مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)0%

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 272

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ كاظم البهادلي
تصنيف: الصفحات: 272
المشاهدات: 40511
تحميل: 5867


توضيحات:

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام) المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 272 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40511 / تحميل: 5867
الحجم الحجم الحجم
مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

تعرّضت الآية - محلّ البحث - إلى أسلوب اليهود والنصارى، أو سعي جميع مخالفي الإسلام حتى المشركين، وجِدُّهم واجتهادهم المستمر الذي لا يعود عليهم بالنفع أبداً كما ذكرنا.

وهنا بعض التنبيهات:

الأوَّل: شبّه المولى تبارك وتعالى الدينَ - دين الله - في هذه الآية وفي القرآن، وتعاليم الإسلام بالنّور، ونحن نعرف أنَّ النّور أساس الحياة والحركة، والنمو والعمران على الأرض، ومنشأ كلّ جمال.

والإسلام دين يحرّك كلّ مجتمع إنساني نحو التكامل، وهو أساس كلّ خير وبركة.

كما شبّه اجتهاد الكافر بالنفخ بالأفواه، وكم هو مثير للضحك أن يحاول الإنسان إطفاء نور عظيم، كنور الشمس بنفخةٍ؟

ولا تعبير أبلغ من تعبير القرآن؛ لتجسيد هذه المحاولات اليائسة.

وفي الواقع فإنّ محاولات مخلوق ضعيف إزاء قدرة الله التي لا نهاية لها، لا تكون أحسن حالاً ممّا ذكرته الآية.

الثاني: ورد موضوع محاولة إطفاء نور الله في القرآن في موردين:

أحدهما: في الآية محلّ البحث.

والآخر: في الآية (8) من سورة الصف.

وفي الآيتين انتقاد للكفّار، ومحاولات أعداء الله اليائسة، إلاّ أنّ بين تعبيرَي الآيتين تفاوتاً يسيراً؛ إذ جاء التعبير في الآية محلّ البحث بـ (يريدون أن

٦١

يطفئوا)، أمّا في الآية (8) من سورة الصف جاء فيها التعبير بـ (يريدون ليطفئوا).

وممّا لا شك فيه أنّ هذا التفاوت، أو الاختلاف اليسير في التعبير القرآني إنّما هو لغاية بلاغية.

ومن هنا قال الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن موضّحاً الفرق بين (أن يطفئوا) و(ليطفئوا): إنّ الآية الأولى تشير إلى محاولة إطفاء نور الله بدون مقدمات، أمّا الآية الأخرى فتشير إلى محاولة إطفائه بالتوسّل بالأسباب والمقدمات.

فالقرآن يريد أن يقول: سواء توسّلوا بالأسباب، أم لم يتوسّلوا، فلن يُفلحوا أبداً، وعاقبتهم الهزيمة والخسران(1) .

الثالث: كلمة (يأبى) مأخوذة من الإباء، ومعناه شدّة الامتناع، وعدم المطاوعة.

وهذا التعبير يثبت إرادة الله ومشيئته الحتمية لإكمال دينه وازدهاره، كما أنّ التعبير مدعاة لاطمئنان جميع المسلمين - إنْ كانوا مسلمين حقّاً - أنَّ مستقبل دينهم لا بأس عليه، بل هو مؤيّد بأمر الله(2) .

الرابع: ما هو المقصود من هذا النور الذي يريدون إطفاءه؟

لقد اختلف المفسرون في حقيقة هذا النور الذي يريد أعداء الله إطفاءه ما هو.

____________________

1- مفردات القرآن / 522.

2- انظر تفسير الأمثل 6 / 12 - 13.

٦٢

ذهب البعض إلى أنّ المقصود من النور هو القرآن والإسلام، كما نسبه الطبرسي في مجمع البيان لأكثر المفسرين(1) .

وذهب البعض الآخر إلى كونه الدلالة والبرهان(2) .

وذهب ثالث إلى كونه أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والدلائل الدالة على صحّة نبوّته مثل المعجزات(3) .

وقال بعض المفسرين: مثّل حالهم (أي أعداء الله) في طلبهم أن يبطلوا نبوّة مُحَمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتكذيب، حال مَنْ يريد أن ينفخ في نور عظيم منبثّ في الأفاق يريد الله أن يزيده ويبلغه الغاية القصوى في الإشراق والإضاءة؛ ليطفئه بنفخة ويطمسه(4) .

