مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)0%

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 272

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ كاظم البهادلي
تصنيف: الصفحات: 272
المشاهدات: 40547
تحميل: 5874


توضيحات:

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام) المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 272 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40547 / تحميل: 5874
الحجم الحجم الحجم
مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ولم ينحصر أسلوب ابن قياما الإعلامي هذا في هذه المرّة، بل راح يكرّر ذلك في مناسبات مختلفة، وكان الإمام يردّ عليه، ويدحض حُجَجه دائماً إلى أن قَطَعت ولادةُ الإمام الجوادعليه‌السلام دابر الفتنة.

ووصل بهم الحال أنّهم أنكروا كون الإمام الجواد ابناً للإمام الرضا، كلّ ذلك حسداً وجهلاً، وكان دليلهم الواهي هو عدم التشابه بين الإمام الجوادعليه‌السلام والإمام الرضاعليه‌السلام ويقولون: ما كان فينا إمام قطّ حائل اللون.

فقال لهم الرضاعليه‌السلام هو ابني، ولكن لم يقنعوا ثُمَّ عمدوا إلى القيافة المحرّمة وأرسلوا إلى القافة، وأظهر اللهُ الحقَّ، وفَشِلت دسائس ومؤامرات أعداء الدين الذين يرومون من كلّ ذلك إطفاء نور الله مرّة أُخرى؛ لاتهامهم الإمام الرضاعليه‌السلام بالعُقم.

وبعد ظهور الحقّ، وفشل المؤامرات في هذين الاعتراضين (العقم وعدم التشابه) جاؤوا بطريق آخر للتشكيك، وهو صغر عمر الإمام الجوادعليه‌السلام ؛ حيث إنّه (سلام الله عليه) كان أوّل إمام يبلغ الإمامةَ في طفولته(1) ، فمن الطبيعي أن يكون أوّل سؤال يخطر بالبال عند دراسة حياته هو أنّه كيف يمكن لحَدِثٍ أن يتحمّل مسؤوليّة، ومهمّة إمامة، وقيادة المسلمين الحسّاسة والكبيرة؟

____________________

1- وإن لم يكنعليه‌السلام هو الأخير، فقد بلغها ابنه الإمام الهاديعليه‌السلام بهذا السِنّ، أو أصغر، وتقلّدها الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) وهو لم يبلغ الست سنوات.

١٨١

وتبيّن من خلال دراسة حياة الإمام الجوادعليه‌السلام أنّ هذا التشكيك وصل به الأمر إلى أن يُطرَح كسؤال رسمي على الإمام الرضاعليه‌السلام ، وهنا نشير إلى بعض تلك الأسئلة.

منها: ما ذكره بعض أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام قال: كنت واقفاً بين يدي أبي الحسن الرضا بخراسان، فقال له قائل: يا سيدي، إن كان كون فإلى مَنْ؟

قال: « إلى أبي جعفر ابني».

فكأنّ القائل استصغر سِنّ أبي جعفر، فقال أبو الحسنعليه‌السلام : « إنّ الله تبارك وتعالى بعث عيسى بن مريم رسولاً نبيّاً، صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السِنّ الذي فيه أبو جعفر»(1) .

ومنها: بنفس المضمون مع إشارة الإمام الرضاعليه‌السلام إلى قوله تعالى في يوسفعليه‌السلام :( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً ) (2) ، وفي يحيىعليه‌السلام :( وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً ) (3)(4) .

وعلى الرغم من كلّ ما قيل حول إمكانية الوصول إلى المناصب الإلهية الكبيرة في حَدَاثة السِنّ، كانت مشكلة حَدَاثة سِنّ الإمام الجواد لا تزال غير محلولة، ليس لكثير من عوامّ الشيعة، بل أصبحت مثاراً للجدل لدى بعض

____________________

1- الكافي 1 / 322 باب النصّ على الإمام الجوادعليه‌السلام ح13، وص384 ح6، الإرشاد 2 / 279، إعلام الورى 2 / 94، روضة الواعظين / 237، كشف الغمة 3 / 145، تفسير نور الثقلين 3 / 334 ح68، مدينة المعاجز 7 / 277 ح11، بحار الأنوار 14 / 256 - 257 ح53 عن الكافي، و50 / 23 - 24 ح15 عن الإرشاد وإعلام الورى.

