المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره0%

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره مؤلف:
المحقق: فارس حسون
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 126

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي
المحقق: فارس حسون
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: الصفحات: 126
المشاهدات: 15625
تحميل: 4431

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 126 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 15625 / تحميل: 4431
الحجم الحجم الحجم
المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

.............................................................................

____________________

واتّباعهما، وحذّر من تركهما والتخلّف عنهما، وكان ذلك منهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مواقف مشهودة، أعلنها صرخةً مدوّية كلّما وجد تجمّعاً من الاُمّة ومحتشداً من الصحابة ليبلّغوا مَن وراءهم وينقلوا إلى مَن بعدهم، وقد صدع بهاصلى‌الله‌عليه‌وآله في ملأ من النّاس أربع مرّات:

(ألف) موقف يوم عرفة:

سنن الترمذي ٥ / ٦٦٢ رقم ٣٧٨٦، كنز العمّال ١ / ٤٨ عن ابن أبي شَيبة والخطيب، نوادر الاُصول للحكيم الترمذي / ٦٨، المعجم الكبير ٣ / ٦٣ رقم ٢٦٧٩، مجمع الزوائد ٥ / ١٩٥ و ٩ / ١٦٣ و ١٠ / ٣٦٣ و ٣٦٨، المصابيح للبغوي ٢ / ٢٠٦، جامع الاُصول ١ / ٢٧٧ رقم ٦٥، تهذيب الكمال ١٠ / ٥١، تحفة الأشراف ٢ / ٢ / ٢٧٨ رقم ٢٦١٥، مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ١ / ١١٤، مشكاة المصابيح ٣ / ٢٥٨، نظم درر السّمطين / ٢٣٢.

(ب) موقف يوم الغدير:

النّسائي في خصائص عليعليه‌السلام / ٩٦ رقم ٧٩، التاريخ الكبير للبخاري ٣ / ٩٦، صحيح مسلم / باب فضائل علي رقم ٢٤٠٨، مسند أحمد ٣ / ١٧ و ٤ / ٣٦٦، مسند عبد بن حميد رقم ٢٦٥، المطالب العالية لابن حجر ٤ / ٦٥ رقم ١٨٧٣ عن إسحاق بن راهوَيه في صحيحه وقال:

٦١

.............................................................................

____________________

هذا إسناد صحيح، سنن الدارمي ٢ / ٣١٠ رقم ٢٣١٩، تذكرة خواصّ الاُمّة / ٣٢٢، السُنّة لابن أبي عاصم / ٦٢٩ رقم ١٥٥١ و ٦٣٠ رقم ١٥٥٥، تاريخ اليعقوبي ٢ / ١١٢، حلية الأولياء ١ / ٣٥٥ و ٩ / ٦٤، المعرفة والتاريخ ١ / ٥٣٦، كنز العمّال ١٣ / ٣٦٣٤٠ و ٣٦٤٤١، جمع الجوامع ٢ / ٦٦ و ٣٥٧ و ٣٩٥، أنساب الأشراف، ترجمة أمير المؤمنين، مشكل الآثار ٢ / ٣٠٧ و ٤ / ٣٦٨، المعجم الكبير ٣/٢٦٧٩ و ٢٦٨١ و ٢٦٨٣ و ٣٠٥٢ و ٥ / ٤٩٦٩ و ٤٩٧٠ و ٤٩٧١ و ٤٩٨٦ و ٥٠٢٦ و ٥٠٢٨، المستدرك على الصحيحَين ٣ / ١٩ بثلاث طرق وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وأقرّه الذهبي و ٣ / ١١٠ بطريق آخر وقال: صحيح على شرط الشيخَين، تاريخ بغداد ٨ / ٤٤٢، مصابيح السنة ٢ / ٢٠٥، منهاج السنّة ٤ / ٨٥.

(ج) موقف مسجد المدينة:

تفسير المحرّر الوجيز لابن عطيّة ١ / ٣٤، تفسير البحر المحيط ١ / ١٣، الصواعق المحرقة / ٧٥ و ١٣٦، ينابيع المودّة / ٤٠.