وأمّا ما رُوِيَ عن أهل البيتعليهم‌السلام فهو لا يتعارض مع بعض هذه الأقوال.

فقد رُوِيَ عن مُحَمّد بن الفضيل عن أبي الحسنعليه‌السلام أنّه قال: سألته عن قول الله (عزّ وجلّ):( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ) .

قال: « يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين بأفواههم».

قلت: قوله تعالى:( وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِه ) .

قال: يقول: « والله مُتّم الإمامة،

____________________

1- تفسير مجمع البيان 5 / 38.

2- تفسير التبيان 5 / 207، ونسبه إلى الجبائي.

3- التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) 16 / 38.

4- تفسير جوامع الجامع 2 / 59 - 60، تفسير الكشاف 2 / 265.

٦٣

والإمامة هي النور، وذلك قوله: «( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا ) (1) ».

قال: « النور هو الإمام»(2) .

وكون الإمامعليه‌السلام هو النور الذي يريدون إطفاءه لا يتنافى مع بعض التفاسير المتقدّمة، مثل كون النور الدلالة والبرهان، أو كونه الإسلام؛ لكونهمعليهم‌السلام الأعلام المنصوبة لهداية الناس، والدلائل الواضحة، والبراهين الساطعة، وبهم وبجدّهم المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله حُفِظ الإسلام.

وهكذا جرت سنّة إطفاء النور، تبعاً لليهود والنصارى والمخالفين للإسلام الأصيل، وتبعهم على ذلك معاوية بن أبي سفيان، فقد روى سليم بن قيس الهلالي في كتابه: أنّ معاوية مرّ بحلقة من قريش، فلمّا رأوه قاموا إليه غير عبد الله بن عباس، فقال له: يابن عباس، ما منعك من القيام كما قام أصحابُك إلاّ لموجدة عَلَيَّ بقتالي إيّاكم يوم صفين. يابن عباس، إنّ ابن عمّي عثمان قُتِل مظلوماً.

فقال ابن عباس: فعُمر بن الخطاب قد قُتِل مظلوماً، فسَلَّم الأمر إلى وِلْدِه، وهذا ابنه (ولما تنهض بدمه).

قال: إنّ عُمَر قتله مشرك.

قال ابن عباس: فمَنْ قتل عثمان؟

قال: قتله المسلمون.

قال: فذلك أدحض لحجّتك، وأحلّ لدمه، إن كان المسلمون قتلوه وخذلوه فليس إلاّ بحقّ.

____________________

1- سور ة التغابن / 8.

2- الكافي 1 / 195 - 196 باب أنّ الأئمّة نور الله ح6، عنه التفسير الصافي 5 / 183، تفسير نور الثقلين 5 / 317 ح27، ينابيع المودّة 1 / 353.

٦٤

قال (معاوية): فإنّا كتبنا في الآفاق ننهي عن ذكر مناقب عليٍ وأهل بيته، فكفّ لسانك يابن عباس، وأربع على نفسك (أي أرفق بنفسك ولا تعجل).

قال: فتنهانا عن قراءة القرآن؟

قال: لا.

قال(ابن عباس): فتنهانا عن تأويله؟

قال: نعم.

قال: فنقرأه ولا نسأل عمّا عنى الله به؟

قال: نعم.

قال: فأيّما أوجب علينا قرأته أو العمل به؟

قال: العمل به.

قال (ابن عباس): فكيف نعمل به حتى نعلم ما عنى الله بما أنزل علينا؟

قال: سل عن ذلك مَنْ يتأوّله على غير مَنْ تتأوّله أنت وأهل بيتك.

قال: إنّما أُنزِل القرآن على أهل بيتي، فأسأل عنه آل أبي سفيان، وآل أبي معيط، واليهود والنصارى والمجوس؟

قال معاوية: فقد عدلتني بهؤلاء.

قال (ابن عباس): ما أعدلك بهم إلاّ إذا نهيت الأُمّة أن يعبدوا الله بالقرآن، وبما فيه من أمر ونهي، أو حلال أو حرام، أو ناسخ أو منسوخ، أو عام أو خاص، أو محكم أو متشابه، وإن لم تسأل الأُمّةُ عن ذلك هلكوا واختلفوا وتاهوا.

