مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)0%

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 272

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ كاظم البهادلي
تصنيف: الصفحات: 272
المشاهدات: 40514
تحميل: 5867


توضيحات:

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام) المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 272 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40514 / تحميل: 5867
الحجم الحجم الحجم
مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المجلس التاسع: في الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام

يا مَنْ على جِسر الرُصّافة تُشرِفُ

هلاّ بربِّكَ بُرهةً تَتَوقّفُ

متذكّراً عَلَماً لآلِ مُحَمّد

وعلى ذُرى بغداد راح يُرفْرِفُ

ذاك ابنُ جعفر والحوائجُ بابُها

أكرمْ بمولىً للحوائجِ يُعرَفُ

أخذوه من حَرمِ النبيّ وليتَهُم

عن هتكِ حُرمةِ جدّهِ يتعففّوا

عن أهلهِ قدْ أبعدُوه وصحِبه

وعَنِ الهدايةِ والصوابِ تخلفّوا

أغريبَ بغداد وذي عين السّما

دمعاً على ما قد أصابك تَذرِفُ

لهفي على ذاك الغريبِ مُعانياً

قَيدَ السّجونِ وظُلمَ مَنْ لا يُنصفُ

في السّمِ يقضي حيثُ لا مِنْ راحمٍ

أومُشفقٍ أو مَنْ بهِ يتلطّفُ

فبكى له الرّوحُ الأمينُ كما غدا

محرابُه يَبكي ويَبكي المُصحَفُ(1)

* * *

____________________

1- القصيدة للشاعر الحاج معين السبّاك (رحمه الله)، هو الحاج معين ابن الحاج عبد الرضا ابن الحاج حبيب المعروف بالسبّاك، وهو من قبيلة بني كعب الشهيرة.

ولد المترجم له سنة 1927م في مدينة النجف الأشرف، وقد ترعرع على يد والده المرحوم الحاج عبد الرضا، ونشأ نشأة طيّبة اتّصفت بالمحبّة الصادقة لأهل البيتعليهم‌السلام .

وقد عاصر المرحوم السبّاك جمعاً من كبار أدباء العراق وأعلامهم، منهم عميد المنبر الحسيني آنذاك العلاّمة الشيخ محمد علي اليعقوبي (رحمه الله)، وكان أستاذاً له في الشعر والأدب، وغيرهم الكثير.

كان المترجم له شاعراً وأديباً وخطيباً حسينياً منذ السبعينيات في داخل العراق وخارجه. لبّى نداء ربّه في ليلة 21 ذي الحجّة سنة 1423 هـ.

وجرى له تشييع مهيب في النجف الأشرف وكربلاء المقدّسة، ودُفن في وادي السّلام. (انظر مقدّمة ديوانه المطبوع سبائك السبّاك / 9 - 13).

١٤١

(نصّاري)

على الكاظم ينوح ويبچي الدين

وگع بالحبس وحده وماله امعين

بس ما طاح سدّوا بابه اعليه

ظل وحده ولا واحد گرب ليه

تگبّل مدد أيده وعدل رجليه

گضت روحه يويلي او فرّگ البين

نهض نهضة فرح من تالي الليل

لعد باب الحوايج عازم ايشيل

شال اجنازته اعله اربع حماميل

فوگ الجسر تتفرّج الصوبين

(أبوذية)

يسمونك يابن جعفر علامه

الكتل والسّم صبح بيكم علامه

عليك انشد عزه ونرفع علامه

اونشيع اجنازتك يابن الزچيه

* * *

١٤٢

ذكر السيّد ابن طاووس (رحمه الله) زيارة للإمام الكاظمعليه‌السلام جاء فيها: (اللّهُمَّ صَلِّ على مُحَمّدٍ وأَهلِ بَيتِهِ الطاهرينَ، وصَلِّ على مُوسى بنِ جَعفرٍ وَصِيِّ الأبْرارِ، وإمامِ الأخْيَارِ، وَعَيْبَةِ الأنوارِ، وَوَارِثِ السَّكَينةِ والوَقَارِ، والحِكَم والآثَارِ الذي كَانَ يُحْيِي الليلَ بالسَّهرِ إلى السَّحَرِ بِمُواصَلَةِ الاستِغفَارِ، حَليفِ السَّجدَةِ الطويلةِ، والدُّمُوعِ الغَزيرَةِ، والمُناجَاةِ الكَثِيرَةِ، والضَّرَاعَةِ المتّصلة...)(1) .

