الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)0%

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 304

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد عبد الكريم الحسيني القزويني
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الصفحات: 304
المشاهدات: 142381
تحميل: 4411

توضيحات:

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 304 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 142381 / تحميل: 4411
الحجم الحجم الحجم
الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وناشده عن عدم الذهاب إلى الكوفة، قائلاً له: «يابن رسول الله، أذكرك الله في حرمة الإسلام أن تنتهك، أنشدك الله في حرمة قريش وذمّة العرب، والله لئن طلبت ما في يدي بني اُميّة ليقتلوك، ولئن قتلوك لا يهابون بعدك أحداً أبداً، والله إنّها لحرمة الإسلام وحرمة قريش، فالله الله لا تفعل، ولا تأتِ الكوفة، وتعرض نفسك لبني اُميّة»، فأبى الحسين، ثمّ ودّعه وانصرف(1) .

47 - عبيد الله ومنع التجول

ثمّ لقي أعراباً فسألهمعليه‌السلام فقالوا: والله لا نعلم غير أننا لا نستطيع أن نلج ولا نخرج؛ لأنّ عبيد الله أمر أن لا يخرج ولا يلج أحد من واقصة إلى طريق الشام، إلى البصرة(2) .

48 - الحسينعليه‌السلام وزهير بن القين

وسار حتّى أقبل إلى ما فوق منطقة زرود فصادف زهير بن القين ومعه جماعة من فزارة وبجيلة، وكان من

____________________

(1) ذكر مجمل ذلك تاريخ ابن عساكر 3 / 68، حياة الإمام الحسين - القرشي 3 / 29، تأريخ الطبري 4 / 298.

(2) تاريخ الطبري 4 / 295.

١٢١

أبغض الأشياء إليه مقابلة الحسين؛ لأنّه عثماني العقيدة، فبعث الحسينعليه‌السلام خلفه وكان يتغذّى مع جماعته، فأسقط ما في أيديهم كأنّ على رؤوسهم الطير. فقالت له زوجته: سبحان الله! ابن رسول الله يدعوك فلا تجيبه؟! فأتاه زهير على كره، ثمّ رجع إلى أصحابه مستبشراً، وأمر بفسطاطه وثقله ورحله فحوّل إلى الحسينعليه‌السلام ، وقال لأصحابه: «مَنْ أحبّ منكم أن يتبعني، وإلاّ فهو آخر عهد منّي».

ثمّ قال: «سأحدثكم حديثاً؛ إنّا غزونا بلنجر، وهي بلدة في بلاد الخزر، ففتح الله علينا وأصبنا غنائم ففرحنا، فقال لنا سلمان الباهلي: إذا أدركتم قتال شباب آل محمّد فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم معهم بما أصبتم من الغنائم»(1) .

ثمّ قال لزوجته: أنت طالق، الحقي بأهلك؛ فإنّي لا أحبّ أن يصيبك بسببي إلاّ خيراً؛ لأنّي أفديه بروحي، وأقيه بنفسي. وسلّمها إلى بني عمومتها، فقالت له: خار الله لك! أسألك أن تذكرني يوم القيامة عند جدّ الحسين. فلزم الحسينعليه‌السلام حتّى قُتل.

____________________

(1) المصدر نفسه / 299.

١٢٢

49 - منطقة الثعلبية

ثمّ إنّهعليه‌السلام أخذ يسير بركبه حتّى مرّ بمنطقة الخزيمية، فأقام بها يوماً وليلة، فجاءته أخته زينبعليه‌السلام وقالت له: سمعت هاتفاً يهتف ويقول:

ألا يـا عـينُ فاحتفلي بجهدِ

ومَنْ يبكي على الشهداءِ بعدي

عـلى قـومٍ تـسوقهمُ المنايا

بـمقدارٍ إلـى إنـجازِ وعدِ

فقال الحسينعليه‌السلام : «يا اُختاه، كلّ الذي قُضي فهو كائن». ثمّ سار الحسينعليه‌السلام فوصل منطقة الثعلبية ممسياً.

