مستقبل الخطابة الحسينية وسبل تحديثها

مستقبل الخطابة الحسينية وسبل تحديثها0%

مستقبل الخطابة الحسينية وسبل تحديثها مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام

مستقبل الخطابة الحسينية وسبل تحديثها

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور أحمد بن محمد بن ابراهيم اللويمي
تصنيف: المشاهدات: 7671
تحميل: 3904

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 26 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 7671 / تحميل: 3904
الحجم الحجم الحجم
مستقبل الخطابة الحسينية وسبل تحديثها

مستقبل الخطابة الحسينية وسبل تحديثها

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مستقبل الخطابة الحسينية وسبل تحديثها

الدكتور أحمد بن محمد بن ابراهيم اللويمي

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة الخطيب البارع سماحة الشيخ محمد العباد

إنّ المنبر الحسيني كأيّ ظاهرة لا بدّ أن تتّخذ أشكالاً مختلفة في نشأتها وتطورها، فهناك بداية الدعوة إليها، ثمّ غرس بذرتها الأولى، ثمّ تأخذ في النمو وذلك خلال ما تمرّ به من ظروف النمو.

فالمنبر الحسيني كانت بداية الدعوة إليه من خلال فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالبكاء على الحسين عليه‌السلام والحث عليه؛ ففي مسند أحمد بن حنبل 2 / 85، عن علي عليه‌السلام قال: «دخلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات مرّة وعيناه تفيضان، قلت: يا نبي الله، أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟! قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : بل قام من عندي جبرائيل فحدّثني أنّ الحسين يُقتل بشط الفرات».

قال: «فقال: هل لك أن أشمّك من تربته؟». قال: «قلت: نعم، فمدّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عينيَّ أن فاضتا».

نرى من خلال فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأقواله حثّ على البكاء على الحسين عليه‌السلام ، وانطلق الأئمّة عليهم‌السلام يدعون إلى ذلك ويؤكّدون على إحيائه بوسائل مختلفة، ومنها الرثاء النثري والرثاء الشعري، أو ربط بعض الحوادث والصور المعبّرة عن الحزن والأسى بمصاب الحسين عليه‌السلام .

كلّ هذا يُعطينا أنّ الأئمّة عليهم‌السلام يدعون إلى اتّخاذ كلّ الوسائل المباحة للوصول إلى هذه الغاية، ولا شك إنّ المنبر له هذا الدور الكبير، وبالتالي فهو يحتلّ مكانة قدسية من خلال ربطه باسم الحسين عليه‌السلام .

أمّا مَنْ هو أوّل مَنْ اتّخذ المنبر لرثاء الحسين عليه‌السلام ابنه السجّاد عليه‌السلام ، حيث بذر البذرة الأولى عندما خطب من على منبر الشام، وفي مجلس يزيد وأمام الحشود من الناس حتى ضجّوا بالبكاء عند سماعهم لخطبته، حيث قال عليه‌السلام فيما قال: «أنا ابن المزمّل بالدماء، أنا ابن ذبيح كربلاء، أنا ابن من بكى عليه الجن في الظلماء، وناحت عليه الطير في الهواء».

نرى في خطبة الإمام السجاد عليه‌السلام فصولاً أخرى غير الرثاء، وأتى أهمّها التعريف بأهل الحقّ، وهم أهل البيت عليهم‌السلام ودورهم في الدعوة الإسلامية وبالأخص الإمام علي عليه‌السلام ، ممّا يجعله يحتلّ المكانة الأولى من بين الصحابة على الإطلاق، ولا أريد الخوض في تفاصيل هذه الخطبة، ولكن الشيء الذي يمكن أن نشير إليه هو أنّ الدعوة إلى البكاء على الحسين عليه‌السلام كما إنّها دعوة للتعبير عمّا يختلج في النفس من الحزن والأسى، وتعبير عن الولاء العاطفي للحسين عليه‌السلام ، وكذلك عن رفض الظلم، بالإضافة إلى ذلك نعرف أنّ المنبر الحسيني لا بدّ أن يكون وسيلة من وسائل بيان الحقّ والدعوة إليه، وبيان الباطل والتحذير منه، ووسيلة لتربية الأجيال على أساس الفكر السليم والسلوك الطاهر، ووسيلة أساسية لبيان أهداف الحسين عليه‌السلام من ثورته وما تحمله من قيم.

