مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)0%

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 272

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ كاظم البهادلي
تصنيف: الصفحات: 272
المشاهدات: 40516
تحميل: 5867


توضيحات:

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام) المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 272 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40516 / تحميل: 5867
الحجم الحجم الحجم
مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فرعون، بل كان فرعون أعدل منه(1) .

وما هو بغريب عن يزيد بعد أن كان أبوه معاوية سيئ الصيت، وجدّه أبو سفيان الذي يقول يوم بُويع عثمان أوّل خليفة أُموي، وقد اجتمع في داره بنو أُميّة وأغلقوها عليهم: أعندكم أحد من غيركم؟

قالوا: لا.

قال: يا بني أُميّة تلقّفوها تلقّف الكرة، فو الذي يحلف به أبو سفيان ما من عذاب ولا حساب، ولا جنّة ولا نار، ولا بعث ولا قيامة(2) .

وهكذا عندما مرّ على قبر حمزة بن عبد المطلب وركله بقدمه، قال: إنّ الدين الذي قاتلتمونا أمس عليه بالسيف أصبح اليوم كرة بيد صبياننا يلعبون بها(3) .

إذن الفساد في أعلى مراتبه، فلا بدّ من مصلح له.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واهتمام الإمام الحسينعليه‌السلام به:

لقد انطلق الإمام الحسينعليه‌السلام ومنذ اليوم الأوّل من المدينة حاملاً شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والواقع أنّ القضية لم تكن قضية عرض البيعة عليه، ورفضه لها، ثُمَّ القيام بالثورة لذلك، بل إنّهعليه‌السلام كان يرى

____________________

1- مروج الذهب 3 / 81.

2- الاحتجاج 1 / 349، السقيفة وفدك / 87.

3- انظر شرح نهج البلاغة 16 / 136.

٨١

أنّ الثورة ضرورية حتى لو لم يطالبوه بالبيعة.

وهكذا بالنسبة إلى دعوة الكوفيين، فإنّهعليه‌السلام لم يثر لدعوة الكوفيين له، حيث إنّ دعوتهم ومراسلتهم له قد تأخّرت عن امتناعه عن البيعة حوالي شهر ونصف الشهر، ومن هذه الزاوية كان منطق الإمام الحسين منطق الشَجْب والاعتراض، ومهاجمة الحكومة اللا إسلامية، وكان منطقه أنّه لمَّا كان العالم الإسلامي قد سار فيه المنكر والفساد، وتلّوث بهما، وكانت السلطة الحاكمة هي مصدر ذلك كلّه، كان من الضروري أن يثور انطلاقاً من مسؤوليته الدينية، وواجبه الإلهي.

فإنّ هناك أسباباً ثلاثة اجتمعت، كان منها: طلب البيعة من الإمام الحسينعليه‌السلام ليزيد، ودعوت أهالي الكوفة لهعليه‌السلام ، والثالث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وهذا هو الشعار المهم الذي انطلق به من المدينة منذ اليوم الأوّل، وهو الدافع الثاني والثالث الذي أشار إليه في وصيّته الشريفة لأخيه مُحَمّد بن الحنفية (رضوان الله تعالى عليه).

وكما أشرنا كان للأسباب الثلاثة (طلب البيعة، ورسائل أهل الكوفة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) دور كبير في ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام العظيمة، وأوجب كلّ واحد منها نوعاً خاصاً من المسؤولية بالنسبة إليه، فكان موقفهعليه‌السلام يختلف إزاء كلّ واحدٍ منها.

فكان موقفهعليه‌السلام دفاعياً بالنسبة إلى الدافع الأوّل؛ لأنّهم أرادوا إجباره

٨٢

على البيعة، وكان هو يُحجِم عن ذلك.

وكان موقفه إزاء الباعث الثاني موقفاً تعاطفياً؛ لأنّهم طلبوا منه أن يتجاوب معهم فأجابهم.

وأمّا الثالث: فقد كان موقف الإمام إزاءه موقفاً هجومياً تحرّشياً؛ وذلك أنّه حتى لو لم يطالبوه بالبيعة كان عليه أن يهاجم السلطة، ويعتبرها سلطة غير إسلامية ولا شرعية(1) .

