كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)0%

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: دار العلوم
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 330

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد حسن الشيرازي
الناشر: دار العلوم
تصنيف: الصفحات: 330
المشاهدات: 186329
تحميل: 4703

توضيحات:

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 330 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 186329 / تحميل: 4703
الحجم الحجم الحجم
كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: دار العلوم
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

خفقة على الأعتاب (1)

قال عقبة بن سمعان: فسرنا من قصر بني مقاتل مع الحسينعليه‌السلام ساعة، فخفقعليه‌السلام وهو على ظهر فرسه خفقة ثمّ انتبه، وهو يقول: «إنّا لله وإنّا إليه راجعون، والحمد لله ربّ العالمين». ففعل ذلك مرّتين أو ثلاثة، فأقبل إليه ابنه عليّ بن الحسينعليه‌السلام فقال: ممّ حمدت الله واسترجعت؟

فقال: «يا بنيّ، إنّي خفقت خفقة فعنّ لي فارس على فرس، وهو يقول: القوم يسيرون والمنايا تسير إليهم. فعلمت أنّها أنفسنا نعيت إلينا».

فقال له: يا أبة، لا أراك الله سوءاً، ألسنا على الحقّ؟

قال: «بلى والّذي إليه مرجع العباد».

قال: فإنّنا إذاً لا نبالي أن نموت محقّين.

فقال له الحسينعليه‌السلام : «جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده».

على مشارف نينوى (2)

لمّا أصبح الحسينعليه‌السلام وهو مع أصحابه في طريقه بعد قصر بني مقاتل نزل وصلّى بهم الغداة، ثمّ عجّل الركوب وأخذ يساير بأصحابه يريد أن يفرّقهم، فيأتيه الحرّ بن يزيد فيردّه وأصحابه،

____________________

(1) إرشاد المفيد / 226.

(2) بحار الأنوار 44 / 380 - 381، عن إرشاد المفيد واللّهوف.

٢٦١

فجعل إذا ردّهم نحو الكوفة ردّاً شديداً امتنعوا عليه فارتفعوا، فلم يزالوا يتسايرون كذلك حتّى انتهوا إلى نينوى... فأخذهم الحرّ بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا في قرية، فقال له الحسينعليه‌السلام : «دعنا - ويحك - ننزل هذه القرية أو هذه - يعني نينوى و الغاضرية - أو هذه - يعني شفيّة -».

فأبى عليه الحر ذلك، فقال زهير بن القين للحسينعليه‌السلام : إنّي والله لا أرى أن يكون بعد الذي ترون إلاّ أشدّ ممّا ترون. يابن رسول الله، إنّ قتال هؤلاء القوم الساعة أهون علينا من قتال مَنْ يأتينا من بعدهم، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قِبل لنا به.

فقال الحسينعليه‌السلام : «ما كنت لأبدأهم بالقتال». ثمّ نزل.

قال الراوي: فقام الحسينعليه‌السلام خطيباً في أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر جدّه فصلّى عليه، ثمّ قال: «إنّه قد نزل من الأمر ما قد ترون، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت، وأدبر معروفها واستمرّت حذاء، ولم يبقَ منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل. ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربّه محقّاً؛ فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برماً».

على أرض كربلاء (1)

ثمّ رحل الحسينعليه‌السلام من موضعه حتّى نزل في يوم الأربعاء أو يوم الخميس بكربلاء، وذلك في الثاني من المحرم سنة إحدى وستّين، ثم أقبل على أصحابه، فقال:

____________________

(1) بحار الأنوار 44 / 383، عن مناقب ابن شهر آشوب.

٢٦٢

«الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديّانون».

ثمّ قال: «أهذه كربلاء؟».

فقالوا: نعم يابن رسول الله.

فقال: «هذا موضع كرب وبلاء، ههنا مناخ ركابنا، ومحطّ رحالنا، ومقتل رجالنا، ومسفك دمائنا».

قال: فنزل القوم، وأقبل الحرّ حتّى نزل حذاء الحسينعليه‌السلام في ألف فارس، ثمّ كتب إلى ابن زياد يخبره بنزول الحسينعليه‌السلام بكربلاء.

وكتب ابن زياد (لعنه الله) إلى الحسين (صلوات الله عليه): أمّا بعد يا حسين، فقد بلغني نزولك بكربلاء، وقد كتب إليّ أمير المؤمنين يزيد أن لا أتوسّد الوثير، ولا أشبع من الخمير، أو اُلحقك باللّطيف الخبير، أو ترجع إلى حكمي وحكم يزيد بن معاوية، والسلام.