(د) موقفهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه في الحجرة:

رواه ابن أبي شيبة كما عنه العصامي في سمط النّجوم العوالي ٢ / ٥٠٢ رقم ١٣٦، وأخرجه البزّار في مسنده كما في كشف الأستار ٣ / ٢٢١ رقم ٢٦١٢، تهذيب اللغة للأزهري ٩ / ٧٨، مقتل الحسينعليه‌السلام ١ / ١٦٤، الصواعق المحرقة / ٨٩.

ومَن أراد التفصيل فعلَيه بمراجعة كتاب قبسات من فضائل أمير المؤمنين للمحقّق الطباطبائي / ٢٨ - ٤٣، نفحات الأزهار، حديث الثقلين، في ثلاث مجلدات.

٦٢

وأنا أورده لك بلفظ الترمذي(١) بحذف الإسناد: قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر:

____________________

(١) قال ابن حجر - بعد نقله عن الترمذي - في أثناء تفسيره للآية الرابعة من الآيات التي أوردها في الفصل الأوّل من الباب الحادي عشر من صواعقه ما هذا لفظه: ثمّ اعلم أنّ لحديث التمسّك بذلك طُرقاً كثيرة وردت عن نَيف وعشرين صحابيّاً. قال: ومرّ له طُرق مبسوطة في حادي عشر الشبه، وفي بعض تلك الطُرق أنّه قال ذلك في حَجّة الوداع بعرفة، وفي اُخرى أنّه قال بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه، وفي اُخرى أنّه قال ذلك بغدير خم، وفي اُخرى أنّه قاله لِما قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف. قال: ولا تنافي، إذ لا مانع من أنه كرّر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها، اهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة ( المؤلّف ). راجع الصواعق المحرقة ٢ / ٤٤٠.

٦٣

كتاب الله عزّ وجلّ حبل ممدود من السّماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولَن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما » (١) .

وقد زاد الطبراني:« فلا تقدّموهما فتهلكوا، ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم » (٢) .

قلتُ: لا يخفى أنّ تعليق عدم الضلال على التمسّك بهما يقتضي بحكم المفهوم ثبوت الضلال لِمَن تخلّى عن أحدهما، وناهيك به في وجوب اتّباع العترة والانقطاع في الدّين إليها وإلى القرآن العزيز.

على أنّ اقترانهم بالكتاب وهو معصوم، وجعلهم في وجوب التمسّك بهم مثله، دليل قاطع على حجّية أقوالهم وأفعالهم، وأنّ الرجوع في الدِّين إلى خلافهم ليس إلاّ كتَرك القرآن والرجوع إلى كتاب يخالف أحكامه.

____________________

(١) سنن الترمذي / ٣٧٨٨، وأورده السّيوطي في الدرّ المنثور ٢ / ٦٠، والتبريزي في المشكاة / ٦٢٤٤، والهندي في الكنز / ٨٧٣.

(٢) الصواعق المحرقة ٢ / ٤٣٩، المعجم الكبير / ٢٦٨١.

٦٤

ولا تنس دلالة قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« ولَن يَفتَرِقا » على عدم خلوّ الزمان ممَّن يفرغ منهم عن القرآن والقرآن يفرغ عنه(١) .

ثمّ إنّ قوله:« فلا تقدّموهم فتهلكوا، ولا تقصّروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلِّموهم فإنَّهم أعلم مِنكم »، نصّ صريح فيما قلناه، كما لا يخفى.

نظائر حديث الثقلين

وكم لهذا الحديث من نظير في الدلالة على وجوب

____________________

(١) ومثله قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « في كلِّ خلَف مِن اُمّتي عُدول مِن أهلِ بَيتي، ينفون عَن هذا الدِّينِ تَحريفَ الضّالّين وانتحالَ المبطِلين وتأويلَ الجاهِلين، ألا وإنّ اُئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ، فانظروا مَن توفدون ».

أخرجه الملا، كما في تفسير الآية الرابعة من الآيات التي أوردها ابن حجر في الفصل الأوّل من الباب الحادي عشر من صواعقه، وفي هذا المعنى صحاح متواترة من طريق العترة الطاهرة، بل هو من ضروريّات مذهبهمعليهم‌السلام ( المؤلّف ). راجع الصواعق المحرقة ٢ / ٤٤١.

٦٥

الاقتداء بالعترة الطاهرة أو المنع من مخالفتها، نستلفت الباحثين إلى ما أخرجناه من ذلك في مبحث العصمة من سبيل المؤمنين.

