مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)0%

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 272

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ كاظم البهادلي
تصنيف: الصفحات: 272
المشاهدات: 40517
تحميل: 5867


توضيحات:

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام) المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 272 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40517 / تحميل: 5867
الحجم الحجم الحجم
مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بس إبنك المظلوم ظل ابكربله اطعين

مرمي ثلث تيام برض الغاضريه(1)

(نصّاري)

ثلث تيام برض الغاضريه

أبو السجاد ظل جسمه رميه

أو راسه منگطع چبد الزچيه

وابدمه عزيز امّه معفّر

* * *

(تخميس)

صبروا يا كربلا ما جزعوا

وعن الماء جميعاً مُنعوا

آل طه أيَّ جُرمٍ صنعوا

كم على تُربِكَ لما صُرّعوا

من دمٍ سال ومن دمعٍ جرى

إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم،

وسيعلم الذين ظلموا آل مُحَمّد أيَّ مُنقلبٍ ينقلبون

والعاقبة للمتقين.

____________________

1- مجمع المصائب 4 / 37 - 39.

٢١

٢٢

المجلس الثاني

في الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام

٢٣

٢٤

المجلس الثاني: في الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام

قُل لِشهرِ اللهِ قدْ أفجعْتَنْا

بأبي السّبطين والصبرُ نفَدْ

لستُ أنساهُ يُناجي ربَّه

والدُجى مدَّ رواقاً وعقدْ

يرقُبُ النّجمَ ويدعو قائلاً

إنَّ هذا ما بهِ الهادي وعدْ

ثُمّ لمّا أنْ قضى ليلتَه

ساهرَ الجفنِ بطرْفٍ ما رقدْ

جاء يسعى والقضا يرصُدهُ

إنَّ للموتِ عيوناً ورصدْ

وتراءى الموتُ بالبابِ لهُ

حِينَ للميزر عِندَ البابِ شَدْ

وأتى المسجدَ مقتولاً وفي

وجههِ ضوءُ القناديلِ خمدْ

وابتدى الفرض فصلّى السيفُ في

رأسه يهوي على جرح ابن ودْ

ونعاه جبرئيلُ قائلاً

هُدّمتْ واللهِ أركانُ الرَّشدْ(1)

* * *

____________________

1- القصيدة للمرحوم السيد مهدي الأعرجي (رحمه الله)، قال عنه السيّد جواد شبّر (رحمه الله) في أدب الطف:

السيّد مهدي الأعرجي ابن السيّد راضي ابن السيّد حسين ابن السيّد علي الحسيني الأعرجي البغدادي، ولد السيّد مهدي في النجف الأشرف سنة 1322 هـ ق، درس فنّ الخطابة على خاله الخطيب الشهير الشيخ قاسم الحلّي، زاول نظم الشعر وعمره أربعة عشر سنة، وأوّل قصيدة نظمها هي قصيدة في رثاء الإمام الحسن السبطعليه‌السلام :

قضى الزكي فنوحوا يا محبيه

وأبكو عليه فذي الأملاك تبكيه

درس العربية والعروض على العلاّمة الكبير شيخ الأدب السيّد رضا الهندي (رحمه الله)، توفّي السيّد مهدي سنة 1359 هـ ق غريقاً بشط الفرات في الحلّة يوم الخامس من شهر رجب، جمع ديوانه شقيقه الخطيب السيّد حبيب.

وللسيد الأعرجي ظرف وخفّة روح، بالرغم من الجهمة التي لا تُفارق محيّاه، فلا تكاد تفوته النادرة والنكتة.

وأمّا ولاؤه لأهل البيتعليهم‌السلام وتفانيه في حبّهم فهو من ألمع ميزاته، ولا زلت أتمثّله في المآتم الحسينية

=

٢٥

(موشّح)

سيف الله انطبر بالسيف

واتخضّب ابمحرابه

وأظلم كونها الفرگاه

أوماج العرش لمصابه

يا موت الزلم يا ليث

يلمنّك يهاب الموت

يا جاذب أرواح إعداك

إبيوم الحرب يا لاهوت

إشلون إجدام المرادي

لعد حدّك تصل واتفوت

وانته البالحرب فتّاك***حتى الگدر ما يدناك***تشهد لك مواضي اعداك

يوم الجدّلت بن ود

أو سيفك شتّت أحزابه

(أبوذية)

علي يا آية الباري وسمها

يمَنْ سيفك العدوانك وسمها

تضهدك طبرة الطاغي وسمها

عجب وانته الفحل حامي الحميه

* * *

____________________

=

يجهش بالبكاء، وقد أفنى عمره في خدمة المنبر الحسيني.(أدب الطفّ 9 / 193 - 198).