قال معاوية: فأقرؤوا القرآن، ولا ترووا شيئاً ممّا أنزل الله فيكم، وما قال رسول الله، وارووا ما سوى ذلك.

قال ابن عباس: قال الله تعالى في القرآن:( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللَّهِ

٦٥

بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) .

قال معاوية: يابن عباس، اكفني نفسك، وكُفَّ عنّي لسانك، وإن كنت لا بدّ فاعلاً فليكن سرّاً، ولا تسمعه أحداً علانية...(1) .

فهكذا كان حال معاوية مع أهل بيت العصمة والطهارة، وانظر إلى ما صنعه مع أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وابنه السبط الحسن المجتبىعليه‌السلام من تأويلات وتشويشات راجياً من ورائها إطفاء نور الله (عزّ وجلّ) حتى وصل الحال بمعاوية من التزييف والخداع والمكر مع السبط المجتبىعليه‌السلام ما صنعه في الصلح والمهادنة التي قَبِلَها الإمامعليه‌السلام لحفظ الشيعة.

وأخذ الخلف تبعاً للسلف بأبواقهم من هنا وهناك، مع أنّ الإمامعليه‌السلام بيّن علّة صلحه في أكثر من موطن.

ويكفيك أن تطَّلع على ما في كتاب علل الشرايع عن أبي سعيد قال: قلت للحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام : يابن رسول الله، لِمَ داهنت معاوية وصالحته، وقد علمت أنَّ الحقَّ لك دونه، وأنّ معاوية ضال باغ؟

فقال: « يا أبا سعيد، ألستُ حُجّة الله - تعالى ذكرُهُ - على خلقه، وإماماً عليهم بعد أبيعليه‌السلام ؟».

قلت: بلى.

قال: « ألستُ الذي قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لي ولأخي: الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا؟ «.

قلت: بلى.

قال: « فأنا إذن إمام لو قمت، وأنا إمام لو قعدت. يا أبا سعيد، علّة مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لبني ضُمْرة، وبني أشجع، ولأهل مكة حين انصرف من

____________________

1- كتاب سليم بن قيس الهلالي / 315 - 316، بحار الأنوار 33 / 178 - 179.

٦٦

الحديبية، أولئك كفّار بالتنزيل، ومعاوية وأصحابه كفّار بالتأويل. يا أبا سعيد، إذا كنتُ إماماً من قِبَلِ الله - تعالى ذكرُهُ - لم يجبْ أن يُسفَّه رأيي فيما أتيتُه من مهادنة أو محاربة، وإن كان وجه الحِكمة فيما أتيتُهُ ملتبساً، ألا ترى الخضرعليه‌السلام لمّا خرق السفينة، وقتل الغلام، وأقام الجدار سخط موسىعليه‌السلام فعله؛ لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرَضِيَ، هكذا أنا سخطتم عَلَيَّ بجهلكم بوجه الحكمة فيه، ولولا ما أتيتُ لما تُرِك من شيعتنا على وجه الأرض أحدٌ إلاّ قُتِل»(1) .

ولم يكتفِ معاوية بحملات الإطفاء الفاشلة لنور الإمامة بفمه، بل وصل الحال إلى أن يخترق داره عن طريق أعداء الإمام، ويُمنّي زوجته جِعدَة بنت الأشعث بن قيس، قائلاً لها: إنّي مُزوِّجك يزيد ابني على أن تَسُمّي الحسن، وبعث إليها مئة ألف درهم، ففعلت وسَمَّت الحسنعليه‌السلام ، فسوَّغها المال، ولم يزوَّجها من يزيد، فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها، فكان إذا وقع بينهم وبين بطون قريش كلام عيّروهم، وقالوا: يا بني مُسِمَّة الأزواج(2) .

____________________

1- علل الشرايع 1 / 211 ح2، عنه بحار الأنوار 44 / 1 - 2 ح2، الطرائف / 196، تفسير نور الثقلين 3 / 290 ح192.

