الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)0%

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 304

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد عبد الكريم الحسيني القزويني
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الصفحات: 304
المشاهدات: 142465
تحميل: 4413

توضيحات:

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 304 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 142465 / تحميل: 4413
الحجم الحجم الحجم
الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ذي الـمجدِ والـعزّةِ والبرهانِ

وذي العُلا والطَّولِ والإحسانِ

يـا أبتا قد صرت في الجنانِ

فـي قـصرِ درٍّ حَسَن البنيانِ(1)

* سعد بن حنظلة التميمي: فإنّه برز قائلاً:

صبراً على الأسيافِ والأسنّهْ

صـبراً عليها لدخول الجنّهْ

وحـورِ عـينٍ ناعماتٍ هنَّ

لـمَنْ يريدُ الفوزَ لا بالظنّهْ

يـا نـفسُ للراحةِ فاجهدنّهْ

وفـي طلابِ الخيرِ فارغبنّهْ

* عمير بن عبد الله المذحجي: هجم على القوم بقوله:

قـد علمت سعدٌ وحيُّ مذحجِ

أنّي لدى الهيجاءِ ليثٌ محرجِ

أعـلو بسيفي هامةَ المدجّجِ

واتـركُ القرنَ لدى التعرّجِ

فريسةَ الضبعِ الأذلّ الأعرجِ

* عبد الرحمن بن عبد الله اليزني: خرج مرتجزاً بقوله:

أنـا ابنُ عبد الله من آلِ يزنْ

ديني على دينِ حسينٍ وحسنْ

أضربكم ضربَ فتىً من اليمنْ

أرجو بذاك الفوزَ عند المؤتمنْ

* يحيى بن سليم المازني: خرج مرتجزاً بقوله:

لأضربنّ القومَ ضرباً فيصلا

ضرباً شديداً في العدا معجّلا

____________________

(1) المصدر نفسه.

(2) المصدر نفسه.

٢٤١

لا عـاجزاً فـيهِ ولا مولولا

ولا أخـافُ اليوم موتاً مقبلا

لـكنّني كالليث أحمي أشبلا(1)

* أنس بن حارث الكاهلي: برز إلى المعركة وهو يرتجز ويقول:

قـد عـلمت مالكُ والذودانْ

والـخندفيّون وقيسُ عيلانْ

بـأنّ قـومي آفـةُ الأقرانْ

لدى الوغى وسادةُ الفرسانْ

مـباشرُ الـموتِ بطعنٍ آنْ

لسنا نرى العجزَ عن الطعانْ

آلُ عـلي شـيعةُ الرحمانْ

آلُ زيـادٍ شـيعةُ الشيطانْ(2)

* عمرو بن مطاع الجعفي: فهو عندما برز إلى الأعداء جعل يرتجز قائلاً:

أنـا ابـنُ جعفٍ وأبي مطاعْ

وفـي يـميني مرهفٌ قطّاعْ

وأسـمر فـي رأسـه لـمّاعْ

يُـرى لـه من ضوئه شعاعْ

الـيوم قـد طـابَ لنا القراعْ

دون حسينِ الضرب والمصاعْ

يـرجى بـذاك الفوز والدفاعْ

مـن حـرّ نارٍ حين لا انتفاعْ(3)

____________________

(1) مقتل الحسين - محسن الأمين / 143 - 144.

(2) المصدر نفسه.

(3) المصدر نفسه.

٢٤٢

* أنيس بن معقل الأصبحي: فإنّه هجم على الأعداء مرتجزاً:

أنـا أنـيسٌ وأنـا ابنُ معقلْ

وفي يميني نصلُ سيفٍ مصقلْ

أأعلو به الهامات وسطَ القسطلْ

عـن الحسينِ الماجدِ المفضّلْ

ابـنِ رسـول الله خيرِ مُرسلْ(1)

* عمرو بن جنادة: برز إلى الأعداء مرتجزاً بقوله:

أضـقِ الـخناقَ مـن ابن سعد

واُمّه من عامه بفوارس الأنصارِ

ومـهاجرينَ مخضّبينَ رماحهم

تـحتَ الـعجاجةِ من دمِ الكفارِ

خـضبت على عهد النبي محمّد

فـاليومَ تُـخضبُ من دمِ الفجّارِ(2)

* أبو عمر النهشلي: فإنّه توجّه نحو الحسينعليه‌السلام قائلاً:

أبشر هُديت الرشدَ تلقى أحمدا

في جنّةِ الفردوسِ تعلو صعدا(3)

* مالك بن ذودان: هجم على الأعداء راجزاً بقوله:

إلـيكمُ مـن مالكِ الضرغامِ

ضربَ فتىً يحمي عن الكرامِ

يـرجو ثوابَ اللهِ ذي الإنعامِ(4)

____________________

(1) مقتل الحسين - محسن الأمين / 145 - 146.