وقد يسأل سائل: إذا كان يزيد قد سار على نفس نهج أبيه وجدّه وأمثالهما في طمس الحقائق، وحرّف الدين الإسلامي عن خطّه الصحيح، فلماذا لم ينتفض الإمام الحسينعليه‌السلام على معاوية نفسه؟ مع أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام قد عاصر معاوية ما يُقارب عشر سنوات، ومنصب الإمامة للإمام الحسينعليه‌السلام بعد أخيه الإمام الحسنعليه‌السلام الذي استشهد في عام خمسين هجرية على يد معاوية.

والجواب: هناك عاملان أساسيان، يُعدّان من الموانع الأساسية لثورة الإمام الحسينعليه‌السلام في عهد معاوية:

1- معاهدة صلح الإمام الحسنعليه‌السلام مع معاوية:

المانع الأوّل من قيام الإمام الحسينعليه‌السلام بالثورة على معاوية كان هو صلح الإمام الحسنعليه‌السلام مع معاوية.

فلو كان الحسينعليه‌السلام يثور في عهد

____________________

1- سيرة الأئمّةعليهم‌السلام للبيشوائي / 146 - 150 (بتصرفٍ).

٨٣

معاوية كان بإمكان معاوية أن يستغل ذلك في سبيل تشويه ثورته؛ لأنّ الناس كانوا يعرفون أنّ الحسن والحسينعليهما‌السلام قد عاهدا معاوية على الصلح بشروطه المذكورة في محلّها ما دام حيّاً، وإن كان هو قد نقض ذلك، لكن هذا لا يبرّر نقض الإمام الحسينعليه‌السلام لها بمقتضى شرفه وجلالته، مع أنّهعليه‌السلام لا يرى في عهده لمعاوية عهداً حقيقاً بالرعاية والوفاء؛ فقد كان عهداً بغير رضى واختيار، وقد كان عهداً تمّ في ظروف لا يد للمرء في تغييرها، ولقد نقض معاوية هذا العهد، ولم يعرف له حرمة، ولم يحمّل نفسه مؤونة الوفاء به، فلو كان عهداً صحيحاً لكان الحسين في حِلّ منه؛ لأنّ معاوية نفسه قد تحلّل منه، ولم يألُ جهداً في نقضه، فيمكن أن تكون معاهدة الصلح ذريعة لإعلام معاوية ودعايته ضدّ ثورة الحسينعليه‌السلام المحتملة.

2- تظاهر معاوية الديني:

والعامل الثاني هو تظاهر معاوية الديني، وسرّ ذلك يكمن في دهاء ومكر معاوية، وأسلوبه الخاص في معالجة الأمور.

ومع أنّ معاوية قد حرّف الإسلام عمليّاً، واستبدل الخلافة الإسلامية البسيطة المتواضعة بالحكم الملكي، وحوّل المجتمع إلى مجتمع غير إسلامي، غير أنّه كان يُدرِك جيّداً أنّه ليس ينبغي له، وهو يحكم الناس بسلطان الدين أن يرتكب من الأعمال ما يراه العامة تحدّياً للدين الذي يحكم باسمه، بل عليه أن يضفي على

٨٤

أعماله طابعاً دينياً لتنسجم هذه الأعمال مع ما يتمتّع به من المنصب، وأمّا ما لا يمكن تغطيته وتمويهه من التصرّفات فليرتكبه في السرّ.

هذا وقد استغلّ معاوية ظروفه جيداً لإضفاء الطابع الديني على منصبه، تارة بدعواه أنّه يطالب بدم عثمان، وأُخرى بما مَوّه به على الرأي العام بعد أمر التحكيم وصلحه مع الإمام الحسنعليه‌السلام .

وعليه فلو كان الإمام الحسينعليه‌السلام يثور في عهده لكان من السهل عليه أن يقدّم ثورته إلى الرأي العام على أنّها تعبير عن نزاع سياسي على السلطة، وليس ثورة للحقّ على الباطل.

