كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)0%

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: دار العلوم
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 330

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد حسن الشيرازي
الناشر: دار العلوم
تصنيف: الصفحات: 330
المشاهدات: 186195
تحميل: 4700

توضيحات:

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 330 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 186195 / تحميل: 4700
الحجم الحجم الحجم
كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: دار العلوم
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يا نور يا برهان، يا منير يا مبين يا ربّ، اكفني شرّ الشرور، وآفات الدهور، وأسألك النجاة يوم ينفخ في الصور.

مَنْ دعا بهذا الدعاء كان عليّ بن محمّد شفيعه وقائده إلى الجنّة.

وإنّ الله تبارك وتعالى ركّب في صلبه نطفة، وسمّاها عنده الحسن بن علي، فجعله نوراً في بلاده، وخليفة في أرضه، وعزّاً لأمّة جدّه، وهادياً لشيعته، وشفيعاً لهم عند ربّه، ونقمة على مَنْ خالفه، وحجّة لمَنْ والاه، وبرهاناً لمَنْ اتّخذه إماماً، يقول في دعائه: يا عزيز العزّ في عزّه، يا عزيز أعزّني بعزّتك، وأيّدني بنصرك، وابعد عنّي همزات الشياطين، وادفع عنّي بدفعك، وامنع عنّي بمنعك، واجعلني من خيار خلقك، يا واحد يا أحد، يا فرد يا صمد.

مَنْ دعا بهذا الدعاء حشره الله (عزّ وجلّ) معه ونجّاه من النار ولو وجبت عليه.

وإنّ الله تبارك وتعالى ركّب في صلب الحسن نطفة مباركة زكيّة طيّبة طاهرة مطهرة، يرضى بها كلّ مؤمن ممّن أخذ الله (عزّ وجلّ) ميثاقه في الولاية، ويكفر بها كلّ جاحد، فهو إمام تقيّ، بارّ مرضيّ، هاد مهديّ، يحكم بالعدل ويأمر به، يصدّق الله (عزّ وجلّ) ويصدّقه الله في قوله، يخرج من تهامة حين تظهر الدلائل والعلامات، وله بالطالقان كنوز لا ذهب ولا فضة، إلاّ خيول مطهّمة، ورجال مسوّمة، يجمع الله (عزّ وجلّ) له من أقاضي البلاد على عدد أهل بدر ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً، معه صحيفة مختومة فيها عدد أصحابه بأسمائهم وأنسابهم، وبلدانهم وصنائعهم، وكلامهم وكناهم، كرّارون مجدّون في طاعته.

فقال له اُبيّ: وما دلائله وعلاماته يا رسول الله؟

قال: له عَلم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه، وأنطقه الله (عزّ وجلّ)

١٨١

فناداه العلم: اخرج يا وليّ الله، فاقتل أعداء الله، وله رايتان وعلامتان، وله سيف مغمّد، فإذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده، وأنطقه الله (عزّ وجلّ) فناداه السيف: اخرج يا وليّ الله، فلا يحلّ لك أن تقعد عن أعداء الله، فيخرج ويقتل أعداء الله حيث ثقفهم، ويقيم حدود الله، ويحكم بحكم الله، يخرج وجبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، وشعيب وصالح على مقدّمه، وسوف تذكرون ما أقول لكم ولو بعد حين، وأفوّض أمري إلى الله (عزّ وجلّ).

يا اُبيّ: طوبى لمَنْ أحبّه وطوبى لمَنْ لقيه، وطوبى لمَنْ قال به، به ينجيهم الله من الهلكة، وبالإقرار بالله وبرسول الله وبجميع الأئمّة يفتح الله لهم الجنّة، مثلهم في الأرض كمثل المسك [الذي] يسطع ريحه فلا يتغيّر أبداً، ومثلهم في السماء كمثل القمر المنير الذي لا يُطفأ نوره أبداً.

قال اُبيّ: يا رسول الله، كيف [جاءك بيان] حال هؤلاء الأئمّة عن الله (عزّ وجلّ)؟

قال: إنّ الله (عزّ وجلّ) أنزل عليّ اثنى عشر خاتماً، واثنتي عشرة صحيفة، اسم كل إمام على خاتمه، وصفته في صحيفته».

دعاء الاستسقاء (1)

«جاء أهل الكوفة إلى عليعليه‌السلام فشكوا إليه إمساك المطر، وقالوا له: استسق لنا. فقال للحسينعليه‌السلام : قم واستسق. فقام وحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال:

____________________

(1) عيون المعجزات / 64. جعفر بن محمّد بن عمارة، عن أبيه، عن الصادقعليه‌السلام ، عن أبيه، عن جدّهعليه‌السلام ، قال:....

١٨٢

اللّهمّ معطي الخيرات، ومنزل البركات، أرسل السماء علينا مدراراً، واسقنا غيثاً مغزاراً، واسعاً غدقاً، مجلّلاً سحّاً، سفوحاً ثجاجاً، تنفّس به الضعف من عبادك، وتحيي به الميت من بلادك، آمين ربّ العالمين.

فما فرغعليه‌السلام من دعائه حتّى غاث الله تعالى غيثاً نعتهعليه‌السلام ، وأقبل أعرابيّ من بعض نواحي الكوفة فقال: تركت الأودية والآكام يموج بعضها في بعض».

دعاء المكروب (1)

«لمّا أصبحت الخيل تقبل على الحسينعليه‌السلام رفع يديه، وقال: اللّهمّ أنت ثقتي في كلّ كرب، وأنت رجائي في كلّ شدة، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعدّة، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد، وتقلّ فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك، وشكوته إليك، رغبة منّي إليك عمّن سواك، ففرّجته عنّي وكشفته، فأنت وليّ كلّ نعمة، وصاحب كلّ حسنة، ومنتهى كلّ رغبة».

