كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)0%

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: دار العلوم
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 330

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد حسن الشيرازي
الناشر: دار العلوم
تصنيف: الصفحات: 330
المشاهدات: 186340
تحميل: 4703

توضيحات:

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 330 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 186340 / تحميل: 4703
الحجم الحجم الحجم
كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: دار العلوم
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وسبطك الذي خلّفتني في أمّتك، فاشهد عليهم يا نبيّ الله إنّهم قد خذلوني وضيّعوني ولم يحفظوني، وهذه شكواي إليك حتّى ألقاك».

قال: ثمّ قام فصفّ قدميه فلم يزل راكعاً ساجداً.

دأب القائد الإلهي (1)

لمّا كانت الليلة الثانية، خرج الحسينعليه‌السلام إلى القبر أيضاً وصلّى ركعات، فلمّا فرغ من صلاته جعل يقول: «اللّهمّ هذا قبر نبيّك محمّد، وأنا ابن بنت نبيّك، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللّهمّ إنّي أحبّ المعروف، وأنكر المنكر، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام، بحقّ القبر ومَنْ فيه إلاّ اخترت لي ما هو لك رضا، ولرسولك رضا».

ثمّ جعل يبكي عند القبر، حتّى إذا كان قريباً من الصبح وضع رأسه على القبر فأغفي، فإذا هو برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه، وعن شماله وبين يديه حتّى ضمّ الحسين إلى صدره، وقبّل بين عينيه، وقال: «حبيبي يا حسين، كأنّي أراك عن قريب مرمّلاً بدمائك، مذبوحاً بأرض كرب وبلاء، من عصابة من اُمّتي، وأنت مع ذلك عطشان لا تُسقى، وظمآن لا تُروى، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة. حبيبي يا حسين، إنّ أباك واُمّك وأخاك قدموا عليّ وهم مشتاقون إليك، وإنّ لك في الجنان لدرجات لن تنالها إلاّ بالشهادة».

فجعل الحسينعليه‌السلام في منامه ينظر إلى جدّه، ويقول: «يا جدّاه، لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا، فخذني إليك وأدخلني معك في قبرك».

فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا بدّ لك من الرجوع إلى الدنيا حتّى ترزق الشهادة، وما

____________________

(1) بحار الأنوار 44 / 328.

٢٤١

قد كتب الله لك فيها من الثواب العظيم؛ فإنّك وأباك وأخاك وعمّك وعمّ أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتّى تدخلوا الجنّة».

قال: فانتبه الحسينعليه‌السلام من نومه فزعاً مرعوباً، فقصّ رؤياه على أهل بيته وبني عبد المطلب، فلم يكن في ذلك اليوم في مشرق ولا مغرب قوم أشدّ غمّاً من أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا أكثر باك ولا باكية منهم.

القائد الأبيّ (1)

لمّا أشار محمّد بن الحنفيّة على أخيه الحسينعليه‌السلام برأيه، أجابهعليه‌السلام وقال: «يا أخي، والله لو لم يكن ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية». فقطع محمّد بن الحنفيّة الكلام وبكى، فبكى الحسينعليه‌السلام معه ساعة، ثمّ قال: «يا أخي، جزاك الله خيراً، فقد نصحت وأشرت بالصواب، وأنا عازم على الخروج إلى مكّة، وقد تهيّأت لذلك أنا وإخوتي وبنو أخي وشيعتي، وأمرهم أمري، ورأيهم رأيي، وأمّا أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عيناً، لا تخفي عنّي شيئاً من اُمورهم».

ثمّ دعا الحسينعليه‌السلام بدواة وبياض، وكتب هذه الوصيّة لأخيه محمّد: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به الحسين بن عليّ بن أبي طالب إلى أخيه محمّد، المعروف بابن الحنفيّة، إنّ الحسين يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداّ عبده ورسوله، جاء بالحقّ من عند الحقّ، وأنّ الجنّة والنار حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث مَنْ في القبور، وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، اُريد أن آمر

____________________

(1) بحار الأنوار 44 / 329 - 330.

٢٤٢

بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فمَنْ قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومَنْ ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ وهو خير الحاكمين، وهذه وصيّتي يا أخي إليك، وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكّلت وإليه اُنيب».