وحسبك منه ما أخرجه الحاكم بسند صحّحه على شرط البخاري ومسلم(١) عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال من جملة حديث:« وأهلُ بَيتي أمانٌ لاُمّتي مِن الاختلافِ، فإذا خالَفَتها قبيلةٌ مِن العَرَبِ [ في بعض أحكام الدِّين ]اختلَفوا [ في فتاويهم ]فصاروا حِزبَ إبليس » (٢) .

أليس هذا نصّاً في وجوب اتّباعهم، وحرمة مخالفتهم، وهل في لغة العرب أو غيرها عبارة أبلغ منه في إنذار مخالفيهم؟!

____________________

(١) كما في تفسير الآية السّابعة من الآيات التي أوردها ابن حجر في الفصل الأوّل من الباب الحادي عشر من صواعقه، ونقله حاكماً بصحّته أيضاً في باب الأمان ببقائهم من أواخر الصواعق ( المؤلّف ).

(٢) الصواعق المحرقة ٢ / ٤٤٥، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤٩ عن ابن عبّاس مرفوعاً وصحّحه.

٦٦

وأخرج أحمد بن حنبل وغيره(١) بالإسناد إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال:« النّجومُ أمانٌ لأهلَ السَّماء، فإذا ذهبتْ ذهبوا، وأهلُ بَيتي أمانٌ لأهلِ الأرضِ، فإذا ذهبَ أهلُ بَيتي ذهبَ أهلُ الأرضِ » . وفي رواية:« فإذا هلكَ أهلُ بيتي جاء أهلَ الأرضِ مِن الآياتِ ما كانوا يوعَدون » . وفي هذا المعنى صحاح متضافرة من طريق العترة الطاهرة، ومتى كانوا أماناً لأهل الأرض، فكيف يستبدل بهم، وأنّى يعدل عنهم؟!

حديث السّفينة

وجاء من طرق عديدة يقوي بعضها بعضاً - كذا قال ابن حجر(٢)

____________________

(١) كما نصّ عليه ابن حجر في باب الأمان ببقائهم من صواعقه. ( المؤلّف ). راجع الصواعق المحرقة ٢ / ٤٤٥، مسند أحمد / الفضائل / ١١٤٥، المعجم الكبير / ٦٢٦٠، مجمع الزوائد ٩ / ١٧٤، المطالب العالية / ٢٥٦٢، المستدرك على الصحَيحين ٢ / ٤٤٨ و ٣ / ١٤٩، ذخائر العقبى / ١٧.

(١) في تفسير الآية السّابعة من الآيات التي أوردها في الفصل الأوّل من الباب الحادي عشر من صواعقه، وفي باب الأمان ببقائهم من أواخر الصواعق أيضاً ( المؤلّف ).

٦٧

: أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال:« إنّما مَثَل أهل بيتي فيكم كمَثَلِ سفينة نوح، مَن رَكِبها نجا » . قال ابن حجر: وفي رواية مسلم:« ومَن تخلّف عنها غرِق » . قال: وفي رواية:« هلك ». و « إنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل، مَن دخله غُفر له » . قال: وفي رواية:« غُفر له الذنوب » (١) .

ولا يخفى أنّ المراد من تمثيلهم بسفينة نوح إنّما هو إلزام الاُمّة باتّباع طريقتهم والتمسّك بالعروة الوثقى من ولايتهم، وليس المراد من النّجاة بذلك إلاّ رضوان الله عزّ وجلّ والجنّة، كما أنّ المراد بغرق المتخلّفين عنهم أو

____________________

(١) راجع الصواعق المحرقة ٢ / ٤٣٨ - ٤٣٩ و ٤٤٥ و ٥٤٣ و ٦٧٥، المعجم الكبير / ٢٦٣٦ و ٢٦٣٧ و ٢٦٣٨، المعجم الصغير ١ / ١٣٩ - ١٤٠، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٥١، مجمع الزوائد ٩ / ١٦٨، المشكاة / ٦١٧٤ .

٦٨

هلاكهم إنّما هو سخط الله سبحانه والنّار.

والمراد من تمثيلهم بباب حطّة إنّما هو بعث الاُمّة على التواضع لله عزّ وجلّ بالاقتداء بهم والاستسلام لأوامرهم ونواهيهم، وهذا كلّه ظاهر كما ترى.