من الحَسَن بمكان أن نذكر بعض ما رُوي عن أهل بيت العصمة والطهارةعليهم‌السلام في فضل زيارة الإمام باب الحوائج إلى الله مولانا موسى بن جعفرعليه‌السلام ؛ ليزداد المؤمن إيماناً وشوقاً ولهفةً للتحرّك نحو هذا المرقد الطاهر، أو يتحسّر إذا لم يُدركه، فيحصل على ثواب المهموم لظلمهمعليه‌السلام ، وهو ثواب التسبيح أو أكثر(2) .

فمن هذه الروايات: ما رواه ابن سنان عن الإمام الرضاعليه‌السلام قال: قلت للرضاعليه‌السلام : ما لِمَنْ زار أباك؟

قال: « له الجنّة، فزره»(3) .

وعنهعليه‌السلام برواية الحسين بن يسار أنّه قال: « كفضل زيارة والده»، يعني

____________________

1- مصباح الزائر / 382، بحار الأنوار 99 / 17.

2- الكافي 2 / 226، باب الكتمان ح16، أمالي الشيخ المفيد / 338 ح3، أمالي الشيخ الطوسي / 115 ح32، بشارة المصطفى / 168، بحار الأنوار 2 / 64 ح1 وص147 ح16، و44 / 278 ح4.

3- مناقب آل أبي طالب 3 / 442.

١٤٣

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (1) .

وهذا المقطع من هذه الزيارة الشريفة يشتمل على بعض ما للإمام الكاظمعليه‌السلام من مقام ومنزلة، وقد اشتمل على مناقب خمس، ينبغي الالتفات إليها:

الأولى: وصيّ الأبرار: وهو من الوضوح بمكانٍ بعد القطع بكونهعليه‌السلام أحد الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام ، الذين نصَّ عليهم جدُّهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ إمّا بالصراحة واحداً تلو الآخر، كما هو مقتضى حديث اللوح، أو نصّ على مَنْ نصّ على الوصيِّ من بعده، كما هو معروف مشهور بين علماء الطائفة.

فمن النصوص الواردة في إمامتهعليه‌السلام ما رواه الشيخ الكليني (رحمه الله) عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال له معاذ بن كثير: أسأل الله الذي رزق أباك منك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها.

فقال: « قد فعل الله ذلك».

قلت: مَنْ هو جعلت فداك؟

فأشار إلى العبد الصالح وهو راقد، فقال: « هذا الراقد».وهو يومئذ غلام(2) .

____________________

1- كامل الزيارات / 498، المزار - للشيخ المفيد / 191، المزار - لابن المشهدي / 40 ح18، بحار الأنوار 99 / 4 ح17 عن كامل الزيارات.

2- الكافي 1 / 308 باب النصّ على الإمام الكاظمعليه‌السلام ح2، الإرشاد 2 / 217، إعلام الورى 2 / 9، كشف الغمّة 3 / 10، بحار الأنوار 48 / 17 ح15 عن الإرشاد.

١٤٤

وكذا روى الشيخ الكليني (أعلى الله مقامه) عن عيسى بن عبد الله عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام ، قال: قلت له: إن كان كون، ولا أراني الله ذلك، فيمَنْ أئتم؟

قال: فأومأ إلى ابنه موسى.

قلت: فإن حدث بموسى حدث، فبمَنْ أئتم؟

قال: « بولده».

قلت: فإن حدث بولده، وترك أخاً كبيراً وابناً صغيراً؟

قال: « بولده، ثُمَّ هكذا أبداً»(1) الخبر.