2- سورة يوسف / 22.

3- سورة مريم / 12.

4- الكافي 1 / 384، باب حالات الأئمّةعليهم‌السلام في السن ح7.

١٨٢

المقرّبين من الإمام أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ، حتى كتب الطبري الإمامي من علماء القرن الرابع الهجري: ولمّا بلغ سِنّه (الإمام الجواد) ست سنوات وبضعة شهور قتل المأمون أباه، فحار الشيعة، ووقع الخلاف بين الناس، واستصغروا سِنّ أبي جعفر، واحتارت الشيعة في البلاد(1) .

وقَرُب موسم الحجّ، واجتمع من فقهاء بغداد والأمصار، وعلمائهم ثمانون رجلاً، وقصدوا الحجّ والمدينة؛ ليشاهدوا أبا جعفر(2) ، فلمّا وافوا أتوا دار أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام فدخلوها، وأُجلسوا على بساطٍ كبير أحمر، وخرج إليهم عبد الله بن موسى عمّ الإمام الجوادعليه‌السلام ، فجلس في صدر المجلس، وقام منادٍ فنادى: هذا ابن رسول الله، فمَنْ أراد السؤال فليسأله.

فسُئل عن أشياء أجاب عنها بغير الواجب، فورد على الشيعة ما حيّرهم وغمّهم، واضطرب الفقهاء للقيام والانصراف، وقالوا: لو كان أبو جعفر يَكمُلُ لجواب المسائل لَمَا كان من عبد الله ما كان من الجواب بغير الواجب (أي الخطأ).

ففُتِح عليهم باب من صدر المجلس، ودخل مُوفّق وقال: هذا أبو جعفر، فقاموا إليه بأجمعهم، واستقبلوه وسلّموا عليه، فدخلعليه‌السلام فأجاب عنها بالحقّ، ففرحوا ودعوا له، وأثنوا عليه، وقالوا له: إنّ عمّك عبد الله أفتى

____________________

1- دلائل الإمامة / 204.

2- كنية الإمام الجوادعليه‌السلام ، وقد يُقال: أبو جعفر الثاني احترازاً عن الإمام الباقرعليه‌السلام .

١٨٣

بكيت وكيت، فقال: «... يا عمّ، إنّه عظيم عند الله أن تقف غداً بين يديه، فيقول لك: لِمَ تُفتِي عبادي بما لم تَعْلَم، وفي الأُمّة مَنْ هو أعلم منك»(1) .

وقال إسحاق بن إسماعيل - الذي كان يُرافق تلك الجماعة في هذه المسألة -: فأعددتُ له (للإمام الجواد) في رُقعة عشرَ مسائل، وكان لي حَمْلٌ، فقلت: إن أجابني عن مسائلي سألته أن يدعوَ الله أن يجعله ذكراً.

فلمّا سأله الناس قمت والرقعة معي؛ لأسأله، فلمّا نظر إليّ قال: « يا أبا يعقوب سمِّه أحمد»، فوُلِد لي ذكر فسمَّيتُهُ أحمد(2) .

تسبّب هذا اللقاء والحوار، واللقاءات المماثلة الأُخرى مع الإمام الجوادعليه‌السلام في اطمئنان الشيعة، واعتقادهم وإيمانهم التام بإمامته، وانقشعت سُحُب الغموض والشكّ من سماء فكرِهِم، وطلعت شمسُ الحقيقية.

وهكذا عندما قَدِم المأمون من طوس إلى بغداد، بَعَثَ برسالة إلى الإمام الجوادعليه‌السلام يدعوه بالقدوم إلى بغداد كوالده (سلام الله عليهما)، واقترح المأمون أن يزوّج ابنته أُمّ الفضل من الإمام الجوادعليه‌السلام ، فسكت الإمام.

