الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)0%

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 304

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد عبد الكريم الحسيني القزويني
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الصفحات: 304
المشاهدات: 142490
تحميل: 4414

توضيحات:

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 304 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 142490 / تحميل: 4414
الحجم الحجم الحجم
الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

سيلاقون من النعيم الأبدي، ومن رضا الله ورضوانه ونعمائه كما كان أصحاب جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتمنّون الشهادة في سبيله، فحملوا بقلّتهم على العدو بكثرته.

113 - العدو يطلب الإمداد لشجاعة أصحاب الحسينعليه‌السلام

ولمّا حمل أصحاب الحسينعليه‌السلام بقلّة عددهم وقوّة إيمانهم على الجيش الاُموي الكثير في عدده وعدّته، والجبان في ضميره ونفسه، فقاتلوا قتال الأبطال حتّى أكثروا القتل في معسكر عمر بن سعد، وما حملوا على جانب من جوانب الجيش الاُموي إلاّ وكشفوه؛ ممّا دعا عزرة بن قيس - آمر الخيّالة - أن يستنجد بقائد الجيش عمر بن سعد ليمده بالرجال والرماة، قائلاً له: أما ترى ما تلقى خيلي منذ اليوم من هذه العدّة اليسيرة؟! ابعث إليهم الرجّالة والرماة(1) .

فدعا عمر بن سعد الحصين بن تميم، فبعث معه المجففة والرجّالة وخمسمئة من الرماة(2) ،

____________________

(1) انظر تفصيل ذلك في تاريخ الطبري 4 / 332، الكامل في التاريخ - ابن الأثير 3 / 290.

(2) المصدر نفسه.

٢٢١

فحملوا على جيش الحسينعليه‌السلام واقتتلوا حتّى انتصف النهار، وما انجلت الغبرة إلاّ وقد فقد الحسينعليه‌السلام خمسين رجلاً من جيشه، وقد بانت القلّة في معسكره.

ثمّ أخذ أصحابه يخرج منهم الرجلان والثلاثة والأربعة، ويستأذنون منه للمبارزة والدفاع عن ذرية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فخرج سيف بن حارث بن مريع، ومالك بن عبد مريع الجابريان وهما يبكيان، فقال الحسينعليه‌السلام لهما: «ما يبكيكما؟ إنّي لأرجو أن تكونا بعد ساعة قريري العين».

قالا: جعلنا الله فداك! ما على أنفسنا نبكي، ولكن نبكي عليك؛ نراك قد اُحيط بك ولا نقدر أن ننفعك بأكثر من أنفسنا.

فقالعليه‌السلام : «جزاكما الله يابنَي أخي بوجدكما من ذلك ومواساتكما بأنفسكما أحسن جزاء المتّقين»(1) .

114 - الحسينعليه‌السلام يستغيث

ولمّا نظر الحسينعليه‌السلام إلى كثرة أعدائه وقلّة أصحابه، وكثرة مَنْ قُتل منهم، قبض على شيبته المباركة قائلاً: «اشتدّ غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولداً، واشتدّ غضبه على

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 337.

٢٢٢

النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة، واشتدّ غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه، واشتدّ غضبه على قوم اتّفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيّهم.

أما والله لا أجيبهم إلى شيء ممّا يريدون حتّى ألقى الله وأنا مخضّب بدمي». ثمّ صاح: «أما من مغيث يغيثنا، أما من ذابّ يذبّ عن حرم رسول الله». فبكت النسوة وكثر صراخهنّ.

115 - هداية

سمع نفر من جيش العدو كلامه فهزّت كلماته مشاعرهم، وأيقظت ضمائرهم، فاندفعوا نحو الحسينعليه‌السلام ينصرونه ويدافعون عنه، كسعد بن الحارث وأخيه الأنصاريين حتّى قتلا.