(2) المصدر نفسه.

(3) المصدر نفسه.

(4) المصدر نفسه / 150.

٢٤٣

أهل البيتعليهم‌السلام والأراجيز

لمّا قُتل جميع أصحاب الحسينعليه‌السلام ولم يبقَ منهم أحد، أخذ أهل البيتعليهم‌السلام يتسابقون إلى الجهاد، ويبذلون الأنفس في سبيل شريعة جدّهم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهذا هو نجل الحسينعليه‌السلام صاحب الثورة يتقدّم في طليعة بني هاشم، وهو أوّل قتيل، واسمه:

* علي الأكبر بن الحسينعليهما‌السلام

هو علي الأكبر بن الحسينعليهما‌السلام ، واُمّه ليلى ابنة أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي، أوّل قتيل من أهل البيتعليهم‌السلام ؛ فإنّه بعد أن أذن له أبوه الحسينعليه‌السلام بالقتال، هجم على الأعداء قائلاً:

أنـا عليُّ بنُ الحسين بن علي

نـحنُ وبـيتِ اللهِ أولى بالنبي

تاللهِ لا يـحكمُ فـينا ابن الدّعي(1)

أضربُ بالسيفِ اُحامي عن أبي

ضـربَ غـلامٍ هاشمي علوي(2)

* عبد الله بن مسلم بن عقيل

هو عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب، واُمّه رقية بنت علي بن أبي طالب، برز إلى الأعداء مرتجزاً بقوله:

____________________

(1) هو عبيد الله بن زياد، كان أبوه مجهول الأب؛ ولذا يُقال له: زياد بن أبيه.

(2) تاريخ الطبري 5 / 440، مقتل الحسين - محسن الأمين / 150.

٢٤٤

الـيوم ألـقى مسلماً وهو أبي

وفـتيةً بـادوا على دين النبي

لـيسوا بـقومٍ عُرفوا بالكذبِ

لـكن خـيارٌ وكـرامُ النسبِ

من هاشمِ السادات أهل الحسبِ(1)

* جعفر بن عقيل

جعفر بن عقيل بن أبي طالب، وهو غلام برز راجزاً:

أنا الغلام الأبطحي الطالبي

من معشرٍ من هاشمٍ وغالبِ

ونـحن حقّاً سادةُ الذوائبِ

هذا حسينٌ أطيبُ الأطائبِ

من عترةِ البرِّ التقي الغالبِ(2)

* عبد الرحمن بن عقيل

ثمّ برز أخوه عبد الرحمان بن عقيل بن أبي طالب قائلاً:

أبي عقيل فاعرفوا مكاني

من هاشمٍ وهاشمٌ إخواني

كهول صدقٍ سادةُ الأقران

هذا حسينٌ شامخُ البنيانِ

وسـيّدُ الشيبِ مع الشبانِ(3)

* محمّد بن عبد الله بن جعفر الطيّار

محمّد بن عبد الله بن جعفر الطيّار، واُمّه زينب الكبرى بنت

____________________

(1) مقتل الحسين - محسن الأمين / 152 - 153.

(2) المصدر نفسه.

(3) المصدر نفسه.

٢٤٥

الإمام عليعليه‌السلام ، برز إلى الأعداء مرتجزاً بقوله:

أشـكو إلى اللهِ مـن الـعدوانِ

قتال قومٍ في الردى عميان

قـد تـركوا معالمَ القرآنِ

ومـحكمَ التنزيلِ والتبيانِ

وأظهروا الكفرَ مع الطغيانِ(1)

* عون بن عبد الله بن جعفر الطيّار

عون بن عبد الله بن جعفر الطيّار، واُمّه أيضاً زينب الكبرى بنت الإمام عليعليه‌السلام ، فإنّه برز بعدما قُتل أخوه قائلاً:

إن تـنكروني فأنا ابنُ جعفرْ

شهيدُ صدقٍ في الجنانِ أزهرْ

يـطيرُ فـيها بجناحٍ أخضرْ

كـفى بهذا شرفاً في المحشرْ(2)

* القاسم بن الحسن بن علي

القاسم هو ابن الإمام الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، غلام لم يبلغ الحلم، برز راجلاً وراجزاً بقوله:

إن تـنكروني فـأنا ابنُ الحسنْ

سبطُ النبيِّ المصطفى والمؤتمنْ

هـذا حـسينٌ كالأسيرِ المرتهنْ

بين اُناسٍ لا سُقوا صوبَ الـمُزنْ

ثمّ شدّ عليهم ثانياً بقوله:

____________________

(1) مقتل الحسين - محسن الأمين / 154.

(2) المصدر نفسه.

٢٤٦

لا تجزعي نفسي فكلٌ فاني

الـيوم تلقين ذوي الجنانِ(1)

* أبو بكر بن علي بن أبي طالب

ثمّ تقدّم إخوة الحسينعليه‌السلام من أبيه، وعددهم ستة، طالبين الإذن بالمبارزة، فأذنعليه‌السلام لهم؛ فتقدّم أبو بكر ابن الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام قائلاً:

شـيخي عليٌّ ذو الفخارِ الأطولِ

من هاشمِ الصدقِ الكريمِ المفضلِ

هـذا حسينُ ابن النبيِّ المُرسَلِ

عـنه نـحامي بالحسامِ المصقلِ

تـفديهِ نـفسي مـن أخٍ مبجّلِ(2)

* عمر بن علي بن أبي طالب

فإنّه خرج بعد مقتل أخيه، وهجم على الأعداء مرتجزاً:

أضربكم ولا أرى فيكم زجرْ

ذاك الـشقي بـالنبي قد كفر

يازجر يازجر تدانى من عمرْ

لـعلّكَ الـيومَ تبوءَ من سقر

شـرّ مكانٍ في حريقٍ وسعرْ

لأنّـك الـجاحدُ يا شرّ البشرْ

فقتل زجر قاتل أخيه، ثمّ شدّ على الأعداء قائلاً:

خـلّو عـداةَ اللهِ خلّو عن عمرْ

خلّو عن الليثِ الهصورِ المكفهرْ

____________________

(1) المصدر نفسه.

(2) مقتل الحسين - محسن الأمين / 156.

٢٤٧

يـضـربكم بـسيفهِ ولا يـفرْ

ولـيس فيها كالجبانِ المنجحر(1)

* عبد الله بن علي بن أبي طالب

واُمّه اُمّ البنين، تقدّم نحو المعركة راجزاً بقوله:

أنا ابنُ ذي النجدةِ والأفضالِ

ذاك عـليُّ الخيرِ ذو الفعالِ

سيفُ رسولِ اللهِ ذو النكالِ

في كلِّ يومٍ ظاهرُ الأهوالِ(2)

* جعفر بن علي بن أبي طالب

اُمّه اُمّ البنين، مشى نحو المعركة راجزاً:

إنّي أنا جعفرُ ذو المعالي

ابنُ عليِّ الخيرِ ذو النوالِ

حسبي بعمّي شرفاً وخالي(3)

* عثمان بن علي بن أبي طالب

اُمّه أيضاً اُمّ البنين، هجم بعد مقتل أخويه قائلاً:

إنّـي أنـا عثمانُ ذو المفاخرِ

شيخي علي ذو الفعالِ الطاهرِ

هـذا حـسينٌ خيرةُ الأخايرِ

وسـيّدُ الـصغارِ والأكـابرِ

بعد الرسولِ والوصيِّ الناصرِ(4)

____________________

(1) المصدر نفسه.

(2) المصدر نفسه / 158.

(3) المصدر نفسه.

(4) المصدر نفسه.