فاعتبر المأمون أنّ هذا السكوت علامة لرضاهعليه‌السلام ، ونوى أن يُقيم حفلاً بهذه المناسبة ممّا أحدث ضجّة في أوساط العائلة العباسية؛ خوفاً من خروج دفّة الحكم، وأخذوا يُنقصون قدرَ الإمام الجوادعليه‌السلام ، بأنّه صبيّ لا معرفة له،

____________________

1- عيون المعجزات / 109 - 110، عنه بحار الأنوار 50 / 99 - 100 ح12، مدينة المعاجز 7 / 288 - 290 ح21.

2- دلائل الإمامة / 401 ح20، بحار الأنوار50 / 58 - 59 ح34، مدينة المعاجز 7 / 340 ح61.

١٨٤

فقال المأمون: هذا من أهل البيت، وعلمهم من الله، وإن شئتم فاختبروا وامتحنوا؛ لتعرفوا الحقيقة.

فاختار بنو العباس يحيى بن أكثم من بين العلماء؛ لشهرته العلمية، وأعدّ المأمون مجلساً لذلك، وقال ابن أكثم: أيأذنُ لي الأمير أن أسأل هذا الفتى؟

فأَذِن له المأمون، فقال يحيى للإمامعليه‌السلام : ما تقول في محرم قتل صيداً؟

وابتدأ الإمام يفصّل المسألة على جميع الفروض الممكنة لها حتى ذكر ما يُقارب عشرة فروع أو أكثر، ثُمَّ طلب بعض مَنْ بقي في المجلس مع المأمون وفي مقدمتهم ابن أكثم أجوبة الفروع، فأجابها عن بكرة أبيها.

ثمّ طلب المأمون من الإمام أن يسأل ابن أكثم، فسأله الإمامعليه‌السلام فَلَمْ يُجبْه، بل اكتفى بأن قال: ذلك إليك جُعلت فداك، فإن عرفت جواب ما تسألني عنه، وإلاّ استفدته منك(1) .

وبعد أن ظهر للناس خصوصاً العباسيين منهم فضل ومقام الإمام الجوادعليه‌السلام زوّج المأمون ابنته أُمّ الفضل من الإمامعليه‌السلام ، وانتقلت إلى دار الإمام سنة 215 هـ.

ومن الواضح أنّ هناك دوافع سياسية، وأغراض شيطانية وراء هذا الزواج يعود نتاجها على المأمون نفسه، نذكر بعضها:

1- وضع الإمام تحت سيطرته ومراقبته؛ ليعرف الصغيرة والكبيرة من

____________________

1- انظر تحف العقول / 415 - 453، بحار الأنوار 50 / 74 - 79 ح3، تفسير القمّي 1 / 182 - 184، إعلام الورى 2 / 101 - 103، كشف الغمة 3 / 145 - 150، الثاقب في المناقب / 505 - 507 ح1، مناقب آل أبي طالب 3 / 488 - 489، دلائل الإمامة / 391 ح5، الإرشاد 2 / 281 - 284، الاختصاص / 98 - 99، عيون المعجزات / 110 - 113.

١٨٥

أفعاله، وذلك عن طريق ابنته الخبيثة أُمّ الفضل.

2- إنّه أراد من هذا الزواج أن يربط - وحسب تصورّه الساذج - الإمام ببلاطه الذي يسوده المجون والخلاعة، ويجرّه إلى اللهو واللعب والفسوق، وبذلك يشوّه قداسة الإمام، ولِتسقط مكانته وعصمته.

3- إنّه أراد أن يرضي العلويين، ويضع حدّاً لمعارضتهم وثوراتهم، ويتظاهر بميوله إليهم.

4- إنّه أراد خداع عامّة الناس بأنّه سوف يكون جَدّاً لمولودٍ وَلَدَهُ رسولُ الله وعليُ بنُ أبي طالب، كما نقل المؤرّخون تصريحاً له بذلك.

لكن فشلت جميع المخطّطات، وشاء الله أن يكون أولاد الإمام الجوادعليه‌السلام جميعُهم من غير أُمّ الفضل الخبيثة بنت الخبيث.

وبعد هذا الزواج بثلاث سنوات هلك المأمون، أي في سنة 218 هـ، فأصبح المعتصم أخوه هو الخليفة بعده، وعلى القاعدة أرسل هذا الخبيث أن يأتوا بالإمام الجوادعليه‌السلام من المدينة إلى بغداد حتى يراقبه عن قرب.