قال: ثمّ طوى الحسينعليه‌السلام الكتاب وختمه بخاتمه، ودفعه إلى أخيه محمّد، ثمّ ودّعه وخرج في جوف الليل.

الإمداد العسكري (1)

لمّا سار أبو عبد الله الحسين بن عليعليه‌السلام من المدينة لقيه أفواج من الملائكة المسوّمين والمردفين في أيديهم الحراب على نجب من نجب الجنّة، فسلّموا عليه، وقالوا: يا حجّة الله على خلقه بعد جدّه وأبيه وأخيه، إنّ الله (عزّ وجلّ) أمدّ جدّك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بنا في مواطن كثيرة، وإنّ الله أمدّك بنا.

فقال لهم: «الموعد حفرتي وبقعتي التي استشهد فيها، وهي كربلاء، فإذا وردتها فأتوني».

فقالوا: يا حجّة الله، إنّ الله أمرنا أن نسمع لك ونطيع، فهل تخشى من عدوّ يلقاك فنكون معك؟

فقال: «لا سبيل لهم عليّ، ولا يلقوني بكريهة أو أصل إلى بقعتي».

وأتته أفواج من مؤمني الجن فقالوا له: يا مولانا، نحن شيعتك وأنصارك، فمرنا بما تشاء؛ فلو أمرتنا بقتل كلّ عدوٍّ لك وأنت بمكانك لكفيناك.

____________________

(1) اللّهوف / 28 - 30. ذكر المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان بإسناده إلى أبي عبد الله جعفر بن محمّدعليه‌السلام ، قال:....

٢٤٣

فجزاهم [الحسين] خيراً، وقال لهم: «أوَ ما قرأتم كتاب الله المنزل على جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله:( ... قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى‏ مَضَاجِعِهِمْ... ) (1) .

فإذا أقمت في مكاني فبماذا يُمتحن هذا الخلق؟ وبماذا يُختبرون؟ ومَنْ ذا يكون ساكن حفرتي بكربلاء وقد اختارها الله تعالى لي يوم دحا الأرض، وجعلها معقلاً لشيعتنا ومحبّينا تقبل أعمالهم وصلواتهم، ويجاب دعاؤهم، وتسكن شيعتنا فتكون لهم أماناً في الدنيا وفي الآخرة؟ ولكن تحضرون يوم السبت [يوم الجمعة، خ ل] وهو يوم عاشوراء الذي في آخره اُقتل، ولا يبقى بعدي مطلوب من أهلي ونسبي وإخواني وأهل بيتي، ويسار برأسي إلى يزيد بن معاوية».

فقالت الجن: نحن والله يا حبيب الله وابن حبيبه، لولا أنّ أمرك طاعة، وأنّه لا يجوز لنا مخالفتك لخالفناك، وقتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك.

فقال لهمعليه‌السلام : «ونحن والله أقدر عليهم منكم، ولكن ليهلك مَنْ هلك عن بيّنة، ويحيا مَنْ حيّ عن بيّنة».

القائد والشهادة (2)

لمّا عزم الحسينعليه‌السلام على الخروج من المدينة أتته اُمّ سلمة (رضي الله عنها)، فقالت: يا بُنيّ، لا تحزنيّ بخروجك إلى العراق؛ فإنّي سمعت جدّك يقول: «يُقتل ولدي الحسين بأرض العراق، في أرض يُقال لها كربلاء».

____________________

(1) سورة آل عمران / 154.

(2) بحار الأنوار 44 / 331 - 332.

٢٤٤

فقال لها: «يا اُمّاه، وأنا والله أعلم ذلك، وإنّي مقتول لا محالة، وليس لي من هذا بدّ، وإنّي والله، لأعرف اليوم الذي اُقتل فيه، وأعرف مَنْ يقتلني، وأعرف البقعة التي اُدفن فيها، وإنّي أعرف مَنْ يُقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي، وإن أردت يا اُمّاه اُريك حفرتي ومضجعي».

ثمّ أشارعليه‌السلام إلى جهة كربلاء فانخفضت الأرض حتّى أراها مضجعه ومدفنه، وموضع عسكره، وموقفه ومشهده، فعند ذلك بكت أمّ سلمة بكاءً شديداً، وسلّمت أمره إلى الله، فقال لها: «يا اُمّاه، قد شاء الله (عزّ وجلّ) أن يراني مقتولاً مذبوحاً ظلماً وعدواناً، وقد شاء أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشرّدين، وأطفالي مذبوحين مظلومين، مأسورين مقيّدين، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصراً ولا معيناً».