٢٦

روى ابن عباس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لعليعليه‌السلام : « لو أنَّ البحرَ مدادٌ، والغياضَ أقلامٌ، والإنسَ كتّابٌ، والجِنَّ حُسّابٌ، ما أحصَوا فضائِلَكَ يا أبا الحسن»(1) .

من المسلَّم عندنا نحن الإمامية نزاهة المعصوم عن الكذب جِدّه وهزله، بل وحتى المبالغة في الكلام، وإنّما المراد من قولهمعليهم‌السلام دائماً هو الحقيقة، إلاّ إذا دلّت دلائل قطعية أنّهمعليهم‌السلام في مقام التقيّة أو ما شاكل ذلك.

وإذا أراد المتكلّم الحديث عن فضائل ومناقب الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام يجد نفسه حائراً من أين يبدأ وإلى أين يسير ومتى ينتهي، ولكن ما أن يعثر على هذا الحديث الذي نقلته مصادر متعدّدة حتى يثلج صدره؛ لكونه وجد عذراً، وهو العجز.

والحقّ إنّنا عاجزون عن الإلمام والإحصاء لفضائلهعليه‌السلام ، بعد هذا التصريح من النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) في عدم إمكان ذلك.

فالنبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله كشف عن هذه الحقيقة الراسخة في أمير المؤمنينعليه‌السلام ؛ لكونه أعرف الناس به بعد الله سبحانه وتعالى.

والإمامعليه‌السلام هو كعيسى بن مريمعليه‌السلام الذي هو كلمة الله، كما أشارت إلى ذلك بعض

____________________

1- مناقب الخوارزمي / 328، ينابيع المودّة 2 / 285 مع تبديل غياض بـ(رياض) والمراد واحد، بحار الأنوار 40 / 75 ح113.

٢٧

الروايات في تفسير قوله تعالى:( وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ) (1) .

وقد روي عنهعليه‌السلام أنّها نزلت فيه، كما روى ربيعة بن ناجد عنهعليه‌السلام ذلك(2) .

وكلمات الله لا تنفد، فكذلك فضائل عليعليه‌السلام لا تنفد؛ لأنّه من تلك الكلمات التي قال تبارك وتعالى فيها:( قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً ) (3) ، وقوله تعالى:( وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ) (4) .

(والمقصود من ذلك: أنّ هذا البحر مع بحار متكثّرة منضمّة إليه لو صارت مواد، وصارت الأشجار كلّها أقلاماً لا يفي بكلمات الله وآياته وعلومه. إنّ الله عزيز، غالب قاهر على جميع ما سواه، فلا يعجز عن شيءٍ، حكيم يفعل ما يشاء وعلى وفق الحكمة فلا يشك عمّا يفعل، ومن جملته إفاضة العلوم الغير المحصورة على الوجه المذكور إلى وليّ الأمر)(5) .

____________________

1- سورة الزخرف / 57.

2- النور المشتعل / 220.

3- سورة الكهف / 109.

4- سورة لقمان / 27.

5- شرح أصول الكافي 6 / 9.

٢٨

فهذا العالم الجليل يصرّح بأنّه من مقتضى حكمته إفاضة العلوم غير المحصورة على الإمامعليه‌السلام ، وهذا منه عين الصواب؛ لأنّ إفاضة العلوم غير المحصورة هي من أمّهات الفضائل التي يشملها الحديث الذي افتتحنا به الكلام.

ولكن مع هذا كلّه، لا يمكن لنا أن نمرّ بمثل الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام من دون أن نطلعك على بعض فضائله ومناقبه؛ لأنّ ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه أو جلّه.

فنحن وإن عجزنا عن الإحصاء، كعجز الغياض والجنّ والبحار، فهذا لا يعني أنّنا لا نعرف شيئاً من هذه الفضائل؛ فقد حدّثنا التاريخ والسير عن فضائله من دون أن يدّعي أحد الإحصاء.