116 - جيش العدو يستنجد

لمّا بان النقص في جيش الحسين؛ وذلك لعدم وجود الإمداد البشري والعسكري، وللحصار المطوّق به جيشهعليه‌السلام من كلّ جوانبه، أخذ رجاله يخرج الرجل تلو الرجل، فأكثروا القتل في الجيش الاُموي، وقاتلوا قتال الأبطال، أمثال: الحرّ بن يزيد، ونافع بن هلال الجملي وغيرهما،

٢٢٣

حتّى ضجر جند اُميّة وتصايح قواده، فنادى عمر بن الحجّاج بالناس: أتدرون مَنْ تقاتلون؟ [تقاتلون] فرسان المصر، قوماً مستميتين، لا يبرز إليهم منكم أحد فإنّهم قليل، وقلّما يبقون. والله لو لم ترموهم إلاّ بالحجارة لقتلتموهم(1) .

فقاتلوهم حتّى انتصف النهار أشدّ قتال خلقه الله - كما وصفهم الطبري -، وقابلوا جيش العدو من وجه واحد؛ لتقارب خيامهم وأبنيتهم، وهي خطّة عسكرية ناجحة.

فأمر ابن سعد أن تقوّض هذه الخيام عن أيمانهم وشمائلهم؛ ليحيطوا بهم ويسيطروا عليهم، فجاؤوا بالنار وأحرقوها، فقال الحسينعليه‌السلام : «دعوهم فليحرقوها؛ فإنّهم لو قد حرقوها لم يستطيعوا أن يجوزوا إليكم منها». وكان كذلك(2) .

فحمل شمر بن ذي الجوشن حتّى طعن فسطاط الحسينعليه‌السلام ، ونادى: عليّ بالنار حتّى أحرق هذا البيت على أهله. فصحن النساء وخرجن من الفسطاط، فانبرى له الحسين قائلاً: «يابن ذي الجوشن، أنت تدعو بالنار لتحرق

____________________

(1) الكامل في التاريخ - لابن الأثير 3 / 290، تاريخ الطبري 4 / 331.

(2) تاريخ الطبري 4 / 333.

٢٢٤

بيتي على أهلي؟! حرقك الله بالنار».

وتصدى لتوبيخه جماعة من جيش العدو بينهم حميد بن مسلم، وشبث بن ربعي، فإنّه قال له: ما رأيت مقالاً أسوأ من قولك، ولا موقفاً أقبح من موقفك، أمرعباً للنساء صرت؟!

ثمّ إنّ زهير بن القين حمل في رجال من أصحابه على شمر بن ذي الجوشن وأصحابه فكشفوهم عن البيوت، وقتلوا جماعة، منهم أبو عزّة الضبابي وغيره(1) .

117 - المرأة وثورة الحسينعليه‌السلام

دعوة الحسينعليه‌السلام دعوة حقّ وهداية، لبّتها قلوب صافية طاهرة من رجال ونساء. وها هي المرأة تساهم في نصرة الحسينعليه‌السلام في صراعه مع الباطل والمنكر، وهي على درجة من الوعي لدينها ورسالتها، ونذكر هنا نموذجاً لهذا الوعي على سبيل المثال.

فقد ذكر المؤرّخون وأرباب المقاتل عدّة نسوة كنّ مع الحسينعليه‌السلام في واقعة كربلاء، منهنّ زوجة عبد الله بن عمير من

____________________

(1) المصدر نفسه / 334.

٢٢٥

بني عليم، ويُقال لها: أمّ وهب بنت عبد بن نمر بن قاسط، وذلك لمّا رأى زوجها قوماً يعرضون ويسرحون إلى قتال الحسين بن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: والله لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصاً، لأرجو ألاّ يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيّهم أيسر ثواباً عند الله من ثوابه إيّاي في جهاد المشركين.

ثمّ دخل على زوجته وأخبرها بما يريد، فقالت: أصبت، أصاب الله بك أرشد اُمورك، افعل وأخرجني معك. فخرج بها ليلاً حتّى أتى الحسينعليه‌السلام في كربلاء، ثمّ برز إلى القتال، وخرجت خلفه زوجته وبيدها عمود تقول لزوجها: فداك أبي واُمّي! قاتل دون الطيّبين ذريّة محمّد.