وذيل الخبر جواب على مَنْ أنكر إمامة الإمام الجوادعليه‌السلام لصغر سنّه، وقد رُوِي عن إمامنا الرضاعليه‌السلام أنّه قال - ردّاً على هذه الشبهة -: « إنّ الله بعث عيسى بن مريم رسولاً نبيّاً، صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السنّ الذي هو فيه»(2) .

والخلاصة: إنّ أوّل مقام من مقاماتهعليه‌السلام أنّه وصيّ الأبرار الذي نصّ عليه الأئمّة الأطهار، وهو دليل قاطع على صحة ما يذهب إليه الإمامية، ويكفينا فخراً أن يكون إمامنا السابع هو باب الحوائج إلى الله موسى بن جعفرعليه‌السلام .

____________________

1- الكافي 1 / 308 باب النصّ على الإمام الكاظمعليه‌السلام ح2 و309 ح7، الإرشاد 2 / 217، إعلام الورى 2 / 9، كشف الغمّة 3 / 10، بحار الأنوار 48 / 17 ح15 عن الإرشاد.

2- الكافي 1 / 322 باب النصّ على الإمام الجوادعليه‌السلام ح13، وص384 ح6، الإرشاد 2 / 279، إعلام الورى 2 / 94، كشف الغمّة 3 / 145، بحار الأنوار 14 / 257 - 258 ح53 عن الكافي و50 / 23 - 24 ح15 عن إعلام الورى والإرشاد.

١٤٥

الثانية: إمام الأخيار، الإمام بالكسر - في اللغة - الذي يؤتم به، وجمعه أئمّة.

والإمامة: هي الرئاسة العامة على جميع الناس(1) .

وفي معاني الأخبار: سُمِّي الإمام إماماً؛ لأنّه قدوة للناس منصوبٌ من قِبَلِ الله تعالى، مفترض الطاعة على العباد(2) .

وقد قسَّم الباري (عزّ وجلّ) الأئمّة إلى قسمين: أئمّة كفر، وأئمّة حقّ وهداية، حيث يقول تبارك وتعالى:( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) (3) ، وفي سورة أُخرى قال (عزّ وجلّ):( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) (4) .

وإمامنا الكاظمعليه‌السلام هو مَنْ يقتدي به شيعتُه؛ لما عنده من مقام سامٍ في الهداية إلى الله تبارك وتعالى، فهو من أئمّة الهداية الذين جعلهم الله تبارك وتعالى أدلاّء عليه (سبحانه وتعالى)، يهدون بأمره من فعل الخيرات، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وكانوا من العابدين في أعلى درجات العبادة، كما ستأتي الإشارة إليه إن شاء الله تعالى.

فقد رُوِي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال: « إنّ الأئمّة في كتاب الله (عزّ وجلّ) إمامان؛ قال الله تعالى:( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ

____________________

1- مجمع البحرين 6 / 14 - 15.

2- معاني الأخبار / 65.

3- سورة القصص / 41.

4- سورة الأنبياء / 73.

١٤٦

بِأَمْرِنَا ) (1) لا بأمر الناس، يُقدِّمون أمر الله قبل أمرهم، وحكم الله قبل حكمهم، وقال:( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) (2) يُقدِّمون أمرهم قبل أمر الله، وحكمهم قبل حكم الله، ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب الله عزّ وجلّ»(3) .

فإمام الأخيار الإمام الذي أوصى به الأخيار، أو مَنْ اقتدى به الأخيار، كما هو الظاهر على غرار قول الناس: فلان إمام الجور، أو إمام الأشرار، يعني يقتدي به الأشرار.

والجملة ظاهرة إذا لم تكن صريحة في مدح مَنْ اقتدى بهعليه‌السلام وهم شيعته.

والمقصود من الأخيار واضح، فالخير خلاف الشرّ، وجمعه خيور، والأخيار خلاف الأشرار(4) .