الشهادة سعادة (1)

عن الواقدي وزارة بن خلج، قالا: لقينا الحسين بن عليعليه‌السلام أن يخرج إلى العراق [بثلاثة أيام] فأخبرناه ضعف الناس بالكوفة، وأنّ قلوبهم معه وسيوفهم عليه، فأومأ بيده نحو السماء ففتحت أبواب السماء، ونزلت الملائكة عدداً لا يحصيهم إلاّ الله تعالى، فقالعليه‌السلام : «لولا تقارب الأشياء، وحبوط الأجر لقاتلتهم بهؤلاء، ولكن أعلم يقيناً أنّ هناك مصرعي ومصرع أصحابي، لا ينجو إلاّ ولدي عليعليه‌السلام ».

____________________

(1) اللّهوف / 26 - 27؛ دلائل الإمامة / 74. روى أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، عن سفيان بن وكيع، عن أبيه، عن الأعمش،....

٢٤٥

إحباط مؤامرة (1)

جاء محمّد بن الحنفيّة إلى الحسينعليه‌السلام في الليلة التي أراد [الحسين] الخروج في صبيحتها عن مكة، فقال: يا أخي، إنّ أهل الكوفة مَنْ قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك، وقد خفت أن يكون حالك حال مَنْ مضى، فإن رأيت أن تقيم فإنك أعزّ مَنْ في الحرم وأمنعه.

فقال: «يا أخي، قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم؛ فأكون الذي يُستباح به حرمة هذا البيت».

فقال له ابن الحنفيّة: فإن خفت ذلك فصر إلى اليمن، أو بعض نواحي البرّ؛ فإنّك أمنع الناس به، ولا يقدر عليك أحد.

فقال: «أنظر فيما قلت».

فلمّا كان السحر ارتحل الحسينعليه‌السلام ، فبلغ ذلك ابن الحنفيّة فأتى فأخذ زمام ناقته التي ركبها، فقال له: يا أخي، ألم تعدني النظر فيما سألتك؟

قال: «بلى».

قال: فما حداك على الخروج عاجلاً؟

فقال: «أتاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد ما فارقتك، فقال: يا حسين اخرج؛ فإنّ الله قد شاء أن يراك قتيلاً».

فقال له ابن الحنفيّة: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذه الحال؟

____________________

(1) اللّهوف / 27 - 28. عن محمّد بن داود القمّي، بالإسناد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال:....

٢٤٦

قال: فقال له: «قد قال ليصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّ الله قد شاء أن يراهنّ سبايا». وسلّم عليه ومضى.

نحو العراق (1)

جاء عبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير إلى الحسينعليه‌السلام عندما عزم على الخروج، فأشارا عليه بالإمساك، فقال لهما: «إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أمرني بأمر وأنا ماضٍ فيه».

قال: فخرج ابن عباس وهو يقول: وا حسيناه! ثمّ جاء عبد الله بن عمر، فأشار عليه بصلح أهل الضلال، وحذّره من القتل والقتال، فقال له: «يا أبا عبد الرحمان، أما علمت أنّ من هوان الدنيا على الله أنّ رأس يحيى بن زكريّا اُهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل؟ أما تعلم أنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيّاً، ثمّ يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأن لم يصنعوا شيئاً، فلم يعجّل الله عليهم، بل أمهلهم وأخذهم بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام؟ اتّقِ الله يا أبا عبد الرحمان، ولا تدعنّ نصرتي».

مع الفرزدق (2)

روي عن الفرزدق الشاعر أنّه قال: حججت بأمّي في سنة ستّين، فبينا أنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم إذ لقيت الحسين بن عليعليه‌السلام خارجاً من مكّة مع أسيافه وأتراسه، فقلت:

____________________

(1) اللّهوف / 13 - 14.

(2) إرشاد المفيد / 218 - 219.

٢٤٧

لمَنْ هذا القطار؟

فقيل: للحسين بن عليعليه‌السلام . فأتيته وسلّمت عليه، وقلت له: أعطاك الله سؤلك، وأمّلك فيما تحبّ، بأبي أنت واُمّي يابن رسول الله! ما أعجلك عن الحج؟

فقال: «لولا أعجّل لاُخذت». ثمّ قال لي: «مَنْ أنت؟».