50 - الحسينعليه‌السلام مع ابنه علي الأكبر

فوضع الإمامعليه‌السلام رأسه بين ركبتيه، فأخذته سِنة نوم، ثمّ أفاق فقال: «رأيت هاتفاً يقول: أنتم تسرعون والمنايا تسرع بكم إلى الجنّة».

علي الأكبر: يا أبه، أفلسنا على الحقّ؟

الحسينعليه‌السلام : «بلى يا بني والذي إليه مرجع العباد».

علي الأكبر: يا أبه، إذاً لا نبالي بالموت.

الحسينعليه‌السلام : «جزاك الله يا بني ما جزى ولداً عن والده».

١٢٣

51 - الحسينعليه‌السلام مع أحد الأعراب

ولمّا أصبح وإذا برجل من أهل الكوفة يُكنّى بأبي هرّة الأزدي، فسلّم على الحسين وقال: يابن رسول الله، مَنْ أخرجك من حرم الله وحرم جدّك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

فقال له الحسين: «ويحك يا أبا هرّة! إنّ بني اُميّة أخذوا مالي فصبرت، وشتموا عرضي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت. وأيم الله، لتقتلني الفئة الباغية، وليلبسهم الله ذلاً شاملاً، وسيفاً قاطعاً، وليسلطنّ الله عليهم مَنْ يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من قوم سبأ»(1) .

52 - الحسينعليه‌السلام يُخبر بقتل مسلم وعبد الله بن يقطر

ثمّ إنّ الحسينعليه‌السلام سار حتّى انتهى إلى منطقة زبالة، فسقط إليه خبر مسلم بن عقيل، وعبد الله بن يقطر، أخيه من الرضاعة، وكان قد بعثه من الطريق إلى مسلم، فأخذه رجال الحصين بن نمير بالقادسية، وجيء به إلى عبيد الله بن زياد، فقال له: اصعد فوق القصر والعن الكذّاب ابن الكذّاب حتّى أرى فيك رأيي.

____________________

(1) مقتل الحسين - محسن الأمين / 74.

١٢٤

فصعد عبد الله بن يقطر القصر، وأشرف على الناس وقال: «أيّها الناس، إنّي رسول الحسين بن فاطمة بنت رسول الله، لتنصروه وتؤازروه على ابن مرجانة وابن سميّة الدّعي». فأمر عبيد الله برميه من أعلى القصر فرمي، ثمّ حزّ رأسه(1) .

الحسينعليه‌السلام يؤبّن مسلم بن عقيل

ثمّ إنّ الحسينعليه‌السلام ترحّم على مسلم بن عقيل مراراً، ثمّ استعبر وقال: «رحم الله مسلماً، فلقد صار إلى روح الله وريحانه، وتحياته ورضوانه. أما إنّه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا، ولا خير في العيش بعد هؤلاء»(2) .

ثمّ أخرج كتاباً وقرأه على الناس، والأعراب الذين جاؤوا معه طلباً للرزق والعافية، وفيه: «بسم الله الرحمن الرحيم. أمّا بعد، فإنّه قد أتاني خبر فظيع؛ قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر، وقد خذلتنا شيعتنا، فمَنْ أحبّ منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج، وليس عليه

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 300.

(2) مقتل الحسين - محسن الأمين / 76.

١٢٥

ذمام»(1) .

فتفرّق عنه نفر كثير؛ لأنّهم جاؤوا معه ظنّاً منهم أنّه قد استقامت له الأمور، وصفا له الجو، فأحبّعليه‌السلام أن يخبرهم بذلك ليكونوا على بيّنة من أمرهم ومصيرهم؛ لئلاّ يُقال: إنّهعليه‌السلام غرّر بهم، وضلّل عليهم الأمر؛ لأنّهم اتّبعوه طلباً للرزق، فاستغل هذا الجانب لتكثير جمعه وزيادة أصحابه كما يستغلّ الكثير من أصحاب الثورات التي اندلعت بعد ثورة الحسينعليه‌السلام حاملين بعض الشعارات لتضليل بسطاء الناس وإغوائهم؛ وذلك زيادة في الجمع والعدد.