____________________

(1) إرشاد المفيد / 233. روي عن علي بن الحسينعليه‌السلام أنّه قال:

١٨٣

دعاء يوم عرفة (1)

«الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع، ولا لعطائه مانع، ولا كصنعه صنع صانع، وهو الجواد الواسع، فطر أجناس البدائع، وأتقن بحكمته الصنائع، لا يخفى عليه الطلائع، ولا تضيع عنده الودائع، أتى بالكتاب الجامع، وبشرع الإسلام النور الساطع، وهو للخليقة صانع، وهو المستعان على الفجائع، جازى كلّ صانع، ورائش كلّ قانع، وراحم كلّ ضارع، ومنزل المنافع والكتاب الجامع بالنور الساطع، وهو للدعوات سامع، وللدرجات رافع، وللكربات دافع، وللجبابرة قامع، وراحم عبرة كلّ ضارع، ودافع ضرعة كلّ ضارع، فلا إله غيره، ولا شيء يعدله، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير، اللطيف الخبير، وهو على كلّ شيء قدير.

اللّهم إنّي أرغب إليك، وأشهد بالربوبية لك، مقراً بأنّك ربّي، وإنّ إليك مردّي، ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئاً مذكوراً، وخلقتني من التراب، ثمّ اسكنتني الأصلاب أمناً لريب المنون واختلاف الدهور، فلم أزل ظاعناً من صلب إلى رحم في تقادم الأيام الماضية، والقرون الخالية، لم تخرجني لرأفتك بي، ولطفك لي، وإحسانك إليّ في دولة أيّام الكفرة الذين نقضوا عهدك، وكذّبوا رسلك، لكنّك أخرجتني رأفةً منك، وتحنّناً للذي سبق لي من الهدى الذي

____________________

(1) كتاب الإقبال / 339 - 350، وبحار الأنوار 98 / 216 - 227. من الدعوات المشرّفة في يوم عرفة دعاء مولانا الحسين بن علي (صلوات الله عليه).

١٨٤

يسرّتني، وفيه أنشأتني، ومن قبل ذلك رؤفت بي بجميل صنعك وسوابغ نعمتك، فابتدعت خلقي منمَنِيٍّ يُمْنَى ، ثمّ أسكنتني في ظلمات ثلاث بين لحم وجلد ودم، لم تشهرني بخلقي، ولم تجعل إليّ شيئاً من أمري، ثمّ أخرجتني إلى الدنيا تامّاً سويّاً، وحفظتني في المهد طفلاً صبيّاً، ورزقتني من الغذاء لبناً مريّاً، عطفت عليّ قلوب الحواضن، وكفّلتني الأمهات الرحائم، وكلأتني من طوارق الجانّ، وسلّمتني من الزيادة والنقصان، فتعاليت يا رحيم يا رحمن.

حتّى إذا استهللت ناطقاً بالكلام، أتممت عليّ سوابغ الأنعام، فربيّتني زائداً في كلّ عام، حتّى إذا كملت فطرتي، واعتدلت سريرتي، أوجبت عليّ حجّتك بأن ألهمتني معرفتك، وروّعتني بعجائب فطرتك، وأنطقتني لما ذرأت في سمائك وأرضك من بدائع خلقك، ونبّهتني لذكرك وشكرك، وواجب طاعتك وعبادتك، وفهّمتني ما جاءت به رسلك، ويسّرت لي تقبّل مرضاتك، ومننت عليّ في جميع ذلك بعونك ولطفك.

ثمّ إذ خلقتني من حرّ الثرى لم ترض لي يا إلهي بنعمة دون اُخرى، ورزقتني من أنواع المعاش وصنوف الرياش بمنّك العظيم عليّ، وإحسانك القديم إليّ، حتّى إذا أتممت عليّ جميع النعم، وصرفت عنّي كلّ النقم، لم يمنعك جهلي وجرأتي عليك أن دللتني على ما يقرّبني إليك، ووفّقتني لما يزلفني لديك، فإن دعوتك أجبتني، وإن سألتك أعطيتني، وإن أطعتك شكرتني، وإن شكرتك زدتني؛ كلّ ذلك إكمالاً لأنعمك عليّ، وإحساناً إليّ.

فسبحانك سبحانك من مبدئ معيد، حميد مجيد، وتقدست أسماؤك، وعظمت آلاؤك، فأيّ أنعمك يا إلهي اُحصي عدداً أو ذكراً، أم أيّ عطائك أقوم بها شكراً، وهي يا ربّ أكثر من أن يُحصيها العادّون، أو يبلغ علماً بها الحافظون، ثمّ ما صرفت ودرأت عنّي اللّهم من الضرّ والضرّاء أكثر ممّا ظهر لي من العافية والسّراء.

وأنا اُشهدك يا إلهي بحقيقة إيماني، وعقد عزمات يقيني، وخالص صريح توحيدي، وباطن مكنون ضميري، وعلائق مجاري نور بصري،

١٨٥

وأسارير صفحة جبيني، وخرق مسارب نفسي، وخذاريف مارن عرنيني، ومسارب صماخ سمعي، وما ضمّت وأطبقت عليه شفتاي، وحركات لفظ لساني، ومغرز حنك فمي وفكّي، ومنابت أضراسي، وبلوغ حبائل بارع عنقي، ومساغ مطعمي ومشربي وحمالة أمّ رأسي، وجمل حمائل حبل وتيني، وما اشتمل عليه تامور صدري، ونياط حجاب قلبي، وأفلاذ حواشي كبدي، وما حوته شراسيف أضلاعي، وحقاق مفاصلي، وأطراف أناملي، وقبض عواملي، ودمي وشعري، وبشري وعصبي، وقصبي وعظامي، ومخّي وعروقي وجميع جوارحي.