فلمّا ورد كتابه على الحسينعليه‌السلام وقرأه، رماه من يده، ثمّ قال: «لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق».

فقال له الرسول: جواب الكتاب أبا عبد الله؟

فقال: «ما له عندي جواب؛ لأنّه قد حقّت عليه كلمة العذاب».

لقاء بين الخير والشرّ (1)

ثمّ أرسل الحسينعليه‌السلام إلى عمر بن سعد بعد وصوله وعسكره إلى كربلاء مَنْ يقول له:

____________________

(1) بحار الأنوار 44 / 388 - 389.

٢٦٣

«إنّي اُريد أن اُكلّمك فالقني اللّيلة بين عسكري وعسكرك». فخرج إليه ابن سعد في عشرين، وخرج إليه الحسينعليه‌السلام في مثل ذلك، فلمّا التقيا أمر الحسينعليه‌السلام أصحابه فتنحّوا عنه، وبقي معه أخوه العبّاس وابنه عليّ الأكبر، وأمر عمر بن سعد أصحابه فتنحّوا عنه، وبقي معه ابنه حفص وغلام له.

فقال له الحسينعليه‌السلام : «ويلك يابن سعد! أما تتّقي الله الذي إليه معادك؟ أتقاتلني وأنا ابن مَنْ علمت؟ ذر هؤلاء القوم وكن معي؛ فإنّه أقرب لك إلى الله تعالى».

فقال عمر بن سعد: أخاف أن يهدم داري.

فقال الحسينعليه‌السلام : «أنا أبنيها لك».

فقال: أخاف أن تؤخذ ضيعتي.

فقال الحسينعليه‌السلام : «أنا أخلف عليك خيراً منها من مالي بالحجاز».

فقال: لي عيال وأخاف عليهم.

ثمّ سكت ولم يجبه إلى شيء، فانصرف عنه الحسينعليه‌السلام وهو يقول: «ما لك؟ ذبحك الله على فراشك عاجلاً، ولا غفر لك يوم حشرك، فوالله إنّي لأرجو أن لا تأكل من برّ العراق إلاّ يسيراً».

فقال ابن سعد: في الشعير كفاية عن البرّ - مستهزئاً بذلك القول.

على أعتاب الشهادة (1)

نهض عمر بن سعد إلى الحسينعليه‌السلام عشية الخميس لتسع مضين من المحرّم، ثمّ نادى: يا خيل الله اركبي، وبالجنّة أبشري. فركب الناس حتّى زحف نحوهم بعد العصر، والحسينعليه‌السلام جالس أمام

____________________

(1) إرشاد المفيد / 230 - 231؛ اللّهوف / 40 - 41.

٢٦٤

بيته، محتبياً بسيفه، إذ خفق برأسه على ركبتيه، فسمعت اُخته الضجّة فدنت من أخيها وقالت: يا أخي، أما تسمع الأصوات قد اقتربت؟

فرفع الحسينعليه‌السلام رأسه، فقال: «إنّي رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الساعة في المنام وهو يقول لي: إنّك تروح إلينا». فلطمت اُخته وجهها، ونادت بالويل، فقال لها الحسينعليه‌السلام : «ليس لك الويل يا اُخيّة، اسكتي رحمك الله».

ثمّ قال له العباس بن علي: يا أخي، أتاك القوم. فنهض، ثمّ قال: «يا عباس، اركب بنفسي أنت يا أخي حتّى تلقاهم، وتقول لهم: ما لكم؟ وما بدا لكم؟ وتسألهم عمّا جاء بهم».

فأتاهم العبّاس في نحو من عشرين فارساً، فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر، فقال لهم العبّاس: ما بدا لكم؟ وما تريدون؟

قالوا: قد جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه، أو نناجزكم.

فقال: فلا تعجلوا حتّى أرجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم.

فوقفوا وقالوا: القه فأعلمه، ثمّ القنا بما يقول لك.

فانصرف العبّاس راجعاً يركض إلى الحسينعليه‌السلام يخبره الخبر، ووقف أصحابه يخاطبون القوم ويعظونهم ويكفّونهم عن قتال الحسينعليه‌السلام ، فجاء العبّاس إلى الحسينعليه‌السلام فأخبره بما قال القوم، فقالعليه‌السلام : «ارجع إليهم، فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى غدوة، وتدفعهم عنّا العشيّة؛ لعلّنا نصلّ لربّنا اللّيلة، وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أنّي قد كنت اُحبّ الصلاة له، وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار».

