دموع الأبرار على مصاب أبي الأحرار

دموع الأبرار على مصاب أبي الأحرار0%

دموع الأبرار على مصاب أبي الأحرار مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 186

دموع الأبرار على مصاب أبي الأحرار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد علي الحسيني البقاعي
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 186
المشاهدات: 38590
تحميل: 6929

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 186 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38590 / تحميل: 6929
الحجم الحجم الحجم
دموع الأبرار على مصاب أبي الأحرار

دموع الأبرار على مصاب أبي الأحرار

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

البيعة، ولا يُرخّص له في التأخر عن ذلك.

فأنفذ الوليد إلى الحسين (عليه السّلام) في الليل فاستدعاه، فعرف الحسين (عليه السّلام) الذي أراد، فدعا الإمام جماعة من مواليه وأمرهم بحمل السلاح، وقال لهم:« إنّ الوليد قد استدعاني في هذا الوقت، ولست آمناً أن يكلّفني أمراً لا اُجيبه إليه، وهو غير مأمون، فكونوا معي؛ فإذا دخلت عليه فاجلسوا على الباب، فإن سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه لتمنعوه منّي » .

فصار الحسين (عليه السّلام) إلى الوليد، فوجد عنده مروان بن الحكم(1) ، فنعى إليه الوليد معاوية، فاسترجع الإمام الحسين (عليه السّلام)، ثمّ قرأ الوليد كتاب يزيد وما أمره به، فقال الإمام (عليه السّلام):« إنّي أراك لا تقنع ببيعتي سرّاً حتّى اُبايعه جهراً » .

فقال الوليد: أجل.

فقال الإمام (عليه السّلام):« فنصبح ونرى رأينا في ذلك » .

فقال له الوليد: انصرف على اسم الله حتّى تأتينا مع جماعة الناس.

فقال مروان: والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يُبايع لا تقدر منه على مثلها أبداً حتّى يكثر القتل بينكم وبينه، احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتّى يُبايع، وإلاّ فاضرب عنقه.

____________________

(1) هو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن اُميّة، واُمّه آمنة بنت علقمة بن صفوان الكناني، ولد في السنة الثانية من الهجرة، وأسلم أبوه الحكم في عام الفتح فنشأ مروان مسلماً، وكان في عهد عثمان بن عفّان كاتباً له ومدبّراً، وولي لمعاوية المدينة عدّة مرّات.

ولمـّا مات يزيد أوشك أن يذهب إلى ابن الزبير ليُبايعه لولا عبد الله بن زياد؛ فإنّه أشار أن يطلب الخلافة لنفسه لأنّه شيخ بني اُميّة فاستشرف لها ووجد مَنْ ينصره على ذلك.

وتمّ له الأمر بعد واقعة مرج راهط، وكان أمره في الشام ومصر، لم يتجاوزهما حتّى مات في رمضان سنة 65 هـ، وكان قد عهد بالخلافة لابنيه عبد الملك ثمّ عبد العزيز. (الدولة الاُمويّة / 294).

٦١

فغضب الإمام الحسين (عليه السّلام) ثمّ قال:« وَيلٌ لك يابن الزَرقاء (1) ! أنت تضرب عنقي، كذبت وَلؤمت؟ » (2) . ثمّ أقبل على الوليد فقال:« أيّها الأمير، إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الرحمة، بنا فتح الله وبنا يختم، ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يُبايع مثله، ولكن نُصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون أيّنا أحقّ بالخلافة والبيعة » (3) .

فخرج الإمام (عليه السّلام) وأخبر بما قاله يزيد إن لم يبايع؛ فعزم الإمام على الخروج من مدينة جدّه، فتوجّه في الليلة الأولى إلى قبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقال (عليه السّلام):« السلام عليك يا رسول الله، أنا الحسين بن فاطمة، فرخك وابن فرختك، وسبطك الذي خلّفتني في اُمّتك، فاشهد عليهم يا نبي الله أنّهم قد خذلوني وضيّعوني ولم يحفظوني، وهذه شكواي إليك حتّى ألقاك (4) ، حيث لم اُبايع يزيد شارب الخمر وفاعل الشرور؛ إن فعلت كفرت، وإن أبيت قُتلت » .