ولهذا وبعد أن بذر الإمام السجّاد عليه‌السلام البذرة الأولى للمنبر الحسيني، أخذ هذا المنبر يمرّ بمراحل عديدة من التطور شكلاً ومضموناً، إلى أن وصل إلى ما نراه عليه اليوم، من احتوائه على الرثاء نثراً وشعراً، واحتوائه على الخطبة التي تبدأ عادةً بآية أو كلام لأحد المعصومين عليهم‌السلام ، ينطلق بذلك الخطيب في طرح الموضوع المناسب ليربطه في نهاية الأمر بمصيبة الحسين عليه‌السلام ، وهذا الذي يميّز المنبر الحسيني عن غيره من المنابر والخطب الأحرى، بحيث سُميت هذه الخطابة بالخطابة الحسينية.

وهذا يدعونا إلى أن ننظر إلى هذه الخطابة نظرةً خاصّة متميّزة عن غيرها من أنواع الخطابة، وبحيث أن تكون جامعة بين العبرة والعِبرة، بين الدمعة والفكرة، وننظر إلى دور الخطابة الحسينية في الحفاظ على ثقافة عاشوراء، وهو تنقل أقوى الصلات عن طريق مزج الفكر والمحبّة والبرهان العاطفي الذي تجسد في كربلاء، ومنها البكاء على مظلوميّة الحسين عليه‌السلام ، ومن خلالها أيضاً نفهم أهداف الإمام من ثورته، بل يمكن أن نجعل هذا المنبر منطلقاً لإيصال صوت الإسلام إلى كلّ مكان.

وكما يُنقل عن أحد المسيحيين إنّه قال: لو كان عندنا الحسين لجعلنا له على كلّ شبر من الأرض منبراً.

وما دامت الخطابة الحسينية أصبحت واقعاً لا غنى عنه ومنذ قرون طويلة، فلا بد أن تكون موضع اهتمام كبير من قِبَل العلماء والباحثين لصيانته [مما يلي]:

أولاً : من عوامل الضعف؛ وذلك من قبيل التحذير من ذكر ما لا ينسجم مع طبيعة الثورة الحسينية في أهدافها وفكرها وسلوكيات شخصياتها؛ حتى لا تكون الخطابة عامل تشويه لها، ولتصل هذه الثورة نقية إلى كلّ الأجيال.

وثانياً : للأخذ بوسائل تطويرها حتى تكون الخطابة الحسينية بمستوى تطلّعات الثورة وتطلّعات المستمع، فلا بد من النظر إلى مادة الخطابة، وكذلك منهجيتها، وأيضاً إلى مادة الرثاء شعراً ونثراً ومضموناً وصوتاً؛ حتى تكون هي وغيرها وسائل تطويرية تجعل من هذه الخطابة المتميزة تحافظ على أصالتها وتواكب العصر؛ لتؤدي رسالة الحسين إلى كلّ جيل.

ولا شك إنّ هذا بحاجة إلى تظافر الجهود في هذا الطريق، من إقامة المعاهد وكتابة الدراسات والبحوث؛ لتأهيل الخطيب ليقوم بدوره على أكمل وجه ممكن، بدلاً من فتح المجال أمام الارتجال الذي له آثار سيئة على واقعة الطفّ، كثورة إصلاحية أريد لها أن تكون مدرسة خالدة عبر العصور.

هذا وقد انبرى الأخ الكريم سعادة الدكتور اللويمي (أيده الله)، ومن خلال هذه الدراسة بتسليط الضوء على جوانب كثيرة ومهمّة، ممّا يرتبط بالخطابة الحسينية وسبل تطويرها، ومما يعكس اهتمامه الكبير بالمنبر الحسيني، وقد وُفِّق في هذه الدراسة للتبويب الجيد للموضوع، وكذلك في ربط النظرية بالتطبيق، وفي تشخص المشاكل التي ذكرها والحلول لها، وفي الأفكار والمقترحات فجزاه الله على عمله، وأسأله تعالى أن يوفقه للمزيد من ذلك وهو ولي التوفيق.

محمد العباد

ربيع الآخر 1422 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة الاُستاذ الخطيب الشيخ نجيب الحرز

ثورة كربلاء جزء من الثورات التي حدثت في تاريخ العالم الإسلامي، بوصفها ثورة تجاوزت مشروطية الثورات الاُخرى، ورغم ما يختزنه التاريخ الإسلامي من ثورات ذات طبيعة بنيوية متماثلة مع ثورة كربلاء، بل بعضها يمكن أن تكون أكثر مأساوية من كربلاء، إلا إنّ قضية كربلاء لها خصوصية تطبعها بطابع الاستثناء والتميّز.

