجابه الإمامعليه‌السلام قائلاً: «إنّي رأيت رؤيا فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واُمرت فيها بأمر أنا ماضٍ له، عليّ كان أو لي». فسُئل

____________________

(1) المصدر نفسه.

(2) تاريخ الطبري 4 / 291.

١١٤

ما هي تلك الرؤيا؟ قالعليه‌السلام : «ما حدّثت أحداً بها، وما أنا محدّث بها حتّى ألقى ربّي»(1) .

43 - كتاب عمرو والي يزيد على مكّة إلى الحسينعليه‌السلام

ثمّ إنّ عبد الله بن جعفر الطيار واصل سعيه وجهده، لدى عمرو بن سعيد والي يزيد على مكّة؛ كي يأخذ منه الأمان للحسينعليه‌السلام حتّى يرجع عن عزمه وخروجه إلى العراق، فطلب من عمرو بن سعيد أن يكتب كتاباً للحسين يمنّيه فيه بالأمان والإحسان والصلة، فاستجاب عمرو بن سعيد إلى عبد الله بن جعفر، وكتب كتاباً هذا نصّه:

«بسم الله الرحمن الرحيم. من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن علي. أمّا بعد، فإنّي أسأل الله أن يصرفك عمّا يوبقك، وأن يهديك لما يرشدك. بلغني أنّك قد توجّهت إلى العراق، وإنّي أعيذك بالله من الشقاق؛ فإنّي أخاف عليك فيه الهلاك، وقد بعثت إليك عبد الله بن جعفر ويحيى بن سعيد، فأقبل إليّ معهما؛ فإنّ لك عندي الأمان والصلة والبرّ وحسن الجوار، لك

____________________

(1) المصدر نفسه / 292.

١١٥

الله عليّ بذلك شهيد وكفيل، ومراع ووكيل. والسلام عليك»(1) ، وبعثه مع عبد الله بن جعفر وأخيه يحيى بن سعيد ليكون أكثر اطمئناناً وثقة.

44 - جواب الحسينعليه‌السلام لعمرو بن سعيد والي يزيد على مكة

ثمّ إنّ عبد الله بن جعفر ويحيى بن سعيد جاءا بالكتاب إلى الحسين، وهو في طريقه إلى العراق، وألحّا أن ينثني عن عزمه ورجوعه إلى بلده آمناً مكرماً، فأبى الحسينعليه‌السلام واعتذر إليهما بما قاله في جواب عبد الله بن جعفر: «إنّي رأيت رؤيا فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واُمرت فيها بأمر أنا ماضٍ له، عليّ كان أو لي».

فقالا: فما تلك الرؤيا؟

قالعليه‌السلام : «ما حدّثت أحداً بها، وما أنا محدّث أحداً حتّى ألقى ربّي».

ثمّ إنّهعليه‌السلام كتب جواباً لكتاب عمرو بن سعيد والي يزيد على مكّة، جاء فيه: «أمّا بعد، فإنّه لم يشاقق الله ورسوله مَنْ دعا إلى الله عزّ وجلّ، وعمل صالحاً، وقال إنّني من المسلمين. وقد دعوتَ إلى الأمان والبرّ والصلة، فخير الأمان أمان الله،

____________________

(1) المصدر نفسه / 252.

١١٦

ولن يؤمن الله يوم القيامة مَنْ لم يخفه في الدنيا، فنسأل الله مخافةً في الدنيا توجب لنا أمانه يوم القيامة، فإن كنت نويت بالكتاب صلتي وبرّي فجزيت خيراً في الدنيا والآخرة، والسّلام»(1) .

45 - كتاب الحسينعليه‌السلام الثاني لأهل الكوفة

ثمّ إنّ الإمام الحسينعليه‌السلام واصل سيره حتّى مرّ بوادي العقيق، فلقي رجلاً من بني أسد، يُسمّى بشر بن غالب قادماً من العراق فسأله عن أهلها. فقال: «خلفت القلوب معك، والسيوف مع بني اُميّة». فقالعليه‌السلام : «صدق أخو بني أسد، إنّ الله يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد».