ثمّ جعل يبكي عند القبر حتّى إذا كان قريباً من الصبح وضع رأسه على القبر وغفا، فإذا هو برسول الله قد أقبل ومعه كتيبة من الملائكة عن يمينه وشماله وبين يديه حتّى ضمّ الحسين (عليه السّلام) إلى صدره، وقبّل بين عينيه، وقال:« حبيبي يا حسين، كأنّي أراك عن قريب مُرمّلاً بدمائك، مذبوحاً بأرض كرب

____________________

(1) الزرقاء بنت وهب، كانت جدّة مروان، ومن البغايا المومسات ومن ذوات الأعلام. ذكرها سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص / 229، والآداب السلطانية / 88، موسوعة النبي والعترة 6 / 97، والكامل - لابن الأثير 4 / 70.

(2) روضة الواعظين 1 / 171، طلائع الشهداء / 202، الكامل في التاريخ 4 / 15.

(3) اللهوف / 10، تاريخ الطبري 3 / 270، بحار الأنوار 44 / 324.

(4) بحار الأنوار 44 / 388 باب 37، مقتل العوالم / 54، مقتل الحسين (عليه السّلام) - الخوارزمي / 186.

٦٢

وبلاء، وأنت مع ذلك عطشان لا تُسقى، وظمآن لا تُروى، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي! لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة. حبيبي يا حسين، إنّ اُمّك وأباك وأخاك قدموا عليّ وهم مشتاقون إليك، وإنّ لك في الجنان لدرجات لن تنالها إلاّ بالشهادة » .

فجعل الحسين (عليه السّلام) في منامه ينظر إلى جدّه ويقول:« يا جدّاه، لا حاجة لي بالرجوع إلى الدنيا، فخذني إليك وأدخلني معك في قبرك » (1) .

وكأنّي به:

(بحراني)

ضمّني عندكَ يا جدّاه في هذا الضريح

علّني يا جد من بلوى زماني استريح

ضاق بي ياجدّ من فرط الأسى كلّ‌فسيح

فعسى طودُ الأسى يندكُ بين الدكتين

فعلا من داخل القبرِ بكاءٌ ونحيب

ونداءٌ بافتجاعٍ يا حبيبي يا حسين

ومضى إلى قبر اُمّه فاطمة مودّعاً، وقف على القبر وقال:« السلام عليك يا اُمّاه يا فاطمة. يا اُمّاه، حسينك جاء لوداعك، وهذه آخر زيارتي إيّاكِ » .

فإذا النداء من القبر:« عليك السلام يا مظلوم الاُمّة، ويا شهيد الاُمّة » .

وكانت الزهراء (عليها السّلام) تعلم بأنّ الحسين (عليه السّلام) سوف يموت شهيداً، غريباً،

____________________

(1) بحار الأنوار 44 / 328 باب 37.

٦٣

مظلوماً؛ لذلك أوصت ابنتها زينب:« إذا رأيت أخاك الحسين وحيداً فريداً بأرض كربلاء فقبّليه في نحره، وشمّيه في صدره، وهذه وصيتي » . لذلك عندما جاء الإمام (عليه السّلام) إلى الميدان نادته: أخي يا حسين، نور عيني يا حسين، قف لي.

فوقف، قالت له: انزل عن جوادك. فنزل، فشمّته في صدره، وقبّلته في نحره، وتوجّهت نحو المدينة ونادت: اُمّاه يا فاطمة، قد استُرجعت الأمانة.

فقال لها:« أيّ أمانة؟! » .

فقالت له: عندما دنت وفاة اُمّنا فاطمة (عليها السّلام) أوصتني بأن أشمّك في صدرك - موضع سنابك الخيول - واُقبّلك في نحرك - موضع ضربات السيوف -.