وليس معنى هذا سكوت الإمام الحسينعليه‌السلام إزاء ظلم معاوية وانحرافه، بل كان يبذل قصارى جهده في الوقوف ضدّ كلّ التصرّفات الظالمة التي قام بها معاوية في تلك الأجواء المفعمة بالظلم والاضطهاد، وذلك عن طريق الخطب والرسائل الاعتراضية في فترة عشرة أعوام من إمامة الإمام الحسينعليه‌السلام ، والخطب الدامغة والفاضحة في اجتماع الحجّ العظيم، واستيلاء الإمام الحسينعليه‌السلام على الأموال الحكومية حينما مرّت واجتازت يثرب تحمل أموالاً من اليمن إلى دمشق، تعمّد الإمام الحسينعليه‌السلام الاستيلاء عليها، ووزّعها على المحتاجين من بني هاشم وغيرهم، وقد استاء معاوية جدّاً من هذا العمل(1) .

____________________

1- سيرة الأئمّةعليهم‌السلام للبشوائي / 135 - 146، بتصرف واختصار.

٨٥

وكلا هذين العاملين مفقودان في فترة يزيد (لعنه الله).

السير بسيرة المصطفى والمرتضى (عليهما وآلهما السّلام):

والأمر الرابع الذي ذكره الإمام الحسينعليه‌السلام في وصيّته، هو السير بسيرة جدّه المصطفى وأبيه علي المرتضىعليهما‌السلام ؛ لكونّها السيرة الأصيلة، والمثال الحيّ للإسلام دون بقيّة السِيَر، ممّا يدلّ وبوضوح على انحراف ما عداهما.

يريد أن ينصفَ المظلوم، ويقسّمَ بالسوية، وينظرَ في الرعية، ويحييَ السنن، ويُميتَ البدع.

يريد الإمام الحسينعليه‌السلام كلّ ذلك، يريد الرجوع إلى صلب الدين الإسلامي الذي تلقّفه بنو أُميّة وأمثالهم تلقّف الكرة - كما صرّح به أبو سفيان -، يريد أن يذكّر الناس بكلام النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مَنْ رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرام الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يُغيِّر عليه بفعل ولا قول، كان حقّاً على الله أن يدخلَه مدخله. ألا وإنّ هؤلاء قد لَزِموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله»(1) .

وهكذا شاء الله أن يخرج الحسينعليه‌السلام وهو يحمل في قلبه همّ هذه

____________________

1- تحف العقول / 505، أمالي الشيخ المفيد / 122، تاريخ الطبري 4 / 304، مقتل الحسين - أبو مخنف / 85، بحار الأنوار 44 / 382.

٨٦

الأُمّة.

وقبل خروجه دخلت عليه أُمُّ سلمة وهي باكية، فقالت له: يا حسين، لا تُحزنّي بخروجك إلى العراق؛ فإنّي سمعت جدَّك رسولَ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: « يُقتَل ولدي الحسين بأرض العراق، في أرض يُقال لها كربلاء»، وعندي تربة منها في قارورة، دفعها إليَّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وفي اليوم العاشر من المحرّم، في آخر النهار، نظرت أمُّ سلمة إلى القارورة فإذا هي تفور دماً(1) ، وكأنّي بها تخاطبه:

يحسين هذي سفرتك تصعب عليّ

خوفي يذبحونك براضي الغاضريه

كلها الذبح معلوم إلنه إبوادي الطفوف

أوفوگ الذبح تنگطع منّه حتى الچفوف

والحرم تغدي ضايعه ما بين الصفوف

لا خِيمَ عدها لا ولي عند العشيه

وخيامهم بالنار ويلي يحرگوها

وأطفالهم بالبر يويلي إيشتتوها

واعله الهزل من بعد عزها ايركبوها

تصرخ صريخ ايفسّر أصخور القويه

____________________

1- روضة الواعضين / 193، الإرشاد 2 / 129 - 130، مناقب آل أبي طالب 3 / 213، مدينة المعاجز 4 / 193 و196، بحار الأنوار 44 / 239.