فمضى العباس إلى القوم، ورجع من عندهم ومعه رسول من قبل عمر بن سعد يقول: إنّا قد أجّلناكم إلى غد، فإن استسلمتم سرحناكم إلى أميرنا عبيد الله

٢٦٥

ابن زياد، وإن أبيتم فلسنا تاركيكم. وانصرف.

فجمع الحسينعليه‌السلام أصحابه عند قرب المساء. قال عليّ بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام : «فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم، وأنا إذ ذاك مريض، فسمعت أبي يقول لأصحابه: اُثني على الله أحسن الثناء، وأحمده على السرّاء والضرّاء. اللّهمّ إنّي أحمدك على أن كرّمتنا بالنبوّة، وعلّمتنا القرآن، وفقّهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة فاجعلنا من الشاكرين.

أمّا بعد، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عنّي خيراً، ألا وإنّي أظنّ يوماً لنا من هؤلاء، ألا وإنّي قد أذنت لكم، فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً.

فقال له إخوته وأبناؤه، وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر: لِمَ نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبداً. بدأهم بهذا القول العباس بن عليعليه‌السلام واتّبعه الجماعة عليه، فتكلّموا بمثله ونحوه.

فقال الحسينعليه‌السلام : يا بني عقيل، حسبكم من القتل بمسلم، فاذهبوا أنتم، فقد أذنت لكم.

قالوا: سبحان الله! فما يقول الناس؟! يقولون: إنّا تركنا شيخنا وسيّدنا، وبني عمومتنا خير الأعمام، ولم نرمِ معهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف، ولا ندري ما صنعوا. لا والله ما نفعل [ذلك]، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا، ونقاتل معك حتّى نرد موردك، فقبّح الله العيش بعدك.

وقام إليه مسلم بن عوسجة، فقال: أنحن نخلّي عنك؟ وبما نعتذر إلى الله في أداء حقك؟ أما والله حتّى أطعن في صدورهم برمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي سلاح اُقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة. والله لا نخلّيك حتّى

٢٦٦

يعلم الله أنّا قد حفظنا غيبة رسوله فيك.

أما والله لو قد علمت أنّي اُقتل ثمّ اُحيا، ثمّ اُحرق، ثمّ اُحيا، ثمّ اُذرى، يُفعل ذلك بي سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقي حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة، ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً؟

وقام زهير بن القينرحمه‌الله ، فقال: والله لوددت أنّي قتلت، ثمّ نشرت، ثمّ قتلت حتّى اُقتل هكذا ألف مرّة، وأنّ الله (عزّ وجلّ) يدفع بذلك القتل عن نفسك، وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك.

وتكلّم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً في وجه واحد، فجزّاهم الحسينعليه‌السلام خيراً.

وقيل لمحمد بن بشير الحضرمي في تلك الحال: قد اُسر ابنك بثغر الرّي.

فقال: عند الله احتسبه ونفسي، ما كنت أحبّ أن يُؤسر وأنا أبقى بعده.

فسمع الحسينعليه‌السلام قوله، فقال: رحمك الله، أنت في حلّ من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك.

فقال: أكلتني السباع حيّاً إن فارقتك.

قال: فأعطِ ابنك هذه الأثواب البرود يستعين بها في فداء أخيه. فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار».

قال الرواي: وبات الحسينعليه‌السلام وأصحابه تلك اللّيلة ولهم دويّ كدويّ النحل، ما بين راكع وساجد، وقائم وقاعد، فعبر إليهم - أي التحق بهم - في تلك اللّيلة من عسكر عمر بن سعد اثنان وثلاثون رجلاً.

٢٦٧

أشبه الناس بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله (1)

لمّا استأذن علي الأكبر أباه الحسينعليه‌السلام في القتال، خرج والحسينعليه‌السلام يخطو وراءه خطوات وقد اغرورقت عيناه بالدموع.

قالوا: ورفع الحسينعليه‌السلام سبّابته [شيبته خ ل] نحو السماء، وقال: «اللّهمّ اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلاماً أشبه الناس خَلْقاً وخُلُقاً ومنطقاً برسولك، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إلى وجهه. اللّهمّ امنعهم بركات الأرض، وفرّقهم تفريقاً، ومزّقهم تمزيقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترضِ الولاة عنهم أبداً؛ فإنّهم دعونا لينصرونا، ثمّ عدوا علينا يُقاتلوننا».