وورد في الزيارة الجامعة الكبيرة أنّ أهل البيتعليهم‌السلام : دعائم الأخيار.

الثالثة: وعيبة الأنوار، والمقصود من العَيْبَة مستودع الثياب، أو مستودع

____________________

1- سورة الأنبياء / 73.

2- سورة القصص / 41.

3- تفسير البرهان 5 / 237 ح2، بصائر الدرجات / 52 ح2، الكافي 1 / 216 باب أنّ الأئمّة في كتاب الله إمامان ح2، الاختصاص / 21، تفسير القمّي 2 / 170 - 171، تفسير نور الثقلين 4 / 130 ح75، بحار الأنوار 24 / 155 - 156 ح13 عن تفسير القمّي.

4- مجمع البحرين 3 / 294 - 295.

١٤٧

أفضل الثياب، وعَيْبة العلم على الاستعارة، ومنه (الأنصار كرشي وعيبة علمي)(1) .

وقد تكرّرت هذه الكلمة في كلام أهل البيتعليهم‌السلام في عدّة موارد، منها ما ورد في الزيارة الجامعة: (السّلامُ على الأئمّةِ الدُّعاةِ، والقادةِ الهُداةِ، والسَّادَةِ الوُلاةِ، والذَّادةِ الحُماةِ، وأهلِ الذّكرِ، وأُولي الأمرِ، وبقيّةِ اللهِ وخِيرَتِهِ، وحزبِهِ وعَيْبَة عِلْمِهِ).

فيمكن أن يكون المقصود من عَيْبة الأنوار أنّ الإمامعليه‌السلام صندوقاً لأسرار الله التي لا يحتملها ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل، ولا يجوز إفشائها، كما جاء في جملة (وحفظة سرِّ الله) في الزيارة نفسها(2) .

الرابعة: ووراث السكينة والوقار، والحكم والآثار، تشير هذه الفقرة من الزيارة إلى الكمالات الخارجية، والصفات النفسّانية.

فالمقطع الأوّل (وارث السكينة والوقار) فيه إشارة إلى أنّ أهل البيت (عليهم وعلى أبيهم رسول الله آلاف التحية والسّلام)، يتوارثون الكمالات بعضهم من بعض( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) (3) .

فهكذا كان إمامنا الكاظمعليه‌السلام قد ورث من آبائه الطيّبين، وأجداده المطهَّرين السَّكينة والوقار، والهيبة والاقتدار، حتى أنّه كان يهيمن على أشدّ

____________________

1- مجمع البحرين 2 / 130.

2- انظر الأنوار اللاّمعة في شرح الزيارة الجامعة / 64 و92.

3- سورة آل عمران / 34.

١٤٨

أعدائه فيهيبوه.

ومن هنا روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) أنّه لمّا جاء الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام ذات مرّة إلى قصر الرشيد في حادثة ليس هذا محلّ تفصيلها، فما أن رآه الرشيد حتى رمى بنفسه عن دابته إجلالاً وهيبة له، وأخذوا ينظرون للإمامعليه‌السلام بالهيبة والإعظام والإكبار.

ولذا اعترض بعض حاشية الرشيد عليه قائلين: يا أمير المؤمنين، مَنْ هذا الرجل الذي قد عظّمته وأجللته، وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته، وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه ثُمَّ أمرتنا بأخذ الركاب له؟

قال: هذا إمام الناس، وحجّة الله على خلقه، وخليفته على عباده.

فقلت: يا أمير المؤمنين، أوَ ليست هذه الصفات كلّها لك وفيك؟

فقال: أنا إمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حقّ، والله يا بُني إنّه لأحقّ بمقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منّي ومن الخلق جميعاً، ووالله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك؛ فإنّ الملك عقيم(1) .

وأمّا الفقرة الثانية من هذه الجملة فتشير إلى الكمالات النفسية والعلمية التي كان يحملها الإمام الكاظمعليه‌السلام ، من حِكَم وعلوم لا يمكن لأحد أن يتصّف بها إلاّ مَنْ كان على شاكلتهمعليهم‌السلام .