وما انتسج على ذلك أيّام رضاعي، وما أقلّت الأرض منّي، ونومي ويقظتي، وسكوني وحركتي، وحركات ركوعي وسجودي أن لو حاولت واجتهدت مدى الأعصار والأحقاب - لو عمرتها - أن اُؤدّي شكر واحدة من أنعمك ما استطعت ذلك إلاّ بمنّك الموجب عليّ شكراً آنفاً جديداً، وثناءً طارفاً عتيداً.

أجل، ولو حرصت والعادّون من أنامك أن نحصي مدى إنعامك سالفة وآنفة لما حصرناه عدداً، ولا أحصيناه أبداً، هيهات، أنّى ذلك وأنت المخبر عن نفسك في كتابك الناطق، والنبأ الصادق( وإنْ تعدّوا نعمةَ اللهِ لا تُحصوها ) صدق كتابك اللّهمّ ونباؤك، وبلّغت أنبياؤك ورسلك ما أنزلت عليهم من وحيك، وشرعت لهم من دينك، غير إنّي أشهد بجدّي وجهدي، ومبالغ طاقتي ووسعي، وأقول مؤمناً موقناُ:

الحمد لله الذي لم يتّخذ ولداً فيكون موروثاً، ولم يكن له شريك في الملك فيضادّه فيما ابتدع، ولا ولي من الذلّ فيرفده فيما صنع، سبحانه سبحانه سبحانه لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا وتفطّرتا، فسبحان الله الواحد الحقّ، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.

الحمد لله حمداً يعدل حمد ملائكته المقرّبين، وأنبيائه المرسلين، وصلّى الله على خيرته من خلقه محمّد خاتم النبيين وآله الطاهرين المخلصين.

١٨٦

اللّهم اجعلني أخشاك كأنّي أراك، وأسعدني بتقواك، ولا تشقني بمعصيتك، وخر لي في قضائك، وبارك لي في قدرك حتّى لا أحبّ تعجيل ما أخرّت، ولا تأخير ما عجّلت.

اللّهم اجعل غناي في نفسي، واليقين في قلبي، والإخلاص في عملي، والنّور في بصري، والبصيرة في ديني، ومتّعني بجوارحي، واجعل سمعي وبصري الوارثين منّي، وانصرني على مَنْ ظلمني، وارزقني مآربي وثاري، وأقرّ بذلك عيني. اللّهمّ اكشف كربتي، واستر عورتي، واغفر لي خطيئتي، وأخسأ شيطاني، وفكّ رهاني، واجعل لي يا إلهي الدرجة العليا في الآخرة والأولى.

اللّهمّ لك الحمد كما خلقتني فجعلتني سميعاً بصيراً، ولك الحمد كما خلقتني فجعلتني حيّاً سويّاً، رحمة بي وكنت عن خلقي غنيّاً.

ربّ بما برأتني فعدّلت فطرتي، ربّ بما أنشأتني فأحسنت صورتي، يا ربّ بما أحسنت بي وفي نفسي عافيتني، ربّ بما كلأتني ووفقتني، ربّ بما أنعمت عليّ فهديتني، ربّ بما آويتني ومن كلّ خير آتيتني وأعطيتني، ربّ بما أطعمتني وسقيتني، ربّ بما أغنيتني وأقنيتني، ربّ بما أعنتني وأعززتني، ربّ بما ألبستني من ذكرك الصافي، ويسّرت لي من صنعك الكافي، صلّ على محمّد وآل محمّد، وأعنّي على بوائق الدهر، وصروف الأيام واللّيالي، ونجّني من أهوال الدنيا وكربات الآخرة، وأكفني شرّ ما يعمل الظالمون في الأرض.

اللّهمّ ما أخاف فاكفني، وما أحذر فقني، وفي نفسي وديني فاحرسني، وفي سفري فاحفظني، وفي أهلي ومالي وولدي فاخلفني، وفيما رزقتني فبارك لي، وفي نفسي فذلّلني، وفي أعين الناس فعظّمني، ومن شرّ الجنّ والإنس فسلّمني، وبذنوبي فلا تفضحني، وبسريرتي فلا تخزني، وبعملي فلا تبتلني، ونعمك فلا تسلبني، وإلى غيرك فلا تكلني.

١٨٧

إلى مَنْ تكلني؟ إلى القريب يقطعني، أم إلى البعيد يتجهّمني، أم إلى المستضعفين لي وأنت ربّي ومليك أمري؟ أشكو إليك غربتي، وبُعد داري، وهواني على مَنْ ملّكته أمري.

اللّهم فلا تحلل بي غضبك، فإن لم تكن غضبت عليّ فلا اُبالي سواك، غير إنّ عافيتك أوسع لي، فأسألك بنور وجهك الذي أشرقت له الأرض والسماوات، وانكشفت به الظلمات، وصلح عليه أمر الأولين والآخرين، أن لا تميتني على غضبك، ولا تنزل بي سخطك، لك العتبى حتّى ترضى قبل ذلك لا إله إلاّ أنت، ربّ البلد الحرام، والمشعر الحرام، والبيت العتيق الذي أحللته البركة، وجعلته للناس أمنة.