٨٧

واشلون من تنظر الجسمي إمسلبينه

أوفوگ السلب بالسيف هم إموزعينه

زينب تنادي هذا اخونه أبو سكينه

مطروح عاري ويل گلبي أبن الزكيه

* * *

نعم، لقد ترك الإمام الحسينعليه‌السلام مدينة جدّه رسول الله إلى الأبد حيث لم يعد إليها؛ فإنّه لمّا وصل إلى كربلاء رأى هناك ثلاثين ألف سيف ورمح عدا السهام والحجارةٍ والخشب، والكلّ يريد تمزيق جسده الشريف؛ تقرّباً لطاغيتهم الذي أمرهم أن لا يكتفوا بقتل الحسينعليه‌السلام وسلبه وتقطيعه إرباً إرباً، بل أن يطؤوا صدره وظهره بحوافر الخيل، وقد نفّذ القوم ذلك أدقّ تنفيذ(1) .

وكأنّي بالحوراء زينبعليها‌السلام تخاطب جدّها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

يجدي حسينك من الماي منعوه

ولا حنّوا يجدي اعليه أورحموه

ضامي ابنك يجدي إعداك كتلوه

أوعگب الچتل بالخيل داسوه

أوثلث تيام عاري حسين خلّوه

____________________

1- مجمع المصائب 1 / 212.

٨٨

أوراسه اعلى راس الرمح شالوه

أورضيعه اعلى صدره الگوم ذبحوه(1)

* * *

(تخميس)

لقد برزت ولهى تنوح عميدها

وقد خدَّ فاني الدمع بالحزن خدّها

فواحدة تشكوا إلى الجدِّ وجدها

وأُخرى بفيض النحر تصبغُ وجهها

وأُخرى تفَدّيه وأُخرى تقَّبل

إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم،

وسيعلم الذين ظلموا آل مُحَمّد أيَّ مُنقلبٍ ينقلبون

والعاقبة للمتقين.

٨٩

٩٠

المجلس السادس

في الإمام علي السجّادعليه‌السلام

٩١

٩٢

المجلس السادس: في الإمام علي السجّادعليه‌السلام

ما لِلِهمُومِ تراكمتْ بفؤُادي

أظعونُ مَنْ أهوى حَداها الحادي

وديارُهم ظلّتْ غواسقَ بعَدَما

كانتْ شوارقَ مِن سنَاها الوادي

فكأنّها أبياتُ آلِ المُصطفى

لمّا خَلتْ عَنْ أهلِها الأمجادِ

حَيرانَ حرّانَ الحَشى ممّا لَقِي

مِنْ مِحنةٍ هَارتْ ذُرى الأطوادِ

أعني بهِ زينَ العبادِ ومَنْ دُعِي

دُونَ الوَرى بالسّيِّدِ السّجّادِ

هُوَ حُجّةُ اللهِ ارتضاهُ لخلقهِ

وأبُو الأئمّةِ عِلّةِ الإيجادِ

ومَنْ الذّي عاشتْ بنيلِ أكفّهِ

أهلُ الرجا من عاكفٍ أو بادي

ويُنيلُها الأقواتَ لا يدرونها

من أيّ بيتٍ قدْ أتَتْ أو نَادي

حتّى سقتْه السُمَّ آلُ أُميّةٍ

فقضى سَميمَ الضّغنِ والأحقادِ(1)

* * *

____________________

1- من قصيدة للشيخ محمد رضا الغراوي النجفي (رحمه الله)، قال عنه السيّد جواد شبّر (رحمه الله) في أدب الطفّ: هو الشيخ محمد رضا بن قاسم ابن الشيخ محمد بن أحمد بن عيسى بن أحمد بن محمد الغرّاوي النجفي.

ولد في النجف الأشرف سنة 1303هـ، ترجم له الشيخ محمد حرز الدين في (معارف الرّجال) فقال: عالم فقيه أصولي، عارف بأخبار أهل البيتعليهم‌السلام وسيرهم، تقي صالح ثقة.

كانت له ندوة علمية وأدبية تجمع فيها نخبة من أهل الفضل في أيام التعطيل للمذاكرات العلمية، وكان أديباً شاعراً، ويعدّ من الطبقة المتوسّطة في متانة شعره ورقّته.

له ولعٌ في التأليف والتصنيف، وكان محيطه وبيئته لا يقدران له ولأمثاله من المؤلّفين جهودهم.

حضر المترجم له دروس أعلام عصره، منهم الشيخ محمد جواد الحولاوي، والسيّد كاظم الطباطبائي اليزدي وغيرهم.