فمن حِكَمه البليغة ومواعظه العظيمة، ما قاله عند قبرٍ حَضَرَه: « إنّ شيئاً هذا

____________________

1- عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 / 85 - 86، مدينة المعاجز 6 / 337، الاحتجاج 2 / 166، بحار الأنوار 48 / 131.

قال في مجمع البحرين 3 / 227، وقولهم: (الملك عقيم)، أي لا ينفع في طلبه نسب ولا صداقة؛ فإنّ الرجل يقتل أباه وابنه على الملك، فكأنّه سدّ باب الرعاية والمحافظة.

١٤٩

آخره لحقيقٌ أن يُزهَدَ في أوّله، وإنّ شيئاً هذا أوّله لحقيقٌ أن يُخافَ آخرُه»(1) .

ومنها: أنّه قالعليه‌السلام : « كلّما أحدث الناس من الذنوب ما لم يكونوا يعملون، أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعدون»(2) .

ومن آثارهعليه‌السلام اشتهاره بالإخبار بالمغيّبات.

فمنها: ما رواه إسحاق بن عمار أنّه قال: سمعت العبد الصالح ينعى إلى رجل نفسَه، فقلت في نفسي: وإنّه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته؟

فالتفت إليّ شبه مغضب، فقال: « يا إسحاق، قد كان رُشَيد الهجري يعلم علم المنايا والبلايا، والإمام أولى بعلم ذلك».

ثُمَّ قال: « يا إسحاق، اصنع ما أنت صانع؛ فإنّ عمرك قد فُنِي، وإنّك تموت إلى سنتين، وإخوُتك وأهلُ بيتِك لا يلبثون بعدك إلاّ يسيراً حتى تتفرّق كلمتهم، ويخون بعضهم بعضاً حتى يشمت به عدوّهم، فكان هذا في نفسك؟».

فقلت: إنّي استغفر الله بما عرض في صدري، فلم يلبث إسحاق بعد هذا المجلس إلاّ يسيراً حتى مات، فما أتى إلاّ قليل حتى قام بنو عمّار بأموال الناس فأفلسوا(3) .

الخامسة: الذي كان يُحيِي الليلَ بالسهرِ إلى السحرِ بمواصلةِ الاستغفارِ،

____________________

1- تحف العقول / 408، معاني الأخبار / 343 عنه بحار الأنوار 70 / 103 ح91 و75 / 320 ح9.

2- علل الشرائع 2 / 522، تحف العقول / 410، بحار الأنوار 75 / 322 ح21.

3- الكافي 1 / 484، باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام ح7، كشف الغمّة 3 / 35 - 36، مدينة المعاجز 6 / 215 ح23، بحار الأنوار 42 / 139 ح20 عن كشف الغمّة، و48 / 69 ح91 عن الكافي.

١٥٠

حَليفِ السجدةِ الطويلةِ، والدموعِ الغزيرةِ، والمناجاتِ الكثيرةِ، والضراعةِ المتّصلةِ.

وهذه هي الفقرة الأخيرة من المقطع الذي اقتطعناه من الزيارة، والفقرة بكاملها تشير إلى الكم والكيف الذي كان عليه الإمام في عبادتهعليه‌السلام لله جلّ جلالُه، حتى قال عنه الخطيب البغدادي: كان موسى بن جعفر يُدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده.

وروى أصحابنا أنّه دخل مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فسجد سجدة في أوّل الليل، وسُمِع وهو يقول في سجوده: « عَظُمَ الذنبُ عندي، فليَحْسُنِ العفوُ عندك، يا أهلَ التقوى ويا أهل المغفرة».

فجعل يردّدها حتى أصبح(1) .

وروى الشيخ الصدوق عن عبد الله القروي أنّه قال: دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح، فقال لي: ادْنُ، فدنوتُ حتى حاذيته.

ثُمَّ قال لي: اشرفُ على البيت في الدار، فأشرفت.

فقال: ما ترى في البيت؟

قلت: ثوباً مطروحاً.