قلتُ: امرؤ من العرب. فلا والله ما فتشني عن أكثر من ذلك.

ثمّ قال لي: «أخبرني عن الناس خلفك؟».

فقلتُ: الخبير سألت؛ قلوب الناس معك وأسيافهم عليك، والقضاء ينزل من السماء، والله يفعل ما يشاء.

فقال: «صدقت، لله الأمر [من قبل ومن بعد]، وكل يوم [ربّنا] هو في شأن، إن نزل القضاء بما نحبّ ونرضى فنحمد الله على نعمائه، وهو المستعان على أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد مَنْ كان الحق نيّته، والتقوى سريرته».

فقلتُ له: أجل، بلغك الله ما تحبّ وكفاك ما تحذر، وسألته عن أشياء من نذور ومناسك فأخبرني بها، وحرّك راحلته، وقال: «السلام عليك»، ثمّ افترقنا.

في تنعيم (1)

سار الحسينعليه‌السلام نحو العراق حتّى مرّ بالتنعيم، فلقي هناك عيراً تحمل هديّة قد بعث بها بحير بن ريسان الحميري عامل اليمن إلى يزيد بن معاوية، فأخذعليه‌السلام الهدية؛ لأنّ حكم أمور المسلمين إليه، وقال لأصحاب الجمال [الإبل، خ ل]: «مَنْ أحبّ منكم أن ينطلق معنا إلى العراق وفيناه كراه وأحسنّا معه صحبته،

____________________

(1) اللّهوف / 30؛ ومثير الأحزان / 42.

٢٤٨

ومَنْ أحبّ أن يفارقنا [من مكاننا هذا] أعطيناه كراه بقدر ما قطع من الطريق». فمضى معه قوم وامتنع آخرون.

أبناء الرحيل والشهادة (1)

روي أنّ الحسينعليه‌السلام لمّا عزم على الخروج إلى العراق قام خطيباً، فقال: «الحمد لله، وما شاء الله، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله، وصلّى الله على رسوله وسلّم. خُطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخيّر لي مصرع أنا لاقيه.

كأنّي بأوصالي يتقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأنّ منّي أكراشاً جوفاً، وأجربة سغباً، لا محيص عن يوم خطّ بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين. لن تشذّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لحمته، وهي مجموعة له في حظيرة القدس، تقرّ بهم عينه، وينجز لهم وعده.

مَنْ كان فينا باذلاً مهجته، وموطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا؛ فإنّي راحل مصبحاً إن شاء الله».

____________________

(1) كشف الغمة 2 / 203 - 204؛ اللّهوف / 26.

٢٤٩

في ذات عرق (1)

ثمّ سار الحسينعليه‌السلام حتّى بلغ ذات عرق، فلقي بشر بن غالب وارداً من العراق فسأله عن أهلها، فقال: خلّفت القلوب معك والسيوف مع بني اُميّة.

فقال: «صدق أخو بني أسد، إنّ الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد».

في الثعلبيّة (2)

قال الراوي: ثمّ سار الحسين [صلوات الله عليه] حتّى نزل الثعلبية وقت الظهيرة، فوضع رأسه فرقد، ثمّ استيقظ، فقال: «قد رأيت هاتفاً يقول: أنتم تسرعون، والمنايا تسرع بكم إلى الجنّة».

فقال له ابنه علي: يا أبه، أفلسنا على الحقّ؟

فقال: «بلى يا بُنيّ، والله الذي إليه مرجع العباد».

فقال: يا أبه، إذاً لا نبالي بالموت.

فقال له الحسينعليه‌السلام : «جزاك الله يا بُنيّ خير ما جزى ولداً عن والده». ثمّ باتعليه‌السلام في المواضع المذكور، فلمّا أصبح إذا برجل من الكوفة يكنّى أبا هرّة الأزدي قد أتاه فسلّم عليه، ثمّ قال: يابن رسول الله، ما الذي أخرجك عن حرم الله وحرم جدّك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

____________________

(1) اللّهوف / 30، مثير الأحزان / 42.

(2) اللّهوف / 30 - 31.