ولكن الحسينعليه‌السلام شريف في ثورته، ونبيل في استعمال وسائلها؛ فلهذا أخبرهم بذلك حتّى لا يبقى معه إلاّ مَنْ كان موطّناً نفسه على لقاء الله(2) .

53 - منطقة بطن العقبة

ولمّا كان وقت السحر أمرعليه‌السلام غلمانه وفتيانه، فاستقوا الماء وأكثروا، ثمّ سارعليه‌السلام حتّى مرّ بمنطقة بطن العقبة، فلقيه

____________________

(1) مقتل الحسين - محسن الأمين / 77، تاريخ الطبري 4 / 300.

(2) مقتل الحسين - محسن الأمين / 78، تاريخ الطبري 4 / 301.

١٢٦

عمر بن لوذان شيخ من بني عكرمة فسأله عن مقصده، ثمّ ناشد الحسينعليه‌السلام أن لا يذهب إلى الكوفة؛ لأنّه لا يقدم إلاّ على الأسنّة وحدّ السيوف.

فقال الحسينعليه‌السلام : «يا عبد الله، إنّه ليس يخفى عليّ، الرأي ما رأيت، ولكن الله لا يغلب على أمره. والله لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي، فإذا فعلوا سلّط الله عليهم مَنْ يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ فرق الأمم»(1) .

54 - منطقة (شراف)

ثمّ ارتحلعليه‌السلام من بطن العقبة سائراً حتّى نزل بمنطقة شراف، ولمّا مضى من الليل شطره أمر فتيانه بالتزوّد من الماء والإكثار منه، ثمّ سار حتّى انتصف النهار(2) .

55 - التقاء الحسينعليه‌السلام بأوّل كتيبة للجيش الأموي

وبينما هم سائرون، وإذا برجل من أصحاب الحسين كبّر، فقال الحسينعليه‌السلام : «الله أكبر، لِمَ كبّرت؟». فقال: رأيت النخلة. فقيل له: ما رأينا به نخلة قطّ، والله ما هي إلاّ أسنّة

____________________

(1) المصدر نفسه.

(2) تاريخ الطبري 4 / 302.

١٢٧

الرماح وهوادي الخيل.

فقال الحسينعليه‌السلام : «وأنا والله أرى ذلك، فهل لنا ملجأ نجعله خلف ظهورنا ونستقبل القوم؟». فقالوا: ذو حسم عن يسارك. فأسرع الحسين إليه، وضرب ابنيته وخيامه.

وإذا بمقدّمة الجيش الاُموي تعدّ بألف فارس وعلى رأسها الحرّ بن يزيد التميمي اليربوعي، وهم على أتمّ الاستعداد الحربي، متقلّدين سيوفهم ورماحهم، ولكنّ العطش قد أضرّ بهم، وكان وقت الظهيرة.

فقال الحسينعليه‌السلام لفتيانه: «اسقوا القوم وارووهم من الماء، وارشفوا الخيل ترشيفاً». فقام فتيانه وأرشفوا الخيل، وسقوا القوم حتّى أرووهم، وأقبلوا يملؤون القصاع والأنوار والطساس من الماء، ثمّ يدنونها من الفرس حتّى سقوا الخيل كلّها. وكان الحسينعليه‌السلام يروي القوم بيده أيضاً(1) .

الحرّ والحسينعليه‌السلام

ثمّ قال الحسينعليه‌السلام للحرّ بن يزيد: «ألنا أم علينا؟».

فقال الحرّ: بل عليك يا أبا عبد الله.

فقال الحسينعليه‌السلام : «لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم».

____________________

(1) انظر تفصيل ذلك في تاريخ الطبري 4 / 302.