٢٤٨

* العباس بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام

فإنّهعليه‌السلام بعدما قدّم إخوته الثلاثة وقُتلوا، خرج طالباً قليلاً من الماء لحرم رسول الله؛ لأنّ الظمأ أخذ منهم مأخذاً عظيماً بعد أن منعوهم من شربه، فإنّهعليه‌السلام اتّجه نحو القوم قائلاً:

لا أرهبُ الموتَ إذا الموتُ رقى

حـتّى اُوارى في المصاليتِ لَقى

نفسي لسبطِ المصطفى الطهرِ وقا

إنّـي أنـا الـعباسُ أغدو بالسقا

ولا أخـافُ الـشرَّ يوم الملتقى

ففرّقهم تفريقاً، ولكن قطعوا يمينه، فأخذ السيف بشماله وهو يرتجز بقوله:

والله إن قـطعتموا يميني

إنّي اُحامي أبداً عن ديني

وعـن إمامٍ صادقِ اليقينِ

نجلِ النبيِّ الطاهرِ الأمينِ

نـبيِّ صدقٍ جاءنا بالدينِ

مـصدّقاً بالواحدِ الأمينِ

ثمّ تكاثروا عليه وقطعوا شماله، فقالعليه‌السلام :

يا نفس لا تخشَي من الكفّارِ

وأبـشري بـرحمةِ الجبّارِ

مـع الـنبيِّ السيّدِ المختارِ

قـد قطعوا ببغيهم يساري

فـأصلهم يا ربِّ حرَّ النارِ(1)

____________________

(1) مقتل الحسين - الأمين / 159، مقتل الحسين - عبد الرزاق المقرّم / 238، مقتل أبي مخنف / 58.

٢٤٩

* الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام

نظرعليه‌السلام إلى معسكره فلم يجد له ولياً ولا نصيراً؛ إذ أنّ أصحابه ورجال أهل بيته صرعتهم يد المنون، وكلّما أمعن النظر فلم يجد سوى أطفال وحريم يتصارخون من شدّة الظمأ، قد أثكلهم هول المصاب، وقد تكاثر عليه أعداؤه من كلّ صوب وحدب، فبرز إليهم مرتجزاً بقوله:

الموتُ أولى من ركوبِ العارِ

والعارُ أولى من دخولِ النارِ

واللهِ ما هذا وهذا جاري

ثمّ شدّ عليهم كالليث الغضبان قائلاً:

أنـا الحسينُ بن علي

آلـيت أن لا أنـثني

أحـمي عـيالاتِ أبي

أمضي على دينِ النبي(1)

هذه نخبة من الأراجيز التي تضمّ في طيّاتها كلّ معاني الخير والكمال، وقد كشفت لنا عن نفسيّة ثوريّة خيّرة أبت أن تخضع لواقع يتنافى مع عقيدتها وإيمانها.

تاركة في سبيل ذلك كلّ غالٍ وثمين، ولم تبخل بأيّ عطاء في سبيلها والدفاع عنها، ولم تؤثّر فيها الأطماع والأهواء،

____________________

(1) مقتل الحسين - عبد الرزاق المقرّم / 345، مقتل الحسين - الأمين / 162.

٢٥٠

ولم يغرّها سلطان ولا جاه ولا مال، بل آثرت نعيم الآخرة على نعيم الدنيا الفاني؛ فهي دائماً وأبداً تنشد رضا الله تعالى، وتبغي طاعته ورضوانه، مدافعة عن شرعة الحقّ والخير؛ لأنّ أصحابها هم ذوو مبدأ، ورائدو رسالة، وتلاميذ مدرسة، أشاد بنيانها أبو الشهداء الحسينعليه‌السلام ، فهي مدرسة لها أسسها وتعاليمها ومنهجيتها في الفكر والسلوك.

وهي تماماً على نقيض المدرسة الاُمويّة بكلّ مفاهيمها وأبعادها، والتي قد تخرّج منها الجيش الاُموي الذي حضر واقعة كربلاء؛ فهو يحمل خصائص وروحية وطابع تلك المدرسة، وهو خير مصداق لتجسيد أفكارها وتعاليمها؛ فتلاميذها هم شذّاذ الآفاق، ومحرّفو الكلم عن مواضعه، ومطفئو السنن، وأتباعها عبدة المادة، وإيمانهم الجاه والسلطان.