نعم، هذا ولم تره الزهراء (عليها السّلام) قبل العاشر من محرّم، ولكن تحقّق عندما صعد الشمر(1) على صدر أبي عبد الله.

يقول الشمر: قبل أن أذبح الحسين سمعت منادية تنادي:يا شمر، لا تذبح ولدي. فذبحته من الوريد إلى الوريد.

فتوجّهت إليه زينب ونادت: اليوم مات جدّي رسول الله، اليوم ماتت اُمّي فاطمة. فتوجّهت إلى جدّها رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا مُحمّداه! صلّى عليك مليك السماء، هذا حسين مُرمّل

____________________

(1) شمر بن ذي الجوشن بن ربيعة الكلابي، كنيته أبو السابغة. شهد صفين مع الإمام علي (عليه السّلام) وجُرح حينها في جبينه. شهد لزياد بن أبيه مع مَنْ شهد من أهل الكوفة على أنّ حجر بن عدي خلع الطاعة وفارق الجماعة، ودعا إلى حرب الفتنة. انضمّ إلى عبيد الله بن زياد في أوائل ولايته من قبل يزيد سنة 60 هـ، ودخل معه قصر الإمارة في الكوفة عندما حاصره مسلم بن عقيل فيه.

حرّض عبيد الله بن زياد على قتل الإمام (عليه السّلام) وعدم قبول ما اشترطه الإمام عليه. عُيّن الشمر قائداً لميسرة الجيش في كربلاء، وأخذ يُحرّض على قتل الإمام (عليه السّلام) حين رآه قد ضعف من القتال، فنزل الشمر بعد أن سقط الإمام (عليه السّلام) على الأرض واحتزّ رأسه الشريف ودفعه إلى خولّى بن يزيد.

أرسل المختار خلفه جماعة فأدركوه في منطقة قرب البصرة، فقتلوه واحتزوا رأسه، وذلك سنة 66 هـ. ورد فيه اللعن في زيارة عاشوراء: ( اللّهمّ العن... وعمر بن سعد وشمراً ). الطبقات الكبرى - لابن سعد 6 / 46، الإرشاد 2 / 12، وقعة صفين / 267.

٦٤

بالدماء، مُقطوع الأعضاء، مسلوب العمامة والرداء(1) .

(دكسن)

يجدي گوم شوف احسين مذبوح

على الشاطي وعلى التربان

يجدي ما بگتله أمن الطعن روح

يجدي گلب اخوي حسين فطر

يجدّي مات محّد مدّد ايديه

ولا واحد يجدّي عدل رجليه

يعالج بالشمس محدّ وصل ليه

يحطله اظلال يا جدّي امن الحر

فرأت اُمّ سلمة زوجها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوم عاشوراء بعد ذبح الحسين في منامها، قالت: بأبي أنت واُمّي يا رسول الله! ما لي أراك قد أهملت نفسك هذا الإهمال؟! فقال:« يا اُمّ سلمة، الآن قُتل ولدي الحسين » .

بادرت اُمّ سلمة إلى القارورة وإذا بالقارورة تفور دماً عبيطاً، فصاحت اُمّ سلمة(2) : وا ولداه وا حسيناه!

____________________

(1) معالي السبطين 2 / 50، الكامل في التاريخ 4 / 81، واقعة الطفّ - لأبي مخنف / 259 - 260.

(2) سير النبلاء 3 / 213، تاريخ اليعقوبي 1 / 247، سنن الترمذي 13 / 193، معالم المدرستين 3 / 73.

٦٥

(عاشوري)

إجاني الخبر بحسين مذبوح آه آه

ودمه على التربان مسفوح

لنوحن وكضي العمر بالنوح آه آه

واعمي اعيوني واتلف الروح

كيف الصبر وحسين مذبوح

(تخميس)

تبكيكَ عيني لا لأجلِ مثوبةٍ

لكنّما عيني لأجلكَ باكيه

تبتلّ منكم كربلا بدمٍ ولا

تبتلّ منّي بالدموعِ الجاريه

لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم. إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا آل بيت محمّد أيّ منقلب ينقلبون، والعاقبة للمتقين.