ثمّ صاح الحسينعليه‌السلام بعمر بن سعد: «ما لك! قطع الله رحمكّ، ولا بارك الله في أمرك، وسلّط عليك مَنْ يذبحك بعدي على فراشك كما قطعت رحمي، ولم تحفظ قرابتي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

ثمّ رفع الحسينعليه‌السلام صوته وتلا: «إِنّ اللّهَ اصْطَفَى‏ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرّيّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ »(2) .

ثمّ حمل عليّ بن الحسين على القوم، وهو يقول:

أنا عليُّ بنُ الحسين بنِ عليْ

من عصبةٍ جدُّ أبيهمُ النبيْ

واللهِ؟ يحكمُ فينا ابنُ الدعيْ

أطعنكمْ بالرمحِ حتّى ينثني

أضربكمْ بالسيفِ أحمي عن أبيْ

ضربَ غلامٍ هاشميٍّ علويْ

____________________

(1) بحار الأنوار 45 / 42 - 44.

(2) سورة آل عمران / 33 - 34.

٢٦٨

فلم يزل يُقاتل حتّى ضجّ الناس من كثرة مَنْ قُتل منهم.

وروي أنّه قتل على عطشه مئة وعشرين رجلاً، ثمّ رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة، فقال: يا أبه، العطش قد قتلني، وثقل الحديد أجهدني، فهل إلى شربة من ماء سبيل؛ أتقوّى بها على الأعداء؟

فبكى الحسينعليه‌السلام ، وقال: «يا بنيّ، يعزّ على محمّد وعلى عليّ بن أبي طالب وعليّ أن تدعوهم فلا يجيبوك، وتستغيث بهم فلا يغيثوك. يا بُنيّ هات لسانك».

فأخذ بلسانه فمصّه ودفع إليه خاتمه، وقال: «امسكه في فيك وارجع إلى قتال عدوّك؛ فإنّي أرجو أنّك لا تمسي حتّى يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً». فرجع للقتال وهو يقول:

الحربُ قد بانتْ لها الحقائقْ

وظهرتْ من بعدها مصادقْ

واللهِ ربّ العرش لا نفارقْ

جموعَكمْ أو تُغمد البوارقْ

فلم يزل يُقاتل حتّى قتل تمام المئتين، ثمّ ضربه منقذ بن مرّة العبدي على مفرق رأسه ضربة صرعته، وضربه الناس بأسيافهم، ثمّ اعتنق فرسه فاحتمله الفرس إلى عسكر الأعداء فقطّعوه بسيوفهم إرباً إرباً.

فلمّا بلغت الروح التراقي قال رافعاً صوته: يا أبتاه هذا جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً، وهو يقول: «العجل العجل، فإنّ لك كأساً مذخورة حتّى تشربها الساعة».

فصاح الحسينعليه‌السلام وقال: «قتل الله قوماً قتلوك، ما أجرأهم على الرحمان وعلى رسوله، وعلى انتهاك حرمة الرسول! على الدنيا بعدك العفا».

قال حميد بن مسلم: فكأنّي أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة، كأنّها الشمس الطالعة، تنادي بالويل والثبور، وتقول: يا حبيباه! يا ثمرة فؤاداه! يا نور عيناه!

فسألت عنها، فقيل: هي زينب بنت عليّعليه‌السلام ، وجاءت وانكبّت عليه، فجاه الحسينعليه‌السلام فأخذ بيدها

٢٦٩

فردّها إلى الفسطاط، وأقبلعليه‌السلام بفتيانه وقال: «احملوا أخاكم». فحملوه من مصرعه، فجاؤوا به حتّى وضعوه عند الفسطاط الّذي كانوا يُقاتلون أمامه.

الجندي الصغير (1)

لمّا فجع الحسين بأهل بيته وولده، ولم يبقَ غيره وغير النساء والذراري، نادى: «هل من ذابّ يذبّ عن حرم رسول الله؟ هل من موحّد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا؟».

وارتفعت أصوات النساء بالعويل، فتقدّمعليه‌السلام إلى باب الخيمة، فقال: «ناولوني عليّاً ابني الطفل حتّى اُودّعه».

فناولوه الصبيّ، فجعل يُقبّله، وهو يقول: «ويل لهؤلاء القوم إذا كان جدّك المصطفى خصمهم!». والصبيّ في حجره، إذ رماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فذبحه في حجر الحسين، فتلقّى الحسين دمه حتّى امتلأت كفّه، ثمّ رمى به إلى السماء، وقال: «هوّن عليّ ما نزل بي إنّه بعين الله».

قال الباقرعليه‌السلام : «فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض».

ثمّ قال: «لا يكون أهون عليك من فصيل [ ناقة صالح ]. اللّهمّ إن كنت حبست عنّا النصر، فاجعل ذلك لما هو خير لنا».