وذات يوم من الأيام انعقد مجلس ضمّ مجموعة من علماء البلاط، ودار الحديث في تحديد قَطْع يدِ السارق، وكان في المجلس قاضي بغداد ابن أبي داود وفقهاء آخرون، وكان الإمام من ضمن الجالسين، وعندما طُرِحت المسألة على بساط النقاش فَنَّد الإمام الجوادعليه‌السلام جميع التحديدات التي ذكرها القوم بما فيهم القاضي ابن أبي داود، ثُمَّ ذكرعليه‌السلام الرأي الصحيح؛ ممّا

١٨٦

أخجل قاضي بغداد، وأخذه الحسد الشديد عليه، فجاء الخبيث بعد بضعة أيام للمعتصم محرِّضاً له على قتل الإمام، فتأثّر المعتصم - الذي كان يحمل العداء للإمام في داخله - بكلام ابن أبي داود فقرّر قتل الإمامعليه‌السلام (1) .

وهكذا احتال اللعين بقتل الإمامعليه‌السلام ، فأرسل إلى زوجته أُمّ الفضل ابنة المأمون، وأشار إليها بأن تسقيه السّم، وكانت هذه الخبيثة منحرفة عن الإمام شديدة العداوة له، وكان الإمامعليه‌السلام يميل لسمانة المغربية والدة الإمام الهاديعليه‌السلام ، والتي كانت عارفة بحقّ الإمام الجوادعليه‌السلام ، فوافقت أُمّ الفضل على سمّ الإمام، فأرسل إليها اللعين سمّاً قاتلاً، فأخذت السّم وجعلته في عنب رازقي(2) .

وكان الإمام صائماً، فلمّا تناول شيئاً تغيّر حاله وأحسّ بذلك، فقالعليه‌السلام : « ويلكِ! قتلتيني قاتلك الله».

ثُمَّ أخذ إمامنا يتقلّب على الأرض يميناً وشمالاً من شدّة الوجع، ويجود بنفسه، ويطلب جرعة من الماء، ويقول بصوت ضعيف: « ويلكِ! إذا قتلتيني فاسقيني شربة من الماء».

فما سقت الإمامعليه‌السلام الماء، بل أغلقت الباب وخرجت من الدار، فبقي الإمام يوماً وليلةً يعالج سكرات الموت حتى قَضى نحبه، ولقي ربّه(3) .

رحم الله منْ نادى:

____________________

1- اعتمدنا في هذا البحث اعتماداً شبه كلّي على كتاب سيرة الأئمّة - للبيشوائي (حياة الإمام الجوادعليه‌السلام ) / 473 - 502.

2- عيون المعجزات / 118، عنه مدينة المعاجز 7 / 406 ح105، بحار الأنوار 50 / 16 - 17 ح26.

3- نور الأبصار / 269 - 278.

١٨٧

وا سيّداه! وا إماماه! وا مسموماه!

ظل نايم طريح اشلون محتار

طول الليل وحده ايون على الدار

بس صلّى الفجر واتگبل أو دار

راسه وسّده او مدّد الرجلين

أويلي سمّته او طلعت من الدار

اوظل وحده يعالج ليل وانهار

عگب موته اليهل ادموعنه اعمار

ثلث تيام جسمه ابلا دفن تم

وبعد أن قضى نحبه أمر المعتصم بأن يرموا جسده الشريف من أعلى السطح إلى الأرض، ومنع الناس أن يحملوه ويشيّعوه ويدفنوه ويدنوا منه، وبقي جسده على الأرض أياماً بلا غسل ولا كفن ولا دفن، فاجتمعت الشيعة، وحلفوا على أن يُقتَلُوا دونه أو يدفنوه.

فقال المعتصم: دعوهم وما يريدون، فعملوا له شأناً عظيماً حتى دفنوه في الظاهر، والفعل كان في الواقع من الإمام الهاديعليه‌السلام ، حيث جاء من المدينة بطيّ الأرض إلى بغداد.