وفضائله عجيبة غريبة متضادّة؛ ولذا قال صفي الدين الحلّي:

جُمِعتْ في صفاتِك الأضدادُ

فلهذا عزَّت لك الأندادُ

زاهدٌ حاكمٌ حليمٌ شجاعٌ

فاتكٌ ناسكٌ فقيرٌ جوادُ

شِيَمٌ ما جُمعْنَ في بشرٍ قطْ

ولا حاز مثلَهنَّ العبادُ

خُلُقٌ يُخجِلُ النسيم من اللطف

وبأسٌ يذوبُ منه الجمادُ(1)

____________________

1- منتهى الآمال 1 / 304.

٢٩

الفضيلة الأولى: سبقه في الإسلام

وأوّل تلك الفضائل والمفاخر لهعليه‌السلام سبقه في الإسلام وتقدّمه، أو بعبارة أصح تجاهره بالإسلام القديم؛ لأنّهعليه‌السلام كان موحّداً منذ نعومة أظفاره، ولم يتلوّث بالوثنية بتاتاً؛ حتى يكون إسلامه عبارة عن الرجوع عن عبادة الأصنام، كما هو الحال عند أكثر الصحابة.

إنّ للسبق في الإسلام قيمة عوّل عليها القرآن الكريم وأشادَ بها، وقد أعلن صراحة بأنّ للسابقين في الإسلام منزلة وقيمة هناك، حيث يقول:( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (1) .

إنّ اهتمام القرآن الخاص بموضوع السبق في الإسلام، والتقدّم فيه بقدر من الأهمية حتى أنّه عدّ الذين آمنوا قبل فتح مكة، وقدّموا أنفسهم وأموالهم في سبيل الله أفضل من الذين آمنوا وجاهدوا بعد الفتح، حيث يقول الباري (عزّ وجلّ):( لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ) (2) ، فكيف بالذين آمنوا وأسلموا قبل الهجرة، وفي السنين الأولى من ظهور الإسلام؟

والسبب في أفضلية إيمان المسلمين قبل فتح مكة في العام الثامن من الهجرة، هو أنّهم آمنوا في الوقت الذي لم يبلغ الإسلام ذروة عظمته في

____________________

1- سورة الواقعة / 10 - 11.

2- سورة الحديد / 10.

٣٠

جزيرة العرب، ولم يزل مركز الوثنيين وعَبَدة الأصنام قائماً كقلعة صامدة، والأخطار تهدّد نفوس وأموال المسلمين من كلّ حدب وصوب...، وبهذا يتّضح جيّداً مدى قيمة الإيمان في تلك الفترة.

وقد يسأل سائل ما هي أدلّة سبق الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وتقدّمه في الإسلام؟

الجواب: هناك أدلّة عديدة نذكر بعضاً منها على سبيل المثال:

أوّلاً: قد صرّح نبيّ الإسلام، وقبل الكلّ بتقدّم الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وسبقه، حيث قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أوّلكم وروداً عليّ الحوض أوّلكم إسلاماً، علي بن أبي طالب»(1) .

ثانياً: ما ذكره الإمام نفسه حيث قال: «اللّهمّ إنّي أوّل مَنْ أناب وسمع وأجاب، ولم يسبقني إلاّ رسول الله بالصلاة»(2) .

وثالثاً: قالعليه‌السلام أيضاً: « أنا عبد الله، وأخو رسوله، وأنا الصِّدِّيق الأكبر، لا يقولها بعدي إلاّ كاذب مفتري، صلّيت مع رسول الله قبل الناس سبع سنين»(3) .

إلى غير ذلك من الأدلّة.

____________________

1- المستدرك على الصحيحين 3 / 136، كنز العمّال 11 / 616 ح32991، الكامل 4 / 291، الفصول المختارة / 262، المسترشد / 354، بحار الأنوار 38 / 256.

2- نهج البلاغة 2 / 13 - 14، بحار الأنوار 74 / 295، النزاع والتخاصم / 43.

3- الاحتجاج 1 / 206، نهج الأيمان / 515 - 516، تنبيه الغافلين / 83.

