الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)0%

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 304

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد عبد الكريم الحسيني القزويني
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الصفحات: 304
المشاهدات: 142518
تحميل: 4414

توضيحات:

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 304 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 142518 / تحميل: 4414
الحجم الحجم الحجم
الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

76 - التعداد الكمّي للجيش الحسيني

وأمّا التعداد الكمّي للجيش الحسيني الذي قاتل مع الحسينعليه‌السلام أعداءه، فقد اختلف الرواة وأرباب المقاتل في تحديده الكمّي؛ فقد ذكر الشيخ المفيد في الإرشاد، وابن الأثير في تاريخه الكامل(1) وغيرهم، أنّهم اثنان وثلاثون فارساً، وأربعون راجلاً، وبعضهم قال بأكثر من هذا العدد، وآخرون قالوا بأقل.

ولكنّي قمت بعملية جرد لإحصاء جميع أسماء أصحاب الحسينعليه‌السلام وأهل بيته الذين حاربوا معه في يوم العاشر من محرّم، وقد ذكرهم بأسمائهم المرحوم الشيخ محمّد السماوي(2) ، فكان عددهم لا يتجاوز المئة وعشرة أنفار؛ راجلاً وفارساً.

وسنذكر أسماءهم جميعاً في القسم الثاني من كتابنا(3) . وهم على طائفتين:

____________________

(1) انظر: الإرشاد - الشيخ المفيد، الكامل - ابن الأثير 3 / 286، مقتل الحسين - عبد الرزاق المقرّم / 275.

(2) انظر التفصيل مع الترجمة في كتابه إبصار العين في أنصار الحسين.

(3) الوثائق الرسميّة لنتائج ثورة الحسين لم يطبع.

١٦١

1 - من بني هاشم وعددهم ستة عشر (16) نفراً.

2 - من الأنصار، وهم من مختلف القبائل والأجناس، وعددهم أربعة وتسعون (94) نفراً.

ثمّ إنّ الحسينعليه‌السلام صفّ رجاله وفرسانه إلى جبهات ثلاث:

جبهة الميمنة: وعليها زهير بن القين ومعه عشرون رجلاً.

جبهة الميسرة: وعليها حبيب بن مظاهر، وقيل: هلال بن نافع البجلي، ومعه عشرون فارساً.

جبهة القلب: ووقف فيه هوعليه‌السلام وأهل بيته وبقيّة أصحابه، وأعطى رايته بيد أخيه أبي الفضل العباسعليه‌السلام (1) .

77 - كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد

ثمّ إنّ عبيد الله بن زياد أخذ يرسل الكتاب تلو الكتاب والرسل يحثّ عمر بن سعد على مقاتلة الحسينعليه‌السلام ، فبعث إليه كتابا آخر جاء فيه: «أمّا بعد، فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء، ولا يذوقوا منه قطرة كما صُنع بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان»(2) .

____________________

(1) مقتل أبي مخنف / 63، مقتل الحسين - للمقرّم / 275، الطبري 4 / 320.

(2) تاريخ الطبري 4 / 311.

١٦٢

ولمّا وصل الكتاب إلى عمر بن سعد، أمر عمرو بن الحجاج ومعه خمسمئة فارس، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء ولم يسقوا منه قطرة، وذلك في اليوم السابع من محرّم.

نذالة عبد الله بن أبي الحصين الأزدي

ثمّ إنّ عبد الله بن أبي الحصين الأزدي نادى في لؤم وخسة نفس، وخبث سريرة: يا حسين، أما تنظر إلى الماء كأنّه كبد السماء، والله لا تذوق منه قطرة حتّى تموت عطشاً.

فتأثّر الحسينعليه‌السلام من كلامه وقال: «اللّهمّ اقتله عطشاً، ولا تغفر له أبداً». فمرض فجُعل يُسقى ماء فلا يرتوي حتّى مات على هذا الحال عطشاً(1) .

وفي رواية الطبري: وبعد دعاء الحسين عليه قال حميد بن مسلم: والله لعُدته بعد ذلك في مرضه، فوالله الذي لا إله إلاّ هو، لقد رأيته يشرب حتّى بغِر، ثمّ يقيء، ثمّ يعود فيشرب حتّى يبغر فما يروى. فما زال ذلك دأبه حتّى لفظ

____________________

(1) الكامل في التاريخ - ابن الأثير 3 / 283، تاريخ الطبري 4 / 312.

١٦٣

غُصته، يعني نفسه(1) .