يا من عفا عن العظيم من الذنوب بحلمه، يا من أسبغ النعمة بفضله، يا من أعطى الجزيل بكرمه، يا عدّتي في كربتي، يا مونسي في حفرتي، يا وليّ نعمتي، يا إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسماعيل، وإسحاق ويعقوب، وربّ جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، وربّ محمّد خاتم النبيين وآله المنتجبين، ومنزل التوراة والإنجيل، والزبور والقرآن العظيم، ومنزل كهيعص وطه ويس والقرآن الحكيم، أنت كهفي حين تعييني المذاهب في سعتها، وتضيق عليّ الأرض برحبها، ولولا رحمتك لكنت من المفضوحين، وأنت مؤيدي بالنصر على الأعداء، ولولا نصرك لي لكنت من المغلوبين.

يا مَنْ خصّ نفسه بالسموّ والرفعة، وأولياؤه بعزّه يعتزون، يا من جعلت له الملوك نير المذلّة على أعناقهم فهم من سطوته خائفون، تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وغيب ما تأتي به الأزمان والدهور، يا من لا يعلم كيف هو إلاّ هو، يا من لا يعلم ما يعلمه إلاّ هو، يا من كبس الأرض على الماء، وسدّ الهواء بالسماء، يا من له أكرم الأسماء، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبداً، يا مقيّض الركب ليوسف في البلد القفر، ومخرجه من الجبّ، وجاعله بعد العبوديّة ملكاً.

يا رادّ يوسف على يعقوب بعد أن ابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيم، يا كاشف الضرّ

١٨٨

والبلاء عن أيّوب، يا ممسك يد إبراهيم عن ذبح ابنه بعد كبر سنّه وفناء عمره، يا من استجاب لزكريّا فوهب له يحيى ولم يدعه فرداً وحيداً، يا من أخرج يونس من بطن الحوت، يا من فلق البحر لبني إسرائيل فأنجاهم، وجعل فرعون وجنوده من المغرقين، يا من أرسل الرياح مبشّرات بين يدي رحمته، يا من لم يعجّل على مَنْ عصاه من خلقه، يا من استنقذ السحرة من بعد طول الجحود، وقد غدوا في نعمته يأكلون رزقه، ويعبدون غيره، وقد حادّوه ونادّوه، وكذّبوا رسله، يا الله يا بديء لا بدء لك دائماً، يا دائماً لا نفاد لك، يا حيّ يا قيّوم.

يا محي الموتى، يا من هو قائم على كلّ نفس بما كسبت، يا من قلّ له شكري فلم يحرمني، وعظمت خطيئتي فلم يفضحني، ورآني على المعاصي فلم يخذلني، يا من حفظني في صغري، يا من رزقني في كبري، يا من أياديه عندي لا تُحصى، يا من نعمه عندي لا تُجازى، يا من عارضني بالخير والإحسان، وعارضته بالإساءة والعصيان، يا من هداني بالإيمان قبل أن أعرف شكر الامتنان، يا من دعوته مريضاً فشفاني، وعريانَ فكساني، وجائعاً فأطعمني، وعطشانَ فأرواني، وذليلاً فأعزّني، وجاهلاً فعرّفني، ووحيداً فكثّرني، وغائباً فردّني، ومقلاً فأغناني، ومنتصراً فنصرني، وغنيّاً فلم يسلبني، وأمسكت عن جميع ذلك فابتدأني.

فلك الحمد يا مَنْ أقال عثرتي، ونفّس كربتي، وأجاب دعوتي، وستر عورتي وذنوبي، وبلّغني طلبتي، ونصرني على عدوّي، وإن أعدّ نعمك ومننك وكرائم منحك لا أحصيها.

يا مولاي، أنت الذي أنعمت. أنت الذي أحسنت. أنت الذي أجملت. أنت الذي أفضلت. أنت الذي مننت. أنت الذي أكملت. أنت الذي رزقت. أنت الذي أعطيت. أنت الذي أغنيت. أنت الذي أقنيت. أنت الذي أويت. أنت الذي كفيت. أنت الذي هديت. أنت الذي عصمت. أنت الذي سترت. أنت الذي

١٨٩

غفرت. أنت الذي أقلت. أنت الذي أعززت. أنت الذي أعنت. أنت الذي عضدت. أنت الذي أيّدت. أنت الذي نصرت. أنت الذي شفيت. أنت الذي عافيت. أنت الذي أكرمت. تباركت ربي وتعاليت، فلك الحمد دائماً، ولك الشكر واصباً.

ثمّ أنا يا إلهي المعترف بذنوبي فاغفرها لي. أنا الذي أخطأت. أنا الذي أغفلت. أنا الذي جهلت. أنا الذي هممت. أنا الذي سهوت. أنا الذي اعتمدت. أنا الذي تعمّدت. أنا الذي وعدت. أنا الذي أخلفت. أنا الذي نكثت. أنا الذي أقررت. إلهي اعترف بنعمتك عندي، وأبوء بذنوبي فاغفر لي يا مَنْ لا تضرّه ذنوب عباده وهو الغنيّ عن طاعتهم، والموفّق مَنْ عمل منهم صالحاً بمعونته ورحمته، فلك الحمد.

إلهي أمرتني فعصيتك، ونهيتني فارتكبت نهيك، فأصبحت لا ذا براءة فأعتذر، ولا ذا قوّة فأنتصر. فبأيّ شيء أستقبلك يا مولاي، أبسمعي، أم ببصري، أم بلساني، أم برجلي؟ أليس كلّها نعمك عندي، وبكلّها عصيتك يا مولاي، فلك الحجّة والسبيل عليّ، يا من سترني من الآباء والأمّهات أن يزجروني، ومن العشائر والإخوان أن يعيّروني، ومن السلاطين أن يعاقبوني، ولو اطّلعوا يا مولاي على ما اطّلعت عليه منّي، إذاً ما أنظروني، ولرفضوني وقطعوني.