2- الإرشاد 2 / 16، روضة الواعظين / 167، مقاتل الطالبين / 48، شرح الأخبار 3 / 127 - 128 ح1067، مناقب آل أبي طالب 3 / 202، شرح نهج البلاغة 16 / 49، كشف الغمة 2 / 208، بحار الأنوار 44 / 156 ح25 عن الإرشاد.

٦٧

وروي أنَّ الإمامعليه‌السلام سُقِيَ السمَّ ست مرّات، وفي السادسة وهي الأخيرة اشتدّ على الإمام المرض، ولمّا حضرته الوفاة قال لأخيه الحسينعليه‌السلام : « أحضِرْ لي يا أخي أولادي وأهلي».

فأحضرهم الحسينعليه‌السلام عنده فأدار عينيه فيهم، وقال لهم: « أيّها الحاضرون، اسمعوا وأنصتوا ما أقول لكم، هذا الحسين إمام بعدي، فلا إمام غيره، ألا فليبلِّغ الحاضرُ الغائبَ، والوالد الولد، والحّر العبد، والذكر الأنثى، وهو خليفتي عليكم، لا أحد يخالفه منكم».

ثُمَّ التفت إلى الحسينعليه‌السلام وإلى إخوته وحرمه وأولاده وقال: « حفظكم الله، استودعكم الله، الله خليفتي عليكم، وكفى به خليفة، وإنّي منصرف عنكم، ولاحق بجدّي وأبي وأُمّي وأعمامي».

ثُمَّ قال: « عليكم السّلام يا ملائكة ربّي ورحمة الله وبركاته».

ثُمَّ وجّه وجهه إلى القبلة، وغمّض عينيه، ومدّ رجليه ويديه بنفسه، مستلقياً مُصَرِّحاً بشهادة أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأنَّ مُحَمّداً عبدُه ورَسُولُه، وأنَّ الخليفة من بعده بلا فصل علي بن أبي طالب، ثُمَّ قضى نحبه، ولقى ربّه، وفاضت روحه المقدّسة.

فقام الحسين معولاً، ونادى: وا أخاه! وا حسناه! وا قلّة ناصراه! مَنْ لي عون بعدك يا أخي؟!

٦٨

حن حسين أويلي وصفك بيده

أوون ونّات المفارج عضيده

يگلّه العمر من بعدك مريده

يخويه اليوم عدوانك معيدين

أبو مُحَمّد ضعف حيله أبونينه

وظل يرشح عرك منّه جبينه

تشاهد ويل گلبي أوغمض عينه

وبالسم خلص عزّ الهاشميين

فضجّ الناس كلّهم بالبكاء والنحيب، وارتجّت المدينة بأسرها، وضجّت عليه ضجّة واحدة، وعلا نحيب أولاده ونسائه وإخوانه.

فصاحت أُمّ كلثوم، ولطمت خدّها، ونشرت شعرها، ونادت: وا حسناه! وا مُحَمّداه! وا علياه! وا فاطمتاه!

وصاحت زينب: وا أخاه! وا حسناه! وا سنداه! وا لهفتاه! وا قلة ناصراه! يا أخي! مَن ألوذ به بعدك؟! وحزني لا ينقطع عليك طوال دهري!

ثُمَّ إنّها بكت على أخيها، وهي تلثم خدّيه، وتتمرّغ عليه(1) .

ثم حُمِلت جنازته نحو البقيع بعد الأخذ والردّ الذي حصل بين القوم حتى أُصيب النعش بسبعين سهماً.

ولمّا جاء الحسينعليه‌السلام بأخيه أبي مُحَمّد الحسنعليه‌السلام لمواراته صنع عدّة أشياء؛ تعبيراً عن فجيعته بأخيه، وأهمّها لمّا وضع الجنازة على الأرض، وقد سَلَّ منها سبعين نبلاً، فلمّا واراه في لحده، وأهال

____________________

1- مجمع المصائب 4 / 166 - 167.