فهذا رأس الجيش الاُموي في كربلاء عمر بن سعد، وأحد أقطاب هذه المدرسة يُعطينا نموذجاً لمفاهيمها وأفكارها، وذلك لمّا طلب منه عبيد الله بن زياد أن يخرج لحرب الحسينعليه‌السلام فبقي ليلته مفكّراً قلقاً حائراً، يخيّر نفسه بين

٢٥١

نعيم الآخرة وبين ملك الدنيا، حتّى سُمع يقول كما جاء في تاريخ ابن الأثير:

أأتركُ ملكَ الرّي والرّي منيتي

أم أرجـعُ مـأثوماً بقتلِ حسينِ

وفي قتلهِ النارُ التي ليس دونها

حجابٌ وملكُ الرّي قرّة عيني(1)

فبهذه الوثيقة يتبيّن لنا عقلية قائد الجيش الاُموي، ومدى إيمانه وتأثّره بالإسلام. فهو يقدم على قتل ابن بنت رسول الله في حين يعلم أنّ مصيره النار، وكما صرّح هو بقوله: «وفي قتله النارُ التي ليس دونها» ويكون الثمن على ذلك ولاية ملك الرّي؛ فإنّها قرّة عينه.

وكيف لا يقدم على مثل هذه الجريمة ما دام مفهومه ومقياسه في هذه الحياة المادة واللذة؟!

هذا نموذج واحد من أقطاب هذه المدرسة، وهناك مئات من النماذج الأخرى التي لا يسعنا ذكرها بتفاصيلها وأبعادها؛ خشية الإطالة والخروج عن الموضوع. ولكنّني أودّ أن أذكر نموذجاً آخر يُمثل مفهوم وعقلية هذه المدرسة أيضاً ليكون برهاناً ساطعاً لمَنْ يريد أن يعرف الحقّ وأهله؛

____________________

(1) الكامل في التاريخ - ابن الأثير 3 / 283.

٢٥٢

فقد ذكر الطبري وابن الأثير أنّ سنان بن أنس النخعي قاتل الحسينعليه‌السلام ، جاء إلى عمر بن سعد يطلب الجزاء المادي على قتله لابن بنت نبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله قائلاً:

أوقر ركابي فضةً وذهبا

إنّي قتلتُ السيدَ المحجّبا

قتلتُ خيرَ الناسِ اُمّاً وأبا

وخيرهم إذ ينسبونَ نسبا(1)

وما أدري كيف نستطيع أن نحكم على مثل قائل هذين البيتين أنّه مسلم ويدين بالشريعة المقدّسة مع أنّه يعترف بأنّه قتل خير الناس اُمّاً وأباً؟!

ولو قارنّا هذين البيتين مع الأراجيز التي قيلت في المعركة من قِبل الذين قُتلوا مع الحسينعليه‌السلام في كربلاء؛ فمثلاً محمّد بن عبد الله بن جعفر الطيّار يقول:

أشـكو إلى اللهِ مـن الـعدوانِ

قتالَ قومٍ في الردى عميانِ

قـد تـركوا معالمَ القرآنِ

ومـحكمَ التنزيلِ والتبيانِ

وأظهروا الكفرَ مع الطغيانِ(2)

لرأينا بوضوح الفرق الشاسع بين قوى الإيمان الخيّرة، وبين قوى الضلال والانحراف والردّة.

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 347، الكامل في التاريخ - ابن الأثير 3 / 296.

(2) الكامل في التاريخ - ابن الأثير 3 / 296.

٢٥٣

وبهذا العرض الوجيز يتبيّن لنا الفرق الكبير بين اتجاه المدرستين؛ المدرسة الحسينيّة، والمدرسة الاُمويّة، «وكلّ إناء بالذي فيه ينضح».

123 - صلاة في معركة

الصلاة لا تترك بحال من الأحوال؛ لأنّها الرابطة الروحية بين العبد وخالقه، وهي من أهم الفرائض الإسلاميّة التي لا يمكن التواني أو التردّد فيها، والتي عبّر عنها الحديث الشريف بـ: «عمود الدين، إن قُبلت قُبل ما سواها، وإن ردت ردّ ما سواها» و «إنّ المستخف بها مستخف بأحكام الله» و «لن ينال شفاعتنا أهل البيت مَنْ كان مستخفاً بصلاته» على حدّ تعبير الإمام الصادقعليه‌السلام .

كما إنّها صلة بين الإنسان وخالقه، ومعراج المؤمن وقربانه؛ ولهذا نرى الإمام الحسينعليه‌السلام مكثراً لها في جميع أدوار حياته حتّى في أيام عاشوراء؛ لأنّهعليه‌السلام كان يحبّها كما قال ذلك عندما زحف إليه عمر بن سعد بجيشه الجرّار في عشية يوم التاسع من محرّم، فطلبعليه‌السلام منهم إمهاله هذه العشية قائلاً: «لعلنا نصلّي لربّنا الليلة ونستغفره، فهو يعلم أنّي أحبّ الصلاة له، وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار».