ولمّا اشتدّ العطش بالحسينعليه‌السلام ومَنْ معه، دعا أخاه العباسعليه‌السلام فبعثه في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً معهم القرب، فجاؤوا إلى النهر وملؤوا القرب بالماء، وجاؤوا بها إلى الحسينعليه‌السلام بعد أن حمل العباسعليه‌السلام وأصحابه على الموكّلين بالشريعة وأزاحوهم عنه(2) .

78 - محاورة بين الحسين وعمر بن سعد في كربلاء

ولمّا تأزّم الموقف وتدهور، أرسل الحسينعليه‌السلام عمر بن قرضة الأنصاري إلى عمر بن سعد يستدعيه للقائه، وقالعليه‌السلام له: «أن ألقني هذه الليلة بين عسكري وعسكرك». فجاء الحسين وعمر بن سعد وجلسا بين العسكرين(3) ، فقال له الحسين: «ويلك يابن سعد! أما تتقي الله الذي إليه معادك؟! أتقاتلني وأنا ابن مَنْ علمت؟! ذر هؤلاء القوم وكن

____________________

(1) المصدر نفسه.

(2) المصدر نفسه.

(3) تاريخ الطبري 4 / 312، الكامل في التاريخ - ابن الأثير 3 / 283، مقتل الحسين - محسن الأمين / 100.

١٦٤

معي، فإنّه أقرب لك إلى الله».

عمر بن سعد: أخاف أن يهدم داري.

الحسين: «أنا أبنيها لك».

عمر بن سعد: أخاف أن تؤخذ ضيعتي.

الحسين: «اُخلف عليك خيراً منها من مالي بالحجاز».

عمر بن سعد: لي عيال وأخاف عليهم. ثمّ سكت عنه ولم يجبه، فانصرف عنه الحسينعليه‌السلام وهو يقول: «ما لك! ذبحك الله على فراشك عاجلاً، ولا غفر لك يوم حشرك. فوالله إنّي لأرجو أن لا تأكل من برّ العراق إلاّ يسيراً».

فقال عمر بن سعد مستهزئاً: في الشعير كفاية عن البرّ.

79 - كتاب عمر بن سعد إلى ابن زياد يفتري فيه على الحسينعليه‌السلام

وقيل: إنّ عمر بن سعد اجتمع مرّة أخرى مع الحسينعليه‌السلام ، وأسفر اجتماعهما عن كتاب أرسله عمر بن سعد إلى ابن زياد يفتري فيه على الحسينعليه‌السلام ؛ وذلك ظنّاً منه أن لا يصطدم بقتال مع الحسينعليه‌السلام مع محافظته على ولاية الرّي.

فقد حاول أن يجمع بين الاثنين؛ عدم التورّط بدم الحسينعليه‌السلام ، مع التقرّب

١٦٥

إلى عبيد الله بن زياد ليؤمّره على الرّي؛ فلهذا افترى هذه الفرية على الحسينعليه‌السلام بإرساله هذا الكتاب إلى ابن زياد، وهذا نصّه: «أمّا بعد، فإنّ الله قد أطفأ النائرة، وجمع الكلمة، وأصلح أمر الأمّة. هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى، أو أن نسيّره إلى أيّ ثغر من ثغور المسلمين شئنا فيكون رجلاً من المسلمين، له ما لهم، وعليه ما عليهم، أو أن يأتي يزيد أمير المؤمنين فيضع يده في يده فيرى فيما بينه وبينه رأيه، وفي هذا لكم رضاً، وللأمّة صلاح»(1) .

وكيف يتفق هذا الكتاب مع (الوثيقة 12) للحسينعليه‌السلام ، عندما قال لوالي يزيد على المدينة، الوليد بن عتبة بن أبي سفيان: «أيها الأمير، إنّا أهل بيت النبوّة - إلى أن يقول: ويزيد رجل فاسق، شارب للخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن للفسق، ومثلي لا يبايع مثله»(2) .

ثمّ إنّ خبر هذا الكتاب أشاعه الاُمويّون، وأرادوا أن يوهموا به الناس أنّ الحسين خشع وخضع، وحنى رأسه

____________________

(1) الكامل في التاريخ - ابن الأثير 3 / 284، تاريخ الطبري 4 / 313.

(2) انظر الوثيقة (12) من هذا الكتاب.

١٦٦

لسلطان يزيد؛ ليشوهوا بذلك الموقف البطولي الذي وقفه هو وأصحابه.