فأقبل إليها يردّها نحو النساء، فأخذت تجاذب ثوبه، ثمّ قالت: إنّي لن أدعك دون أن أموت معك. فناداها الحسينعليه‌السلام قائلاً: «جزيتم من أهل بيت خيراً، ارجعي رحمك الله إلى النساء فاجلسي معهنّ؛ فإنّه ليس على النساء قتال». فانصرفت إليهنّ.

وقيل: إنّها قُتلت بعد أن وقفت على زوجها وهو قتيل، قائلة: أسأل الله الذي رزقك الجنّة، أن يصحبني

٢٢٦

معك. وقاتلها هو رستم غلام شمر؛ فإنّه ضربها بعمود(1) .

إلى ما هناك من بطولات وتضحيات النسوة اللاتي كنّ مع الحسينعليه‌السلام في كربلاء، أمثال عقيلة بني هاشم زينب بنت الإمام عليعليه‌السلام التي ساهمت في ثورة أخيها مساهمة فعالة، كما سنذكرها تفصيلاً في القسم الثاني بإذن الله(2) .

118 - حنظلة بن أسعد الشامي يصرخ بالجيش الاُموي

وجاء حنظلة بن أسعد الشامي، أحد الفدائيين الحسينيين، ووقف بين يدي الحسينعليه‌السلام منادياً وصارخاً بالقوم بكلّ إيمان وصلابة، قائلاً بأعلى صوته:( يَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ * وَيَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِم وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هاد ) (3) .

____________________

(1) الكامل في التاريخ - ابن الأثير 3 / 291، تاريخ الطبري 4 / 317.

(2) القسم الثاني من كتابنا (النتائج الرسميّة لثورة الإمام الحسين).

(3) سورة غافر / 30 - 33.

٢٢٧

يا قوم، لا تقتلوا حسيناً( فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذاب وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى ) (1) .

الحسينعليه‌السلام قائلاً له: «يابن أسعد، رحمك الله، إنّهم قد استوجبوا العذاب حين ردّوا عليك ما دعوتهم إليه من الحقّ، ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك، فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانك الصالحين؟!».

حنظلة بن أسعد: صدقت جعلت فداك! أنت أفقه منّي وأحقّ بذلك، أفلا نروح إلى الآخرة ونلحق بإخواننا؟!

الحسينعليه‌السلام : «رح إلى خير من الدنيا وما فيها، وإلى مُلك لا يبلى».

حنظلة بن أسعد: السلام عليك يا أبا عبدالله، صلّى الله عليك وعلى أهل بيتك، وعرّف بيننا وبينك في جنته.

الحسينعليه‌السلام : «آمين آمين».

حنظلة بن أسعد يقتحم المعركة فيقتِل ويُقتل(2) .

____________________

(1) سورة طه / 61.

(2) تاريخ الطبري 4 / 337.

٢٢٨

119 - شهامة عابس وإيمانه

عابس بن شبيب الشاكري أحد أبطال المعركة الحسينيّة، ومن المؤمنين الواعين لثورة الإمام الحسينعليه‌السلام ، فنراه يكشف عن إيمانه ومعتقده بتصريحاته بعد أن تقدّم يوم عاشوراء نحو الحسينعليه‌السلام ، ومعه شوذب مولى شاكر.

عابس قائلاً لشوذب: يا شوذب، ما في نفسك أن تصنع؟

شوذب: ما أصنع؟ اُقاتل معك دون ابن بنت رسول الله حتّى اُقتل.

عابس: ذلك الظنّ بك، أمّا الآن فتقدّم بين يدي أبي عبد الله حتّى يحتسبك كما احتسب غيرك من أصحابه، وحتّى احتسبك أنا؛ فإنّه لو كان معي الساعة أحد وأنا أولى به منّي بك لسرّني أن يتقدّم بين يدي حتّى أحتسبه؛ فإنّ هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب الأجر فيه بكلّ ما قدرنا عليه؛ فإنّه لا عمل بعد اليوم، وإنّما هو الحساب.