قيل: واسم الطفل هذا عبد الله، واُمّه الرباب بنت امرئ القيس، وهي التي يقول فيها أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام :

لَعمركَ إنّني لاُحبّ داراً

تحلّ بها سكينةُ والربابُ

اُحبّهما وأبذلُ جلَّ مالي

وليسَ لعاتبٍ عندي عتابُ

____________________

(1) بحار الأنوار 45 / 46 - 47.

٢٧٠

الحفاظ على الحجّة (1)

لمّا رأى عليّ بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام أن لا ناصر للحسينعليه‌السلام خرج، وكان مريضاً لا يقدر أن يقلّ سيفه، واُمّ كلثوم تنادي خلفه: يا بُنيّ ارجع، فقال: «يا عمّتاه، ذريني اُقاتل بين يدي ابن رسول الله».

فقال الحسينعليه‌السلام : «يا اُمّ كلثوم، خذيه لئلاّ تبقى الأرض خالية من نسل آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

سلام الوداع (2)

لمّا نظر الحسينعليه‌السلام إلى اثنين وسبعين رجلاً من أهل بيته صرعى، التفت إلى الخيمة، ونادى: «يا سكينة، يا فاطمة، يا زينب، يا اُمّ كلثوم، عليكنّ منّي السلام».

فنادته سكينة: يا أبه، استسلمت للموت؟

فقال: «كيف لا يستسلم مَنْ لا ناصر له ولا معين؟».

فقالت: يا أبه، ردّنا إلى حرم جدّنا.

فقال: «هيهات! لو تُرك القطا لنام». فتصارخنّ النساء، فسكّتهنّ الحسين وحمل على القوم، وهو يقول:

كفرَ القومُ وقدماً رغبوا

عن ثوابِ اللهِ ربِّ الثقلينْ

____________________

(1) بحار الأنوار 45 / 46.

(2) مناقب ابن شهر آشوب 4 / 79 - 80.