ألّف كُتباً كثيرة تنوف على الخمسين مؤلّفاً ومصنّفاً منها: (أدلّة الأحكام في شرح كتاب شرائع الإسلام)، لم يتم وغيرها الكثير.

له ديوان شعر اسمه (محاسن الكواكب). توفّي في يوم الأثنين 19 ربيع الأوّل سنة 1385هـ. (أدب الطفّ 10 / 188 - 189).

٩٣

(موشّح)

هم مصايب كربله أوهم علّته

وفگد إخوته أوذبح أبوه أو غربته

وگطَّعوا بالسّم يويلي چبدته

ليش إبن حامي الحمه يسمّونه

يا علي السجّاد تبگه امصيبتك

أوكل وكت تنصب مناحه شيعتك

سيدي أولازم نشيّد حضرتك

أونوصلك رغم الذي ايمنعونه

بعد يا جرح البقيع انزف أوجور

أشوكت يخمد غضب حسرات الصدور

يا وسافه موحشه أربع اگبور

ابحكم زمره حاقده أوملعونه

* * *

٩٤

روى ابن عباس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « إذا كان يومُ القيامةِ يُنادي منادٍ: أينَ زينُ العابدينَ؟ فكأنّي انظرُ إلى ولدي عليِ بنِ الحُسينِ بنِ عليِ بنِ أبي طالبٍ يخطرُ بينَ الصّفوفِ»(1) .

الكلام عن حياة الإمام زينِ العابدين وسيّدِ الساجدينعليه‌السلام كلام ذو أبعاد عديدة، منوّعة بسبب تنوّع الأحداث التي عاشها الإمامعليه‌السلام ، فقد عاصر الإمام السجّادعليه‌السلام ستة من أئمّة الجور والطغيان من حكّام بني أُميّة وهم:

1- يزيد بن معاوية (61 - 64) هـ.

2- عبد الله بن الزبير (61 - 73) هـ.

3- معاوية بن يزيد (بضعة أشهر من عام64) هـ.

4- مروان بن الحكم (تسعة أشهر من عام65) هـ.

5- عبد الملك بن مروان (65 - 86) هـ.

6- الوليد بن عبد الملك (86 - 96) هـ.

وكلّ واحد من هؤلاء الستة - ما عدا ابن الزبير الذي يتظاهر بالخروج على بني أُميّة - له سياسته الخاصّة تجاه الإمامعليه‌السلام ، مع الحفاظ على الخطّ العام لسياستهم الطاغوتية.

وأمّا عبد الله بن الزبير فقد كان من أولئك الذين لم يبايعوا يزيد، وليس

____________________

1- علل الشرايع 1 / 229 - 230 ح1، مدينة المعاجز 4 / 241 ح17، مناقب آل أبي طالب 3 / 304، بحار الأنوار 46 / 2 - 3 ح1 عن علل الشرايع.

٩٥

ذلك إلاّ لكونه يرى نفسه خليفة قائماً بنفسه، وقد هرب إلى مكّة بعد موت معاوية، وقبل انطلاق الإمام الحسينعليه‌السلام بقليل نشط سياسيّاً هناك، وبعد استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام ؛ ولعدم وجود مَنْ ينافسه هناك حصل على بعض الأنصار، وادّعى لنفسه الخلافة، ولم يتمكّن يزيد حتى أواخر حكمه من القضاء عليه، وظلّ رافعاً راية خلافته حتى عام ثلاث وسبعين للهجرة حيث أخضع عبد الله الحجاز والعراق ومصر وبعضاً من الشرق الإسلامي لحكمه.

وانحصر حكم الأُمويين داخل حدود الشام وبعض المناطق، فقد كان يحكم من عام 61 - 73 خليفتان في منطقتين من العالم الإسلامي، ولكن خضعت جميع البلاد الإسلامية بعد هزيمة عبد الله بن الزبير على يد قوّات عبد الملك عام 73 لحكم المروانيين؛ فعادت إلى الشام مركزيتها مرّة أُخرى(1) .

فلأجل هذه الأحداث التاريخية صارت حياة الإمام زين العابدينعليه‌السلام مليئة بالتنوّع والتشكّل بأشكال متعدّدة.