قال ابن حجر، بعد إيراد هذه الأحاديث في تفسير الآية السّابعة من الآيات التي أوردها في الفصل الأوّل من الباب الحادي عشر من الصواعق ما هذا لفظه: ووجه تشبيههم بـ ( السّفينة ) فيما مرّ، أنّ مَن أحبّهم وعظّمهم شكراً لنعمة مشرفهمصلى‌الله‌عليه‌وآله وأخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات، ومَن تخلّف عن ذلك غرق في بحر كفر النِّعَم وهلك في مفاوز الطغيان، إلى أنْ قال: و بـ ( باب حطّة ) يعني ووجه تشبيههم بـ ( باب حطّة ) أنّ الله تعالى جعل دخول ذلك الباب الذي هو باب أريحا أو بيت المَقدِس مع التواضع والاستغفار سبباً للمغفرة، وجعل لهذه الاُمّة مودّة أهل البيتعليهم‌السلام سبباً لها. إلى آخر كلامه(١) .

____________________

(١) الصواعق المحرقة ٢ / ٤٤٦ - ٤٤٧.

٦٩

ولَو أردنا استيفاء ما جاء من الصحاح الستّة في وجوب اتّباع أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، والانقطاع في الدين إليهم عن العالمين، لطال المقام وخرجنا عن موضوع هذه المُقدّمة.

سيرة أئمّة الهدىعليهم‌السلام القطعيّة في إقامة المأتم

وحاصله: أنّ مآتمنا - بما فيها من الجلوس بعنوان الحزن على مصائب أهل البيت، والانفاق عنهم في وجوه البرّ، وتلاوة رثائهم ومناقبهم، والبكاء رحمة لهم - سيرة قطعيّة قد استمرّت عليها أئمّة الهدى من أهل البيتعليهم‌السلام ، وأمروا بها أولياءهم على مرّ الليالي والأيّام، فورثناها منهم، وثابرنا عليها، عملاً بما هو المأثور عنهم.

فكيف والحال هذه تنكرونها علينا وتقولون فيها ما تقولون؟ والله يعلم أنّها ليست كما تظنّون.

نوح الجن ورثاء الطير وبكاء الوحش...

دَع بكاء الأنبياء والأوصياء، ودَع عنك ما كان من ملائكة السّماء، وقُل لي: هل جهلت نوح الجنّ في طبقاتها،

٧٠

ورثاء الطير في وكناتها، وبكاء الوحش في فلَواتها، ورسيس حيتان البحر في غمراتها؟

وهل نسيت الشمس وكسوفها، والنّجوم وخسوفها، والأرض وزلزالها، وتلك الفجائع وأهوالها؟

أم هل ذهلت عن الأحجار ودمائها، والأشجار وبكائها، والآفاق وغبرتها، والسّماء وحمرتها، وقارورة اُمّ سلمة وحصياتها(١) ، وتلك السّاعة وآياتها؟

____________________

(١) أشرنا بهذا إلى ما رواه الملاّ في سيرته وابن أحمد في زيادة المسند - كما في الصواعق - عن اُمّ سلمة، قالت من حديث: ثمّ ناولَني كفاً من تراب أحمر وقال:« إنّ هذا من تربة الأرض التي يُقتل بها - ولدي - فمتى صار دماً فاعلمي أنّه قد قُتل » . قالت: فوضعته في قارورة عندي وكنت أقول: إنّ يوماً يتحوّل فيه دماً ليوم عظيم. وفي رواية اُخرى كما في الصواعق أيضاً: أنّ جبرئيل جاء بحصيات، فجعلهنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في قارورة، قالت اُمّ سلمة: فلمّا كانت ليلة قتْلِ الحسين سمعت قائلاً يقول:

أيّها القاتلون جهلاً حسيناً

أبشروا بالعذاب والتنكيل

قد لعنتم على لسان ابن داو

د وموسى وصاحب الانجيل

قالت: فبكيتُ وفتحتُ القارورة، فإذا الحصيات قد جرت دماً. ( المؤلّف ). راجع: الصواعق المحرقة ٢ / ٥٦٤ - ٥٦٥، المعجم الكبير / ٢٨١٧، مجمع الزوائد ٩ / ١٨٩، ذخائر العقبى / ١٤٧، مختصر تاريخ دمشق ٧ / ١٥٤، البداية والنهاية ٨ / ٢١٨.