٦٩

التراب عليه، أخذ العمامة من رأسه، وهي أشرف شيء يرفع للحزن، ورمى بها إلى الأرض، وألقى بنفسه على القبر، ثُمَّ أنشأ قائلاً:

أأدهُنُ رأسي أم تطيبُ محاسني

وخدُّك معفورٌ وأنت سليبُ

بُكائي طويلٌ والدموعُ غزيرةٌ

وأنت بعيدٌ والمزارُ قريبُ

* * *

مدري اشگال من نزّله ابگبره

فوگ الوجن ظل يسچب العبره

عَفَه گلب الحسين اشكثر صبره

لونّه من صخر چا صار نصين

هذا حال الحسين مع أخيه عندما أنزله في ملحودة قبره، ولكن سلني ما حال الإمام زين العابدينعليه‌السلام عندما جاء لدفن الجثث الطواهر الزواكي؟

نعم، جاء الإمامعليه‌السلام وقد سبقه بنو أسد للمكان، ما إنْ رأوه حتى خافوا منه، وظنّوا أنّه من الأعداء، كأنّي به يخاطبهم:

(هجري)

گلهم لتخافون أنا ابن احسين اجيت بمهجتي

گصدي أدفن والدي وأدفن عمامي واخوتي

گوموا حفروا گبور عنّي المرض نحّل گوّتي

وگام يا ويلي يتوچّه وزاد منّه اتوجِّعه

٧٠

إِحفَرَوا گبر حسين عنّه وگام محنّي الظهر

وضع يد يَمّ الرجل والثانية جريب النحر

عاد كلما رفع جانب جانب الثاني انحدر

گلّه يا بويه شيلمّك والأعضاء موزعه

* * *

(تخميس)

لهفي على الشَّيب المخضَّب بالدما

والصدر يا سبطَ الرسولِ مهشَّما

والقوم بعد حُماتِه هتكوا الحمى

ويكبّرون بأن قُتلتَ وإنّما

قتلوا بك التكبير والتهليلا

إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم،

وسيعلم الذين ظلموا آل مُحَمّد أيَّ مُنقلبٍ ينقلبون

والعاقبة للمتقين.

٧١

٧٢

المجلس الخامس

في الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام

٧٣

٧٤

المجلس الخامس: في الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام

لا خبتْ مُرهفاتُ آلِ عليٍّ

فهي النارُ والأعادي وَقُودُ

عقَدُوا بينها وبينَ المنايا

ودعوا هاهنا تُوفّى العُقودُ

مَلؤوا بالعدى جهنّم حتّى

قَنِعَت ما تقولُ هَلْ لِي مَزيدُ

ومُذِ اللهُ جلَّ نادى هلمُّوا

وهُمُ المسرِعونَ مَهما نُودُوا

نزلوا عن خيولِهم للمنايا

وقُصارى هذا النُزولِ صُعودُ

فقضوا والصُدُور منهم تَلظّى

بضَرامٍ وما أُبِيحَ الورودُ

تركوهم على الصّعيدِ ثَلاثا

يا بنفسي ماذا يَقلُّ الصّعيدُ

فوقَه لو درى هياكلُ قُدسٍ

هُوَ للحشرِ فِيهُمُ مَحسُودُ

وعلى العيسِ من بنات عليٍّ

نُوَّحٌ كُلُّ لفظهِا تَعديدُ

سلبتها أيدي الجُناةِ حُلاها

فخلا مِعصمٌ وعُطِّلَ جِيدُ

وعليها السّياط لما تلوَّت

خَلَفَتها أساورٌ وعقُودُ(1)

* * *

____________________

1- القصيدة للسيد جعفر الحلّي (رحمه الله)، قال عنه السيّد جواد شبّر (رحمه الله) في أدب الطفّ: السيد جعفر كمال الدين الحلّي النجفي. عُرفت هذه الأسرة بالانتماء إلى الجدّ السادس لصاحب هذه الترجمة، وهو السيد كمال الدين بن منصور فهو جدّ الأسرة الكمالية المنتشرة في الحلّة وضواحيها، والنجف والكوفة.

وقد كتب عنها مفصّلاً الخطيب اليعقوبي في (البابليات)، كما أقام الشواهد على شاعريته، وسرعة البديهة عنده.

وديوانه أصدق شاهد على سموّ شعوره، وكان من حقّه أن يُطلق اسم (سحر بابل وسجع البلابل) على ديوانه قبل أن يُجمع، والذي جمعه أخوه السيد هاشم بعد وفاة الشاعر.