٢٧١

قتلوا القومُ عليّاً وابنَهُ

حسنَ الخيرِ كريم الأبوينْ

حنقاً منهم وقالوا أجمعوا

نفتكُ الآنَ جميعاً بالحسينْ

يا لقومٍ من اُناسٍ رذّلٍ

جمعوا الجمعَ لأهلِ الحرمينْ

ثمّ ساروا وتواصوا كلّهمْ

باجتياحي لرضاءِ الملحدينْ

لم يخافوا اللهَ في سفكِ دمي

لعبيدِ الله نسلِ الكافرينْ

وابنُ سعدٍ قد رماني عنوةً

بجنودٍ كوكوفِ الهاطلينْ

لشيءٍ كانَ منّي قبلَ ذا

غيرَ فخري بضياءِ الفرقدينْ

بعليِّ الخيرِ من بعدِ النبيْ

والنبيّ القرشيّ الوالدينْ

خيرةُ اللهِ من الخلقِ أبي

ثمّ اُمّي فأنا ابنُ الخيرتينْ

فضّةٌ قد خلصت من ذهبٍ

فأنا الفضّةُ وابنُ الذهبينْ

فاطمُ الزهراءِ اُمّي وأبي

وارثُ الرّسلِ ومولى الثقلينْ

طحنَ الأبطالَ لما برزوا

يومَ بدرٍ وباُحدٍ وحُنينْ

ولهُ في يومِ اُحدٍ وقعةٌ

شفت الغلَّ بفضِّ العسكرينْ

ثمّ بالأحزابِ والفتحِ معاً

كانَ فيها حتفُ أهلِ الفيلقينْ

وأخو خيبرَ إذ بارزهمْ

بحسامٍ صارمٍ ذي شفرتينْ

والّذي أردى جيوشاً أقبلوا

يطلبونَ الوترَ في يومِ حُنينْ

في سبيلِ اللهِ ماذا صنعتْ

اُمّةُ السوءِ معاً بالعترتينْ

عترةِ البرِّ التقيّ المصطفى

وعليِّ القرمِ يوم الجحفلينْ

مَنْ لهُ عمٌّ كعمّي جعفرٍ

وهبَ اللهُ لهُ أجنحتينْ

مَنْ لهُ جدٌّ كجدّي في الورى

وكشيخي فأنا ابنُ العلمينْ

والدي شمسٌ واُمّي قمرٌ

فأنا الكوكبُ وابنُ القمرينْ

جدّيَ المرسلُ مصباحُ الهدى

وأبي الموفى لهُ بالبيعتينْ

٢٧٢

بطلٌ قرمٌ هزبرٌ ضيغمٌ

ماجدٌ سمحٌ قويّ الساعدينْ

عروةُ الدينِ عليٌّ ذاكمُ

صاحبُ الحوضِ مصلّي القبلتينْ

معْ رسولِ اللهِ سبعاً كاملاً

ما على الأرضِ مصلٍّ غير ذينْ

تركَ الأوثانَ لم يسجد لها

معْ قريشٍ مذ نشا طرفة عينْ

عبدَ اللهَ غلاماً يافعاً

وقريشٌ يعبدونَ الوثنينْ

يعبدونَ اللاّت والعزّى معاً

وعليٌّ كان صلّى القبلتينْ

وأبي كان هزبراً ضيغماً

يأخذُ الرمحَ فيطعن طعنتينْ

كتمشّي الاُسد بغياً فسُقوا

كأسَ حتفٍ من نجيعِ الحنظلينْ

ثمّ استوى على فرسه، وقال:

أنا ابنُ عليِّ الخيرِ من آلِ هاشمٍ

كفاني بهذا مفخراً حين أفخرُ

وجدّي رسولُ اللهِ أكرمُ خلقهِ

ونحنُ سراجُ اللهِ في الخلقِ يزهرُ

وفاطمُ اُمّي من سُلالةِ أحمدٍ

وعمّيَ يُدعى ذا الجناحينِ جعفرُ

وفينا كتابُ اللهِ اُنزلَ صادقاً

وفينا الهدى والوحي بالخيرِ يُذكرُ

ونحنُ أمانُ اللهِ للخلقِ كلّهمْ

نسرُّ بهذا في الأنامِ ونجهرُ

ونحنُ ولاةُ الحوضِ نسقي وليّنا

بكاسِ رسولِ اللهِ ما ليسَ ينكرُ

وشيعتُنا في الناسِ أكرمُ شيعةٍ

ومبغضنا يومَ القيامةِ يخسرُ

جهاد وتوعية (1)

ثمّ إنّ الحسينعليه‌السلام دعا النّاس إلى البراز، فلم يزل يقتل كلّ مَنْ دنا منه من عيون الرّجال، حتّى قتل منهم مقتلة عظيمة، ثمّ

____________________

(1) بحار الأنوار 45 / 49.

٢٧٣

حملعليه‌السلام على الميمنة، وقال:

الموتُ خيرٌ من ركوبِ العارِ

والعارُ أولى من دخولِ النارِ

ثمّ على الميسرة، وهو يقول:

أنا الحسينُ بنُ علي

آليتُ ألاّ أنثنيْ

أحمي عيالاتِ أبيْ

أمضي على دينِ النبيْ

دروس إنسانيّة (1)

قال بعض الرواة: فوالله، ما رأيت مكثوراً قطّ(2) قد قُتل ولده وأهل بيته وصحبه أربط جأشاً منه، وإن كانت الرجال لتشدّ عليه، فيشدّ عليها بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب، ولقد كان يحمل فيهم، وقد تكمّلوا ألفاً فينهزمون بين يديه كأنّهم الجراد المنتشر، ثمّ يرجع إلى مركزه وهو يقول: «لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم».

ولم يزل يُقاتل حتّى قتل ألف رجل وتسعمئة رجل وخمسين رجل، سوى المجروحين، فقال عمر بن سعد لقومه: الويل لكم! أتدرون لمَنْ تقاتلون؟ هذا ابن الأنزع البطين، هذا ابن قتّال العرب؛ فاحملوا عليه من كلّ جانب.

وكانت الرماة أربعة آلاف، فرموه بالسهام فحالوا بينه وبين رحله، فصاح بهم الحسينعليه‌السلام :

____________________

(1) بحار الأنوار 45 / 50 - 51، عن المناقب واللّهوف.

(2) المكثور: المغلوب، وهو الذي تكاثر عليه الناس فقهروه.

٢٧٤

«ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان! إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم، وارجعوا إلى أحسابكم إذ كنتم أعراباً».

فناداه شمر فقال: ما تقول يابن فاطمة؟

قال: «أقول: أنا الذي اُقاتلكم وتقاتلوني، والنساء ليس عليهنّ جناح، فامنعوا عتاتكم عن التعرّض لحرمي ما دمت حيّاً».

فقال شمر: لك هذا. ثمّ صاح شمر: إليكم عن حرم الرجل، فاقصدوه في نفسه، فلعمري لهو كفو كريم.

قال: فقصده القوم وهو في ذلك يطلب شربة من ماء، فكلّما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه بأجمعهم حتّى أحلوه عنه.