فقال: انظر حسناً.

فتأمّلت ونظرت، فتيقّنت فقلت: رجلاً ساجداً.

فقال لي: تعرفُه؟

قلت: لا.

قال: هذا مولاك.

قلت: ومَنْ مولاي؟

فقال: تتجاهل عليَّ؟

فقلت: ما أتجاهل، ولكنّي لا أعرف لي مولى.

فقال: هذا أبو الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام ، إنّي أتفقّده الليل والنهار، فلم أجده في وقت

____________________

1- تاريخ بغداد 13 / 29.

١٥١

من الأوقات إلاّ على الحال التي أخبرك بها.

إنّه يصلّي الفجر، فيعقّب ساعة في دبر صلاته إلى أن تطلع الشمس، ثُمَّ يسجد سجدة فلا يزال ساجداً حتى تزول الشمس، وقد وَكّل مَنْ يترصّد له الزوال، فلست أدري متى يقول الغلام: قد زالت الشمس إذ يثب، فيبتدي بالصلاة من غير أن يجدّد وضوءاً، فأعلمُ أنّه لم ينم في سجوده ولا أغفى.

فلا يزال كذلك إلى أن يفرغ من صلاة العصر، فإذا صلّى العصر سجد سجدة، فلا يزال ساجداً إلى أن تغيب الشمس، فإذا غابت الشمس وثب من سجدته فصلّى المغرب من غير أن يحدث حدثاً، ولا يزال في صلاته وتعقيبه إلى أن يصلّي العتمة، فإذا صلّى العتمة أفطر على شوي يُؤتَى به، ثُمَّ يجدّد الوضوء، ثُمَّ يسجد، ثُمَّ يرفع رأسه، فينام نومة خفيفة.

ثُمَّ يقوم فيجدد الوضوء، ثُمَّ يقوم فلا يزال يصلّي في جوف الليل حتى يطلع الفجر، فلست أدري متى يقول الغلام: إنّ الفجر قد طلع، إذ قد وثب هو لصلاة الفجر، فهذا دأبه منذ حُوِّل لي.

فقلت: اتقّ الله ولا تُحدِثَنَّ في أمره حدثاً يكون منه زوال النعمة، فقد تعلم أنّه لم يفعل أحدٌ بأحدٍ منهم سوءاً إلاّ كانت نعمته زائلة(1) .

وهكذا كان ديدنه في السجن، ويدعو كثيراً بهذا الدعاء: « عظم

____________________

1- عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 / 98 - 99 ح15، روضة الواعظين / 216 - 217، مناقب آل أبي طالب 3 / 433، مدينة المعاجز 6 / 360 - 361 ح117، بحار الأنوار 48 / 107 و48 / 210 ح9 عن العيون و79 / 363 - 364 ح50، و82 / 317 - 318 ح1.

١٥٢

الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك»(1) .

وكانت ضراعته متصلة إلى الله بأن يفرّج عنه بما يحبّه الباري (عزّ وجلّ) بعد أن اعتاد على السجن والتنقّل فيه.

ولم يزل يُنقَل من سجن إلى سجن، فقد نُقِل من سجن الفضل بن الربيع إلى سجن الفضل بن يحيى، وفي كلِّ مرّةٍ كان الطاغية يأمر جلاوزته أن يضيّقوا على الإمام، ثُمَّ نُقِل إلى سجن أشدّ وأظلم، وهو سجن السندي، وقد عانى الإمام في هذا السجن أشدّ الآلام والأذى، وكان إذا ضاق نفس الإمام لضيق الطامورة يأتي إلى بابها، وكان فيها فتحة؛ ليستنشق الهواء منها، فإذا رآه السندي لطم الإمام على وجهه، وأرجعه إلى داخل الطامورة.