وقد حرص الاُمويّون وأعوانهم على إخفاء كثير من ملامح ثورة الحسينعليه‌السلام وملابساتها، وأذاعوا كثيراً من الأخبار المكذوبة عنها؛ ليوقفوا عملها التدميري في ملكهم وسلطانهم، ولكن لم يفلحوا(1) .

وقد تصدّى لتكذيب هذا الكتاب أحد أصحاب الحسين (ع)، وهو: عقبة بن سمعان كما جاء في تاريخ الطبري. قال: صحبت حسيناً، فخرجت معه من المدينة إلى مكّة، ومن مكّة إلى العراق، ولم اُفارقه حتّى قُتل. وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكة، ولا في الطريق، ولا بالعراق، ولا في عسكر، إلى يوم مقتلهعليه‌السلام إلاّ وقد سمعتها. لا والله، ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية، ولا أن يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمين، ولكنّه قال: «دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتّى ننظر ما يصير أمر الناس»(2) .

____________________

(1) ثورة الحسين - محمد مهدي شمس الدين / 170.

(2) تاريخ الطبري 4 / 313، الكامل في التأريخ - ابن الأثير 3 / 284.

١٦٧

ولمّا وصل كتاب عمر بن سعد هذا إلى عبيد الله بن زياد فرح به، وقال: هذا كتاب رجل ناصح، ومشفق على قومه، ولكن شمر بن ذي الجوشن فاجأه قائلاً: أترضى منه وقد نزل بأرضك إلى جنبك؟ والله لئن رحل من بلدك ولم يضع يده في يدك ليكوننّ أولى بالقوّة والعزّ، ولتكوننّ أولى بالضعف والعجز؛ فلا تعطه هذه المنزلة فإنّها من الوهن، ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه؛ فإن عاقبت فأنت ولي العقوبة، وإن غفرت كان لك. والله بلغني أنّ حسيناً وعمر بن سعد يجلسان ويتحدّثان عامّة الليل(1) .

فقال له عبيد الله: نِعمَ ما رأيت، الرأي رأيك.

80 - كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد

ثمّ كتب كتاباً إلى عمر بن سعد، شديد اللهجة، وهذا نصّه: «أمّا بعد، فإنّي لم أبعثك إلى حسين لتكفّ عنه، ولا لتطاوله، ولا لتمنّيه السلامة والبقاء، ولا لتقعد له عندي شافعاً. انظر، فإن نزل حسين وأصحابه على الحكم واستسلموا فابعث بهم إليّ سلماً، وإن أبوا فازحف إليهم

____________________

تاريخ الطبري 4 / 314، الكامل في التاريخ - ابن الأثير 3 / 284.

١٦٨

حتّى تقتلهم وتمثّل بهم؛ فإنّهم لذلك مستحقون. فإن قُتل حسين فأوطئ الخيل صدره وظهره؛ فإنّه عاق شاق قاطع ظلوم، وليس دهري في هذا أن يضرّ بعد الموت شيئاً، ولكن عليّ قول لو قد قتلته فعلت هذا به. إن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع، وإن أنت أبيت فاعتزل عملنا وجندنا، وخلِّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر؛ فإنّا قد أمرناه بأمرنا، والسّلام»(1) .

وأرسله بيد شمر بن ذي الجوشن، وأقبل شمر به إلى عمر بن سعد، ولمّا قرأه قال لشمر: «ويلك! ما لك لا قرّب الله دارك، وقبّح الله ما قدمت به عليّ. والله إنّي لأظنّك أن ثنيته أن يقبل ما كتبت به إليه، أفسدت علينا أمراً كنّا رجونا أن يصلح، لا يستسلم والله الحسين؛ إنّ نفساً أبية لبين جنبيه»(2) .

فقال له الشمر: ما أنت صانع؟ أتمضي لأمر أميرك وتقتل عدوّه، وإلاّ فخلِّ بيني وبين الجند والعسكر.

فقال عمر بن سعد: لا، ولا كرامة لك! أنا أتولى ذلك، وكن

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 314.

(2) المصدر نفسه / 315.

١٦٩

أنت على الرجّالة(1) .

ثمّ إنّ شمراً أقبل على أصحاب الحسين وقال: أين بنو اُختنا؟ ويعني بهم: العباس وإخوته من اُمّ البنين بنت حزام الكلابيةعليهم‌السلام .

فخرج إليه العباس وإخوته جعفر وعثمانعليهم‌السلام وقالوا: ما تريد؟ قال: أنتم يا بني اُختنا آمنون. قال له العباس وإخوتهعليهم‌السلام : لعنك الله ولعن أمانك لئن كنت خالنا! أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له(2) ؟!