شوذب تقدّم نحو الحسينعليه‌السلام وسلّم عليه، وهجم على الأعداء وقاتل حتّى قُتل.

عابس يتقدّم نحو الحسينعليه‌السلام قائلاً: ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعزّ عليّ ولا أحبّ إليّ منك يا أبا

٢٢٩

عبد الله. أما والله، لو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعزّ عليّ من نفسي ودمي لفعلته. السّلام عليك يا أبا عبد الله، اُشهد الله أنّي على هديك وهدي أبيك(1) .

ثمّ هجم على الأعداء كأنّه الليث. كان أشجع الناس، فنادى رجل من جيش العدو: أيّها الناس، هذا أسد الأسود، هذا ابن أبي شبيب، لا يخرجنّ إليه أحد منكم.

عابس ينادي: ألا رجل لرجل؟ فتحاشى الرجال عن مبارزته، فنادى عمر بن سعد: ارضخوه بالحجارة. فرمي بالحجارة من كلّ جانب، ثمّ شدّ على القوم وهو يكرد(2) أكثر من مئتين حتّى قُتل، وتنازعوا في قتله، وكلّ يقول: أنا قتلته. فقال عمر بن سعد: هذا لم يقتله سنان واحد.

120 - وفاء وعطف في معركة

جون مولى أبي ذرّ الغفاري، كان من الأشخاص الذين اتّبعوا الحسينعليه‌السلام طلباً للرزق والعافية، ولكنّه لمّا رأى

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 338.

(2) الكرد: هو الطرد.

(3) تاريخ الطبري 4 / 338، مقتل الحسين - عبد الرزاق المقرّم / 312.

٢٣٠

الحسين بهذا الحال، تقدّم يستأذنه في الدفاع عنه، فعطف عليه الحسينعليه‌السلام قائلاً: «يا جون، إنّما تبعتنا طلباً للعافية، فأنت في إذن منّي».

جون قائلاً: سيدي، أنا في الرخاء ألحس قصاعكم، وفي الشدّة أخذلكم! إنّ ريحي لنتن، وحسبي للئيم، ولوني لأسود، فتنفس عليّ بالجنّة؛ ليطيب ريحي، ويشرف حسبي، ويبيضّ لوني. لا والله، لا اُفارقكم حتّى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم.

فأذن له الحسينعليه‌السلام ، فهجم على جيش الضلال والانحراف، وقتل منهم خمساً وعشرين ثمّ قُتل.

الحسين يقف عليه قائلاً: «اللّهمّ بيّض وجهه، وطيّب ريحه، واحشره مع محمّد، وعرّف بينه وبين آل محمّد (صلّى الله عليه وآله»).

فكان لا يمرّ عليه أحد في المعركة إلاّ ويشمّ منه رائحة طيّبة أزكى من المسك(1) . فهكذا كان الوفاء في ساحة المعركة من جون، والعطف من الحسينعليه‌السلام .

____________________

(1) مقتل العوالم / 88.

٢٣١

121 - شجاعة أسير

نافع بن هلال الجملي كان من الفدائيين الحسينيين الذين يجيدون الرمي بالسهام، وقد كتب عليها اسمه، فأخذ يرمي الأعداء بها، وهو يقول:

أنا الهزبرُ الجملي

أنا على دينِ علي

ودينهُ دينُ النبي

حتى قتل منهم اثني عشر سوى مَنْ جرح، ولمّا نفذت سهامه جرّد سيفه وهجم على القوم، فأحاطوا به من كلّ جانب حتّى كُسرت عضداه واُخذ أسيراً إلى عمر بن سعد، فقال له: ويحك يا نافع! ما حملك على ما صنعت بنفسك؟! وكانت الدماء تسيل على لحيته.

نافع: إنّ ربّي يعلم ما أردت. والله، لقد قتلت منكم اثني عشر سوى مَنْ جرحت، وما ألوم نفسي على الجهد، ولو بقيت لي عضد وساعد ما أسرتموني.