فها أنا ذا بين يديك يا سيّدي، خاضعاً ذليلاً حقيراً، لا ذو براءة فأعتذر، ولا قوّة فأنتصر، ولا حجّة لي فأحتجّ بها، ولا قائل لم أجترح ولم أعمل سوءاً، وما عسى الجحود لو جحدت يا مولاي فينفعني، وكيف وأنّى ذلك وجوارحي كلّها شاهدة عليّ بما قد علمت يقيناً غير ذي شكّ أنّك سائلي عن عظائم الاُمور، وأنّك الحكيم العدل الذي لا يجور، وعدلك مهلكي، ومن كلّ عدلك مهربي؛ فإن تعذّبني فبذنوبي يا مولاي بعد حجّتك عليّ، وإن تعفُ عنّي فبحلمك وجودك وكرمك.

١٩٠

لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين. لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من المستغفرين. لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الموحّدين. لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الوجلين. لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الراجين الراغبين. لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من السائلين. لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من المهلّلين المسبّحين. لا إله إلاّ أنت ربّي وربّ آبائي الأولين.

اللّهمّ هذا ثنائي عليك ممجّداً، وإخلاصي موحّداً، وإقراري بآلائك معدّاً، وإن كنت مقرّاً أنّي لا اُحصيها لكثرتها وسبوغها، وتظاهرها وتقادمها إلى حادث ما لم تزل تتغمّدني به معها مذ خلقتني وبرأتني من أوّل العمر من الإغناء بعد الفقر، وكشف الضرّ، وتسبيب اليسر، ودفع العسر، وتفريج الكرب، والعافية في البدن، والسلامة في الدين، ولو رفدني على قدر ذكر نعمك عليّ جميع العالمين من الأولين والآخرين لما قدرت ولا هم على ذلك. تقدّست وتعاليت من ربّ عظيمٍ، كريمٍ رحيمٍ، لا تُحصى آلاؤك، ولا يبلغ ثناؤك، ولا تُكافى نعماؤك، صلّ على محمّد وآل محمّد، واتمم علينا نعمتك، وأسعدنا بطاعتك. سبحانك لا إله إلاّ أنت.

اللّهم إنّك تجيب دعوة المضطّر إذا دعاك وتكشف السوء، وتغيث المكروب، وتشفي السقيم، وتغني الفقير، وتجبر الكسير، وترحم الصغير، وتُعين الكبير، وليس دونك ظهير، ولا فوقك قدير، وأنت العليّ الكبير، يا مطلق المكبّل الأسير، يا رازق الطفل الصغير، يا عصمة الخائف المستجير، يا من لا شريك له ولا وزير. صلّ على محمّد وآل محمّد، وأعطني في هذه العشيّة أفضل ما أعطيت وأنلت أحداً من عبادك من نعمة تولّيها، وآلاء تجدّدها، وبليّة تصرفها، وكربة تكشفها، ودعوة تسمعها، وحسنة تتقبّلها، وسيئةٍ تغفرها إنّك لطيف خبير، وعلى كلّ شيءٍ قدير.

اللّهمّ إنّك أقرب مَنْ دُعي، وأسرع مَنْ أجاب، وأكرم مَنْ عفا، وأوسع

١٩١

اللّهمّ يا مَنْ ملك فقدر، وقدر فقهر، وعُصي فستر، واستغفر فغفر، يا غاية الراغبين، ومنتهى أمل الراجين، يا من أحاط بكلّ شيء علماً، ووسع المستقيلين رأفةً وحلماً.

اللّهمّ إنّا نتوجّه إليك في هذه العشيّة التي شرّفتها وعظّمتها بمحمد نبيّك ورسولك وخيرتك، وأمينك على وحيك. اللّهمّ صلّ على البشير النذير، السراج المنير الذي أنعمت به على المسلمين، وجعلته رحمةً للعالمين.

اللّهمّ فصل على محمّد وآله كما محمّد أهل ذلك يا عظيم، فصلّ عليه وعلى آل محمّد المنتجبين الطيبين الطاهرين أجمعين، وتغمّدنا بعفوك عنّا، فإليك عجّت الأصوات بصنوف اللغات، واجعل لنا في هذه العشية نصيباً في كلّ خير تقسمه، ونور تهدي به، ورحمة تنشرها، وعافية تجلّلها، وبركة تنزلها، ورزق تبسطه، يا أرحم الراحمين.

اللّهمّ اقبلنا في هذا الوقت منجحين مفلحين مبرورين غانمين، ولا تجعلنا من القانطين، ولا تخلنا من رحمتك، ولا تحرمنا ما نؤمّله من فضلك، ولا تردّنا خائبين، ولا من بابك مطرودين، ولا تجعلنا من رحمتك محرومين، ولا لفضل ما نؤمّله من عطاياك قانطين، يا أجود الأجودين، ويا أكرم الأكرمين. إليك أقبلنا موقنين، ولبيتك الحرام آمّين قاصدين فأعنّا على منسكنا، وأكمل لنا حجّنا، واعفُ اللّهم عنّا فقد مددنا إليك أيدينا وهي بذلّة الاعتراف موسومة.

اللّهمّ فأعطنا في هذه العشية ما سألناك، واكفنا ما استكفيناك، فلا كافي

١٩٢

لنا سواك، ولا ربّ لنا غيرك. نافذ فينا حكمك. محيط بنا علمك. عدل قضاؤك. اقض لنا الخير، واجعلنا من أهل الخير.

