كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)0%

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: دار العلوم
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 330

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد حسن الشيرازي
الناشر: دار العلوم
تصنيف: الصفحات: 330
المشاهدات: 186208
تحميل: 4700

توضيحات:

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 330 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 186208 / تحميل: 4700
الحجم الحجم الحجم
كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: دار العلوم
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

معارفJ:BooooksImamHossainkalemat_alimam_alhosain معارف

١٠١

١٠٢

مَنْ كفل يتيماً (1)

«مَنْ كفّل لنا يتيماً قطعته عنّا محنتنا باستتارنا، فواساه من علومنا التي سقطت إليه حتّى أرشده وهداه. قال الله (عزّ وجلّ) له: يا أيّها العبد الكريم المواسي، إنّي أولى بالكرم؛ اجعلوا له يا ملائكتي في الجنان بعدد كلّ حرف علّمه ألف ألف قصر، وضمّوا إليها ما يليق بها من سائر النعم».

مَنْ أحيا نفساً (2)

«أيّهما أحبّ إليك؛ رجل يروم قتل مسكين قد ضعف تنقذه من يده، أو ناصب يريد إضلال مسكين [مؤمن] من ضعفاء شيعتنا تفتح عليه ما يمتنع (المسكين) به منه، ويفحمه ويكسره بحجج الله تعالى؟».

قال: بل إنقاذ هذا المسكين المؤمن من يد هذا الناصب؛ إنّ الله تعالى

____________________

(1) تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام / 341، ح218. وقال الحسين بن عليّعليهم‌السلام :....

(2) تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام / 348، ح231. وقال الحسين بن علي (صلوات الله عليهما) لرجل:....

١٠٣

يقول:( وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ) ، [أي] ومَنْ أحياها وأرشدها من كفر إلى إيمان، فكأنّما أحيا الناس جميعاً من قبل أن يقتلهم بسيوف الحديد.

مالي والمماراة (1)

روي أنّ رجلاً قال للحسين بن عليّعليه‌السلام : اجلس حتّى نتناظر في الدين. فقال: «يا هذا، أنا بصير بديني، مكشوف عليّ هُداي، فإن كنت جاهلاً بدينك فاذهب واطلبه، مالي وللمماراة؟ وإنّ الشيطان ليوسوس للرجل ويناجيه، ويقول: ناظر الناس في الدين كي لا يظنّوا بك العجز والجهل.

ثمّ المراء لا يخلو من أربعة أوجه؛ إمّا أن تتمارى أنت وصاحبك فيما تعلمان، فقد تركتما بذلك النصيحة، وطلبتما الفضيحة، وأضعتما ذلك العلم، أو تجهلانه، فأظهرتما جهلاً، وخاصمتما جهلاً، أو تعمله أنت، فظلمت صاحبك بطلبك عثرته، أو يعلمه صاحبك، فتركت حرمته، ولم تنزله منزلته.

وهذا كلّه محال، فمَنْ أنصف وقبل الحقّ وترك المماراة فقد أوثق إيمانه، وأحسن صحبة دينه، وصان عقله».

____________________

(1) بحار الأنوار 2 / 135، ح32.

١٠٤

الإمام مستقى العلم (1)

لقي رجل الحسين بن عليّعليه‌السلام بالثعلبيّة وهو يريد كربلاء، فدخل عليه فسلّم عليه. فقال له الحسينعليه‌السلام : «من أيّ البلدان أنت؟».

فقال: من أهل الكوفة.

قال: «يا أخا أهل الكوفة، أما والله لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبرئيل من دارنا، ونزوله على جدّي بالوحي. يا أخا أهل الكوفة، مستقى العلم من عندنا، أفعلموا وجهلنا؟! هذا ما لا يكون».

ما تقوله الحيوانات (2)

روي أنّ الحسينعليه‌السلام سُئل في حال صغره عن أصوات الحيوانات؛ لأنّ من شرط الإمام أن يكون عالماً بجميع اللغات حتّى أصوات الحيوانات. فقال - على ما روى محمّد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن الحسينعليه‌السلام إنّه قال -:

«إذا صاح النسر فإنّه يقول: (يابن آدم، عش ما شئت فآخره الموت)، وإذا صاح البازي يقول: (يا عالم الخفيات، ويا كاشف البليات)، وإذا صاح الطّاووس

____________________

(1) بصائر الدرجات / 11 - 12، الجزء 1، ب7، ح1. حدّثنا إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله بن حمّاد، عن صباح المزنّي، عن الحارث بن حصيرة، عن الحكم بن عتيبة، قال:....

