كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)0%

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: دار العلوم
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 330

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد حسن الشيرازي
الناشر: دار العلوم
تصنيف: الصفحات: 330
المشاهدات: 186358
تحميل: 4704

توضيحات:

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 330 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 186358 / تحميل: 4704
الحجم الحجم الحجم
كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: دار العلوم
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الاُمور في مهزلة التحكيم، ومرق الخوارج، فحاربهم في النهروان فاُبيد معظمهم.

فهذه الحروب لم تنته حتّى زادت في تفتت الاُمّة وتشتتها، وقضى أمير المؤمنينعليه‌السلام شهيداً في محراب العبادة لمسجد الكوفة، وذلك بعد أن رسم للعالم بأجمعه اُسلوب الحكومة الإسلاميّة الصحيحة، والعدالة الإنسانية الكاملة.

وفي كلّ هذه الحروب كان الإمام الحسينعليه‌السلام في طليعة مَنْ يُشارك والده العظيم بحروبه الثلاثة؛ الجمل، والصفين، والنهروان، وكان مع صنوه الإمام الحسنعليه‌السلام يمثّلان الظلّ الظليل للأمير عليعليه‌السلام ، ومحمد بن الحنفية ساعده وصاحب لوائه.

فاكتسب الإمام الحسينعليه‌السلام خبرة واسعة في الحرب والعمليات العسكرية، بالإضافة إلى العلم الغزير الذي أغدقه عليه أمير المؤمنينعليه‌السلام في كلّ جوانب الحياة واتجاهاتها. وهو الإمام المعصوم بعد أخيه الإمام الحسنعليه‌السلام ، والمفترض الطاعة على العالمين، وعلمه من علم الله لدُنيّاً، وتسديده من حكيم عليم في كلّ ما يقول ويفعل.

أمّا موقفه من الاُمويّين عامّة، وحاكمهم معاوية بن أبي سفيان وولده يزيد خاصّة فهو معروف، ولا يمكن أن ينكره أحد من ذاك الزمن وإلى اليوم إلاّ معاند أو جاهل بالتاريخ والسيرة؛ فالرفض لحكومة الأوّل، والثورة على حكم الثاني كان عمل الإمام الحسينعليه‌السلام المميّز عبر القرون والأجيال.

أمّا سكوته عن معاوية رغم إنّهعليه‌السلام كان يرى ضرورة مجاهدته؛ فهو لاستمرار الظروف الاجتماعية والسياسية الضاغطة، التي ألجأت صنوه الإمام الحسن السبطعليه‌السلام للصلح والمهادنة هذا من جهة، ولشخصية الحاكم معاوية بن أبي سفيان نفسه المميّزة بالدهاء والشيطنة، وشقوته التي ما زالت مضرباً للأمثال، وغيرها من الجوانب التي ألجأت الإمام الحسينعليه‌السلام لعدم الخروج عليه ومجاهدته.

٢١

وجرت مراسلات كثيرة بين الإمام الحسينعليه‌السلام ومعاوية، توضّح موقف الإمامعليه‌السلام من معاوية وحكمه الظالم، وتفضح يزيد قبل أن يتولّى منصب الحكم؛ وذلك حين حاول معاوية أخذ البيعة له، وهو ما زال على قيد الحياة.

وفي نهاية عام الستين للهجرة الشريفة مات معاوية حاملاً معه أوزاره، ولا حقه به آثام ولده يزيد الذي ولاّه على رقاب وأموال وأعراض هذه الاُمّة فعاث فيها فساداً وإفساداً.

وما إن تولّى يزيد مقاليد الاُمور حتّى بعث إلى ولاة الأمصار بأخذ البيعة له ولو بالإكراه، وأرسل إلى والي المدينة يأمره بأخذ البيعة من أهلها عامّة، وألحق برسالته رسالة صغيرة مكتوب فيها: أمّا بعد، فخذ الحسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً عنيفاً ليس فيه رخصة، ومَنْ أبى عليك منهم فاضرب عنقه، وابعث إليّ برأسه، والسلام.

فتناول الوليد بن عتبة والي المدينة الرسالة بالحوقلة والاسترجاع؛ لمعرفته بهؤلاء النفر، ومعاندتهم لبيعة يزيد، وخاصّة الإمام الحسينعليه‌السلام ، فله مكانته الاجتماعية المرموقة - سياسياً واقتصادياً، وروحياً ومعنوياً - فهو مَنْ لا يخفى فضله، ولا يخبو نوره، فهو ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وابن أمير المؤمنين الإمام عليعليه‌السلام ، وفاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمينعليها‌السلام ، وسيّد شباب أهل الجنّة.