اجو يمّه ابحنين ولطم على الراس

طلعوا بالجواد اوفزعت الناس

لمن غسّلوا صاحب النوماس

حفوا بالگبر كلهم محزنين

* * *

١٨٨

(موشّح)

منجسم وينوح لمصابه العرش

والملايك تحن واينوح الوحش

آه يوم الحفّت ابذاك النعش

اوضجّت اتصيح النسه أوتبچي الزلم

بچت كلها اوحفّت اطيور الفله

أو علي الهادي اتعنّه ليه أوغسّله

بس أبو السجّاد ظل ابكربله

أو بالشمس مطروح من عنده الجسم

وكأنّي بالحوارء زينبعليها‌السلام تقول بلسان الحال:

يا ناس ضيّعت البصيره

او مثل حيرتي ما جرت حيره

ابن والدي ماله عشيره

يغسلونه اويچفنونه اويدفنون

* * *

قد قُطعت أوصالُه يا للهُدى

بشبا الأعادي أيّما تبديد

إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم،

وسيعلم الذين ظلموا آل مُحَمّد أيَّ مُنقلبٍ ينقلبون

والعاقبة للمتقين.

١٨٩

١٩٠

المجلس الثاني عشر

في الإمام علي الهاديعليه‌السلام

١٩١

١٩٢

المجلس الثاني عشر: في الإمام علي الهاديعليه‌السلام

عُجْ على سُرّ مَن رأى تلقَ فيها

عَلَماً تهتدي بهِ ومنَارا

قُلْ لهُ أيُّها الإمام سَلاماً

لك منّي الولا سِرّاً جِهارا

يا أبا العسكريِّ حَقِّقْ رجائي

وأقلني يا ابنَ الجوادِ العِثارا

كُنْ شَفيعي عندَ الإلهِ إذا ما

جئتُ في الحشر أحملُ الأوزارا

لذتُ فيكُم إذ ليسَ يخشى مِنَ

الأهوالِ مَنْ لاذ فيكُم واستجارا

سادتي مَنْ لنا سواكم وإنّا

نَرتجيكُم جِدّاً إذا الدهرُ جارا

ولنا أنتم هُداةٌ كِرامٌ

وبكُم في المَعادِ نُكفَى النّارا

كيف عانيتم الأذى من عِداكُم

أبعدَ اللهُ تلكُمُ الأشرارا

يا حفيدَ الرّضا عليَّ الهادي

قدْ ذكرَناك ليلنَا والنّهارا

عَزَّ يا سّيدي أساكَ علينا

حيثُ أجرى دُموعَنا مِدرارا(1)

* * *

____________________

1- الأبيات الأربعة الأولى للشاعر المرحوم محمد علي اليعقوبي (رحمه الله)، وبقية الأبيات للشيخ الأستاذ محسن الفاضلي (حفظه الله).

الشيخ محمد علي اليعقوبي قال عنه السيّد جواد شبّر (رحمه الله) في أدب الطفّ: الشيخ محمد علي ابن الشيخ يعقوب أديب خطيب، وباحث كبير، علم من أعلام الأدب، وسند المنبر الحسيني، له اليد الطولى في توجيه الناس وإرشادهم، ولا زالت مواعظه حديثاً معطّراً لا يكاد يملّه جليسه، فمن أشهى الأحاديث حديثه، وما جلس إلاّ وتجمّع الناس حوله من الأدباء وأهل الذوق الأدبي، يتوقعون منه نوادره ومِلَحه وأحاديثه الشهيّة.

ولد في النجف الأشرف في شهر رمضان 1313هـ، ونشأ برعاية والده الخطيب التقي، والواعظ الشهير، وهاجر والده إلى الحلّة الفيحاء فنشأ المترجم له في منهل صباه، ومطلع شبابه في مدينة الأدب والشعر، وكان عندما يختار له والده القصيدة ويحفظها ينشدها في الجامع الذي يصلّي فيه العلاّمة السيّد محمد القزويني، بمحضر من المصلّين هناك، وبعد أداء الفريضة....

اليعقوبي في كلّ ما يقول من نظمٍ ونثر سهلٌ ممتنع لا تكاد تفوته مناسبة من المناسبات إلاّ ونظم البيتين والثلاث، أو القطعة المسكوكة كسبيكة الذهب....