توفّي فجأة في شعبان لسبع بقين من سنة 1315 هـ، ودُفن في وادي السّلام بالنجف الأشرف عند قبر والده على مقربة من مقام الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)

=

٧٥

من حين راح حسين منّي

وعباس راح وبعد عنّي

كلّ المصايب گاربنّي

وحده بأثر وحده إجنّي

من هل جره ما چان ظنّي

الشمر بلسانه يسبني

وسياط أُميّه فوگ متني

وأعظم مصاب اللّي ضهدني

رضّ الضلوع الزاد ونّي

* * *

____________________

=

نشأ السيد جعفر فاستطرف قدر حاجته من مبادئ النحو والصرف، والمنطق والمعاني والبيان.

وصار يختلف إلى مدارس العلماء وحوازتها الحافلة بالفقه، وهو في كلّ ذلك حلو المحاضرة، سريع البداهة، حسن الجواب، نبيه الخاطر، متوقّد القريحة، جريّ اللسان.

برع في نظم الشعر وهو دون الثلاثين، وأصبح من الشعراء المعدودين الذين تلهج الألسن بذكرهم، وتتغنى بشعرهم.

وأشهر قصيدة له، رائعته التي مطلعها:

وجه الصباح عليّ ليل مظلم

وربيع أيامي عليّ محرّم

وهذه القصيدة التي تزيد على السبعين بيتاً كلّها من الشعر المنسجم. (أدب الطفّ 8 / 99 - 110).

٧٦

من وصيّة الإمام الحسينعليه‌السلام لأخيه مُحَمّد بن الحنفية قال فيها: « إنّي لم أَخرجْ أَشِراً ولا بَطِراً، ولا مُفسِداً ولا ظَالِماً، وإنّما خَرجْتُ لِطَلَبِ الإصلاحِ في أُمّةِ جدّي وأبي، أريدُ أن آمرَ بالمعروفِ، وأنهى عن المُنكَرِ، وأَسيرَ بسيرةِ جدّي وأبي علي بنِ أبي طالبٍعليه‌السلام ، فَمَن قَبِلَني بِقَبولِ الحقِّ، فاللهُ أولى بالحقِّ، ومَنْ ردَّ عليَّ هذا أَصبرُ حتى يَقضيَ اللهُ بيني وبينَ القَومِ بالحقِّ وهو خَيرُ الحاكمينَ»(1) .

لقد حثَّ القرآن الكريم والسنة المُطهَّرة على إتيان الوصيّة بحدودها وشروطها ومستحبّاتها إلى غير ذلك.

وهذا هو معنى الحُسْن في الوصيّة التي ذكرها النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله للإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، حيث قال له: « يا علي، مَنْ لم يُحسِنْ وصيّته عند موته كان نقصاً في مروءته»(2) .

فاللازم على الإنسان أن يوصي ويُحسِن، ويجعل أحد المؤمنين الثقات وصيّاً له، بل الأولى أن يجعل وصيّه ثقتينِ، أو يجعل أحدَهما وصياً والآخر ناظراً على تنفيذ الوصية(3) .

وهذا شاهد على جدارة مُحَمّد بن الحنفية ووثاقته واستقامته عند الإمام الحسينعليه‌السلام ، فلا قيمة لاعتراض المعترضين في عدم خروجه معهعليه‌السلام .

____________________

1- بحار الأنوار 44 / 329، عوالم الإمام الحسينعليه‌السلام / 179.

2- الكافي 7 / 2 ح1، دعائم الإسلام 2 / 346 ح1294، من لا يحضره الفقيه 4 / 187 ح7، تهذيب الأحكام 9 / 174 ح11، وسائل الشيعة 19 / 26 ح1، بحار الأنوار 74 / 46، تفسير القمّي 2 / 55، وفي بعضها بدون (يا علي).

3- وصايا الرسول لزوج البتول / 14.

٧٧

ونلاحظ أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام قد بيّن في وصيته لأخيه مُحَمّد بن الحنفية دوافع ثورته، وأسباب خروجه، وأنّه لا يخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً.

ثُمَّ حصر أسباب ودوافع خروجه بأمور أربعة:

1- إصلاح الأُمّة.

2- الأمر بالمعروف.

3- النهي عن المنكر.

4- السير على سيرة جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبيه عليعليه‌السلام وإحياء سنّتيهما.