٣١

الفضيلة الثانية: جهادهعليه‌السلام

كان جهادهعليه‌السلام ، وعظيم بلائه في الحروب والغزوات أكثر من جميع المسلمين، ولم يصل أحد إلى درجته ومرتبته، فقد قتل في غزوة بدر الكبرى - وهي أوّل غزوة امتحن الله تعالى بها المؤمنين - الوليد وشيبة، والعاص وحنظلة، وطعمة ونوفل وغيرهم من صناديد العرب، وشجعان المشركين وفرسانهم حتى قتل نصف المشركين في تلك المعركة بيدهعليه‌السلام ، والنصف الآخر بيد المسلمين والملائكة التي نزلت لنصرتهم(1) .

وثبت في غزوة أحد، ولم يفرّ، وبقي محامياً عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يردّ عنه الأعداء حتى أُثخِنَ بالجراح، وقتل أبطال المشركين وصناديدهم، فنادى جبرئيلعليه‌السلام بين الأرض والسماء: (لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ علي)(2) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّه يوم الأحزاب الذي قتلعليه‌السلام فيه عمرو بن عبد ود، فوقع الفتح والظفر للمسلمين: « ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين»(3) .

وفي غزوة خيبر قتل مرحباً اليهودي، وأخذ باب الحصن فقلعها بيده

____________________

1- انظر شرح الأخبار1 / 262 - 266.

2- شرح الأزهار 4 / 526، الكافي 8 / 110، علل الشرائع 1 / 7، نهج الأيمان / 530، مناقب الخوارزمي / 37، ذكره في معركة بدر، ومثله في البداية والنهاية 7 / 372.

3- شرح أصول الكافي 12 / 412، ينابيع المودة 1 / 412 مع تغيير الثقلين بـ (أعمال أُمّتي إلى يوم القيامة).

٣٢

الشريفة، وقذفها مسافة أربعين ذراعاً فلم يقدر على رفعها أربعون نفراً، حتى قال ابن أبي الحديد ما دحاً إيّاهعليه‌السلام :

يا قالعَ البابَ الذي عن هزّها

عجزت أكفٌ أربعونَ وأربعُ(1)

وفي غزوة حنين خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في عشرة آلاف مقاتل، فتعجّب أبو بكر من كثرتهم فحسدهم، فانهزموا كلّهم، ولم يبقَ مع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ نفر كان على رأسهم علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقتل أبا جرول، فانهزم المشركون ورجع المسلمون المنهزمون(2) .

وقس على هذا باقي الغزوات والحروب التي ضبطها أرباب السير والتاريخ، فالمتتبّع لها يعلم كثرة جهادهعليه‌السلام ، وشجاعته وعظيم بلائه في تلك الغزوات(3) .

الفضيلة الثالثة: عبادتهعليه‌السلام

التي عجز عن وصفها الواصفون، فقد كانعليه‌السلام أعبد الناس، بل هو سيّد العابدين ومصباح المتهجّدين، كثير الصلاة، دائم الصوم، وقد تعلّم الأولياء منهعليه‌السلام إقامة الليل، والتهجّد وصلاة الليل والنوافل، وقد أوقدوا شمعة اليقين في الدين من مشعله الوضّاء، قد كَثُرت ثفنات جبينه النوراني من

____________________

1- القصائد السبع العلويات / 65، القصيدة السادسة البيت (40).

2- انظر إعلام الورى1 / 387، كشف الغمّة 1 / 222، الإرشاد 1 / 143.

3- منتهى الآمال 1 / 285 - 286.

٣٣

كثرة السجود، وقد بلغ في محافظته على النوافل - خصوصاً صلاة الليل - مبلَغاً لم يكن يتركها أبداً، حتى إنّه في حرب صفين في ليلة الهرير فرش نطعاً وأخذ يصلّي، والسهام تتساقط عن يمينه وشماله، لكنّه لم يتزلزل ولم يحصل في نفسه شيء منها، وبقي يداوم على الصلاة آنذاك حتى أتمّها(1) .

ولمّا أصابه سهم في رجله وأرادوا إخراجه صبروا حتى انشغلعليه‌السلام بالصلاة، ثُمَّ أخرجوه حتى لا يحسّ بالألم؛ لأنّه كان إذا صلّى ووقف بين يدي خالقه لم يلتفت إلى غيره أبداً، وقد ثبت أنّهعليه‌السلام كان يصلّي في كلّ ليلة ألف ركعة، ولقد كان يُغشَى عليه بعض الليالي خوفاً من الله وخشيته(2) .