٢٥٠

فقال الحسينعليه‌السلام : «ويحك يا أبا هرّة! إنّ بني اُميّة أخذوا مالي فصبرت، وشتموا عرضي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت. وأيم الله لتقتلني الفئة الباغية، وليلبسنّهم الله ذلاّ شاملاً، وسيفاً قاطعاً، وليسلطنّ الله عليهم مَنْ يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من قوم سبأ إذ ملكتهم امرأة، فحكمت في أموالهم ودمائهم».

منطقة أجأ العسكرية (1)

قال الطرمّاح بن حكم: لقيت حسيناًعليه‌السلام وقد أمترت لأهلي ميرة، فقلت: اُذكّرك في نفسك، لا يغرّنك أهل الكوفة. فوالله، لئن دخلتها لتقتلنّ، وإنّي لأخاف أن لا تصل إليها. فإن كنت مجمعاً على الحرب فانزل أجأ؛ فإنّه جبل منيع. والله ما نالنا فيه ذلّ قطّ، وعشيرتي يرون جميعاً نصرك، فهم يمنعونك ما أقمت فيهم.

فقالعليه‌السلام : «إنّ بيني وبين القوم موعداً أكره أن أخلفهم، فإن يدفع الله عنّا فقديماً ما أنعم علينا وكفى، وإن يمكن ما لا بدّ منه ففوز وشهادة إن شاء الله».

مع ابن مطيع العدوي (2)

ثمّ أقبل الحسينعليه‌السلام من الحاجز يسير نحو الكوفة، فانتهى إلى ماء من مياه العرب، فإذا عليه عبد الله بن مطيع العدوي، وهو نازل

____________________

(1) مثير الأحزان / 39 - 40.

(2) إرشاد المفيد / 220.

٢٥١

به، فلمّا رأى الحسينعليه‌السلام قام إليه، فقال: بأبي أنت واُمّي يابن رسول الله! ما أقدمك؟ واحتمله فأنزله.

فقال له الحسينعليه‌السلام : «كان من موت معاوية ما قد بلغك، فكتب إليّ أهل العراق يدعونني إلى أنفسهم».

في الخزيميّة (1)

لمّا نزل الحسينعليه‌السلام الخزيميّة(2) أقام بها يوماً وليلة، فلمّا أصبح أقبلت إليه اخته زينب، فقالت: يا أخي، ألا أخبرك بشيء سمعته البارحة؟

فقال الحسينعليه‌السلام : «وما ذاك؟».

فقالت: خرجت في بعض الليل فسمعت هاتفاً يهتف، وهو يقول:

ألا يا عينُ فاحتفلي بجهدِ

ومَنْ يبكي على الشهداءِ بعدي

على قومٍ تسوقهمُ المنايا

بمقدارٍ إلى إنجازِ وعدِ

فقال لها الحسينعليه‌السلام : «يا اُختاه، كلّ الذي قضى فهو كائن».

____________________

(1) بحار الأنوار 44 / 372، عن مناقب ابن شهر آشوب.

(2) الخزيميّة: منزلة للحاج بين الأجفر والثعلبيّة.

٢٥٢

في منزلة زبالة (1)

أتى الحسينعليه‌السلام خبر مسلم في زبالة، ثمّ إنّه سار قاصداً لما دعاه الله إليه فلقيه الفرزدق الشاعر فسلّم عليه، وقال: يابن رسول الله، كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمّك مسلم بن عقيل وشيعته؟!

قال: فاستعبر الحسينعليه‌السلام باكياً، ثمّ قال: «رحم الله مسلماً، فلقد صار إلى روح الله وريحانه، وجنّته ورضوانه، أما إنّه قد مضى ما عليه، وبقي ما علينا». ثمّ أنشأ يقول:

فإن تكن الدنيا تُعدّ نفيسةً

فإنّ ثوابَ اللهِ أعلى وأنبلُ

وإن تكن الأبدانُ للموتِ اُنشئت

فقتلُ امرئٍ بالسيفِ في اللهِ أفضلُ

وإن تكن الأرزاقُ قسماً مقدّراً

فقلّةُ حرصِ المرءِ في السعي أجملُ

وإن تكن الأموالُ للتركِ جمعها

فما بالُ متروكٍ بهِ المرءُ يبخلُ

ثمّ قال: «اللّهمّ اجعل لنا ولشيعتنا منزلاً كريماً، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ من رحمتك، إنّك على كلّ شيء قدير».