يا اُمّة السوء (1)

ثمّ جعلوا الحسينعليه‌السلام يطلب الماء. فقال له رجل: ألا ترى إلى الفرات يا حسين كأنّه بطون الحيتان، والله لا تذوقه أو تموت عطشاً.

فقال الحسينعليه‌السلام : «اللّهمّ أمته عطشاً».

قال: والله، لقد كان هذا الرجل يقول: اسقوني ماءً، فيؤتى بماء فيشرب حتّى يخرج من فيه، ثمّ يقول: اسقوني قتلني العطش. فلم يزل كذلك حتّى مات.

ثمّ رماه رجل من القوم يُكنّى أبا الحتوف الجعفي بسهم، فوقع السهم في جبهته، فنزعه من جبهته، فسالت الدماء على وجهه ولحيته، فقالعليه‌السلام : «اللّهمّ إنّك ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العصاة. اللّهمّ أحصهم

____________________

(1) بحار الأنوار 45 / 51 - 52، عن مقاتل الطالبيين: قال:....

٢٧٥

عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تذر على وجه الأرض منهم أحداً، ولا تغفر لهم أبداً».

ثمّ حمل عليهم كاللّيث المغضب، فجعل لا يلحق منهم أحداً إلاّ بعجه بسيفه فقتله، والسهام تأخذه من كلّ ناحية، وهو يتّقيها بنحره وصدره، ويقول: «يا اُمّة السوء، بئسما خلفتم محمّداً في عترته! أما إنّكم لن تقتلوا بعدي عبداً من عباد الله فتهابوا قتله، بل يهون عليكم عند قتلكم إيّاي. وأيم الله، إنّي لأرجو أن يكرمني ربّي بالشهادة بهوانكم، ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون».

قال: فصاح به الحصين بن مالك السكونيّ، فقال: يابن فاطمة، وبماذا ينتقم لك منّا؟

قال: «يُلقي بأسكم بينكم، ويسفك دماءكم، ثمّ يصبّ عليكم العذاب الأليم». ثمّ لم يزل يُقاتل حتّى أصابته جراحات عظيمة.

في رحاب الشهادة (1)

وقف الحسينعليه‌السلام يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال، فبينما هو واقف إذ أتاه حجر فوقع في جبهته، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن وجهه، فأتاه سهم محدّد مسموم له ثلاث شعب، فوقع السهم في صدره - وفي بعض الروايات على قلبه - فقال الحسينعليه‌السلام : «بسم الله وبالله، وعلى ملّة رسول الله».

ورفع رأسه إلى السماء، وقال: «إلهي، إنّك تعلم أنّهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن نبيّ غيره». ثمّ أخذ السهم فأخرجه من قفاه، فانبعث الدم كالميزاب، فوضع يده على الجرح فلمّا امتلأت رمى به إلى السماء، فما رجع من ذلك الدم قطرة، وما عرفت الحمرة في

____________________

(1) بحار الأنوار 45 / 53.

٢٧٦

السماء حتّى رمى الحسينعليه‌السلام بدمه إلى السماء، ثمّ وضع يده ثانياً فلمّا امتلأت لطخ بها رأسه ولحيته، وقال: «هكذا أكون حتّى ألقى جدّي رسول الله وأنا مخضوب بدمي، وأقول: يا رسول الله، قتلني فلان وفلان».

في أحضان العمّ (1)

لمّا سقط الحسينعليه‌السلام على الأرض وأحاط به القوم، خرج عبد الله بن الحسن بن عليعليه‌السلام ، وهو غلام لم يراهق، من عند النساء يشتدّ حتّى وقف إلى جنب الحسينعليه‌السلام ، فلحقته زينب بنت عليّعليه‌السلام لتحبسه، فقال الحسينعليه‌السلام : «احبسيه يا اُختي».

فأبى وامتنع امتناعاً شديداً، وقال: لا والله لا اُفارق عمّي. فأهوى بحر بن كعب - وقيل: حرملة بن كاهل - إلى الحسينعليه‌السلام بالسيف، فقال له الغلام: ويلك يابن الخبيثة أتقتل عمّي؟!

فضربه بالسيف، فاتّقاه الغلام بيده فأطنّها إلى الجلد، فإذا هي معلّقة، فنادى الغلام: يا اُمّاه! فأخذه الحسينعليه‌السلام فضمّه إليه، وقال: «يابن أخي، اصبر على ما نزل بك، واحتسب في ذلك الخير؛ فإنّ الله يلحقك بآبائك الصالحين».