وفي أمالي الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير قال: كنّا جلوساً في مجلس في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فتذاكرنا أعمال أهل بدر وبيعة الرضوان، فقال أبو الدرداء: يا قوم، ألا أخبركم بأقلّ القوم مالاً، وأكثرهم ورعاً، وأشدّهم اجتهاداً في العبادة؟

قالوا: مَنْ؟

قال: أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

ثمّ انتدب له رجل من الأنصار، فقال له: يا عويمر، لقد تكلّمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها.

فقال أبو الدرداء: يا قوم، إنّي قائل ما رأيت، وليقل كلّ قومٍ منكم ما رأوا، شهدتُ علي بن أبي طالب بشويحطات النجار وقد اعتزل عن مواليه، واختفى ممّن

____________________

1- انظر مناقب آل أبي طالب 1 / 388، حلية الأبرار 2 / 178 ح11، بحار الأنوار 41 / 17، وسائل الشيعة 4 / 246 - 247 ح2.

2- منتهى الآمال 1 / 295.

٣٤

يليه، واستتر بمغيلات النخيل، فافتقدته وبَعُد عليَّ مكانه، فقلت: لَحِقَ بمنزله، فإذا بصوت حزين، ونغمة مشجي، وهو يقول: « إلهي، كم من موبقة حلمت عن مقابلتها بنقمتك، وكم من جريرة تكرّمت عن كشفها بكرمك. إلهي، إن طال في عصيانِك عُمري، وعَظُمَ في الصحف ذنبي، فما أنا مُؤمِّل غيرَ غفرانِك، ولا أنا براجٍ غيرَ رضوانك».

يقول أبو الدرداء: فشغلني الصوت، واقتفيت الأثر، فإذا هو علي بن أبي طالبعليه‌السلام بعينه، فاستترت له، وأخملت الحركة، فركع ركعات في جوف الليل الغاير، ثمّ فرغ إلى الدعاء والبكاء، والبث والشكوى، فكان ممّا به الله ناجه أن قال: « إلهي، أفكّرُ في عفوك فتهون عليّ خطيئتي، ثُمَّ أذكر العظيمَ من أخذِك فتعظُمُ عليّ بليّتي».

ثُمَّ قال: « آهٍ إن أنا قرأتُ في الصحف سيئةً أنا ناسيها وأنت محصيها، فتقول: خذوه، فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرتُهُ، ولا تنفعه قبيلتُه، يرحمه الملأ إذا أذن فيه بالنداء».

ثُمَّ قال: « آهٍ من نار تنضج الأكباد والكلى، آهٍ من نار نزّاعة للشوى، آهٍ من غمرة من ملهبات لظى».

قال: ثُمَّ أنعم في البكاء، فلم أسمع له حسّاً ولا حركة، فقلت: غلب عليه النوم لطول السهر، أوقظه لصلاة الفجر.

قال أبو الدرداء: فأتيته، فإذا هو كالخشبة الملقاة، فحرّكته فلم يتحرّك، وزويته فلم ينزوِ، فقلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، مات واللهِ عليُ بن أبي طالب.

قال: فأتيت منزله مبادراً أنعاه إليهم، فقالت فاطمةعليها‌السلام : « يا أبا الدرداء، ما كان من شأنه ومن قصته؟».

فأخبرتها الخبر، فقالت: « هي واللهِ يا أبا الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية الله».

٣٥

ثُمَّ أتوه بماء فنضحوه على وجهه فأفاق، ونظر إليّ وأنا أبكي، فقال: « ممّ بكاؤك يا أبا الدرداء؟».

فقلت: ممّا أراه مُنزِلَهُ بنفسك.

فقال: « يا أبا الدرداء، فكيف لو رأيتني ودُعِيَ بي إلى الحساب، وأيقن أهل الجرائم بالعذاب، واحتوشتني ملائكة غلاظ، وزبانية فظاظ، فوقفت بين يدي الملك الجبّار، قد أسلمني الأحبّاء، ورحمني أهل الدنيا لكنتَ أشدّ رحمة لي بين يدي مَنْ لا تخفى عليه خافية».

فقال أبو الدرداء: فو اللهِ ما رأيت ذلك لأحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (1) .