ثمّ أخرج للناس كتاباً فقُرأ عليهم، فإذا فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد، فإنّه قد أتانا خبر فظيع؛ قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا، فمَنْ أحبّ منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج، ليس عليه ذمام».

فتفرّق الناس عنه، وأخذوا يميناً وشمالاً حتّى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة، ونفر يسير ممّن انضمّوا إليه.

____________________

(1) بحار الأنوار 44 / 374، عن اللّهوف والإرشاد.

٢٥٣

في بطن العقبة (1)

بات الحسينعليه‌السلام وأصحابه في منزل زبالة، فلمّا كان السحر أمر أصحابه فاستقوا ماء وأكثروا، ثمّ ساروا حتّى مرّ ببطن العقبة فنزل عليها، فلقيه شيخ من بني عكرمة يُقال له: عمرو بن لوذان، فسأله: أين تريد؟

فقال له الحسينعليه‌السلام : «الكوفة».

فقال الشيخ: اُنشدك الله لمّا انصرفت، فوالله ما تقدم إلاّ على الأسنّة وحدّ السيوف، وإنّ هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤونة القتل، ووطّؤوا لك الأشياء، فقدمت عليهم كان ذلك رأياً، فأمّا على هذه الحال التي تذكر فإنّي لا أرى لك أن تفعل.

فقال له: «يا عبد الله، ليس يخفى عليّ الرأي، ولكنّ الله تعالى لا يغلب على أمره».

ثمّ قالعليه‌السلام : «والله، لا يدعونني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي، فإذا فعلوا سلّط الله عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ فرق الاُمم».

في شراف وذي حسم (2)

ثمّ سار الحسينعليه‌السلام من بطن العقبة حتّى نزل شراف، فلمّا كان السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا، ثمّ سار منها حتّى انتصف النهار، فبينا هو يسير إذ كبّر رجل من أصحابه، فقال له الحسينعليه‌السلام :

____________________

(1) إرشاد المفيد / 223.

(2) إرشاد المفيد / 223 - 224.

٢٥٤

«الله أكبر، لِمَ كبّرت؟».

قال: رأيت النخل.

فقال له جماعة من أصحابه: والله، إنّ هذا المكان ما رأينا فيه نخلة قطّ.

فقال له الحسينعليه‌السلام : «فما ترونه؟».

قالوا: نراه والله آذان الخيل.

قال: «أنا والله أرى ذلك».

ثمّ قالعليه‌السلام : «ما لنا ملجأ نلجأ إليه فنجعله في ظهرنا، ونستقبل القوم بوجه واحد؟».

فقلنا له: بلى، هذا ذو حسم إلى جنبك، تميل إليه عن يسارك، فإن سبقت إليه فهو كما تريد، فأخذ إليه ذات اليسار وملنا معه، فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل فتبيّناها وعدلنا، فلمّا رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا، كأنّ أسنّتهم اليعاسيب، وكأنّ راياتهم أجنحة الطير.

فاستبقنا إلى ذي حسم فسبقناهم إليه، وأمر الحسينعليه‌السلام بأبنيته فضربت خيمة، وجاء القوم زهاء ألف فارس مع الحرّ بن يزيد التميمي حتّى وقف هو وخيله مقابل الحسينعليه‌السلام في حرّ الظهيرة، والحسينعليه‌السلام وأصحابه معتمّون مقلّدون أسيافهم.

فقال الحسينعليه‌السلام لفتيانه: «اسقوا القوم وارووهم من الماء، ورشّفوا الخيل ترشيفاً». ففعلوا وأقبلوا يملؤون القصاع والطساس من الماء ثمّ يدنونها من الفرس، فإذا عبّ فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت عنه، وسقوا آخر، حتّى سقوها كلّها.

فقال علي بن الطعان المحاربي: كنت مع الحر يومئذ، فجئت في آخر مَنْ جاء من أصحابه، فلمّا رأى الحسينعليه‌السلام ما بي وفرسي من العطش، قال: «أنخ الراوية». والراوية عندي السقاء.

ثمّ قال: «يابن الأخ، أنخ الجمل». فأنخته.

٢٥٥

فقال: «اشرب». فجعلت كلّما شربت سال الماء من السقاء، فقال الحسينعليه‌السلام : «اخنث السقاء». أي اعطفه، فلم أدرِ كيف أفعل، فقام فخنثه فشربت، وسقيت فرسي.