١٢٨

56 - خطبة الحسينعليه‌السلام الأولى على مسامع الجيش الاُموي

ثمّ حان وقت صلاة الظهر، فأمر الحسينعليه‌السلام الحجّاج بن مسروق الجعفي أن يؤذّن فأذّن، ثمّ خرجعليه‌السلام إليهم في إزار ورداء ونعلين، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «أيّها الناس، إنّها معذرة إلى الله عزّ وجلّ وإليكم، إنّي لم آتكم حتّى أتتني كتبكم، وقدمت عليّ رسلكم: أن أقدم علينا؛ فإنّه ليس لنا إمام، لعلّ الله يجمعنا بك على الهدى. فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم، فإن تعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم أقدم مصركم، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه إليكم»(1) .

فسكتوا عنه، وقيل للمؤذن: أقم للصلاة. فقال الحسينعليه‌السلام للحرّ: «صلِّ أنت بأصحابك». فقال الحرّ: «لا بل تصلّي أنت ونصلّي بصلاتك». فصلّى بهم الحسين عليه‌السلام وانصرف إلى خيامه (2) .

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 303.

(2) مقتل الحسين - محسن الأمين / 81، تاريخ الطبري 4 / 303.

١٢٩

57 - الخطبة الثانية للحسينعليه‌السلام أمام كتيبة الحرّ

ولمّا دخل وقت صلاة العصر أمر الحسينعليه‌السلام فنودي لصلاة العصر وأقام، فجاءعليه‌السلام وصلّى بهم صلاة العصر، ثمّ توجّه إليهم فحمد الله وأثنى عليه، وقال: «أمّا بعد، أيّها الناس، فإنّكم إن تتقوا الله وتعرفوا الحقّ لأهله يكن أرضى لله عنكم، ونحن أهل بيت محمّد أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان، وإن أبيتم إلاّ الكراهية لنا، والجهل بحقّنا، وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم، وقدمت به عليّ رسلكم، انصرفت عنكم»(1) .

فأجابه الحرّ بن يزيد: أنا والله ما أدري ما هذه الكتب والرسل. فقال الحسينعليه‌السلام لعقبة بن سمعان: «اخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إليّ».

فأخرج خرجين مملوءين صحفاً فنثرت بين يديه، فقال الحرّ: إنّا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك، وقد اُمرنا أن لا نفارقك حتّى نقدمك الكوفة على عبيد الله بن زياد(2) .

____________________

(1) المصدر نفسه.

(2) تاريخ الطبري 4 / 303، مقتل الحسين - محسن الأمين / 81.

١٣٠

فقال الحسينعليه‌السلام : «الموت أدنى إليك من ذلك». ثمّ قال لأصحابه: «قوموا فاركبوا». واُركبت النسوة، فقال: «انصرفوا». فحال الجيش الاُموي دونهم.

الحسينعليه‌السلام قال للحرّ: «ثكلتك اُمّك! ما تريد؟».

الحرّ: لو غيرك من العرب يقولها لي، وهو على مثل هذا الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمّه بالثكل كائناً مَنْ كان، ولكن ما لي إلى ذكر أمّك من سبيل إلاّ بأحسن ما نقدر عليه.

الحسينعليه‌السلام للحرّ: «فما تريد؟».

الحرّ: اُريد أن أنطلق بك إلى الأمير عبيد الله بن زياد.

الحسينعليه‌السلام : «إذاً والله لا أتبعك».

الحرّ: إذاً والله لا أدعك.

فترادّا بالقول ثلاث مرّات، وكثر الكلام بينهما(1) .

الحرّ للحسين: إنّي لم أؤمر بقتالك، وإنّما اُمرت أن لا أفارقك حتّى أقدمك الكوفة، فإذا أبيت فخذ طريقاً لا يدخلك الكوفة ولا يردّك إلى المدينة حتّى أكتب إلى الأمير عبيد الله؛ فلعل الله أن يرزقني العافية من أن اُبتلى بشيء من أمرك.

____________________

(1) المصدر نفسه / 304.