٧١

ألم يرَو الملاّ عن اُمّ سلمة كما في الصواعق(١) وغيرها: أنّها قالت: سمعتُ نَوح الجنّ على الحسينعليه‌السلام (٢)؟

وروى ابن سعد(٣) ، كما في الصواعق أيضاً، أنّها بكت حينئذ حتّى غشي عليها.

وأخرج أبو نعيم الحافظ في الدلائل عنها، كما نقله

____________________

(١) كلّما ننقله هنا عن الصواعق موجود في أثناء كلامه في الحديث الثلاثين من الأحاديث التي أوردها في الفصل الثالث من الباب الحادي عشر ( المؤلّف ).

(٢) الصواعق المحرقة ٢ / ٥٧٣، المعجم الكبير / ٢٨٦٧، سِيَر أعلام النبلاء ٣ / ٣١٦، مجمع الزوائد ٩ / ١٩٩.

(٣) الصواعق المحرقة ٢ / ٥٧٣، وراجع ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ومقتله من طبقات ابن سعد / ٨٧ رقم ٣٠١، وحكاه سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الاُمّة / ٢٦٧ عن ابن سعد أيضاً.

٧٢

السّيوطي(١) قالت: سمعت الجنّ تبكي على الحسينعليه‌السلام وتنوح عليه.

وأخرج ثعلب في أماليه، كما في تاريخ الخلفاء أيضاً عن أبي خباب الكلبي، قال: أتيت كربلاء، فقلتُ لرجل من أشراف العرب: أخبرني بما بلغني أنّكم تسمعونه من نَوح الجنِّ؟ فقال: ما تلقى أحداً إلاّ أخبرك أنّه سمع ذلك. قال: فأخبرني بما سمعت أنت؟ قال سمعتهم يقولون:

مسح الرسول جبينه

فله بريق في الخدود

أبواه من عليا قريش

وجدّه خير الجدود

وأخرج أبو نعيم الحافظ في كتابه دلائل النبوّة عن نصرة الأزديّة قالت: لما قُتل الحسين بن عليعليه‌السلام أمطرت السّماء دماً، فأصبحنا وحبابنا وجرارنا مملوءة دماً(٢) .

قال ابن حجر، بعد إيراده في الصواعق: وكذا رُوي في أحاديث غير هذه.

____________________

(١) في أحوال يزيد، من كتابه تاريخ الخلفاء ( المؤلّف ).

(٢) الصواعق المحرقة ٢ / ٥٦٨، مختصر تاريخ دمشق ٧ / ١٤٩ - ١٥٠.

٧٣

قال: وممّا ظهر يوم قتله من الآيات أيضاً: أنّ السّماء اسودّت اسوداداً عظيماً حتّى رؤيت النّجوم نهاراً. قال: ولَم يُرفع حجر إلاّ وُجِد تحته دم عبيط(١) .

وأخرج أبو الشيخ، كما في الصواعق أيضاً: أنّ السّماء احمرّت لقتلهعليه‌السلام ، وانكسفت الشمس حتّى بدت الكواكب نصف النّهار، وظنّ النّاس أنّ القيامة قد قامت. قال: ولَم يُرفع حجر في الشام إلاّ رُؤي تحته دم عبيط(٢) .

وأخرج عثمان بن أبي شيبة، كما في الصواعق وغيرها: أنّ الشمس مكثت بعد قتلهعليه‌السلام سبعة أيّام ترى على الحيطان كأنها ملاحف معصفرة من شدة حمرتها، وضربت الكواكب بعضها بعضاً(٣) . قال في الصواعق: ونقل ابن الجوزي عن ابن سيرين:

____________________

(١) الصواعق المحرقة ٢ / ٥٦٨.

(٢) الصواعق المحرقة ٢ / ٥٦٩، مختصر تاريخ دمشق ٧ / ١٥٠.

(٣) الصواعق المحرقة ٢ / ٥٦٩، المعجم الكبير / ٢٨٣٩، مختصر تاريخ دمشق ٧ / ١٤٩، سِيَر أعلام النبلاء ٣ / ٣١٢.