وهو بالتالي صاحب الحقّ بالولاية الدينية والدنيوية، وحتى حسب نصّ معاهدة الصلح التي تمّت بين معاوية والإمام الحسنعليه‌السلام فهو أحقّ بالبيعة له من يزيد، أو غير يزيد من هذه الاُمّة، فاحتار الوالي وبعث إلى مروان بن الحكم (الوزغ ابن الوزغ) كي يستشيره في الأمر، فأشار إليه بدعوة أولئك النفر المذكورين فوراً، وأخذ البيعة منهم قبل الصباح، وأرسلوا الخادم إلى المسجد وكان الوقت متأخراً من الليل،

٢٢

وكان الإمام الحسينعليه‌السلام وبعض المسلمين يؤدّون الصلاة إلى الله، فاقترب الخادم من الإمام الحسينعليه‌السلام ودعاه إلى عند الأمير - الوالي الوليد بن عتبة -، فعرف الإمام الحسينعليه‌السلام المقصد والمطلب، فالتفت إلى عبد الله بن الزبير قائلاً: «أظنّ أنّ معاوية قد مات، ويدعوننا الآن للبيعة ليزيد».

وهذا الذي كان بالفعل، ورفض الإمام الحسينعليه‌السلام البيعة ليزيد.

والتاريخ يقول: جاء الإمام الحسينعليه‌السلام ودخل إلى الوليد، وبعد السلام قال له الوليد: آجرك الله في معاوية، لقد ذاق الموت، وهذا كتاب الأمير يزيد.

فقال الإمامعليه‌السلام : «إنّا لله وإنّا إليه راجعون، لماذا دعوتني؟».

فقال الوليد: دعوتك للبيعة التي قد اجتمع الناس عليها.

فقال الإمامعليه‌السلام : «إنّ مثلي لا يعطي بيعته سرّاً، وإنّما يجب أن تكون البيعة علانية وبحضرة الجماعة، فإذا دعوت الناس غداً إلى البيعة دعوتنا معهم».

فقال الوليد: أبا عبد الله، والله لقد قلت فأحسنت القول، وأجبت بجواب مثلك، وهكذا كان ظنّي بك، فانصرف راشداً تأتينا غداً مع الناس.

فتدخّل مروان الوزغ قائلاً آثماً: أيّها الأمير، إن فارقك الساعة ولم يبايع فإنّك لم تقدر منه على مثلها أبداً حتّى تكثر القتلى بينك وبينه؛ فاحبسه عندك، ولا تدعه يخرج أو يبايع، وإلاّ فاضرب عنقه.

فالتفت الإمام الحسينعليه‌السلام إليه قائلاً: «ويلي عليك يابن الزرقاء، أتأمر بضرب عنقي؟! كذبت والله ولؤمت وأثمت. والله، لو رام ذلك أحد لسقيت الأرض من دمه قبل ذلك، فإن شئت ذلك فرم أنت ضرب عنقي إن كنت صادقاً».

ثمّ التفتعليه‌السلام إلى الوليد بن عتبة قائلاً: «إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي والرحمة، بنا فتح الله وبنا يختم، ويزيد رجل فاسق، شارب للخمر، قاتل للنفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع لمثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون، أيّنا أحقّ بالخلافة والبيعة».

٢٣

وخرج الإمام الحسينعليه‌السلام بعد المشادّة الكلامية التي جرت بينهم، فقال مروان الوزغ للوليد: عصيتني ولم ترقب قولي! فوالله لا يمكنك على مثلها أبداً.

فقال الوليد: ويحك يا مروان! اخترت لي ما فيه هلاك ديني، أأقتل حسيناً إن قال: لا اُبايع؟! والله، لا أظنّ امرأً يُحاسب بدم الحسينعليه‌السلام إلاّ خفيف الميزان يوم القيامة، ولا ينظر الله إليه، ولا يزكّيه، وله عذاب أليم.

وهكذا استيقظت المدينة في اليوم التالي على أمرين عظيمين: هلاك معاوية بن أبي سفيان، ورفض الإمام الحسينعليه‌السلام ، وعبد الله بن الزبير، وبعض الوجهاء البيعة ليزيد، وكان ذلك في غرّة رجب من سنة ستين للهجرة النبويّة الشريفة.