من مؤلّفاته ديوان شعره (الذخائر)، يحتوي على خمسين قصيدة ومقطوعة، نظمها في أهل البيتعليهم‌السلام مدحاً ورثاءً، وقد طُبعت سنة 1369هـ، وأوصى (رحمه الله) أن يكون معه في قبره.

ومنها البابليات وغيرها.

في فجر يوم الأحد 21 جمادي

=

١٩٣

امصايب هلك يا لمحجوب

من عدها تشوغ الروح

وحده اتزود عن وحده

البالسّم مات والمذبوح

مثل هظمة علي الهادي

الخلّت كل گلب مجروح

من يثرب يجيبونه***ابخان الذلّ يحطّونه***مگصدهم يهينونه

إيخَسُون، الله رفع شانه

أو شع للعالم ابنوره

ظهرت له معاجز كون

بأمر الله فلا تنعد

اِحْسِدَه خصمه اِحبَسَاه اوليه

ما خلّه يطب أحد

حتى الرجس جار اعليه

سمّه اوچبده اتمرّد

مات ابديرة الغربه***والغربه تره صعبه***أوفگده أفجع الحَبَّه

____________________

=

الثانية 1385هـ الموافق 17/10/1965م، سكت هذا اللسان وأنطفأ هذا الضوء؛ فقد ودّع الحياة عن 73 عاماً.

فنعته الجمعيات في النجف، وفي مقدّمتها جمعية الرابطة الأدبية؛ إذ فقدت عميدها، وأُقيمت له الفواتح في كثير من البلدان العراقية وغيرها. (أدب الطفّ 10 / 194 - 197).

١٩٤

قال تعالى في محكم كتابه الكريم:( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ ) (1) .

هاتانِ الآيتانِ من سورة الأنبياءعليهم‌السلام تتحدّثان عن أمرٍ قضاه الله تبارك وتعالى، وأخبر به نبيَّه الأكرم مُحَمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجعل هذا الأمر فيه كمال التبليغ لخصوص العابدين من عباده (عزّ وجلّ).

أمّا ما هو الأمر، وما هي حقيقته؟

فالجواب: هو وراثة الأرض للعباد الصالحين.

ومن هنا وقع الكلام في أمور عديدة:

أوّلاً: ما هو المقصود من الزبور والذكر؟

اختلف العلماء والمفسّرون اختلافاً كبيراً في بيان المقصود من الزبور والذكر في الآية المباركة، فذهب البعض إلى أنّ المقصود من الزبور هو زبور داودعليه‌السلام مستدّلاً بقوله تعالى:( وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً ) (2)(3) .

وقال البعض الآخر: أنّ الزبور هو مطلق الكتب السماوية؛ لأنّ كلمة الزبور معناها الكتاب.

____________________

1- سورة الأنبياء / 105 - 107.

2- سورة النساء / 163.

3- وقد وردت في الزبور بعض العبارات التي فيها الإشارة إلى هذا المعنى، مثل: أمّا الودعاء فيرثون الأرض ويتلذّذون في كثرة السلامة. ومثل: لأنّ المتبرّكين بالله سيرثون الأرض، أمّا الملعونون فسينقطع أثرهم. انظر تفسير الأمثل 10 / 258.

١٩٥

وذهب قوم آخرون إلى أنّ المقصود من الزبور هو خصوص القرآن الكريم.

وأمّا المقصود من الذكر، فهو لا يقلّ اختلافاً عن الزبور، فقد ذهب البعض إلى أنّ المقصود بالذكر هو التوراة، وذهب البعض الآخر إلى أنّ المقصود هو اللوح المحفوظ، والثالث أنّه القرآن الكريم.

وتُذكر في المقام قرينة على أنّ المقصود هو القرآن؛ وذلك لتسميته الذكر في أكثر من موضع، مثل قوله تعالى:( إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ) (1) .