نسألك اللّهمّ وندعوك باسمك العظيم الأعظم، الأعزّ الأجل الأكرم، يا محمود بحقّ محمّد، يا عالي بحقّ علي، يا فاطر السماوات والأرض بحقّ فاطمة، يا محسن بحقّ الحسن، يا قديم الإحسان بحقّ الحسين (عليه السّلام) عجّل فرج وليك الحجّة المنتظر المهدي (عجّل الله فرجه)، وأنجز له ما وعدته، واجعلنا من جنده وأنصاره والمستشهدين بين يديه.

الإخوة الحاضرون تقبّل اللّهمّ عملهم

٦٦

بأحسن القبول، اقض حوائجهم بحقّ محمّد وآل محمّد، اجعل قلوبهم وديارهم عامرة بذكر محمّد وآل محمّد، ارزقهم شفاعة محمّد وآل محمّد، اغفر لهم بحقّ محمّد وآل محمّد، واحشرهم مع محمّد وآل محمّد.

أمن يُجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.

الفاتحة لاستجابة الدعاء قبلها الصلاة على محمّد وآل محمّد (صلّى الله عليه وآله).

٦٧

٦٨

المجلس الرابع

1 - القصيدة: وعدت غريباً.

2 - الموضوع: الرسول والسفير الحسيني.

3 - الترجمة: مسلم بن عقيل.

الكوفة.

عبيد الله بن زياد.

مسجد الكوفة.

محمد بن الأشعث.

قصر الإمارة.

حميدة بنت مسلم.

سكينة.

4 - المصيبة: شهادة مسلم بن عقيل.

٦٩

٧٠

عظّم الله أجوركم يا بقية الله، يا صاحب العصر والزمان بمصابكم بجدّكم أبي عبد الله الحسين وآل بيته وأصحابه.

صلّى الله عليك يا سيدي ومولاي يا رسول الله، صلّى الله عليك وعلى آلك المظلومين، لعن الله الظالمين لكم من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين.

صلّى الله عليك يا سيدي ومولاي وابن مولاي يا أبا عبد الله، يا صريع الدمعة الساكبة، ويا عبرة كلّ مؤمن ومؤمنة، روحي وأرواح شيعتك لك الفدا، يا شهيد كربلا، ويا قتيل العدا، ومسلوب العمامة والردا. ما خاب مَنْ تمسّك بكم، وأمن مَنْ لجأ إليكم، يا ليتنا كنّا معكم سادتي فنفوز والله فوزاً عظيماً.

وعدتُ غريباً بتلك الديار

أرى صفقتي لم تكن رابحهْ

كما عادَ مسلمٌ بينَ العدى

غريباً وكابدها جائحهْ

رسولُ حسينٍ ونعمَ الرسول

إليهم من العترةِ الصالحهْ

لقد بايعوا رغبةً منهمُ

فيا بؤسَ للبيعةِ الكاشحهْ

وقد خذلوهُ وقد أسلموه

وغدرتُهم لم تزل واضحهْ

فيابنَ عقيلٍ فدتكَ النفوس

لعظمِ رزيّتكَ الفادحهْ

٧١

لنبكِ لها بمُذابِ القلوب

فما قدرُ أدمعنا المالحهْ

بكتكَ دماً يابنَ عمِّ الحسينْ

مدامعُ شيعتكَ السافحهْ

لأنّكَ لم تروَ من شربةٍ

ثناياكَ فيها غدت طائحهْ

رموكَ من القصر إذ أوثقوك

فهل سلمت فيكَ من جارحهْ

وسحباً تجرّ بأسواقهمْ

ألستَ أميرهم البارحهْ

قتلتَ ولم تبككِ الباكيات

أما لكَ في المصرِ من نائحهْ(1)