وبعد أن عرف الإمام الحسينعليه‌السلام أنّ القوم أرادوا قتله، خرج من المدينة المنوّرة في (28) رجب، تاركاً وصية إلى أخيه محمّد بن الحنفية، وقد أوضح فيها سبب خروجه على يزيد، وهي: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمّد بن علي، المعروف بابن الحنفية.

إنّ الحسين بن عليعليه‌السلام يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله، جاء بالحقّ من عند الحقّ، وأنّ الجنّة والنار حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث مَنْ في القبور.

إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، اُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسيرة أبي علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فمَنْ قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومَنْ ردّ عليّ هذا صبرت حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ، ويحكم بيني وبينهم وهو خير الحاكمين.

٢٤

هذه وصيتي إليك يا أخي، وما توفيقي إلاّ بالله، عليه توكّلت وإليه أنيب. والسلام عليك وعلى مَنْ اتّبع الهدى، ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم».

فخرج الإمام الحسينعليه‌السلام من المدينة في 28 رجب، ووصل إلى مكّة المكّرمة في 3 شعبان، وراح يستقبل الوفود القادمة إليه من كلّ حدب وصوب، وأرسل رسائل إلى قادة القبائل والعشائر خاصّة في البصرة، والكوفة، وعندما كثرت عليه رسائل الكوفيين أرسل إليهم سفيره وثقته مسلم بن عقيل لاستطلاع أحوالهم.

ونسج الأمويّون مؤامرة لاغتيال الإمام الحسينعليه‌السلام في موسم الحج ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة، فاقتصر الإمام الحسينعليه‌السلام حجّه وأحاله إلى عمرة، وخرج مسرعاً من مكّة المكرّمة في يوم التروية الثامن من ذي الحجّة عام ستين للهجرة متّجهاً إلى الكوفة، متّبعاً الطريق العام للقوافل، وهو يعلم بأنّ مصيره الشهادة في سبيل الله.

الشهادة المفجعة

وسار الإمام الحسينعليه‌السلام في درب الجهاد حتّى النهاية المحتومة للمجاهدين في سبيل الله الشهادة المظفّرة؛ لأنّ «الجهاد باب من أبواب الجنّة فتحه الله لخاصة أوليائه» كما يقول أمير المجاهدين الإمام عليعليه‌السلام .

وجزاء الشهيد جنّات عدن، وعند ربّهم يرزقون، ويفرحون بما آتاهم الله من فضله وكرمه، وحباهم من كرامته، وقرّبهم إلى ساحة قدسه. والإمام الحسينعليه‌السلام هو سيّد شباب أهل الجنّة، وسيّد شهداء الدنيا؛ فمكانه عظيم ورفيع وقريب، وأقرب ما يكون عبد من ساحة الربّ (جلّ وعلا)؛ لأنّه الذبيح العظيم الذي فدى الرسالة الإسلاميّة الخاتمة، والنهج الإلهي القويم الذي ارتضاه سبحانه لخلقه، ولولا شهادة الإمام الحسينعليه‌السلام ، وبهذه الطريقة

٢٥

المفجعة، وبهذا السخاء بالدم الطاهر الزكي لما بقي للإسلام اسم أو رسم حتّى.

فاستمرار الإسلام وبقاؤه بفضل دم الإمام الحسينعليه‌السلام وكلّ مَنْ استشهد معه، وكذلك بفضل ركب السبايا الذين حملهم الإمامعليه‌السلام معه، وخلّفهم بعد استشهاده على تراب الطفّ؛ ليرووا إلى الدنيا وقائع وفجائع حادثة كربلاء، وينقلوا إلى الناس والأجيال قساوة الحكم الأموي وظلمه، وتجبّره على الحقّ وأصحاب الحقّ والضمائر الحرّة الأبية.

فاستشهد الإمام الحسينعليه‌السلام وكلّ مَنْ كان معه خلال سويعات من يوم العاشر من المحرّم الحرام في مطلع سنة (61) هـ على تراب كربلاء المقدّسة، بتلك الدماء الزكية الطاهرة التي سقت أديمها وحبّات الرمل فيها فأصبحت مناراً للأجيال، وملاذاً للثوّار والأحرار إلى اليوم وإلى يوم الوقت المعلوم، حيث ظهور الحفيد التاسع لذاك الشهيد العظيم؛ الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف)؛ ليأخذ بثأر جدّه الشهيد، وثأر كلّ الشهداء في سبيل الحقّ والعدل والحريّة.