ثمّ أقبل الحسينعليه‌السلام سائراً حتّى بلغ منطقة الحاجر من بطن الرمة، كتب كتاباً إلى جماعة من أهل الكوفة، منهم: سليمان بن صرد الخزاعي، والمسيّب بن نجية، ورفاعة بن شداد وغيرهم، وهو ثاني كتاب يرسله الحسينعليه‌السلام إليهم، وهذا نصّه: «بسم الله الرحمن الرحيم. من الحسين بن علي، إلى إخوانه

____________________

(1) المصدر نفسه / 292.

١١٧

من المؤمنين والمسلمين. سلام عليكم. فإنّي أحمد إليكم الله الذي لا إله إلاّ هو. أمّا بعـد، فإنّ كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم، واجتماع ملئكم على نصرنا، والطلب بحقّنا، فسألت الله أن يحسن لنا الصنع، وأن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر.

وقد شخصت إليكم من مكّة يوم الثلاثاء، لثمان مضين من ذي الحجّة، يوم التروية، فإذا قدم عليكم رسولي فاكمشوا أمركم وجدّوا؛ فإنّي قادم عليكم في أيامي هذه إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته»(1) . وختمه، وأرسله مع قيس بن مسهر الصيداوي (عليه الرحمة).

46 - رسول الحسينعليه‌السلام مع ابن زياد

لمّا وصل نبأ سير الحسين إلى العراق إلى عبيد الله بن زياد، أخذ استعداده العسكري الكامل، ووضع رجاله على الطرق الرئيسية. وكان الحصين بن تميم صاحب شرطته قد نزل في القادسية، ونظم خيله ورجاله ما بين القادسية ومنطقة خفان، إلى منطقة القطقطانة، إلى جبل لعلع، إلى البصرة.

ولمّا انتهى رسول الحسين قيس بن مسهر

____________________

(1) المصدر نفسه / 297.

١١٨

الصيداوي إلى القادسية اعترضه الحصين بن تميم ليفتّشه، أخرج قيس الكتاب وخرقه، فأخذه الحصين إلى عبيد الله بن زياد، فلمّا مثل بين يديه قال له عبيد الله: مَنْ أنت؟

قال قيس: أنا رجل من شيعة علي والحسينعليهما‌السلام .

عبيد الله: لماذا خرقت الكتاب؟

قيس: لئلا تعلم ما فيه.

عبيد الله: وممّن الكتاب؟ وإلى مَنْ؟

قيس: من الحسينعليه‌السلام إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم.

عبيد الله غضب قائلاً: والله لا تفارقني حتّى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم، أو تصعد المنبر فتسبّ الحسين بن علي وأباه وأخاه، وإلاّ قطعتك إرباً إرباً.

قيس: أمّا القوم فلا أخبرك بأسمائهم، وأمّا سبّ الحسين وأبيه وأخيه فأفعل.

قيس يصعد إلى المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأكثر من الترحم على علي والحسن الحسين، ولعن عبيد الله بن زياد وأباه وعتاة بني اُميّة، ثمّ قال: «أيّها الناس، هذا الحسين بن علي خير خلق الله، ابن

١١٩

فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنا رسوله إليكم، وقد خلفته بالحاجر فأجيبوه»(1) .

عبيد الله: أمر به فرمي من أعلى القصر، فتقطّع ومات (رضوان الله عليه).

الحسين يؤبّن قيساً

فبلغ الحسينعليه‌السلام قتله، فاسترجع واستعبر بالبكاء، ثمّ قرأ: «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً »(2) .

ثم قالعليه‌السلام : «جعل الله له الجنة ثواباً، اللّهمّ اجعل لنا ولشيعتنا منزلاً كريماً، واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك، وغائب مذخور ثوابك، إنّك على كلّ شيء قدير»(3) .

الحسين وعبد الله بن مطيع

ثمّ إنّ الحسينعليه‌السلام سار حتّى انتهى إلى ماء من مياه العرب وعليه عبد الله بن مطيع العدوي، فاستقبل الحسين

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 297، مقتل الحسين - محسن الأمين / 17.

(2) سورة الأحزاب / 23.

(3) انظر تفصيل ذلك في تاريخ الطبري 4 / 298، مقتل الحسين - محسن الأمين / 71.

١٢٠