اللّهمّ أوجب لنا بجودك عظيم الأجر، وكريم الذخر، ودوام اليسر، فاغفر لنا ذنوبنا أجمعين، ولا تهلكنا مع الهالكين، ولا تصرف عنّا رأفتك برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللّهمّ اجعلنا في هذا الوقت ممّن سألك فأعطيته، وشكرك فزدته، وتاب إليك فقبلته، وتنصّل إليك من ذنوبه فغفرتها له يا ذا الجلال والإكرام.

اللّهمّ وفّقنا وسدّدنا، واعصمنا واقبل تضرّعنا، يا خير مَنْ سئل، ويا أرحم مَنْ استرحم، يا مَنْ لا يخفى عليه إغماض الجفون، ولا لحظ العيون، ولا ما استقرّ في المكنون، ولا ما انطوت عليه مضمرات القلوب. ألا كلّ ذلك قد أحصاه علمك، ووسعه حلمك، سبحانك وتعاليت عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً.

تسبّح لك السماوات والأرض وما فيهنّ، وإن من شيء إلاّ يسبح بحمدك، فلك الحمد والمجد، وعلوّ الجدّ، يا ذا الجلال والإكرام، والفضل والإنعام، والأيادي الجسام، وأنت الجواد الكريم. الرؤوف الرحيم. أوسع عليّ من رزقك، وعافني في بدني وديني، وآمن خوفي، وأعتق رقبتي من النار.

اللّهمّ لا تمكر بي، ولا تستدرجني ولا تخذلني، وادرء عنّي شرّ فسقة الجنّ والإنس، يا أسمع السامعين، ويا أبصر الناظرين، ويا أسرع الحاسبين، ويا أرحم الراحمين، صلّ على محمّد وآل محمّد، وأسألك اللّهمّ حاجتي التي إن أعطيتها لم يضرّني ما منعتني، وإن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني. أسألك فكاك رقبتي من النار. لا إله إلاّ أنت وحدك لا شريك لك. لك الملك ولك الحمد، وأنت على كلّ شيء قدير، يا ربّ يا ربّ يا ربّ.

إلهي أنا الفقير في غناي، فكيف لا أكون فقيراً في فقري. إلهي أنا الجاهل في علمي فكيف لا أكون جهولاً في جهلي. إلهي إنّ اختلاف تدبيرك وسرعة طواء مقاديرك منعا عبادك العارفين بك عن السكون إلى عطاء، واليأس منك في بلاء.

١٩٣

إلهي منّي ما يليق بلومي، ومنك ما يليق بكرمك. إلهي وصفت نفسك باللطف والرأفة لي قبل وجود ضعفي أفتمنعني منهما بعد وجود ضعفي؟! إلهي إن ظهرت المحاسن منّي فبفضلك ولك المنّة عليّ، وإن ظهرت المساوي منّي فبعدلك ولك الحجّة عليّ. إلهي كيف تكلني وقد توكّلت لي، وكيف اُضام وأنت الناصر لي، أم كيف أخيّب وأنت الحفيّ بي؟! ها أنا أتوسل إليك بفقري إليك، وكيف أتوسل إليك بما هو محال أن يصل إليك، أم كيف أشكو إليك حالي وهو لا يخفى عليك، أم كيف اُترجم بمقالي وهو منك برز إليك، أم كيف تخيّب آمالي وهي قد وفدت إليك، أم كيف لا تحسن أحوالي وبك قامت؟!

إلهي ما ألطفك بي مع عظيم جهلي، وما أرحمك بي مع قبيح فعلي. إلهي ما أقربك منّي وأبعدني عنك، وما أرأفك بي فما الذي يحجبني عنك؟! إلهي علمت باختلاف الآثار، وتنقّلات الأطوار، أنّ مرادك منّي أن تتعرّف إليّ في كلّ شيء حتّى لا أجهلك في شيء.

إلهي كلّما أخرسني لومي أنطقني كرمك، وكلّما آيستني أوصافي أطمعتني مننك. إلهي مَنْ كانت محاسنه مساوي فكيف لا تكون مساويه مساوي؟! ومن كانت حقايقه دعاوي فكيف لا تكون دعاويه دعاوي؟!

إلهي حكمك النافذ، ومشيتك القاهرة لم يتركا لذي مقال مقالاً، ولا لذي حال حالاً. إلهي كم من طاعة بنيتها، وحالة شيّدتها هدم اعتمادي عليها عدلك، بل أقالني منها فضلك. إلهي إنّك تعلم أنّي وإن لم تدم الطاعة منّي فعلاً جزماً فقد دامت محبّة وعزماً. إلهي كيف أعزم وأنت القاهر، وكيف لا أعزم وأنت الآمر؟!

إلهي تردّدي في الآثار يوجب بعد المزار، فأجمعني عليك بخدمة توصلني إليك. كيف يستدلّ عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟! أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتّى يكون هو المظهر لك؟! متى غبت حتّى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك، ومتى بعدت حتّى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟! عميت عين لا تراك عليها رقيباً،

١٩٤

وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصيباً.

إلهي أمرت بالرجوع إلى الآثار فارجعني إليك بكسوة الأنوار، وهداية الاستبصار حتّى ارجع إليك منها كما دخلت إليك منها؛ مصون السرّ عن النظر إليها، ومرفوع الهمّة عن الاعتماد عليها، إنّك على كلّ شيءٍ قدير.

إلهي هذا ذلّي ظاهر بين يديك، وهذا حالي لا يخفى عليك، منك أطلب الوصول إليك، وبك استدلّ عليك، فاهدني بنورك إليك، وأقمني بصدق العبوديّة بين يديك. إلهي علّمني من علمك المخزون، وصنّي بسرّك المصون. إلهي حققني بحقايق أهل القرب، واسلك بي مسلك أهل الجذب. إلهي أغنني بتدبيرك لي عن تدبيري، وباختيارك عن اختياري، وأوقفني على مراكز اضطراري.