امرأة واحدة فقط بكت على مسلم في الكوفة وهي طوعة، بكته عندما رأتهم يجرّونه بحبالهم، وكأنّي بها:

(بحراني)

ظلّت تناديهم يا أهل كوفان ارحموه

هذا ابن أخو الكرار حيدر لا تسحبوه

خلّوه يمشي براحته گلبه شعبتوه

خافوا من الله ما لكم مذهب ولا دين

صاحت يا مسلم يا عظمها خجلتي بيك

إشبيدي وآنه حرمة وضعيفة‌مگدر احميك

لو يتركوني چان أفت گلبي وداويك

إن‌چان‌أسلمت‌من‌گيدهم سلّم‌على‌حسين

____________________

(1) للسيد باقر الهندي - سفينة النجاة / 458، مجمع المصائب 1 / 107.

٧٢

گلها يطوعه اليوم ما تحصل سلامه

اُوصيچ چان ابهل البلد طبو يتامه

گولي تره مسلم يبلغكم سلامه

وأجرك على الله والنبي سيّد الكونين(1)

(أبو ذيّة)

كفر كوفان أبد ما بيها مسلم

انكر بيعته إللي چان مسلم

ريت القصر منه الطاح مسلم

تتلايم على أهله الوطيه

لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم.

قال تعالى في كتابه العزيز:( مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ اُخْرى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) (2) .

إن شاء الله تعالى سوف نتكلّم عن السفارة الربانية، أيّ النبوّة، وعن الرسول الإلهي والرسول الإمامي، أيّ عن رسول الحسين (عليه السّلام)

____________________

(1) المعتمد في العزاء / 88، الجمرات الودّية 1 / 32.

(2) سورة الإسراء / 15.

٧٣

مسلم بن عقيل (عليه السّلام)(1) .

نتوقّف عند هذه الآية لكي نستفيد منها بما يناسب الموضوع؛ فأوّل الآية نفي من الله بأنّه لن يعذّب الخلق إلاّ بشرط إرسال رسول من قبله ينذر الناس من مخالفة الدين، وشرط إطاعة الرسول، ومخالفة تكليف الله، فإذا بلّغ الرسول وأنذر الناس ومع ذلك عصوا وخالفوا فعندئذ سوف لن يكون العاصي والمخالف في أمان من عذاب الله.

دلالة الآية باختصار

الآية تدلّ على أنّه إذا لم تعلم - بشرط أن لا تكون مُقصّراً - فلا تكليف عليك يؤدّي إلى الحساب، وهذا ما قاله الرسول (صلّى الله عليه وآله) في حديث الرفع عن أبي عبد الله (عليه السّلام)، قال:« قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): رفع عن اُمّتي تسع خصال - إلى أن قال -:وما لا يعلمون » (2) .

إذاً، الأساس هو التبليغ وعدم التقصير والمخالفة.

____________________

(1) مسلم بن عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، ابن عمّ الإمام الحسين (عليه السّلام)، ومن أصحابه وسفيره إلى أهل الكوفة.

ولد في المدينة المنوّرة سنة 22 هـ، واستشهد يوم التاسع ذي الحجّة سنة 60 هـ في الكوفة، ومرقده جنب المسجد الأعظم فيها. عاصر الإمام علياً والإمام الحسن والإمام الحسين (عليهم السّلام)، وعاصر من الحكّام الأمويين معاوية ويزيد بن معاوية.

اشترك في معركة صفّين، وكان في ميمنة جيش أمير المؤمنين (عليه السّلام) مع الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر. خرج مع الإمام الحسين (عليه السّلام) من المدينة إلى مكة، أرسله الإمام (عليه السّلام) سفيراً إلى أهل الكوفة لاستطلاع الأوضاع هناك وأخذ البيعة منهم.