هذه هي دواعي ودوافع خروج الإمام الحسينعليه‌السلام الأربعة، وقد نفى أن تكون دوافع أربعة أُخرى وهي:

1- الأشر: ومعناه كالبطر(1) .

2- البطر، وهو: سوء احتمال الغِنَى والطغيان عند النعمة، والتجبّر وشدّة النشاط(2) .

3- المفسد: وهو الذي يقوم بالمفسدة، والتي هي خلاف المصلحة.

4- الظالم: وهو المعتدي على الغير بشتى أنواع الاعتداء، ويقابله العادل أحياناً.

____________________

1- مجمع البحرين 1 / 77، تاج العروس 2 / 196 و 3 / 14.

2- مجمع البحرين 1 / 211.

٧٨

الإصلاح يقابل الفساد:

لقد ذكر الإمام الحسينعليه‌السلام أنّ من دواعي خروجهعليه‌السلام على حكومة يزيد (لعنه الله) هو طلب الإصلاح في أُمّة النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فما هو الشيء الذي فسد حتى يصلحه أبو عبد اللهعليه‌السلام بخروجه ونهضتهعليه‌السلام ؟

الجواب: إنّ الذي فسد في هذه الأُمّة هو أعزّ شيء وأنفسه، أَلا وهو دينهم وعقائدهم، فلم يبقَ من القرآن إلاّ رسمه، ومن الإسلام إلاّ اسمه؛ ولذا لمّا أرسل الإمام الحسينعليه‌السلام رسالة إلى رؤساء قبائل البصرة جاء فيها: «... أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فإنّ السنّة قد أُمِيتَت، وإنّ البِدْعة قد أُحْيِيت، وإن تسمعوا قولي، وتطيعوا أمري، أهدكم سبيل الرشاد، والسّلام عليكم وحمة الله وبركاته»(1) .

وهكذا كان خطابهعليه‌السلام عندما سار إلى العراق، ووصل إلى (ذي حسم) خطب بأصحابه، قائلاً: « إنّ هذه الدُنيا قد تغيّرت وأدبر معروفها، فلم يبقَ منها إلاّ صُبابة كصُبابة الإناء، وخسيس العيش كالمرعى الوبيل.

ألا ترون الحقّ لا يُعمَلُ به، وأنّ الباطلَ لا يُنتهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء الله مُحِقّاً؛ فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة، ولا الحياة مع الظالمين إلاّ برماً.

إنّ الناس عبيد الدنيا، والدين لَعِقٌ على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا

____________________

1- تاريخ الطبري 4 / 266، البداية والنهاية 8 / 170.

٧٩

مُحِصُّوا بالبلاء قَلَّ الديانون»(1) .

إضافة إلى كلّ ذلك - من النصوص المصرّحة بأنّ الأُمّة في عهد يزيد وأمثاله من بني أُميّة أصبحت فاسدة، ولا بدّ من إصلاحها - أنَّ سيرة يزيد كانت قائمة - وتبعاً لأبيه - على الفساد، فلم يكن ليؤمن بالدين الإسلامي، ولم يكن له ذلك النضج الفكري، بل كان شاباً شهوانيّاً أنانيّاً، ومن أبعد الناس عن الحيطة والتروّي، وكان صغير العقل، متهوّراً ماجناً، لا يهمّ بشيء إلاّ ركبه.

هكذا جاءت سيرته في كتب التواريخ والسير.

ويكفيك معرفةً بسيرته وسلوكه هذا البيت من الشعر له:

لَعِبَتْ هاشِمُ بالملكِ فلا

خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل(2)

أو شعره الذي قاله بعد قتله للإمام الحسينعليه‌السلام ، والذي ينصّ فيه على أنّ دم الحسين بدل دم أشياخه في بدر، حيث يقول:

ليت أشياخي ببدرٍ شَهِدوا

جَزَعَ الخزرجِ من وقعِ الأسل

لأهلّوا واستهلّوا فرحا

ثمّ قالوا يا يزيدُ لا تُشل(3)

ومن هنا قال المؤرّخ الشهير المسعودي: سار يزيد في الناس بسيرة

____________________

1- تحف العقول / 245، بحار الأنوار 75 / 117 ح1.

2- تاريخ الطبري 8 / 188.

3 - المصدر نفسه.

٨٠