استشهد الإمام الحسينعليه‌السلام واستشهد معه من أبنائه البررة علي الأكبر الشهيد الأوّل من الهاشميّين، وعبد الله الرضيع آخر الشهداء قبل أبيه الإمام الحسينعليه‌السلام ، ذبح وهو بين يدي والده يطلب له جرعة ماء، فسقاه حرملة بن كاهل اللعين كأس المنون بسهم من كنانة كفره وحقده.

ولم يبقَ للإمام الحسينعليه‌السلام من الأبناء سوى الإمام علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام ، وهو الوحيد الذي نجا من مجزرة كربلاء، بمعجزة إلهية، وفداء وتفاني زينبي عجيب في مجلس ابن زياد ويزيد حينما حاولا قتل الإمامعليه‌السلام ، فمنعتهما زينبعليها‌السلام من ذلك ببطولتها الخارقة، وجرأتها العلويّة النادرة.

أمّا البنات فترك الإمام الحسينعليه‌السلام ؛ رقية وفاطمة وسكينة، وقيل: وزينب، وقيل: وغيرها.

٢٦

وكان نقش خاتمة الشريف:(إنّ الله بالغ أمره) .

وحرزه:(بسم الله الرحمن الرحيم، اللّهمّ إنّي أسألك بمكانك، ومقاعد عزّك، وسكّان سماواتك وأنبيائك ورسلك أن تستجيب لي، فقد رهقني من أمري عسر. اللّهمّ إنّي أسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن تجعل لي من عسر يسُراً) .

وفي الختام

إنّ الحديث عن الإمام الحسينعليه‌السلام ليس له ختام؛ لأنّهعليه‌السلام مسك البداية والختام، إلاّ إنّني أشير هنا إلى حقيقة واقعية ملموسة، وهي إنّ الإمام الحسينعليه‌السلام له ميزة خاصّة في كلّ شؤون حياته الشريفة من الولادة وإلى الشهادة.

وهذه الميزة يلمسها ويشعر بها كلّ مَنْ تعرّف على الإمام الحسينعليه‌السلام خاصّة العلماء؛ سواء كانوا من أتباع أهل البيتعليهم‌السلام ، أو من غيرهم حتّى.

فالحديث عنه شيّق وذو طعم خاص، تختلط فيه العظمة والكبرياء، والسمو والنور، والشهادة والإباء، اختلاط النور بالنور؛ فلدعائه خصوصية، وخاصة دعاؤه يوم عرفة، ولعبادته ولحديثه ولخطبه ولمواقفه ولاستشهاده خصوصية مميّزة فعلاً.

وجمع أحاديث وأقوال الإمام الحسينعليه‌السلام بهذا الشكل الجميل يوضّح هذه الخصوصيات الحسينية في الحديث والخطابة أكثر وأكثر؛ فادرس وتأمّل، وانتعش روحياً بحديث الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام .

والحمد لله ربّ العالمين أوّلاً وآخراً.

مركز الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله للتحقيق والنشر

بيروت - لبنان - ص. ب: 5951 / 13

٢٧

٢٨

إلهيّات

٢٩

٣٠

لم يزل ولا يزال(1)

الصمد: الّذي لا جوف له.

والصمد: الذي قد انتهى سؤدده.

والصمد: الذي لا يأكل ولا يشرب.

والصمد: الذي لا ينام.

والصمد: الدائم الذي لم يزل ولا يزال.

____________________

(1) التوحيد / 90، ب4، ح3، قال الباقرعليه‌السلام : «حدّثني أبي زين العابدين، عن أبيه الحسين بن عليعليهما‌السلام ، أنّه قال:...».

٣١

هو الكبير المتعال (1)

عن عكرمة قال: بينما ابن عبّاس يحدّث الناس إذ قام إليه نافع بن الأزرق فقال: يابن عبّاس، تفتي في النملة والقمّلة، صف لنا إلهك الّذي تعبده. فأطرق ابن عبّاس إعظاماً لله (عزّ وجلّ)، وكان الحسين بن عليّعليه‌السلام جالساً ناحية، فقال: «إليّ يابن الأزرق». فقال: لست إيّاك أسأل.

فقال ابن العبّاس: يابن الأزرق، إنّه من أهل بيت النبوّة، وهم ورثة العلم.