أفي أيِّ كفٍّ يلطمُ الرجسُ وجهَهُ

وما هي إلاّ فرعُ لطمةِ فاطم

وكتب الإمام من تلك الطامورة إلى علي بن سويد، وكان ابن سويد قد سأل الإمام عن مسائل كثيرة، فكتب إليه الإمام بعد ما أجابه عن مسائله: « إنّي أنعى إليك نفسي في الليالي هذه غير جازعٍ ولا نادم، ولا شاكّ فيما هو كائن من قضاء الله (جلّ وعزّ) وحتم، فاستمسك بعروة الدين آل مُحَمّد»(2) .

فما مضت تلك الليالي حتى بعث الطاغية هارون إلى السندي رطباً مسموماً؛

____________________

1- الإرشاد 2 / 231، كشف الغمة 3 / 20، بحار الأنوار 48 / 101.

2- مدينة المعاجز 6 / 283 ح8، بحار الأنوار 48 / 229 ح34.

١٥٣

لكي يُقدِّمه للإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام ، فامتثل اللعين أمر طاغيته وقدّم الرطب إلى الإمام، وأجبره على أكله.

فرفع باب الحوائج يده إلى السماء وقال: « يا ربّ، إنّك تعلم أنّي لو أكلتُ قبل اليوم كنت قد أعنتُ على نفسي».

ثُمَّ تناول رطبات فأكلها ثُمَّ أمتنع، فقال له السندي: زد على ذلك.

فرمقه الإمام بطرفه وقال: « حسبك قد بلغت ما تحتاج إليه».

فأخذ السّم يسري في بدن الإمام، وأخذ يعاني أشدّ الآلام في تلك الطامورة، وأحاط به الأسى والحزن؛ حيث لا أحد من أولاده وأهله وأحبّته عنده، وبقي على هذهِ الحال إلى أن فارقت روحُه الدنيا.

أي وا سيداه! وا إماماه! وا مسموماه!

عليه ضاگ الهوه ومل من حياته

ولا يعرف وكت بيه الصلاته

لمن سمّوه أوبيه صارت وفاته

عگب ما ذاب چبده وخلص بالسّم

ثلث تيام ظل من غير تغسيل

ما عنده عشيره النعشه اتشيل

شالوه للجسر أربع حماميل

أو بيه سمعت الناس أوغدت تلتم

اشحال ابنه الرضا لمّن گصد ليه

أوعاين للحديد أوشاف رجليه

ظل يبچي اعله حاله أوينحني اعليه

حتى انچتل بخريسان بالسّم

ثمّ جاؤوا بجنازته، فنادوا عليها بذلّ الاستخفاف: هذا إمام الرافضة.

١٥٤

ووضعوها على جسر الرصافة، وجاؤوا بالطبيب النصراني فأخبرهم أنّه مسموم:

ألف يا حيف ألف وأكثر وسافه

يظل نعشك على جسر الرصافه

وطبيب الگلّب ابچفك وشافه

ايگول أولا عشيره الهاذا تظهر

(أبوذية)

ابسجن يالكاظم العدوان سمّوك

وأنته قاضي الحاجات سمّوك

بالله يالتشيل النعش ساموك

صدگ ظل ابحديده ابن الزچيه

لكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله؛ ولذا يقول الشاعر:

يصرخ الناعي بگلب مالوم

ينده ودمع العين مسجوم

موسى بن جعفر مات مسموم

أو ودّع الدنيه مثل ها ليوم

لاچن أكول اتخفّ الهموم

مامات ومن الماي محروم

ولا سلبوا من عنده الهدوم

أولا بالحوافر سحگته الگوم

أويلاه يبو اليمه يمظلوم

العگبه انسبت زينب وچلثوم(1)

* * *

____________________

1- الأبيات للحاج معين السبّاك (رحمه الله) (وقد تقدّمت ترجمته).

١٥٥

بعضٌ بطيبةَ مدفونٌ وبعضُهُمُ

بكربلاءَ وبعضٌ بالغريّينِ

وأرضُ طوسٍ وسامرا وقد ضَمِنَتْ

بغدادُ بدرينِ حلاّ وسطَ قبرينِ

إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم،

وسيعلم الذين ظلموا آل مُحَمّد أيَّ مُنقلبٍ ينقلبون

والعاقبة للمتقين.