وقد واجه هذا الرأي مشكلة تفسيرية، وهو أنّ التعبير (من بعد) في الآية يشعر بتقدّم الذكر على الزبور، فكيف يمكن الجمع بين تفسير الذكر بالقرآن، وأنّ الزبور نزل بعده؟

وهذا الإشكال قد يُدفَع بأن يكون المقصود من البعدية هي البعدية الرتبية، وأنّ مقام القرآن يحتل المرتبة الأولى بين الكتب السماوية، لا أنّ المقصود هو الرتبة الزمانية(2) ، أو أن يكون القرآن هو أقدم كتاب سماوي، قِدَمُه بقِدَمِ صاحبهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثانياً: ما هو المقصود من وراثة الأرض؟

أمّا المقصود من الوراثة: فهي - على ما نصّ عليه الراغب الأصفهاني في

____________________

1- سورة التكوير / 27.

2- انظر تفسير الرازي 22 / 229، تفسير الميزان 14 / 329 - 330.

١٩٦

مفردات القرآن - انتقال قُنْية إليك عن غيرك من غير عقد، ولا ما يجري مجرى العقد.

وسُمِّي بذلك المُنتقِل عن الميِّت، فيقال للقُنْية الموروثة ميراث وإرث(1) .

وأمّا المقصود من وراثة الأرض فهو انتقال التسلّط على منافعها إلى العباد الصالحين، واستقرار بركات الحياة بها فيهم.

وهذه البركات إمّا دنيوية راجعة إلى الحياة الدنيا، كالتمتّع الصالح بأمتعتها وزينتها، فيكون مؤدّى الآية أنّ الأرض ستطهُرُ من الشرك والمعصية، ويسكنها مجتمع بشري صالح، يعبدون الله ولا يشركون به شيئاً، كما يشير إليه قوله تعالى:( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ ) (2) .

وأمّا بركات أُخروية، وهي مقامات القرب التي اكتسبوها في حياتهم الدنيا، فإنّها من بركات الحياة الأرضية، وهي نعيم الآخرة، كما يشير إليه قوله تعالى حكاية عن أهل الجنّة:( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء ) (3) ، وقوله تعالى:( أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ ) (4) .

____________________

1- مفردات القرآن / 863.

2- سورة النور / 55.

3- سورة الزمر / 74.

4- سورة المؤمنون / 11.

١٩٧

وبما أنّ الوراثة يمكن حملُها على المعنيين من الدنيوية والأخروية، فلا مبرّر لحصرها بأحدهما دون الأخرى؛ لأنّ الإطلاق يدفع التقييد(1) .

وثالثاً: مَنْ هم العباد الصالحون الذين يرثون الأرض؟

وقبل الجواب عن هذا السؤال ينبغي الالتفات إلى أنّ إضافة العباد إليه (عزّ وجلّ) فيها مزيد من العناية، وبملاحظة كلمة الصالحين يتّضح أنّ هؤلاء العباد لهم كلّ المؤهّلات، كالمؤهّلات العلمية والعبادية والاجتماعية، وليسوا أناساً من عامّة العباد.

ومن هنا ورد عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام بعض الروايات تشير إلى العباد الصالحين، ويمكن تصنيفها إلى صنفين:

الصنف الأوّل: إنّ المقصود من العباد الصالحين هم أهل البيت عموماً، يعني مُحَمّداً وآلَ مُحَمّدعليهم‌السلام ، كما رُوِيَ ذلك عن الإمام أبي جعفر الباقرعليه‌السلام قال: « قوله (عزّ وجلّ):( أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) هم آلُ مُحَمّدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله »(2) .

الصنف الثاني: هم المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) وأصحابه (رضوان الله تعالى عليهم)، كما رُوِيَ عن أبي جعفرعليه‌السلام أيضاً(3) .

____________________

1- انظر تفسير الميزان 14 / 330.

2- تفسير البرهان 5 / 256 ح2، تأويل الآيات 1 / 332 ح19 و21، بحار الأنوار 24 / 358 ح78.

3- تفسير البرهان 5 / 257 ح5 و6، تفسير القمّي 2 / 77، التفسير الصافي 3 / 357، تفسير نور الثقلين 3 / 464 ح189، تأويل الآيات 1 / 332 ح22، بحار الأنوار 14 / 37 ح12 عن تفسير القمّي.