فأقبل نافع بن الأزرق نحو الحسينعليه‌السلام ، فقال له الحسينعليه‌السلام : «يا نافع، إنّ مَنْ وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في الارتماس، مائلاً عن المنهاج، ظاعناً في الاعوجاج، ضالاً عن السبيل، قائلاً غير الجميل.

يابن الأزرق، أصف إلهي بما وصف به نفسه، واُعرّفه بما عرّف به نفسه؛ لا يُدرك بالحواس، ولا يُقاس بالناس، فهو قريبٌ غير ملتصق، وبعيدٌ غير مقتصّ، يوحّد ولا يُبعّض، معروف بالآيات، موصوف بالعلامات، لا إله إلاّ هو الكبير المتعال».

____________________

(1) التوحيد / 79، ب2، ح35. حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رضي الله عنه)، قال: حدّثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي البصريّ بالبصرة، قال: أخبرنا محمّد بن زكريّا الجوهري الغلابي البصريّ، قال: حدّثنا العبّاس بن بكّار االضبّي، قال: حدّثنا أبو بكر الهذلي.

٣٢

لا كفو له (1)

«أيّها الناس، اتّقوا هؤلاء المارقة الّذين يشبّهون الله بأنفسهم، يضاهئون قول الّذين كفروا من أهل الكتاب، بل هو الله ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، لا تدركه الأبصار، وهو يُدرك الأبصار، وهو اللّطيف الخبير.

استخلص الوحدانيّة والجبروت، وأمضى المشيئة والإرادة والقدرة والعلم بما هو كائن، لا منازع له في شيء من أمره، ولا كفو له يعادله، ولا ضدّ له ينازعه، ولا سميّ له يشابهه، ولا مثل له يشاكله.

لا تتداوله الاُمور، ولا تجري عليه الأحوال، ولا تنزل عليه الأحداث، ولا يقدر الواصفون كنه عظمته، ولا يخطر على القلوب مبلغ جبروته؛ لأنّه ليس له في الأشياء عديل، ولا تدركه العلماء بألبابها، ولا أهل التفكير بتفكيرهم إلاّ بالتحقيق إيقاناً بالغيب؛ لأنّه لا يوصف بشيء من صفات المخلوقين، وهو الواحد الصمد.

ما تصوّر في الأوهام فهو خلافه، ليس بربّ مَنْ طُرح تحت البلاغ، ومعبود مَنْ وُجِد في هواء أو غير هواء. هو في الأشياء كائن لا كينونة محظور بها عليه، ومن الأشياء بائن لا بينونة غائب عنها، ليس بقادر مَنْ قارنه ضدّ، أو ساواه ندّ، ليس عن الدهر قدمه، ولا بالناحية اُممه، احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار، وعمّن في السماء احتجابه كمَنْ في الأرض، قربه كرامته، وبعده إهانته، لا تحلّه في، ولا توقّته إذ، ولا تؤامره إن.

علوّه من غير توقّل، ومجيئه من غير تنقّل، يوجد المفقود ويفقد الموجود، ولا تجتمع لغيره من الصفتان في وقت. يصيب الفكر منه الإيمان به

____________________

(1) تحف العقول / 244 - 245. عن الحسين بن عليّ (صلوات الله عليهما).

٣٣

موجوداً، ووجود الإيمان لا وجود صفة، به توصف الصفات لا بها يوصف، وبه تُعرف المعارف لا بها يُعرف، فذلك الله لا سميّ له سبحانه، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير».

لم يلد ولم يُولد (1)

إنّ أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن عليّعليهما‌السلام يسألونه عن الصمد، فكتب إليهم: «بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد، فلا تخوضوا في القرآن، ولا تُجادلوا فيه، ولا تتكلّموا فيه بغير علم، فقد سمعت جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: مَنْ قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعده من النار. وإنّه سبحانه قد فسّر الصمد فقال:( الله أحد، الله الصمد ) ، ثمّ فسّره فقال:( لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد ) .

(لم يلد): لم يخرج منه شيء كثيف كالولد، وسائر الأشياء الكثيفة الّتي تخرج من المخلوقين، ولا شيء لطيف كالنفس، ولا يتشعّب منه البداوات كالسنة والنوم، والخطرة والهمّ، والحزن والبهجة، والضحك والبكاء، والخوف والرجاء، والرغبة والسأمة، والجوع والشبع، تعالى أن يخرج منه شيء، وأن يتولّد منه شيء كثيف أو لطيف.