٢٥٤

ولمّا حان وقت صلاة الظهر من يوم العاشر من محرّم وهم في ساحة المعركة، التفت إليه أبو ثمامة عمرو بن عبد الله الصائدي قائلاً: يا أبا عبد الله، نفسي لك الفداء، إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، ولا والله لا تُقتل حتّى اُقتل دونك إن شاء الله، وأحبّ أن ألقى ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة التي دنا وقتها.

الحسينعليه‌السلام يرفع رأسه إلى السماء قائلاً: «ذكرت الصلاة، جعلك الله من المصلّين الذاكرين. نعم هذا أوّل وقتها. سلوهم أن يكفّوا عنّا حتّى نصلّي».

الحصين بن تميم يستهزئ بصلاة الحسينعليه‌السلام قائلاً: إنّها لا تُقبل.

حبيب بن مظاهر يردّ عليه بقوله: زعمت لا تُقبل الصلاة من آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتُقبل منك يا حمار(1) !

وهكذا نرى الحسينعليه‌السلام يهتمّ بالصلاة حتّى في أصعب الظروف وأشدّها، فيصلّي بأصحابه صلاة الظهر؛ فالصلاة هي قربان روحي للمؤمن، وجهاد الحسينعليه‌السلام قربان مادي، وقدّمعليه‌السلام القرابين في ساحة القتال لله، فهو مع

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 334.

٢٥٥

الله روحاً وجسداً.

وتقدّم أمامه زهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي؛ ليحرسانه ويقيانه من السهام. فما أتمّ صلاته إلاّ وسعيد بن عبد الله قد اُثخن بالجراح فسقط إلى الأرض، وهو يقول: اللّهمّ العنهم لعن عاد وثمود، وأبلغ نبيّك منّي السلام، وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح؛ فإنّي أردت بذلك ثوابك في نصرة ذرّيّة نبيّكصلى‌الله‌عليه‌وآله . ثمّ التفت إلى الحسينعليه‌السلام قائلاً: أوفيت يابن رسول الله؟

الحسينعليه‌السلام : «أنت أمامي في الجنّة».

ثمّ يلتفت الحسينعليه‌السلام إلى أصحابه قائلاً: «يا كرام، هذه الجنّة قد فتحت أبوابها، واتّصلت أنهارها، وأينعت ثمارها. وهذا رسول الله والشهداء الذين قُتلوا في سبيل الله يتوقّعون قدومكم، ويتباشرون بكم، فحاموا عن دين الله ودين نبيّه، وذبّوا عن حرم الرسول».

فأجابه الأصحاب بلسان واحد: «نفوسنا لنفسك الفداء، ودماؤنا لدمك الوقاء، فوالله لا يصل إليك وإلى حرمك سوء وفينا عرق يضرب»(1) .

____________________

(1) مقتل الحسين - عبد الرزاق المقرّم / 305.

٢٥٦

124 - الحسينعليه‌السلام يقف على قتلاه

* مسلم بن عوسجة الأسدي

كان صحابياً ممّن رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما صرح ابن سعد في طبقاته، وهو من أشراف قومه وشجعانهم. وكان متعبّداً وناسكاً ومن القرّاء، ولمّا اُخبر الحسينعليه‌السلام بمصرعه مشى إليه ومعه حبيب بن مظاهر فإذا به رمق.

الحسينعليه‌السلام : «رحمك ربّك يا مسلم بن عوسجة». ثمّ قرأ قوله تعالى: «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً »(1) .

حبيب بن مظاهر دنا من مسلم قائلاً: عزّ عليّ مصرعك يا مسلم، أبشر بالجنّة.

فأجابه مسلم بصوت ضعيف: بشّرك الله بخير.

حبيب: لولا أنّي أعلم أنّي في أثرك، ولاحق بك من ساعتي هذه لأحببت أن توصيني بكلّ ما أهمّك؛ حتّى أحفظك في كلّ ذلك بما أنت أهل له في القرابة والدين.

مسلم: بل أنا اُوصيك بهذا رحمك الله (وأشار إلى الحسين) أن تموت دونه.

____________________

(1) سورة الأحزاب / 23.