مع الحرّ الرياحي (1)

كان مجيء الحرّ بن يزيد من القادسية، وكان عبيد الله بن زياد بعث الحصين بن نمير وأمره أن ينزل القادسية، وتقدّم الحرّ بين يديه في ألف فارس يستقبل بهم حسيناً، فلم يزل الحرّ موافقاً للحسينعليه‌السلام حتّى حضرت صلاة الظهر، فأمر الحسينعليه‌السلام الحجّاج بن مسروق أن يؤذّن، فلمّا حضرت الإقامة خرج الحسينعليه‌السلام في إزار ورداء ونعلين، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «أيّها الناس، إنّي لم آتكم حتّى أتتني كتبكم، وقدمت عليّ رسلكم أن أقدم علينا؛ فإنّه ليس لنا إمام، لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى والحقّ.

فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم، فأعطوني ما أطمئنّ إليه من عهودكم ومواثيقكم، وإن لم تفعلوا وكنتم لقدومي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم».

فسكتوا عنه ولم يتكلّم أحد منهم بكلمة، فقال للمؤذّن: «أقم». فأقام الصلاة، فقال للحرّ: «أتريد أن تصلّي بأصحابك؟».

قال: لا، بل تصلّي أنت ونصلّي بصلاتك.

____________________

(1) إرشاد المفيد / 224.

٢٥٦

فصلّى بهم الحسينعليه‌السلام ، ثمّ دخل فاجتمع إليه أصحابه، وانصرف الحرّ إلى مكانه الذي كان فيه، فدخل خيمة قد ضربت له، واجتمع إليه جماعة من أصحابه، وعاد الباقون إلى صفّهم الذي كانوا فيه فأعادوه، ثم أخذ كلّ رجل منهم بعنان دابّته وجلس في ظلّها.

الأولى بالقيادة (1)

فلمّا كان وقت العصر أمر الحسين بن عليعليه‌السلام أن يتهيّؤوا للرّحيل ففعلوا، ثمّ أمر مناديه فنادى بالعصر، وأقام فاستقدم الحسينعليه‌السلام وقام فصلّى [بالقوم]، ثمّ سلّم وانصرف إليهم بوجهه، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: «أمّا بعد، أيّها الناس، فإنّكم إن تتّقوا الله وتعرفوا الحقّ لأهله يكن أرضى لله عنكم، ونحن أهل بيت محمّد وأولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان، وإن أبيتم إلاّ الكراهية لنا والجهل بحقّنا، وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم، وقدمت به عليّ رسلكم انصرفت عنكم».

فقال له الحرّ: أنا والله ما أدري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر.

فقال الحسينعليه‌السلام لبعض أصحابه: «يا عقبة بن سمعان، أخرج الخرجين اللّذين فيهما كتبهم إليّ». فأخرج خرجين مملوءين صحفاً فنثرت بين يديه، فقال له الحرّ: إنّا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك، وقد اُمرنا إذا نحن لقيناك ألاّ نفارقك حتّى نقدمك الكوفة على عبيد الله.

فقال له الحسينعليه‌السلام : «الموت أدنى إليك من ذلك».

____________________

(1) إرشاد المفيد / 224 - 225.

٢٥٧

ثمّ قال لأصحابه: «قوموا فاركبوا». فركبوا وانتظروا حتّى ركب نساؤهم، فقال لأصحابه: «انصرفوا». فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف، فقال الحسينعليه‌السلام للحرّ: «ثكلتك اُمّك! ما تريد؟».

فقال له الحرّ: أما لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر اُمّه بالثكل كائناً مَنْ كان، ولكن والله ما لي إلى ذكر اُمّك من سبيل إلاّ بأحسن ما نقدر عليه.

فقال له الحسينعليه‌السلام : «ما تريد؟».

قال: اُريد أن أنطلق بك إلى الأمير عبيد الله.

فقال: «إذاً والله لا أتّبعك».

قال: إذاً والله لا أدعك، فترادّا القول ثلاث مرّات، فلمّا كثر الكلام بينهما قال له الحرّ: إنّي لم اُؤمر بقتالك، إنّما اُمرت أن لا أفارقك حتّى أقدمك الكوفة، فإذا أبيت فخذ طريقاً لا يدخلك الكوفة ولا تردّك إلى المدينة، تكون بيني وبينك نصفاً حتّى أكتب إلى الأمير عبيد الله، فلعلّ الله أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلي بشيء من أمرك، فخذ ههنا.