نعم، هكذا كانت عبادتهعليه‌السلام أذهلت العقول وحيّرتها، وعلى طريقته التي دأب عليها خرج الإمام أمير المؤمنين في الليلة التاسعة عشرة متوجّهاً إلى المسجد، وكان عدوّ الله ابن ملجم الخارجي متخفّياً في بيوت الخوارج يتحيّن الفرصة بأمير المؤمنينعليه‌السلام ، فجاء ابن ملجم إلى المسجد ونام مع الناس مُخْفِياً سيفه تحت إزاره.

ولمّا وصل الإمامعليه‌السلام إلى المسجد صلّى ركعتين، ثُمَّ صعد المأذنة فأذّن، ثُمَّ نزل وهو يسبّح الله ويكثر من الصلاة على النبيّ وآله.

وكان من عادتهعليه‌السلام يتفقّد النائمين في المسجد وهو يقول: « الصلاة يرحمك الله، إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ».

حتى وصل إلى ابن ملجم وهو نائم على وجهه، فقال له: « يا هذا، قم من نومتك؛ فإنّها نومة يمقتها الله، وهي نومة الشيطان».

ثُمَّ اتّجه نحو المحراب يصلّي، وكان يطيل

____________________

1- أمالي الشيخ الصدوق / 137 - 139 ح9، روضة الواعظين / 111 - 112، مناقب آل أبي طالب 1 / 389، بحار الأنوار 41 / 11 ح1 عن الأمالي.

٣٦

الركوع والسجود في صلاته، فقام الشقيُّ ابن ملجم حتى وقف بإزاء الأسطوانة التي يصلّي عندها الإمام، فأمهله حتى ركع وسجد السجدة الأولى ورفع رأسه منها، فتقدّم اللعين وأخذ السيف وهزّه، ثُمَّ ضرب الإمام على رأسه الشريف، فوقع الإمام على وجهه يخور بدمه قائلاً: « بسم الله وبالله، وعلى ملّة رسول الله، فزتُ وربِّ الكعبة، قتلني ابن اليهودية، لا يفوتنكم الرجل»(1) .

بالمحراب أويلي طاح أبو حسين

أو دم الراس يتفايض على العين

يومٍ طاح أبو الحسنين مجروح

ثار اصياح لهل العرش بالنوح

طبره اشلون طبره تشعب الروح

تشوف السم أو دم الراس لونين

ثمّ حملوهعليه‌السلام ببساط إلى منزله، وكأنّي به لمّا قاربوا البيت التفتعليه‌السلام إلى أولاده، وقال: أنزلوني، ودعوني أمشي على قدمي.

قالوا: لماذا يا أمير المؤمنين؟

قال: أخشى أن تراني ابنتي زينب بهذه الحالة فيتصدّع قلبها.

أقول: يا أمير المؤمنين، لقد انصدع قلب زينب بعدك، وذلك عندما رأت رأس أخيها على رمح طويل، وكأنّي بها تخاطب حامل الرأس:

يشايل راس حامينه أو ولينه

ريّض خلّي اتودعه اسكينه

ليش احسين ساكت عن ونينه

گلي تعب يو جرحه تخدّر

____________________

1- انظر مناقب آل أبي طالب 3 / 95، بحار الأنوار 42 / 239، أنساب الأشراف / 487 - 488، الإمامة والسياسة 1 / 180.

٣٧

يا شيّال راسه لا تلوحه

أو هبّط عن بگايا الروس رمحه

أخاف ايفوت ريح الهوه ابجرحه

وأصوابه عليه ايگوم يسعر

هذا حال رأسِه، وأمّا حال جسدِه الشريف، فأخاطب أمير المؤمنين أقول له سيّدي:

على احسين ما خلّوا تره اثياب

وساده الرمل واكفانه احراب

واعتب وأكثّرلك بالاعتاب

بناتك سبوهن گوم الأجناب

لا خدر ظل أولا بگه احجاب

* * *

هذهِ زينبٌ ومن قبلُ كانت

بحمى دارها تحطُّ الرحالُ

إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم،

وسيعلم الذين ظلموا آل مُحَمّد أيَّ مُنقلبٍ ينقلبون

والعاقبة للمتقين.

٣٨

المجلس الثالث

في الصدّيقة فاطمة الزهراءعليها‌السلام

٣٩

٤٠