٢٥٧

حبيب: أفعل وربّ الكعبة. ثمّ فاضت روحه الطاهرة، وصاحت جارية له: يابن عوسجتاه! يا سيداه!

فتنادي جند اُميّة: قتلنا مسلم بن عوسجة.

فقال شبث بن ربعي، شاهداً بحقّه: ثكلتكم اُمهاتكم! إنّما تقتلون أنفسكم بأيديكم، تذللون أنفسكم لغيركم، تفرحون أن يقتل مثل مسلم بن عوسجة! أما والذي أسلمت له، لرُبّ موقف له قد رأيته في المسلمين كريم! لقد رأيته يوم سلق آذربيجان قتل ستة من المشركين قبل تتام خيول المسلمين، أفيقتل منكم مثله وتفرحون(1) ؟!

* حبيب بن مظاهر

حبيب بن مظاهر الأسدي كان صاحبياً، رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقاتل مع أمير المؤمنين عليعليه‌السلام في جميع حروبه، وهو من خواصّه وحملة علومه.

وقد تحدّث أرباب السير والرجال كثيراً عنه؛ فنقل الكشي عن فضيل بن الزبير، قال: مرّ ميثم التمّار على فرس له فاستقبله حبيب بن مظاهر الأسدي عند مجلس بني أسد، فتحادثا حتّى اختلفت عنقا فرسيهما، فقال حبيب: لكأنّي بشيخ أصلع، ضخم البطن، يبيع البطيخ عند

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 332، مقتل الحسين - عبد الرزاق المقرّم / 297.

٢٥٨

دار الرزق، قد صلب في حبّ أهل بيت نبيّه فتبقر بطنه على الخشبة.

فقال ميثم: وإنّي لأعرف رجلاً أحمر، له ضفيرتان، يخرج لنصرة ابن بنت نبيّه فيُقتل ويُجال برأسه في الكوفة. ثمّ افترقا.

فقال أهل المجلس: ما رأينا أكذب من هذين، فلم يتفرّق أهل المجلس حتّى أقبل رشيد الهجري فطلبهما. فقالوا: افترقا، وسمعناهما يقولان: كذا وكذا.

فقال رشيد: رحم الله ميثماً، نسي: ويزاد في عطاء الذي يجيء بالرأس مئة درهم. ثمّ أدبر(1) .

فقال القوم: هذا والله أكذبهم.

قال: فما ذهبت الأيام والليالي حتّى رأينا ميثماً مصلوباً على باب عمرو بن حريث. وجيء برأس حبيب وقد قُتل مع الحسينعليه‌السلام ، ورأينا كلّ ما قالوا(2) .

وتظهر منزلته وعلو شأنه من هذا الكلام؛ ولهذا اختاره

____________________

(1) انظر تفصيل ذلك في إبصار العين في أنصار الحسين - محمد السماوي / 65، تاريخ الطبري 4 / 335.

(2) المصدر نفسه.

٢٥٩

الحسينعليه‌السلام قائداً لمسيرة جيشه.

وله خطب ومواعظ ومواقف في واقعة كربلاء. وهو أيضاً من شجعان العرب وفرسانهم، قتل على كبر سنه اثنين وستين رجلاً كما يقول المقرّم(1) .

ولمّا سمع الحسينعليه‌السلام بمقتله هدّه ذلك وقال: «عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي». واسترجع كثيراً(2) .

* الحرّ بن يزيد الرياحي

الحرّ بن يزيد الرياحي التميمي أحد قوّاد الجيش الاُموي، أدركته الهداية فترك قيادة الجيش وجاء إلى الحسينعليه‌السلام منكسّاً رأسه؛ حياءً من آل الرسول (ص)؛ لأنّه هو الذي جعجع بهم في هذا المكان على غير ماء ولا كلأ، قائلاً: اللّهمّ إليك اُنيب فتب عليّ؛ فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد نبيّك. يا أبا عبد الله، إنّي تائب، فهل لي من توبة؟

فقال الحسين: «نعم، يتوب الله عليك».

ثمّ طلب الإذن بالقتال، فهجم على القوم ومعه زهير بن القين فقاتلا قتالاً شديداً، فكان إذا شدّ أحدهما فاستلحم

____________________

(1) مقتل الحسين - عبد الرزاق المقرّم / 301.

(2) تاريخ الطبري 4 / 336.

٢٦٠