(2) الخرائج والجرائح 1 / 248 - 252، ح5.

١٠٥

يقول: (مولاي، ظلمت نفسي، واغتررت بزينتي، فاغفر لي).

وإذا صاح الدرّاج يقول: (الرحمن على العرش استوى)، وإذا صاح الديك يقول: (مَنْ عرف الله لم ينس ذكره)، وإذا قرقرت الدجاجة تقول: (يا إله الحقّ، أنت الحقّ، وقولك الحقّ، يا الله يا حقّ)، وإذا صاح الباشق يقول: (آمنت بالله واليوم الآخر).

وإذا صاحت الحدأة تقول: (توكّل على الله ترزق)، وإذا صاح العقاب يقول: (مَنْ أطاع الله لم يشق)، وإذا صاح الشاهين يقول: (سبحان الله حقاّ حقاً)، وإذا صاحت البومة تقول: (البعد من الناس أنس)، وإذا صاح الغراب يقول: (يا رازق، ابعث بالرزق الحلال)، وإذا صاح الكركي يقول: (اللّهمّ احفظني من عدوّي).

وإذا صاح اللقلق يقول: (مَنْ تخلّى عن الناس نجا من أذاهم)، وإذا صاحت البطّة تقول: (غفرانك يا الله غفرانك)، وإذا صاح الهدهد يقول: (ما أشقى مَن عصى الله)، وإذا صاح القمري يقول: (يا عالم السرّ والنجوى، يا الله)، وإذا صاح الدبسي(1) يقول: (أنت الله لا إله سواك، يا الله)، وإذا صاح العقعق يقول: (سبحان مَنْ لا يخفى عليه خافية)، وإذا صاح الببغاء يقول: (مَنْ ذكر ربّه غفر ذنبه)، وإذا صاح العصفور يقول: (استغفر الله ممّا يسخط الله)، وإذا صاح البلبل يقول: (لا إله إلاّ الله حقاً حقاً)، وإذا صاحت القبجة تقول: (قرب الحقّ، قرب)، وإذا صاحت السماناة تقول: (يابن آدم، ما أغفلك عن الموت!)، وإذا صاح السوذنيق(2) يقول: (لا إله إلاّ الله، محمّد سول الله، وآله خير الله)، وإذا صاحت الفاخته تقول: (يا واحد، يا أحد، يا فرد، يا صمد)، وإذا صاح الشقرّاق يقول: (مولاي، اعتقني من النار).

____________________

(1) الدبسي: قسم من الحمام البري لونه الدكنة.

(2) السوذنيق: الصقر.

١٠٦

وإذا صاحت القنبرة تقول: (مولاي، تب على كلّ مذنب من المؤمنين)، وإذا صاح الورشان يقول: (إن لم تغفر ذنبي شقيت)، وإذا صاح الشفنين(1) يقول: (لا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم)، وإذا صاحت النعامة تقول: (لا معبود سوى الله)، وإذا صاحت الخطافة فإنّها تقرأ سورة الحمد وتقول: (يا قابل توبة التوابين، يا الله لك الحمد)، وإذا صاحت الزرافة تقول: (لا إله إلاّ الله وحده)، وإذا صاح الحمل يقول: (كفى بالموت واعظاً).

وإذا صاح الجدي يقول: (عاجلني الموت فقلّ ذنبي)، وإذا زأر الأسد يقول: (أمر الله مهم مهمّ)، وإذا صاح الثور يقول: (مهلاً مهلاً يابن آدم، أنت بين يدي مَنْ يرى ولا يُرى، وهو الله)، وإذا صاح الفيل يقول: (لا يغني عن الموت قوّة ولا حيلة)، وإذا صاح الفهد يقول: (يا عزيز، يا جبّار، يا متكبّر، يا الله)، وإذا صاح الجمل يقول: (سبحان مذّل الجبارين سبحانه)، وإذا صهل الفرس يقول: (سبحان ربنا سبحانه)، وإذا صاح الذئب يقول: (ما حفظ الله فلن يضيع أبداً)، وإذا صاح ابن آوى يقول: (الويل الويل الويل للمذنب المصّر)، وإذا صاح الكلب يقول: (كفى بالمعاصي ذلاّ).