فالظروف التي واكبتها تاريخياً وجغرافياً دفعتها إلى السطح، بحيث أصبحت تشكّل بؤرة تتحرّك فوقها الأحداث والمواقف التي شكّلت الفكر الإسلامي بشكل عام، ولا سيما الفكر الشيعي التي رزحت في أعماقه، وساهمت في تشكيل رؤاه وتصوراته، وتحكمت في مشاعره وهيمنت على عواطفه.

وبسبب وفرة الجانب العاطفي الذي تفرزه تفاصيل كربلاء والملحمة الحسينية، تداخلت الحقائق بغيرها بسبب المبالغات والتصوّرات والتعبيرات غير الموضوعية التي تقوم بإبرازها العواطف الملتهبة، ممّا يؤدي أحياناً إلى إفراغ الفكرة الحسينية من مضمونها الحقيقي ووضعها في مساحات بعيدة عن الحقيقة والواقع.

وبما أنّ لكلّ حقبة زمنية المستوى الثقافي والوعي الجماعي هو الذي يحدّد الآليات والأدوات التعبيرية التي يعتمد عليها في بلورة الأهداف الحسينية وإظهار المضامين الجوهرية لهذه النهضة، وكلّما ارتقت العقلية البشرية وتطوّرت الحياة المدنية يتطلّب قدرة ثقافية وأدوات معرفية كافية لإحداث التفاعل المناسب؛ لتحقيق التوازن بين الإمكانيات المتاحة والعقلية المتوفّرة المسؤولة عن ترجمة مبادئ كربلاء.

فنوعية الذهنية، ونمط التفكير لهما دور كبير في رسم الصورة الواقعية لمأساة كربلاء، وبما أنّ الثورة الحسينية هي إحدى الثورات التي تشرّبت بمشاعر الشيعة، وخُصَّت بحضور مكثّف وقوي في عواطفهم، وأصبحت الثقافة الحسينية جزءاً من هويتهم، ومنعكسة على تفكيرهم وسلوكياتهم المتمثّلة في الشعائر الدينية والمآتم العزائية، والتعبير عنها من خلال ممارسة الخطابة الحسينية، والمنبر الحسيني هو أحد الآليات والأدوات الإعلامية والمقدّسة عند الشيعة الذي يقوم بوظيفة إظهار أدقّ التفصيلات في قضية الحسين وأصحابه عليهم‌السلام .

فهذا المنبر يحتاج إلى نقلة تطويرية لعرض الملحمة الحسينية بطريقة وأسلوب يتلاءم مع التقدّم الإعلامي، والتوسّع الثقافي والانفتاح العالمي الذي هو موضوع هذا الكتاب، الذي يعرض مشروعاً جبّاراً وراقياً من حيث تدشين بعض العلوم والفنون في منهجية عرض الفكرة وتوسيع دائرة الطرح لها، وعرض مبادئ الثورة الحسينية بطريقة تساعد على مجاراة التطوّرات اليومية، مع الأخذ بعين الاعتبار الأصالة والقداسة التي يتميّز بها المنبر الحسيني، بالإضافة إلى تسليط الضوء على بعض المعوّقات العرفية التي تؤثّر سلباً على صورة كربلاء.

وهذه الدراسة تكشف عن مدى الرؤية المستقبلية والحضارية التي يتمتّع بها الدكتور أحمد اللويمي، ومدى الحس الاجتماعي والهمّ التربوي الذي يصاحب تفكير صاحب هذا الكتاب من خلال الاقتراحات التي رسمها لهذا المشروع، حيث طرح هذا المشروع بمستوى قادر على أن يضاهي المشاريع البنائية التربوية التي طُبِّقت على الصعيد العالمي.

ونحن شاكرين للمؤلّف هذا الجهد التوعوي، طالبين من المولى العلي القدير أن يسدد خطاه؛ لاهتمامه بقضايا الإنسانية، وهذا ليس بغريب على شخص مثل الدكتور أحمد أن يتميّز بشعور يقظ وحس إنساني راصد؛ لأنّه مارس الخطابة الحسينية وتلمَّس معاناة المنبر عن قرب، وشعر بالحاجة الماسَّة لهذا التطوير.