١٣١

فخذ هنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسية. الحسينعليه‌السلام أمر أصحابه بالسير والتياسر، والحرّ يسايره(1) .

58 - الحسينعليه‌السلام يخطب ثالثاً أمام كتيبة الحرّ

وبينما هم على هذا الحال يسيرون حتّى وصلوا إلى منطقة البيضة، فوقف الحسينعليه‌السلام وخطب في كتيبة الحرّ بن يزيد التميمي قائلاً، بعد أن حمد الله وأثنى عليه: «أيّها الناس، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: مَنْ رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرام الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله.

ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمان، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ من غيري. وقد أتتني كتبكم، وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم أنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإن تمّمتم عليّ بيعتكم تصيبوا رشدكم، فأنا

____________________

(1) المصدر نفسه.

١٣٢

الحسين بن علي، وابن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، فلكم فيّ اُسوة. وإن لم تفعلوا، ونقضتم عهدكم، وخلعتم بيعتي من أعناقكم، فلعمري ما هي لكم بنكر؛ لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم بن عقيل، والمغرور مَنْ اغتر بكم؛ فحظّكم أخطأتم، ونصيبكم ضيّعتم، ومَنْ نكث فإنّما ينكث على نفسه، وسيغني الله عنكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته»(1) .

59 - الحسينعليه‌السلام يستشهد بأبيات

ثمّ سار الحسينعليه‌السلام والحرّ يسايره أيضاً، وهو يشدّد ويضيّق الخناق عليه في سيره، ثمّ قال للحسين: إنّي أذكرك الله في نفسك؛ فإنّي أشهد لئن قاتلت لتُقتلن، ولئن قوتلت لتهلكن فيما أرى.

فقال له الحسينعليه‌السلام : «أفبالموت تخوّفني؟ وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟! ما أدري ما أقول لك، ولكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه عندما أراد نصرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: تذهب فإنّك مقتول. فقال:

سأمضي وما بالموتِ عارٌ على الفتى

إذا مـا نـوى حقّاً وجاهدَ مسلما

____________________

(1) الكامل في التاريخ 3 / 280، تاريخ الطبري 4 / 304.

١٣٣

وآسـى رجالَ الصالحينَ بنفسه

وفـارقَ مـثبوراً وودّعَ مجرما

اُقـدّم نـفسي لا اُريـدُ بـقاءها

لتلقى خميساً في الوغى وعرمرما

فإن عشتُ لم أندم وإن متّ لم أُلمْ

كـفى بكَ ذلاً أن تعيش وترغما»

فلمّا سمع الحرّ ذلك من الحسينعليه‌السلام تنحّى عنه، فصار يسير في ناحية والحرّ يسير في ناحية اُخرى(1) .

في منطقة عذيب الهجانات

وبينما هما على هذا الحال يسيران حتّى انتهيا إلى منطقة عذيب الهجانات، وإذا بأربعة أنفار جاؤوا لنصرة الحسينعليه‌السلام ، وهم: نافع بن هلال الجملي، والطرماح بن عدي، ومجمع بن عبد الله العائذي، وعمرو بن خالد الصيداوي، فمنعهم الحرّ وأراد حبسهم، فقال الحسينعليه‌السلام : «هؤلاء أنصاري وأعواني، لأمنعنّهم ممّا أمنع منه نفسي، فهم أصحابي، وهم بمنزلة مَنْ جاء معي. وقد كنتَ أعطيتني أن لا تعرض لي بشيء حتّى يأتيك كتاب من ابن زياد، فإن تمّمت عليّ ما كان بيني وبينك وإلاّ ناجزتك»(2) .

فخلى الحرّ

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 305، مقتل الحسين - محسن الأمين / 84، الكامل في التاريخ - ابن الأثير 4 / 280.

(2) تاريخ الطبري 4 / 306.

١٣٤

سبيلهم وكفّ عنهم.