١٩٨

ولا منافاة بين الصنفين لإمكان الجمع في البين، كما هو واضح جدّاً.

وقد دلّت بعض الروايات على أنّ أهل البيتعليهم‌السلام عندهم مواريث ما عند جميع الأنبياء؛ لكونهم خاتمة الأوصياء، وكلّ نبيّ يُورِّث ما عنده لوصيه، وهكذا يصل إلى النبيّ الذي بعده، وبما أنّ خاتم النبيّين هو نبيّنا الأكرم مُحَمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخاتم الأوصياء هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمّة من ذريّته بعدد نُقباء بني إسرائيل؛ فلذا يقتضي أن يكون عندهم جميع ما عند الأنبياء والأوصياء من علوم وأسرار ممّا وهبه الباري (عزّ وجلّ) لهم؛ لأنّهم عباد مكرمون، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.

ومن هذه الروايات الشريفة ما رُوِيَ عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال: « قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا سيّد النبييّن، ووصييّ سيّدُ الوصييّن، وأوصياؤُهُ سادة الأوصياء»(1) .

ومنها: حديث اللوح المصرِّح بأسمائهمعليهم‌السلام (2) .

ومنها: ما رُوِيَ عن إمامنا الهاديعليه‌السلام في الزيارة الجامعة الكبيرة (وورثة الأنبياء)، فقد فسّرها بعض العلماء بما ذكرناه آنفاً من أنّهمعليهم‌السلام ورثوا علوم

____________________

1- الإمامة والتبصرة /21 ح1، من لا يحضره الفقيه 4 / 174 - 175 ح5402، أمالي الشيخ الصدوق / 486 - 487 ح3، كمال الدين وتمام النعمة / 311 - 312 ح1، أمالي الشيخ الطوسي / 442 ح48، بشارة المصطفى / 136 ح87، بحار الأنوار 23 / 57 ح1.

2- الإمامة والتبصرة / 12 ح18 و 103 ح27، الكافي 1 / 527 باب النصّ على الأئمّةعليهم‌السلام ح3، عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 / 48 - 49 ح2، كمال الدين وتمام النعمة / 308 ح1.

١٩٩

جميع الأنبياء وآثارهم، حتى التابوت والألواح، وعصى موسى، وخاتم سليمان، وعمامة هارون(1) .

فعن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: « قال لي: يا أبا مُحَمّد، إنّ الله (عزّ وجلّ) لم يُعطِ الأنبياء شيئاً إلاّ وقد أعطاه مُحَمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد أعطى مُحَمّداً جميع ما أعطى الأنبياء، وعندنا الصحف التي قال تعالى:( صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ) ».

قلت: جعلت فداك هي الألواح؟

قال: « نعم»(2) .

وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه سأله عن قول الله (عزّ وجلّ):( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ ) ما الزبور، وما الذكر؟

قال: « الذكر عند الله، والزبور الذي أُنزِل على داود وكلّ كتاب نزل فهو عند أهل العلم ونحن هم»(3) .

وعندما نمرّ بحياة الإمام أبي الحسن الهاديعليه‌السلام ، نجده المثال الجلي لعباد الله الصالحين الذين كتب الله وراثتهم للأرض، وجعل هيبته تسيطر على كلّ أحد يراه، ولو كان من أعدائه المعاندين له.

ومن هنا رُوي عن مُحَمّد بن الحسن الأشتر العلوي أنّه قال: كنت مع أبي على باب المتوكّل وأنا صبيّ في جمع من الناس ما بين طالبي إلى عباسي وجعفري، ونحن وقوف إذ جاء أبو الحسن فترجّل الناس كلّهم حتى دخل،

____________________

1- الأنوار اللامعة في شرح الزيارة الجامعة / 55 - 58.

2- بصائر الدرجات / 156 ح5، الكافي 1 / 225 ح5، عنه بحار الأنوار 17 / 133 ح9 و 26 / 184 ح14 عن البصائر.

3- الكافي 1 / 225 - 226 ح6، التفسير الصافي 3 / 357، تفسير نور الثقلين 3 / 464 ح192 عن الكافي.

٢٠٠