نجيب حسين الحرز

جمادى الاولى1421 هـ

مستقبل الخطابة الحسينية وسبل تحديثها

المقدّمة

«الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع، ولا لعطائه مانع، ولا كصنعه صنع صانع، وهو الجواد الواسع، فطر أجناس البدائع، وأتقن بحكمته الصنائع.

الحمد لله حمداً يعادل حمد ملائكته المقرّبين، وأنبيائه المرسلين، وصلّى الله على خيرته محمد خاتم النبيين وآله الطيّبين الطاهرين المخلصين وسلّم»(1).

____________________

(1) من دعاء الإمام الحسينعليه‌السلام في يوم عرفة.

إنّ تأليف هذا الكتاب يندرج في ضمن الجهود المبذولة لتصحيح مسيرة المنبر الحسيني - هذه الأداة المباركة المقدّسة التي يتسابق ويتزاحم في الانتساب إليها أهل العلم والمثقفون، المنتمون لمدرسة أهل البيت (صلوات الله عليهم) - نحو إعطاء هذه القناة الإعلامية الجماهيرية المهمّة دورها الحقيقي؛ للمساهمة مع سائر الوسائل الإصلاحية الاُخرى في تقويم الإنسان في فكره وانتمائه الديني ومنهجه الحياتي المادي، وتصحيح طموحه وآماله؛ لبناء مجتمع مدني إسلامي متطلّع لمستقبل وادع مزهر.

تتمتع الخطابة الحسينية بقاعدة شعبية من مختلف طبقات المجتمع، يزيد في أهميتها أنّها اللسان المعبّر لفكر وتراث أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم).

إنّ إيلاء هذه القناة الرعاية والعناية أمر ضروري وحيوي؛ وذلك من خلال إثارة حركة إصلاحية بنيوية تكسب هذه الأداة القوّة والمتانة والكفاءة، وذلك ممكن من خلال دعوة الخطباء الأعزاء في منطقة الإحساء بشكل خاصّ، وفي جميع العالم بشكل عام؛ للاهتمام بالتأليف والتدوين لتجاربهم الشخصية في الخطابة الحسينية.

كما إنّ هناك حاجة ماسة للتأليف في تاريخ المنبر الحسيني وأطواره، والمدارس الفنيّة والأصوات الرثائية التي ساهمت مساهمة فعالة وكبيرة في تبلور المنبر الحسيني المعاصر.

إنّ الحركة الإصلاحية للمنبر يجب أن لا تغفل عن تدوين تاريخ أشهر الخطباء الذين تركوا بصماتهم على المنبر الحسيني المعاصر.

ومن أهم المشاريع الإصلاحية في تطوير المنبر الحسيني هو تربية أجيال جديدة من الخطباء الأكفّاء للخروج من حالة الارتجال والعفوية - التي ما زالت قائمة في الوقت الحاضر - في الانخراط في سلك الخطابة الحسينية.

إنّ رعاية هذه القناة لا تتسنى إلاّ من خلال تأسيس معاهد علمية متخصّصة لتربية كوادر كفوءة. إنّ حركة التصحيح والتكامل والتطوّر للمنبر الحسيني لا يمكن أن تتصاعد إلاّ من خلال تبنّي هذه المقوّمات الإصلاحية المهمّة.

هذا الكتاب يتناول ألوان الخطابة الحسينية، وسماتها المميّزة عن أنواع الخطابة الاُخرى، والمناهج التي تميّز الخطباء السائرين على المنهج التراثي المائل للتركيز على الرثاء عن الخطباء الحداثيين، الداعين إلى تحديث المنبر الحسيني بمفاهيم العصر وأساليبه.

يتناول هذا الكتاب أيضاً مستقبل المنبر الحسيني خصوصاً ما يمت وسائل التحديث والمناهج التي في تبنّيها تضفي على المنبر ثوباً عصرياً، دون أن يمسّ روحه الأصيلة خدش أو تغيير.

ولا يفوتني أن أقدّم شكري وتقديري للأخوة الخطباء الشيخ حبيب الهديبي، الشيخ محمد العباد والشيخ نجيب الحرز لما بذلوه من جهد مشكور في مراجعة النصوص، وإبداء الرأي والنقاش البنّاء في جعل هذا الكتاب أفضل حالاً، وأكثر ملائمة لأغراض التطوير والتحديث الذي يمثّل صلبه وجمجمته.