خرج من مكة في منتصف شهر رمضان سنة 60 هـ، ودخل الكوفة في يوم السادس من شهر شوال، وكان أميرها يومئذ النعمان بن بشير الأنصاري، فنزل في دار مسلم بن عوسجة، وقيل: في دار المختار. ( سفير الحسين / 12، مراقد المعارف 2 / 370، مناقب آل أبي طالب 3 / 197، مقاتل الطالبيِّين / 99 / 101، تاريخ الطبري 3 / 291 ).

(2) الكافي 2 / 463، الوسائل 15 / 224.

٧٤

المـُبلّغ

فنتكلّم الآن عن المـُبلّغ، فالمـُبلّغ هو الحجّة على العباد، وهو نوعان: باطني وظاهري، كما جاء في الحديث عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله (عليه السّلام):« لله على الناس حجّتان: حجّة ظاهرة وحجّة باطنة؛ فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة؛ أما الباطنة فالعقول » (1) .

الحجّة الباطنة

نعم، فإنّ العقل يُدرك بنفسه الأعمال الحسنة والقبيحة، وتُسمّى الحسن والقبح العقليان، أيّ غير التشريعي.

فالإنسان بفطرته - أيّ في خلقته - يعرف أنّ هناك قوّة ما أوجدته وأوجدت كلّ المخلوقات، ولا ينكر ذلك، ونرى أن بعض الناس عبدوا الشمس؛ لأنّهم ظنّوا أنّها هي القوّة، وآخرون عبدوا النار، وآخرون عبدوا الأصنام، والكلّ مُتّفق على أنّه هناك قوّة، ولكنّهم اختلفوا في المصاديق.

والعقل يُدرك أنّ الكذب مثلاً قبيح، فبالكذب تُفقد الثقة، وبدون ثقة لا يمكن العيش، والعقل يُدرك أنّ الصدق حسن؛ لأنّه يُعطي صاحبه الثقة والعدالة بين الناس.

على كلّ حال، ننتقل من الحجّة الباطنة إلى الحجّة الظاهرة وهو النبي.

الحجّة الظاهرة

النبي: وهو السفير المـُرسل من السفارة الإلهية إلى الناس؛ ليزكّيهم

____________________

(1) الوسائل 15 / 206، الكافي 1 / 15، تحف العقول / 383، بحار الأنوار 1 / 137.

٧٥

ويعلّمهم الحكمة، ويكون لهم بشيراً إلى الجنة، ونذيراً من النار، فهو المـُقرّب لطاعة الله من خلال تبيان الوظائف والأحكام الشرعية، وهو المـُبعد عن النار من خلال تبيان المـُحرّمات والتنبيه على المعاصي؛ فإنّ المرسل واجب الإطاعة(1) وهذا ما قاله الله:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيء فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) (2) .

ومخالفته أيضاً تدخل النار، فهذه وظيفة النبي باختصار.

صفة النبي

فيجب أن يكون متصفاً بأكمل الصفات الخُلقية والعقلية وأفضلها، من نحو الشجاعة والسياسة والتدبير، ويجب أن يكون طاهر المولد، أميناً صادقاً مُنزّهاً عن الرذائل قبل بعثته أيضاً(3) .

الفرق بين النبي والرسول

النبي الذي ينزل عليه الوحي في المنام، والرسول هو الذي يرى منزل الوحي، ويكون له رسالة، مثل نوح (عليه السّلام)، وإبراهيم (عليه السّلام)، وموسى (عليه السّلام)، وعيسى (عليه السّلام) والنبي محمّد (صلّى الله عليه وآله)(4) .

____________________

(1) العقائد الإمامية - للزنجاني 2 / 151، الباب الحادي عشر، بتصرّف بسيط.

(2) سورة النساء / 59.

(3) عقائد الإمامية - للمظفر في ثوبه الجديد / 80.

(4) الكافي 1 / 177.

٧٦

كيفية معرفة مُدّعي النبوّة

فهناك عدّة طرق:

1 - النّص

وهو أن ينصّ السابق على اللاحق، مثل النبي عيسى (عليه السّلام) حيث نصّ على النبي محمّد (صلّى الله عليه وآله)، كما ورد في التوراة والقرآن الكريم:( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لمـَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُول يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلمـَا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ) (1) .