قال: فرماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه، وهو في حجر عمّه الحسينعليه‌السلام .

____________________

(1) اللّهوف / 52 - 53؛ الإرشاد / 241.

٢٧٧

بل أرد على جدّي (1)

روى هلال بن نافع، قال: إنّي لواقف مع أصحاب عمر بن سعد، إذ صرخ صارخ: أبشر أيّها الأمير، فهذا شمر [قد] قتل الحسين. قال: فخرجت بين الصفّين فوقفت عليه، وإنّه ليجود بنفسه، فوالله ما رأيت قطّ قتيلاً مضمّخاً بدمه أحسن منه ولا أنور وجهاً، ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيئته عن الفكرة في قتله.

فاستسقى في تلك الحالة ماء، فسمعت رجلاً يقول: لا تذوق الماء حتّى ترد الحامية فتشرب من حميمها، فسمعته يقول: «يا ويلك! أنا لا أرد الحامية، ولا أشرب من حميمها، بل أرد على جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأسكن معه في داره في مقعد صدق عن مليك مقتدر، وأشرب من ماء غير آسن، وأشكو إليه ما ارتكبتم منّي وفعلتم بي».

قال: فغضبوا بأجمعهم حتّى كأنّ الله لم يجعل في قلب أحد منهم من الرحمة شيئاً، فاجتزّوا رأسه وإنّه ليكلّمهم، فتعجّبتُ من قلّة رحمتهم، وقلت: والله لا اُجامعكم على أمر أبداً.

____________________

(1) اللّهوف / 55 - 56.

٢٧٨

بعد النظر (1)

عن أبي سعيد عقيصا، قال: سمعت الحسين بن عليعليهما‌السلام ، وخلا به عبد الله بن الزبير فناجاه طويلاً. قال: ثم أقبل الحسينعليه‌السلام بوجهه إليهم، وقال: «إنّ هذا يقول لي كن حماماً من حمام الحرم، ولَئن اُقتل بيني وبين الحرم باع أحبّ إليّ من أن اُقتل وبيني وبينه شبر، ولئن اُقتل بالطفِّ أحبّ إليّ من أن اُقتل بالحرم».

الحفاظ على الحرمات (2)

قال عبد الله بن الزبير للحسين بن عليعليهما‌السلام : لو جئت إلى مكة فكنت بالحرم؟

فقال الحسينعليه‌السلام : «لا نستحلها، ولا نستحلّ بنا، ولئن اُقتل على تلّ أعفر أحبّ إليّ من أن اُقتل بها».

____________________

(1) كامل الزيارات / 72، ب23، ح4، حدّثني أبي وعلي بن الحسين جميعاً، عن سعد بن عبد الله، عن محمّد بن أبي الصهبان، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن فضيل الرسان....

(2) كامل الزيارات / 72 - 73، ب23، ح5. حدّثني أبي وعلي بن الحسين معاً، عن سعد، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال:....

٢٧٩

أنباء صادقة (1)

لمّا صعد الحسين بن عليعليه‌السلام عقبة البطن قال لأصحابه: «ما أراني إلاّ مقتولاً».

قالوا: وما ذاك يا أبا عبد الله؟

قال: «رؤيا رأيتها في المنام».

قالوا: وما هي؟

قال: «رأيت كلاباً تنهشني، أشدّها عليّ كلب أبقع».

الاُمّة إذا فقدت وعيها (2)

«والّذي نفس حسين بيده، لا يهنّئ بني اُميّة ملكهم حتّى يقتلوني، وهم قاتلي، فلو قد قتلوني لم يصلّوا جميعاً أبداً، ولم يأخذوا عطاءً في سبيل الله جميعاً أبداً. إنّ أوّل قتيل هذه الاُمّة أنا وأهل بيتي. والّذي نفس حسين بيده، لا تقوم الساعة وعلى الأرض هاشميّ يطرق».

____________________

(1) كامل الزيارات / 75، ح14. حدّثني جماعة مشايخي منهم علي بن الحسين ومحمد بن الحسن، عن سعد، عن أحمد بن محمّد ومحمد بن الحسين وإبراهيم بن هاشم جميعاً، عن الحسن بن علي بن فضّال، عن أبي جميلة المفضّل بن صالح، عن شهاب بن عبد ربّه، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام إنّه قال:....

(2) كامل الزيارات / 74 - 75، ب23، ح13. حدّثني محمّد بن جعفر الرزّاز، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن يحيى الخثعمي، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن جدّه، عن الحسين بن عليعليهما‌السلام ، قال:....

٢٨٠