إلهي أخرجني من ذلّ نفسي، وطهّرني من شكّي وشركي قبل حلول رمسي، بك أنتصر فانصرني، وعليك أتوكل فلا تكلني، وإياك أسأل فلا تخيّبني، وفي فضلك أرغب فلا تحرمني، وبجنابك أنتسب فلا تبعدني، وببابك أقف فلا تطردني.

إلهي تقدّس رضاك أن تكون له علّة منك، فكيف يكون له علّة منّي؟! إلهي أنت الغنيّ بذاتك أن يصل إليك النفع منك، فكيف لا تكون غنيّاً عنّي؟! إلهي إنّ القضاء والقدر يمنّيني، وإنّ الهوى بوثائق الشهوة أسرني، فكن أنت النصير لي؛ حتّى تنصرني وتبصّرني، وأغنني بفضلك حتّى استغني بك عن طلبي.

أنت الذي أشرقت الأنوار في قلوب أوليائك حتّى عرفوك ووحّدوك، وأنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبائك حتّى لم يحبّوا سواك، ولم يلجؤوا إلى غيرك. أنت المونس لهم حيث أوحشتهم العوالم، وأنت الذي هديتهم حيث استبانت لهم المعالم.

ماذا وجد مَنْ فقدك؟ وما الذي فقد مَنْ وجدك؟ لقد خاب مَنْ رضي دونك بدلاً، ولقد خسر مَنْ بغي عنك متحوّلاً. كيف يُرجى سواك وأنت ما قطعت الإحسان؟! وكيف يُطلب من غيرك وأنت ما بدّلت عادة الامتنان؟! يا مَنْ أذاق أحبّاءه حلاوة المؤانسة

١٩٥

فقاموا بين يديه متملّقين، ويا مَنْ ألبس أولياءه ملابس هيبته فقاموا بين يديه مستغفرين. أنت الذاكر قبل الذاكرين، وأنت البادي بالإحسان قبل توجّه العابدين، وأنت الجواد بالعطاء قبل طلب الطالبين، وأنت الوهّاب ثمّ لما وهبتنا من المستقرضين.

إلهي اطلبني برحمتك حتّى أصل إليك، واجذبني بمنّك حتّى أقبِل إليك. إلهي إنّ رجائي لا ينقطع عنك وإن عصيتك، كما إنّ خوفي لا يزايلني وإن أطعتك، فقد دفعتني العوالم إليك، وقد أوقعني علمي بكرمك عليك.

إلهي كيف أخيب وأنت أملي، أم كيف اُهان وعليك متّكلي؟! إلهي كيف استعزّ وفي الذلّة أركزتني، أم كيف لا أستعزّ وإليك نسبتني؟! إلهي كيف لا أفتقر وأنت الذي في الفقراء أقمتني، أم كيف أفتقر وأنت الذي بجودك أغنيتني؟! وأنت الذي لا إله غيرك تعرّفت لكلّ شيء فما جهلك شيء، وأنت الذي تعرّفت إليّ في كلّ شيء فرأيتك ظاهراً في كلّ شيء، وأنت الظاهر لكلّ شيء، يا من استوى برحمانيته فصار العرش غيباً في ذاته، محقت الآثار بالآثار، ومحوت الأغيار بمحيطات أفلاك الأنوار.

يا من احتجب في سرادقات عرشه عن أن تدركه الأبصار، يا من تجلّى بكمال بهائه فتحققت عظمته من الاستواء. كيف تخفى وأنت الظاهر، أم كيف تغيب وأنت الرقيب الحاضر؟! إنّك على كلّ شيءٍ قدير. والحمد لله وحده».

١٩٦

بسم الله وبالله (1)

«إنّ رجلاً اشتكى إلى أبي عبد الله الحسين بن عليعليهما‌السلام ، فقال: يابن رسول الله، إنّي أجد وجعاً في عراقيبي قد منعني من النهوض إلى الصلاة.

قال: فما يمنعك من العوذة؟

قال: لست أعلمها.

قال: فإذا أحسست بها فضع يدك عليها، وقل: بسم الله وبالله، والسلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم اقرأ عليه( وَمَا قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْسّمَاوَاتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى‏ عَمّا يُشْرِكُونَ ) (2) . ففعل الرجل ذلك فشفاه الله تعالى».

دعاء المشلول(3)

«كنتُ مع علي بن أبي طالبعليه‌السلام في الطواف في ليلة ديجوجيّة(4) قليلة النور، وقد خلا الطواف، ونام الزّوار،

____________________

(1) طب الأئمةعليهم‌السلام / 33. عبد الله بن بسطام، عن إبراهيم بن محمّد الأودي، عن صفوان الجمال، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن علي بن الحسينعليه‌السلام .

(2) سورة الزمر / 67.

(3) مهج الدعوات / 151 - 157؛ مصباح الكفعمي / 260 - 264. روى جماعة يسندون الحديث إلى الحسين بن عليعليه‌السلام ، قال:....

(4) أي: مظلمة مع غيم لا ترى نجماً ولا قمراً.

١٩٧

وهدأت العيون، إذ سمع مستغيثاً مستجيراً مسترحماً، بصوت حزين من قلبٍ موجع، وهو يقول:

يا مَنْ يجيبُ دعا المضطرِّ في الظلمِ

يا كاشفَ الضرِّ والبلوى مع السَّقمِ

قد نامَ وفدُكَ حولَ البيتِ وانتبهوا

يدعو وعينكَ يا قيّومُ لم تنمِ

هب لي بجودكَ فضلَ العفو عن جُرُمي

يا مَنْ أشارَ إليهِ الخلقُ في الحرمِ

إن كانَ عفوكَ؟ يلقاهُ ذو سرفٍ

فمَنْ يجودُ على العاصينَ بالنّعمِ

قال الحسين بن عليعليه‌السلام : «فقال لي: يا أبا عبد الله، أسمعت المنادي ذنبه، المستغيث ربّه؟

فقلت: نعم، قد سمعته.