الإمامة

وأيضاً الإمامة لا تكون إلاّ بالنّص، كما نصّ النبي (صلّى الله عليه وآله) على أمير المؤمنين علي (عليه السّلام) يوم الغدير(2) ، وعلى باقي الأئمّة (عليهم السّلام).

2 - المعجزة

إتيان مدّعي النبوّة بما يخرق نواميس الطبيعة ويعجز عنه غيره؛ ليكون دليلاً وشاهداً على صدق دعواه(3) .

____________________

(1) سورة الصف / 6.

(2) المكان الذي أخذ فيه البيعة للإمام علي (عليه السّلام) يُسمّى بغدير خم، وهو بين مكة والمدينة، حيث يروي في البحار 37 / 127 - 197 نزل الرسول (صلّى الله عليه وآله) غدير خم فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله):« أيّها الناس، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ » . قالوا: بلى يا رسول الله. فأخذ بيد علي حتّى أشخصها، ثمّ قال:« مَنْ كنت مولاه فهذا علي مولاه » والروايات متواترة في هذا الشأن. ( عقائد الإمامية / 100 ).

(3) البيان في تفسير القرآن / 43.

٧٧

معجزة الأنبياء

النبي موسى (عليه السّلام)

العصا الّتي تلقف السحر وما يأفكون؛ إذ كان السحر في عصره فنّاً شائعاً، فلمـّا جاءت العصا بطل ما كانوا يعملون، وعلموا أنّها فوق مقدورهم.

النبي عيسى (عليه السّلام)

إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى؛ إذ جاء في وقت كان فن الطبّ هو السائد بين الناس، وفيه علماء وأطباء لهم المكانة العالية، فعجز علمهم عن مجاراة ما جاء به النبي عيسى (عليه السّلام).

النبي محمّد (صلّى الله عليه وآله)

القرآن الكريم المعجز ببلاغته وفصاحته، في وقت كان فن البلاغة معروفاً، وكان البلغاء هم المقدّمون عند الناس بحسن بيانهم وسمو فصاحتهم، فجاء القرآن كالصاعقة أذهلهم وأدهشهم وأفهمهم أنّهم لا قبل لهم به، فخضعوا له مهطعين عندما عجزوا عن مجاراته، وتحدّاهم أن يأتوا بسورة من مثله فنكصوا.

٧٨

النبوّة لطف

ولا شك أنّ النبوّة لطف من ربّ العالمين، والنبي هو المـُقرّب لطاعة الله من خلال تبيين الطريق لذلك، وهو المبعد عن معصية الله من خلال تبيين ذلك. وهذه الوظيفة أيضاً تسلّمها رسول الحسين (عليه السّلام) مسلم بن عقيل، فكان الوكيل والسفير والرسول، وتحمّل هذا المنصب وهذه المسؤولية بكلّ إخلاص وثبات من حجّة الله... الإمام الحسين (عليه السّلام).

فبعد أن وصلت إلى الإمام الحسين (عليه السّلام) كتب أهل الكوفة(1) الّتي يقولون فيها: « قد أينعت الثمار، واخضرّ الجناب، وإنّما تقدم على جند لك مُجنّدة »(2) . فهذه المكاتبة من الكوفة بمثابة حجّة على الإمام بالخروج إليهم، كما قال الإمام علي (عليه السّلام) في نهج البلاغة:« لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر... » (3) .

فبعد أن تمّت الحجّة على الإمام بالخروج إليهم طلب من ابن عمّه مسلم التوجّه إلى الكوفة، وأعطاه كتاباً كتب فيه:« إنّي باعث إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن

____________________

(1) الكوفة هي إحدى المدن الأربعة الّتي اختارها الله تعالى، وبها قد فسّرت كلمة (طور سينين). وفي الحديث إنّها حرم الله وحرم رسوله (صلّى الله عليه وآله) وحرم أمير المؤمنين (عليه السّلام).