في الختام هذا الكتاب مساهمة متواضعة تضاف للمساهمات الجبّارة والحيوية التي تعمل بكلّ جدّ ومثابرة لانتشال المنبر الحسيني من حالة الركود والرتابة التي يعاني منها لمستقبل أفضل. والله ولي التوفيق والنجاح والحمد لله ربّ العالمين.

الدكتور أحمد محمد اللويمي

في شهر صفر 1420هـ

تمهيد الخطابة

1 - ما هي الخطابة؟

الخطابة هي القابلية على صياغة الكلام باُسلوب يمكِّن الخطيب من التأثير على نفس المخاطب، وقد عرّفها أرسطو بأنّها (قوّة تتكلّف الإقناع الممكن)(1) ، وقال ابن رشد: (الخطابة هي قوّة تتكلّف الإقناع الممكن في كلّ واحد من الأشياء المفردة)(2) .

____________________

(1) نقلاً عن الخطابة، تاريخها، قواعدها وآدابها - للشيخ حسين جمعة العاملي.

(2) المصدر نفسه.

وتعريف أرسطو وابن رشد صحيح إذا كان الخطيب قد بلغ البراعة في الخطابة وفن الإقناع، ولكن الخطابة بشكل عام كلام يقوم على أسس وقواعد يقصد به الإقناع.

والخطابة مصدر فعله خطب، يتعدى بنفسه بحرف الجر، قال الجوهري: خطب على المنبر خطبة بضم الخاء، ويُقال: فلان خطيب القوم، إذا كان هو المتكلّم عنهم، والجمع خطباء.

وقال ابن منظور في لسان العرب: والخطبة مثل الرسالة التي لها أوّل وآخر(1) .

____________________

(1) الخطابة وإعداد الخطيب - د. توفيق الواعي.

وللخطابة مقوّمات أساسية تتصل بالخطيب بشكل مباشر، هي الفكرة والاُسلوب والإلقاء المحكم.

أمّا الفكرة فتتشخّص فيما يمتلك الخطيب من عمق وإدراك، وفهم للحياة ومدى سبره لغورها وفهمه لأحوالها.

أمّا الاُسلوب فيشير إلى قابليته على صياغة الكلام باُسلوب جامع لقواعد اللغة من نحو وبلاغة، وشامل لأصول المعالجة المنطقية والعلمية للأمور.

والإلقاء المحكم يمثّل لبّ الخطابة، والأداة التي تمكّن الخطيب من تقديم ما أعدّه من أفكار بأحسن الأساليب إلى المخاطب، وذلك من خلال تقمّصه لكلّ فنون الخطابة من رفع الصوت وقت الضرورة وخفضه عند الحاجة، وتنميق اُسلوبه بالتعابير العاطفية من الغضب والحبّ، والسرور والسخرية، والإعجاب وإثارة الحماس والاستنفار، وروح التفكّر والتدبّر وغيره، ويبتعد عن التأتأة والتردد والتكرار الممل.

2 - تطوّر فن الخطابة

يعود الفضل الأول في إرساء الخطابة واستنباط فنونها إلى اليونانيين قبل الميلاد، ويعود اهتمام اليونانيّين بالخطابة لارتباطها بطبيعة الحياة اليونانية التي غلبت عليها المجادلات الفلسفية والسياسية، وشيوع حالة الحرية الفردية والتعبير عن الرأي.

وقد كان لظهور مجموعة من المتكلّمين الذين عُرفوا بالسفسطائيّين؛ لتميّزهم بالقدرة على الخطابة المؤثّرة والإلقاء المحكم الدور الكبير في تطوّر الخطابة اليونانية، ممّا جعل الخطابة مهنة يسعى إليها مَنْ يريد البلوغ إلى المراتب العُليا من طبقات المجتمع، ويُعد مؤلَّف الخطابة لأرسطو أوّل مؤلَّف جامع ومنظِّر لعلم الخطابة.

وقد بلغت الخطابة شأوها في العهد الروماني، حيث برز خطباء مشهورون، مثل: شيشرون، وافتتحت العديد من المدارس الخاصّة بتعليم الخطابة(1) .

____________________

(1) الخطابة وإعداد الخطيب - د / توفيق الواعي.

أمّا الخطابة في العصر الجاهلي فكان لها حظّ وافر عند العرب؛ لتمتّع اللغة العربية بالفصاحة والبيان التي مثّلت الجانب الأهم فيما ورد من خطب ذلك العصر.

من خطباء ذلك العصر: قس بن ساعدة الإيادي، وخارجة بن سنان خطيب داحس والغبراء، وخويلد بن عمرو الغطفاني خطيب يوم الفجار، وأكثم بن صيفي.