ولو تأمّلنا في الكلمة المأثورة عن نبيّ الرحمةصلى‌الله‌عليه‌وآله لوجدنا الشيء العجيب، فالنبيّ يُخبِر عن الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام أنّه (ينادي منادٍ يوم القيامة: أين زين العابدين؟)، ثُمَّ بيّن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ زين العابدين هذا هو علي بن الحسينعليه‌السلام .

هذا والحسين لازال في عمر الصبا، ولم يتزوّج، ولم يولَد

____________________

1- سيرة الأئمّةعليهم‌السلام للبيشوائي / 210، الأصل والهامش مع تصرّف يسير.

٩٦

له ولد بعدُ، ولم يعرف الناس لهذا الولد الذي سيُرزق به الإمام الحسينعليه‌السلام صفة من صفات العبودية أبداً.

ولكن بعد ما يعرف السامع أنّ القائل هو النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله يصدّق؛ لأنّ المُخبَر عنه هو الله تعالى، والمُخبِر هو النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأمّا السبب في تسميتهعليه‌السلام بزين العبدين وسيّد الساجدين وذي الثَّفِنَات فهو راجع لما ذكره ولدُه الإمامُ الباقرعليه‌السلام .

حيث قالعليه‌السلام : « إنّ أبي علي بنَ الحسينعليه‌السلام ما ذكر نعمة الله عليه إلاّ سجد، ولا قرأ آية من كتاب الله (عزّ وجلّ) فيها سجود إلاّ سجد، ولا دفع الله تعالى عنه سوء يخشاه أو كيد كايد إلاّ سجد، ولا فَرِغ من صلاة مفروضة إلاّ سجد، ولا وُفِّق لإصلاح بين اثنين إلاّ سجد، وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده، فسُمِّي السّجّاد لذلك».

وقالعليه‌السلام أيضاً: « كان لأبيعليه‌السلام في موضع سجوده آثار ناتئة، وكان يقطعها في السنة مرّتين في كلِّ مرّة خمس ثفنات، فسُمِّي ذا الثفنات لذلك»(1) .

وفي كشف الغمّة: أنّ سبب لقبه بزين العابدين أنّه كان ليلة في محرابه قائماً في تهجّده، فتمثّل له الشيطان في صورة ثعبان؛ ليشغله عن عبادته، فلم يلتفت إليه، فجاء إلى إبهام رجله فالتقمها، فلم يلتفت إليه فآلمه، فلم يقطع

____________________

1- علل الشرايع 1 / 232 - 233 ح1 وح2، مناقب آل أبي طالب 3 / 304.

٩٧

صلاته، فلمّا فَرِغ منها، وقد كشف الله له، فعَلِم أنّه شيطان، فسبّه ولطمه، وقال له: « اخسأ يا ملعون»، فذهب وقام إلى تمام وِرْدِه، فسُمِع صوتٌ لا يُرى قائله وهو يقول: (أنت زين العابدين حقّاً) ثلاثاً فظهرت هذه الكلمة، واشتهرت لقباً لهعليه‌السلام (1) .

أمّا الزهري وهو من أكابر علماء العامّة فكان إذا حدّث عن الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام قال: حدّثني زين العابدين علي بن الحسين.

فقال له سفيان بن عيينه: ولِمَ تقول له زين العابدين؟

قال: لأنّي سمعت سعيد بن المسيّب يحدّث عن ابن عباس أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: « إذا كان يوم القيامة ينادي منادٍ: أين زين العابدين؟».وذكر الحديث المتقدّم.

والمهم في المقام أنّ عبادتهعليه‌السلام كانت مَضرَباً للمثل، وأشهر من أن تُذكر أو تسطّر؛ فإنّهعليه‌السلام أمير أهل زمانه، ويكفي في ذلك عدم تمكّن أحد من الناس على مضاهاة أمير المؤمنينعليه‌السلام في العبادة إلاّ هو؛ فإنّه كان يصلّي في كلّ يوم وليلة ألف ركعة، فإذا دخل وقت الصلاة ارتعش جسمه الشريف، واصفرّ لونه، وإذا شرع فيها كان كجذع الشجرة لا يتحرّك إلاّ ما حرّكت منه الريح، وإذا وصل في القراءة إلى (مالك يوم الدين) ظلَّ يكرّرها إلى أن يوشك على الموت، وإذا سجد لم يرفع رأسه الشريف حتى يتصبّب عرقاً، وإذا أصبح أصبح صائماً، وإذا أمسى أمسى عابداً، وكان يستمر في صلاته ليلاً حتى يصيبه التعب إلى درجة أنّه لا يقدر على

____________________

1- كشف الغمّة 2 / 286.