الحياة عقيدة وجهاد (1)

سار الحسينعليه‌السلام وسار الحرّ في أصحابه يسايره، وهو يقول له: يا حسين، إنّي أذكّرك الله في نفسك، فإنّي أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ. فقال له الحسينعليه‌السلام : «أفبالموت تخوّفني؟ وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني، وسأقول كما قال أخو

____________________

(1) إرشاد المفيد / 225.

٢٥٨

الأوس لابن عمّه وهو يريد نصرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخوّفه ابن عمّه، وقال: أين تذهب فإنّك مقتول؟ فقال:

سأمضي وما بالموتِ عارٌ على الفتى

إذا ما نوى حقّاً وجاهدَ مُسلما

وواسى الرجالَ الصالحينَ بنفسهِ

وفارقَ مثبوراً وخالفَ مُجرما

فإن عشتُ لم أندم وإن متُّ لم اُلم

كفى بكَ ذلاّ أن تعيشَ وترغما

ثمّ أقبل الحسينعليه‌السلام على أصحابه، وقال: «هل فيكم أحد يعرف الطريق على غير الجادّة؟».

فقال الطرمّاح: نعم يابن رسول الله، أنا أخبر الطريق.

فقال الحسينعليه‌السلام : «سر بين أيدينا»، فسار الطرمّاح واتّبعه الحسينعليه‌السلام وأصحابه، وجعل الطرمّاح يرتجز، ويقول:

يا ناقتي؟ تذعري من زجري

وامضي بنا قبلَ طلوعِ الفجرِ

بخيرِ فتيانٍ وخيرِ سَفرِ

آلِ رسولِ اللهِ آلِ الفخرِ

السادةِ البيضِ الوجوهِ الزُّهرِ

الطاعنينَ بالرماحِ السُّمرِ

الضاربينَ بالسيوفِ البترِ

حتّى تحلّى بكريمِ الفخرِ

الماجدِ الجدِّ رحيب الصدرِ

أثابهُ اللهُ لخيرِ أمرِ

عمّرهُ اللهُ بقاءَ الدهرِ

يا مالكَ النفعِ معاً والنصرِ

أيّد حُسيناً سيّدي بالنصرِ

على الطغاةِ من بقايا الكفرِ

على اللّعينينِ سليلَي صخرِ

يزيد؟ زالَ حليفَ الخمرِ

وابن زيادٍ عهرٍ بن العهرِ

٢٥٩

في قصر بني مقاتل (1)

أخذ الحرّ يسير بأصحابه ناحية، والحسينعليه‌السلام في ناحية أخرى، حتّى انتهوا إلى عُذيب الهجانات، ثم مضى الحسينعليه‌السلام حتّى انتهى إلى قصر بني مقاتل فنزل به، فإذا هو بفسطاط مضروب، فقال: «لمَنْ هذا؟».

فقيل: لعبيد الله بن الحرّ الجعفي.

قال: «ادعوه إليّ». فلما أتاه الرسول قال له: هذا الحسين بن عليعليه‌السلام يدعوك.

فقال عبيد الله: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، والله ما خرجت من الكوفة إلاّ كراهية أن يدخلها الحسين وأنا بها، والله ما اُريد أن أراه ولا يراني.

فأتاه الرسول فأخبره، فقام إليه الحسينعليه‌السلام فجاء حتّى دخل عليه وسلّم وجلس، ثمّ دعاه إلى الخروج معه، فأعاد عليه عبيد الله بن الحرّ تلك المقالة واستقاله ممّا دعاه إليه.

فقال له الحسينعليه‌السلام : «فإن لم تكن تنصرنا فاتّق [الله] أن تكون ممّن يقاتلنا؛ فوالله لا يسمع واعيتنا أحد ثمّ لا ينصرنا إلاّ هلك».

فقال له: أمّا هذا فلا يكون أبداً إن شاء الله تعالى.

ثمّ قام الحسينعليه‌السلام من عنده حتّى دخل رحله، ولمّا كان في آخر اللّيل أمر فتيانه بالاستقاء من الماء، ثمّ أمر بالرحيل فارتحل من قصر بني مقاتل.

____________________

(1) إرشاد المفيد / 226.

٢٦٠