وإذا صاح الأرنب يقول: (ولا تهلكني يا الله لك الحمد)، وإذا صاح الثعلب يقول: (الدنيا دار غرور)، وإذا صاح الغزال يقول: (نجّني من الأذى)، وإذا صاح الكركدن يقول: (أغثني وإلاّ هلكت يا مولاي)، وإذا صاح الإيل(2) يقول: (حسبي الله ونعم الوكيل حسبي)، وإذا صاح النمر يقول: (سبحان مَنْ تعزّز بالقدرة سبحانه)، وإذا سبحّت الحية تقول: (ما أشقى مَنْ عصاك يا رحمن)، وإذا سبّحت العقرب تقول: (الشرّ شيء وحش) ».

____________________

(1) الشفنين (بكسر الشين): نوع من الحمام.

(2) حيوان يشبه بقر الوحش.

١٠٧

ثمّ قالعليه‌السلام : «ما خلق الله من شيء إلاّ وله تسبيح يحمد به ربّه، ثمّ تلا هذه الآية( تُسَبّحُ لَهُ السّماوَاتُ السّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنّ وَإِن مِن شَيْ‏ءٍ إِلاّ يُسَبّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِن لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ) (1) ».

على جناح الجراد (2)

«كنّا أنا وأخي الحسن، وأخي محمّد بن الحنفية، وبنو عمّي؛ عبد الله بن عباس، وقثم، والفضل على مائدة نأكل، فوقعت جرادة على المائدة، فأخذها عبد الله بن عبّاس، فقال للحسن: يا سيدي، أتعلم ما المكتوب على جناح الجرادة؟

قالعليه‌السلام : سألتُ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال: سألتُ جدّكصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: على جناح الجرادة مكتوب: (أنا الله لا إله إلاّ ربّ الجرادة ورازقها، وإذا شئت بعثتها لقوم رزقاً، وإذا شئت بعثتها على قوم بلاء).

فقام عبد الله بن العباس، فقبّل رأس الحسن بن عليّعليه‌السلام ، ثمّ قال: هذا والله من مكنون العلم».

____________________

(1) سورة الإسراء / 44.

(2) صحيفة الرضاعليه‌السلام / 79 - 80، ح194؛ ودعوات الراوندي / 145، ح376. بإسناده عن الرضاعليه‌السلام ، عن آبائه، عن الحسين بن عليعليه‌السلام ، قال:....

١٠٨

معارف القرآن (1)

«كتاب الله (عزّ وجلّ) على أربعة أشياء: على العبارة، والإشارة، واللطائف، والحقائق؛ فالعبارة للعوام، والإشارة للخواص، واللطائف للأولياء، والحقائق للأنبياءعليهم‌السلام ».

____________________

(1) جامع الأخبار / 41، الفصل 22، قال الحسين بن عليعليه‌السلام :....

١٠٩

١١٠

أخلاق

١١١

١١٢

ما عزّ المرء(1) ؟

عن يحيى بن يعمن [نعمان خ ل]، قال: كنت عند الحسينعليه‌السلام ، إذ دخل عليه رجل من العرب متلثّماً، أسمر شديد السمرة، فسلّم فردّ [عليه] الحسينعليه‌السلام ، فقال: يابن رسول الله، مسألة.

قال: «هات».

قال: كم بين الإيمان واليقين؟

قال: «أربع أصابع».

قال: كيف؟

قال: «الإيمان ما سمعناه، واليقين ما رأيناه، وبين السمع والبصر أربع أصابع».

قال: فكم بين السماء والأرض؟

____________________

(1) كفاية الأثر / 232 - 234. حدّثنا علي بن الحسن، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين الكوفي، قال: حدّثنا محمّد بن محمود، قال: حدّثنا أحمد بن عبد الله الذاهل [الذهلي خ ل]، قال: حدّثنا أبو حفص الأعشي، عن عنبسة بن الأزهر، عن يحيى بن عقيل،....

١١٣

قال: «دعوة مستجابة».

قال: فكم بين المشرق والمغرب؟

قال: «مسيرة يوم للشمس».

قال: فما عزّ المرء؟

قال: «استغناؤه عن الناس».

قال: فما أقبح شيء؟

قال: «الفسق في الشيخ قبيح، والحدّة في السلطان قبيحة، والكذب في ذي الحسب قبيح، والبخل في ذي الغناء، والحرص في العالم».

قال: صدقت يابن رسول الله، فأخبرني عن عدد الأئمّة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال: «اثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل».