فقال: اعتبره عسى أن تراه. فما زلت أخبط في طخياء الظلام(1) ، وأتخلل بين النيام، فلمّا صرت بين الركن والمقام بدا لي شخص منتصب، فتأمّلته فإذا هو قائم، فقلت: السلام عليك أيها العبد المقرّ المستقيل، المستغفر المستجير، أجب بالله ابن عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فأسرع في سجوده وقعوده وسلّم، فلم يتكلّم حتّى أشار بيده بأن تقدّمني، فتقدمته، فأتيت به أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقلت: دونك ها هو. فنظر إليه فإذا هو شابّ حسن الوجه، نقيّ الثياب،

____________________

(1) يعني: سواد الليل الشديد الظلمة.

١٩٨

فقال له: ممّن الرجل؟

فقال له: من بعض العرب.

فقالعليه‌السلام : ما اسمك؟

قال: منازل بن لاحق الشيباني.

فقال له: ما حالك؟ وممّ بكاؤك واستغاثتك؟

فقال: ما حال مَنْ اُوخذ بالعقوق فهو في ضيق ارتهنه المصاب، وغمره الاكتئاب، فإن تاب فدعاؤه لا يُستجاب.

فقال له عليّعليه‌السلام : ولِمَ ذلك؟

فقال: لإني كنت ملتهياً في العرب باللعب والطرب، اُديم العصيان في رجب وشعبان، وما أراقب الرحمان. وكان لي والد شفيق رفيق يحذّرني مصارع الحدثان، ويخوّفني العقاب بالنيران، ويقول: كم ضجّ منك النهار والظلام، والليالي والأيام، والشهور والأعوام، والملائكة الكرام.

وكان إذا ألحّ عليّ بالوعظ زجرته وانتهرته، ووثبت عليه وضربته، فعمدت يوماً إلى شيءٍ من الورق - وكانت في الخباء(1) - فذهبت لآخذها وأصرفها فيما كنت عليه، فمانعني عن أخذها، فأوجعته ضرباً ولويت يده، وأخذتها ومضيت. فأومأ بيده إلى ركبتيه يروم النهوض من مكانه ذلك فلم يطق يحرّكها من شدّة الوجع والألم، فأنشأ يقول:

جرت رحمٌ بيني وبين منازلٍ

سواءٌ كما يستنزلُ القطرَ طالبُهْ

وربّيتُ حتّى صارَ جلداً شمردلاً

إذا قامَ ساوى غاربُ الفحلِ غاربُهْ

وقد كنتُ اُوتيه من الزادِ في الصبى

إذا جاع منهُ صفوهُ وأطايبُهْ

____________________

(1) الورق: الدراهم المضروبة، والخباء: الخيمة.

١٩٩

فلمّا استوى في عنفوانِ شبابهِ

وأصبحَ كالرمحِ الردينيِّ خاطبُهْ

تهضّمني مالي كذا ولوى يدي

لوى يدهُ اللهُ الذي هو غالبُهْ

ثمّ حلف بالله ليقدمن إلى بيت الله الحرام فيستعدي الله عليّ، فصام أسابيع، وصلّى ركعات، ودعا وخرج متوجهاً إلى عيرانة(1) يقطع بالسير عرض الفلاة، ويطوي الأودية، ويعلو الجبال حتّى قدم مكّة يوم الحجّ الأكبر، فنزل عن راحلته، وأقبل إلى بيت الله الحرام، فسعى وطاف به، وتعلّق بأستاره، وابتهل بدعائه، وأنشأ يقول:

يا مَنْ إليهِ أتى الحجّاج بالجهدِ

فوقَ المهادي من أقصى غايةِ البعدِ

إنّي أتيتكَ يا مَنْ؟ يخيّبُ مَنْ

يدعوهُ مبتهلاً بالواحدِ الصمدِ

هذا منازلُ؟ يرتاعُ من عققي

فخذ بحقّيَ يا جبّارُ من ولدي

حتّى تشلّ بعونٍ منكَ جانبهُ

يا مَنْ تقدّسَ لم يُولد ولم يلدِ

قال: فوالذي سمك السماء وأنبع الماء، ما استتم دعاءه حتّى نزل بي ما ترى - ثمّ كشف عن يمينه فإذا بجانبه قد شلّ -، فأنا منذ ثلاث سنين أطلب إليه أن يدعو لي في الموضع الذي دعا به عليّ فلم يجبني، حتّى إذا كان العام أنعم عليّ فخرجت به على ناقة عشراء(2) أجدّ السير حثيثاً رجاء العافية، حتّى إذا كنّا على الأراك وحطمة وادي السياك نفر طائر في الليل فنفرت منه الناقة التي كان عليها، فألقته إلى قرار الوادي فارفضّ بين الحجرين فقبرته هناك. وأعظم من ذلك إنّي لا اُعرف إلاّ المأخوذ بدعوة أبيه.

فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : أتاك الغوث. ألا اُعلّمك دعاء علمنيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفيه اسم الله الأكبر الأعظم، العزيز الأكرم الذي يُجيب به مَنْ

____________________

(1) العيرانة من الإبل: التي تشبه العير في سرعتها ونشاطها.

(2) العشراء - كالنفساء - من النوق: التي مضت لحملها عشرة أشهر.

٢٠٠