81 - برير بن خضير يصرخ بالجيش الاُموي

وعندما ضيقوا الخناق على النهر لكي لا يتسرّب الماء إلى الحسين وأصحابه ولو قطرة، ونال العطش من الحسين وأهله وأصحابه، قال برير بن خضير الهمداني للحسينعليه‌السلام : يابن رسول الله، أتأذن لي أن أخطب بالقوم؟ فأذنعليه‌السلام له، فخرج برير (رضوان الله عليه) ونادى بالجيش الاُموي قائلاً: «يا معشر الناس، إنّ الله عزّ وجلّ بعث محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحق بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه

____________________

(1) المصدر نفسه.

(2) المصدر نفسه.

١٧٠

وسراجاً منيراً. وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابه، وقد حيل بينه وبين ابنه».

فأجابوه: يا برير، قد أكثرت الكلام فاكفف، والله ليعطش الحسين كما عطش مَنْ كان قبله(1) .

82 - الحسينعليه‌السلام يناشد الجيش الاُموي في كربلاء

ولمّا سمع الحسينعليه‌السلام جواب القوم إلى برير، ورأى عنادهم وإصرارهم على الغي والضلال، أراد أن يثير عاطفتهم الدينية علّهم يرجعون إلى صوابهم ورشدهم، فقال لبرير: «اقعد». وقام متكئاً على سيفه، وخاطبهم مناشداً إيّاهم بأسلوب عاطفي مثير، قائلاً: «اُنشدكم الله هل تعرفوني؟».

الجيش الاُموي قالوا: نعم، أنت ابن رسول الله وسبطه.

الحسينعليه‌السلام : «اُنشدكم الله، هل تعلمون أنّ جدّي رسول الله؟».

الجيش الاُموي: اللّهم نعم.

الحسينعليه‌السلام : «اُنشدكم الله، هل تعلمون أنّ اُمّي فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟».

____________________

(1) مقتل الحسين - محسن الأمين / 98.

١٧١

الجيش الاُموي: اللّهم نعم.

الحسينعليه‌السلام : «اُنشدكم الله، هل تعلمون أنّ أبي علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؟».

الجيش الاُموي: اللّهم نعم.

الحسينعليه‌السلام : «اُنشدكم الله، هل تعلمون أنّ جدّتي خديجة بنت خويلد أوّل نساء هذه الأمّة إسلاماً؟».

الجيش الاُموي: اللّهم نعم.

الحسينعليه‌السلام : «اُنشدكم الله، هل تعلمون أنّ سيّد الشهداء حمزة عمّ أبي؟».

الجيش الاُموي: اللّهم نعم.

الحسينعليه‌السلام : «اُنشدكم الله، هل تعلمون أنّ جعفر الطيار في الجنّة عمّي؟».

الجيش الاُموي: اللّهم نعم.

الحسينعليه‌السلام : «اُنشدكم الله، هل تعلمون أنّ هذا سيف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنا متقلّده؟».

الجيش الاُموي: اللّهم نعم.

الحسينعليه‌السلام : «اُنشدكم الله، هل تعلمون أنّ هذه عمامة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنا لابسها؟».

١٧٢

الجيش الاُموي: اللّهم نعم.

الحسينعليه‌السلام : «اُنشدكم الله، هل تعلمون أنّ علياً كان أوّل القوم إسلاماً، وأعلمهم علماً، وأعظمهم حلماً، وأنّه ولي كلّ مؤمن ومؤمنة؟».

الجيش الاُموي: اللّهم نعم.

الحسينعليه‌السلام : «فبِمَ تستحلّون دمي وأبي الذائد عن الحوض يذود عنه رجالاً كما يُذاد البعير الصاد عن الماء، ولواء الحمد في يد أبي يوم القيامة؟!».

الجيش الاُموي: قد علمنا ذلك كلّه، ونحن غير تاركيك حتّى تذوق الموت عطشاً(1) .

83 - الجيش الاُموي يزحف لقتال الحسينعليه‌السلام

شعر عمر بن سعد أنّ الجو غير صاف له بعد أن وصله كتاب ابن زياد بيد شمر بن ذي الجوشن، وكان فيه شيء من التلميح بعزله وتخلّيه عن قيادة الجيش كمّا ورد في بعض فقرات الكتاب: «وإن أنت أبيت فاعتزل عملنا وجندنا،

____________________

(1) المجالس الفاخرة - شرف الدين / 99، مقتل الحسين - محسن الأمين / 99.