شمر مخاطباً عمر بن سعد: اقتله أصلحك الله.

عمر بن سعد: أنت جئت به، فإن شئت فاقتله.

شمر يشهر سيفه على نافع يروم قتله.

نافع قائلاً لشمر: أما والله، لو كنت من المسلمين لعظم

٢٣٢

عليك أن تلقى الله بدمائنا، فالحمد لله الذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه. ثمّ قتله شمر(1) .

122 - أراجيز في معركة

الأراجيز: هي إحدى أنواع الشعر العمودي، وكان العرب يستخدمونها في حروبهم، فهي لون من ألوان التعبير عمّا يحتوي الإنسان المقاتل من آراء وعقائد.

وهي تعتبر نصوصاً ووثائق تاريخية نستطيع أن نحكم من خلالها على نفسيّة الراجز، ومدى تفهّمه لواقع معركته ومبادئها التي ثار وحارب من أجلها، بل هي من أهم الوثائق؛ لأنّها الوثيقة الحقيقية التي تحكي عن نفسية قائلها في أشدّ الظروف وأقساها. وهي أيضاً الرأي النهائي القاطع لعقيدة المقاتل الذي لا يشوبه التشكيك أو التردد.

ومن أجل ذلك كلّه، فهي جديرة بالبحث والدراسة لمَنْ أراد أن يبحث عن ثورة الحسينعليه‌السلام ويستخلص عقائديتها ومبادئها، والمستوى الثوري لدى رجالها.

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 336، إبصار العين في أنصار الحسين / 105.

٢٣٣

أراجيز الأصحاب

* عبد الله بن عمر الكلبي: فإنّه حمل على القوم قائلاً:

إن تـنكروني فـأنا ابنُ الكلبِي

حسبي ببيتي في عليمٍ حسبي

إنّـي امرؤٌ ذو مُرّةٍ وعصبِ

ولـستُ بالخوّار عند النكبِ

إنّـي زعـيمٌ لـكِ أمَّ وهبِ

بالطعنِ فيهم مُقدماً والضربِ

ضـربَ غلامٍ مؤمنٍ بالربِّ(1)

* عمرو بن قرظة الأنصاري: بعد أن هجم على الأعداء قائلاً:

قـد عـلمت كـتيبةُ الأنصارِ

إنّـي سـأحمي حوزةَ الذمّارِ

ضربَ غلامٍ غير نكسٍ شاري

دونَ حـسين مهجتي وداري(2)

* وهب بن حباب الكلبي: وكان نصرانياً فأسلم على يدي الحسينعليه‌السلام ، وجاهد أعداءه بين يديه بقوله:

إن تـنكروني فأنا ابن الكلبي

سوفَ تروني وترونَ ضربي

وحملتي وصولتي في الحربِ

أدرك ثـاري بعد ثار صحبي

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 327.

(2) المصدر نفسه / 330.

٢٣٤

وأدفـعُ الـكربَ أمامَ الكربِ

ليس جهادي في الوغى باللعبِ(1)

* الحرّ بن يزيد الرياحي: لما يأس الحرّ من يقظة ضمير قومه، وأنّهم مصرّون على قتل ابن بنت نبيّهمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هجم عليهم قائلاً:

إنـي أنا الحرّ ومأوى الضيفِ

أضـربُ في أعراضكم بالسيفِ

عن خيرِ مَنْ حلَّ بأرضِ الخيفِ(2)

ثمّ أخذ يكيل الضربات للعدو المضلل قائلاً:

آلـيتُ لا اُقـتل حتّى أقتلا

ولـن اُصـاب اليوم إلاّ مُقبلا

أضربهم بالسيفِ ضرباً معضلا

لا نـاكلاً عـنهم ولا مُـهللا

لا عـاجزاً عـنهم ولا مُـبدلا

أحـمي الحسين الماجدَ المؤمّلا

* مسلم بن عوسجة: برز وهو يرتجز:

إن تـسألوا عنّي فإنّي ذو لبدْ

من فرعِ قومٍ من ذرى بني أسدْ

فـمَنْ بـغانا حائدٌ عن الرشدْ

وكـافرٌ بـدينِ جـبّارٍ صمد(3)

____________________

(1) مقتل الحسين - محسن الأمين / 127.