(ولم يُولد): لم يتولّد منه شيء، ولم يخرج من شيء كما يخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها كالشيء من الشيء، والدابة من الدابة، والنبات من

____________________

(1) التوحيد / 90 - 91، ب4، ح5، قال وهب بن وهب القرشيّ: حدّثني الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه الباقر، عن أبيهعليهما‌السلام .

٣٤

الأرض، والماء من الينابيع، والثمار من الأشجار، ولا كما تخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها، كالبصر من العين، والسمع من الأذن، والشمّ من الأنف، والذوق من الفم، والكلام من اللّسان، والمعرفة والتمييز من القلب، وكالنار من الحجر؛ لا بل هو الله الصمد الّذي لا من شيء، ولا في شيء، ولا على شيء.

مبدع الأشياء وخالقها، ومنشئ الأشياء بقدرته، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيئة، ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه، فذلكم الله الصمد الّذي لم يلد ولم يولد، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، ولم يكن له كفواً أحد».

٣٥

٣٦

نبويّات

٣٧

٣٨

النبي وملك الموت (1)

عن عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، إنّه دخل عليه رجلان من قريش، فقال: «ألا أحدّثكما عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟». فقالا: بلى، حدّثنا عن أبي القاسم، قال: «سمعت أبيعليه‌السلام يقول: لمّا كان قبل وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بثلاثة أيّام هبط عليه جبرائيل فقال: يا أحمد، إنّ الله أرسلني إليك إكراماً وتفضيلاً لك وخاصّة، يسألك عمّا هو أعلم به منك، يقول: كيف تجدك يا محمّد؟

قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : أجدني يا جبرائيل مغموماً، وأجدني يا جبرائيل مكروباً.

فلمّا كان اليوم الثالث هبط جبرائيل وملك الموت، ومعهما ملك يُقال له: إسماعيل في الهواء على سبعين ألف ملك، فسبقهم جبرائيلعليه‌السلام فقال: يا أحمد، إنّ الله (عزّ وجلّ) أرسلني إليك إكراماً لك وتفضيلاً لك وخاصّة، يسألك عمّا هو أعلم به منك.

____________________

(1) أمالي الصدوق / 226 - 227، المجلس46، ح11. حدّثنا أبو العباس محمّد بن إبراهيم بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد عبد الله بن أحمد بن محمّد بن عيسى، قال: حدّثنا علي بن سعيد بن بشير، قال: حدّثنا ابن كاسب، قال: حدّثنا عبد الله بن ميمون المكي، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد، عن أبيه...

٣٩

فقال: كيف تجدك يا محمّد؟

قال: أجدني يا جبرائيل مغموماً، وأجدني يا جبرائيل مكروباً.

فاستأذن ملك الموت، فقال جبرائيل: يا أحمد، هذا ملك الموت يستأذن عليك، لم يستأذن على أحد قبلك، ولا يستأذن على أحد بعدك.

قال: أتأذن له؟ فأذن له جبرائيلعليه‌السلام ، فأقبل حتّى وقف بين يديه فقال: يا أحمد، إنّ الله أرسلني إليك، وأمرني أن اُطيعك فيما تأمرني؛ إن أمرتني بقبض نفسك قبضتها، وإن كرهت تركتها.

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : أتفعل ذلك يا ملك الموت؟

قال: نعم، بذلك اُمرت أن اُطيعك فيما تأمرني.

فقال له جبرائيل: يا أحمد، إنّ الله تبارك وتعالى قد اشتاق إلى لقائك. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا ملك الموت، امضِ لما اُمرت به.

فقال جبرائيلعليه‌السلام : هذا آخر وطئي الأرض، إنّما كنتَ حاجتي من الدنيا.

فلمّا توفي رسول الله (صلّى الله على روحه الطيّب وعلى آله الطاهرين) جاءت التعزية؛ جاءهم آتٍ يسمعون حسّه ولا يرون شخصه، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كلّ نفس ذائقة الموت، وإنّما توفّون اُجوركم يوم القيامة، إنّ في الله (عزّ وجلّ) عزاء من كلّ مصيبة، وخلفاً من كلّ هالك، ودركاً من كلّ ما فات؛ فبالله فثقّوا، وإيّاه فارجوا؛ فإنّ المصاب مَنْ حُرِمَ الثواب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قال عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : هل تدرون مَنْ هذا؟ هذا هو الخضرعليه‌السلام ».

٤٠