قال: فسمّهم لي.

قال: فأطرق الحسينعليه‌السلام مليّاً ثمّ رفع رأسه، فقال: «نعم، أخبرك يا أخا العرب؛ إنّ الإمام والخليفة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله [أبي] أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، والحسن وأنا، وتسعة من ولدي، منهم عليّ ابني، وبعده محمّد ابنه، وبعده جعفر ابنه، وبعده موسى ابنه، وبعده عليّ ابنه، وبعده محمّد ابنه، وبعده عليّ ابنه، وبعده الحسن ابنه، وبعده الخلف المهدي، هو التاسع من ولدي يقوم بالدين في آخر الزمان».

قال: فقام الأعرابي وهو يقول:

مسحَ النبيّ جبينه

فلهُ بريقٌ في الخدودِ

أبواهُ من أعلا قريـ

ـشٍ جدّهُ خيرُ الجدودِ

١١٤

احذر عقوق الوالدين (1)

«كنتُ مع عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام في الطواف ليلة ديجوجة(2) ، قليلة النور، وقد خلا الطواف، ونام الزوّار، وهدأت العيون، إذ سمع مستغيثاً مستجيراً مترحّماً بصوت حزين من قلب موجع، وهو يقول:

يا مَنْ يجيبُ دعا المضطّرِ في الظُلَمِ

يا كاشفَ الضرِّ والبلوى مع السقمِ

قد نامَ وفدكَ حولَ البيتِ وانتبهوا

يدعو وعينُكَ يا قيّومُ لم تنمِ

هب لي بجودكَ فضلَ العفو عن جرمي

يا مَنْ أشارَ إليهِ الخلقُ في الحرمِ

إن كانَ عفوكَ؟ يلقاه ذو سرفٍ

فمَنْ يجودُ على العاصينَ بالنعمِ

قال الحسين بن عليّ (صلوات الله عليهما): «فقال لي أبي: يا أبا عبد الله، أسمعت المنادي لذنبه، المستغيث ربّه؟ فقلت: نعم، قد سمعته. فقال: اعتبره عسى أن تراه.

فما زلت أختبط في طخياء(3) الظلام، وأتخلّل بين النيام، فلمّا صرت بين الركن والمقام بدا لي شخص منتصب، فتأمّلته فإذا هو قائم، فقلت: السلام عليك أيّها العبد المقرّ المستغفر المستجير، أجب - بالله - ابن عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . فأسرع في سجوده وقعوده وسلّم، فلم يتكلّم حتّى أشار بيده بأن

____________________

(1) بحار الأنوار 41 / 224 - 228، ح37. عن مهج الدعوات: روى جماعة يسندون إلى الحسين بن عليعليه‌السلام ، قال:....

(2) الدجوجي، والديجوج: الليل المظلم.

(3) خبط الليل: سار فيه على غير هدى. والطخياء. الليلة المظلمة.

١١٥

تقدّمني، فتقدّمته، فأتيت به أمير المؤمنين، فقلت: دونك ها هو. فنظر إليه فإذا هو شابّ حسن الوجه، نقيّ الثياب، فقال له: ممّن الرجل؟

فقال له: من بعض العرب.

فقال له: ما حالك، وممّ بكاؤك واستغاثتك؟

فقال: ما حال مَنْ اُخذ بالعقوق فهو في ضيق؛ ارتهنه المصاب، وغمره الاكتئاب، فإن تاب فدعاؤه لا يستجاب.

فقال له عليّعليه‌السلام : ولم ذاك؟

فقال: إنّي كنت ملتهياً في العرب باللّعب والطرب، اُديم العصيان في رجب وشعبان، وما اُراقب الرحمن، وكان لي والد شفيق رفيق يحذّرني مصارع الحدثان، ويخوّفني العقاب بالنيران، ويقول: كم ضجّ منك النهار والظلام، واللّيالي والأيّام، والشهور والأعوام، والملائكة الكرام!