(2) إبصار العين في أنصار الحسين - محمد السماوي / 145، مقتل الحسين - محسن الأمين / 129.

(3) مقتل الحسين - محسن الأمين / 134، 145.

٢٣٥

* حبيب بن مظاهر الأسدي: فإنّه حمل على جيش العدو وهو مرتجز:

أنـا حـبيبٌ وأبي مظاهرُ

فارسُ هيجاءٍ وحربٌ تسعرُ

أنـتم أعـدّ عـدّة وأكـثرُ

ونـحن أوفى منكمُ وأصبرُ

ونـحنُ أعلى حجّة وأظهرُ

حـقّاً وأتقى منكمُ وأعذرُ

ثمّ أخذ يقول وهو يُقاتل:

أُقسم لو كنّا لكم أعدادا

أو شطركم ولّيتم أكتادا(1)

* زهير بن القين: استأذن الحسينعليه‌السلام بقوله:

أقـدِم هُديت هادياً مهديا

الـيوم نـلقى جدّك النبيّا

وحـسناً والمرتضى عليا

وذا الجناحينِ الفتى الكميا

وأسـدَ اللهِ الشهيد الحيّا

ثمّ هجم على الأعداء مقاتلاً ومرتجزاً:

أنـا زهيرٌ وأنا ابنُ القينِ

أذودكم بالسيفِ عن حسينِ

إنّ حـسيناً أحـدُ السبطينِ

من عترةِ البرِّ التقي الزينِ

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 335، مقتل الحسين - عبد الرزاق المقرّم / 306، مقتل الحسين - محسن الأمين / 140. والأكتاد: مجتمع الكتفين من الإنسان، أي وليتم ظهوركم.

٢٣٦

ذاكَ رسولُ الله غيرُ المينِ

أضربكم ولا أرى من شينِ

يا ليت نفسي قسّمت قسمينِ(1)

* نافع بن هلال الجملي: فإنّه حمل على القوم قائلاً:

إن تـنكروني فأنا ابنُ الجملي

ديني على دينِ حسينِ بن علي

ثمّ إنّه كانت معه نبال، وكان رامياً، وقد كتب اسمه عليها، فجعل يرمي بها ويقول:

أرمـي بها مُعلَمة أفواقُها

مسمومة تجري بها أخفاقُها

لـيملأنّ أرضـها رشاقُها

والـنفسُ لا ينفعها إشفاقُها

ولما نفذت نباله، جرّد سيفه وهجم على الأعداء مرتجزاً:

أنا الهزبر الجملي

أنا على دينِ علي

ودينهُ دينُ النبي(2)

ويقول أيضاً:

أنـا الـغلامُ اليمني الجملي

ديني على دينِ حسينٍ وعلي

إن أُقـتلَ الـيوم فهذا أملي

فذاك رأيي واُلاقي عملي(3)

____________________

(1) مقتل الحسين - محسن الأمين / 130، تاريخ الطبري 4 / 36.

(2) انظر: إبصار العين في أنصار الحسين - محمد السماوي / 105، مقتل الحسين - محسن الأمين / 130، 138، تاريخ الطبري 4 / 336.

(3) المصدر نفسه.

٢٣٧

* سويد بن عمر بن أبي المطاع: فإنّه قاتل بين يدي الحسينعليه‌السلام مرتجزاً:

أقدم حسين اليوم تلقى أحمدا

وشيخَك الحبر علياً ذا الندى

وحسناً كالبدر وافى الأسعدا

وعمَّك القرم الهمام الأرشدا

حـمزة ليث الله يُدعى أسداً

وذا الـجناحين تـبوّا مقعدا

في جنّة الفردوسِ يعلو صعدا(1)

* اُمّ عمرو بن جنادة الخزرجي: قُتل زوجها جنادة بن كعب يوم الطفّ، فجاءت بولدها، وهو غلام له من العمر أحد عشر سنة، وقدّمته بين يدي الحسينعليه‌السلام ، فلم يأذن له قائلاً: «هذا غلام قُتل أبوه في المعركة، ولعل اُمّه تكره ذلك».