٧٤

أنّ الدُّنيا اظلمّت ثلاثة أيّام، ثمّ ظهرت الحُمرة في السّماء. قال: وقال أبو سعيد: ما رُفع حجر من الدُّنيا إلاّ وُجِد تحته دم عبيط، ولقد مطرت السّماء دماً بقي أثره في الثياب مدّة حتّى تقطّعت. قال: وأخرج الثعلبي: أنّ السّماء بكت وبكاؤها حمرتها، وقال غيره: احمرّت آفاق السّماء ستّة أشهر بعد قتله، ثمّ لا زالت الحمرة ترى بعد ذلك، وأنّ ابن سيرين قال: أخبرنا أنّ الحُمرة التي مع الشفق لَم تكن قبل قتْلِ الحسينعليه‌السلام ، قال: وذكر ابن سعد: أنّ هذه الحمرة لَم تُرَ في السّماء قبل قتْلِه(١) . إلى آخر ماهو مذكور في كتب السُنّة، ممّا يدلّك على انقلاب الكَون بمقتلهعليه‌السلام ، وأنّه قد بكته السّماء وصخور الأرض دماً(٢) .

____________________

(١) الصواعق المحرقة ٢ / ٥٦٩ - ٥٧٠.

(٢) وللمزيد من المصادر التي تعرّفك على البينات التي ظهرت بعد شهادة الإمام الحسينعليه‌السلام راجع صحيح الترمذي ١٣ / ٩٧، المناقب لأحمد،

٧٥

ولَو فرض خصمنا جاهلاً بما في تلك الكتب ممّا سمعت بعضه، فهل يجهل ما قام به ابن نباتة خطيباً على أعواده،

____________________

عمدة القاري ١٦ / ٢٤١، جامع الاُصول ١٠ / ٢٥، الإصابة ١ / ٣٣٤، تفسير ابن كثير ٩ / ١٦٢، تاريخ الخلفاء / ٨٠، الكامل في التاريخ ٣ / ٢٩٦ و ٣٠١، المعجم الكبير / ٢٨٣٠ و ٢٨٣٤ و ٢٨٣٩ و ٢٨٥٧ و ٢٨٥٨، مجمع الزوائد ٩ / ١٩٧، نور الأبصار / ١٢٣، الفصول المهمّة / ١٧٩، المحاسن والمساوي / ٦٢، أخبار الدول / ١٠٩، تهذيب التهذيب ٢ / ٣٥٣، سِيَر أعلام النبلاء ٣ / ٣١٢، تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٣٤١ و ٣٤٢ و ٣٤٣، اُسد الغابة ٢ / ٢٢، مجابي الدعوة / ٣٨، الاُنس الجليل / ٢٥٢، العقد الفريد ٢ /٢٢٠، مقتل الحسينعليه‌السلام ٢ / ٨٩ - ٩١ و ١٠١، كفاية الطالب / ٢٨٤ و ٢٨٩ و ٢٩٥ و ٢٩٦، تاريخ الإسلام ٢ / ٣٤٨ و ٣٤٩، نظم درر السمطين / ٢٢٠، الأخبار الطوال / ١٠٩، وسيلة المآل / ١٩٧، الخصائص الكبرى ٢ / ١٢٦ و ١٢٧، حياة الحيوان ١ / ٦٠، تاريخ الاُمم والملوك ٤ / ٣٢٧ و ٣٥٧، الشرف المؤبد / ٦٨، إسعاف الراغبين / ١١١ و ٢١٥ و ٢١٨ و ٢٥١، تاج العروس ٣ / ١٩٦، الكواكب الدرية / ٥٧. وراجع من مصادر الشيعة ماذكره العلاّمة المجلسي في البحار ٤٥ / ٢٠١ - ٢١٩ الباب ٤٠.

٧٦

وتركه سنّة لخطباء المسلمين في الجمعة الثانية من المحرّم في كلّ سنة، وإليك ما اشتملت عليه تلك الخطبة بعين لفظه:

قال: بكت لِمَوته الأرض والسّماوات، وأمطرت دماً، وأظلمت الأفلاك من الكسوف، واشتدّ سواد السّماء، ودام ذلك ثلاث أيّام، والكواكب في أفلاكها تتهافت، وعظمت الأهوال حتّى ظنّ أنّ القيامة قد قامت. قال: كيف لا وهو ابن السيّدة فاطمة الزهراء، وسبط سيّد الخلائق دنياً وآخرة، وكان (عليه الصلاة والسّلام) من حبّه في الحسين يقبّل شفتَيه، ويحمله كثيراً على كتفَيه، فكيف لو رآه ملقىً على جنبَيه، شديد العطش والماء بين يدَيه، وأطفاله يصيحون بالبكاء عليه؟! لصاح (عليه الصلاة والسّلام)، وخرّ مغشياً عليه.