٩٨

النهوض إلى الفراش، فكان يذهب إليه كهيئة الأطفال الذين لا يقدرون على المشي، وإذا دخل شهر رمضان لم يتكلّم إلاّ بالدعاء والتسبيح والاستغفار، وكانت لديه صُرّة فيها تراب قبر الحسينعليه‌السلام ، فإذا أراد السجود سجد عليها(1) .

وأمّا قراءته للقرآن، فكان السقّاؤون يمرّون فيقفون ببابه يستمعون قراءته(2) .

وعن سفيان بن عيينة قال: حجّ علي بن الحسين، فلمّا أراد الإحرام وقفت راحلته، واصفرّ لونه، وأخذته رعشة، ولم يقدر على التلبية، فقلت: لِمَ لا تلبّي؟

فأجابني بأنّه يخاف أن يقول له الله تعالى لا لبيك ولا سعديك، فلمّا لبّى أُغمِيَ عليه، وسقط عن راحلته، وكان هذا حاله إلى أن فرغ من الحجّ(3) .

وقال طاووس اليماني: دخلت حجر إسماعيل ليلة، فرأيت علي بن الحسينعليه‌السلام في السجود وهو يكرّر كلاماً، فأصغيت جيداً، فإذا هو يقول: « إلهي، عُبيدُك بفنائك، مسكينُك بفنائك، فقيرك بفنائك».

فما أصابني بلاء، أو

____________________

1- منتهى الآمال 2 / 17.

2- الكافي 2 / 616 باب ترتيل القرآن بصوتٍ حسن ح11، التفسير الصافي 1 / 71، وسائل الشيعة 6 / 211 ح4، بحار الأنوار 46 / 70 ح45، عن الكافي.

3- تاريخ مدينة دمشق 41 / 378، مناقب آل أبي طالب 4 / 35 ح121، عوالي اللئالي 4 / 35 ح121.

٩٩

مرض أو ألم، فصلّيت وسجدت وقلتها إلاّ كشف عنّي وفرّج بي(1) .

وممّا روي عن حالهعليه‌السلام في العبادة أنّه سقط بعض ولده في بعض الليالي فانكسرت يده، فصاح أهل الدار، وأتاهم الجيران، وجِيءَ بالمجبِّر، فجبَّر الصبي وهو يصيح من الألم، وكلّ ذلك لا يسمعه، فلمّا أصبح رأى الصبي يده مربوطة إلى عنقه فقال: « ما هذا؟».فأخبروه.

ووقع حريق في بيت هو فيه ساجد، فجعلوا يقولون: يابن رسول الله النار النار، فما رفع رأسه حتى أُطْفِئَتْ، فقيل له بعد قعوده: ما الذي ألهاك عنها؟

قال: « ألهتني عنها النار الكبرى»(2) .

وهناك شواهد كثيرة من هذا القبيل في عبادته وكثرة دعائه، ويكفي دليلاً على ذلك ما سطّره الإمام في أدعيته المباركة في الصحيفة السجّادية، زبور آل مُحَمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأخت القرآن، وما اشتهر بين الناس وعُرف به فضلاً وكرامة عند الله تعالى.

ولذا ترى الناس قد انفرجت له في استلام الحجر الأسود، مع أنّه لا سلطان له، ولا سيف ولا نطع، فانفرجت له لا لشيء إلاّ لكونه أقرب الناس إلى الله تعالى، مع أنّ هشام بن عبد الملك يملك هذه الأمور، ولم يقدر على استلام الحجر الأسود؛ لشدّة الزّحام، فما كان من الشاميّين إلاّ أن ينصبوا

____________________

1- الإرشاد 2 / 143، سير أعلام النبلاء 4 / 393، البداية والنهاية 9 / 123، إعلام الورى 1 / 489، روضة الواعظين / 198.

2- مناقب آل أبي طالب 3 / 290، بحار الأنوار 46 / 80.

١٠٠