١٥٦

المجلس العاشر

في الإمام علي الرضاعليه‌السلام

١٥٧

١٥٨

المجلس العاشر: في الإمام علي الرضاعليه‌السلام

لِلهِ رُزءٌ هدَّ أركانَ الهُدى

من بعدِه قُل للرّزايا هُوني

حُطِمَتْ قَناةُ الشّرعِ حُزناً بعدَه

وبكتْ بِقَاني الدّمعِ عينُ الدّينِ

لِلهِ يومٌ لابنِ مُوسى زَلْزَلَ السّـ

بعَ الطِّباقَ فأعولَتْ بِرَنينِ

يومٌ بهِ أضحى الرّضا متجرِّعا

سُمّاً بكأسِ عَداوةٍ وظُغونِ

جَعلُوه في عِنَبٍ ورُمّانٍ لكي

يَخفى على علاّمِ كُلِّ مَصونِ

أَوما دروا أنَّ الخلائقَ طَوعُه

في عالمِ التكوينِ والتّدوينِ

لكنَّهُ لمّا دعاهُ مَن ارتضى

مثوىً له في دارِ عليّيِّنِ

فقضى عليه المجدُ حُزناً إذ قضى

والدّينُ ناحَ ومُحكمُ التبيينِ

فَمَنِ الـمُعزِّي في نَزارٍ أُسرةً

أَلِفَتْ شَبا بيضٍ وقبّ بُطونِ

هُبَّوا مِنَ الأجداثِ أنَّ عِداكُم

سَخِطَتْ لكم ضيماً على العِرنينِ

تركتْ بني طهِ وهُمْ أُمراؤُكم

قد غيبّتْ منكُم شُموسَ الدّينِ

وبطوسَ قبرٌ ضمَّ أيَّ مُعظّمٍ

أبكى الأمينَ عليه أيُّ خَئونِ(1)

* * *

____________________

1- القصيدة للشيخ عبد الحسين شكر (رحمه الله)، قال عنه السيّد جواد شبّر (رحمه الله) في أدب الطفّ: الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ أحمد بن شكر النجفي ابن الشيخ أحمد ابن الحسن بن محمد بن شكر الجباوي النجفي.

توفّي بطهران سنة 1285، وكان والده الشيخ أحمد من العلماء المصنّفين.

رثى أهل البيتعليهم‌السلام بقصائد كثيرة تزيد على الخمسين، منها روضة مرتّبة على الحروف، وشعره يرويه رجال المنبر الحسيني في المحافل الحسينية.

وقد تصدّى الخطيب الشهير الشيخ محمد علي اليعقوبي لجمع ما نظمه الشاعر في أهل البيتعليهم‌السلام من القصائد والمقاطيع من مديح ورثاء، فنشره في كراسة تناهز المئة

=

١٥٩

(نصّاري)

يعيني اعلى الرضا صبِّي الدمع دم

عزيز الروح بفراش المرض تم

خلص گلبه ابونينه أو مرّده السّم

وگع من ساعته او مدّد الرجلين

وگع من ساعته الله وكبر

على افراش المرض گلبه تفسّر

ونّ ونين طرّ گلب الصخر طر

على صوب المدينه مدّ اليمين

شبح عينه اونظر صوب المدينه

چنّه يومي إعليها ابيمينه

لن إبنه دخل ليه ابونينه

هو فوگه يحبّه على الخدين

شبك فوگه الجواد ابگلب ملهوف

اوعاين حالته واللون مخطوف

يبويه موتكم بسموم واسيوف

او لا بد ما نواسيكم العِدْلِين

* * *

____________________

صفحة.

وآل شكر أسرة قديمة من الأسر العربية الشهيرة بالنجف، عرفت باسم (شكر) أحد أجدادها الأقدمين، وأصلهم من عرب الحجاز. (أدب الطفّ 7 / 187 - 188).

١٦٠