وبطلوع فجر الإسلام على الجزيرة العربية نشطت الخطابة واشتدت الحاجة إليها؛ لاحتياج الدين الجديد للتبليغ في نشر وإقناع الناس في دعمه، كما كان للخطابة الأثر البالغ في جميع مراحل تطوّر الدعوة من استنفار الهمم للجهاد، والدفاع عن الدين ضدّ الكائدين والمتربّصين به، وتبليغ أحكامه وتعاليمه للمسلمين.

وأصبحت للخطابة في ظلّ الإسلام مواسم وأوقات، كخطبتي العيدين وخطبة الجمعة والخطابة الحسينية، التي لها أعظم الأثر في إحياء النهضة الحسينية والذبّ عن حمى الدين.

وتُعدّ خطب الإمام علي بن أبي طالب الأثر الخالد، والتراث الغني في الحضارة الإسلامية، وتُعدّ خطبته الأشباح من جلائل خطبهعليهم‌السلام ، والذي جاء فيها: «واعلم أنّ الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السّدد المضروبة دون الغيوب الإقرارُ بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب؛ فمدح الله تعالى اعترافهم بالعجز عن ما تناول ما لم يحيطوا به علماً...»(1).

____________________

(1) نهج البلاغة / خطبة 9.

وأخذت الخطابة منذ ذلك الوقت سيرها التكاملي حتى بلغت أعلى ما يمكن أن يصل إليه علم من اهتمام ورعاية وإنتاج في العصر العباسي، حيث لم يكتفِ بما توفّر من تجارب عند العرب، بل ترجموا ما كان عند غيرهم من آداب الخطابة وفنونها إلى العربية.

ومن الكتب المهمّة التي ترجمت في هذا العصر (كتاب الخطابة لأرسطو) الذي ترجمه إسحاق بن حنين وعلّق عليه الفارابي.

وكان لظهور الفرق الكلامية خصوصاً المعتزلة أكبر الأثر في ازدياد رونق الخطابة في هذا العصر؛ لاستغلالهم لها في المحاورات الفكرية والمجادلات الكلامية.

بالرغم من تطوّر وسائل الاتصال الجماهيري، وتنوع أشكالها في العصر الحديث لم تفقد الخطابة رونقها، بل ازدادت أهميةً؛ لقدرة وسائل الاتصال الجديدة، من أجهزة التلفاز والمذياع المرتبطة بالأقمار الصناعية من تعميم الخطاب على عدد هائل من سكّان المعمورة.

والخطابة اليوم، خصوصاً الخطابة السياسية والدينية، تُعد من أكثر أنواع الخطابة تأثيراً في الجماهير.

3 - قواعد الخطابة العامة

قواعد الخطابة تستند إلى عنصرين مهمين هما: الخطيب والخطبة؛ أمّا القواعد التي يجب أن يتحلّى بها الخطيب الجامع للشرائط، قد أسلفنا الحديث عنها؛ وأمّا القواعد المهمّة للخطبة فيمكن إجمالها في القواعد التالية:

أ - المقدمة

ب - الإثبات

ج - الخاتمة

أ - المقدمة: هي الجزء الذي يتصدّر الخطبة، وتحتوي المقدّمة على ثلاثة عناصر أساسية مهمّة هي: الافتتاح، والمقصد، وبيان محتويات الخطبة.

الافتتاح يتمثّل في قول، أو استشهاد، أو ذكر به يشدّ الخطيب الناس. وللافتتاح أثر في إظهار منطق الخطيب وقوّة التعبير.

أمّا المقصد ففيه يجمل الخطيب أهداف خطبته وطبيعتها؛ فبالمقصد يتّضح حقل الخطبة، هل هي دينية أم سياسية، أم وعظية أم فلسفية وغير ذلك من الحقول، وأيضاً بالمقصد تتّضح الزاوية التي يريد الخطيب منها علاج الموضوع.

ومن أبلغ المقدّمات التي كان للمقصد فيها أثر عميق قول الإمام أمير المؤمنينعليهم‌السلام : «أمّا بعد، فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة، فمَنْ تركه رغبةً عنه ألبسه الله ثوب الذلّ، وشمله البلاء، ولزمه الصغار، وسيم الخسف، ومُنع النصف»(1) .

____________________

(1) المعجم المفهرس لنهج البلاغة - لكاظم محمدي ومحمد دشتي.