وكان إذا ألحّ عليّ بالوعظ زجرته وانتهرته، ووثبت عليه وضربته، فعمدت يوماً إلى شيء من الورق - وكانت في الخباء(1) - فذهبت لآخذها وأصرفها فيما كنت عليه، فمانعني عن أخذها، فأوجعته ضرباً، ولويت يده(2) ، وأخذتها ومضيت، فأومأ بيده إلى ركبته يريد النهوض من مكانه ذلك فلم يطق يحرّكها من شدّة الوجع والألم، فأنشأ يقول:

جرت رحمٌ بيني وبينَ منازلٍ

سواءٌ كما يستنزلُ القطرُ طالبُهْ

وربّيتُ حتّى صارَ جلداً شمردلاً

إذا قامَ ساوى غاربَ العجلِ غاربُهْ(3)

____________________

(1) الورق: الدراهم المضروبة، ومنه قوله تعالى في سورة الكهف( فابعثوا أحدكم بورِقِكم هذه إلى المدينة ) . والخباء (بكسر الخاء): ما يعمل من وبر أو صوف أو شعر للسكن.

(2) لوى الحبل ونحوه: فتله وثناه. ولوّى عليه الأمر: عوّصه. يُقال: لوى أعناق الرجال أي غلبهم.

(3) الشمردل: الطويل، والفتيّ السريع من النوق. قاله في أقرب الموارد. والغارب: الكاهل، أو ما بين الظهر، أو السنام والعنق. والعجل: ولد البقرة. وفي المصدر: الفحل.

١١٦

وقد كنتُ اُوتيه من الزادِ في الصبى

إذا جاعَ منهُ صفوهُ وأطائبُهْ

فلمّا استوى في عنفوانِ شبابهِ

وأصبحَ كالرمحِ الردينيّ خاطبُهْ(1)

تهضّمني مالي كذا ولوى يدي(2)

لوى يدهُ اللهُ الذي هو غالبُهْ

ثمّ حلف بالله ليقدمنّ إلى بيت الله الحرام فيستعدي الله عليّ. فصام أسابيع، وصلّى ركعات، ودعا وخرج متوجّهاً على عيرانة(3) يقطع بالسير عرض الفلاة، ويطوي الأودية، ويعلو الجبال حتّى قدم مكّة يوم الحجّ الأكبر، فنزل عن راحلته، وأقبل إلى بيت الله الحرام، فسعى وطاف به، وتعلّق بأستاره، وابتهل بدعائه، وأنشأ يقول:

يا مَنْ إليهِ أتى الحجّاجُ بالجهدِ

فوقَ المهادي من أقصى غاية البُعدِ(4)

إنّي أتيتكَ يا مَنْ؟ يخيّبُ مَنْ

يدعوهُ مبتهلاً بالواحدِ الصمدِ

هذا منازلُ مَنْ يرتاعُ من عققي

فخذ بحقّيَ يا جبّارُ من ولدي

حتّى تشلّ بعونٍ منكَ جانبَهُ

يا مَنْ تقدّسَ لم يولد ولم يلدِ

قال: فو الّذي سمك السماء وأنبع الماء، ما استتمّ دعاءه حتّى نزل بي ما ترى. ثمّ كشف عن يمينه فإذا بجانبه قد شلّ، فأنا منذ ثلاث سنين أطلب إليه أن يدعو لي في الموضع الّذي دعا به عليّ فلم يجبني، حتّى إذا كان العام أنعم عليّ، فخرجت

____________________

(1) الرديني: الرمح، نسبة إلى ردينة، وهي امرأة اشتهرت بتقويم الرماح. ولعل المراد من الأطب اللسان، أي صار لسانه كالرمح في الحدّة والذرابة.

(2) تهضّمه: ظلمه وغصبه.

(3) قال الفيروز آبادي: العيرانة من الإبل: الناجية في نشاط؛ وقال الشرتوني في الأقرب: العيرانة من الإبل: التي تشبه بالعير في سرعتها ونشاطها.

(4) المهاد: الأرض المنخفضة. وفي المصدر (المهارى)، والمهر: أوّل ما ينتج من الخيل والحمر الأهلية.

١١٧

به على ناقة عشراء(1) أجدّ السير حثيثاً رجاء العافية، حتّى إذا كنّا على الأراك، وحطمة وادي السياك، نفر طائر في اللّيل، فنفرت منها الناقة الّتي كان عليها، فألقته إلى قرار الوادي، فارفضّ بين الحجرين فقبرته هناك. وأعظم من ذلك إنّي لا اُعرف إلاّ المأخوذ بدعوة أبيه.

فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : أتاك الغوث، أتاك الغوث؛ ألا اُعلّمك دعاء علّمنيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفيه اسم الله الأكبر الأعظم الأكرم الذي يجيب به مَنْ دعاه، ويعطي به مَنْ سأله، ويفرّج به الهمّ، ويكشف به الكرب، ويذهب به الغمّ، ويبرئ به السقم، ويجبر به الكسر، ويغني به الفقير، ويقضي به الدين، ويردّ به العين، ويغفر به الذنوب، ويستر به العيوب؟» إلى آخر ما ذكرهعليه‌السلام في فضله.