١٧٣

وخلِّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر»(1) .

فخشى أن تفوته الفرصة وتذهب منه قيادة الجيش، ويُحرم من عهد ولاية الرّي؛ فلهذا نراه أخيراً أخذ يتحمّس كثيراً لقتال الحسينعليه‌السلام (2) .

بينما الحسينعليه‌السلام جالس عصر يوم التاسع من محرّم بعد صلاة العصر أمام خبائه، ومحتبياً بسيفه وقد وضع رأسه بين ركبتيه، وإذا بعمر بن سعد ينادي: يا خيل الله اركبي وابشري. وركب الناس معه وزحفوا نحو خيام الحسينعليه‌السلام (3) .

84 - زينبعليها‌السلام توقظ الحسين عليه‌السلام

وبينما الحسينعليه‌السلام واضع رأسه بين ركبتيه، سمعت الحوراء زينب بنت علي وأخت الحسين الصيحة وضجّة الخيل، فدنت من أخيها وقالت: يا أخي، أما تسمع الأصوات قد اقتربت؟

فنهض الحسين (ع) قائماً، وقال لها: «إنّي رأيت رسول

____________________

(1) انظر الوثيقة (80) من هذا الكتاب.

(2) تاريخ الطبري 4 / 315.

(3) المصدر نفسه.

١٧٤

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام فقال لي: إنّك تروح إلينا».

فلطمت اُخته وجهها وقالت: يا ويلتا!

فقال الحسينعليه‌السلام : «ليس لك الويل يا اُخيتي، اسكني رحمك الرحمان»(1) .

85 - العباسعليه‌السلام يُقابل الجيش الاُموي

وجاء العباس بن علي إلى أخيه الحسينعليهم‌السلام قائلاً: يا أخي أتاك القوم. فقال له الحسينعليه‌السلام : «يا عباس، اركب بنفسي أنت يا أخي حتّى تلقاهم، وتقول لهم ما لكم، وما بدا لكم؟ تسألهم عمّا جاء بهم».

فاستقبلهم العباسعليه‌السلام في عشرين فارساً، فيهم زهير بن القين، وحبيب بن مظاهر (رضوان الله عليهما)، قائلاً: ما بدا لكم؟ وما تريدون؟

الجيش الاُموي: جاء أمر الأمير بأن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو ننازلكم (أي نقاتلكم).

العباس بن عليعليهما‌السلام : لا تعجلوا حتّى أرجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم.

وجاء إلى أخيه الحسين مسرعاً(2) .

____________________

(1) المصدر نفسه.

(2) المصدر نفسه / 306.

١٧٥

86 - حبيب بن مظاهر وزهير بن القين يكلمان الجيش الاُموي

واغتنم حبيب بن مظاهر فرصة عودة العباس إلى أخيه الحسينعليهما‌السلام ليخبره بما قال القوم، فالتفت إلى زهير بن القين قائلاً: كلّم القوم إن شئت، وإن شئت كلّمتهم.

زهير بن القين قال لحبيب: أنت بدأت بهذا، فكن أنت تكلّمهم.

حبيب بن مظاهر يخاطب الجيش الاُموي

أما والله، لبئس القوم عند الله غداً قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذريّة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته، وكبار أهل هذا المصر، المجتهدين بالأسحار، والذاكرين الله كثيراً(1) !

فقال له عزرة بن قيس: إنّك لتزكّي نفسك بما استطعت.

فأجابه زهير بن القين: يا عزرة، إنّ الله قد زكّاها وهداها، فاتق الله يا عزرة فإنّي لك من الناصحين. أنشدك الله يا عزرة أن لا تكون ممّن يعين الضلاّل على قتل النفوس الزكية.

____________________

(1) المصدر نفسه.

١٧٦

قال عزرة لزهير: ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت، إنّما كنت عثمانياً.

قال زهير لعزرة: أفلست تستدل بموقفي هذا إنّي منهم؟ أما والله، ما كتبت إليه كتاباً قطّ، ولا أرسلت إليه رسولاً قطّ، ولا وعدته نصرتي قطّ، ولكن الطريق جمع بيني وبينه، فلمّا رأيته ذكرت به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومكانه منه، وعرفت ما يقوم عليه من عدوّه وحزبكم، فرأيت أن أنصره، وأن أكون في حزبه، وأن أجعل نفسي دون نفسه؛ حفظاً لما ضيّعتم من حقّ الله وحقّ رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله (1) .