تقع الكوفة جنوب مدينة النجف، وتبعد عنها بمسافة 10 كم، والكوفة قضاء تابع للنجف، سُمّيت الكوفة لاستدارتها ولاجتماع الناس فيها.

عاش فيها سبعون رجلاً من صحابة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ممّن شهدوا بدراً، كما عاش فيها عمّار بن ياسر وعبد الله بن مسعود، واتّخذها الإمام علي (عليه السّلام) عاصمة لحكومته، وقد ازدهرت في أروقة مسجدها الكبير الدراسات الفقهية وقراءة القرآن والصرف والنحو، وتميّزت بخطّها المعروف بالخطّ الكوفي. وإن شاء الله سوف تكون مركزاً لبقيّة الله أرواحنا لتراب مقدمه الفداء. (الدليل الإداري للجمهورية العراقية 2 / 166).

(2) الإرشاد 2 / 97، مثير الأحزان / 25، بحار الأنوار 45 / 7.

(3) شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد 1 / 202.

٧٩

عقيل » (1) . فتوجّه مسلم إلى الكوفة فقرأ عليهم الكتاب، فراحوا يبكون، فبايعه ثمانية عشر ألفاً(2) ، فكتب إلى الإمام بذلك.

ولكن بعدها دخل إلى الكوفة وصار عاملاً عليها عبيد الله بن زياد(3) ، فأمر بإحضار أشراف أهل الكوفة، وحذّرهم من القتال، وخوّفهم بجنود الشام، فكانت المرأة تأتي إلى ابنها وزوجها، والأخ إلى أخيه، وكلّ يقول: غداً يأتي جيش الشام، ما لنا والدخول بين السلاطين.

فصلّى مسلم في جامع الكوفة(4) جماعة، ولمـّا أتمّ والتفت خلفه لم يجد سوى بضعة أشخاص، فلمـّا بلغ الباب لم يكن معه من يدلّه على الطريق حتّى بقي يمشي وحيداً، فجلس على عتبة باب

____________________

(1) مصائب آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) / 177، طلائع الشهداء / 220، الإرشاد / 2 / 39.

(2) مصائب آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) / 178، ومثير الأحزان / 11.

(3) عبيد الله بن زياد بن أبيه، كنيته أبو حفص، ويعرف بابن مرجانة. ولد بالبصرة سنة 28 هـ. ولاّه معاوية بن أبي سفيان خراسان سنة 53 هـ، فغزا ما وراءها سنة 54 هـ، ثمّ عزله معاوية سنة 56 هـ. ولاّه معاوية على البصرة ثمّ عزله عنها سنة 59 هـ، ثمّ أعاده في نفس السنة.

تجرّد لقتال الخوارج، وبقي والياً على البصرة حتّى مات معاوية، فلمـّا جاء ابنه يزيد أقرّه على ولايته على البصرة وأضاف إليه الكوفة.

أمره يزيد بالتوجّه إلى الكوفة وطلب مسلم بن عقيل وقتله أو نفيه. أقبل إلى الكوفة فدخلها مُلثّماً، فكان يسلّم على الناس فيقولون: وعليك السلام يابن بنت رسول الله، وهم يظنّون أنّه الحسين (عليه السّلام)، فدخل قصر الإمارة وخطب الناس وتوعّدهم، وقام بطلب مسلم بن عقيل ومطاردته حتّى إنّه لمـّا وضع رأس الإمام (عليه السّلام) بين يديه أخذ ينكت ثنايا الإمام (عليه السّلام).

(4) وهو أحد المساجد الأربعة الجديرة بأن تُشدّ إليها الرحال؛ لدرك فضلها، وهو أحد المواطن الأربعة التي يكون المسافر فيها بالمختار بين القصر والتمام. وفي الروايات أنه موضع قد صلّى فيه الأنبياء (عليهم السّلام)، وسيصلّي فيه القائم المهدي صلوات الله عليه. (مفاتيح الجنان / 478).

٨٠