فسألهم الحسينعليه‌السلام عن الناس وما وراءهم، فقال له مجمع بن عبد الله العائذي: أمّا أشراف الناس فقد اُعظمت رشوتهم، وملئت غرائزهم، ويُستمال ودّهم، ويُستخلص به نصيحتهم، فهم ألب واحد عليك؛ وأمّا سائر الناس بعد، فإنّ أفئدتهم تهوي إليك، وسيوفهم غداً مشهورة عليك(1) .

مقتل رسول الحسينعليه‌السلام

ثمّ اُخبر بمقتل رسوله قيس بن مسهر الصيداوي، فترقرقت عينا الحسين ولم يملك دمعه، وقال: «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (2) »(3) .

ثمّ إنّ الطرماح بن عدي ناشد الحسينعليه‌السلام أن يذهب معه إلى قومه (طي) وينزل بين أجا وسلمى، وهما جبلان بطي، وتكفّل له بعشرين ألف طائي يضربون بين يديه بأسيافهم.

فجزاه الحسينعليه‌السلام وقومه خيراً، وقال له: «إنّ بيننا وبين

____________________

(1) المصدر نفسه.

(2) سورة الأحزاب / 23.

(3) انظر رسول الحسين مع عبيد الله بن زياد في هذا الكتاب.

١٣٥

القوم قولاً لا نقدر معه على الانصراف، فإن يدفع الله عنّا فقديماً ما أنعم علينا وكفى، وإن يكن ما لا بدّ منه ففوز وشهادة إن شاء الله»(1) .

الطرماح يحدو بالركب الحسيني

ثمّ قال الحسينعليه‌السلام لأصحابه: «هل فيكم مَنْ يعرف الطريق على غير الجادة؟». فأجابه الطرماح بن عدي: أنا يابن رسول الله. فقال الحسين: «سر بين أيدينا». فسار الطرماح أمامه وهو يرتجز:

يا ناقتي لا تذعري من زجرِ

وامضِ بنا قبلَ طلوع الفجرِ

بـخيرِ فـتيانٍ وخيرِ سفرِ

آلِ رسـولِ اللهِ آلِ الـفخرِ

إلى أن يقول:

أيّـد حسيناً سيدي بالنصرِ

على الطغاةِ من بقايا الكفرِ

على اللعينينِ سليلي صخرِ

يزيدَ لا زال حليف الخمرِ

وابنِ زياد العهر وابن العهرِ(2)

____________________

(1) مقتل الحسين - محسن الأمين / 85، وانظر تفصيل ذلك في تاريخ الطبري 4 / 307.

(2) انظر معنى هذا في تاريخ الطبري 4 / 305.

١٣٦

في قصر بني مقاتل

ولم يزل الحسينعليه‌السلام سائراً حتّى انتهى إلى قصر بني مقاتل فنزل ورأى فسطاطاً مضروباً فسأل عنه، فقيل: لعبيد الله بن الحرّ الجعفي، وهو من شجعان الكوفة. فأرسل الحسين خلفه فاسترجع وقال: والله ما خرجت من الكوفة إلاّ كراهية أن يدخلها الحسين وأنا بها.

فجاءه الحسين ودعاه إلى نصرته فاستعفاه، فقال الحسين: «فو الله لا يسمع واعيتنا أحد ثمّ لا ينصرنا إلاّ هلك».

ثمّ إنّ عبيد الله الجعفي قال للحسين: خذ فرسي هذه فإنّها من جياد الخيل. فأعرض الحسين بوجهه عنه، وقال: «لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك»(1) ، ثمّ تلا قوله تعالى: «وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً »(2) .

60 - الحسينعليه‌السلام وابنه علي الأكبر

ولمّا كان الليل أمر الحسينعليه‌السلام التزود بالماء والرحيل، وبينما هم سائرون إذ خفق الحسين خفقة وهو على ظهر

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 307.

(2) سورة الكهف / 52.

١٣٧

جواده، فانتبه قائلاً: «إنّا لله وإنّا إليه راجعون، والحمد لله ربّ العالمين» مردداً ذلك ثلاثاً.