87 - العباسعليه‌السلام يعود بالجواب إلى الجيش الاُموي

ولمّا أخبر العباس أخاه الحسينعليهما‌السلام بما ذكر القوم، قال له الحسينعليه‌السلام : «يا أخي، ارجع إليهم، فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى غدوة وتدفعهم عنّا هذه العشية؛ لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أنّي كنت أحبّ الصلاة له، وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار»(2) .

____________________

(1) المصدر نفسه.

(2) مقتل الحسين - محسن الأمين / 104، تاريخ الطبري 4 / 316.

١٧٧

رجع العباسعليه‌السلام إلى الجيش الاُموي، وقال لعمر بن سعد ما قاله الحسين (ع)، فتوقّف عمر بن سعد عن إعطاء هذه المهلة، وسأل شمر قائلاً: ما ترى أنت؟ قال شمر: أنت الأمير والرأي رأيك. ثمّ توجّه إلى زعماء الجيش الاُموي قائلاً: ماذا ترون؟

فأجابه الحجّاج بن سلمة الزبيدي: سبحان الله! والله لو كانوا من الديلم ثمّ سألوك هذه المنزلة لكان ينبغي لك أن تجيبهم، فكيف وهم آل محمّد؟

وقال قيس بن الأشعث: أجبهم، لعمري لنصبحنّك بالقتال. فأجابوهم إلى ذلك(1) .

88 - الحسينعليه‌السلام يختبر أصحابه وأهله

وعندما أيقنعليه‌السلام أنّ هؤلاء القوم الذين احتوشوه مصرّون على قتاله، وأنّه لا بدّ من أن يدافع عن دينه وأهله بكلّ ما يملك، أجرى عملية اختبار وامتحان على أصحابه وأهل بيته من أبناء إخوته وعمومته؛ ليطمئن قلبه أنّهم يصمدون عند الوثبة واصطكاك الأسنّة، وأنّهم لن يخذلوه ولن يتركوه وحده.

فألقى خطاباً فيهم بعد أن جمعهم في

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 316.

١٧٨

مساء يوم التاسع قائلاً: «اُثني على الله تبارك وتعالى أحسن الثناء، وأحمده على السرّاء والضرّاء. اللّهمّ إنّي أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوّة، وعلّمتنا القرآن، وفقّهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة ولم تجعلنا من المشركين.

أمّا بعد، فإنّي لا أعلم أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ وأوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عنّي جميعاً خيراً. ألا وإنّي أظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غداً. ألا وإنّي قد أذنت لكم، فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، ثمّ ليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، ثمّ تفرّقوا في سوادكم ومدائنكم حتّى يفرّج الله؛ فإنّ القوم إنّما يطلبوني، ولو قد أصابوني لهو عن طلب غيري»(1) .

89 - أهل البيت يجيبون الحسينعليه‌السلام

ولمّا سمع إخوة الحسين وأبناؤه وأبناء عبد الله بن جعفرعليهم‌السلام هذه الخطبة من الحسينعليه‌السلام ، وعرفوا فحواها، قاموا

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 317، مقتل الحسين - محسن الأمين / 105.

١٧٩

وشمروا عن سيوفهم يتقدّمهم أبو الفضل العباسعليه‌السلام ، وقالوا بلسان واحد: «لِمَ نفعل ذلك! لنبقى بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبداً»(1) .

ثمّ إنّ الحسينعليه‌السلام التفت إلى آل عقيل وقال: «حسبكم من القتل بصاحبكم مسلم، اذهبوا فقد أذنت لكم».

فأجابوه: سبحان الله! فما يقول الناس لنا؟! وما نقول لهم؟! إنّا تركنا شيخنا وسيّدنا، وبني عمومتنا خير الأعمام، ولم نرمِ معهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف، ولا ندري ما صنعوا؟! لا والله ما نفعل، ولكنّنا نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا، ونقاتل معك حتّى نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك(2) .

90 - أصحاب الحسينعليه‌السلام يجيبونه

ولمّا سمع أصحاب الحسينعليه‌السلام خطبته هذه وعرفوا مقصده، فإنّهم أبوا إلاّ الفوز بالشهادة بين يديه، فقاموا يتسابقون في إجابتهعليه‌السلام .

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 318، مقتل الحسين - محسن الأمين / 105.

(2) الكامل في التاريخ - ابن الأثير 3 / 285، تاريخ الطبري 4 / 318.

١٨٠