الغلام: سيدي، إنّ اُمّي هي أمرتني.

فأذن له الحسينعليه‌السلام وهجم على القوم قائلاً:

أمـيري حسينٌ ونعم الأميرْ

سـرورُ فؤادِ البشيرِ النذيرْ

عـلـيٌ وفـاطمةٌ والـداهْ

فـهل تعلمون لهُ من نظيرْ

لهُ طلعةٌ مثلُ شمسِ الضحى

لـهُ غـرةٌ مـثلُ بدرٍ منيرْ(2)

____________________

(1) المصدر نفسه.

(2) مقتل الحسين - عبد الرزاق المقرّم / 315، مقتل الحسين - الأمين / 145.

٢٣٨

ولما قُتل أخذت اُمّه عموداً من الخيمة، وهجمت على الأعداء قائلة:

إنّي عجوزٌ في النسا ضعيفهْ

خـاويـةٌ بـالـيةٌ نـحيفهْ

أضـربكم بـضربةٍ عنيفهْ

دونَ بـني فاطمةَ الشريفهْ(1)

* الحجّاج بن مسروق الجعفي: فإنّه قاتل حتّى خُضّب بدمه من كثرة جراحاته، وعاد إلى الحسينعليه‌السلام قائلاً:

فدتك نفسي هادياً مهديا

الـيوم ألقى جدّك النبيّا

ثـمّ أباك ذا الندى عليّا

ذاك الذي نعرفه الوصيّا(2)

فقال له الحسينعليه‌السلام : «وأنا ألقاهما على أثرك».

* أبو الشعثاء: وهو يزيد بن زياد الكندي، وكان رامياً، فجثا بين يدي الحسينعليه‌السلام يرمي بسهامه، والحسينعليه‌السلام يقول: «اللّهمّ سدّد رميته، واجعل الجنّة ثوابه».

ولمّا نفذت هجم على الأعداء مرتجزاً:

____________________

(1) المصدر نفسه.

(2) إبصار العين في أنصار الحسين - محمد السماوي / 109.

٢٣٩

أنـا يـزيدٌ وأبي مهاصرُ

أشجعُ من ليثٍ بغيل خادرُ

يا ربِّ إنّي للحسينِ ناصرُ

ولابنِ سعدٍ تاركٌ وهاجرُ(1)

* جون مولى أبي ذر الغفاري: كان مع الحسينعليه‌السلام ، ولمّا رأى وحدته وقلّة ناصريه، طلب الإذن من الحسينعليه‌السلام ، وهجم قائلاً:

كيف ترى الفجارُ ضربَ الأسودِ

بـالـمشرفيِّ والـقنا الـمسدّدِ

يـذبُّ عـن آل الـنبي أحـمدِ(2)

* عمرو بن خالد الأزدي: فإنّه برز إلى الأعداء بقوله:

إلـيكِ يـا نـفس إلى الرحمان

فـأبشري بالروح والريحان

اليوم تُجزين على الإحسان

قـد كانَ منكِ غابر الأزمان

ما خُطّ في اللوح لدى الديّان

لا تـجزعي فكلّ حيّ فان

والصبر أحظى لك بالإيمان

يا معشر الأزد بني قحطان(3)

* خالد بن عمرو الأزدي: طلب الإذن بالقتال من الحسينعليه‌السلام فأذن لهعليه‌السلام ، فخرج قائلاً:

صبراً على الموتِ بني قحطانِ

كيما تكونوا في رضا الرحمانِ

____________________

(1) المصدر نفسه / 127، تاريخ الطبري 4 / 340.

(2) مقتل الحسين - محسن الأمين / 142.

(3) المصدر نفسه.

٢٤٠