قال: فتأسّفوا - رحمكم الله - على هذا السّبط السّعيد الشهيد، وتسلّوا بما أصابه عمّا سلف لكم من موت الأحرار والعبيد، واتّقوا الله حقّ تقواه. قال: وفي الحديث:« إذا حُشر النّاس في عرصات القيامة،

٧٧

نادى منادٍ من وراء حجب العرش: يا أهل الموقف، غضّوا أبصاركم حتّى تجوز فاطمة بنت محمّد. فتجوز وعليها ثوب مخضوب بدم الحسين، وتتعلّق بساق العرش وتقول: أنت الجبّار العدل، اقضي بيني وبين مَن قتل ابني. فيقضي الله بينها وبينهم، ثمّ تقول: اللّهمّ شفّعني في مَن بكى على مصيبتي. فيشفّعها الله تعالى فيهم...» إلى آخر كلامه.

ابك لبكاء الشمس والقمر

فهل بعد هذا كلّه تقول: إنّ البكاء على مصائب أهل البيت بدعة؟!

وهب أنّك لا ترجوا شفاعة الزهراء، ولا تبكي لبكاء الأنبياء والأوصياء، فابك لبكاء الشمس والقمر، ولا يكن قلبك أقسى من الحجر، إبك لبكاء عمر بن سعد أو عمرو بن الحجّاج والأخنس بن يزيد ويزيد بن معاوية أو خولي، والسّالب لحليّ فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام ، إبك لبكاء العسكر بأجمعه، فقد شهدت كتب السِّيَر بكاءهم مع خبث اُمّهاتهم وآبائهم.

٧٨

أيحسن منك - وأنت مسلم - أنْ يصاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه الفجائع، وتحلّ بساحته تلك القوارع، ثمّ تتّخذها ظهريّاً، وتكون عندك نسياً منسيّاً؟! ما هذا شأن أهل الوفاء، ولا بهذا تكون المواساة لسيّد الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ إنّ الانقلاب الهائل، وتلك الأحوال المدهشة، من الخسوف والكسوف، ورجف الأرض وظلمة الاُفق، وتهافت النجوم وحمرة السّماء، وبكاء الصخر الأصم دماً، لَم تكن إلاّ إظهاراً لغضب الله عزّ وجلّ، وتنبيهاً على فظاعة الخطب، وتسجيلاً لتلك النازلة في صفحات الاُفق؛ لئلاّ تُنسى على مرّ الليالي والأيّام، وفيها من بعث النّاس على استشعار الحزن وادثار الكآبة ما لا يخفى على أولي الألباب.

٧٩

فصل أسرار مآتمنا المختصّة بأهل البيتعليهم‌السلام

علم الباحثون من مدقّقي الفلاسفة: أنّ في مآتمنا المختصّة بأهل البيتعليهم‌السلام أسراراً شريفة(١) ، تعود على

____________________

(١) نبَّهكَ إلى بعضها حكيما الغربيين وفيلسوفا المستشرقين: الدكتور جوزف الفرنساوي في كتابه: ( الإسلام والمسلمون )، والمسيو ماربين الالماني في كتابه ( السّياسة الإسلاميّة ).

وقد ترجمت جريدة ( حبل المتين ) الفارسيّة في ٨٢ من أعداد سنة ١٧ فصلَين من ذينك الكتابين النّفيسين، يحتويان على أسرار شهادة الحسينعليه‌السلام وفلسفة مأتمهعليه‌السلام ، فكان لهما دوي في العالم الإسلامي، وأخذا في الشرق دوراً مهمّاً، وترجما بالتركيّة والهنديّة، وعرّبهما العلاّمة الباحث السيّد صدر الدين الموسوي نجل آية الله السيّد إسماعيل الصدر، فنشرت مجلّة ( العلم ) أحد الفصلَين، ومجلّة العرفان نشرت الآخر.

وإليك ماذكره الدكتور جوزف تحت عنوان ( الشيعة وترقياتها المحيرة للعقول )،

٨٠