علي الأكبرعليه‌السلام : يا أبتِ جُعلت فداك! ممّ حمدت الله واسترجعت؟

الحسينعليه‌السلام : «يا بني، إنّي خفقت برأسي خفقة، فعنّ لي فارس على فرس فقال: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم، فعلمت أنّها أنفسنا نُعيت إلينا».

علي الأكبرعليه‌السلام : يا أبتِ لا أراك الله سوءاً، ألسنا على الحقّ؟

الحسينعليه‌السلام : «بلى والذي إليه مرجع العباد».

علي الأكبرعليه‌السلام : يا أبتِ، إذاً لا نبالي نموت محقّين.

الحسينعليه‌السلام : «جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده»(1) .

61 - كتاب ابن زياد إلى الحرّ

ثمّ سارعليه‌السلام ، ولمّا أصبح نزل وصلّى الغداة، ثمّ عجّل بالسير، وأخذ يتياسر والحرّ يمانعه، وإذا برسول عبيد الله بن زياد يسلّم على الحرّ ويدفع إليه بكتاب عبيد الله بن زياد،

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 308، الكامل في التاريخ - ابن الأثير 3 / 282.

١٣٨

وهذا نصّه: «أمّا بعد، فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي، ويقدم عليك رسولي، فلا تنزله إلاّ بالعراء، في غير حصن وعلى غير ماء. وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتّى يأتيني بإنفاذك أمري، والسّلام»(1) .

فعندها قال الحرّ للحسينعليه‌السلام وأصحابه: هذا كتاب عبيد الله يأمرني فيه أن اُجعجع بكم في المكان الذي يصل كتابه إليّ، وهذا رسوله لا يفارقني حتّى أنفذ أمره.

فقال المهاصر أبو الشعثاء الكندي - أحد أصحاب الحسينعليه‌السلام - إلى رسول عبيد الله بن زياد: أمالك بن النسير البدي؟

قال: نعم.

فقال أبو الشعثاء: ماذا جئت فيه؟

قال رسول عبيد الله: وما جئت فيه! أطعت إمامي، ووفيت ببيعتي.

فقال له أبو الشعثاء: عصيت ربّك، وأطعت إمامك في هلاك نفسك، كسبت العار والنار. قال الله عزّ وجلّ:( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْـصَرُونَ ) (2) فهو إمامك(3) .

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 308، الكامل في التاريخ 3 / 282.

(2) سورة القصص / 41.

(3) تاريخ الطبري 4 / 308.

١٣٩

62 - الحسينعليه‌السلام وكربلاء

وكلّما أراد الحسينعليه‌السلام أن يسير بركبه، الحرّ وأصحابه يمنعونه ويحولون دونه، فترافعا، فقال له الحسينعليه‌السلام : «ألم تأمرنا بالعدول عن الطريق؟».

قال: بلى، ولكن كتاب الأمير عبيد الله أمرني بالتضييق عليك، وجعل عليّ عيناً.

فقال زهير بن القين للحسينعليه‌السلام : إنّي والله لا أرى أن يكون بعد الذي ترون إلاّ أشدّ يابن رسول الله، وإنّ قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال مَنْ يأتينا بعدهم.

فأجابه الحسينعليه‌السلام : «ما كنت لأبدأهم بالقتال»(1) .

فقال زهير: فسر بنا يابن رسول الله حتّى ننزل كربلاء(2) ؛ فإنّها على شاطئ الفرات فنكون هناك، فإن قاتلونا قاتلناهم واستعنا الله عليهم.

فقال الحسينعليه‌السلام : «اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الكرب والبلاء».

ثمّ سار والحرّ يضيّق ويشدّد الخناق على سير الحسينعليه‌السلام حتّى وصل كربلاء يوم الخميس، وهو اليوم الثاني من

____________________

(1) المصدر نفسه / 309.

(2) كربلاء: تحوير لكلمة: (كرب إيلا) أي معبد الإله، وهو المعبد الكبير في تلك الأرض قديماً قبل الإسلام.

١٤٠