قال الحسينعليه‌السلام : «فكان سروري بفائدة الدعاء أشدّ من سرور الرجل بعافيته».

ثمّ ذكر الدعاء على ما سيأتي في كتابه، «ثمّ قال للفتى: إذا كانت اللّيلة العاشرة فادع، وائتني من غد بالخبر».

قال الحسين بن عليّعليه‌السلام : «وأخذ الفتى الكتاب ومضى، فلمّا كان من غد ما أصبحنا حسناً حتّى أتى الفتى إلينا سليماً معافىً، والكتاب بيده وهو يقول: هذا والله الاسم الأعظم، استجيب لي وربّ الكعبة. قال له عليّ (صلوات الله عليه): حدّثني.

قال: لمّا هدأت العيون بالرقاد، واستحلك(2) جلباب اللّيل، رفعت يدي بالكتاب، ودعوت الله بحقّه مراراً، فاُجبت في الثانية: حسبك فقد دعوت الله

____________________

(1) العشراء (بالضم فالفتح): الناقة التي مضى لحملها عشرة أشهر أو ثمانية.

(2) حلك واستحلك: اشتدّ سواده.

١١٨

باسمه الأعظم، ثمّ اضطجعت فرأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في منامي وقد مسح يده الشريفة عليّ، وهو يقول: احتفظ بالله العظيم فإنّك على خير. فانتبهت معافىً كما ترى، فجزاك الله خيراً».

مع المساكين (1)

مرّ الحسين بن عليعليه‌السلام بمساكين قد بسطوا كساءً لهم فألقوا عليه كسراً، فقالوا: هلمّ يابن رسول الله... فأكل معهم، ثمّ تلى:( لاَ جَرَمَ أَنّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنّهُ لاَ يُحِبّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ) (2) .

ثمّ قال: «قد أجبتكم فأجيبوني».

قالوا: نعم يابن رسول الله، وتعمى عين، فقاموا معه حتّى أتوا منزله.

فقال للرباب: «أخرجي ما كنت تدّخرين».

مع اُسامة (3)

دخل الحسينعليه‌السلام على اُسامة بن زيد وهو مريض، وهو يقول: وا غمّاه! فقال له الحسينعليه‌السلام : «وما غمّك يا أخي؟».

قال: دَيني، وهو ستّون ألف درهم.

____________________

(1) تفسير العياشي 2 / 257، ح15. عن مسعدة بن صدقة، قال:....

(2) سورة النحل / 22.

(3) مناقب ابن شهر آشوب 4 / 65. عمرو بن دينار، قال:....

١١٩

فقال الحسينعليه‌السلام : «هو عليّ».

قال: إنّي أخشى أن أموت.

فقال الحسينعليه‌السلام : «لن تموت حتّى أقضيها عنك».

قال: فقضاها قبل موته.

التعامل مع السائل (1)

قدم أعرابي المدينة فسأل عن أكرم الناس بها، فدُلّ على الحسينعليه‌السلام ، فدخل المسجد فوجده مصلّياً، فوقف بإزائه وأنشأ:

لم يُخب الآنَ مَنْ رجاكَ ومَنْ

حرّكَ من دونِ بابكَ الحلقهْ

أنتَ جوادٌ وأنتَ معتمدٌ

أبوكَ قد كانَ قاتلَ الفسقهْ

لولا الّذي كانَ من أوائلِكُمْ

كانت علينا الجحيمُ منطبقهْ

قال: فسلّم الحسينعليه‌السلام ، وقال: «يا قنبر، هل بقي من مال الحجاز شيء؟».

قال: نعم، أربعة آلاف دينار.

فقال: «هاتها؛ قد جاء مَنْ هو أحقّ بها منّا». ثمّ نزع برديه ولفّ الدنانير فيها، وأخرج يده من شقّ الباب؛ حياءً من الأعرابي، وأنشأ:

خذها فإنّي إليكَ معتذرٌ

واعلمْ بأنّي عليكَ ذو شفقهْ

لو كانَ في سيرنا الغداةَ عصا

أمست سمانا عليكَ مندفقهْ

____________________

مناقب ابن شهر آشوب 4 / 65 - 66.

١٢٠